المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : تفريغ شرح القواعد المثلى في صفات الله وأسمائه الحسنى للشيخ العثيمين


أم أبي التراب
09-23-2018, 03:08 AM
بسم الله الرحمن الرحيم

فهرس التفريغ

روابط تحميل التفريغ والملفات الصوتية للشيخ العثيمين
برجاء من يتابع التفريغ يتابع معه الشرح- الصوتي للشيخ العثيمين لعل يكون هناك خطأ أونسيان
نسأل الله أن يغفر لنا ويرحمنا

*رابط تحميل كتاب شرح القواعد المثلى=هنا (https://drive.google.com/file/d/0B6KywGKQA8dmcHlOeHV3b2w5bXc/view?usp=sharing)=

*رابط تحميل الملفات الصوتية كاملة لشرح القواعد المثلى في صفات الله وأسمائه الحسنى للشيخ محمد بن صالح العثيمين = هنا (https://drive.google.com/drive/folders/0B6KywGKQA8dmTS12anQtRHFJOVk?usp=sharing) =
*رابط تحميل تفريغ الملفات الصوتية كاملة على الدريف = هنا (https://drive.google.com/drive/folders/1gIq2lzAfuJ_i53ISQrMjF5FvETLcoAyY?usp=sharing)

=رابط تحميل الملف الأول الصوتي = هنا (https://drive.google.com/file/d/0B6KywGKQA8dmUGM5aVRaY1o5dk0/view?usp=sharing) =
رابط تحميل تفريغ الشريط الأول = هنا (https://up.top4top.net/downloadf-1003c8nl21-doc.html)=
المتابعة على مدونة منبر الدعوة= هنا (https://mnbralda3wa.blogspot.com/2014/10/blog-post_10.html) =

=رابط تحميل الملف الثاني الصوتي = هنا (https://drive.google.com/file/d/0B6KywGKQA8dmTmV4SXo3M2dSRWs/view?usp=sharing) =
رابط تحميل تفريغ الشريط الثاني = هنا (https://up.top4top.net/downloadf-1003rmal21-doc.html) =
المتابعة على مدونة منبر الدعوة= هنا (https://mnbralda3wa.blogspot.com/2014/10/5-7.html) =

=رابط تحميل الملف الثالث الصوتي = هنا (https://drive.google.com/file/d/0B6KywGKQA8dmd3JyRk9QZEJTdHc/view?usp=sharing) =
رابط تحميل تفريغ الشريط الثالث = هنا (https://up.top4top.net/downloadf-1003lsva81-doc.html) =
المتابعة على مدونة منبر الدعوة= هنا (https://mnbralda3wa.blogspot.com/2014/10/blog-post.html) =

=رابط تحميل الملف الرابع الصوتي = هنا (https://drive.google.com/file/d/0B6KywGKQA8dmbzV1VXN3NTc3MlU/view?usp=sharing) =
رابط تحميل تفريغ الشريط الرابع = هنا (https://up.top4top.net/downloadf-1003tes071-doc.html) =
المتابعة على مدونة منبر الدعوة= هنا (https://mnbralda3wa.blogspot.com/2015/12/blog-post.html) =

=رابط تحميل الملف الخامس الصوتي = هنا (https://drive.google.com/file/d/0B6KywGKQA8dmVTZHSi1FODF1ZGc/view?usp=sharing) =
رابط تحميل تفريغ الشريط الخامس = هنا (https://up.top4top.net/downloadf-1003uirhh1-doc.html) =
المتابعة على مدونة منبر الدعوة= هنا (https://mnbralda3wa.blogspot.com/2015/12/blog-post_16.html) =

=رابط تحميل الملف السادس الصوتي = هنا (https://drive.google.com/file/d/0B6KywGKQA8dmVUlHWnNIU25sRXc/view?usp=sharing) =
رابط تحميل تفريغ الشريط السادس = هنا (https://up.top4top.net/downloadf-1003q8ubm1-doc.html) =
المتابعة على مدونة منبر الدعوة= هنا (https://mnbralda3wa.blogspot.com/2015/12/blog-post_23.html) =

=رابط تحميل الملف السابع الصوتي = هنا (https://drive.google.com/file/d/0B6KywGKQA8dmN0wteUV0Tlpod3M/view?usp=sharing) =
رابط تحميل تفريغ الشريط السابع = هنا (https://up.top4top.net/downloadf-1003sg7sx1-doc.html) =
المتابعة على مدونة منبر الدعوة= هنا (https://mnbralda3wa.blogspot.com/2018/09/blog-post.html) =

=رابط تحميل الملف الثامن الصوتي = هنا (https://drive.google.com/file/d/0B6KywGKQA8dmVk1qd1ZfY21ybnM/view?usp=sharing) =
رابط تحميل تفريغ الشريط الثامن =هنا (https://up.top4top.net/downloadf-1003i4g9p1-doc.html) =
المتابعة على مدونة منبر الدعوة= هنا (https://mnbralda3wa.blogspot.com/2016/01/blog-post_14.html) =

=رابط تحميل الملف التاسع الصوتي = هنا (https://drive.google.com/file/d/0B6KywGKQA8dma2swTkQ5OW81bEE/view?usp=sharing) =
رابط تحميل تفريغ الشريط التاسع = هنا (https://up.top4top.net/downloadf-10037tozj1-doc.html) =
المتابعة على مدونة منبر الدعوة= هنا (https://mnbralda3wa.blogspot.com/2016/01/blog-post_17.html) =

أم أبي التراب
09-23-2018, 06:05 AM
بسم الله الرحمن الرحيم


إنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّه مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ.وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَه وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ.

«يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ»
«يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا»
«يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا*يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا»
أَمَّا بَعْدُ:
فَإِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا،وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ.ثم أَمَّا بَعْدُ:
فإن الإيمان بأسماء الله وصفاته أحد أركان الإيمان بالله تعالى وهي:الإيمان بوجود الله تعالى ،والإيمان بربوبيته,والإيمان بألوهيته ، والإيمان بأسمائه وصفاته .
الشرح

الإيمان بالله يتضمن أربعة أمور: الإيمان بوجوده، وبربوبيته، وبألوهيته، وبأسمائه وصفاته ، فإذا لم يؤمن العبد بهذه الأشياء الأربعة فإن إيمانه بالله لم يتم ، فإن الإيمان بالله يتضمن هذه الأمور الأربعة جميعًا، فمَنْ أنكر وجود الله فليس بمؤمن ، ومن أنكر ربوبية الله - ولو فى بعض مخلوقاته - فليس بمؤمن به، ومن أنكرألوهية الله فليس بمؤمن به ، ومن أنكر أسماءَهُ وصفاتِه فليس بمؤمن به.

المتن

منزلة العلم بأسماء الله وصفاته من الدين :
وتوحيد اللهِ به - أي بالأسماء والصفات- أحد أقسام التوحيد الثلاثة:توحيد الربوبية ،وتوحيد الألوهية، وتوحيد الأسماء والصفات.
فمنزلته فى الدين عالية وأهميته عظيمة، ولايمكن أحدًا أن يعبد الله على الوجه الأكمل حتى يكون على علم بأسماء الله تعالى وصفاته ؛ ليعبده على بصيرة .
قال اللهُ تعالى- "وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بها "الأعراف (180)
وهذا يشمل دعاء المسألة ودعاءالعبادة.
الشرح

فدعاء المسألة :
أن تجعلها مقدمةً بين يدي الدعاء فتقول: "ياغفور اغفرلي ،ويارحيم ارحمني ، وياحفيظ احفظني " ونحو ذلك.
وقالوا من الأدب أن تجعل الوسيلة لكل دعاء ما يناسبه من الأسماء ،فإذا كنت تطلب الرزق ؛فتتوسل باسم "الرزاق" ؛وإذا كنت تطلب المغفرة فتتوسل باسم "الغفور"؛فلا تقول: "اللهم يا شديد العقاب اغفر لي"فهذا لايناسب؛ وإنما المناسب أن تقول " يا غفور اغفر لي"
وأما دعاء العبادة :
فيكون بالأسماء ؛لأنك إذا علمتَ أن الله غفور ؛استغفرت الله؛والاستغفار عبادة؛وإذا علمتَ أنه سميع؛ أحجمت عن أن تسمعه ما يغضبه ؛وتكلمت بما إن سمعه منك رضي عنك وهذا عبادة تتعبد لله تعالى بمقتضى هذه الأسماء ، فتقوم بالتوبة إليه لأنه التواب ، وتذكره بلسانك لأنه السميع ، وتتعبد له بجوارحك لأنه البصير، وتخشاه فى السر لأنه اللطيف الخبير ، وهكذا.
أما دعاء المسألة :
فهو أن تجعل المسألة بين يدي الدعاء ، فتقول:ياغفور اغفرلي، أو تقول : يارحيم ارحمني ،أو تقول : يا رزاق ارزقني . وقد قال بعض أهل العلم : ومن الأدب أن تجعل الوسيلة لكل دعاء ما يناسبه من الأسماء. فإذا كنت تطلب الرزق فتتوسل باسم "الرزاق "وإذا كنت تطلب المغفرة فتتوسل باسم "الغفور" ، فلا يليق أن تقول :
" اللهم ياشديد العقاب ، اغفر لي" فإن هذا لا مناسب ، وإنما المناسب أن تقول : " اللهم ياغفور اغفر لي ".
وأمادعاء العبادة فكيف يكون بأسماء الله الحسنى وذلك أنك إذا علمت أن الله غفور استغفرته، والاستغفار عبادة ، وإذا علمتَ أنه سميع أحجمتَ عن أن يسمع منك مايُغضبه ، وتكلمت بما إذا سمعه منك رضي عنك، وهذا عبادة ، وعليه : فدعاء الله تعالى بأسمائه يكون شاملاً لدعاء المسألة ودعاء العبادة ،فدعاء المسألة أن تتوسل بأسماء الله تعالى فيما تدعو الله به ،
ودعاء العبادة أن تتعبد لله بماتقتضيه هذه الأسماء .
المتن

فدعاء المسألة: أن تقدم بين يدي مطلوبك من أسماء الله تعالى ما يكون مناسباً مثل أن تقول: يا غفور اغفر لي. ويا رحيم ارحمني. ويا حفيظ احفظني. ونحو ذلك.
ودعاء العبادة: أن تتعبد لله تعالى بمقتضى هذه الأسماء، فتقوم بالتوبة إليه؛ لأنه التواب، وتذكره بلسانك لأنه السميع، وتتعبد له بجوارحك لأنه البصير، وتخشاه في السر لأنه اللطيف الخبير، وهكذا.
ومن أجل منزلتهِ هذه ، من أجل كلام الناس به بالحق تارة وبالباطل الناشئ عن الجهل والتعصب تارةً أخرى ، أحببت أن أكتب فيه ما تيسر من القواعد ؛ راجيًا من الله تعالى أن يجعل عملي خالصًا لوجهه موافقًا لمرضاته نافعًا لعباده.
وسميته:
"القواعد المثلى في صفات الله تعالى وأسمائه الحسنى "
الشرح

الخوض في باب الأسماء والصفات ؛تارةً يكون بالحق؛ وتارةً يكون بالباطل . أما من قال فيه بالحق، فمنشأ قولِه: هذا أنه يريد الحق فيقول فيه بالحق.
وأمامن قال فيه بالباطل ، فمنشأ قولِه فواحد من أمرين:إما الجهل ، وإما التعصب،فإذا كان عالمًا بالحق وأصر على قوله المخالف للحق كان ذلك من باب التعصب ، وأما إذا كان لا يعلم الحق وقال بالباطل فهذا منشأْ قوله الجهل،- وهذا الثاني -وهو الجاهل – أقرب إلى الاستقامة من الأول ،فالجاهل أقرب إلى الاستقامة ؛لأن الجاهل إذا كان مريدًا للحق إذا عُلم استقام ، وهذا بخلاف المتعصب.
ولذلك تجد بعض أهل الكلام اللذين خالفوا الحق في بعض أسماء الله وصفاته لما كان مُريدًا للحق هداه الله إليه ورجع إما رجوعًا كليًا وإما رجوعًا جزئيًّا،
فالغزَّالي مثلاً رجع عن الفلسفة بعدأن كان متصفًا بها وقائلاً بها ، وكتب كتابَهُ سماهُ " تهافُت الفلاسفة"وبيَّن فيه بطلان مذاهب الفلاسفة .
وأبو الحسن الأشعري رحمه الله ؛كان معتزِليًا -على مذهب المعتزلة - فهداه الله لمذهب أهل السنة ورجع إلى الحق وبين بطلان مذهب المعتزلة .
فمخالفة الحق إن كانت ناشئةً عن جهل فدواؤها بسيط ، وإنما الإشكال فيما كان ناشئًاعن تعصب ، فإن دواءه يكون عسرًا ، ولكن إذا أراد الله هدايته هداه ..

أم أبي التراب
09-23-2018, 06:08 AM
الفصل الأول

قواعد في أسماء الله تعالى

القاعدة الأولى

المتن

قواعدفي أسماءالله تعالى
القاعدة الأولى:أسماء الله تعالى كلهاحسنى:
أي بالغة في الحسن غايته،قال الله تعالى: "وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُالْحُسْنَى" الأعراف 180..
الشرح

قد قال بعض الناس :إننا لوعبرنا بقولنا:"البالغُ فى الحُسن كمالَه"لكان أولى من قولنا:"بالغة في الحسن غايته"، ونحن نقول:صحيح أن التعبيربـ"كماله" قد يكون أحسن ، ولكنقولنا : "غايته"يفيد أنه ليس شيءُ وراءها في الكمال ، وعليه ؛ فتكون "غايته " بمعنى" كماله "، وعلى هذا فليس المراد بقولنا : "غايته " أن أسماء الله لها نهاية في الحسن ،
بل إننا نقول : إن أسماء الله في غاية الحسن ، والمراد : في أكمل مايكون من الحُسن ، ولهذا وصفَ الله باسم التفضيل فى قوله تعالى:"الحُسنى".
المتن:

وذلك لأنها متضمنة لصفات كاملة لانقص فيها بوجه من الوجوه،لا احتمالاًولا تقديرًا .
الشرح

ولهذا نقول: إن الألفاظ إماأن تدل على معنى ناقص نقصًا مطلقًا ، وإما أن تكون دالةً على كمال في حال ونقص في حال ، وإما أن تكون دالة على الكمال ولكن لا غاية الكمال ، وإما أن تدل على غاية الكمال، فهذه أربعة أقسام:
القسم الأول:إن كانت دالة على غاية الكمال ، فهي من أسماء الله ، إذ ليس فيها نقص أبدًا : لا احتمالاً ولاتقديراً,وذلك مثل" السميع "و"البصير" و"العظيم" و"العليم"... فكل هذه الأسماء دالة على الكمال بل على غاية الكمال ،وهوكمالٌ لانقص فيه.

القسم الثانى:
وهوالألفاظ الدالة على الكمال لكن مع احتمال نقصٍ بالتقدير ، فهذا لايُسمى به الله ، ولكن يُخبرُ به عنه ؛لأن باب الإخبار أوسع ، وذلك مثل:"المُتكلم"و"الشائي"و"المُريد"و"الصانع"و"الفاعل" وماأشبه ذلك ،فهذه كلمات لايُسمى الله بها مطلقًا ، ولكن يُخبر بها عنه
القسم الثانى:
وهوالألفاظ الدالة على الكمال لكن مع احتمال نقصٍ بالتقدير ، فهذا لايُسمى به الله ، ولكن يُخبرُ به عنه ؛لأن باب الإخبار أوسع ، وذلك مثل:"المُتكلم"و"الشائي"و"المُريد"و"الصانع"و"الفاعل" وما أشبه ذلك ،فهذه كلمات لايُسمى الله بها مطلقًا ، ولكن يُخبر بها عنه إخبارًا مطلقًا ، فنقول بأن الله "مُتكلم" وبأن الله "شاءٍ" وبأن اللهَ " مُريدٌ" وبأنَّ اللهَ" فعالٌ "لكن ليس من باب التسمية بل من باب الإخبار.
فـ "المُتكلم" ليس من أسماء الله ؛لأن المتكلم قد يتكلم بما يُحمد وقد يتكلم بما يُذم، ولكن الكلام نفسه كمالٌ،ولكن مُتعلَّقُ ذلك الكلام؛ قد يكون نقصًا وقد يكون كمالاً؛ فالمتكلمُ بالمعروف مُتكلمٌ بكمال ؛ والمُتكلم بالمنكر متكلمٌ بنقص،فصفة الكلام فى ذاتها كمالٌ، ولكن موضوع الكلام قد يكون نقصًا -يُحمد وقد يُذم-، ولهذا لم يكن"المتكلم"من أسماء الله، وصحَّ أن يُطلق على الله على سبيل الإخبار. و"المُريد"ليس من أسماء الله، ولكن أصلُ إثبات الإرادة وأنَّ الفاعل يفعلُ مايُريده فهذا كماله؛ولهذا فالمُريد أكمل ممن لا يُريد،فالإنسان أكمل من الحيوان لأن إرادته أكمل ؛والحيوان أكمل من الشجر لأن إرادته أكمل ، والمختارللشىء أكمل من المُكره على الشىء لأن إرادته أكمل.
والمراد قد يكون خيرًا وقد يكون شرًا، فالإنسان يُطلق عليه أنه مُريدٌ وقد يُريدالخير وقد يُريد الشر، فلما كان لفظ المريد قد يوهم نقصًا ولو بالتقدير؛لم يصح أن يكون من أسماء الله تعالى وإنما يُخبر به عن الله فقط .
القسم الثالث:
الذى يحتمل نقصًا وكمالاً فى نفس المعنى لافى المتعلَّق؛لايُطلق على الله تعالى، وإنما يُذكر مُقيدًا.مثل:"المكر"و"الخداع"و"الاستهزاء"و"الكيد"، فلا نقول بأن الله "ماكر"ولا أن الله "كائدٌ" فالكيد فى ذاته ينقسم إلى" كيد محمود" و"كيد مذموم" ولهذا لم يصح إطلاقُ اسم "الكائد" على الله ، وكذلك "الماكر" و"المستهزئ"، والصواب أن نُقيد ذلك ، فنقول:إنَّ الله-عزوجل-كائدٌ بمَنْ يكيد، وماكرٌبمن يمكر،ومستهزئٌ بمن يستهزئ به ؛ وهكذا.
القسم الرابع:-
الذى هو نقصٌ محضٌ ، فهذا لايُسمى اللهُ به ، ولايُوصف به؛مثل العمى، والصمم، والعجز،فهذا نقصٌ محض فلايُطلق على الله أبدًا: لاخبرًا ولاتسمية.
والخلاصة:
أنَّ الأقسام أربعة:
1-كمالٌ محضٌ في ذاته وموضوعه، فهذا يكون من أسماء الله.
2-كمالٌ في ذاته لافي موضوعه فهذا يُطلق على الله خبرًا ولا يسمى به .
3- مايحتمل نقصًا وكمالًا في ذاته ، فهذا لايُخبر به عن الله خبرًا مطلقًا وإنما خبرًا مُقيدًا، ولايُعتبر من الأسماء.
4- ماكان نقصًا محضًا ،فهذا لايُوصف به لاخبرًا ولا تسميةً.
ولهذا فقول الله تعالى:"ولله الأسماء الحُسنى"يعنى التى ليس فيها نقصٌ بوجهٍ من الوجوه.
وهذه الأقسام الأربعة ذكرها شيخ الإسلام-رحمه الله-فى مواضع متفرقة من كلامه وهي واضحة وصحيحة.

أم أبي التراب
09-23-2018, 06:16 AM
المتن

* مثال ذلك: "الحي"اسم من أسماء الله تعالى، متضمن للحياة الكاملة ؛التي لم تسبق بعدم، ولا يلحقها زوال. الحياة المستلزمة لكمال الصفات من العلم، والقدرة، والسمع، والبصر وغيرها.
* ومثال آخر: "العليم" اسم من أسماء الله متضمن للعلم الكامل، الذي لم يُسبق بجهل، ولا يلحقه نسيان، قال الله تعالى "عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنْسَى"سورة طه، الآية: 52..العلم الواسع المحيط بكل شيء جملةً وتفصيلاً، سواء ما يتعلق بأفعاله، أو أفعال خلقه، قال الله تعالى: "وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ"سورة الأنعام، الآية 59.

الشرح
قوله"ظُلُمات"جمع "ظُلمة" والظلمات كما تكون فى البحر تكون فى الأرض،فانظرإلى حبةٍ مدفونةٍ في قاع البحر في ليلةٍ ممطرةٍ وغيمٍ كثيف ، فهاهنا عدة ظلمات ،فأولاً : الطبقة التى غطتها في قاع البحر، وثانيًا: البحر نفسه, وثالثًا: ظلامُ الليل ،ورابعًا: السحاب، وخامسًا: المطر، فعندنا الآن خمسُ ظلمات تُحيط بهذه الحبة الصغيرة المدفونة في قاع البحر ولاتراها العين المجردة ، والله تعالى يعلمها، بل هي في كتابٍ مبين - أي مكتوبة- وهذا دليلٌ على عموم علم الله وسعته وأنه لايخفى عليه شىءٌ في الأرض ولا في السماء.
أنت إذا آمنت بهذا العلم بعلم الله وأنه يعلم كل شىءٍ في السموات والأرض ، فإنه ينبغى أن يردعك إيمانك هذا عن فعل مايكرهه الله ، ويوجب لك أن تفعل مايُحبه الله ،وينبغي عليك أن تعلم أنك مهما كتمت في نفسك من شىءٍ ،فالله يعلمه ،ومهما كتمت عن الخلق فلم يعلموه فإن الله يعلمه، ومماينبغي كذلك معرفته ههنا أنك إن فعلت مايكرهه الله مُستترًا عن الناس فإن الله قد يُطلع الناس على ذلك وسواء أخبروك أم لم يُخبروك ، فالشيطان قد يأمرك بالفحشاء فتفعلها سِرًا ولا يعلم بذلك إلا الله ،فيُلقي فى قلوب الناس أنكَ فعلت ذلك ، فتشعر أن الناس ينظرون إليك وكأنهم يعلمون مافعلت ، وكأنهم يلومونك ويُؤنبونك مع أنهم ماقالوا لك ذلك صراحة ، لكن الشيطان يُلقي في قلوب الناس ذلك ليسيئوا الظن بك ، وتنظرإلى الناس وكأنهم شاهدوا فعلك ، وفي مثله قال الشاعر:
إذا ساءَ فِعلُ المرءِ ساءت ظنونه وصدَّق ماقالوه مِن توهُّمِ
وهذا من أسرارحكمةِ الله عزوجل :أنَّ ما يخفيه الإنسان في نفسه وإن كان لم يُطلع عليه أحد، فإنَّ الله تعالى يعلم به ، وإذاعَلِمَ الله به أوشك أن يُطلِع عباده عليه.
وفى ذلك يقول ابن القيم رحمه الله:إن الشيطان الذي أمرك بالسوء يُلقي في قلوب الناس أنك فعلت ذلك السوء وإن لم يطلعوا عليه.
هذه مسألة تُوجب للإنسان أن يحترس غاية الاحتراس من الذنوب وإن خفيت.

أم أبي التراب
09-23-2018, 06:18 AM
المتن

"وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ"سورة هود، الآية: 6،"يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ"سورة التغابن، الآية:4.
* ومثال ثالث: "الرحمن" اسم من أسماء الله تعالى متضمن للرحمة الكاملة، التي قال عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم، "لله أرحم بعباده من هذه بولدِها"رواه البخاري، كتاب الأدب (5999)، ومسلم، كتاب التوبة (2754).يعني أم صبي وجدته في السبي فأخذته وألصقته ببطنها وأرضعته، ومتضمن أيضًا للرحمة الواسعة التي قال الله عنها"وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ"سورة الأعراف، الآية:156، وقال عن دعاء الملائكة للمؤمنين"رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا"سورة غافر، الآية: 7.
والحُسن في أسماء الله تعالى يكون باعتبار كل اسم على انفراده،ويكون باعتبار جمعه إلى غيره،فيحصل بجمع الاسم إلى الآخر كمالٌ فوقَ كمالٍ.
الشرح

أسماءُ الله كلها حُسنى على انفرادٍ ،وقد ينضافُ إلى هذا الحُسن-الذى اكتسبه الاسم اكتاسبًا- ذاتيًا- ينضاف إليه حُسنٌ آخر بانضمامه إلى غيره ،فيكون من مجموع الاسمين كمالٌ آخر، وهذا كثيرٌ في القرآن ، فكثيرًا مايقرن الله تعالى بين اسمين وتجد في ضم أحدهما إلى الآخر كمالاً لايحصل بانفراد أحدهما عن الآخر.
المتن

مثال ذلك: "العزيز الحكيم". فإن الله تعالى يجمع بينهما في القرآن كثيراً. فيكون كل منهما دالاً على الكمال الخاص الذي يقتضيه، وهو العزة في العزيز، والحكمُ والحكمةُ في الحكيمِ، والجمع بينهما دال على كمال آخر وهو أن عزته تعالى مقرونة بالحكمة، فعزته لا تقتضي ظلمًا وجَوْرًا وسوء فعل، كما قد يكون من أعزاء المخلوقين، فإن العزيز منهم قد تأخذه العزة بالإثم، فيظلم ويجور ويسيء التصرف. وكذلك حكمه تعالى وحكمته مقرونان بالعز الكامل بخلاف حكم المخلوق وحكمتِه فإنهما يعتريهما الذل.
الشرح

مثال "العزيز" و "الحكيم" يقرن الله بينهما كثيرًا، ويستفاد من قرن "العزيز" بـ "الحكيم" فائدة عظيمة ، وهي أن عزته مقرونة بالحكمة، لأن العزة وحدها قد ينتجعنها سوء التصرف والظلم والجَوْر،كما لو وجدنا مَلِكًا عزيزًا في مُلْكِه لايعارضه أحدٌ،تجد هذا الملِك إن لم يهده الله تعالى تجده؛لكمال سلطانه وعزته؛ يبطش ويجور ولا يبالِي ، لأنه ليس بحكيم .
كذلك أيضًا من الناس من يكون حكيمًا ؛لكن ليسعنده عزة وغلبَة، فهو ذو حكمة ؛ ولهذا تراه يتصرفتصرفًا حسنًا ؛ويضع كل شيء بموضعه، ولكن ليس عنده قوة أو عزة يمضي بها ما أراد .
والله عز وجل "عزيز حكيم "فعزته مقرونة بالحكمة؛وحكمته مقرونة بالعزة، وباقتران الاسمين بعضهما إلى بعض يحصل كمالٌ آخر وهوعزةٌ في حِكمة وحِكمةٌ في عزة.

أم أبي التراب
09-23-2018, 06:20 AM
القاعدة الثانية:
أسماءُ الله تعالى أعلامٌ وأوصاف

أعلامٌ باعتبار دلالتها على الذات، وأوصافٌ باعتبار مادلت عليه من المعاني،وهي بالاعتبار الأول مُترادفة لدلالتها على مسمى واحدٍ وهوالله- عزوجل-،وبالاعتبار الثاني مُتباينة لدلالة كل واحد مِنها على معناهُ الخاص فـ"الحي,العليم,القدير,السميع، البصير الرحمن, الرحيم, العزيز, الحكيم"كلها أسماء لمسمى واحد وهوالله سبحانه وتعالى،لكن معنى "الحي" غير معنى "العليم"و"العليم" غير معنى "القدير" وهكذا.
الشرح

هذه القاعدة الثانية ، فيها مبحثان:
المبحث الأول:
"أنَّ أسماء الله أعلام وأوصاف" فهي باعتبار دلالتها على الذات "أعلام" وباعتبار دلالتها على المعاني" أوصاف".
و مثال ذلك "السميع" فهو يدل على الله ،فيكون بهذا الاعتبار علماً" و ابن مالك يقول:
اسمٌ يُعيِّنُ المُسمى مطلقاً علمهُ كجعفرِ وخَرْنَقا
فـ " السميع "علمٌ ، وباعتبارأنَّ"السميع"مُتضمِنٌ للسمع، وأنه يسمع عز وجل كل صوتٍ تكونُ صفةً، ولذلك نقول:أسماء الله تعالى أعلامٌ وأوصافٌ.
وأما أسماءُ غيرالله الأصل فيها أنها أعلامٌ فقط، ولهذا نسمى هذا الرجل "عبد الله" وهو من أكفر عباد الله ، ونسمي هذا الرجل "عليًا" وهوسافلٌ ؛نازل، ونسميه "حكيمًا" وهومن أسفه عباد الله ، ونسميه"محمدًا"وهو مُذمَّمٌ ، ونسميه "أحمد " وهو أكفر الناس؛فأسماء غيرالله أعلامٌ مجردة فقط ، إلا أسماء النبي-صلى الله عليه وآله وسلم-وأسماء القرآن ،فأسماء الرسول صلى الله عليه وسلم هي أعلام وأوصاف ؛ لأن اسم رسول الله صلى الله عليه وسلم "محمد" وقد سُميَ بهذا الاسم لكثرة محامده أو لكثرة خصاله الحميدة،واسمه أحمد لأنه أحمد الناس لله-عزوجل-وأحمد من يحمده الناس.


