المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : من فتاوى الحج للشيخ بن عثيمين رحمه الله.


توبة
09-07-2014, 10:24 AM
من فتاوى الحج
للشيخ بن عثيمين رحمه الله

********

س 449: إذا حج من لا يصلي ولا يصوم فما حكم حجه وهو على تلك الحال؟ وهل يقضي ما ترك من العبادات إذا تاب إلى الله عز وجل؟
الجواب: ترك الصلاة كفر مخرج عن الملة موجب للخلود في النار كما دل على ذلك الكتاب، والسنة، وقول السلف- رحمهم الله- وعلى هذا فهذا الرجل الذي لا يصلي لا يحل له أن يدخل مكة لقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا )(التوبة: الآية28) .
وحجه وهو لا يصلي غير مجزئ ولا مقبول، وذلك لأنه وقع من كافر، والكافر لا تصح منه العبادات لقوله تعالى: )وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلاَّ أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلا يَأْتُونَ الصَّلاةَ إِلاَّ وَهُمْ كُسَالَى وَلا يُنْفِقُونَ إِلاَّ وَهُمْ كَارِهُونَ) (التوبة:54) .
أما بالنسبة لما ترك من الأعمال السابقة فلا يجب عليه قضاؤها لقوله تعالى: (قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ) (الأنفال:38) .
فعلى من وقع في ذلك أن يتوب إلى الله توبة نصوحاً، ويستمر في فعل الطاعات، والتقرب إلى الله عز وجل بكثرة الأعمال الصالحة ويكثر من الاستغفار والتوبة وقد قال الله تعالى : (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) (الزمر:53) وهذه الآية نزلت في التائبين فكل ذنب يتوب العبد منه ولو كان شركاً بالله عز وجل فإن الله يتوب عليه. والله الهادي إلى سواء الصراط.

* * *
س450: كثيراً ما نلاحظ بعضاً من المسلمين وخاصة من الشباب من يتساهل في أداء فريضة الحج ويسوف في ذلك، ,أحياناً يتعذر بمشاغل فما حكم ذلك؟ وبماذا تنصحون هذا؟
وأحياناً نلاحظ بعضاً من الآباء يمنعون أبناءهم من أداء فريضة الحج بحجة الخوف عليهم، أو أنهم صغار مع أن شروط الحج متوفرة فيهم فما حكم فعل الآباء هذا؟ وما حكم طاعة الأبناء لآباءهم في ذلك؟ جزاكم الله خيراً ووفقكم لما فيه خيري الدنيا والآخرة.
الجواب: من المعلوم أن الحج من أركان الإسلام ومبانيه العظام، وأنه لا يتم إسلام الشخص حتى يحج، إذا تمت في حقه شروط الوجوب؛ ولا يحل لمن تمت شروط الوجوب في حقه أن يؤخر الحج؛ لأن أوامر الله تعالى، ورسوله عليه الصلاة والسلام على الفور، ولأن الإنسان لا يدري ما يعرض له فربما يفتقر ، أو يمرض، أو يموت.
ولا يحل للآباء والأمهات أن يمنعوا أبناءهم من الحج إذا تمت شروط الوجوب في حقهم، وكانوا مع رفقة مؤتمنين في دينهم وأخلاقهم.
ولا يجوز للأبناء أن يطيعوا آباءهم، أو أمهاتهم في ترك الحج مع وجوبه، لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، اللهم إلا أن يذكر الآباء أو الأمهات مبرراً شرعياً لمنعم فحينئذ يلزم الأبناء تأخير الحج إلى أن يزول هذا المبرر للتأخير.
أسأل الله تعالى أن يوفق الجميع لما فيه الخير والصلاح.

* * *
س451: من عليه دين هل يلزمه الحج؟
الجواب: إذا كان على الإنسان دين يستغرق ما عنده من المال فإنه لا يجب عليه الحج؛ لأن الله تعالى إنما أوجب الحج على المستطيع قال الله تعالى: ( وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً ) (آل عمران: الآية97). ومن عليه دين يستغرق ما عنده لم يكن مستطيعاً للحج، وعلى هذا فيوفي الدين، ثم إذا تيسر له بعد ذلك فليحج.
وأما إذا كان الدين أقل مما عنده بحيث يتوفر لديه ما يحج به من بعد أداء الدين فإنه يقضي دينه، ثم يحج حينئذ، سواء كان فرضاً أم تطوعاً، ولكن الفريضة يجب عليه أن يبادر بها، وغير الفريضة هو بالخيار إن شاء تطوع، وإن شاء أن لا يتطوع ، وأن شاء أن لا يتطوع فلا إثم عليه.

