المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : باب كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل - كتاب الرقاق -صحيح البخاري


توبة
11-08-2014, 04:52 PM
المجلس الرابع
15 محرم 1436 هــ

تابع كتاب الرقاق من صحيح البخاري

باب قول النبي صلى الله عليه وسلم

كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل




قال الإمام البخاري رحمه الله




[ 6053 ] حدثنا علي بن عبد الله حدثنا محمد بن عبد الرحمن
أبو المنذر الطفاوي عن سليمان الأعمش قال حدثني مجاهد عن

عبد الله بن عمر رضى الله تعالى عنهما قال أخذ رسول الله صلى

الله عليه وسلم بمنكبي فقال كن في الدنيا كأنك غريب أو

عابر سبيل وكان بن عمر يقول إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح

وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء وخذ من صحتك لمرضك

ومن حياتك لموتك .



قوله ( أخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمنكبي )
فيه تعيين ما أبهم في رواية ليث عند الترمذي " أخذ ببعض
جسدي " والمنكب بكسر الكاف مجمع العضد والكتف

وضبط في بعض الأصول بالتثنية.



قوله ( كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل )

قال الطيبي : ليست أو للشك بل للتخيير والإباحة والأحسن
أن تكون بمعنى بل فشبه الناسك السالك بالغريب الذي ليس

له مسكن يأويه ولا مسكن يسكنه ثم ترقى وأضرب عنه إلى
عابر السبيل لأن الغريب قد يسكن في بلد الغربة بخلاف

عابر السبيل القاصد لبلد شاسع وبينهما أودية مردية ومفاوز

مهلكة وقطاع طريق فإن من شأنه أن لا يقيم لحظة ولا يسكن
لمحة ومن ثم عقبه بقوله إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح إلخ "

وبقوله وعد نفسك في أهل القبور والمعنى استمر سائرا ولا تفتر
فإنك إن قصرت انقطعت وهلكت في تلك الأودية وهذا معنى

المشبه به وأما المشبه فهو قوله وخذ من صحتك لمرضك أي

أن العمر لا يخلو عن صحة ومرض فإذا كنت صحيحا فسر

سير القصد وزد عليه بقدر قوتك ما دامت فيك قوة بحيث تكون

ما بك من تلك الزيادة قائما مقام ما لعله يفوت حالة

المرض والضعف زاد عبدة في روايته عن ابن عمر اعبد الله كأنك

تراه وكن في الدنيا الحديث وزاد ليث في روايته وعد نفسك في

أهل القبور وفي رواية سعيد بن منصور " وكأنك عابر سبيل "

وقال ابن بطال : لما كان الغريب قليل الانبساط إلى الناس بل
هو مستوحش منهم إذ لا يكاد يمر بمن يعرفه مستأنس به فهو
ذليل في نفسه خائف وكذلك عابر السبيل لا ينفذ في سفره إلا

بقوته عليه وتخفيفه من الأثقال غير متثبت بما يمنعه من قطع

سفره معه زاده وراحلته يبلغانه إلى بغيته من قصده شبهه بهما

وفي ذلك إشارة إلى إيثار الزهد في الدنيا وأخذ البلغة منها

والكفاف فكما لا يحتاج المسافر إلى أكثر مما يبلغه إلى غاية

سفره فكذلك لا يحتاج المؤمن في الدنيا إلى أكثر مما يبلغه المحل

وقال غيره هذا الحديث أصل في الحث على الفراغ عن الدنيا

والزهد فيها والاحتقار لها والقناعة فيها بالبلغة وقال النووي :
معنى الحديث لا تركن إلى الدنيا ولا تتخذها وطنا ولا تحدث

نفسك بالبقاء فيها ولا تتعلق منها بما لا يتعلق به الغريب في
غير وطنه وقال غيره عابر السبيل هو المار على الطريق طالبا

