أم أبي التراب
09-24-2015, 02:34 AM
التذكير ببعض معاني التكبير
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله.
وبعد:
فإن التكبير من شعائر العيد والإسلام، فهو سنة ثابتة في عيد الفطر والأضحى، وهو في
الثاني أظهرُ؛ إذ كانت أيام العشر من ذي الحجة زمانا له، فضلا عن أيام التشريق، فيُشْرَعُ فيها التكبيرُ مطلقا، بينما خصَّ المقيَّد بيوم عرفة مع أيام العيد.
وقد ثبتتْ منْ صِيَغِ التكبير ما تَقَارَبَ لفظُه، فلا بأسَ من الوقوف على صيغة منها يُمكن معها جميل النظر، لاستنباط بعض ما ينبغي أن يَحْصُلَ في قلب العبْد إذا ما جرى على
لسانه ذلك الذّكر الجميل، بتكبير ربنا الجليل:
(الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله والله أكبر الله أكبر ولله الحمد).
فانظر -رحمك الله- إلى كلماته، وارجع البصر هل ترى إلا حروفا من النور رسمها وبالسكينة نظمها؟ تكبيرات ثلاث توالت كأنها دُرَرٌ في عقْد أتين وصيفات بين يدي أكرم الكلمات وأشرف العبارات، كلمة الإخلاص والقصد، تهليلة زانها تكبيرة أخرى للواحد الأحد،
ثم تكبيرة تأتي وقد مزجت بالشكران والحمد، ألا تجدها وهي تجري على اللسان أحلى من الشهد؟!
فإذا رأى الناظر في رسم تلك الحروف هذه الزينة تَكسوها؛ وجد لها في نفسه راحة، وفرْحة يخف معها نَصَبُه، وسمع لوقْعها في الآذان حُدَاءً ينشط به كسبه، فكيف بما يكون لها من المضمون والمعنى مما خوطب به قلبه؟! ألا يَستدعي ذلك في النفس نشاطًا تطلب به تلك المعاني؟!. ألا يستوجب عند أهل الدين حرصًا على تحصيل هذه الخيرات
والعطايا التي جاءت من وراء تلك المباني؟!
فدُونَك تلك الإشارات الموجزة إلى بعض معاني التكبير مِمَّا فتح الله وجاد، عساها تنفذ إلى القلب فتُوقِظ فيه الوسنان وتُنَشِّطُ منه الكسلان، ليَسعى القلب بذلك التكبير مرتحلاً
إلى الله تعالى ليحصِّل حظه من حبه ومَحابه، ولينعم بقربه وجَنَابه.
الإشارة الأولى:
التكبير تَعبّد لله تعالى باسمه (الكبير) جل شأنه، وأثر من آثار وصفه بالكِبَر؛ إذ إنَّ الله تعالى يحب أن يُعبد ويُذكر بصفاته، وأن توجد آثارها وموجباتها، فشَرَعَ لعباده ما به تُعَظَّمُ تلك الصفات الجليلة، وتُمَجَّدُ هذه الأسماء الجميلة مع غنائه عن ذلك؛ إذ لا يُحصي أحد ثناء عليه، بل هو كما أثنى على نفسه سبحانه، لكن رحمة الله تعالى بعباده اقتضت أن يَجعل لهم من ذكره ما به إليه يتقربون، ومن معرفته ما به إليه يتوصلون، فيباركهم بذلك ويرحمهم ويزكيهم، ولولا ذلك؛ لصاروا كالأنعام، بل أضلّ.
والمقصود: أن كون الله تعالى كبيرا اقتضى التّقرّب إليه بذلك الاسم وكان من ذلك التكبيرُ، كما قال جل ذكره: ﴿وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا﴾ [الإسراء: 111].
بل وصْفه سبحانه بالكبرياء والتكبّر مشتقّ من معنى الكبر، فحق التكبيرات أن يَتَوَسَّلَ بهاالعبد إلى فهْم معنى اسم الله الكبير، ويَتوصل بها إلى آثار ذلك الاسم الجليل من عبادة
الله وتوحيده ومحبته.