المبحث الثاني
وهو أن أسماء الله تعالى هل هي مترادفة أم متباينة ؟ فنقول:أما باعتباردلالتها على ذات الله فهي مترادفة، لأنها كلها تدل على ذاتٍ واحدة. وأما باعتبارماتحمله من المعاني فهي متباينة، فـ "السميع " و"البصير" و "العزيز"و" الحكيم" كلها أسماء لمسمى واحدٍ وهو الله ، فهي بهذا الاعتبار مترادفة ، لكن "السميع" دال على السمع و"البصير"دال على البصر، ومن المعلوم أن السمع غير البصر ، والبصرغيرالسمع، والعزة غير السمع، وأن الحكمة غير السمع .... وهكذا.
واعلم أن الكلمتين إما أن تكونا متباينتين أو مترادفتين أومشتركتين أو بينهما نسبة عموم وخصوص.
أولاً: أن تكون الكلمتان متباينتان،وذلك بأن تدل كل كلمة منهما على معنىً لايتفق مع الأخرى؛ مثل "القمح" و"الأرز"، فالقمح غير الأرز ، .وليس بينهما عموم وخصوص.
ثانيًا : أن تكون الكلمتان مترادفتين ؛لترادفهما على معنىً واحدٍ، كما يترادف الشيء بعضه على بعض ، مثل "قمح"و" بُر" و" حِنطة" فكلها مترادفة, مثل "بشر" و"إنسان" فهي أيضًا مترادفة.
ثالثًا : قد تكون الكلمة مشتركة ،وذلك بأن تكون هناك كلمة واحدة تدل على معانٍ متعددة بعكس الترادف، ومثال ذلك"العَيْن" فهي تطلق على "العين " التي هي الجارحة ، وعلى "عين الماء الجارية "، وعلى "الذهب "، و"الجاسوس" إلا أن البعض يقول بأن إطلاق "العين " على "الجاسوس" من باب المجاز ، والمقصود أن هذه الكلمات نسميها مشتركة ؛ لأن المعاني مشتركة في لفظ واحدٍ.
رابعًا : أن يكون بين الكلمتين عموم وخصوص ، بأن تكون أحدى الكلمتين أخصَّ من الأخرى,مثل "إنسان" و"حيوان"، فـ"الإنسان" فنسمي الإنسان إنسانًا، فهذا خاصٌّ, وكلمة "حيوان" عام يشمل الإنسان وغيره . ومن الطريف أنك لو قلت للعامي : "أنت حيوان ناطق" لنط بحلقي؛ لأنه يظن أن الحيوان الناطق الحمار، لكن لو تقول له :الفلاسفة يقولون أن الإنسان حيوانٌ ناطقٌ، وأن كلمة "حيوان" هذه جنس ، وأن كلمة "ناطق " هذه فصْلٌ، ما كان عنده إشكال ،هل يجوز أن تخاطب عاميًا "يا حيوان ناطق"؟ لا. لأنه يراه شتمًا.لكن و لو قلت لطالب علم ما الإنسان ؟فيقول لك حيوانٌ ناطق. والذى أراه أن يُقال الإنسان هو البشر.
*المتن*

وإنما قلنا بأنها أعلام وأوصاف، لدلالة القرآن عليه. كما في قولِه تعالى"وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ"سورة يونس، الآية: 107.. وقولِه"وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَة"سورة الكهف، الآية: 58.. فإن الآية الثانية دلت على أن الرحيم هو المتصف بالرحمة. ولإجماع أهل اللغة والعرف أنه لا يقال: عليم إلا لمن له علم، ولا سميع إلا لمن له سمع، ولا بصير إلا لمن له بصر، وهذا أمر أبين من أن يحتاج إلى دليل.
* الشرح *


فإن قال قائلٌ ماالدليل على أن أسماء الله تعالى أعلامٌ وأوصافٌ؟
قلنا: الدليل من القرآن ومن اللغة.القرآن:قال الله تعالى:""وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَة" سورة الكهف، الآية: 58.والرحمة صفة ؛ إذًا "الرحيم" معناه ذوالرحمة.
وأما من اللغة ،فإن أهل اللغة والعُرف أجمعوا على أنه لايوصف بالمُشتق إلا مَنْ اتصف بمعناه,فلايُقال "سميعٌ": للأصم ؛ولا "بصيرٌ" : للأعمى ؛ولا "عاقلٌ": للمجنون ؛ بل لابد أن تكون هذه الأوصاف دالة على معانيها فيمن نُسبتْ إليه ، وهو أمرٌ أبين من أن يحتاج إلى شرح.

أم أبي التراب
09-23-2018, 06:22 AM
*المتن*

وبهذا عُلم ضلال من سَلَبوا أسماءَ اللهِ تعالى معانيها من أهل التعطيل وقالوا: إن الله تعالى سميع بلا سمع، وبصير بلا بصر، وعزيز بلا عزة وهكذا..وعللوا ذلك بأن ثبوت الصفات يستلزم تعدد القدماء. وهذه العلة عليلة بل ميتة لدلالة السمع والعقل على بطلانها .
* الشرح *

هؤلاء المعطلة يقولون : نحن نثبت أسماء الله ، فالله سميع عليم بصير ... لكن بدون إثبات المعنى ، فنقول : " سميع بلا سمع " و" بصير بلا بصر" وهكذا ، فإذا سألناهم عن سبب ذلك قالوا : لأنك إذا قلت إن لله سمعًا وبصرًا وقدرة وقوة وقلت ؛ أن هذه الصفات قديمة؛ لزم تعدد القدماء! وأنت تُنكر على النصارى قولهم:بأن الله ثالث ثلاثة .
وأنت تريد الله أكثر مئات المئات؟
ونحن نقول: هذا القول باطلٌ؛ لأنه لايلزم من تعدد الصفة تعدد الموصوف. وإلا لكُنَّا نحن أيضًا الواحد منا كم يكون؟
كثير بحسب صفاته
-السمع :هو القرآن والسنة، وسيمر بك هذا التعبير كثيرًا فانتبه له.-
*المتن*

أما السمع: فلأن الله تعالى وصف نفسه بأوصاف كثيرة، مع أنه الواحد الأحد. فقال تعالى: "إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ* إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ* وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ* ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ* فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ" وقال تعالى: "سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى* الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى* وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى* وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَى* فَجَعَلَهُ غُثَاءً أَحْوَى". ففي هذه الآيات الكريمة أوصاف كثيرة لموصوف واحد، ولم يلزم من ثبوتها تعدد القدماء3.
وأما العقل: فلأن الصفات ليست ذوات بائنة4 من الموصوف، حتى يلزمَ من ثبوتها التعدد، وإنما هي من صفات من اتصف بها، فهي قائمة به، وكل موجودٍ فلابد له من تعدد صفاته، ففيه صفة الوجود، وكونه واجب الوجود5، أو ممكن الوجود6، وكونه عينًا قائمًا بنفسه أو وصفًا في غيره.
_____________
حاشية لتوضيح معاني الفردات غير موجودة بكتاب الشيخ العثيمين:
1 على الذات : أي على ذات الله
2 متباينة: أي مختلفة عن بعضها
3 - تعدد القدماء : أي تعدد الذات ولعياذ بالله
4 - بائنة : منفصلة
5 - واجب الوجود : أي لم يسبقة عدم ولا يلحقه زوال وهذا لايكون إلا في حق الله جل في علاه ، فهو سبحانه الأول والآخر
6 - ممكن الوجود : أي يسبقة عدم ويلحقه زوال وهذا لايكون إلا في حق المخلوق الفاني الضعيف
* الشرح *


نحن نقول بأن الموجود تتعدد صفاتُه ، ونقول لمن خالفنا : هل تُثبتون أنَّ اللهَ موجودٌ؟ سيقولون: نعم ، نثبت ذلك ، نقول لهم :وكل موجود لابد أن تتعدد صفاتُه ضروري، فمثلا الموجود: فيه صفة الوجود؛ وفيه أيضًا أن وجودَهُ إما ممكن وإما واجب الوجود، وهذه صفة ثانية، ونحن نقول بأن وجودنا نحن من باب الممكن ، وبأن وجود الله-عزوجل- من باب الواجب. ونقول كذلك : الموجود إما أن يكون وجوده عينًا قائمة بنفسها ،أو يكون صفةً في غيره ؛ فالإنسان مثلا : عينٌ قائمٌ بنفسه، وسمع الإنسان وبصره وصفٌ قائمٌ بغيره.
إذًا كل موجود، لابد أن يتصف بهذه الصفات الثلاثة: الوجودية، وكون وجوده واجبًا أوممكنًا ، وكونه عينًا قائمة بنفسها أو وصفًا في غيره. وهذا أمرٌ لايمكن إنكاره.

*المتن*

وبهذا أيضًا علم أن: "الدهر" ليس من أسماء الله تعالى؛ لأنه اسم جامد لا يتضمن معنى يلحقه بالأسماء الحسنى، ولأنه اسم للوقت والزمن، قال الله تعالى عن منكري البعث: "وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْر"سورة الجاثية، الآية: 24.يريدون مرور الليالي والأيام.
فأما قوله صلى الله عليه وسلم: "قال الله - عز وجل -: يؤذيني ابنُ آدم يسب الدهر، وأنا الدهر، بيدي الأمر أقلب الليل والنهار"رواه البخاري، كتاب التفسير "4826"، ومسلم، كتاب الألفاظ من الأدب "2246".. فلا يدل على أن الدهر من أسماء الله تعالى؛ وذلك أن الذين يسبون الدهر إنما يريدون الزمان الذي هو محل الحوادث، لا يريدون الله تعالى، فيكون معنى قوله: "وأنا الدهر" ما فسره بقوله: "بيدي الأمرُ أقلب الليل والنهار"، فهو سبحانه خالق الدهر وما فيه، وقد بين أنه يقلب الليل والنهار، وهما الدهر، ولا يمكن أن يكون المقلِب "بكسر اللام" هو المقلَب "بفتحها" وبهذا تبين أنه يمتنع أن يكون الدهرُ في هذا الحديث مرادًا به الله تعالى.
* الشرح *

وهذا خلافًا لابن حزم وبعض العلماء الذين قالوا بأن من أسماء الله"الدهر"!!
ونحن نقول بأن "الدهر" ليس من أسماء الله؛ لماذا؟. لأن "الدهر" اسمٌ جامدٌ بمعنى الوقت والزمن، واللهُ تعالى يقول"وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى" والاسم الجامد: هو الذي لايدل على وصف،ولذلك فليس "الدهر" من الأسماء الحُسنى.
و من تأمل هذا الحديث عَلِمَ أنه ليس مراد النبي-عليه الصلاة والسلام- فيما يرويه عن الله عز وجل أن يبين أن "الدهر" من أسماء الله تعالى ، لأن الله بيَّنَ ذلك فقال: "وأنا الدهر بيدي الأمرُ أقلبُ الليلَ والنهار"هذا يعني أن الذين يسبون الدهر فيقولون: هذه سنة جائرة، أو يسبون مايقع فيه مثل قول بعض السفهاء :"هذه عاصفة هوجاء "، أو ما أشبه ذلك مما يُطلقونه على مايخلقه الله-عزوجل- من العواصف والقواصف والنوازل ، فكل أنواع السب هذه محرمة وقد تصل إلى حد الكفر بالله تعالى .
هذا؛ والذين يسبون الدهر لايقع في نفوسهم أنهم يُسبون الله أبدًا،بل إنما يسبون الزمن أوالمكان ،والدليل على ذلك أن الله تعالى قال:"أقلِّبُ الليلَ والنهار"، فالليل والنهار مُقَلبان ، وهما الدهر ،ومعلومٌ أنَّ المُقَلِّب غير المُقَلَّب.
وعلى هذا لو قال قائلٌ:" يادهرُ ارحمني" ؛يجوز؟ لايجوز لأنه إن نوى الدهر ذاته فهو كافرٌ مُشرك ، وإن نوى الله ذاتَه فقد دعا الله بغير اسم من أسمائه الحُسنى، فليس الدهر من أسماء الله الحسنى.

أم أبي التراب
09-23-2018, 06:24 AM
*المـتـن*
القاعدة الثالثة

أسماء الله تعالى إن دلت على وصف متعد، تضمنت ثلاثة أمور:
أحدها:ثبوت ذلك الاسم لله عز وجل.الثاني:ثبوت الصفة التي تضمنها لله عز وجل.
الثالث:ثبوت حكمها ومقتضاها.
ولهذا استدل أهل العلم على سقوط الحد عن قُطاع الطريق بالتوبة، استدلوا على ذلك بقوله تعالى"إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ"سورة المائدة، الآية: 34؛لأن مقتضى هذين الاسمين أن يكون اللهُ تعالى قد غفر لهم ذنوبهم، ورحمهم بإسقاط الحد عنهم.

* الشرح *


أسماء الله تعالى إذا دلت على وصفٍ مُتعدٍ ،فقد تضمنت ثلاثة أمور:
الأول:إثبات ذلك الاسم لله-عزوجل- مثل "العليم": فثبت أن من أسماء الله"العليم".

الثاني: إثبات الصفة التي دل عليها، وهي العلم، فمن آمن بأن الله "عليمٌ" ولم يؤمن بصفة العلم ،فلم يؤمن بالاسم حتى يؤمن بما تضمنه من الصفة .
الثالث: الحُكم الذى يقتضيه ذلك المعنى، فالعليم يقتضي أنه عز وجل يعلم كل شيء ، فلابد من الإيمان بمايقتضيه ذلك الاسم من الأحكام .
ويُعبرالبعض عنها بـ"الأثر" فيقال: يجب الإيمان بالاسم والصفة والأثر، وبعضهم يقول:نؤمن بالاسم والصفة والحكم أوالمُقتضى.
واستدل المؤلف على هذا بقوله تعالى:"إلاالذينَ تابوا من قبلِ أن تقدِرواعليهم فاعلمُوا أنَّ اللهَ غفورٌ رحيمٌ" المائدة 34.
ووجه الدلالة أن مُقتضى هذين الاسمين أن يغفر لهم ويرحمهم.وهذا يتضمن سقوط الحد عنهم؛ولهذا جزمَ الفقهاء-رحمهم الله-بأن قطَّاع الطريق إذاتابوا قبل القدرة عليهم سقط عنهم الحد ؛وكذلك غير قطاع الطريق إذا تابوا قبل القدرة عليهم سقط عنهم الحد، كشرَّاب الخمر والزناة ؛والسُُّّراق ومن شابههم .

*المـتـن*

*مثال ذلك: "السميع"يتضمن إثبات السميع اسمًا لله تعالى، وإثبات السمع صفة له ؛وإثبات حكم ذلك ومقتضاه وهو أنه يسمع السر والنجوى كما قال تعالى: "وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ"سورة المجادلة، الآية: 1.
الشرح

ومثل قوله تعالى" لَّقَدْ سَمِعَ اللّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاء سَنَكْتُبُ مَا قَالُواْ وَقَتْلَهُمُ الأَنبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُواْ عَذَابَ الْحَرِيقِ "آل عمران181
ومثل قوله تعالى :" أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُم..." الزخرف80. وغيرها كلها أمثلة تدل على ثبوت حكم ذلك الاسم ؛وهو السمع
*المـتـن*

وإن دلت على وصف غير متعدٍ ،تضمنت أمرين:
أحدهما: ثبوت ذلك الاسم لله عز وجل.
الثاني: ثبوت الصفة التي تضمنها لله عز وجل.
* مثال ذلك:"الحي"يتضمن إثبات الحي اسمًا لله - عزوجل - وإثبات الحياة صفة له.

* الشرح *

"الحي" وصف لازم لله عز وجل ؛ لا يتعدى إلى غيره ، ومثله "الحَيِيّ" : فإنه وصفٌ لازمٌ ، ومثله "العظيم" "الجليل".ومثل الكريم؟لا لأن الكرم يتعدى إلى غيره.
ماالفرق بين الحي والحييّ؟الحي ذوالحياة ؛والحييّ ذو الحياء

أم أبي التراب
09-23-2018, 06:26 AM
*المتن*

القاعدة الرابعة:


دلالة أسماء الله تعالى على ذاته وصفاته تكون بالمطابقة وبالتضمن وبالالتزام.
* الشرح *


هذه القاعدة في الواقع لاتختص بأسماء الله فقط ، بل كل لفظ فإنه يدل على المعنى بالمطابقة والتضمن والالتزام، وعليه فأنواع الدلالات ثلاثة:
1- دلالة المطابقة
2- دلالة التضمن
3- دلالة الالتزام
1- دلالة المطابقة:هو أن يدل اللفظ على جميع أجزاء معناه وأفراده.أي دلالة اللفظ على جميع معناه
2-دلالة التضمن:فمعناها :دلالة اللفظ على جزء معناه.
3-دلالة الالتزام: فمعناها : دلالة اللفظ على لازمٍ خارج.

مثال ذلك كلمة "السيارة"، كلمة السيارة تدل على كل السيارة :هيكلها وماكيناتها وأنابيبها وإطاراتها وكل شيء فيها بالمطابقة ، وتدل على العجلات فقط بالتضمن ، وتدل على البطارية فقط بالتضمن وتدل على الشاسيه ؛ بالتضمن، وتدل على صانعها بالالتزام؛ لأن لها صانعًا ، وهي لم تصنع نفسها السيارة.

مثال آخر: كلمة "الدار" إذا قلت اشتريتُ دارًا دلالة هذه الكلمة على كل الدار دلالة مطابقة ، ودلالتها على الحمام والقهوة والمستراح ؛ دلالة تضمن ، ودلالتها على الذي بناه دلالة التزام.
*المتن*


* مثال ذلك: "الخالق" يدل على ذات الله، وعلى صفة الخلق بالمطابقة، ويدل على الذات وحدها وعلى صفة الخلق وحدها بالتضمن، ويدل على صفتي العلم والقدرة بالالتزام.
* الشرح *

واسم"الخالق"يدل على ذاتٍ وصفةٍ، يدل على ذات الله ويدل على صفة الخلق، دلالته على هذين المعنيين بالمطابقة ،ودلالته على ذات وحدها بالتضمن ؛ ،ودلالته على الخلق وحده بالتضمن أيضًا ، ودلالته على العلم والقدرة بالالتزام.كيف ذلك؟نقول:الخالق لايُمكن أن يخلق إلاوهو عالمٌ كيف يخلق ، والخالق لايُمكن يخلق إلا وهوقادرٌ على أن يخلق .ونحن نعلم أنه لوأراد أحدٌ أن يصنع شيئًا وهو لايعلم ،فإنه لا يستطيع. ولو كان يعلم و لكن ماعنده القدرة ؛فإنه كذلك لايستطيع ، إذًا فكلمة "صانع" تدل على "ذاتٍ صانعةٍ" وتدل على "صُنع" وتدل على "عِلم" و"قُدرة". فدلالتها على ذاتٍ الخالق وعلى الصُنع جميعًا ؛"دلالة مطابقة "ودلالتها على ذاتٍ صانعة وحدها بالتضمن ،ودلالتها على "صُنع" وحده؛ "دلالة تضمن" ،وودلالتها على "علم" و"قدرة"دلالة التزام".
*المتن*

ولهذا لما ذكر الله خلق السموات والأرض قال"لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاَطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا"سورة الطلاق، الآية: 12.
* الشرح *

لما ذكر الله خلق السموات والأرض فقال:
"اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ"قال:لِتَعْلَمُوا:يعني بيَّنا لكم ذلك وإننا خالقون السموات والأرض"لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا"الطلاق12". أي: أن الله هو الخالق وقد خلق بقدرة وعلم ، ولولا قدرة الله ماصار خلق ولولا علمه ماصار خلق.
*المتن*

ودلالة الالتزام مفيدة جدًا لطالب العلم إذا تدبر المعنى ووفقه الله تعالى فهمًا للتلازم، فإنه بذلك يحصل من الدليل الواحد على مسائل كثيرة.
* الشرح *


ومثال ذلك لوقال قائل : هل يجوز للرجل أن يُصبح صائمًا جُنبًا؟ نعم ، ماهو الدليل؟ من القرآن
قال اللهُ تعالى:" َالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُواْ مَا كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى الَّليْلِ"البقرة 187.
فهذه الآية دلت على أنه يجوز المباشرة إلى الفجر، ومن لازم ذلك يُصبح وهو جُنب،وحينئذ نقول هذه الآية دلت على جواز إصباح الصائم جُنبًا من أي طُرق الدلالة ؟ بدلالة الالتزام.
ومثل ذلك جواز أن يصبح الصائم- بعد طلوع الفجر – وهوشبعان،نعم؛ لأنه جاز له الأكل والشرب إلى طلوع الفجر، ومن لازم ذلك أن يطلع عليه الفجر وهو شبعان .

*المتن*

واعلم أن اللازم من قول الله تعالى، وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذا صح أن يكون لازمًا فهو حق؛وذلك لأن كلام الله ورسوله حق، ولازم الحق حق، ولأن الله تعالى عالم بما يكون لازمًا من كلامه وكلام رسوله فيكون مرادًا.

* الشرح *

هذه أيضًا قاعدة مهمة اللازم من كلام الله إذا صح أن يكون لازمًا فهو حقٌ، فإن لم يصح أن يكون لازمًا فليس بحقٍ؛ مثالُ ذلك: أهل التعطيل يقولون : يلزم من إثبات الصفات إثبات التمثيل ،وإذا لزم من إثبات الصفات إثبات التمثيل وجب علينا إنكارُ الصفات لأن التمثيل يجب إنكارُه.
ونحن نقول: لايلزم من إثبات الصفات إثبات التمثيل. لو قال قائلٌ :يلزم من قولكم:" إن الله استوى بذاته" أن يكون لله ذاتٌ تستوي على العرش وتنزل إلى السماء الدنيا ؛وما أشبه ذلك؟
نقول: هذا اللازم حق، ولامانع من أن نُثبت لله ذاتًا لا تُشبه الذوات وحينئذٍ يكون هذا اللازمُ حقًا.
الخلاصة: أن اللازم من كلام الله ورسوله حقٌ متى؟إذا صح أن يكون لازمًا.
وأما أن ندَّعي أنه لازمٌ ، وليس هو في الحقيقة بلازمٍ، فهذه دعوى تحتاج إلى دليل. فإذا صح اللازم فإنه حقٌ لسببين:
الأول:أن كلام الله ورسولِه-صلى الله عليه وآله وسلم- حقٌ ، ولازم الحقِّ حقٌّ.
الثاني: أن الله- عزوجل- يعلمُ ماذا يترتب على كلامه وكلامِ رسولِه – صلى الله عليه وسلم – ؛ فإذا كان يعلم ذلك ؛ كان هذا الشيء لازمًا لكلامه علمنا أن هذا اللازم مرادٌ لله عز وجل وعليه إذا قيل : هل لازم القول قول؟
فالجواب:إن كان القولُ قولَ اللهِ ورسوله – صلى الله عليه وسلم – فلازمه حق ويكون كقولهما ؛ لأن قولهما دل عليه باللازم ؛ ، وأما قولُ غيرهما ففيه تفصيلٌ.

*المتن*

وأما اللازم من قول أحدٍ سوى قول الله ورسوله، فله ثلاث حالات:
الأولى:أن يذكرَ للقائلِ ويلتزم به،مثل أن يقول من ينفي الصفات الفعلية لمن يثبتها: يلزم من إثباتك الصفات الفعلية لله - عز وجل - أن يكون من أفعاله ما هو حادث. فيقول المثبِت: نعم، وأنا ألتزم بذلك فإن الله تعالى لم يزل ولا يزال فعالاً لما يريد ولا نفاد لأقواله وأفعاله كما قال تعالى: "قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا"سورة الكهف، الآية: 109.. وقال: "وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ"سورة لقمان، الآية: 27 وحدوث آحاد فعله تعالى لا يستلزم نقصًا في حقه.

* الشرح *


اللازم من قول غيرالله ورسوله-صلى الله عليه وسلم- له ثلاثُ حالاتٍ:
الأول : "أن يُذكر – اللازم - للقائل ويلتزم به"، فهذا معلومٌ أنه إذا التزم به صار من قوله، فإذا ذكِراللازم للقائل وقال:" نعم، هذا يلزم من قولي ،وأنا مُلتزمٌ به " صار هذا اللازم قولاً له للالتزامه إياه، فإنه قال :" نعم أنا ألتزم به وليس في ذلك عندي مانع "
ومثاله : إذا قال من يُنفي الصفات لمن يثبتها:يلزم من إثباتك الصفات الفعلية أن يكون من أفعال الله ماهوحادثٌ!!.
فقد وجد بعض من ينكرون أفعالَ اللهِ-عزوجل-،فيُنكرون"أن ينزل وأن يأتي وأن يضحك ؛وماأشبه ذلك"ليش؟وعللوا ذلك بأن قالوا : هذه حوادث، والحادث لايقوم إلابحادث.
ونحنُ نُسَلِّم بأن الصفات الفعلية حادثة ، ولكن لانُسلم بأن الحوادث لاتقوم إلا بحادث ،لأن الحوادث قد تقوم بالقديم الذي ليس بحادث.
فإذا كان هناك رجلٌ يُنكر الأفعال الاختيارية ويُناظر مَنْ يُثبت الأفعال الاختيارية ، فإنه أي: النافي ، سيقول للمثبت:يلزم على قولك بإثبات الأفعال الاختيارية ؛أن يكون من أفعال الله شيءٌ حادث، فالنزول إلى السماء الدنيا يحدث كل ليلة ولا لأ؟ . فقال المُثبت للأفعال الاختيارية :نعم يلزم من إثبات الصفات الفعلية ؛أن يكون من أفعال الله ماهو حادثٌ، وأنا ألتزم بذلك، وأقول:" في أفعال الله ماهو حادثٌ" وليس في هذا شيءٌ أبدًا. فهذا اللازم التزم به القائل ، فيكون من قوله بلا شك لأمرين :
أولاً ؛ لأن كلامه دل عليه .
وثانيًا : ولأنه التزمه فعلاً.

وفي هذه القاعدة عدة فوائد، وقد سبق أن اللازم من قول أحد سوى قول الله ورسوله له ثلاث حالاتٍ، وتكلمنا عن الحالة الأولى ، وهي :" أن يذكر للقائل ويلتزم به"
فإذا قيل للقائل:"يلزمُ على قولِك كذاوكذا " فقال:" نعم ، وأنا ألتزم به " فلازم قوله قولاً له ، ويكون قائلا باللازم والملزوم .

مثاله:أن يقول مَنْ يُنفي الصفات الفعلية- وهم المعتزلة والأشعرية ،فهم ينكرون الأفعال الاختيارية بالله عز وجل ونحوهم ، والذين يثبتونها هم السلف "أهل السنة والجماعة " – يلزم لإثبات الصفات الفعلية لله عز وجل ؛ أن يكون من أفعال الله ما هو حادث .
فإذا قال النفاة ذلك، ماذا يقول المُثبِت؟
فإذا قال المثبت :لا، لايلزم.
قيل له : بيِّن لنا عدم وجه الملازمة.
وإن قال: يلزم وأنا ألتزم بذلك وأثبته .
قيل له : لابأس ، وأنت الآن التزمتَ أمرًا نرى أنه غيرُ صحيح، وأنت ترى أنه صحيحٌ ، فما بيان ذلك ؟
يقول المُثبتُ: نعم، وأنا ألتزم بذلك ،فإن الله لم يزل ولايزال فعالاً لمايُريد، ولا نفاد لأقواله وأفعاله كما قال الله تعالى:"قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا"سورة الكهف، الآية: 109.وقال تعالى:"وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ"سورة لقمان، الآية:27..وحدوث أحاد فعله تعالى لايستلزم نقصًا في حقه، بل هو في الحقيقة كمالٌ ،لأن كونه يفعل مايُريدُ متى شاء، لاشك أنَّ هذا كمالٌ.
والذي يقول :"إنَّ الله لايفعل ولاتحدث أفعاله" فمعنى كلامه أنه عطل كمال الله ،وأما الذي يقول:بأنَّ أفعال الله تحدث ُ، فهذا هوالذي وصف الله تعالى بالكمال؛ولهذا كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم-إذا نزل المطر حَسر عن ثوبه ليصيبه الماء ،ويقول :" إنه حديث عهدٍ بربه"صحيح مسلم :898.إذًا فخلقُ اللهِ لهذا المطرمتجدد ولا بقديم؟ متجدد لأنه قال حديثُ عهد بربه فتجدد أحاد فعل الله كمالٌ وليس بنقصٍ.
والنفاة يقولون: لايُمكن أن تتجدد أفعاله؛ لأن الحادث لايكون إلابحادث. هل هذا صحيح؟ أبداً حدوث الفعل لايلزم منه حدوث الفاعل.نحن الآن جئناإلى هذا المكان اليوم وفعلنا أفعالاً في هذه الساعة هل يلزم من ذلك أننا لم نُخلقْ إلا هذه الساعة؟ لايلزم فالوجود يسبق الفعل،وعليه نقول: إنَّ اللهَ-عزوجل-لم يزل ولايزال موجودًا، ولكن آحادُ أفعاله تتجدد حسب ماتقتضيه حكمته ،وليس في هذا نقصٌ بل في هذاكمالٌ.