وطنه فالمرء في الدنيا كعبد أرسله سيده في حاجة إلى غير بلده

فشأنه أن يبادر بفعل ما أرسل فيه ثم يعود إلى وطنه ولا يتعلق

بشيء غير ما هو فيه وقال غيره المراد أن ينزل المؤمن نفسه في

الدنيا منزلة الغريب فلا يعلق قلبه بشيء من بلد الغربة بل قلبه

متعلق بوطنه الذي يرجع إليه ويجعل إقامته في الدنيا ليقضي

حاجته وجهازه للرجوع إلى وطنه وهذا شأن الغريب أو
يكون كالمسافر لا يستقر في مكان بعينه بل هو دائم
السير إلى بلد .



الإقامة واستشكل [ ص: 239 ] عطف عابر السبيل على

الغريب وقد تقدم جواب الطيبي وأجاب الكرماني بأنه
من عطف العام على الخاص وفيه نوع من الترقي لأن تعلقاته
أقل من تعلقات الغريب المقيم.



قوله وكان ابن عمر يقول ) في رواية ليث " وقال لي ابن عمر إذا أصبحت " الحديث.



قوله وخذ من صحتك أي زمن صحتك ( لمرضك ) في رواية

ليث " لسقمك " والمعنى اشتغل في الصحة بالطاعة بحيث لو
حصل تقصير في المرض لا يجبر بذلك.





قوله ومن حياتك لموتك في رواية ليث " قبل موتك " وزاد "

فإنك لا تدري يا عبد الله ما اسمك غدا " أي هل يقال
له شقي أو سعيد ولم يرد اسمه الخاص به فإنه لا يتغير وقيل

المراد هل هو حي أو ميت وهذا القدر الموقوف من هذا
تقدم محصل معناه في حديث ابن عباس أول كتاب
الرقاق وجاء معناه من حديث ابن عباس أيضا
مرفوعا أخرجه الحاكم " أن النبي - صلى الله

عليه وسلم - قال لرجل وهو يعظه اغتنم خمسا قبل خمس

شبابك قبل هرمك وصحتك قبل سقمك وغناك قبل فقرك

وفراغك قبل شغلك وحياتك قبل موتك.
وأخرجه ابن المبارك في
الزهد بسند صحيح من مرسل عمرو بن ميمون
قال بعض العلماء كلام ابن عمر منتزع من الحديث
المرفوع وهو متضمن لنهاية قصر الأمل وأن العاقل ينبغي
له إذا أمسى لا ينتظر الصباح وإذا أصبح لا ينتظر المساء
بل يظن أن أجله مدركه قبل ذلك .

قال : وقوله " خذ من صحتك إلخ " أي اعمل ما تلقى
نفعه بعد موتك وبادر أيام صحتك بالعمل الصالح فإن المرض
قد يطرأ فيمتنع من العمل فيخشى على من فرط في ذلك أن
يصل إلى المعاد بغير زاد ولا يعارض ذلك الحديث الماضي
في الصحيح إذا مرض العبد أو سافر كتب الله له ما كان
يعمل صحيحا مقيما لأنه ورد في حق من يعمل
والتحذير الذي في حديث ابن عمر في حق من لم يعمل
شيئا فإنه إذا مرض ندم على تركه العمل وعجز لمرضه
عن العمل فلا يفيده الندم
وفي الحديث مس المعلم أعضاء المتعلم عند التعليم والموعوظ

عند الموعظة وذلك للتأنيس والتنبيه ولا يفعل ذلك غالبا إلا بمن
يميل إليه وفيه مخاطبة الواحد وإرادة الجمع وحرص النبي - صلى

الله عليه وسلم - على إيصال الخير لأمته والحض على ترك
الدنيا والاقتصار على ما لا بد منه.






المصدر (http://library.islamweb.net/newlibrary/display_book.php?idfrom=11743&idto=11744&bk_no=52&ID=3593)



(http://library.islamweb.net/newlibrary/display_book.php?idfrom=11743&idto=11744&bk_no=52&ID=3593)