وانظر كيف اقترن اسمه سبحانه (الكبير) باسمه (العليّ) في القرآن، بل صفة الكبير لم تأت إلا معطوفة على صفة العلو دائمًا، فإنّ من لوازم العلوّ والرّفعة بالنسبة إلى مُدْرَكَات
حواس الخلق الصغر في ما يبدو، فكلما علا الشيء وارتفع؛ بدا في مدرك البصر أصغرَ، فناسب أن يَقترن بوصفِ علوِّه سبحانه وصف الكبر، فله العلو المطلق، كما أن له الكبر المطلق، لينفيَ كلّ طمع في إدراك ذاته ويقطع أسباب الوصول إلى ذلك، فلا يُقاس ما له سبحانه على مُدركات الخلق، ولا يُرد ما خصَّه جل ذكْره إلى معايير خواصِّهم، فهو العليّ في غير ما يبدو لهم من اللوازم الحسيّة، وهو الكبير الذي لا يُعارض كبرُه كمالَ
العلويّة. ثم تأمل لطيفةً أخرى باقتران الاسمين الجليلين معا، فإن وصف الكبر ألزم بالذوات من العلو، إذ إن العلو يحتمل علو الذات وعلو الصفات أو الأفعال، أما الكبر؛ فهو ألصق بالذات، مما يجعل اقترانهما قرينة على قصْد علوّ الذات في اسمه (العلي) سبحانه، فمجيء وصف الكبر عضد هذا القصد وأظهره فله العلو المطلق بذاته على كل
مخلوقاته استئناسا بهذا الاقتران.
وتدبر -رحمك الله- سياق الآيات التي أتى فيها هذا الاسم الشريف -اسم (الكبير)- فإنك لَتجدها في تنـزيه الله تعالى عن كل نقض أو نقص اقترفه الناس فيما أوجبه عليهم، من حق توحيده والتعبد له بلا شريك؛ كما في قوله تعالى: ﴿ذَلِكُم بأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِن يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ﴾ [غافر: 12]،
فهو الكبير سبحانه فلا يكبره شيء، ومقتضى وصفه بالكبر المطلق أن يُستدل بذلك على إفراده بالعبودية، فهذا
مقتضى تكبيره، وكل ما سواه فحقّه التصغير، فكيف يتعلق القلب بمثل ذلك، وقد حكمالله تعالى واقتضت أسماؤه وصفاته أنّ كل ما سواه باطل، كما قال سبحانه: ﴿ ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ ﴾ [الحج: 62]،
وقوله جل ذكره: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ﴾
[لقمان: 30]،
ولذلك يقتضي التّدبّرُ في ذلك الاسم مجاوزةَ وصف الذات إلى وصف الأفعال، فأفعاله سبحانه كذلك كبيرة في جلالها وحكمتها، حقّها أن يكبِّرها العبد تكبيرا، ولعل ذلك استئناسٌ باقتران اسم الكبير مع صفة العلو، على عكس ما ذكرناه قبل، فإجمال العلوّ للذوات والمعاني أظهرُ في صفة الكبير استيعابـًا لجميل أفعاله سبحانه، كما في قوله جل ثناؤه: ﴿اللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنثَى وَمَا تَغِيضُ الْأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ وَكُلُّ شَيْءٍ عِندَهُ بِمِقْدَارٍ * عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ﴾ [الرعد: 8-9]،
وفي قوله تعالى: ﴿فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا﴾ [النساء: 34]
تنبيهٌ على تعبّد لازم للقلب بهذا الاسم الجليل حالَ كون العبد متعاطيًا لسبب يرفعه على غيره، كما في علاقة الزواج، فناسب في مقام مطالبة الزوج بالتجاوز والعفو مع
التمكّن من ضده أن يأتي بهذين الاسمين، فإنه يَغيب بشهود علوِّ الله تعالى على جميع خلقه عن شهود علوِّه على أهله، ويَفنَى ما أُعطي من أسباب الكِبَر على زوجه بما يرى
من مطلق كِبَر الله تعالى
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله.