أم أبي التراب
09-23-2018, 06:29 AM
*المتن*

الحال الثانية:أن يذكر له ويمنع اللازم بينه وبين قوله، مثل أن يقول النافي للصفاتِ لمن يثبتها: يلزم من إثباتك أن يكونَ اللهُ تعالى مشابهاً للخلق في صفاته. فيقول المثبت: لا يلزم ذلك، لأن صفات الخالق مضافة إليه لم تذكر مطلقة حتى يمكن ما ألزمت به، وعلى هذا فتكون مختصة به لائقة به، كما أنك أيها النافي للصفات تثبت لله تعالى ذاتًا وتمنع أن يكون مشابهًا للخلق في ذاته، فأي فرق بين الذات والصفات؟!.وحكم اللازم في هاتين الحالتين ظاهر.
* الشرح *


كان ينبغي أن نقول "مماثلاً"بدلاً من"مشابهًا"،ولكني كتبت هذه الرسالة من قبل أن يتبين لي الفرق بين "المماثل" و"المشابه" وقد ذكرنا أن الأولىالتعبير بنفي المماثلة لأسباب:
الأول:أن لفظ "المماثلة" هو اللفظ الذي عبر الله به، فإنك لاتجد في القرآن أن الله نفى المشابهة أبدًا، وإنما نفى المماثلة ؛ وذلك لأن المماثلة هي التي تقتضي المساواة.
والثاني:أن التشبيه صار اسمًا عند قوم من الناس ينفون به كل ماثبت لله من صفاتٍ ، ويقولون: هذا تشبيهٌ ، حتى وإن كانت المشابهة في مطلق المعنى، فيقولون: هذا تشبيه،وينفون الصفة! ولذلك أنكرواكثيرًا من الصفات، وقالوا: لأن المخلوق والخالق يشتركان في مطلقِ هذا المعنى! فصار كلُ من أثبت الصفات عندهم من المُشَبِّهة، فالذي يُثبت "اليد"حقيقية لله ،يقولولون : هذا تشبيه؛ لأنهم ظنوا أن اشتراك الخالق والمخلوق في مطلق الصفة يقتضي المماثلة المنفية في القرآن.
الثالث:أن "المشابهة" قد تكون في بعض الأشياء، وهذا بخلاف "المماثلة" التي قد تكون في جميع الأشياء، والله-عزوجل-لم ينفي عن نفسه مُشاركة المخلوق في كل شيءٍ من الأشياءِ ، فنحن نقول: لله وجودٌ ولنا وجودٌ؛ فاشتركنا في أصل الوجودية ؛لكن اختلفنا اختلافًا كثيرًا في هذه الوجودية، فوجودية الله تعالى واجبة ومستحيلٌ عدمُها ،ووجود المخلوق جائزٌ ، وعدمُه ممكنٌ.
وكذلك نقول: البصر إدراك المرئيات؛ المخلوق مشابه للخالق في أصل الصفة ؛ لكنه مُباينٌ له في حقيقة الصفة ، فإن رؤية المخلوق ليست كرؤية الخالق ، وهكذا السمع والرحمة وسائر الصفات .فلهذا كان التعبير بنفي "المماثلة" أولى من التعبير بنفي "المشابهة".

والمقصود أن إثبات الصفات لا يستلزم التمثيل، والمثبِت إذا قيل له إن إثباتك الصفات يستلزم التمثيل ؛ لايلتزم بذلك، لأنه يمكن أن ينفك عنه ؛ فيقول : أنا لم أثبت لله صفة مطلقة حتى يمكن أن تكون مماثلة للصفة المطلقة في المخلوق، ولكن أثبت لله صفة مضافة إليه تليق بجلاله وعظمته، فعندما أقول بأن لله سمعًا وبأن لي سمعًا ، لايمكن أن يقع في ذهني أن سمع الله مماثلٌ لسمعي ، أو أن سمعي مماثلٌ لسمع الله-عزوجل- بل الذي يقع في الذهن أن سمع الله يليق بجلاله عز وجل ، ولايمكن أن يُماثل سمع المخلوقين، وحينئذ لايلزمُني ما ألزمتني به.
وأقول للنافي الذي يقول بأن إثبات الصفات يستلزم التمثيل ، هل تُثبت لله ذاتًا؟
فسيقول : نعم أثبت لله ذاتاً.أقول هل لزم من إثباتك الذات لله أن يكون مماثلاً لذوات المخلوقين ؟ فسيقول : لا.أقول له : فالصفات كذلك، فإذا كنتَ تُثبت للهِ ذاتًا لاتشبه ذوات المخلوقين ؛ لزمك أن تثبت لله صفاتٍ لاتشبه صفات المخلوقين ؛ لأن الصفات تابعةٌ للموصوف .
وحكم اللازم في هاتين الحالتين ظاهر.
إيش ظهوره؟أنه في الأولى التزم به ؛وفي الثانية ؛نفاه.ففي الأولى نأخذ بلازمِ قوله، وفي الثانية لانأخذ ؛لأنه نفاه.

*المتن*

الحال الثالثة:أن يكون اللازم مسكوتًا عنه،فلا يذكر بالتزام ولا منع،فحكمُه في هذهالحالألا ينسب إلى القائل، لأنه يحتمل لو ذُكِرَ له أن يلتزم به أو يمنع التلازم، ويحتمل لو ذُكر له فتبين له لزومه وبطلانه أن يرجع عن قوله؛ لأن فساد اللازم يدل على فساد الملزوم. ولورود هذين الاحتمالين لا يمكن الحكم بأن لازم القول قول.
* الشرح *


إذا كان اللازم مسكوتًا عنه- أي لم يُذكر للقائل فيلتزم به؛ ولم يذكر له فيمنع التلازم ؛ مسكوتًا عنه - فهل يكون هذا اللازم قولاً للقائل أم لا؟
نقول : لايكون قولاً له ؛لأنه يحتمل أنه لو ذُكِرله هذا اللازم لالتزم به ، وإذا التزم به صارقولاً له ، ويُحتمل أنه لو ذكر له لمنع التلازم، وحينئذٍ يبقى على قوله الأول ،ويمنع التلازم فينفي اللازم.
فعندنا احتمالان ؛فعلى الاحتمال الأول يكون من الحالة الأولى، وهي أنه لو ذكر له التزمه وقبله. وعلى الاحتمال الثاني أنه إذا ذكر له لردَّه ومنع التلازم ويكون من الحالة الثانية ،وقد يحتمل معنى ثالثًا ؛ وهو أنه لو ذكِّربه وتبين له هذا اللازم وأنه باطلٌ ؛ فإنه سيرجع عن قوله، فإذا اعترف بأن هذا هو اللازم من قوله وأن هذااللازم باطلٌ ؛لزمه أن يرجع عن قوله، فحينئذٍ لايُمكننا أن نقول بأن هذا اللازم قولٌ له، لأنه ربما إذا تبين له أنه أخطأ ، وأن هذا الخطأ لازمُ قولهِ رجع عن قوله.
وعليه فعندنا ثلاثة احتمالات:
الأول : أن يُذكرله اللازم ؛ فيلتزمُ به؛ وهذا من الحالة الأولى.
الثاني : أن يُذكرله اللازم فيمنع التلازم ، وهذا من الحالة الثانية.
الثالث : أن يُذكرله اللازم ويتبين له أنه لازمٌ وأنه باطلٌ، وحينئذٍ يرجع عن قوله ؛ لأنه تبين له أنه باطلٌ، لأن بُطلان اللازم يدل على بُطلان الملزوم. فلماكانت هذه الاحتمالات واردة في أمرٍمسكوت عنه، فإننا لانقول بأن هذا اللازم قولٌ لهذا القائل.

*المتن*

فإن قيل: إذا كان هذا اللازمُ لازمًا من قوله، لزم أن يكون قولاً له، لأن ذلك هو الأصل، لاسيما مع قُرب التلازم.
قلنا:هذا مدفوعٌ بأن الإنسانَ بشرٌ، وله حالات نفسية وخارجية توجب الذهول عن اللازم، فقد يغفل، أو يسهو، أو ينغلق فكره، أو يقول القول في مضايق المناظرات من غير تفكيرٍ في لوازمه، ونحو ذلك.

* الشرح *


لوقال قائلٌ :هذا اللازم مسكوتٌ عنه لم يُلزم به القائل، فلم يلتزم به ولم يمتنع عنه ، ولم يرجع عن قوله . وِبناءً على ذلك فنحن نرى أنه لازم، ويجب أن نُضيفه إليه . لأن الإنسان بشرٌ له حالاتٌ نفسية تحولُ بينه وبين التفطن للازم، فقد يقول القول ويكون غافلاً عن لازمه، ولو كان ذاكراً للازمه ربما لايقول هذا القول. وهذا أمرٌ تشاهدونه أنتم بأنفسكم؛ أحياناً يُرجح الإنسان قولاً على قولٍ، ثم بعد التفكير يرى أنه يلزم على هذا القول الذي رجحه معنىً باطلٌ فيعدل عن ترجيحه ، وهذا كثير مايقع.ولذلك ينبغي للإنسان كما قلنا سابقاً أنه ينبغي له ألايُخالف الجمهور إلا إذا علم أن قولهم ليس بصواب ؛ لأن الغالب أن الحق مع الجمهور.
كذلك قلنا فيما سبق: إذا وردت أحاديث صحيحة كالجبال تُعتبرأصولاً في قواعد الإسلام ، فإنه لايَعدِل عنها إلى أحاديث آحادية قد تكون شاذة عند التأمل فيها ؛ حتى يتبين أن هذه الأحاديث الأحادية صحيحة لابد من القول بها ، لأن مُخالفة الأصول التي تعتبر قواعد في الإسلام أمرٌ عظيمٌ ، فلاينبغي للإنسان أن يشذ عنها إلا إذا تيقن .
وهنا نقولُ : إذا كان هذا القول لازماللقول لقائله ، ولزومه واضحٌ ، فإننا مع ذلك لانُلزم به قائله ، ولا نضيفه إليه، لأن الإنسان بشرٌ كما قلتُ ومن الممكن أن يغفل عن اللازم ، ومن الممكن أن يكون في باب المناظرة. وهو باب تحدث فيه مضايقات ، فربما تقول قولاً لأجل أن تتخلص به من ضيق المناظرة ؛ وهذا القول لازمه باطلٌ
والناس في المناظرات ربما أرادوا الخروج من ضيق المناظرة بأقوال ربما لو تأملوها فيما بعد لوجدوها خطأ، فلما كان هذا وارداً على طبيعة البشر لم يكن لنا أن نجعل لازم قول الإنسان قولاً له حتى يُصرح بالتزامِه له.
والخلاصة:أننا لا ننسب لازم القول للقائل إلا إذا التزم به ، ويصح لنا أن نقول : هذا القول يلزمه كذا وكذا ، وهذا اللازم فاسد، ولا يصح أن نقول بأن هذا القول الفاسد هو قول فلان لأنه لازم كلامه .
وفي هذا الباب الذي نحن بصدده وهو باب الأسماء والصفات ، نرى أن بعض الناس يُنكر أن يكون الله تعالى موصوفًا بأي صفةٍ، ويُثبتون الأسماء، ومنهم من يُنكر أن اللهَ موصوفٌ بأي صفةٍ أومُسمىً، فلا يثبتون الصفات ولا الأسماء ؛ لأنهم يقولون :لو أننا أثبتنا لله أسماءً وجودية لزم من ذلك أن يكون مُشابهًا للموجودات.
نقول لهم نحن : ويلزم من قولكم أيضاً أن يكون مُشابهًا للمعدومات، لأن نفي الوجود يستلزم العدم، فإنكاركم الوجود معناه : إثبات العدم وتُشبِيهُه بالمعدومات، وتشبيهه بالمعدومات أنقص من التشبيهه بالموجود . وهذا على فرض أن يكون إثباتُ الوجودِ تشبيهاً.
وأما الغلاة منهم؛ فقالوا: ننفي عنه الوجود والعدم ونقول : ليس بسميع ولاأصم وليس بصير ولاأعمى، وليس بحي ولاميتٍ ، فننفي عنه هذا وذاك، أي ننفي الشيء وضده.
فقال أهل السُنة والجماعة:ماتقولون في الوجود؟
قالوا: نقول :لاموجودٌ ولامعدومٌ.
فقال أهل السنة والجماعة:إذًا شبهتموه بالممتنِعات، لأنه يمتنع أن يكون الشيء لا موجوداً ولامعدوماً إذ أن تقابل الوجود والعدم من باب تقابل النقيضين ،والنقيضان لايجتمعان ولايرتفعان ، فلا يُمكن أن نقول عن شيء: لاموجود ولا معدومٌ ،فإما موجود وإما معدوم .
ربمانقبل منك أن تقول لاحي ولاميت؛ بناءً على اصطلاحِك بأن الحياة والموت إنما يوصف بها من له شعورٌ وإحساسٌ ؛وأن الجدار فهو لاحي ولاميت ؛بِناءً على فهمك ؛ فإن الجمادات قد توصف بأنها حية وميتة فالذين يعبدون الأشجار والأحجار يُقال أنهم يعبدون أمواتاً غير أحياء كما قال في القرآن .
والحاصل أن نقول:إن هؤلاء الذين قالوا إنه يلزم من كذا وكذا وأوغلوا في هذا اللازم وصلوا إلى حدٍ وصفوا الله تعالى فيه بالأشياء الممتنعة، مارأيُكم في الحركة والسكون تقابلهم من باب تقابل النقيضين .لأنهما لايُمكن أن يجتمعا ولا أن يرتفعا يعني:إذا كان الشيء غيرَمتحركٍ فهو ساكنٌ وإن كان متحركًا فهو غير ساكن .
المتن*
القاعدةالخامسة:
أسماء الله تعالى توقيفية، لا مجال للعقل فيها:

وعلى هذا فيجب الوقوف فيها على ما جاء به الكتاب والسنة، فلا يزاد فيها ولا ينقص؛ لأن العقل لا يمكنه إدراك ما يستحقه تعالى من الأسماء، فوجب الوقوف في ذلك على النص لقوله تعالى"وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً"سورة الإسراء، الآية: 36. . وقوله"قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْأِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ" سورة الأعراف، الآية: 33.. ولأن تسميته تعالى بما لم يسم به نفسه، أو إنكارَ ما سمى به نفسه، جناية في حقه تعالى، فوجب سلوك الأدب في ذلك والاقتصار على ما جاء به النص.
* الشرح *
يقول علماءُ أهلِ السُنةِ والجماعةِ :إن أسماءَ اللهِ توقيفية؛ بمعنى أنه يتوقف فيها على ماجاء في الكتاب والسنة لانزيدُ فيها ولانُنقِصُ؛ لأننا إذا زدنا فقد قلنا على الله بلاعلم ، وإن نقصنا كتمنا أوجحدنا ماسمى الله به نفسه. فالواجب علينا أن نقتصرعلى ماجاء به الكتاب والسُنة من أسماء الله- سبحانه وتعالى - و ذلك لثلاث عللٍ:
أولاً: لأن العقل لايمكنه إدراك مايستحقه الله تعالى من الأسماء ، فوجب الوقوف في ذلك على النص، وهذا صحيح نحن لاندرك مايجب لله تعالى من الأسماء؛ ولهذا قال النبي- صلى الله عليه وسلم-:"سُبحانك لا أحصي ثناءً عليك أنتَ كما أثنيتَ على نفسك".
والتسمية بالأسماء من الثناء ، فلا يمكن أن نُدرك مايستحقه الله-عزوجل- من الأسماء ، فوجب علينا أن نتوقف فيما لم يرد به النص.
ثانيًا: دليل آخر قوله تعالى:" وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً"سورة الإسراء، الآية: 36
" وَلا تَقْفُ " يعني لاتتبَع، وقد قيل : " قفَّاه يقفوه" إذا جاء على أثره أو على إثره.إذًا فلا يجوزلنا أن نُسمي الله بما لم يُسم به نفسه لأن ذلك مما ليس لنا به علم.وقال-عزوجل-: "قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْأِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ" سورة الأعراف، الآية: 33.
الشاهد:قوله تعالى:" وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ ".
ثالثًا: ولأن تسمية الله بما لم يُسم به نفسه؛ أوإنكار ماسمى به نفسه –جناية- في حقه تعالى.
أرأيت لو أن شخصًا سمَّاكَ بغير ماتسميتَ به، هل يُعتبر جانٍ عليك؟ نعم لأنه ليس له التسمية ، فالتسمية حق لمن له الحق أن يُسمي ،مثلاً أنا سماني أبي محمد ؛ثم يجيء واحد يقول أنا أسميك علي.سماك أبوك سليمان وجاء واحد قال لا؛انا أسميك سُلَيم.يملك هذا ولا لايملك؟ لايملك.
فالله-عزوجل- له الحق أن يُسمي نفسه بما يشاء، وأما نحنُ فليس من حقنا أن نُسمي اللهَ بما لم يُسم به نفسه ،لأن ذلك جناية في حقه تعالى.وكذلك إنكار ماسمى به نفسه جناية في حقه تعالى ، فالله عز وجل قد سمى نفسه بأسماء وليس من حقنا أن نقول : لن نسميه بها .
وعلى ذلك فالواجب علينا أن نُسمي الله بما سمى به نفسه؛لأن تسمية الله بمالم يسم به نفسه سوء أدب مع الله ،وكذلك إنكار ماسمى به نفسه سوء أدب معه سبحانه .فالواجب علينا سلوك الأدب.
انتهى الشريط الأول هنا (http://mnbralda3wa.blogspot.com.eg/2014/10/blog-post_10.html)=

أم أبي التراب
09-23-2018, 06:35 AM
الشريط الثاني

*المـتـن*

القاعدة السادسة: أسماء الله تعالى غير محصورة بعدد معين:
لقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث المشهور "أسألك بكل اسمٍ هو لك سميت به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أو علمته أحداً من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك"1الحديث رواه أحمد وابن حبان والحاكم، وهو صحيح
وما استأثر الله تعالى به في علم الغيب لا يمكن لأحدٍ حصره، ولا الإحاطة به.
**************
عرض الحديث بخريجه وتحقيقه إضافة من خارج الشريط


1" ما أصاب أحد قط هم ولا حزن فقال"اللهم إني عبدك ، وابن عبدك ، وابن أمتك ، ناصيتي بيدك ، ماض في حكمك ، عدل في قضاؤك ، أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك ، أو أنزلته في كتابك ، أو علمته أحدًا من خلقك ، أو استأثرت به في علم الغيب عندك ، أن تجعل القرآن ربيع قلبي ، ونور صدري ، وجلاء حزني ، وذهاب همي" .إلا أذهب الله عز وجل همه ، وأبدله مكان حزنه فرحا. قالوا :يا رسول الله ! ينبغي لنا أن نتعلم هؤلاء الكلمات؟ قال : أجل ! ينبغي لمن سمعهن أن يتعلمهن .
الراوي: عبدالله بن مسعود المحدث:الألباني - المصدر: صحيح الترغيب - الصفحة أو الرقم: 1822- خلاصة حكم المحدث: صحيح
الدرر السنية (http://www.dorar.net/enc/hadith?skeys=%D8%A3%D8%B3%D8%A3%D9%84%D9%83+%D8%A8 %D9%83%D9%84+%D8%A7%D8%B3%D9%85+%D9%87%D9%88+%D9%8 4%D9%83+%D8%B3%D9%85%D9%8A%D8%AA+%D8%A8%D9%87+%D9% 86%D9%81%D8%B3%D9%83&phrase=on&xclude=&t=*&d%5B1%5D=1&m%5B%5D=1420&s%5B%5D=0)
* الشرح *

أسماء الله ليست محصورة في عددٍ معين؛ لأن من أسماء الله ما استأثر الله بعلمه ، وما استاثر الله بعلمه لايمكن الإحاطة به.
*المـتـن*

فأما قوله صلى الله عليه وسلم: "إن لله تسعة وتسعين اسمًا مائة إلا واحدًا من أحصاها دخل الجنة"رواه البخاري، كتاب التوحيد (7392) ومسلم، كتاب الذكر (2677).، فلا يدل على حصر الأسماء بهذا العدد، ولو كان المراد الحصر لكانت العبارة: "إن أسماء الله تسعة وتسعون اسماً من أحصاها دخل الجنة" أو نحو ذلك.إذن فمعنى الحديث: أن هذا العدد من شأنه أن من أحصاه دخل الجنة، وعلى هذا فيكون قوله: "من أحصاها دخل الجنة" جملةً مكملةً لما قبلها، وليست مستقلة، ونظير هذا أن تقول: عندي مائة درهم أعددتها للصدقة، فإنه لا يمنع أن يكون عندك دراهم أخرى لم تعدها للصدقة.
* الشرح *

سبق أن قررنا الآن أن أسماء الله تعالى غير محصورة بعدد معين ، فإن قال لنا قائلٌ:بل هي محصورة ؛لأن النبي -صلى الله عليه وسلم-يقول:"إنَّ للهِ تسعة وتسعين اسمًا مَنْ أحصاها دخل الجنة"فذكر أنها تسعة وتسعون اسمًا ثم عاد واستأنف وقال:"من أحصاها" أي: من أحصى هذه الأسماءُ التسعة ُوالتسعون دخلَ الجنة،وهذا ينقض قولكم بأن أسماء الله غير محصورة!
نقول:هذا لاينقض قولنَا ؛لأننا لسنا نحن الذين قلناه، بل قاله أعلم الناس بربه وهو رسول الله - صلى الله عليه وسلم- حيثُ قال: "أواستأثرت به في علم الغيب عندك"وحينئذٍ نقول : فلا يُمكن أن يتناقض كلام النبي- صلى الله عليه وسلم-.
فإن قيل : فما الجواب على حديث:" إن لله تسعة وتسعين اسمًا"؟
نقول:الجواب أن للهِ أسماء حسنى ، ومنها تسعة وتسعون اسمًا ؛ ومن أحصى هذا العدد من الأسماء دخل الجنة ، وهذا لايُنافي أن يكون له أسماءٌ أخرى لم تدخل في هذا الحُكم.
ونظيرُ ذلك أن تقول:" عندي مئةُ درهم أعددتها للصدقة " هل معنى ذلك أنه ليس عندك إلا هذه المئة؟ لا.لكن المعنى أن عندي مئة أعددتها لذلك؛ وأن عندي أشياء أخرى ؛ عندي مئات الألوف ؛ماأعددتها للصدقة.
ونظير ذلك أن أقول :"عندي ثوبان أعددتهما للجمعة " هل معناه ليس عندي ثياب غيرهما؟ لا؛ لايلزم,هذا مثلها أيضًا.
ونقول:فقول النبي صلى الله عليه وسلم :"مَنْ أحصاها دخل الجنة"جملة مكملةٌ لما قبلها، أي هذه التسعة والتسعين خُصت بأن من أحصاها دخل الجنة، وليست الجملة الثانية مستقلة عن الأولى كما يتوهم بعض العلماء.

أم أبي التراب
09-23-2018, 06:37 AM
*المتن*

ولم يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم تعيينُ هذه الأسماء، والحديث المروي عنه في تعيينها ضعيف.
قال شيخ الإسلام ابن تيميه في "الفتاوى" ص 383 جـ6 من "مجموع ابن قاسم": تعيينها ليس من كلام النبي صلى الله عليه وسلم باتفاق أهل المعرفة بحديثه، وقال قبل ذلك ص 379: إن الوليد ذكرها عن بعض شيوخه الشاميين كما جاء مفسِّرًا في بعض طرق حديثه. أهـ.
وقال ابن حجر في "فتح الباري" ص215 جـ11 ط السلفية:
ليست العلة عند الشيخين "البخاري ومسلم"، تفرد الوليد فقط، بل الاختلاف فيه والاضطراب، وتدليسه واحتمال الإدراج. أهـ.
* الشرح *

هذا الحديث علله ابن حجر بتفرد الوليد والاختلاف والاضطراب، والتدليس ،واحتمال ،الإدراج ،كلُ هذه عِللٌ تقدح في صحة الحديث الذي فيه عدُّ الأسماء.
ثم إن هذه الأسماء التي ذُكِرَتْ؛ منها أشياءٌ لاتصح أن تكون اسمًا ،ومنها أشياء لم تُذكر وهي من أسماء الله ؛ ثبت بها الحديث. فـ"الرب" مثلا لم يُذكر في هذه الأسماء المعدودة مع أنه من أسماء الله ،و"الشافي" لم يُذكرفي هذه الأسماء المعدودة مع أنه من أسماء الله.
فلما كان هذا الحديث قد جمع ما لايصح أن يكون اسمًا لله، وترك ما هو من أسماء الله وهي ظاهرة ومشهورة ، دلَّ ذلك على أن عدَّها ليس من كلام النبي-صلى الله عليه وسلم-لأن كلام النبي-عليه الصلاة وسلم-لا يتناقض.
ومن أحب أن يطلع على هذه الأنواع في عدِّها فليرجع إلى "فتح الباري" لابن حجر ، فقد ذكرهناك أشياء غريبة ذكرها بعض العلماء على أنها من أسماء الله ،وهي بعيدة عن أن تكون من أسماء الله .
وسبب هذا الاختلاف أنه لم يصح فيها حديث بالتعيين.ولوصح حديث بالتعيين لمابقي كلامٌ لأحدٍ بعد ذلك ،ولكن لعدم صحة مانقل عن النبي صلى الله عليه وسلم فيها ؛كثر الاختلاف و الاضطراب في تعيينها.

أم أبي التراب
09-23-2018, 06:43 AM
*المتن*

ولما لم يصح تعيينها عن النبي صلى الله عليه وسلم اختلف السلف فيه، وروي عنهم في ذلك أنواع. وقد جمعت تسعة وتسعين اسماً مما ظهر لي من كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
الشرح
كلام للشيخ مع الطلبة .......

*المتن*

فمن كتاب الله تعالى:
الله ؛الأحد؛ الأعلى؛ الأكرم؛ الإله ؛الأول؛ والآخر ؛والظاهر؛ والباطن البارئ ؛البر ؛البصير؛ التواب ؛الجبار؛ الحافظ ؛الحسيب؛ الحفيظ؛ الحفي؛ الحق ؛المبين؛ الحكيم؛ الحليم؛ الحميد؛ الحي؛ القيوم؛ الخبير؛ الخالق ؛الخلاق؛ الرؤوف؛ الرحمن؛ الرحيم؛ الرزاق؛ الرقيب؛ السلام ؛السميع؛ الشاكر؛ الشكور؛ الشهيد؛ الصمد؛ العالم؛ العزيز ؛العظيم ؛العفو؛ العليم؛ العلي ؛الغفار؛ الغفور؛ الغني؛ الفتاح؛ القادر؛ القاهر؛ القدوس؛ القدير؛ القريب؛ القوي؛ القهار؛ الكبير ؛الكريم؛ اللطيف ؛المؤمن ؛المتعالي؛ المتكبر؛ المتين؛ المجيب؛ المجيد؛ المحيط ؛المصور؛ المقتدر؛ المقيت؛ الملك؛ المليك؛ المولى؛ المهيمن؛ النصير؛ الواحد؛ الوارث ؛الواسع؛ الودود؛ الوكيل؛ الولي؛ الوهاب.
* الشرح *

يلاحظ أننا راعينا في ترتيب "الأسماء" الحروف الهجائية وهي"أ,ب,ت,ث.." ، وليس الحروف الأبجدية وهي : "أبجد هوز حطي ....."بعد الباء جيم وبعد الجيم دال والذال هي آخر شيء و"أ"هذه همزة ماهي ألف .
وقد جمعنا بين "الحق المبين" - مع أن الميم ليست بعد الحاء ، لأنها قرنت في القرآن جميعًا ، وكذلك "الحي القيوم", "الأول والآخر","الظاهر والباطن"- لورودها هكذا في كتاب الله -.
والأدلة على هذه الأسماء من القرآن كما يلي :
"الله" فأدلته من القرآن الكريم كثيرة"بِسْمِ اللهِ الرحمن الرحيم " الفاتحة 1. "الأحد": "قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ "الإخلاص1
"الأعلى" : {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى }الأعلى1
"الأكرم" : "اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ "العلق3
"الإله": "وَإِلَـهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الرَّحْمَنُ"الرَّحِيمُ"{163}
أما الأول والآخر,الظاهر والباطن": " هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ" الحديد 3 .
"البارئ" :"هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ". الحشر 24 "البَرّ": " إِنَّا كُنَّا مِن قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ الرحيم".الطور 28
"البصير":" وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ". الشورى 11
"التواب" : "إِنَّ اللّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ".التوبة 118
" الجبار":" الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ" الحشر:23
"الحافظ": " فَاللّهُ خَيْرٌ حَافِظاً ".يوسف :64
"الحسيب": " وَكَفَى بِاللّهِ حَسِيباً".النساء 6
الحفيظ"إنَّ ربي على كل شيءٍ حفيظ". الحفيّ"إنه كان بي حفيا".وهذا في الحقيقة فيه شيء من التردد لأنه قد يُقال إنه من الأفعال وليس من الأسماء لأنه قُيِّد قال"إنه كان بي حفيا". القيوم"الحيُّ القيوم". الحق"ويعلمون أنَّ اللهَ هو الحقُ المبين","وذلك بأن الله هوالحق".الحكيم:أدلتها كثيرة. الحليم"غفورٌ حليم".الحميد"إلى صِراطِ العزيزالحميد".الحي القيوم:في آية الكرسيّ. الخبير"ألايعلمُ مَنْ خلق وهو اللطيف الخبير". الخالق:آخر سورة الحشر. الخلاق"إنَّ ربَكَ هو الخلاقُ العليم". الرءوف:كثيرة.الرحمن الرحيم:كثيرة. الرزاق"إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين". الرقيب"وكان اللهُ على كل شيءٍ رقيبًا".السلام"وهواللهُ الذي لاإله إلاهو المَلِكُ القدوسُ السلامُ المؤمنُ المهيمنُ العزيزُ الجبارُ"آخرسورة الحشر. السميع:كثيرة. الشاكر" وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا ". الشكور"إنه غفورٌ شكورٌ". الشهيد"واللهُ على كل شيءٍ شهيد". الصمد"قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ* اللَّهُ الصَّمَدُ".العالم عالم الغيب :عليم غير عالم" وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عَالِمِينَ".العزيز:كثيرة.العظيم:آية الكرسيّ. العفو:في سورة المجادلة. العليم:كثير. العليّ:في آية الكرسي. الغفار"وإني لغفارٌ لمن تاب وآمن".الغفور:كثير. الغنيّ"وهو الغنيُّ الحميد".الفتاح"وهوالفتاحُ العليم". القادر"فنِعمَ القادرون". القاهر"وهوالقاهِرُ فوق عباده".القدوس:آخر الحشر.القدير:كثير. القريبكثيرالقويّ"وهو القويُّ العزيز".القهار"اللهُ الواحدُالقهارُ".الكبير كثير,الكريم كثير,اللطيف:كثير. المؤمن"السلام المؤمن"آخر الحشر. المُتعال"الكبيرُ المتعال". المتكبر:سورة الحشر. المتين"ذو القوة المتين".المُجيب"إنَّ ربي قريبٌ مُجيبٌ". المجيد"إنه حميدٌ مجيدٌ". المحيط" وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُّحِيطًا ".المُصور:في آخر سورةالحشر. المُقتدر"في مقعد صِدقٍ عندَ مَليكٍ مُقتدر".المُقيت"وكان اللهُ على كل شيءٍ مُقيتًا".سورة النساء. الملك"الملكُ القدوسُ".في آخر سورة الحشر.
المليك"عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ". المولى"نِعمَ المولى ونِعمَ النصير".المُهيمن:آخرسورة الحشر. النصير:كثير. الواحد"وَهُوَ الْواحِدُ الْقَهَّارُ". الوارث"وإنا نحنُ نُحي ونُميتُ ونحنُ الوارثون". الواسع"واللهُ واسِعٌ عليمٌ". الودود" وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ". الوكيل"وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا ". الوليّ"وهوالوليُّ الحميد". الوهَّاب"إنكَ أنتَ الوهابُ". طيب كم هذه؟ واحد وثمانين.
*المتن*
ومن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم:
الجميل -الجواد -الحكم- الحيي- الرب- الرفيق- السبوح-السيد- الشافي- الطيب- القابض-الباسط-المقدِّم-المؤخِّر- المحسن- المعطي- المنان-الوتر.
* الشرح *
الجميل"إنَّ اللهَ جميلٌ يُحبُ الجَمَالَ". الجواد: في الحديث " إنَّ اللهَ تعالى جَوَادٌ يحبُّ الجُودَ ، و يحبُّ مَعالِي الأَخلاقِ ، و يكرَهُ سَفسافَها"

الحكم: في الحديث "إن الله هو الحكم". الحيي:في الحديث " إنَّ اللَّهَ حيِىٌّ كريمٌ ..".الحيي غير الحي؛ الحييُ من الحياء ، الحيُ من الحياة.