* * *
س 452: من وكل شخصاً ليحج عن أمه ثم علم بعد ذلك أن هذا الشخص قد أخذ وكالات عديدة فما الحكم حينئذ؟ أفتونا غفر الله لكم.
الجواب: الذي ينبغي للإنسان أن يكون حازماً في تصرفه، وأن لا يكل الأمر إلا إلى شخص يطمئن إليه في دينه، بأن يكون أميناً عالماً بما يحتاج إليه في مثل ذلك العمل الذي وكل إليه فإذا أردت أن تعطي شخصاً ليحج عن أبيك المتوفى، أو أمك فعليك أن تختار من الناس من تثق به في علمه وفي دينه؛ وذلك لآن كثيراً من الناس عندهم جهل عظيم في أحكام الحج، فلا يؤدون الحج على ما ينبغي، وإن كانوا هم في أنفسهم أمناء، لكنهم يظنون أن هذا هو الواجب عليهم، وهم يخطئون كثيراً ، ومثل هؤلاء لا ينبغي أن يعطوا إنابة في الحج لقصور علمهم، ومن الناس من يكون عنده علم لكن ليس لديه أمانة فتجده لا يهتم بما يقوله، أو يفعله في مناسك الحج لضعف أمانته ودينه، ومثل هذا أيضاً لا ينبغي أن يعطى أو أن يوكل إليه أداء الحج، فعلى من أراد أن ينيب شخصاً في الحج عنه أن يختار أفضل من يجده علماً وأمانة، حتى يؤدى ما طلب منه على الوجه الأكمل.
وهذا الرجل الذي ذكر السائل أنه أعطاه ليحج عن والدته وسمع فيما بعد أنه أخذ حجات أخرى لغيره ينظر فلعل هذا الرجل أخذ الحجات عن غيره وأقام أناساً يؤدونها، وقام هو بأداء الحج عن الذي استنابه ولكن هل يجوز للإنسان أن يفعل هذا الفعل؟ أي: هل يجوز للإنسان أن يتوكل عن أشخاص متعددين في الحج أو في العمرة، ثم لا يباشر هو بنفسه ذلك، بل يكلها إلى ناس آخرين؟
فنقول في الجواب: إن ذلك لا يجوز ولا يحل ، وهو من أكل المال بالباطل ، فإن بعض الناس يتاجر في هذا الأمر تجده يأخذ عدة حجج، وعدة عمرات على أنه هو الذي سيقوم بها، ولكنه يكلها إلى فلان وفلان من الناس بأقل مما أخذ هو، فيكسب أموالاً بالباطل، ويعطي أشخاصاً قد لا يرضونهم من أعطوه هذه الحجج أو العمرات، فعلى المرء أن يتقي الله عز وجل في إخوانه، وفي نفسه؛ لأنه إذا أخذ مثل هذا المال فقد أخذه بغير حق، ولأنه إذا ائتمن من قبل إخوانه على أنه هو الذي يؤدي الحج ، أو العمرة فإنه لا يجوز له أن يكل ذلك إلى غيره، لأن هذا الغير قد لا يرضاه من أعطاه هذه الحجج أو هذه العمرات.

* * *
س 453: شخص كبير في السن أحرم بالعمرة ولما وصل إلى البيت عجز عن أداء العمرة فماذا يصنع؟
الجواب: الجواب: أنه يبقى على إحرامه حتى ينشط إلا إذا كان قد اشترط عند الإحرام: (( إن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني))، فإنه يحل ولا شيء عليه، ولا عمرة، ولا طواف وداع، أما إذا لم يقل ذلك ولم يرجى زوال ما به فإنه يحتلل ويذبح فدية إذا كان واجداً لأن الله تعالى يقول: (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلا تَحْلِقُوا رُؤُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ ) (البقرة:196) والنبي عليه الصلاة والسلام عندما أحصر عن إتمام عمرة الحديبية ذبح هديه وحل.