وبعد:
فإن التكبير من شعائر العيد والإسلام، فهو سنة ثابتة في عيد الفطر والأضحى، وهو في
الثاني أظهرُ؛ إذ كانت أيام العشر من ذي الحجة زمانا له، فضلا عن أيام التشريق، فيُشْرَعُ فيها التكبيرُ مطلقا، بينما خصَّ المقيَّد بيوم عرفة مع أيام العيد.
وقد ثبتتْ منْ صِيَغِ التكبير ما تَقَارَبَ لفظُه، فلا بأسَ من الوقوف على صيغة منها يُمكن معها جميل النظر، لاستنباط بعض ما ينبغي أن يَحْصُلَ في قلب العبْد إذا ما جرى على
لسانه ذلك الذّكر الجميل، بتكبير ربنا الجليل:
(الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله والله أكبر الله أكبر ولله الحمد).
فانظر -رحمك الله- إلى كلماته، وارجع البصر هل ترى إلا حروفا من النور رسمها وبالسكينة نظمها؟ تكبيرات ثلاث توالت كأنها دُرَرٌ في عقْد أتين وصيفات بين يدي أكرم الكلمات وأشرف العبارات، كلمة الإخلاص والقصد، تهليلة زانها تكبيرة أخرى للواحد الأحد،
ثم تكبيرة تأتي وقد مزجت بالشكران والحمد، ألا تجدها وهي تجري على اللسان أحلى من الشهد؟!
فإذا رأى الناظر في رسم تلك الحروف هذه الزينة تَكسوها؛ وجد لها في نفسه راحة، وفرْحة يخف معها نَصَبُه، وسمع لوقْعها في الآذان حُدَاءً ينشط به كسبه، فكيف بما يكون لها من المضمون والمعنى مما خوطب به قلبه؟! ألا يَستدعي ذلك في النفس نشاطًا تطلب به تلك المعاني؟!. ألا يستوجب عند أهل الدين حرصًا على تحصيل هذه الخيرات
والعطايا التي جاءت من وراء تلك المباني؟!
فدُونَك تلك الإشارات الموجزة إلى بعض معاني التكبير مِمَّا فتح الله وجاد، عساها تنفذ إلى القلب فتُوقِظ فيه الوسنان وتُنَشِّطُ منه الكسلان، ليَسعى القلب بذلك التكبير مرتحلاً
إلى الله تعالى ليحصِّل حظه من حبه ومَحابه، ولينعم بقربه وجَنَابه.
الإشارة الأولى:
التكبير تَعبّد لله تعالى باسمه (الكبير) جل شأنه، وأثر من آثار وصفه بالكِبَر؛ إذ إنَّ الله تعالى يحب أن يُعبد ويُذكر بصفاته، وأن توجد آثارها وموجباتها، فشَرَعَ لعباده ما به تُعَظَّمُ تلك الصفات الجليلة، وتُمَجَّدُ هذه الأسماء الجميلة مع غنائه عن ذلك؛ إذ لا يُحصي أحد ثناء عليه، بل هو كما أثنى على نفسه سبحانه، لكن رحمة الله تعالى بعباده اقتضت أن يَجعل لهم من ذكره ما به إليه يتقربون، ومن معرفته ما به إليه يتوصلون، فيباركهم بذلك ويرحمهم ويزكيهم، ولولا ذلك؛ لصاروا كالأنعام، بل أضلّ.
والمقصود: أن كون الله تعالى كبيرا اقتضى التّقرّب إليه بذلك الاسم وكان من ذلك التكبيرُ، كما قال جل ذكره: ﴿وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا﴾ [الإسراء: 111].
بل وصْفه سبحانه بالكبرياء والتكبّر مشتقّ من معنى الكبر، فحق التكبيرات أن يَتَوَسَّلَ بهاالعبد إلى فهْم معنى اسم الله الكبير، ويَتوصل بها إلى آثار ذلك الاسم الجليل من عبادة
الله وتوحيده ومحبته.