الرب :في الحديث " أما في الركوع فعظموا فيه الرب " . الرفيق: في الحديث " إن الله رفيق يحب الرفق". السبوح : في الحديث " سبوح قدوس ..." . السَّيِّدُ:في الحديث"السَّيِّدُ اللهُ ".الشافي: في الحديث "اشف أنت الشافي.." الطييب : في الحديث " إن الله طيبًا لا يقبل إلا طيبًا" . القابض الباسط :في الحديث "إن الله هو المسعر القابض الباسط ". المقدم المؤخر : في الحديث :" أنت المقدم وأنت المؤخر.." . المحسن:

في الحديث :" إنَّ اللهَ محسنٌ يُحبُّ الإحسانَ ...." .المعطي :في الحديث:"... وإنما أنَا قاسِمٌ واللهُ يُعْطِي ....".المنان: في الحديث:" ... المنَّانُ بديعُ السَّمواتِ والأرضِ..." الوتر: في الحديث:" ...وإنَّ اللهَ وِترٌ يحبُّ الوِترَ "

:::::::::::::::::::::::::::::::::

أم أبي التراب
09-23-2018, 06:56 AM
*المـتـن*

هذا ما اخترناه بالتتبع، واحد وثمانون اسمًا في كتاب الله تعالى ؛وثمانية عشر اسمًا في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن كان عندنا تردد في إدخال "الحفي"؛ لأنه إنما ورد مقيدًا في قوله تعالى عن إبراهيم: "إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا" وما اخترناه فهو حسب علمنا وفهمنا وفوق كل ذي علم عليم حتى يصل ذلك إلى عالم الغيب والشهادة ومن هو بكل شيء عليم.
* الشرح *

هذا ما اخترناه من أسماء الله تعالى ، وهي تسعة وتسعون اسمًا، فمن أحصى تسعة وتسعين اسمًا لله دخل الجنة .
وإحصاؤها قيل: هو إدراكها لفظًا ومعنى ، والتعبد لله تعالى بمقتضاها.
ومن إحصائها كذلك ؛ دعاء الله عز وجل بها ، لأنه تعالى أمر بذلك في قوله ،"وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ"الأعراف "180 .
:::::::::::::::::::::::::::::::::

أم أبي التراب
09-23-2018, 06:59 AM
*المـتـن*

القاعدة السابعة

الإلحاد في أسماء الله تعالى هو الميل بها عما يجب فيها. وهو أنواع:
الأول: أن ينكر شيئاً منها أو مما دلت عليه من الصفات والأحكام، كما فعل أهل التعطيل من الجهمية وغيرهم. وإنما كان ذلك إلحاداً لوجوب الإيمان بها وبما دلت عليه من الأحكام والصفات اللائقة بالله، فإنكار شيء من ذلك ميل بها عما يجب فيها.
الشرح

الإلحاد في "اللغة"هو : الميل، ومنه: اللحد في القبر؛ لأنه مائلٌ إلى جانب منه.
وأما الإلحاد في أسماء الله الذي نهى الله عنه فقال:"وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ "فهوالميل بها عما يجبُ فيها.هذا الضابط فمثلا سمى الله تعالى بغير ما سمى به نفسه كان مُلحِداً في أسماء الله ؛ لأن الواجب هو الاقتصار على ماورد به النص؛ لأن أسماء الله تعالى توقيفية، ومن أثبتَ الأسماء ونفى ماتضمنته من الصفات فهو كذلك مُلحد فيها ؛لأن الواجب إثباتُها مع ما تضمنته من الصفات.
المتن


الثاني: أن يجعلها دالة على صفات تشابه صفات المخلوقين كما فعل أهل التشبيه، وذلك لأن التشبيه معنى باطل لا يمكن أن تدل عليه النصوص، بل هي دالة على بطلانه، فجعلها دالة عليه ميل بها عما يجب فيها.
الشرح

إذا قال قائل أنا أُثبِت أن الله هو السميع والبصير ،ولكن أقول أن سمعه وبصرة مثل سمع وبصر الآدمي ؛قلنا هذا إلحاد ؛لأنها لاتدل على هذا المعنى ؛بل إن النصوص وردت محذرة من التمثيل والتشبيه .
المتن

الثالث: أن يسمى الله تعالى بما لم يسم به نفسه، كتسمية النصارى له: "الأب"، وتسمية الفلاسفة إياه "العلة الفاعلة"، وذلك لأن أسماء الله تعالى توقيفية، فتسمية الله تعالى بما لم يسم به نفسه ميل بها عما يجب فيها، كما أن هذه الأسماء التي سموه بها نفسها باطلة ينزه الله تعالى عنها.
الرابع: أن يشتق من أسمائه أسماء للأصنام، كما فعل المشركون في اشتقاق العزى من العزيز، واشتقاق اللات من الإله، على أحد القولين، فسمَّوا بها أصنامهم؛ وذلك لأن أسماء الله تعالى مختصة به، لقوله تعالى: "وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا " سورة الأعراف، الآية: 180.. وقوله: "اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى"سورة طه، الآية: 8.. وقوله: "لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْض" سورة الحشر، الآية: 24. فكما اختص بالعبادة وبالألوهية الحق، وبأنه يسبح له ما في السموات والأرض فهو مختص بالأسماء الحسنى، فتسمية غيره بها على الوجه الذي يختص بالله - عز وجل - ميل بها عما يجب فيها.
والإلحاد بجميع أنواعه محرم؛ لأن الله تعالى هدد الملحدين بقوله: "وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ" سورة الأعراف، الآية: 180..
ومنه ما يكون شركاً أو كفرًا حسبما تقتضيه الأدلة الشرعية.
*انتهى الفصل الأول*
وهو قواعد في أسماء الله

أم أبي التراب
09-23-2018, 07:01 AM
الفصل الثاني

قواعد في صفات الله تعالى

القاعدة الأولى

صفاتُ اللهِ تعالى كلها صفات كمال، لا نقص فيها بوجه من الوجوه، كالحياة، والعلم، والقدرة، والسمع، والبصر، والرحمة، والعزة، والحكمة، والعلو، والعظمة، وغير ذلك. وقد دل على هذا السمع، والعقل، والفطرة. أما السمع: فمنه قوله تعالى: "لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ"النحل 60
والمثل الأعلى هو الوصف الأعلى.
وأما العقل: فوجهه أن كل موجود حقيقة، فلابد أن تكون له صفة. إما صفة كمال، وإما صفة نقص. والثاني باطل بالنسبة إلى الرب الكامل المستحق للعبادة؛ ولهذا أظهر الله تعالى بطلان ألوهية الأصنام باتصافها بالنقص والعجز. فقال تعالى: "وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ" الأحقاف 5. وقال تعالى: "وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ* أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ" النحل 20 ؛ 21. وقال عن إبراهيم وهو يحتج على أبيه: "يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئاً" مريم 42، وعلى قومه"أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَنْفَعُكُمْ شَيْئاً وَلا يَضُرُّكُمْ* أُفٍّ لَكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ" الأنبياء 66؛ 67.ثم إنه قد ثبت بالحس والمشاهدة أن للمخلوق صفات كمال، وهي من الله تعالى، فمعطي الكمال أولى به.
الشرح

دليل السمعِ على أن الله تعالى موصوف بصفات الكمالِ قوله تعالى : "لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ"النحل 60. مَثَلُ السَّوْءِ : يعني مثل النقص والعيب؛ولم يقل : ولله مثل الكمال ، بل قال:" الْمَثَلُ الْأَعْلَى "، يعني: الذي لاشيء فوقه.والمثلُ بمعنى الوصف الأعلى، فكل صفة اتصف الله بها اللهُ تعالى فهي أعلى ماتكون من صفات الكمال.
وأما العقل: فإذا قال قائل ما هو دليلكم على أن الله متصف بصفات الكمالقلنا :أن كل موجود حقيقة، فلابد أن تكون له صفة. فإما أن تكون صفة كمال، وإما أن تكون صفة نقص. صفة النقص مستحيلة في حق الله عز وجل ؛ وصفة الكمال واجبة لله ؛ فوجب أن يكون موصوفًا بصفات الكمال لأنه منزهٌ عن صفات النقص.
فإن قال قائلٌ:هذا الحصر غير صواب ؛ لأن الموجود قد يكونموصوفًا بصفات الكمال أو صفات النقص أوبصفة لانقص فيها ولاكمال.
نقول: هذا الأخيرغيرُصحيحٍ ؛ لأن الصفة التي لا كمال فيها ولانقص ؛ هي في الحقيقة نقصٌ ؛ لأنها لغوٌ وعبث ، فالكمال أن يكون الإنسان مُتصفاً بالصفاتالنافعة المفيدة ،.وما لانفع فيه ولاضرر، فهو داخلٌ في صفات النقص، ولهذا قال النبي-صلى الله عليه وسلم- حاثاً على تكميل الإيمان:
"مَنْ كان يؤمن باللهِ واليومِ الآخر فليقل خيراً أوليصمُت"
والدليل الثاني من العقل : أن نقول:نحن نُشاهد في المخلوق صفات كمال. والذي أعطاه هذا الكمال هو الله -عزوجل- ، فمُعطي الكمال أولى بالكمال ، ومِنْ كمالهِ أنه أعطى الكمال. فهذا أيضاً دليلٌ عقلي على ثبوت صفات الكمال لله-عزوجل-
ولهذا مما يدل- على بُطلان ألوهية الأصنام أنها ناقصة؛قوله سبحانه وتعالى"وَمَنْأَضَلُّ مِمَّن يَدْعُو مِن دُونِ اللَّهِ مَن لَّا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَومِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَن دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ "الأحقاف5. وقال تعالى"وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِلاَ يَخْلُقُونَ شَيْئاًوَهُمْ يُخْلَقُونَ *أَمْواتٌ غَيْرُ أَحْيَاءوَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ"النحل20 ،21.وقال إبراهيمُ يُحاجُّ أباه"إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُمَالَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنكَ شَيْئاً"مريم42.وقال محاجاً لقومه"قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِمَا لَا يَنفَعُكُمْ شَيْئاً وَلَا يَضُرُّكُمْ* أُفٍّ لَّكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ"الأنبياء66-67.
فتبيَّن بهذا أنفتبين بهذا أن الرب لابد أن يكون كامل الصفات ،وإلا لم يصح أن يكون ربًا.

أم أبي التراب
09-23-2018, 07:03 AM
المتن

وأما الفطرة: فلأن النفوس السليمة مجبولةٌ مفطورةٌ على محبة الله وتعظيمه وعبادته، وهل تحب وتعظم وتعبد إلا من علمت أنه متصف بصفات الكمال اللائقة بربوبيته وألوهيته؟
*الشرح*

أي :أن الفطرة السليمة أو النفوس المجبولة على الفطر السليمة ؛تحب الله وتعظمه لكماله ،إذ أنَّ المجهول لايُحَبُّ ولايُعَظمُ، ومَنْ عُلِمَ نقصه لايُحبُّ ولايُعظمُ؛ فالفطرة - التي هي محبة الله وتعظيمه ؛ مبنية على أصل ؛ وهو علم الإنسان فطريًا بكمال صفات مَنْ يعبده سبحانه وتعالى.
*المـتـن*

وإذا كانت الصفة نقصاً لا كمال فيها فهي ممتنعة في حق الله تعالىكالموتوالجهل، والنسيان، والعجز،والعمى،والصممونحوها؛لقوله تعالى"وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ"سورة الفرقان، الآية. وقوله عن موسى "فِي كِتَابٍلا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنْسَى"سورة طه، الآية: 52. وقوله: "وَمَاكَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الْأَرْضِ"سورة فاطر، الآية: 44. وقوله"أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ"سورة فاطر، الآية: 44.وقال النبي صلى الله عليه وسلم في الدجال"إنه أعور وإن ربكم ليس بأعور". وقال " أيها الناس ارْبَعواعلى أنفسِكم فإنكم لا تدعون أصمَّ، ولا غائبًا"
رواه البخاري، كتاب المغازي (4202)، ومسلم، كتاب الذكر :2704
الشرح

وقوله عن موسى : "فِي كِتَابٍلا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنْسَى"سورة طه، الآية: 52. نفي الجهل والنسيان .
وقوله: "وَمَاكَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الْأَرْضِ"سورة فاطر، الآية: 44. نفي العجز.
. وقوله: "أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّالا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ"سورة فاطر، الآية: 44. نفي الصمم.
وقول النبي صلى الله عليه وسلم في الدجال"إنه أعور وإن ربكمليس بأعور". هذا نفي العمى .
*المتن*

وقد عاقب الله تعالى الواصفين له بالنقص، كما في قوله تعالى: "وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْوَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ"سورة المائدة، الآية: 64. وقوله "لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا وَقَتْلَهُمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ"سورة آل عمران، الآية: 181.
ونزه نفسه عما يصفونه به من النقائص، فقال سبحانه "سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ* وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ* وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ"سورة الصافات، الآيات: 180 - 182.وقال تعالى" "مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍوَمَاكَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ"سورة المؤمنون، الآية: 91.
وإذا كانت الصفة كمالاً في حال، ونقصًا في حال،لم تكن جائزة في حق الله ولا ممتنعة على سبيل الإطلاق، فلا تثبت له إثباتًا مطلقًا، ولا تنفى عنه نفيًا مطلقًا بل لابد من التفصيل: فتجوز في الحال التي تكون كمالاً، وتمتنع في الحال التي تكون نقصًا ،وذلك كالمكر، والكيد، والخداع، ونحوها. فهذه الصفات تكون كمالاً إذا كانت في مقابلة من يعاملون الفاعل بمثلها؛ لأنها حينئذ تدل على أن فاعلها قادر على مقابلة عدوه بمثل فعله أو أشد، وتكون نقصاً في غير هذه الحال، ولهذا لم يذكرها الله تعالى من صفاته على سبيل الإطلاق وإنما ذكرها في مقابلة من يعاملونه ورسله بمثلها،كقوله تعالى "وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ"سورة الأنفال، الآية: 30. وقوله"إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا* وَأَكِيدُكَيْدًا"سورة الطارق، الآيتان: 15، 16.. وقوله"وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنَا سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ*وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ"سورة الأعراف، الآيتان: 182، 183.وقوله" :إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَخَادِعُهُمْ"سورة النساء، الآية: 142وقوله"قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ* اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ"سورة البقرة، الآيتان: 14، 15..
ولهذا لم يذكر الله أنه خان من خانوه فقال تعالى "وَإِنْ يُرِيدُوا خِيَانَتَكَ فَقَدْ خَانُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ"سورة الأنفال، الآية: 71. فقال: "فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ "، ولم يقل: فخانهم؛ لأن الخيانة خدعة في مقام الائتمان، وهي صفة ذم مطلقًا.

وبهذا عرف أن قول بعض العوام: "خان الله من يخون" منكر فاحش، يجب النهي عنه.
*الشرح*

بعض الناس يقول:"خان اللهُ من يخون"، أو يقول: يخونني اللهُ إن كنتُ خُنتك"!؛هذا لايجوز ،لأن الخيانة خُدعة في مقام الائتمان؛والخيانة صفة ذم فلا تجوز على الله.
وقد سبق لنا في القاعدة الأولى؛ أن صفات الله تعالى كلها صفات كمال، وأن الصفات من حيثُ هي صفات: منها صفاتصفات كمال على الإطلاق، ومنها صفات نقص على الإطلاق، ومنها مايكون نقصاًفي حال وكمالاً في حال أخرى، فالذي هو كمالٌ على الإطلاق ثابتٌ لله عز وجل ، والذي هو نقص على الإطلاق يمتنع على الله عز وجل، والذي هو كمالٌ في حال دون حال؛ يوصف الله به في حال الكمال دون حال النقص. فهذه القاعدة العامة.
طيب ماهو الكمال؟ هل كل كمال في المخلوق ؛كمال في الله؟ وهل كل كمال في الله كمالٌ في المخلوق؟لا؛ فليس كل كمال في الله كمالاً في المخلوق ؛ فمثلاً "التكبر" صفة كمال في الله؛ وفي المخلوق صفة نقص,و"الأكل والشُرب والنكاح" ؛صفة كمال للإنسان ، وصفة نقص بالنسبة لله؛ ولهذا يُنزَّه اللهُ عنها. لكن الكمال المطلق غير النسبي؛ ثابتٌ لله على الإطلاق ، والنقص المطلق يُنزَّهُ الله عنه.

أم أبي التراب
09-23-2018, 07:06 AM
القاعدة الثانية من قواعد الصفات

باب الصفات أوسع من باب الأسماء

المتن

وذلك لأن كل اسم متضمن لصفةكما سبق في القاعدة الثانية من قواعد الأسماء، ولأن من الصفات ما يتعلق بأفعال الله تعالى، وأفعاله لا منتهى لها، كما أن أقواله لا منتهى لها،قال الله تعالى: "وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ"سورة لقمان، الآية: 27
ومن أمثلة ذلك:أن من صفات الله تعالىالمجيء، والإتيان، والأخذوالإمساك، والبطش، إلى غير ذلك من الصفات التي لا تحصى كما قال تعالى: "وَجَاءَ رَبُّك"سورة الفجر، الآية: 22.
وقال"هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ"سورة البقرة، الآية: 210.
وقال"فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ"سورة آل عمران، الآية: 11.
وقال "وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ"سورة الحج، الآية: 65.. وقال"إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ"سورة البروج، الآية: 12وقال:"يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ"سورة البقرة، الآية: 185.. وقال النبي صلى الله عليه وسلم "ينزل ربنا إلى السماء الدنيا". فنصف الله تعالى بهذه الصفات على الوجه الوارد، ولا نسميه بها،فلا نقولإن من أسمائه الجائي، والآتي، والآخذ، والممسك، والباطش، والمريد، والنازل،ونحو ذلك، وإن كنا نخبر بذلك عنه ونصفه به.
الشرح

هذه قاعدة مهمة ، إذا باب الإخبار أوسع من باب الأسماء - أو من باب التسمية.
فنحنُ نصف الله تعالى بأنه ؛يأخذ؛ ويبطش؛ ويُريد ؛ويتكلم؛ ويُحي ؛ويأتي ؛ويمشي ، وماأشبه ذلك ، ولكننا لا نُسميه بهذا .لأننا كلما سميناهُ باسم؛ فإن ذلك يتضمن وصفه بما دل عليه الاسم من الصفة كما سبق ، فإن الإيمانبالاسم يحتاج إلى الإيمان بالاسم اسمًا لله؛ وبما تضمنه من صفة ؛ وبما تضمنه من أثر وحُكم ؛إن كان مُتعدِيًا.
:::::::::::::::::::::::::::::::::

أم أبي التراب
09-23-2018, 07:10 AM
المتن
القاعدة الثالثة من قواعد صفات الله تعالى

صفات الله تعالى تنقسم إلى قسمين: ثبوتية، وسلبية
الشرح

قال بعض الناس إن الأوْلى أن نُعبر بـ "ثبوتية ومنفية " لأن التي وصف اللهُ بها نفسه إما مثبتَة وإما منفية . ولكن الصواب أنه لافرق،لأن السلب والنفي معناهما واحدٌ، فإذا قُلت:فلانٌ لم يقم . فالمعنى أنه مسلوب عنه القيام ، أي منفي عنه ،ولا إشكال في ذلك.

المتن

فالثبوتية:ما أثبته الله تعالى لنفسه في كتابه، أو على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، وكلها صفات كمال لا نقص فيها بوجه من الوجوه، كالحياة والعلم، والقدرة، والاستواء على العرش، والنزول إلى السماء الدنيا، والوجه، واليدين، ونحو ذلك.
فيجب إثباتها لله تعالى حقيقة على الوجه اللائق به بدليل السمع والعقل.
أما السمع: فمنه قوله تعالى"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالا بَعِيدًا"سورة النساء، الآية: 136.
فالإيمان بالله يتضمن: الإيمان بصفاته. والإيمان بالكتاب الذي نزل على رسوله يتضمن: الإيمان بكل ما جاء فيه من صفات الله. وكون محمد صلى الله عليه وسلم ؛رسوله ؛يتضمن:الإيمان بكل ما أخبر به عن مُرْسِلِه، وهو الله - عز وجل.
وأما العقل: فلأن الله تعالى أخبر بها عن نفسه، وهو أعلم بها من غيره، وأصدق قيلاً، وأحسن حديثًا من غيره، فوجب إثباتها له كما أخبر بها من غير تردد، فإن التردد في الخبر إنما يتأتي حين يكون الخبر صادراً ممن يجوز عليه الجهل، أو الكذب، أو العِي بحيث لا يفصح بما يريد، وكل هذه العيوبالثلاثة ممتنعة في حق الله - عز وجل - فوجب قبول خبره على ما أخبر به.
الشرح

أما دلالة السمع على وجوب ما أخبر اللهُ به عن نفسه ؛ في كتابه؛ أوأخبر به رسوله-صلى الله عليه وسلم- فواضحة ، لأنَّ اللهَ أنزل الكتاب على محمد-صلى الله عليه وسلم-فالإيمان بالكتاب إيمانٌ بمن أنزله.والإيمان بالرسول إيمانٌ بما أرسله ؛فلاجرم أن يجب الإيمان بكل ماجاء في الكتاب والسُنة من أسماء الله وصفاته.
أما دلالة العقل على ذلك : أن الله أخبر بهذه الصفات عن نفسه - لأننا لانثبت من الصفات إلا ما أخبر به اللهُ عن نفسه - وهوأعلمُ بنفسه من غيره ،ولهذا أيُّ إنسان يُحاول إنكار صفة من صفات الله نقول له:هل أخبرَ اللهُ بها عن نفسه؟ فإن قال:لا ، فقد كذَّب ، وإن قال:نعم . قلنا له :أأنتَ أعلم أم الله؟!إن قال:أنا أعلم ؛ فقد كفر وإن قال:اللهُ أعلمُ . قلنا: إذن يجب عليك أن تُؤمن بها، لأن اللهَ تعالى أعلمُ بنفسه وأصدقُ قيلا.
فما أخبر اللهُ به عن نفسه فهو صدقٌ ؛ لأن كلامَ اللهِ أصدقُ الكلام وأحسنُ حديثًا من غيره.وحُسن الحديث يكون بالبلاغة والفصاحة.فكلام الله-عزوجل- أحسنُ الكلام في وضوحه وبيانه وفصاحته.
فقد اجتمع في حق الله تعالى كمالُ الكمال من كل وجه ،من حيث العلم والصدق والبيان ، ولهذا يقول المؤلف:" فإن التردد في الخبر إنما يتأتي حين يكون الخبر صادراً ممن يجوز عليه الجهل أو الكذب أو العيّ"(ا.هـ)
فالجهل ضده العلم، والكذب وضده الصدق ، والعيّ ضده البيان والفصاحة.
فلوجاء رجلٌ نجار إلى مريض فوضع يده على بطنه ، ويلمس صدره ، وجبهته ورأسه و ضغط عليها ؛ ثم قال : هذا المريض فيه الداء الفلاني .
فإننا لانُصدقه؛ لأنه جاهل بهذه الصناعة، لكنه لوقال: هذا الخشب لايصلح أن نجعله أبواباً ؛ لقبلنا قوله إذا كانصدوقاً. قد يكون كذوباً قد يقول مايصلح أبوابا علشان يشتريه هوَّ ،على كل حال هذا الرجل الذي جاء يُشخص مرض هذا المريض وهو نجار لانقبله مهما كان في الصدق لأنه جاهل.
ولو جاءنا رجلٌ طبيب جيد ماهر، وجعل وجعل يتحسس المريض ليرى ما به من داء ، ثم قال: هذا يحتاج إلى علاج طويل يتكلف عليكم خمسين ألفًا، فلو كان هذا الطبيب - الرجل جيد في الصناعة وماهر في الطب لكنه -غير موثوق فيه من جهة الخبر ؛لكان من الممكن أن يكون قد ابتغى بقوله هذا كثرة الدراهم ؛ لاإبراء المريض
ولوجاءنا رجلٌ ثالث ، عالِم وصدوق لكنه هندي لا نفهم كلامه؛ لأننا عرب ، وشَخَّصَ المرض وأخبر به، لما فهمنا منه شيئًا ؛ وإذًا لن نثق بما قال ، لأن كلامه يفتقر إلى الفصاحة والبيان .
وإذا تأملنا بعد ذلك - كلام الله-عزوجل-عن نفسه وعن غيره، لوجدناه كلامًا صادرًا عن علم لاشك ،وعن صدق ولاشك ، وفي أحسن مايكون من البلاغة والفصاحة والبيان ولاشك أيضًا. فهل يبقى بعد هذا تردد في اعتقاد مايدل عليه كلام الله؟! والله لا يبقى تردد إطلاقاً في أن نعتقد مادل عليه هذاالكتاب العزيز .
ولهذا نقول:إنما يتأتي التردد حين يكون الخبر صادرًا ممن يجوز عليه الجهل أو الكذب أو العيّ، بحيث لا يُفصح بما يُريد.وكل هذه العيوب ممتنعة في حق الله فوجب قبول خبره على ماأخبر به.هذا دليل عقلي.
المتن


وهكذا نقول فيما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم عن الله تعالى، فإن النبي صلى الله عليه وسلم أعلمُ الناسِ بربه وأصدقهم خبراً وأنصحهم إرادة، وأفصحهم بيانًا، فوجب قبول ما أخبر به على ما هو عليه.
الشرح

فإذا قال قائلٌ في قوله تعالى "الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى"طه5، هذا خبرٌصادرٌ عن الله وهوعالمٌ بذلك، فإذا قال قائلٌ أن معناه "استولى"قلنا : إذا كان هذا معناه ائتِ بدليل.وهذه الكلمة وردت في القرآن في سبعة مواضع ، ليس فيها ولو موضع واحد قال اللهُ فيه:" استولى" فلو كان الله أرادبـ"استوى":"استولى" لكان كلامُه غير فصيح؛ إذ أن "استوى" غير"استولى" فإذا أراد بهذا غيرَ ظاهرهِ ؛ ولم يخبر عن مراده هذا ولو في موضع واحد ،- مع أنه ورد في عدة مواضع- ؛عُلِم أنه لايريد هذا المعنى،وتفسيرك "استوى"بمعنى "استولى" ؛يقتضي أن يكون كلامُ اللهِ ناقِصًا من حيثُ البيان والفصاحة ، لأن التعبير بهذا عن هذا بدون قرينة وبدون أن يأتي ولو مرة واحدة بهذا المعنى الذي ابتكرتُه - لاشك أنه خلاف الفصاحة و البيان والله-عزوجل-يقول في كتابه"يُريدُ اللهُ ليُبيِّنَ لكم" النساء 26 . ولم يقل :ليُعْمَى عليكم.
المتن

والصفات السلبية:ما نفاها الله - سبحانه - عن نفسه في كتابه، أو على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، وكلها صفات نقص في حقه كالموت، والنوم، والجهل، والنسيان، والعجز، والتعب.
الشرح