* * *
س 454: إذا حج الإنسان عن غيره بأجرة فبقي منها شيء فهل يأخذه؟
الجواب: إذا أخذ دراهم ليحج بها وزادت هذه الدراهم عن نفقة الحج فإنه لا يلزمه أن يردها إلى من أعطاه هذه الدراهم كان الذي أعطاه قال له: ((حج منها)) ولم يقل: ((حج بها)) فإذا قال ((حج منها)) فإنه إذا زاد شيء عن النفقة يلزمه أن يرده إلى صاحبه، فإن شاء عفا عنه، وإن شاء أخذه ، وأما إذا قال: ((حج بها)) فإنه لا يلزمه أن يرد شيئاً إذا بقي، اللهم إلا إذا يكون الذي أعطاه رجلاً لا يدري عن أمور الحج، ويظن أن الحج يكلف مصاريف كثيرة فأعطاه بناء على ظنه وعدم معرفته فحينئذ يجب عليه أن يبين له، وأن يقول : إني حججت بكذا وكذا، وإن الذي أعطيتني أكثر مما أستحق، وحينئذ إذا رخص له فيه وسمح له فلا حرج.

* * *
س 455: إذا اعتمر الابن عن أبيه فهل يجوز له أن يدعو لنفسه؟
الجواب: يجوز أن يدعو لنفسه في هذه العمرة، ولأبيه ولمن شاء من المسلمين، لأن المقصود أن يأتي بأفعال العمرة لمن أرادها له.
أما مسألة الدعاء فإنه ليس بركن ولا بشرط في العمرة فيجوز أن يدعو لنفسه، ولمن كانت له هذه العمرة، ولجميع المسلمين.

* * *
س 456: ما حكم الإستنابة في الحج أو العمرة؟
الجواب: توكيل الإنسان من يحج عنه لا يخلو من حالين:
الحالة الأولى: أن يكون ذلك في فريضة.
الحالة الثانية: أن يكون ذلك في نافلة.
فإن كان ذلك في فريضة فإنه لا يجوز أن يوكل غيره ليحج عنه ويعتمر، إلا إذا كان في حال لا يتمكن بنفسه من الوصول إلى البيت، لمرض مستمر لا يُرجى زواله، أو لكبر ونحو ذلك فإن كان يرجى زوال هذا المرض فإنه ينتظر حتى يعافيه الله، ويؤدي الحج بنفسه، وإن لم يكن لديه مانع من الحج بل كان قادراً على أن يحج بنفسه، فإنه لا يحل له أن يوكل غيره في أداء النسك عنه؛ لأنه هو المطالب به شخصياً قال الله تعالى: ( وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً) (آل عمران: 97) فالعبادات يقصد بها أن يقوم الإنسان بنفسه فيها ليتم له التعبد والتذلل لله – سبحانه وتعالى- ومن المعلوم أن من وكل غيره فإنه لا يحصل على هذا المعنى العظيم الذي من أجله شرعت العبادات.
وأما إذا كان الموكل قد أدى الفريضة وأراد أن يوكل عنه من يحج أو يعتمر فإن في ذلك خلافاً بين أهل العلم:
فمنهم من أجازه.
ومنهم من منعه.
والأقرب عندي : المنع، وأنه لا يجوز لأحد أن يوكل أحداً يحج عنه، أو يعتمر إذا كان ذلك نافلة، لأن الأصل في العبادات أن يقوم بها الإنسان بنفسه، وكما إنه لا يوكل الإنسان أحداً يصوم عنه مع أنه لو مات وعليه صيام فرض صام عن وليه، فكذلك في الحج والحج عبادة يقوم فيها الإنسان ببدنه، وليست عبادة مالية يقصد بها نفع الغير، وإذا كانت عبادة بدنية يقوم الإنسان فيها ببدنه فإنها لا تصح من غيره عنه إلا فيما وردت به السنة، ولم ترد السنة في حج الإنسان عن غيره حج نفل، وهذه إحدى الروايتين عن الإمام أحمد –رحمه الله- أعني أن الإنسان لا يصح أن يوكل غيره في نفل حج أو عمرة، سواء كان قادراً أم غير قادر، ونحن إذا قلنا بهذا القول صار في ذلك حث على الأغنياء القادرين على الحج بأنفسهم، لأن بعض الناس تمضى عليه السنوات الكثيرة ما ذهب إلى مكة اعتماداً على أنه يوكل من يحج عنه كل عام، فيفوته المعنى الذي من أجله شرع الحج بناء على أنه يوكل من يحج عنه.


يتبع إن شاء الله