وانظر كيف اقترن اسمه سبحانه (الكبير) باسمه (العليّ) في القرآن، بل صفة الكبير لم تأت إلا معطوفة على صفة العلو دائمًا، فإنّ من لوازم العلوّ والرّفعة بالنسبة إلى مُدْرَكَات
حواس الخلق الصغر في ما يبدو، فكلما علا الشيء وارتفع؛ بدا في مدرك البصر أصغرَ، فناسب أن يَقترن بوصفِ علوِّه سبحانه وصف الكبر، فله العلو المطلق، كما أن له الكبر المطلق، لينفيَ كلّ طمع في إدراك ذاته ويقطع أسباب الوصول إلى ذلك، فلا يُقاس ما له سبحانه على مُدركات الخلق، ولا يُرد ما خصَّه جل ذكْره إلى معايير خواصِّهم، فهو العليّ في غير ما يبدو لهم من اللوازم الحسيّة، وهو الكبير الذي لا يُعارض كبرُه كمالَ
العلويّة. ثم تأمل لطيفةً أخرى باقتران الاسمين الجليلين معا، فإن وصف الكبر ألزم بالذوات من العلو، إذ إن العلو يحتمل علو الذات وعلو الصفات أو الأفعال، أما الكبر؛ فهو ألصق بالذات، مما يجعل اقترانهما قرينة على قصْد علوّ الذات في اسمه (العلي) سبحانه، فمجيء وصف الكبر عضد هذا القصد وأظهره فله العلو المطلق بذاته على كل
مخلوقاته استئناسا بهذا الاقتران.
وتدبر -رحمك الله- سياق الآيات التي أتى فيها هذا الاسم الشريف -اسم (الكبير)- فإنك لَتجدها في تنـزيه الله تعالى عن كل نقض أو نقص اقترفه الناس فيما أوجبه عليهم، من حق توحيده والتعبد له بلا شريك؛ كما في قوله تعالى: ﴿ذَلِكُم بأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِن يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ﴾ [غافر: 12]،
فهو الكبير سبحانه فلا يكبره شيء، ومقتضى وصفه بالكبر المطلق أن يُستدل بذلك على إفراده بالعبودية، فهذا
مقتضى تكبيره، وكل ما سواه فحقّه التصغير، فكيف يتعلق القلب بمثل ذلك، وقد حكمالله تعالى واقتضت أسماؤه وصفاته أنّ كل ما سواه باطل، كما قال سبحانه: ﴿ ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ ﴾ [الحج: 62]،
وقوله جل ذكره: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ﴾
[لقمان: 30]،
ولذلك يقتضي التّدبّرُ في ذلك الاسم مجاوزةَ وصف الذات إلى وصف الأفعال، فأفعاله سبحانه كذلك كبيرة في جلالها وحكمتها، حقّها أن يكبِّرها العبد تكبيرا، ولعل ذلك استئناسٌ باقتران اسم الكبير مع صفة العلو، على عكس ما ذكرناه قبل، فإجمال العلوّ للذوات والمعاني أظهرُ في صفة الكبير استيعابـًا لجميل أفعاله سبحانه، كما في قوله جل ثناؤه: ﴿اللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنثَى وَمَا تَغِيضُ الْأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ وَكُلُّ شَيْءٍ عِندَهُ بِمِقْدَارٍ * عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ﴾ [الرعد: 8-9]،
وفي قوله تعالى: ﴿فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا﴾ [النساء: 34]
تنبيهٌ على تعبّد لازم للقلب بهذا الاسم الجليل حالَ كون العبد متعاطيًا لسبب يرفعه على غيره، كما في علاقة الزواج، فناسب في مقام مطالبة الزوج بالتجاوز والعفو مع
التمكّن من ضده أن يأتي بهذين الاسمين، فإنه يَغيب بشهود علوِّ الله تعالى على جميع خلقه عن شهود علوِّه على أهله، ويَفنَى ما أُعطي من أسباب الكِبَر على زوجه بما يرى
من مطلق كِبَر الله تعالى