هذه الصفات السلبية يجب نفيها عن الله ، لكن ليس الواجب مجرد نفيها فقط ؛ بل يجب اعتقاد ضدها ، فمثلا "لاتأخُذهُ سِنَة ٌولانوم" البقرة 255 ، لايكفي في الاعتقاد أن نقول :إن اللهَ لاينام حتى نعتقد؛ أنه لاينام لكمال حياته وقيوميته، لامجرد أنه لاينام فقط ، لأننا نقول إن كلمة " لاينام" مجرد انتفاء النوم ، وهذا في حد ذاته ليس كمالاً.
وكذلك أيضًا قوله تعالى:"وما مسَّنا من لغوب" ق 35 – أى:من تعب وإعياء،فلا يكفي هنا أن نؤمن بأن الله تعالى لم يتعب فقط ، بل يجب أن نؤمن بأنه لم يتعب لكمال قوته. وإلا لقلنا مثلاً أن العمود هذا عليه سقف يحمل السقف هذا كله هل يتعب؟ ماهو يتعب أبداً ولاسمعنا يومًا من الأيام أنه صاح علينا يقول ياناس أتعبتموني.
فإذن يجب أن نعتقد ياإخواني أن مانفاه الله عن نفسه لايكفي أن نعتقد مجرد انتفاء هذا المنفي ؛بل لابد أن نُضيف إلى ذلك إثبات كمال الضد.
المتن

فيجب نفيها عن الله تعالى - لما سبق - مع إثبات ضدها على الوجه الأكمل، وذلك لأن ما نفاه الله تعالى عن نفسه فالمراد به بيان انتفائه لثبوت كمال ضده، لا لمجرد نفيه؛ لأن النفي ليس بكمال، إلا أن يتضمن ما يدل على الكمال،
الشرح

يقول شيخ الإسلام-رحمه الله-لأن النفي عدم ،والعدم ليس بشيء,أي :المعدوم ليس بشيء،فضلاً عن أن يكون كمالاً ، فإذا كان العدم ليس بشئ فكيف يكون مدحًا وهو ليس بشيء؟إذًا فهذا النفي مُتضمِنٌ لإثباتٍ وإلا لم يكن مدحًا.
المتن


وذلك لأن النفي عدم، والعدم ليس بشيء، فضلاً عن أن يكون كمالاً، ولأن النفي قد يكون لعدم قابلية المحل له، فلا يكون كمالاً كما لو قلت: الجدار لا يظلم. وقد يكون للعجز عن القيام به فيكون نقصًا، كما في قول الشاعر:
قُبيِّلة لا يغدرون بذمة*ولا يظلمون الناس حبة خردل1
وقول الآخر:
لكن قومي وإن كانوا ذوي حَسَبٍ
ليسوا من الشر في شيء وإنْ هانا
الشرح

البيت الذي يلي الأخير هو قول الشاعر :
يجزون من ظلم أهل الظلم مغفرة ومن إساءة أهل السوء إحسانًا
أي : إذا ظلمهم أحد قالوا :غفر الله لنا ولك ، وذلك حتى لايسيء إليهم إساءة أكبر ، وهؤلاء مذمومون ، ولهذا قال بعده :
فليت لي بهم قومًا إذا ركبوا شَنُّوا الإغارة فرسانًا وركبانًا
تمنى الشاعر أن يأتي الله بغير هؤلاء الذين يشنون الإغارة
والخلاصة:أن الله تعالى لايُوصف بالنفي المحض لما يلي :
أولاً: لأن النفي المحض عدمٌ محضٌ ،والعدم ليس بشيءٍ فضلا عن أن يكون كمالاً.
ثانيًا: لأن نفي الشيء عن الشيء قد يكون لعدم قابليتة له لا لكماله الذي أوجب أن ينتفي عنه، مثل قولنا: الجدار لايظلمُ.
ثالثًا: أن النفي قد يكون للعجز عن هذا المنفي، فيكون النفيُّ حينئذٍ نقصًا.فإذا قلتُ:هذا الرجل لايغدر بالعهد ،مدح ولاذم؟يحتمِل ؛ يحتمل لايغدر لكمال وفائه ؛وحينئذٍ يكون هذا مدحًا فيه . ويحتمل لايغدربالعهد لأنه مايقدر ،يخاف لويغدر بالعهد هذه المرة كروا عليه مراتٍ ومراتٍ حتى أتلفوه لعجزه ،وهنا يكونُ هذا ذماً فيه .والحاصل: أنه يجب علينا نحو صفاتِ اللهِ التي نفاها الله عن نفسهِ ؛أن نؤمن بانتفائها لا لمجرد الانتفاء؛ ولكن لإثبات كمال ضدها.وإذا كانت هذه الصفات منفية لثبوت كمال ضدها صارت صفة كمال.
المتن

* مثال ذلك: قوله تعالى"وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لايَمُوت"سورة الفرقان، الآية: 58.
فنفي الموت عنه يتضمن كمال حياته.
* مثال آخر: قوله تعالى"وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا "سورة الكهف، الآية: 49.نفي الظلم عنه يتضمن كمال عدله.
* مثال ثالث: قوله تعالى "وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الْأَرْضِ"سورة فاطر، الآية: 44.. فنفي العجز عنه يتضمن كمال علمه وقدرته. ولهذا قال بعده: "إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا قَدِيرًا". لأن العجز سببه إما الجهل بأسباب الإيجاد، وإما قصور القدرة عنه فلكمال علم الله تعالى وقدرته لم يكن ليعجزه شيء في السموات ولا في الأرض.وبهذا المثال علمنا أن الصفة السلبية قد تتضمن أكثر من كمال.
الشرح


أكثر من كمال، العلم والقدرة.
تمت القاعدة الثالثة

أم أبي التراب
09-23-2018, 07:17 AM
القاعدة الرابعة

الصفات الثبوتية صفات مدح وكمال، فكلما كثرت وتنوعت دلالتها ظهر من كمال الموصوف بها ما هو أكثر.
ولهذا كانت الصفات الثبوتية التي أخبر الله بها عن نفسه أكثر بكثير من الصفات السلبية، كما هو معلوم.
الشرح

انتبه لكلمة:"ظهرمن كمال الموصوف"ولم يقل حَصَلَ للموصوف ماالفرق؟
لأن هذا حاصلٌ، فكمالُ اللهِ تعالى حاصلٌ سواء علمناه أولم نعلمه، لكن كلما تعددت ظهرلنا من صفات كماله مالم يكن ظاهرًا من قبلُ.
أما إذا قال:لأنه كلما كثرت وتنوعت دلالتها ؛حصل الموصوف هناك مالم يحصل من قبل؛ صار هذا بالنسبة لصفات الله غير سديد .
والصفات الثبوتية أكثر بكثير من الصفات السلبية ،لأنها تدل على المدح.ولذلك لو أنك وقفت أمام ملك من الملوك وقلت: أنتَ الكريمُ بلاشُحٍ، أنت الشُجاعُ بلاجُبنٍ ،أنتَ الجوادُ بلا قلة ،أنت القويُّ بلا ضعفٍ ، وماأشبه ذلك ؛ لكان هذا بالنسبةِ له محبوباً إليه ، أما لو قلت له :أنت لست بزبالٍ ،ولا كساح ، ولاكناسٍ ، ولاغسال ثياب ،ولا خدام ،ولا طباخ ، وماأشبه ذلك ،لكان هذا بالنسبةله مكروهًا ، يقول الملك ؟ يقول اضربوه.
لأن صفات النفي هذه لاينبغي أن تُقال أبدًا مع العلم بأن أهل التعطيل يُركزون على صفات النفي،ولايقولون شيئًا عن صفات الإثبات ،لأنهم والعياذ بالله يعتقدون أن صفات الإثبات تقتضي التمثيل ؛وصفات النفي تقتضي العدم وليس فيها تمثيل
المتن

أما الصفات السلبية فلم تذكر غالبًا إلا في الأحوال التالية:
الأولى: بيان عموم كماله كما في قوله تعالى "لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ" سورة الشورى، الآية: 11، "وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ".سورة الإخلاص، الآية: 4.
الشرح

أما قوله "لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ" سورة الشورى، الآية: 11،هل قال في كذا وكذا من صفات العيوب؟ لا بل عمم النفي، فالنفي هنا مجمل ، وهذامدحٌ بلاشك لكن النفي المُفصَل هو العيب حقًا.
المتن

الثانية: نفي ما ادعاه في حقه الكاذبون، كما في قوله "أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا * وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا "سورة مريم، الآيتان: 91، 92
الشرح

هذا نفى الولد ، وهو نفي عام ولاخاص؟ خاص؛ وقد قلنا إن النفي الخاص ليس مدحًا في الواقع ، لكنه عز وجل قد نفاه هنا نفيًا خاصًا لنفي ما ادعاه الكاذبون الذين ادَّعو لله ولدًا، فأخبر الله تعالى بنفي ذلك خاصة، كما أخبر بنفي الزوجة نفيًا خاصًا بقوله :" وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلَا وَلَدًا "الجن3
المتن

الثالثة: دفع توهم نقص من كماله فيما يتعلق بهذا الأمر المعين، كما في قوله "وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاعِبِينَ". سورة الأنبياء، الآية: 16.وقوله "وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ".سورة ق، الآية: 38.
الشرح

فهمنا من الآية الأولى نفي النقص في الإرادة ، وفي الآية الثانية نفي النقص في الفعل والتنفيذ.ففي الأولى كمال الإرادة حيث قال"وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاعِبِينَ". سورة الأنبياء، الآية: 16. أي: أردنا بهذا الخلق حقًا ولم نرد به اللعب والسُّدى ،.ففى الأولى كمال الإرادة ، وفى الثانية بين كمال القوة"وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ".سورة ق، الآية: 38. مامعنى اللغوب: التعب والإعياء.والمراد بستة أيام: قيل أن المراد بستة أيام ؛ستة ألاف سنة، لقوله تعالى:" وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَن يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ وَإِنَّ يَوْمًا عِندَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ "الحج47
وإلى هذا جنح علماء الجيولوجيا ؛ حيث قالوا:بأن تكوين الأرض وتضاريسها والأفلاك؛ يحتاج إلى مدة ووقت طويل حتى تنتقل من مرحلة إلى مرحلة حتى تصل إلى ما هي عليه الآن ، وقدَّروا هذه المدة بستة آلاف سنة.وبعضهم أطال المدة فقال: ملايين الملايين من السنين .
وقال آخرون: المراد بستة أيام ؛ستة ساعات أو أزمنة ، وهي كست لحظات؛ لأن الله يقول للشيء :"كُن فَيَكُونُ".
وقال آخرون بل المراد ستة أيام كأيامنا هذه ، وقد خلقها الله-عزوجل-في هذه المدة ؛ ليُعلم عبادَهُ كيف يصنعون الأشياء بإتقان دون السرعة
والصحيح أنها ستة أيام كأيامنا، وأما كونه عز وجل قدرها بهذا ،فهذا من الأمورالتي لا نستطيع إدراكها واللهُ أعلم.
فليس لقائلٍ - مثلاً - أن يقول: جعل اللهُ أُذنَ الجملِ صغيرة ، وأذن الحماركبيرة ، مع أن الأنسب العكس، لكون الجمل أكبر حجمًا. ليس له أن يقول ذلك لأن مثل هذه الأشياء لا يستطيع الإنسان أن يُعللها.فليس للإنسان في مثل هذه الأشياء إلا التسليم لله-عزوجل-سواء في الأمور الشرعيةأوالأمورالكونية.
تمت القاعدة الرابعة



القاعدة الخامسة

الصفات الثبوتية تنقسم إلى قسمين: ذاتية وفعلية:
فالذاتية: هي التي لم يزل ولا يزال متصفًا بها، كالعلم، والقدرة، والسمع، والبصر، والعزة، والحكمة، والعلو، والعظمة، ومنها الصفات الخبرية، كالوجه، واليدين، والعينين.
* الشرح *

قد يقول قائلٌ: هذا التقسيم لأهل العلم إنه لم يَرد به نصٌ ، فما بالنا نُقسم هذا التقسيم؟!
وهذا إيرادٌ قوي جداً،ويجاب عنه بأن يُقال : لما وقع الخلاف من أهل الكلام بين مايثبتونه من الصفات وبين ما لا يثبتونه ؛ احتاج أهل السُنة المُتبعون للسلف أن يُقسِّموا هذا التقسيم من أجل تحقيق المناط ومايرد فيه الخلاف وما لايرد.ثم هم يقولون:إذا كانت الصفة لازمة لاتنفك عن الله-عزوجل- فهي صفةٌ ذاتية.كالحياة,والعلم, والقدرة,والسمع,والبصر,والعِزة ، والحِكمة ؛وماأشبه ذلك ،فهذه كلها صفات ذاتية ، وسُميت بذلك للزومها للذات ، ثم قسموها إلى:معنوية وخبرية:فماكان نظيرُ مُسماه أبعاضًا لنا سموه: خبرية ، وماكان دالاً على معنىً سَمَّوْهُ :معنوية، فالسمع مثلاً صفة ذاتية معنوية ، واليد صفة ذاتية خبرية، لايقولون:" معنوية" لأنهم لو قالوا "معنوية" عادوا إلى تأويل الأشاعرة وشبيههم .
والذي جعلهم لايقولون "بعضية" كما نقول : يدنا بعضٌ منا أو جزءٌ منا .قالوا:لأننا لايجوز لنا أن نُطلق كلمة "بعض" أو "جزء" على الله-عزوجل- فتحاشَوا هذا بقولهم : صفات ذاتية خبرية.
لماذا قالوا خبرية؟ قالوا" خبرية" لأنها مُتلقاة ٌمن الخبر، فإن عقولنا لاتدلنا على أن لله تعالى يدًا بها يأخذ ويقبض ويبسُطُ، ما تدلُّنا على ذلك، لكن علمناها بمجرد الخبر ، لأن الصفات الذاتية مثل الحياة والعلم والقدرة؛ قد دل عليها العقل ، لكن اليد والوجه والعين لم يدل عليها العقل.
فالصفات الذاتية الخبرية جاءت عن طريق الخبر؛ وليس للعقل دخل في إثباتها أبدًا ، ولهذا لايمكن أن نقول إذا جاز إثبات الساق لله ؛ فلتجز الركبة مثلاً ،ليش. لأن العقل ليس له تدخل في هذا ولا يمكن أن نقول به.
فيجب أن نقتصرفي هذه المسائل على ماجاء به الخبر ونُسميها خبرية؛ ولا نسميها "جزئية" أو"بعضية" لوجوب تحاشي هذا التعبيرفي جانب الله- عزوجل- .
*المتن*


والفعلية: هي التي تتعلق بمشيئته، إن شاء فعلها، وإن شاء لم يفعلها، كالاستواء على العرش، والنزول إلى السماء الدنيا.وقد تكون الصفة ذاتية فعلية باعتبارين، كالكلام، فإنه باعتبار أصله صفة ذاتية؛ لأن الله تعالى لم يزل ولا يزال متكلماً. وباعتبار آحاد الكلام صفة فعلية؛ لأن الكلام يتعلق بمشيئته، يتكلم متى شاء بما شاء كما في قوله تعالى"إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ"سورة يس، الآية: 82وكل صفة تعلقت بمشيئته تعالى فإنها تابعة لحكمته. وقد تكون الحكمة معلومة لنا، وقد نعجزعن إدراكها لكننا نعلم علم اليقين أنه - سبحانه - لا يشاء شيئًا إلا وهو موافق للحكمة ، كما يشير إليه قوله تعالى :"وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا"سورة الإنسان، الآية: 30.
* الشرح *

القسم الثاني:"الكلام" عند أهل السُنة والجماعة صفة فعلية باعتبار آحاده ، وصفة ذاتية باعتبار أصله.

فباعتبار أن الله لم يزل ولايزال مُتكلمًا، كما أنه لم يزل ولايزالُ خالِقاً ،فعَّالاً لما يُريدُ، بهذا الاعتباريكون صفةً ذاتية.
وباعتبار آحاده ؛يكون صفة فعلية.فمثلاً إذا أراد الله أن يخلق شيئاً قال"كُن فَيَكُون".فهنا إرادتان: إرادة سابقة وإرادة مقارنة. والقول إنما يكون بعد الإرادة المقارنة للفعل.فإذا أراد أن يكون الشيء قال له:"كُن"فبمجرد أن يقول كن ؛ فيكون على وفق ما أراد ؛ولهذا جاءت الفاء"فيكون".أما الإرادة السابقة بأنه سيفعل فهذه سابقة مايقع بعدها قول.لكن الإرادة المقارنة هي التي يقع بعدها القول.فالقول إذن بعد الإرادة.القول"كن" بعد الإرادة وهذا يدل على حدوث هذه الكلمة ولا لأ؟ نعم يدل على حدوثها؛ وأنها صارت عند إرادة الفعل. كذلك القرآن الكريم فيه آيات واضحة تدل على أن اللهَ تكلم بها بعد وقوع الفعل بعد وقوع المتحدَّث عنه . "وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ " إذ غدوت الغدو سابق على هذا القول ولا لاحق؟ سابق"وإذ غدوت تُبوئ".

"قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا" فالمسموع سابق ولا لأ؟ سابق.إذن فهذاالقول صار بعده وعلى هذا فقِس.
فكلام الله-عزوجل-باعتبارآحاده صفة فعلية؛ وباعتبار أصله وأنه صفة الله-عزوجل-لم يزل ولايزال مُتصفًا به :صفةٌ ذاتية: هذا هو تقسيم أهل السُنة والجماعة في تقسيم كلام الله.
أما الأشاعرة والماتُريدية ومن على شاكلتهم ، والكُلاَّبية ونحوهم، قالوا:إن الكلام صفة ذاتية فقط ،لأنهم يجعلون الكلام هوالمعنى القائم بالنفس ، وأن هذا المسموع شيءٌ مخلوق.خلقه الله تعالى ليُعبرعما في نفسه؛ فكان على مذهبهم الكلام صفة ذاتية.
ولكن ما ذكره السلف هو الحق المُطابق للمعنى اللَُّغوي والعقلي، وأن الله-عزوجل- يتكلم-سبحانه وتعالى- متى شاء وبما شاء وكيف شاء، فلهذا نقول:إنه صفة ذاتية باعتبار وفعلية باعتبار آخر.
فإذا قالوا:كون الكلام صفة ذاتية وفعلية فهذا جمع بين الضدين؟ قلنا:مادامت الجهة مُنفكة فلا تناقض، فالسجود مثلا قد يكون شركًا وقد يكون طاعة ،وذلك باعتبارين، فإن كان لله كان طاعة وإن كان لغير الله كان شركًا.

انتهت القاعدة الخامسة

:::::::::::::::::::::::::::::::::


تابع قواعد في صفات الله عز وجل

القاعدة السادسة:

يلزم في إثبات الصفات التخلي عن محذورين عظيمين:
أحدهما: التمثيل. والثاني: التكييف.
فأماالتمثيل: فهو اعتقاد المثبت أن ما أثبته من صفات الله تعالى مماثلٌ لصفات المخلوقين، وهذا اعتقاد باطل بدليل السمع والعقل.
أما السمع: فمنه قوله تعالى "لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ" سورة الشورى، الآية: 11. وقوله "أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لا يَخْلُقُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ".سورة النحل، الآية: 17. وقوله "هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا"سورة مريم، الآية: 65.. وقوله "وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ" سورة الإخلاص، الآية: 4.
الشرح

السمع المقصود به الكتاب والسنة ؛فقوله تعالى"لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ" سورة الشورى، الآية11– كلمة" شيء" هنا نكرة في سياق النفي ؛ فتعم كل شيء ،أيُّ ليس هناك شيءٍ أبدًا مُمَاثِلاً للهِ.
وقد وقع في "الكاف" جدلٌ كبيرٌ بين العلماء ، لأن وجودها مع"مثل"مشكلة؛ إذ كلٌ منهما يدلُ على التشبيه أو التمثيل؛ فلو قلتَ"ليس مثل مِثلِهِ شيئًا"؛ معناه: أنك أثبتَ المثلَ ونفيتَ المُماثلة عن هذا المِثل، وهذا تناقض؛ لأنك إذا نفيت المماثلة عن المِثل لم تُثبت وجود المثل ، وهذا يقتضي التناقض الظاهر.
ولهذا اختلف العلماء في هذه الكاف .
فمنهم مَنْ قال:إن الكاف زائدة ؛وتقدير الكلام:"ليس مثلهُ شيء" .
.ومنهم مَنْ قال:إن "مِثل" هي الزائدة ، فتقدير الكلام هو:"ليس كهو شيءٌ"؛ فالزائد إحدى هاتين الكلمتين ،ولاشك أن القول بزيادة "الكاف" ؛أولى من القول بزيادة "المِثل"؛ لأن زيادة الحروف في اللغة العربية كثيرة، لكن زيادة الأسماء قليل جدًا؛ فضلاً عن كونه موجودًا أصلاً .
ومنهم مَنْ قال:إن"مِثل"هنا بمعنى "ذات"؛ فتقدير الكلام ؛ ليس كذاته شيء . وهذا أيضًا ليس بصواب ؛ لأن المِثل لايُمكن أن يُقال أنه يُرادُ به الذات، فذاتُ الشيءِ ليست هو مثل الشيء.
ومنهم مَنْ قال:إن المِثل بمعنى الصفة، وذلك كقوله تعالى"إنما مثلُ الحياةِ الدنيا كماءٍ أنزلناهُ" يونس24. أي صفتها وحالها ، وكما في قوله:"وله المثلُ الأعلى" الروم27- أي الوصف الأكمل. وقالوا:إن "المِثْلَ" و"المَثَلَ" يرجعان إلى معنى واحدٍ ، كـ"الشِّبْهِ" و"الشَّبَهِ"؛ فيكون المراد بـ"المِثْلِ" هنا على رأي هؤلاء؛الصفة ؛أي ليست كصفته شيءٌ، .فمِثْلُ بمعنى :مَثَل ، والمَثُلُ بمعنى الصفة.
ومنهم مَنْ يقول:إن المِثل هنا على بابها ، فمعناها كما يتبادر إلى الذهن، و"الكاف" هنا زائدة للتوكيد، فهو نفس المعنى الأول ،.فإن العرب قد تُطلقمثل هذه العبارة وتريد ذاتَ الشيءِ، كما يقولون: "مِثلكَ لايُهزمُ" ؛ المراد : أنتَ لا تُهزم، لكن أضافوا ذلك إلى المِثل لأنه إذا كان مثلُك لايُهزم فأنتَ من باب أولى.فإذا كان مِثلُ اللهِ ليس له مِثل فالله تعالى من باب أولى.
والذي يظهر لي : أن هذا من باب التوكيد، كأنه عز وجل كرر الكلمة مرتين لتكرار نفي المماثلة.أما قوله تعالى"أفَمَن يَخْلُقُ كَمَنْ لَّا يَخْلُقُ" النحل17. فالأمرُ فيها واضحٌ، فإنه يوبخهم ولذلك قال:"أفَلَا تَذَكَّرُونَ" يوبخهم. وذلك مثل قوله تعالى "هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمًِّيا" مريم 65 . والسَّمي معناه الكُفء والنظير؛ والاستفهام للنفي. ومثاله أيضًا قوله تعالى"وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ" سورة الإخلاص، الآية: 4.أيضًا ظاهر في نفي المكافأة.
:::::::::::::::::::::::::::::::::

انتهى الشريط الثاني
= هنا (http://mnbralda3wa.blogspot.com.eg/2014/10/5-7.html) =

أم أبي التراب
09-23-2018, 07:19 AM
بداية الشريط الثالث



المتن

وأما العقل فمن وجوه:

الأول: أنه قد علم بالضرورة أن بين الخالق والمخلوق تبيانًا في الذات، وهذا يستلزم أن يكون بينهما تباين في الصفات؛ لأن صفة كل موصوف تليق به، كما هو ظاهر في صفات المخلوقات المتباينة في الذوات، فقوة البعير مثلاً غير قوة الذرة، فإذا ظهر التباين بين المخلوقات مع اشتراكها في الإمكان والحدوث، فظهور التباين بينها وبين الخالق أجلى وأقوى.
الثاني: أن يقال: كيف يكون الرب الخالق الكامل من جميع الوجوه مشابهًا فيصفاته للمخلوق المربوب الناقص المفتقر إلى من يكمله، وهل اعتقاد ذلك إلاتنقص لحق الخالق؟! فإن تشبيه الكامل بالناقص يجعله ناقصًا.
الشرح

تمثيل الكامل بالناقص يجعله ناقصًا، بل إن المُقارنة بينهما تُوجب النقص كما قيل:
ألم تر أن السيف ينقصُ قَدرُهُ.. إذا قيل إن السيفَ أمضى من العصا.
أي لو قلت :" عندي سيف عظيم جدًا من أحسن السيوف ، وهو أمضى من العصا"، فلن يعد الناس قولك هذا شيئًا ، لأنه لامقارنة بينهما من الأصل.
هذا ليس بشيءٍ لأن العصا ما يمضى إلا إذا ضربت به شيئًا لينًا يتفرط ، لكن لو ضربت به شيئًا لايتفرط ولو كان لينًا مامضى به لوتضرب كورة لينة هل يُمزقها؟ لايمزقها لكن السيف لو تضرب به خشبة مزقها. المهم أن تمثيل الكامل بالناقص يجعله ناقصًا.
المتن

الثالث: أننا نشاهد في المخلوقات ما يتفق في الأسماء ويختلف في الحقيقة والكيفية، فنشاهد أن للإنسان يدًا ليست كيد الفيل، وله قوة ليست كقوة الجمل، مع الاتفاق في الاسم، فهذه يد وهذه يد، وهذه قوة وهذه قوة، وبينهما تباين في الكيفية والوصف، فعلم بذلك أن الاتفاق في الاسم لا يلزم منه الاتفاق في الحقيقة.
والتشبيه كالتمثيل، وقد يفرق بينهما بأن التمثيل التسوية في كل الصفات، والتشبيه التسوية في أكثر الصفات،لكن التعبير بنفي التمثيل أولى لموافقة القرآن:"لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ"الشورى11
الشرح

الواقع أن التعبير بالتمثيل أولى لوجهين:
أحدهما: أن هذا تعبير القرآن.
الثاني: أن نفي التشبيه على سبيل الإطلاق غيرُسديدٍ ، لأنه ما من شيئين موجودين إلا وبينهما تشابه من حيثُ الجملة ، فالوجود للخالق وللمخلوق اشتركا في أصل الوجود وإناختلفا في حقيقتة، فوجود الخالق واجبٌ لازمٌ,أزليٌّ,أبدِيٌّ ووجود المخلوق جائزٌ,ممكنٌ,قابلٌ للعدم كماهو ظاهر.
السمع للخالق والمخلوق بينهما اشتراك في أصل المعنى؛ لكن هذا يختلف عن هذا،هذا من جهة
ومن جهة ثانية: أن بعض الناس يجعل إثبات الصفات تشبيهًا. فإذا قلنا:"من غير تشبيهٍ " أوْهَمَ مَنْ لايدري أننا نُريد" من غير إثباتٍ" ؛ لأن بعض الناس يجعل كُلَّ مُثبَتٍ مُشَبِّهاً.فإذا قلنا:"من غيرتشبيهٍ" ظن الظان الذي لايدري عن معنى ما نُريد أن المراد:" من غير إثباتٍ الصفة " ؛لأنه لم يدرس في الكتب التي عنده إلا أن إثباتَ الصفاتِ تشبيهٌ، ولهذا يُسمَّوْن المُثبِتة :المشبِهة.
فمن ثم صار التعبير بنفي التمثيل أولى من التعبير بنفيالتشبيهلهذين الوجهين: الأول: موافقة القرآن.الثاني :أن نفي التشبيه على الإطلاق لايصلح إذ مامن شيئين موجودين إلا وبينهما اشتراكٌ في أصل الشيء وهذا الاشتراك نوعٌ من التشابه لكنه ليس مماثلة.المماثلة تقتضي المساواة من كل وجه؛ والمشابهة تقتضي المساواة في أكثر الصفات.
المتن

وأما التكييف: فهو أن يعتقد المثبت أن كيفية صفات الله تعالى كذا وكذا، من غير أن يقيدها بمماثل. وهذا اعتقاد باطل بدليل السمع والعقل.
أما السمع: فمنه قوله تعالى: "وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا"طه 110
الشرح

وإذا كنا لانُحيطُ به علمًا ؛ فكيف يُمكن أن نُكيِّف صفاته؟؛ لا يمكن أن نُكيِّف صفاته إلا إذا أحطنا به علمًا؛ وإلا كنا كاذبين وقائلين بغير الحق.
المتن

وقوله: "وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً"الإسراء36. ومن المعلوم أنه لا علم لنا بكيفية صفات ربنا؛ لأنه تعالى أخبرنا عنها ولم يخبرنا عن كيفيتها، فيكونُ تكييفُنا قفوًا لما ليس لنا به علم، وقولاً بما لا يمكننا الإحاطة به.
وأما العقل: فلأن الشيء لا تعرف كيفية صفاته إلا بعد العلم بكيفية ذاته أو العلم بنظيره المساوي له،أو بالخبر الصادق عنه،وكل هذه الطرقِ منتفية في كيفية صفات الله - عز وجل - فوجب بطلان تكييفها.
الشرح

هذه القاعدة مهمة جدًا ،وهي : أن الشيء لاتُعرف كيفية صفاته إلا بعد العلم بأحد ثلاثة أشياء:
أولاً: العلم بكيفية ذاته.
ثانيًا: العلم بنظيره المساوي له.
ثالثًا:بإخبارالصادق عنه.
وكل هذه الطرق منتفية في كيفية صفات الله تعالى.
فمثلا : إذا قلنا بأن لله سمعا ، فإننا لا نستطيع أن تُكيف هذا السمع؛ لأنك لاتستطيع أن تعرف كيفية ذات الله فكذلك كيفية سمعه.
وليس لله تعالى نظير حتى تعرف سمع الله بمعرفة سمع نظيره،ولم يخبرنا الرسول- صلى الله عليه وسلم- بذلك بكيفية سماعه ، فتوقف علمنا بكيفية هذه الصفة وغيرها من الصفات عند مجرد إثباتها.
مثال آخر : "ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ" الفرقان 59 ؛ لايمكن أن نعرف كيفية الاستواء، لأننا لم نعرف كيفية ذات الله ، وليس هناك نظير استوى على شيء مثل العرش حتى نعرف كيفية استوائه عز وجل ، ولم يخبرنا الله عز وجل بكيفية استوائه على العرش ، ولهذا قال بعض العلماء :
إذا قال لك الجهمي كيف استوى الله على العرش ؟فقل له:إنَّ اللهَ أخبرنا أنه استوى على العرش ؛ ولم يخبرنا كيف استوى.
وقال بعضهم :إذا قال لك كيف استوى؟ فقل له:كيف هوَ بذاته؟ فسيقول:لاأعرف كيفية ذاته.فقل له:إذن لانعرف كيفية صفاته؛ لأن الكلامَ في الصفات فرعٌ عن الكلام في الذات.
المتن

وأيضًا فإننا نقول: أي كيفية تقدرها لصفات الله تعالى؟
إن أي كيفية تقدرها في ذهنك، فالله أعظم وأجلُّ من ذلك.
وأي كيفية تقدرها لصفات الله تعالى فإنك ستكون كاذبًا فيها؛ لأنه لا علم لك بذلك.
الشرح

صحيح هذا إيرادٌ مُفحمٌ.نقول
أولاً: أيُّ كيفية تُقدرها لصفاتِ الله، فالله أعظمُ وأجلُّ مما قدرت . فمثلا أي كيفية تُقدرها لاستواء الله على العرش، فاستواء الله في حقيقته أعظم وأجل مما قدرت، فلا يمكن لذهنك أن يفرض استواءً كاملاً استواءً كاملاً على أكمل مايكون من الاستواء إلا والله أعظم من ذلك. وكذلك نقول في صفة الوجه وصفة اليد وما أشبهها.
ثانيًا: أيُّ كيفية تُحددها في صفات الله فأنتَ كاذبٌ فيها قطعًا ؛ لأنه ليس عندك علمٌ بهذا إطلاقاً ، لأن الله تعالى ماأخبرنا عن كيفية تلك الصفات ، فأيُّ كيفية نقدرها نكون فيها كاذبين.
فمثلاً:"صفة ُالكلام"؛ فإنا نعلم أن الله-سبحانه وتعالى- يتكلم ونعلم المُتَكلَّمَ به ، ولكن كيف يتكلم الله؟ اللهُ أعلمُ.كيف صوته بالكلام؟اللهُ أعلمُ. مانعرف.الآن مثلا الطيورتنطق والإنسانُ ينطق؛هل النُطق سواءٌ؟ ماهو سواءٌ
"عُلِّمْنَا مَنطِقَ الطَّيْرِ" النمل 16 .ماكل أحدٍ يعرف منطق الطير ،بل إنك أنت العربي تتكلم والعجمي يتكلم هل كيفية أدائك للحروف ككيفية أدائه للحروف؟ أبدًا. وأعني بالعجم هنا مَنْ ليس بعربي وأما العجم معروفون فعجم فارس الآن حروفهم حروف عربية لكن تختلف في الترتيب.

أم أبي التراب
09-23-2018, 07:22 AM
المتن

وحينئذ يجب الكف عن التكييف تقديرًا بالجنان، أو تقديرًا باللسان، أو تحريرًا بالبنان.
ولهذا لما سئل مالك - رحمه الله تعالى - عن قوله تعالى:"الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى"طه 5كيف استوى؟ أطرق رحمه الله برأسه حتى علاه الرُّحَضَاء (العرق) ثم قال: "الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة".
وروى عن شيخه ربيعة أيضًا: "الاستواء غير مجهول والكيف غير معقول". وقد مشى أهل العلم بعدهما على هذا الميزان. وإذا كان الكيف غير معقول ولم يرد به الشرع فقد انتفى عنه الدليلان العقلي والشرعي فوجب الكف عنه.
فالحذر الحذر من التكييف أو محاولته، فإنك إن فعلت وقعت في مفاوز لا تستطيع الخلاص منها، وإن ألقاهُ الشيطانُ في قلبك فاعلم أنه من نزغاته، فالجأ إلى ربك فإنه معاذُك، وافعل ما أمرك به فإنه طبيبك، قال الله تعالى"وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ"فصلت 36
الشرح

هذا الكلام من مالكٍ-رحمه الله و شيخه ربيعة؛ ميزانٌ لجميع الصفات، فإذا قال قائلٌ مثلاً:إن اللهَ-سبحانه وتعالى- ينزل إلى السماء الدنيا، كيف ينزل؟ فنقول:
النزولُ غيرُ مجهول، والكيفُ غيرُمعقول، والإيمانُ به واجبٌ ،والسؤالُ عنهُ بدعة.
وإذا تأملنا قولَه:"الكيفُ غيرُ معقولٍ"فإنه يدل على إثبات كيفية لكنها غير معقولة، وليس كما قال بعضهم:إنه يدل على أنه نفيُ الكيفية كلها ،لأن نفي الكيفية كلها نفيٌ للوجود ، إذ ما مِن موجود إلا وله كيفية، وعلى هذا فيكون معنى كلام مالكٍ رحمه الله وغيرهِ من السلف في نفي الكيفية ؛ المراد به نفي التكييف لا أصل الكيفية.
انتهت القاعدة السادسة من قواعد الصفات

*القاعدة السابعة*من قواعد الصفات

المتن

صفات الله تعالى توقيفية لا مجال للعقل فيها.
فلا نثبت لله تعالى من الصفات إلا ما دل الكتاب والسنة على ثبوته، قال الإمام أحمد رحمه الله تعالى: "لا يوصف الله إلا بما وصف به نفسه، أو وصفه به رسوله، لا يتجاوز القرآن والحديث""انظر القاعدة الخامسة في الأسماء".
الشرح

لما أحالنا على هذه القاعدة الخامسة في الأسماء؛لأجل أن نعرف الأدلة على أن الصفات توقيفية.المقصود من هذه الإحالة بيان أدلة كون الصفات توقيفية ، لأن الصفات كالأسماء توقيفية.وقد سبق لنا ذكر الأدلة السمعية والعقلية على ذلك ، فلايجوز أن نُثبت لله إلا ماأثبته لنفسه منها.
المتن


ولدلالة الكتاب والسنة على ثبوت الصفة ثلاثة أوجه:
الأول:التصريح بالصفة كالعزة، والقوة، والرحمة، والبطش، والوجه، واليدين ونحوِها.
الشرح

فالعزة كقوله تعالى :"فإنَّ العِزة َللهِ جميعًا".
والقوة كقوله تعالى :"إنَّ اللهَ هو الرزاقُ ذو القوة".
والرحمة كقوله تعالى :"وربُكُ الغفورُ ذو الرحمةِ".
والبطش: كقوله تعالى :"إنَّ بطشَ ربِكَ لشديدٌ".
والوجه: كقوله تعالى :"ويبقى وجهُ ربِكَ ذو الجلالِ والإكرام"
واليدين: كقوله تعالى :"بل يداهُ مَبْسُوطتان".ونحو ذلك.
المتن

الثاني: تضمن الاسم لها مثل: الغفور متضمن للمغفرة، والسميع متضمن للسمع، ونحو ذلك -انظر القاعدة الثالثة في الأسماء-.
الشرح

فقد قال في القاعدة الثالثة في الأسماء : " إذا دلت على وصفٍ متعدٍّ تضمنت ثلاثة أمور". فقد أحالنا على ذلك ليُعْرف ماذا يتضمن الاسم من الصفات.
المتن

الثالث: التصريح بفعل أو وصف دال عليها كالاستواء على العرش، والنزول إلى السماء الدنيا، والمجيء للفصل بين العباد يوم القيامة، والانتقام من المجرمين، الدال عليها - على الترتيب - قوله تعالى: "الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى"سورة طه، الآية: 5.وقول النبي صلى الله عليه وسلم: "ينزل ربنا إلى السماء الدنيا". الحديث. وقول الله تعالى: "وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا".سورة الفجر، الآية: 22.وقوله: "إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ"سورة السجدة، الآية: 22.
الشرح

فمن صفات الله تعالى الاستواء على العرش ، إيش الدليل؛ الدليل الفعل "ويؤخذ هذا من قوله تعالى :"الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى" سورة طه، الآية: 5
فنأخذ من "استوى" الاستواء.
لو قال قائلٌ أنتَ قلتَ:إنَّ من صفات الله "النزولَ إلى السماء الدنيا"؛ فأتِ بنصٍ بهذا اللفظ"النزول إلى السماء الدنيا" إيش تقول؟ أقول:مافيه بهذا اللفظ لكن فيه فعل يدل على هذاالمعنى وهو"ينزل ربنا إلى السماء الدنيا"
"يتنزَّل ربُّنا تبارك وتعالى كلَّ ليلةٍ إلى السماءِالدُّنيا، حين يبقى ثُلُثُ الليلِ الآخرِ ، فيقول : مَن يدعوني فأَستجيبَ له ، من يسألُني فأُعطِيَه ، من يستغفرُني فأغفرُ له"
الراوي: أبو هريرة المحدث: البخاري - المصدر: صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 7494-خلاصة حكم المحدث:صحيح-الدرر السنية (http://dorar.net/hadith?skeys=%D8%A5%D9%84%D9%89+%D8%A7%D9%84%D8%B3 %D9%85%D8%A7%D8%A1+%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%86%D9%8A% D8%A7&st=p&xclude=&fillopts=on&t=*&d%5B%5D=1&m%5B%5D=0&s%5B%5D=0)
وكذلك "المجئ" من صفات الله تعالى ، ولكن ليس هناك نص فيه لفظ المجيء، بل النص موجود فيه الفعل الدال عليه ، وهو في قوله تعالى"وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفّاً صَفّاً" سورة الفجر، الآية:22.
الفعل بهذا اللفظ "وجاء ربُكَ" دالٌ على المجئ.
أما قوله تعالى : "إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ"سورة السجدة، الآية:22.،لو قلنا إن من صفات الله تعالى الانتقام من المجرمين ؛ فليس هناك نص فيه كلمة "الانتقام"؛ ولكن نقول إن قوله:"مُنْتَقِمُونَ" وصفٌ دالٌ على الصفة التي تضمنها.
إذًا فطرق إثبات الصفة لله ثلاثة:
الأول: التصريح بالصفة، وهذا واضح ؛ كالقوة والعزة والرحمة والمغفرة مثل قوله تعالى :"وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِّلنَّاسِ عَلَى ظُلْمِهِمْ".الرعد1
الثاني:أنَّ ماتضمنه الاسم من الصفات كالغفور- مثلاً- متضمنٌ للمغفرة ،والسميعُ متضمنٌ للسمع، والبصيرُ متضمنٌ للبصر. وهكذا.
الثالث: التصريح بفعل أو وصفٍ دالٍ عليها؛ مثل الاستواء.
فلو قيل : أين الدليل الذي فيه كلمة "الاستواء"؟
قلنا : قوله تعالى :"ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ" الرعد 2 ؛ فهذا فعل ، والفعل مشتق من المصدر الذي هو الاستواء ، وكذلك نقول في النزول وفي المجيء.
انتهى الفصل الثاني

أم أبي التراب
09-23-2018, 07:27 AM
الفصل الثالث

قواعد في أدلة الأسماء والصفات

* القاعدة الأولى*

الأدلة التي تثبت بها أسماء الله تعالى وصفاته، هي: كتاب الله تعالى، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فلا تثبت أسماء الله وصفاته بغيرهما.
*الشرح*

هذه القاعدة مهمة، وهي أن أسماءُ اللهِ وصفاتهِ لا تؤخذ إلا من الكتاب والسُنة.ولا تؤخذ من إجماع السلف؟ لأن إجماعٌ من السلف لايمكن أن يكون مبنيًا على غير الكتاب والسُنة أبدًا. وحينئذٍ فالمرجع هو الكتاب والسُنة ، لأن العلم بالأسماء والصفات العلم بهما من باب العلم بالخبر، وليست هي أحكامًا يدخل فيها القياس حتى نقول ؛ربما يكون إجماعٌ عن قياس، ولكنها أمورٌ تُدرك بالخبر، وحينئذٍ لا يمكن أن يوجد إجماع؛ إلا مستندًِا إلى خبر من كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ فالمرجع إذًا في إثبات الأسماء والصفات إلى الكتاب والسنة .لكن أحيانًا لانطلع على دليل الكتاب والسنة ؛ لكن نطلع على الإجماع .فنقول إن الإجماع هنا لابد أن يكون مستندًا إلى الكتاب والسنة.
*المتن*

وعلى هذا فما ورد إثباته لله تعالى من ذلك في الكتاب أو السنة وجب إثباته، وما ورد نفيه فيهما وجب نفيه، مع إثبات كمال ضده، وما لم يرد إثباته ولا نفيه فيهما وجب التوقف في لفظه فلا يثبت ولا ينفى لعدم ورود الإثبات والنفي فيه.
وأما معناه فيفصل فيه، فإن أريد به حق يليق بالله تعالى فهو مقبول. وإن أريد به معنى لا يليق بالله عز وجل وجب رده.
*الشرح*

القاعدة مفهومة. مادمنا نعتمد في الإثبات والنفي على الكتابوالسُنة؛ فما وردإثباته وجب إثباته وماورد نفيه وجب نفيه مع إثبات كمال ضده.فالظلم وردَ نفيه؛ فيُنفى عن الله الظلم مع إثبات كمال ضده وهو- كمال العدل. والبصر ورد إثباته فيجب علينا إثباته.
وهناك أشياء تنازع فيها المتأخرون لأنها مما أحدِث من علم الكلام. تنازع المُتأخرون فيها فمنهم من نفاها ومنهم من أثبتها ، والصواب أن نتوقف في اللفظ ونستفصل في المعنى، فاللفظ لانثبته ولاننفيه؛ والمعنى نستفصل عنه ؛ هذا إن لم يكن ذلك الاسم دالاً على نقصٍ؛ فيجب علينا نفيه بكل حال. أما إذا كان محتَمِلاً فإننا نتوقف في لفظه ونستفصل عن معناه.

*المتن*

فمما ورد إثباته لله تعالى: كل صفة دل عليها اسم من أسماء الله تعالى دلالة مطابقة، أو تضمن، أو التزام.
ومنه كل صفة دل عليها فعل من أفعاله كالاستواء على العرش، والنزول إلى السماء الدنيا، والمجيء للفصل بين عباده يوم القيامة، ونحو ذلك من أفعاله التي لا تحصى أنواعها فضلاً عن أفرادها "وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ"إبراهيم : 27.
ومنه: الوجه، والعينان، واليدان ونحوها.
ومنه :الكلام، والمشيئة، والإرادة بقسميها: الكوني، والشرعي. فالكونية بمعنى المشيئة، والشرعية بمعنى المحبة.
ومنه :الرضا، والمحبة، والغضب، والكراهة ونحوها.
ومما ورد نفيه عن الله سبحانه لانتفائه وثبوت كمال ضده: الموت، والنوم، والسِنَة، والعجز، والإعياء، والظلم، والغفلة عن أعمال العباد، وأن يكون له مثيل أو كفؤ ونحو ذلك.

ومما لم يرد إثباته ولا نفيه لفظ "الجهة" فلو سأل سائل هل نثبت لله تعالى جهة؟
قلنا له: لفظ الجهة لم يرد في الكتاب والسنة إثباتًا ولا نفيًا، ويغني عنه ما ثبت فيهما من أن الله تعالى في السماء. وأما معناه فإما أن يراد به جهة سفل أو جهة علو تحيط بالله أو جهة علوعلو لا تحيط به.
فالأول باطل لمنافاته لعلو الله تعالى الثابت بالكتاب والسنة، والعقل والفطرة، والإجماع.
والثاني باطل أيضًا؛ لأن الله تعالى أعظم من أن يحيط به شيء من مخلوقاته.
والثالث حق؛ لأن الله تعالى العلي فوق خلقه ولا يحيط به شيء من مخلوقاته.
*الشرح*

فمما ورد فيه النزاع"الجهة".
فهل اللهُ في جهة؟ الجواب: الجهات إما عُلوأو سُفل. والعُلو إما أن يُحيط بالله أولايُحيط به.فإن أردت بالجهة جهة السُفل –كما يقول من يقول:إن الله تعالى في كل مكان بذاته- ؛فهذا باطلٌ بلاشكٍ، لأنه مُخالفٌ لما ثبتَ من عُلوهِ الدال على كماله.
وإن أردتَ أنه في جهةٍ تُحيط ُبه ؛جهةٍ عُليا لكن تُحيط ُبه؛-حوله الجدران وفوقه السقف وما أشبه ذلك - فهذا باطلٌ لأن اللهَ تعالى لا يُحيط ُبه شيءٌ من مخلوقاته.
وإن أردت جهة عُلوٍ لا تُحيط ُبه بل هي عدمٌ ،مافوقه شيءٌ ولاعن يمينه ولاعن شماله شيءٌ.فكل ما هو فوق فهو عدم.يعني مافي شيءٌ من المخلوقات ،فهذه جهة عُلو لاتُحيط ُبه ، فهذا حقٌ ، لأن الله-سبحانه وتعالى-فوق كل شيء.لايحاذيه شيء من مخلوقاته أبدًا ؛فكل شيء هو تحته سبحانه .إذن هذه جهة علو لكن بدون إحاطة يعني بدون أن يُحيط َبه شيءٌ من المخلوقات وهذا حقٌ . والدليل على ذلك أي على علو الله بذاته من كتاب الله وسُنة رسوله وإجماع الصحابة والعقل والفطرة.
*المتن*

ودليل هذه القاعدة السمع والعقل.
فأما السمع فمنه قوله تعالى"وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ"الأنعام 155، وقوله: "فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ" الأعراف 158، وقوله"وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا" الحشر 7، وقوله"مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا" النساء 80، وقوله: "فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً" النساء 59، وقوله: "وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ" المائدة 49.
إلى غير ذلك من النصوص الدالة على وجوب الإيمان بما جاء في القرآن والسنة.
وكل نص يدل على وجوب الإيمان بما جاء في القرآن ؛فهو دال على وجوب الإيمان بما جاء في السنة؛ لأن مما جاء في القرآن الأمر باتباع النبي صلى الله عليه وسلم والردَّ إليه عند التنازع. والرد إليه يكون إليه نفسهِ في حياته وإلى سنته بعد وفاته.
فأين الإيمان بالقرآن لمن استكبرعن اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم المأمور به في القرآن؟
وأين الإيمان بالقرآن لمن لم يرد النزاع إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقد أمر الله به في القرآن؟
وأين الإيمان بالرسول الذي أمر به القرآن لمن لم يقبل ما جاء في سنته؟
ولقد قال الله تعالى"وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ" النحل 89. ومن المعلوم أن كثيراً من أمور الشريعة العلمية والعملية جاء بيانها بالسنة، فيكون بيانها بالسنة من تبيان القرآن.
*الشرح*

هذا كله يدل على أن ماجاء في السُنة من ذلك فهو كما جاء في القرآن سواءً بسواءٍ.

أم أبي التراب
09-23-2018, 07:29 AM
*المتن*

وأما العقل: فنقول: إن تفصيل القول فيما يجب أو يمتنع أو يجوز في حق الله تعالى من أمور الغيب التي لا يمكن إدراكها بالعقل، فوجب الرجوع فيه إلى ما جاء في الكتاب والسنة.
*الشرح*

الآن لوقال قائلٌ:إنَّ اللهَ في جهة وقال آخرٌ:إن اللهَ ليس في جهةٍ إيش نقول؟ نقول:أما بالنسبة للفظ لانثبت ولاننفي لكن بالنسبة للمعنى نستفصل لماذا؟ لأن الذين نفَوا الجهة ادعَو أن أهل السُنة يُثبتون أن الله في جهةٍ تُحيط ُبه فصاروا يتوصلون بنفي الجهة إلى نفي العُلو ولهذا نحتاج أن نستفصل.طيب لو قال قائلٌ:إن اللهَ ليس بجسم وقال آخر بل للهِ جسمٌ لأنه استوى على العرش وينزل إلى السماء الدنيا ويأتي للفصل بين عباده ويقبضُ الصدقاتِ ويُربيها بكفه وما أشبه ذلك.فهذا يقول جسم والثاني يقول غير جسم ؛نستفصل لأن الذين نفوا الجسم ادعوا أن إثبات أي صفة يستلزم التجسيم وقالوا أجسامًا مُتماثلة فقالوا:إن الله لم يستو على العرش لأنك لو قلتَ استوى على العرش معناه صار جسمًا..لاينزل لأنك لو قلتَ ينزل صار جسمًا . ولايأتي للفصل بين العباد لأنه لو كان كذلك لكان جسماً وليس له يدٌ حقيقية وإلا لكان جسمًا إلى آخره، فنفوا الصفات بهذه الحجة. نقول لهم:أين في الكتاب أوالسُنةِ نفي الجسم؟ لو أن أحدًا أثبته وقال:نعم أنا أقول له جسم . هات لي دليلاً يدل على أن الله ليس بجسم؟ هل يستطيع يأتي بدليل؟ مايستطيع لكن إذا قال لي هات دليل على أن اللهَ جسمٌ أنا ماعندي دليل.إذن لاتثبت أنَّ اللهَ جسمٌ ولاتنفي أن اللهَ جسمٌ ،ولكن نستفصل عن المعنى واثبت المعنى الحق وأنفِ المعنى الباطل أما اللفظ فدعه لاتقل الله ليس بجسم ولاتقول الله جسم.اترك هذا اللفظ هذا ماتكلم به الكتاب ولا السُنة ولا الصحابة.
فنقول:ماتُريد بمعنى الجسم؟ إن قال:أريدُ بمعنى الجسم الشيء المركب من أعضاء وأبعاض وماأشبه ذلك.فهذا ممتنع على الله، ونقول نفيك الجسم بهذا المعنى صحيحٌ وإن أراد بنفي الجسم قال:أنا أنفي وأريد بالجسم الشيء القائم بنفسه المُتصف بالصفات اللائقة به .قلنا:هذا ليس بصحيح يعني، نفيك إياه ليس بصحيح بل هو بهذا المعنى جسم يعني أنه ذاتٌ قائمٌ بنفسه مُتصفٌ بالصفات التي تليقُ به يستوى على العرش وينزل إلى السماء الدنيا وماأشبه ذلك. إذًا لفظ الجسم إثباتًا على سبيل الإطلاق خطأ ونفيه على سبيل الإطلاق خطأ والواجب التفصيل هذا في المعنى، أما في اللفظ فأنا لاأقول:إن اللهّ جسمٌ ؛ولاأقول : إن اللهَ ليس بجسم.ولهذا السفاريني-رحمه الله-صار عليه انتقادٌ في قوله: وليس ربنا بجوهر ولاجسم ولاعرضٍ تعالى ذوالعُلى هذا خطأ ؛ولهذا أبدله شيخنا عبد الرحمن السعدي في قوله: ليسَ الإلهُ مُشْبِِهًا عبيدَه في الوصفِ معْ أسمائِه العديدة ؛وهذا بالحقيقةِ صحيحٌ لكن وليس ربنا بجوهر إيش يدريك؟ ولاجسم إيش يدريك؟ ولاعرض إيش يدريك؟ لاتنف اسكُت كما سكتَ اللهُ ورسوله.مافي القرآن جسم ولاليس بجسم ولاعند الصحابة.لكن هذه المسائل ولَّدها المتكلمون المُحْدَثون ليتوصلوا بها إلى معنىً باطلٍ ؛لكن يوهمون العامة ومن ليس عندهم علمٌ راسخٌ بأن هذا الذي قالوه هو الحق وأن هذا هوغاية ُالتنزيه لله-عزوجل-فينفون الصفات بمثل هذه الطرق.

الخلاصة:هذه القاعدة مهمة.أيُّ إنسان يُجادلك في نفي شيءٍ أوإثبات عن الله تقول له:هات الدليل؛ وإلا فاسكت لا تثبت ولاتنف والمعاني الحق ثابتة لله تعالى والمعاني الباطلة منفية عن الله .

أم أبي التراب
09-23-2018, 07:32 AM
المتن

*القاعدة الثانية*

الواجب في نصوص القرآن والسُنة؛ إجراؤها على ظاهرها؛ دون تحريفٍ ؛ لاسيما نصوص الصفات حيثُ لامجال للرأي فيها.
الشرح

هذه أيضًا قاعدة مهمة فالواجب في نصوص القرآن والسُنة أن تُجرى على ظاهرها كما سيأتي في الأدلة ،لاسيما نصوص الصفات لأن نصوص الصفات من الأمور الغيبية التي ليس للعقل فيها مجالٌ حتى يُتحَكم ويُقال هذا لا يُرادُ به ظاهرهُ وماأشبه ذلك.فنحنُ نُسلم بهذه النصوص ونُجريها على ظاهرها مع اعتقاد أن ظاهرَها لايُرادُ به الباطل؛ يعني لو قال قائلٌ:إن ظاهر قوله تعالى:"بل يداهُ مبسوطتان" أن تكون له يدان تُماثلان أيدي المخلوق.هل هذا هو الظاهر؟ أسألكم ؛ جَردوا أنفسكم من كل شيءٍ"بل يداهُ مبسوطتان" هل تفهمون أن هاتين اليدين تُماثلان أيدي المخلوقين؟. لأ ما نفهم هذا.إذن ليس هو ظاهر اللفظ بل نفهم يداهُ اللائقتان به.كما لو قلتُ للهر يدان والهِر البَس؛ هل أحد من الناس يقول إن ظاهر هذا اللفظ أن يدي الهِر كيدي الإنسان؟ لأمادام أضفته إلى الهِِر معناها تليق بالهر. للذرة يدان هل تليق أن أحدا يفهم من هذا الكلام أن يدي الذرة كيدي الجمل والفيل؟.لأ أبدًا مادام أضيف للذرة عارف أنها يد كيد الذرة.
إذن ظاهر النصوص في أسماء الله وصفاته ؛ظاهرها المعنى اللائق بالله ؛ولهذا يجب علينا إجراؤها على ظاهرها لاعلى سبيل التمثيل بل على المعنى اللائق بالله- سبحانه وتعالى- لأن هذه صفاتٌ أضيفت إلى موصوفِها فيقتضي أن تكون لائقة ًبه .
أنا أقول أمسكتُ الكأسَ يدَهُ بيدي ؛هل تفهم أن يدَ الكأسِ كيدي؟ إيش يد الكأس؟ العروة ؛هذه يد الكأس لكن يدي غير يد الكأس ؛شوف يده بيدي كلمتان في جملة واحدة ومع ذلك كلٌ يفهم من اليد المُضافة إلى الكأس غير مايفهم من اليد المُضافة إلى الذي أمْسَكَ.
فإذن يدُ اللهِ- عزوجل-التي نطق بها القرآن والسُنة ليس ظاهرُها أنها كأيدي المخلوقين أبدًا بل إن ظاهرَها يدٌ تليقُ به- سبحانه وتعالى-.وحينئذٍ نقطعُ دابرَ هؤلاءِ المحرِّفين الذين يدَّعون أن ظواهرالكتاب والسُنة هو التمثيل ويتوصلون بهذا الاعتقاد الباطل ؛إلى نفي ماجاء في الكتاب والسُنة.
المتن

ودليل ذلك: السمع، والعقل.
أما السمع: فقوله تعالى"نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ* عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ* بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ"الشعراء 193- 195. وقوله: "إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ" يوسف 2. وقوله"إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ" الزخرف 3. وهذا يدل على وجوب فهمه على ما يقتضيه ظاهره باللسان العربي إلا أن يمنع منه دليل شرعي.
الشرح

يقول:" بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ " إذًا ما الواجب إذا جاءنا شيءٌ في الكتاب والسُنة ما الواجب ؟ أن نُجريه على مايقتضيه هذا اللفظ باللسان العربي ؛لأنه نزل باللسان العربي.كذلك يقول"إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ" " إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ "، آياتان الأولى في يوسف والثانية في الزخرف." لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ "هذه للتعليل؛ أي لأجل أن تعقلوا معانيَهُ لأنه نزل بلغتكم فهذا يلزم أن نُجريه على مايقتضيه اللسان العربي ؛ولهذا قال:وهذا يدل على وجوب فهمه على مايقتضيه ظاهره باللسان العربي إلاأن يمنع منه دليلٌ شرعي واللهُ أعلم.
المتن

وقد ذم الله تعالى اليهود على تحريفهم، وبين أنهم بتحريفهم من أبعد الناس عن الإيمان. فقال: "أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ"البقرة 75 ". وقال تعالى" مِنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا"النساء 46. الآية.
وأما العقل: فلأن المتكلم بهذه النصوص أعلم بمرادِه من غيره، وقد خاطبنا باللسان العربي المبين فوجب قبوله على ظاهره وإلا لاختلفت الآراء وتفرقت الأمة.
. الشرح

واضح الآن أن الواجب في نصوص القرآن والسُنة إجراؤها على ظاهرها هذا الواجب دون تحريفٍ. دليلُ ذلك السمع والعقل. السمع استدللنا بعدة آيات وبيَّنا في الآية الأخيرة أن التحريف من صُنع اليهود ؛وأن مَنْ حرَّف من هذه الأمة نصوصَ الكتاب والسُنة سواء العلمية أو العملية؛ كان فيه شبهٌ من اليهود. أما العقل:فنقول:إنَّ المتكلمَ بهذه النصوص وهو الله ورسوله؛ أعلمُ الناس بمراده ولا لأ؟ كما أن كلَ متكلمٍ أعلمُ الناسِ بمراده .كلُ متكلمٍ سواء الله أو رسوله أو غيرهما فإنه أعلمُ بمراده؛ أي بمراد ماتكلم به. والله- عزوجل- خاطب النبى بماذا؟ باللسان العربي المبين كما قال تعالى:"نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ "الشعراء193عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ "الشعراء194 بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ "الشعراء195".إذا كان كذلك فإنه يجب قبوله على ظاهره؛ لأننا لو لم نقل بقبوله على ظاهره لكان أنا أرى أن يُؤول على هذا الوجه وأنت ترى أن يُؤول على هذا الوجه والثالث يرى أنه يُؤول على وجهٍ ثالث وهكذا فتختلف الأمة لاختلاف الآراء، ولهذا تجد المتاولين الآن تجدهم أكثر الناس نِزاعًا في المُراد بالنصوص، لأن كل إنسان يُؤول على مايقتضيه رأيه ؛فيحصل الاختلاف والتفرق وتكون الأمة ليست أمة واحدة بل أممًا .

أم أبي التراب
09-23-2018, 07:34 AM
المتن

*القاعدة الثالثة*

ظواهر نصوص الصفات معلومة لنا باعتبار ومجهولة لنا باعتبار آخر، فباعتبار المعنى هي معلومة، وباعتبار الكيفية التي هي عليها مجهولة.
وقد دل على ذلك: السمع والعقل.
أما السمع: فمنه قوله تعالى: "كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ"ص: 29. وقوله تعالى"إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ"الزخرف :3.وقوله - جل ذكره- "وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ"النحل :44.
والتدبر لا يكون إلا فيما يمكن الوصول إلى فهمه، ليتذكر الإنسان بما فهمه منه.
وكون القرآن عربيًّا ليعقله من يفهم العربية يدل على أن معناه معلوم وإلا لما كان فرق بين أن يكون باللغة العربية أو غيرها.
وبيان النبي صلى الله عليه وسلم القرآن للناس شامل لبيان لفظه وبيان معناه.
. الشرح

أظن هذه واضحة.قال اللهُ تعالى ""كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ" ص: 29.وإذا كان نُزل لتدبر الآيات فمعلوم أن مالا يُمكن الوصول إلى معناه؛ لافائدة من تدبره ؛لأن المقصود بالتدبر الوصول إلى المعنى ولهذا قال:"وَلِيَتَذَكَّرَ"ولاتذكر إلابعد معرفة المعنى.أيضًا يقول "إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ" الزخرف :3 .تعقلون إيش؟لفظه ولَّا معناه؟معناه ؛وكذلك لفظه؛ بالنسبة للسان العربي لو فُرض أنه لايُعقل معناه؛ لم يكن فرقٌ بين أن يكون باللسان العربي أواللسان الأعجمي العجمي .أيضا يقولُ تعالى"وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ" النحل :44.والرسول- صلى الله عليه وسلم- بيَّنَ القرآن لفظَه ومعناه.فإذا قال قائلٌ:إذن يلزمكم على هذا أن يكون الرسول- صلى الله عليه وسلم- تفسيرٌ في القرآن؟ تفسيرٌ كاملٌ مُجلدات للقرآن؟ فالجواب: أن القرآن بلسانٍ عربي؛ والذين نزل القرآن بلغتهم لا يحتاجون إلى تفسيره إلا في أمورغامضة فسرها الرسول- عليهالصلاة والسلام-. كقوله:"للذين أحْسَنوا الحُسْنى وزيادة ٌ"قال الزيادة:هي النظرُ إلى وجه الله.وكقوله"ألا إنَّ القوة الرمي"في تفسير"وأعِدوا لهم مااستطعتُم من قوةٍ"الأنفال، وما أشبه ذلك، لكن الباقي أمره واضح عند الصحابة ما يحتاج إلى تفسير.فالرسول-صلى الله عليه وسلم- بيَّنَ لفظ القرآن ومعناه ولم يترك منه شيئًا وحينئذٍ فنقول:نصوص الصفات معلومة واللا غير معلومة؟ نقول معلومة باعتبار المعنى ؛أما باعتبار الكيفية التي هي عليها فهي مجهولة لنا.
المتن

وأما العقل: فلأن من المحال أن ينزل الله تعالى كتابًا أو يتكلم رسوله صلى الله عليه وسلم بكلام يقصد بهذا الكتاب وهذا الكلام أن يكون هداية للخلق، ويبقى في أعظم الأمور وأشدِّها ضرورة مجهول المعنى، بمنزلة الحروف الهجائية التي لا يفهم منها شيء؛ لأن ذلك من السفه الذي تأباه حكمة الله تعالى، وقد قال الله تعالى عن كتابه"كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ"هود: 1.
الشرح

نقول:اللهُ تعالى أنزل كتابًا والنبي-صلى الله عليه وسلم تكلم بكلام ؛ما الغرضُ من هذا الكتاب وهذا الكلام؟ هداية الخلق لمصالح دينهم ودنياهم ؛فهل من المعقول أن يكون هذا الكلام الذي يُقصد به هِداية ُالخلق لا يُعرف معناه؟بل هو بمنزلة الحروف الهجائية؟!! الجواب:لأ ليس من المعقول أبدًا لأن لفظًا لايُعْلم معناه لايُمكن أن يكون هِداية ، ولذلك لو جاءنا واحدٌ أعجمي يبربر يتكلم كلامًا كثيراًطويلاً هل نعرف معناه؟ هل استفدنا من كلامه؟ مااستفدنا من كلامه.إذا قلنا:إن الكتاب والسُنة لايُعرف معناهما فيما يتعلق بالصفات، فمعنى هذا أننا كابرنا المعقول كما أنكرنا المنقول. فالمنقول:كما رأيتم كله فيه دليلٌ على أن القرآن بيانٌ. وكابرنا المعقول:لأنه ليس من المعقول أن ينزل هذا الكتاب ويتكلم هذا النبي بالكلام الذي يُرادُ به الهِداية ولكن المُخاطَبون لايعرفون المعنى.إذًا لم يستفيدوا من هذا اللفظ شيئًا.فالضرورةالعقلية تستلزم أن يكون القرآنُ معلومَ المعنى ،وكذلك السُنة هذا أمرٌ ضروريٌ عقليٌ ؛لامحيد عنه.

أم أبي التراب
09-23-2018, 07:37 AM
المتن

هذه دلالة السمع والعقل على علمنا بمعاني نصوص الصفات.
وأما دلالتهما على جهلنا لها باعتبار الكيفية،فقد سبقت في القاعدة السادسة من قواعد الصفات.
وبهذا علم بطلان مذهب المفوضة الذين يفوضون علم معاني نصوص الصفات، ويدعون أن هذا مذهب السلف. والسلف بريئون من هذا المذهب، وقد تواترت الأقوال عنهم بإثبات المعاني لهذه النصوص إجمالاً أحيانًا وتفصيلاً أحيانًا، وتفويضِهم الكيفية إلى علم الله - عز وجل.
. الشرح

انتبه الآن عندنا مذهب يُسميه بعضُ الناس مذهب أهل السُنة أو مذهب السلف ؛وهو التفويض ولذلك بعضهم يقول:أهلُ السُنةِ ينقسمون إلى قسمين:مفوِّضة ومُؤَوِلة ؛ثم لايذكرون المذهب الحقيقي لأهل السُنة.المُفوِّضة معناه عندهم الذين يقرأون النصوص ويُفوضون أمرها إلى الله يقول"استوى على العرش"إيش معنى استوى؟ يقول اللهُ أعلم.هؤلاء أهل التفويض.أهل التأويل إيش يقولون؟إذا سألتهم ما معنى استوى على العرش؟قالوا:استولى.هؤلاء الجماعة الجاهلون بمذهب السلف يقولون:إن مذهب السلف هوالتفويض وهذا مشهورٌ حتى عند علماء أكابر؛ مايفهمون مذهب السلف تماماً يقولون مذهب السلف التفويض ؛ إقرأ وفوض الأمر إلى الله.عندهم البيتالمشهور؛ في عقائدهم: وكُلُ نصٍ أوْهَمَ التشبيهَ أوِّله أو فوِّض ورُم تنزيها . وعندهم جميعاً نصوص الصفات كلها ؛توهم التشبيه؛ فهم يقولون:كلُ نص أوهم التشبيه أوِّلهشوف قدم التأويل أو فوِّض ورُمْ تنزيها. وهذه قاعدة باطلة لأنه مافي النصوص شيءٌ يوهم التشبيه أبدًا بل كلها تدل على أن الصفات لائقة بالله- عزوجل. المهم انتبهوا لهذه المسألة يغلط فيها من أكابرالعلماء يقول: مذهب أهل السنة ينقسم إلى قسمين: تفويض وتأويل.التفويض هومذهب السلف والتأويل مذهب الخلف. طيب نسألهم ماهو التفويض؟ قال:إنكَ تفوض النص ماتقول شيئًا أبداً في معناه ومعلوم أن هذا من أبطل الأقوال. أن اللهَ يُنزل علينا كتابًا ويقول الرسول- صلى الله عليه وسلم- سُنة ًونقول في أعظم ما تَرِدُ من أجله وهو الصفات إنه لايُفهم معناها؛هذا من أكبر القدح في القرآن والسُنة وأهل السُنة والجماعة بريئون من هذا المذهب ويُنكرونه؛ لأنهم يُثبتون المعاني,يُثبتون النصوص ومعانيها اللائقة بالله-عزوجل-.لو قال لك قائلٌ:هل أهل السُنة والسلف ينفون التفويض مطلقاٌ؟ فيه تفصيل,التفويض في الكيفية يُثبتونه ؛والتفويض في المعنى يُنكرونه. التفويض يقول"بإثبات المعاني لهذه النصوص إجمالاً أحياناً وتفصيلا أحياناً وتفويضهم الكيفية إلى علم الله- عزوجل- فيقول استوى لكن كيف استوى؟ مانقول.
المتن

قال شيخ الإسلام ابن تيميه في كتابه المعروف بـ "العقل والنقل" ص116 جـ1 المطبوع على هامش منهاج السنة:
الشرح

هذا الكتاب أثنى عليه ابن القيم ثناءً عظيمًا حتى قال فيه وله كتاب العقل والنقل الذي مافي الوجود له نظيرٌ ثان يعني مما ألف الناس في إبطال مذهب أهل الإلحاد والفلاسفة ماله نظير-"العقل والنقل" -؛لكن لايقرأه إلا إنسانٌ مُتبحرٌ في العلم أما رجلٌ صغيرٌ يروح يقرأ هذا الكتاب فإنه سوف يغرق ؛لأنه لايسبح في البحر إلا عوام سابح؛ تيجي للصغير مايعرف يسبح في البِركة اللي مترين ويروح يسبح في البحر يغرق؛ لكن اللي عنده فهم يرى في هذا الكتاب العجب العجاب-رحمه الله-من تأليفه وهو مطبوع مستقل الآن وسُمي َباسم آخر هو"درء تعارض العقل والنقل"يعني دفع,يعني العقل والنقل لايتعارضان حتى أنه-رحمه الله-ذكر فيه قاعدة عجيبة قال:"كلُ إنسان ادعى أن النصوص تدل على قول باطل فأنا مستعد أن أجعل دليلَهُ دليلاً عليه"أ.هـ
وهذه غريبة في المصادرة يعني تأتي بدليلك وأخذه أنا وأرميك به.هذه مصادرة غريبة من كلامه لكن هذا حق.كلُ دليلٍ استدل به أهلُ الباطلِ فإنه دليلٌ عليهم. فمثلا إذا قالوا نحنُ نُنكر الصفات لأن الله يقول:"ليس كمثله شيء"نقول هذه الجملة نفسها دليلٌ عليكم ؛لأن نفي المماثلة دليل على وجود الأصل ؛ولالأ؟ إذ لو لم يكن الأصل موجوداً لكان نفي المماثلة لهواً لافائدة َمِنه. كلُّ نصٍ يستدل به صاحب باطل على باطله فإنه يكون دليلاً عليه عند التأمل.شيخ الإسلام-رحمه الله-التزم بذلك في هذا الكتاب.
المتن

"وأما التفويض فمن المعلوم أن الله أمرنا بتدبر القرآن وحضنا على عقله وفهمه، فكيف يجوز مع ذلك أن يراد منا الإعراض عن فهمه ومعرفته وعقله - إلى أن قال ص118 -: وحينئذٍ فيكون ما وصف الله به نفسه في القرآن أو كثير مما وصف الله به نفسه لا يعلم الأنبياء معناه. بل يقولون كلاماً لا يعقلون معناه، قال: ومعلوم أن هذا قدح في القرآن والأنبياء .
. الشرح

غريبة يعني أهل التفويض يقولون:إن اللي في القرآن مايُعلم معناه ؛حتى الرسول-صلى الله عليه وسلم- لو سألته إيش معنى"بل يداهُ مبسوطتان"يقول:ما أدري. إيش معنى"على العرشاستوى"يقول:ماأدري.طيب أنتَ يامحمد تقول:إنَّ اللهَ ينزل إلى السماء الدنيا" إيش معنى ينزل؟إيش يقول؟ما أدري.طيب أنتَ تقول: "يضحك ربُنا إلى رجلين يقتل أحدهما الآخر" إيش معنى يضحك؟ قال:ما أدري.هل هذا معقول؟ ولهذا يقول شيخُالإسلام:إن هذا القول قدحٌ في القرآن والأنبياء صح ولا لأ؟ أي نعم صحيح.أنا الآن لو أسأل واحد منكم إيش معنى قول المؤلف كذا وكذا؟ تقول: والله ما أدري.هل هذا يحط من مرتبتك ولا لأ؟ يحُط بلاشك من مرتبتك ؛فإذا كانت الرُسل تقول ماتقول من الوحي فيما يتعلق بأسماء الله وصفاته وهي لاتدري معناها معنى ماتقول فهذا من أكبر القدح في الأنبياء- عليهم السلام.
المتن

إذ كان الله أنزل القرآن وأخبر أنه جعله هدىً وبيانًا للناس، وأمر الرسول أن يبلغ البلاغ المبين، وأن يبين للناس ما نُزل إليهم وأمر بتدبر القرآن وعقله ومع هذا فأشرف ما فيه وهو ما أخبر به الرب عن صفاته... لا يعلم أحد معناه فلا يُعْقل ولا يُتَدبر، ولا يكون الرسول بين للناس ما نزل إليهم، ولا بلغ البلاغ المبين، وعلى هذا التقدير فيقول كل ملحد ومبتدع؛ الحق في نفس الأمر ما علمته برأيي وعقلي، وليس في النصوص ما يناقض ذلك؛ لأن تلك النصوصَ مشكلة متشابهة، ولا يعلم أحد معناها، وما لا يعلم أحد معناه لا يجوز أن يستدل به، فيبقى هذا الكلام سدًا لباب الهدى والبيان من جهة الأنبياء، وفتحًا لباب من يعارضهم ويقول: إن الهدى والبيان في طريقنا لا في طريق الأنبياء؛ لأننا نحن نعلم ما نقول ونبينه بالأدلة العقلية، والأنبياء لم يعلموا ما يقولون فضلاً عن أن يبينوا مرادهم، فتبين أن قول أهل التفويض الذين يزعمون أنهم متبعون للسنة والسلف من شر أقوال أهل البدع والإلحاد. أهـ. كلام الشيخ وهو كلام سديد من ذي رأي رشيد، وما عليه مَزيد - رحمه الله تعالى رحمة واسعة، وجمعنا به في جنات النعيم.
. الشرح

أظن واضح الكلام ؛حتى هذا يفتح باب الإلحاد؛ لأن الملحد يقول:لايُمكن أن تستدلوا عليَ بكلامٍ لاتدرون معناه ؛وأنا أستدلُ عليكم بعقلي ورأي.ثم يقول:إن من يقول إن المعنى كذا خيرٌ ممن يقول لاأدرى .ولهذا اشتبهت هذه المسألةعلى بعض الناس وقال تلك العبارة الصادقة الكاذبة:طريقة السلف أسلم وطريقة الخلف أعلم وأحكم هذه العبارة صادقة كاذبة صادقة في الجملة الأولى وكاذبة في الجملة الثانية.إيش الجملة الأولى؟ طريقة السلف أسلم بلا شك.طريقة الخلف أعلم وأحكم هذه من أكذب مايكون من الكلام ؛ليش؟ أولا-هذه الكلمة متناقضة كيف يقول هذه أسلم والثانية أعلم وأحكم؟ ومتى تكون السلامة؟ تكون السلامة في العلم والحِكمة.لايُمكن أن يسلمالجاهل أبدًا ولايُمكن أن يسلم السفيه أبدًا ،بل إن تنازلنا وقلنا لايُمكن أن يكون الجاهل أسلم من العالم ؛ولا السفيه أسلم من الحكيم صح ولا لأ؟ هذا غيرُ ممكنٍ.فأنتَ إذا أقررتَ بأن طريق السلف أسلم لزمك أن تكون طريقة السلف أعلم وأحكم. ثانيًا-أن تقول:بأي وجهٍ قلتم بأن طريقة السلف أسلم وطريقةالخلف أعلم وأحكم؟ السلف الرسول-عليه الصلاة والسلام-والخلفاء الراشدون والصحابة والتابعون لهم بإحسان من أئمة الهَدي والحق ؛كيف يكون طريقة الخلف أهدى من هذا وأعلم وأحكم؟ هذا ممكن؟!! يعني يمكن تقول أنت يارسول الله,أبو بكر,عمر,عثمان,عليّ,الصحابةكلهم طريقة مَنْ يأتي من هؤلاء المعتزلة والنُظار أعلم وأحكم منكم؟ هذا معقول؟ هذاأبدًا غيرُ معقول. ولو أن إنسانًا ثبت على هذا لأخرجناهُ من الإسلام لأن هذا من أعظم القدح في رسول الله-صلى الله عليه وسلم-وأصحابه أن يأتي كما قال شيخُ الإسلام:أفراخ الصابئة والمشركين واليهود والنصارى ثم يُقال هم أعلمُ وأحكم مِنْ مَنْ؟ من الرسول-عليه الصلاة والسلام وأصحابه فيما يتعلق بأسماءالله وصفاته؟ هذا شيءٌ مستحيل. المهم أن هذاالقول وهو التفويض وأرجو أن تنتبهوا له لأنكم ربما تجدونه في كتب علماء أجلاء في أعيُننا وأعيُنكم يُطلقون مثل هذه العبارة"طريقة السلف أسلم وطريقة الخلف أعلم وأحكم"وهم لو علموا مقتضى هذه العبارةومستلزماتهاماقالوها أبدًا لكن قد تندرج على ألسنتهم من غير تروٍ وتمهُلٍ ويأخذها الآخرعن الأول.وإلا لو تأملوها لوجدوها متناقضة باطلة يلزم عليها لوازم فاسدة ونحنُ نرميهم بدائهم نقول: زعماؤكم ورؤساؤكم ماذا كان منتهى أمرهم؟إيش؟ الحيرة والقلق والشك.قال بعض العلماء وأظنه الشافعي"أكثرُ الناسِ شكًّا عندَالموت أهلُ الكلام" اللي يقول هؤلاء إنهم أعلم وأحكم نقول تفضلوا هذا الرازي من رؤسائكم ماذا يقول؟يقول:"لقد تأملتُ الطرقَ الكلامية والمناهج الفلسفية فما رأيتها تُشفي عليلاً ولاتروي غليلاً ورأيتُ أقربَ الطرقِ طريقة َ القرآن أقرأ ُفي الإثبات"الرحمنُ على العرش استوى", "إليهِ يَصعدُ الكلمُ الطيب"وأقرا ُفي"النفي ليس كمثله شيءُ","ولايُحِيطُونَ بهِ عِلْمًا" ومَنْ جرَّبَ مثل تجربتي عرف مثل معرفتي". ا.هـ شوف هذا الكلام الجيد وهو دليلٌ واضحٌ على أن أهل الكلام لاينتفعون بكلام؛ لاتشفي عليلا ولاتُروي غليلا. وكان قد قال متمثلا أو مُنشِئًا ثلاثة َأبياتٍ متمثلا بها أو مُنشِئًا يقول: نهاية ُأقدامِ العقولِ عِقالُ وأكثرُسعيِ العالِمينَ ضلالُوأرواحُنا في وحشةٍ من جُسُومِنا وغاية ُدُنيانا أذىً ووبالُ
ولمنستفد من بحثنا طولَ عُمْرنا سِوَى أن جمعنا فيهِ قيلَ وقالوا
صارت عباءة ُالدرويش مُرقعة ًبكلِ لونٍ وإلا كُف الدرويش فيها من كل طعام ؛قيل كذا وقالوا كذا.

أم أبي التراب
09-23-2018, 07:42 AM
المتن

القاعدة الرابعة:

ظاهر النصوص ما يتبادر منها إلى الذهن من المعاني، وهو يختلف بحسب السياق؛ وما يضاف إليه الكلام، فالكلمة الواحدة يكون لها معنى في سياق، ومعنى آخر في سياق. وتركيب الكلام يفيد معنى على وجه ومعنى آخر على وجه.
الشرح

هذا ظاهر النصوص.ظاهر النصوص هو مايتبادر منها إلى الذهن.ماقلنا إنه هو الذي لايحتمل غيره ؛يحتمل غيره لكن أول مايتبادر إلى ذهنك هو هذا المعنى.هذا هو ظاهر النصوص وهذا يختلف,يقول المؤلف:يختلف بحسب السياق ومايُضافُ إليه الكلام إذا قلت جاءني طالب علم كبير ؛وأنا أوزع كُتُبًا فقال أنا أريدُ كتباًفقلتُ لوكيلي على المخزن؛ أعطه مايليقُ به، وعنده الفتاوى والمُغني والمهذَّب وكتب السنة إيش يعطيه؟ يعطيه كل هذا لأنه طالب علم.وجاءني واحد في الابتدائي؛ طلب كتبًا فقلتُ لوكيلي أعطيه مايليقُ به إيش يعطيه؟ يُعطيه من الأشياء الصغيرة هذا مايليق به.شوف كلمة مايليق به لفظها واحدٌ لكن اختلفت بحسب؟ لأ بسحب ما أضيفت إليه و لا بحسب السياق. السياق واحد"أعطيه مايليقُ به"فاختلفت بحسب ما أضيفت إليه.فالذي يليق بهذا غير الذي يليق بهذا.
المـتـن

فلفظ "القرية"، مثلاً يراد به القوم تارة، ومساكن القوم تارة أخرى.
فمن الأول قوله تعالى"وَإِنْ مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا نَحْنُ مُهْلِكُوهَا قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ أَوْ مُعَذِّبُوهَا عَذَابًا شَدِيدًا "الإسراء58.
الشرح

هنا المراد بالقرية أهلها لأن القرى التي هي المساكن ماتُعذب الذي يُعذب الساكن دون المساكن
. المـتـن

ومن الثاني قوله تعالى عن الملائكة ضيف إبراهيم"إِنَّا مُهْلِكُوا أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَة"العنكبوت 31.
الشرح

أي أهل هذه المساكن لأنه قال"أهل"فلايمكن أن يُراد بالقريةِ هنا أهلها لأننا لو قلنا المرادُ بالقريةِ أهل القرية لكان التركيب إنا مُهلكوا أهل هذه الأهل.تستقيم ولا لأ؟ ماتستقيم.
المتن

وتقول: صنعت هذا بيدي، فلا تكون اليد كاليد في قوله تعالى"لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيّ"ص: 75؛ لأن اليد في المثال أضيفت إلى المخلوق فتكون مناسبة له، وفي الآية أضيفت إلى الخالق فتكون لائقة به، فلا أحد سليم الفطرة صريح العقل يعتقد أن يد الخالق كيد المخلوق أو بالعكس.
الشرح

واضح أنا قلتُ صنعتُ هذه بيدي وقد قال الله تعالى: "لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيّ" التركيب واحد لكن بينهما فرق فاليد التي أضافها اللهُ إلى نفسه ليست كاليد التي أضفتها إلى نفسي مع أن التركيب واحد هذا بحسب الإضافة ؛والأول القرية بسحب السياق.

أم أبي التراب
09-23-2018, 07:45 AM
المتن

ونقول: ما عندك إلا زيد، وما زيد إلا عندك، فتفيد الجملة الثانية معنى غير ما تفيده الأولى مع اتحاد الكلمات، لكن اختلف التركيب فغير المعنى به.
. الشرح

ماعندك إلا زيد ومازيد إلا عندك؛ يعني ماينفي أن غيره عندك لكن ينفي أن يكون زيدٌ في مكان آخر ؛فهنا الحصر في المكان والأول الحصر في الكائن .
المتن

إذا تقرر هذا فظاهر نصوص الصفات ما يتبادر منها إلى الذهن من المعاني.
وقد انقسم الناس فيه إلى ثلاثة أقسام:
القسم الأول: من جعلوا الظاهر المتبادر منها معنى حقًا يليق بالله - عز وجل - وأبقوا دلالتها على ذلك، وهؤلاء هم السلف الذين اجتمعوا على ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، والذين لا يصدق لقب أهل السنة والجماعة إلا عليهم.
. الشرح

انتبهوا إلى هذه النقطة"الذين لايصدُق لقب أهل السُنة والجماعة إلا عليهم"لقب أهل السُنة لأنهم تمسكوا بالسُنة؛ والجماعة لأنهم اجتمعوا عليها ؛فهو لايصدُق إلا على هؤلاء.أما من قال:إن المراد بالجماعة هنا جماعة الإمامة أهل السنة والجماعة يعني اللذين تحت إمام واحد؛هذا كذبٌ على اللغة بلالمراد بالجماعة : الاجتماع هذا الأصل في لفظ الجماعة كما قال شيخُ الإسلام في"الواسطية"قال الجماعة في الأصل اسمٌ للاجتماع فيكون معنى أهل السُنة أي أهل السُنة والاجتماع على السُنة؛ بهذا نعر ف أن مذهب المُفوِّضة أو بعبارة أصح أن المُفويضين والمُؤَوِّلين لايصدُق عليهم أنهم أهل السنة مع أن كثيرًا من المتأخرين يرون أن أهلَ السُنة والجماعة ينحصرون في المفوضة والمؤولة.ولكننا نقول بملئ أفواهنا أن المفوضة والمؤولة لايصدُق عليهم هذا اللقب لأننا نعلمأن سُنة الرسول- صلى الله عليه وسلم-وسُنة أصحابه هو إبقاء النصوص على ظاهرها على مايليقُ بالله-عزوجل- والمؤولة يُحرفونها عن ظاهرها.ونعلمُ أيضاً أن النبي-صلى الله عليه وسلم-وأصحابِه أو أن سُنة النبي-عليه الصلاة والسلام-وأصحابه أن لهذه النصوص معنىً يليقُ بالله وأن المفوضة يقولون لا معنى لها أو على الأقل يقولون لانعلم لها معنى. فالحاصل أن لقب أهل السُنة والجماعة نأبى أن ينطبق إلا على مذهب السلف فقط الذين يُجرون النصوص على ظاهرها على معنى يُليقُ بالله-سبحانه وتعالى-. ونقول:
كُلٌ يدعي وصْلاً لليلى وليلى لاتُقِرُلهم بذاك
هاتوا برهانكم وتفضلوا على مائدة المناقشة أين السُنة من قومٍ يُخالفون سُنة الرسول وأصحابه؟!! أجيبوا ؛غيرموجودة.فإذا كان هؤلاء المفوضة يُخالفون طريق النبي- صلى الله عليه وسلم-وأصحابه ؛لأن النبي وأصحابه يُقِرون باللفظ والمعنى وهؤلاء يُقرون باللفظ ولايُقرون بالمعنى.أين السُنة والجماعة من قومٍ يُحرفون الكَلِمَ عن مواضعه ويقولون:ليس المرادُ بها ظاهرَها؟مع أن الرسول- صلى الله عليه وسلم-وأصحابه سُنتهم أن تجرىعلى ظاهرها.ولكن نقول هؤلاء الذين سلكوا مذهب التفويض أو مذهب التأويل إذا كان هذا هو مؤدى اجتهادهم وهم يُريدون حقاً ولكن لم يُوفقوا لإصابته ؛فإن الله تعالى يعفوعنهم لأن الرسول- صلى الله عليه وسلم- جعل لمن اجتهد فأخطأ أجرًاواحدًا ولمن اجتهد وأصاب أجرين.فنحنُ نُخطئهم ونقول:أخطأتم ولم تُصيبوا لكن هل أثِمتم؟
ننظر,مَنْ طلب الحق وصدق في طلبه واجتهد في الوصول إليه فإننا لانُؤثمه لكننا نُضلله في رأيه لا نُضلله في مسلكه ومنهجه لكن نُضلله في رأيه. فهمتم ؟ أما مَنْ علمنا أنه مُنازعٌ مُكابرٌ لايريدُ الحق وإنما يُريدُ نُصر رأيه ونصر متبوعيه فإننا نُضلله ونُخطئه ونُؤثمه أيضاً لأنه ليس بمجتهدٍ.وهذا هو الميزان القسط ونحنُ لانظلم أحداً على حساب ديننا أو على حساب مايجب علينا من العدل إنما نقول:العدلُ شرعُ اللهِ فإذا تمسكَ به أحدٌ وأدى مايجب عليه فليس بآثم .

أم أبي التراب
09-23-2018, 07:48 AM
المتن

وقد أجمعوا على ذلك كما نقله ابن عبد البر فقال: "أهل السنة مجمعون على الإقرار بالصفات الواردة كلِّها في القرآن الكريم والسنة، والإيمان بها، وحملها على الحقيقة لا على المجاز، إلا أنهم لا يكيفون شيئاً من ذلك، ولا يحدون فيه صفة محصورة" أهـ.
وقال القاضي أبو يعلى في كتاب "إبطال التأويل": "لا يجوز رد هذه الأخبار، ولا التشاغل بتأويلها، والواجب حملها على ظاهرها، وأنها صفات الله، لا تشبه صفات سائر الموصوفين بها من الخلق، ولا يُعتقد التشبيه فيها، لكن على ما روي عن الإمام أحمد وسائر الأئمة" أهـ. نقل ذلك عن ابن عبد البر والقاضي شيخ الإسلام ابن تيميه في الفتوى الحموية ص87-89 جـ5 من مجموع الفتاوى لابن القاسم.
وهذا هو المذهب الصحيح، والطريق القويم الحكيم، وذلك لوجهين:
الأول: أنه تطبيق تام لما دل عليه الكتاب والسنة من وجوب الأخذ بما جاء فيهما من أسماء الله وصفاته كما يعلم ذلك من تتبعه بعلم وإنصاف..
الشرح

إذا تأملت مذهب أهل السُنة والجماعة وجدته هو المُطابقُ لما دلَّ عليه الكتاب والسُنة؛ لكن يشترط لهذاالتتبُع أن يكون بعلمٍ وإنصافٍ.فإن كان بجهلٍ فإنه لايُمكن أن يُعرف أنه مُطابقٌ لماذا؟لأنه جاهلٌ.الجاهل كيف يعرف أن هذا المذهب مُطابقٌ لما دلَّ عليه الكتاب والسُنة؟ وإن كان بغيرِ عدلٍ أوبغيرِإنصافٍ ؛فإنه سيُكابر ويقول:هذا لم يدل عليه الكتاب والسُنة ؛أنتم تقولون:إنَّ لله وجهاً والقرآن يقول"ليس كمثله شيء"فإن أثبتم أن لله وجهًا فقد أثبتم أن له مثيلاً. عرفتم ولا لأ؟ هل هذا مُنصِفٌ؟ نقول له:يا أخ هل لك وجه؟قال:نعم هل الحمارله وجه ؟قال:نعم هل وجهُكَ كوجه الحمار؟ إيش يقول؟ طبعاً يقول لأ..سبحان الله آدم فُضِّلَ على كثيرٍ ممن خلق الله تفضيلاً تقول وجهه مثل وجه الحمار؟ إذا كنت تعرفُ الفرق بين وجهك ووجه الحمار؛ لماذا لاتعرف الفرق بين وجه الرحمن ووجه المخلوق؟ فللهِ وجهٌ لكن لايشبه وجهي ولايشبه وجهك.للرحمن وجهٌ يليقُ بجلاله ولا لأ؟إذن هذا الذي يقول:إنك أتثبت لله وجهاً فقد أثبت له مثيلا؟نقول:ينتَقِضُ عليكَ بما أنت تنقُضُهُ بنفسك أليس كذلك؟ أي نعم. هذا الوجه الأول ممايدلُ على صحة مذهب السلف أليس كذلك؟ماهو الوجه الأول؟ الوجه الأول:مما يدل على أن مذهب السلف وهوالصحيح أنه مُطابقٌ لما دل عليه الكتاب والسُنة ولكن ليس كلُ أحدٍ يعرفُ أنه مطابقٌ إلا إذا كان عنده علمٌ وعدلٌ؛ أي إنصاف.

المتن

الثاني: أن يقال: إن الحق إما أن يكون فيما قاله السلف أو فيما قاله غيرهم،
الشرح

أن يكون الحقُ فيما قاله السلف أو فيما قاله غيرهم صح هذا؟ انتبه لكن لو قلنا:أن يكون الحق فيما قاله السلف أو فيما قاله أهلُ التأويل؛ لكان يمكن أن يقول قائلٌ:أوفيما قاله طرفٌ ثالثٌ. أما إذا قلنا أو فيما قاله غيرهم ؛فهو يشمل يعني ما أحد يَدخُل علينا في هذه العبارة ولذلك لو قال رجل:إن كان هذا الطائِرُغرابًا فزوجتي طالقٌ وقال الثاني:إن كان حماما فزوجتي طالقٌ. أيُّهما تُطلق زوجته؟ كلهم ماتُطلق زوجاتهم .كلهم ماتطلق


انتهى الشريط الثالث
هنا (http://mnbralda3wa.blogspot.com.eg/2...blog-post.html)

أم أبي التراب
09-23-2018, 07:52 AM
تابع الفصل الثالث

تابع القاعدة الرابعة




لتتصل المعلومة سنبدأ بجزء من الشريط الثالث فمعذرة على التكرار
المـتـن

وقد أجمعوا على ذلك كما نقله ابن عبد البر فقال: "أهل السنة مجمعون على الإقرار بالصفات الواردة كلها في القرآن الكريم والسنة، والإيمان بها، وحملها على الحقيقة لا على المجاز، إلا أنهم لا يكيفون شيئًا من ذلك، ولا يحدون فيه صفة محصورة" أهـ.
وقال القاضي أبو يعلى في كتاب "إبطال التأويل": "لا يجوز رد هذه الأخبار، ولا التشاغل بتأويلها، والواجب حملها على ظاهرها، وأنها صفات الله، لا تشبه صفات سائر الموصوفين بها من الخلق، ولا يعتقد التشبيه فيها، لكن على ما روي عن الإمام أحمد وسائر الأئمة" أهـ. نقل ذلك عن ابن عبد البر والقاضي شيخ الإسلام ابن تيميه في الفتوى الحموية ص87-89 جـ5 من مجموع الفتاوى لابن القاسم.
وهذا هو المذهب الصحيح، والطريق القويم الحكيم، وذلك لوجهين:
الأول: أنه تطبيق تام لما دل عليه الكتاب والسنة من وجوب الأخذ بما جاء فيهما من أسماء الله وصفاته كما يعلم ذلك من تتبعه بعلم وإنصاف.....
الشرح

أن يكون الحقُ فيما قاله السلف أو فيما قاله غيرهم صح هذا؟ انتبه لكن لو قلنا:أن يكون الحق فيما قاله السلف أو فيما قاله أهلُ التأويل؛ لكان يمكن أن يقول قائلٌ:أوفيما قاله طرفٌ ثالثٌ. أما إذا قلنا أو فيما قاله غيرهم ؛فهو يشمل يعني ما أحد يَدخُل علينا في هذه العبارة ولذلك لو قال رجل:إن كان هذا الطائِرُغرابًا فزوجتي طالقٌ وقال الثاني:إن كان حماما فزوجتي طالقٌ. أيُّهما تُطلق زوجته؟ كلهم ماتُطلق زوجاتهم .
انتهى الشريط الثالث

أم أبي التراب
09-24-2018, 05:03 AM
بداية الشريط الرابع

كلهم ماتُطلق زوجاتهم؛ليش؟ لأن قال هذا غرابُ وقال هذا حمامٌ يمكن يكون لاغراب ولا حمام إذن ماتُطلق زوجاتهم.وقال رجلٌ له امرأتان:إن كان هذا الطائرُ غرابًا فزينبُ طالقٌ وإن كان حمامًا فهندٌ طالقٌ وراح الطائر مَنْ يُطلق؟ كلُ واحدةٍ ما تُطلق؛ لاحتمال ألا يكون غرابًا ولا حمامًا .الرجلُ قال:إن كان هذا الطائرُغرابًا فزينبُ طالقٌ وإن كان غيرَ غرابٍ فهندٌ طالقٌ .مَن يُطلق منهما؟ شوف ياإخوان هو قال صيغتين:
أولا:إن كان هذا الطائرُ غرابًا فزينبُ طالقٌ؛ وإن كان حمامًا فهندُ طالقٌ هذا مايطلق كلهم ليش؟لأنه يحتمل أنه لاغراب ولاحمام.
ثانيًا:إن كان هذا الطائرُغرابًا فزينبُ طالقٌ ؛وإن كان غير غرابٍ فهندُ طالقٌ ؛نقول تُطلقُ أحدهما يقيناً ليش؟ لأنه إما غراب ولاغيرغراب مافيه غيرهما لا مافيه قسِمٌ ثالث لاغراب ولاغير غراب.يقول العلماءفي هذه الحال تُميَّزُ المجهولة بالقرعة فيقرع بينهما فمن خرجت القرعة عليها طلقت.فهمتم الفرق بين الكلمات ياجماعة؟ انتبهوا نحنُ الآن نتكلم عن انقسام الناس في نصوص الكتاب والسُنة بالنسبة لأسماء الله وصفاته وأنه القسم الأول وهو أشرف الأقسام مَنْ جعلوا الظاهرالمتبادِرمنها حقًا يليقُ بالله-عزوجل-وهؤلاء أبقَوا دِلالتها على ذلك وهم السلف. وقلنا:إن السلف دلَّ على قولهِم السمع والعقل أو قلنا هذا هو المذهب الصحيح لوجهين:الوجه الأول:أنه تطبيقٌ لم دلَّ عليه الكتاب والسُنة.
المتن

الوجه الثاني:أن يُقال:إن الحق إما أن يكون فيما قاله السلف أو فيما قاله غيرهم.والثاني باطلٌ لأنه يلزم منه أن يكون السلف من الصحابة والتابعين لهم بإحسان تكلموا بالباطل تصريحًا أوظاهراً.ولم يتكلموا مرة واحدة لا تصريحًا ولاظاهرًا بالحق الذي يجب اعتقاده.
الشرح

واضح هذاإذا قلنا:إن الحق فيما قاله غيرُالسلفِ لَزِمَ من ذلك أن السلف تكلموا بالباطل ولم يتكلموا بالحق أبداً؛ وهذا طبعًا لازمٌ باطلٌ لا أحد يقول:إن السلف من الصحابة والتابعين لهم بإحسان كانوا يتكلمون بالباطل ولايتكلمون بالحق والذي يقول ذلك قد نُكفره؛ قد نقول له أنت كافر لأن إذا كان هؤلاء لم يتكلموا إلا بالباطل فهذا أكبر العيب والقدح فيهم.
المتن

وهذا يستلزم أن يكونوا إما جاهلين بالحق وإما عالمين به لكن كتموه وكلاهما باطلٌ.وبُطلان اللازم يدل على بطلان الملزوم.فتعين أن يكون الحقُ فيما قاله السلف دون غيرهم.

الشرح

وهذا واضح دليلٌ عقليٌ ولا لأ؟ هذا دليلٌ عقلي والأول دليلٌ حسي لأنك إذا تأملت مذهب السلف وجدته مطابقًا لما دل عليه الكتاب والسُنة وهذا دليلٌ عقليٌ ولامحِيدَ عنه.

أم أبي التراب
09-24-2018, 05:04 AM
المتن

القسم الثاني:مَنْ جعلوا الظاهر المتبادرمن الصفات معنىً باطلاً لايليقُ بالله وهو التشبيه وأبقوا دلالتها على ذلك وهؤلاء هم المُشبهة ومذهبهم باطلٌ مُحرمٌ من عدة أوجهٍ:
الشرح

هؤلاء يقولون:نُجري النصوص على ظاهرها لكنهم يجعلونها من جنس صفات المخلوقين.يقولون:نعم لله وجهٌ ولكن وجهه مثل وجه الناس له يد ويده مثل أيدي الناس وهكذا يقولون في بقية الصفات.هؤلاء سماهم أهلُ السُنةِ والجماعة إيش؟ مشبهة ممثلة.
المتن

الأول:أنه جناية ٌعلى النصوص وتعطيلٌ لهاعن المراد بها. فكيف يكون المرادُ بها التشبيه وقد قال اللهُ تعالى: "ليس كمثله شيء"؟
الشرح
صح لاشك أنها جناية على النصوص.الذي يقول:إن نصوص الصفات تدل على التشبيه؛ قد جنى عليها لأنها لايمكن أن تدل على التشبيه أبداًلأن الله يقول:"ليس كمثله شيء".
المتن

الثاني:أن العقل دلَّ على مباينة الخالق للمخلوق في الذات والصفات فكيف يُحكم بدلالة النصوص على التشابه بينهما؟
الشرح


هذا أيضًا دليلٌ عقلي.نقول:إن العقل دل على مباينة الخالق للمخلوق في الذات والصفات؛ ولاأحد يدعي مُساواة الخالق للمخلوق في الذات ولافي الصفات إلا المُكابر.فإذا كان العقل دل على امتناع التماثل والتشابه بين المخلوق والخالق فإننا لوقلنا بالتماثل لكانت النصوص دالةً على أمرٍ ممتنعٍ عقلاً وهذا لايمكن.
المتن

الثالث:أن هذا المفهوم الذي فهمه المُشَبِّهُ من النصوص مُخالفٌ لما فهمه السلف منها فيكونُ باطلاً.
الشرح

هل السلف فهموا من نصوص الصفات التمثيل و التشبيه؟ أبدًا مافهموه بل آمَنوا بها بدون تمثيل فمَنْ آمن بها مع التمثيل؛كان مذهبه مُخالفًا لمذهب السلف.

المتن

فإن قال المُشبه:أنا لاأعقِل من نزول الله ويده إلا مثل ما للمخلوق من ذلك والله تعالى لم يُخاطبنا إلا بما نعرفه ونعقله.فجوابه من ثلاثة أوجهٍ
الشرح

صح هذه حُجة لمن؟ للمُشَبه يقول:إن الله خاطبنا بما نعرف؛ ونحنُ لانعرف من اليد والنزول والاستواء إلاما نُشاهد وعلى هذا يكون ما أخبر به الله من ذلك مماثلا لما نُشاهده وهذه هي الحُجة.يقول هذا الرجل المُشبه لقد خاطبنا الله-عزوجل-بما نعقل فنقول:صدقت ثم يقول:وأنا لا أعقل من لفظ اليد والنزول والاستواء والوجه والعين وما أشبه ذلك إلا ماأشاهد؛ وهذا يقتضي أن الله تعالى مُشابه ٌ للمخلوق.فكلُ عينٍ لله فهي مثل عين المخلوق.طيب أي مخلوق؟ مثل عين الذرة مثل عين الجمل مثل عين الإنسان ؛أيُّ عين؟ أنا لاأعرف عن جوابهم في ذلك لكن طبعًا سيقول مثل عين الإنسان لأن الله يقول:"ولقد خلقنا الإنسانَ في أحسَنِ تقويم".والرسول-صلى الله عليه وسلم-يقول: "إن اللهَ خلقَ آدم على صورته".فيقول المُشبهُ:إن عينه كعين الإنسان .عرفت ؛ولا لأ؟ إذن المُشبهُ عنده تشبيهٌ هو نفسه مُشبهٌ لله بخلقه وعنده تشبيه أي إلقاء الشُبه على الناس وهكذا كلُ مُبطلٍ لابد أن يأتي بشبهٍ تحير بعض الناس فيقبلها.هذا لو جاء عند عامي وقام يتكلم في مثل هذا البيان لقال صدقت هذا هو الحق ومشى على ذلك؛ ولكن سنُبين إن شاء الله بُطلان هذه الشُّبهة.

أم أبي التراب
09-24-2018, 05:04 AM
المتن

أحدها:أن الذي خاطبنا بذلك هوالذي قال عن نفسه:"لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ"ونهى عباده أن يضربوا له الأمثال أويجعلواله أندادًا فقال:"فَلَا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ"وكلامه تعالى كله حقٌ يُصدق بعضه بعضًا ولا يتناقض.
الشرح

صح طيب لو قلتُ:إن هذا مثل هذا كذبْتَ قوله تعالى: "ليس كمثله شيء"وضربتَ له مِثلاً وجعلتَ له نِدًّا وقد نُهِيتَ عن ذلك.وكلامُ اللهِ-عزوجل-يُصَدِّقُ بعضه بعضًا. ونحنُ يُمكنُنا أن نجمع بين قوله:"لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ" وقوله: " لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ"أو"تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا"نستطيع أن نوفق بينهم فنقول:عينٌ لأن اللهَ أثبتها لاتُماثل أعين المخلوقين لأن اللهَ قال:"لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ"فيُمكن أن نوفق؛ وحينئذٍ نَسْلمُ من تمثيلِك وضربِكَ أمثالاً لله مع إثباتنا حقائق ما وصف اللهُ به نفسه.
المتن

ثانيها: أن يقال له: ألست تعقل لله ذاتًا لا تشبه الذوات؟ فسيقول:بلى.
الشرح

نقول:هل أنتَ تُؤمن بأن للهِ ذاتًا؟ سيقول:معلوم أومِنُ بذلك ؛هل تقول:إنها تشبه الذوات أوإنها لاتشبه الذوات؟ سيقول: لا تشبه الذوات.فنقولُ له:هل تعقل له صفاتٍ لاتشبه الصفات ؟ فإن القول في الصفات كالقول في الذات ومَنْ فرَّقَ بينهما فقد تناقض. فنقولُ لهُ:إن كُنتَ تعقل له ذاتًا لا تشبه الذوات فاعقل له صفاتٍ لاتشبه الصفات.أما أن تقول أعقل له ذاتًا لاتشبه الذوات ولكن لا أعقل صفاتٍ لاتشبه الصفات فهذا تناقض.

المتن

فيقال له: فلتعقل له صفات لا تشبه الصفات، فإن القول في الصفات كالقول في الذات، ومن فرق بينهما فقد تناقض!.
ثالثها: أن يقال: ألست تشاهد في المخلوقات ما يتفق في الأسماء ويختلف في الحقيقة والكيفية؟ فسيقول: بلى! فيقال له: إذا عقلت التباين بين المخلوقات في هذا، فلماذا لا تعقله بين الخالق والمخلوق، مع أن التباين بين الخالق والمخلوق أظهر وأعظم، بل التماثل مستحيل بين الخالق والمخلوق كما سبق في القاعدة السادسة من قواعد الصفات.
الشرح

هذا أيضًا جوابٌ ثالث عقلي. نقول الآن ألستَ تُشاهدُ في المخلوقات مايتفقُ في الأسماء ويختلف في الحقيقة والكيفية؟ إن قال:لأ ما أشاهد.قلنا:تفضل لحديقة الحيوان ؛شوف فيها أسود فيها حُمر وحش وفيها ضباع وفيها حيات وفيها قرود ؛كلُ واحدٍ منها له وجه وله عين وله يد وله رجل وله ذيل؛ فهل اختلفت أواتفقت ؟إن قال ما اختلفت؛نقول له يالا على المرستان . لأنه مجنون. فإذًا وضَحَ أن المخلوقات تكون صفاتُها متفقة ًفي الاسم وتُخالفها في الحقيقة ؛لماذا لانعقل لربنا- عزوجل- صفاتٍ تُوافق صفاتنا في الاسم وتُخالفها في الحقيقة؟ لماذا لانعقل؟ أليسَ التبايُن بين الخالق والمخلوق أظهر وأبين من التبايُن بين المخلوقات بعضها مع بعض؟ بلى.وحينئذٍ لايكون قوله فيما سبق أنا لاأعقل من هذا اللفظ إلا مثل ما أشاهد من الأعيان.نقول: تبين أن قولكَ هذا باطلٌ وأنه قد يُعْقلُ الشيءُ مماثلا للشيءِ في الاسم مُخالفًا له في الحقيقة إينعم.

أم أبي التراب
09-25-2018, 02:46 AM
المتن

القسم الثالث: من جعلوا المعنى المتبادر من نصوص الصفات معنى باطلاً، لا يليق بالله وهو التشبيه،
الشرح

أنا قلتُ لكم فيما سبق أنه ينبغي أن نُبدل بالتشبيه التمثيل لكن نحنُ كتبنا هذا قبل أن يتبين لنا الأولوية.فالأولى كل ما جاءكم التشبيه أن تجعلوا بدلاً منه التمثيل لأن هذا هو الموجود في القرآن"ليس كمثله شيء" ولأن التشبيه معنىً يحتمل حقًا وباطلاً فنفيهُ بدون تفصيل فيه نظر؛ لأنه مامن شيئين موجودين إلا وقد اشتبها في بعض الوجوه.على كل حال خذوا هذه قاعدة لكم سواء في الفهم أو في الكتاب أو في أي شيءٍ؛ أن تجعلوا بدل التشبيه التمثيل.
المتن

ثم إنهم من أجل ذلك أنكروا ما دلت عليه من المعنى اللائق بالله، وهم أهل التعطيل سواء كان تعطيلهم عامًا في الأسماء والصفات، أم خاصًا فيهما، أو في أحدهما، فهؤلاء صرفوا النصوص عن ظاهرها إلى معاني عينوها بعقولهم، واضطربوا في تعيينها اضطرابًا كثيرًا، وسموَا ذلك تأويلاً، وهو في الحقيقة تحريف.
الشرح

هؤلاء هم الشر وهو الذي ألف علماء السُنة- رحمهم الله-الكتب الكثيرة في الرد عليهم. لماذا؟ لأن نفورالناس عن الطائفة الثانية وهم أهل التمثيل؛ نفورهم أمرٌمعلومٌ بالفطرة. يعني حتى العامي لوتقول له أنتَ مِثلُ الله واللهُ مِثلك فما يقبل. فلهذا تجد كلام السلف في الرد على المُمثِلة قليلاً ؛لكن المحنة والبلاء في أهل التأويل أو بالأصح في أهل التحريف الذين يُسمّون أنفسهم أهل التأويل هؤلاء هم البلاء؛ وهم الذين أتعبواالعلماء في الرد.يقول شيخُ الإسلام: إنَّ هؤلاء أشدُ ضررًا من الفلاسفة وأحق بالرد ؛لأن الفلاسفة أيضًا بُطلانُ قولِهم معلومٌ بالفطرة فنفورالناس منهم أعظمُ. لكن هؤلاءِ يأتون بزخارف من القول يُموهون بها على العامة فيَقبلُ الناسُ قولهَم. وهؤلاءِ أشدُ ؛ولكنهم كما قال-رحمه الله-:هؤلاء لاللإسلام نصروا ولا للفلاسفةِ كسروا ؛فهم ما نفعوا الناس بل ضروهم أكثر. لهذا ينبغي أننا نضع البال في البحث عن هؤلاء لا من حيث استدلالهم ولا من حيث الرد عليهم. هؤلاء يقولون:إن الظاهر المتبادر من نصوص الصفات معنى لايليقُ بالله وهو التشبيه ؛ثم لما جعلوا هذا هو الظاهر ذهبوا يُحرفون النصوص من أجله. قالوا مثلاً"لِمَا خلقتُ بيدي"كلمة بيدي ظاهرها إثباتُ اليد والتشبيه ظاهرها التشبيه لأنهم يوافقون المُشَبِّه في أنه لايُعقل من هذه الأشياء إلاماكان مُشابهًا للمشاهَدِ.لمَّا اعتقدوا هذه العقيدة الفاسدة قالوا إذًا ماذا نصنع؟ هل نؤمن بها على هذا الظاهر؟ إذا آمنا بها على هذا الظاهر وافقنا المُشبهة ؛إذًا يجب أن نُأولها إلى معنىً يتناسب مع عقولنا ؛فنقول:المُرادُ باليد النعمة أو القوة ؛والمراد من الاستواء الاستيلاء ؛والمراد بالنزول إلى السماء الدنيا نزول الأمر أو الرحمة أو ماأشبه ذلك ؛ليش؟ قالوا:لأننا لايُمكن أن نقرها على ظاهرها وهوالتشبيه فيجب أن نُأوِّلها؛وكلُ نَصٍ أوهم التشبيه؛أوِّله أو فوِّضه ورُم تنزيهًا.هذه قاعدة عندهم قالوا: إما أن نُأوِّل أونفوض ونقول – إذا سُئلنا عن آيات الصفات- واللهِ مانعلمُ عنها شيئًا أبدًا.
ومعلومٌ أن التأويل أفضل من التفويض لأن المُأوِّل يقول:أنا أثبتُ للنصوص معنىً ما أقول إنها كلماتٌ كالحروفِ الهجائيةِ بل أثبت لها معنى فأنا خيرٌ منك أيها الأمي.أنت أمِّيٌ.-يا من قال الله فيكم- "ومنهم أميون لايعلمون الكتابَ إلاأمانِيَّ"ولهذا سمى أهل التأويل أنفسهم أهل العقل ؛والثانية –أهل التفويض- على رأيهم؛ دجاج مايفهموا شيئًا؛ تسألهم عن أي شيء؛يقولون: واللهِ ماندري "ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ" إيش معناه؟قال:والله ما أعرف معناه.استوى على العرش قال: ماشي؛ استولى على العرش قال: ماشي.إيش معناها؟ قال:أنا أفوض الأمر إلى الله ولهذا لجأوا إلى القول الباطل"طريقة السلف أسلم وطريقة الخلف أعلم وأحكم"وهذا من جهلهم.هل في الجهل سلامة؟ مافيه سلامة .نقول ماتدري؟ إن كنت ما تدري تعلَّم، أما أن تسكت في أعظم الأمور أمورالعقيدة وتقول ماتدري ؛مافيه سلامة تعلَّم إن كنتَ ماتدري,هم يقولون نعم نتعلم ولكن على طريقة الخلف ؛وهي التأويل؛ولهذا قالوا طريقة الخلف أعلم وأحكم.ونحنُ نشهدُ باللهِ أنهم إذا كانوا يعتقدون أن طريقة السلف هي التفويض ؛ أن طريقة الخلف أعلم وأحكم ؛مافى شك,اللي يثبت للنصوص معنى ولو كان تأويلاً يُمكن أن يحتمله اللفظ في بعض السياق نقول هو أعلم وأحكم من رجل أمي مايدري إيش يقول..طيب المهم ياجماعة هؤلاء هم الخطر وهم الذين يقولون:ظاهر النصوص التشبيه فيجب أن نُأوِّلها إلى معنىً لايستلزم التشبيه على زعمهم مع أنه والحمدُ لله ؛كل آية يُأوِّلونها إلى معنىً فِرارًا من التشبيه فإنه يلحقهم التشبيه فيكونون قد وقعوا فيما فروا منه وزادوا على ذلك التحريف تحريف الكلم عن مواضعه وتعطيل الله عما يجب له.مثلاً إذا قالوا المراد باليد القوة قلنا:هل للإنسان قوة؟ سيقولون:لأ ماله قوة إذا قالوا لأ قلنا:اسمع"اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةًً" الروم 54.وأنت الآن مالك قوة؟ لك قوة إذا كان لك قوة فعلى قاعدتِك إثباتُكَ القوة َللهِ تشبيهٌ صح ولا لأ؟ إذا قال استوى على العرش يعني استولى عليه نقول:هل الإنسان يستولي ولاما يستولي؟ يستولي وليُّ الأمرفيستولي على الأمر.إذا كان يستولي وأنت قُلتَ: استوى معناها استولى فقد أثبتَ للهِ صفةً للمخلوق مثلها وحينئذٍ تكون مُشَبِهًا.فكلُ شيءٍ يلجأ إليه هؤلاء من تحريفِ النصوص عن ظاهرها فإنهم يقعون في مثل ما فروا منه بالإضافة إلى تعطيلِ الله ممايجبُ له وتحريفِ كلامِهِ وكلام الرسول- صلى الله عليه وسلم-عن ظاهره والحمدُ لله.

أم أبي التراب
09-25-2018, 03:03 AM
المتن

ومذهبهم باطل من وجوه:أحدها: أنه جناية على النصوص حيث جعلوها دالة على معنى باطل غير لائق بالله ولا مراد له..
الشرح

صح نحنُ نشهدُ باللهِ أن اللهَ-عزوجل-لما قال:"لِما خلقتُ بيدي"أنه ماأرادَ يدًا مثل أيدينا أبدًا .ولا لأ؟ نشهد أنه ماأراد هذا. فإذا قال قائلٌ:كيف تشهد على الله هل تدري؟ يمكن الله أراد هذا.أقول:أشهدُ أن اللهَ ما أرادَ ذلك.أعوذ ُبالله؛ تشهدُعلى أمرٍ ماتدري عنه!!إيش أقول؟أقول أدري عنه لأن اللهَ يقول: " لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ "فهنا جعلوها دالة على معنى باطلٍ غيرِ لائقٍ بالله ولامُرادٍ لله. هل نحنُ نوافقهم على أن التشبيه باطلٌ؟نعم نوافقهم ؛لكن لانوافقهم على أن التشبيه هو ظاهر النصوص.هذا هو الفرق بيننا وبينهم.
المتن

الثاني: أنه صرف لكلام الله تعالى وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم عن ظاهره، والله - تعالى - خاطب الناس بلسان عربي مبين، ليعقلوا الكلام ويفهموه على ما يقتضيه هذا اللسان العربي، والنبي صلى الله عليه وسلم خاطبهم بأفصح لسان البشر؛ فوجب حمل كلام الله ورسوله على ظاهره المفهوم بذلك اللسان العربي؛ غير أنه يجب أن يصان عن التكييف والتمثيل في حق الله - عز وجل.
الثالث: أن صرف كلام الله ورسوله عن ظاهره إلى معنى يخالفه، قول على الله بلا علم وهو محرم ؛ لقوله - تعالى – "قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْأِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ" الأعراف 33. ولقوله - سبحانه "وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً"الإسراء 36.فالصارف لكلام الله - تعالى - ورسوله عن ظاهره إلى معنى يخالفه قد قفا ما ليس له به علم. وقال على الله ما لا يعلم من وجهين:الأول: أنه زعم أنه ليس المراد بكلام الله - تعالى - ورسوله كذا، مع أنه ظاهر الكلام.الثاني: أنه زعم أن المراد به كذا لمعنى آخر لا يدل عليه ظاهر الكلام.وإذا كان من المعلوم أن تعيين أحد المعنيين المتساويين في الاحتمال قول بلا علم؛ فما ظنك بتعيين المعنى المرجوح المخالف لظاهر الكلام؟!
الشرح

واضح الآن ولا ماهو واضح؟الصارفُ لكلامِ اللهِ ورسولهِ عن ظاهره؛قال على الله ما لايعلم من وجهين:
الوجه الأول:أنه قال إنه ليس المراد كذا مع أن هذا هو ظاهرُ الكلام.
الوجه الثاني:أنه قال المُرادُ كذا مع أنه خلافُ ظاهرِ الكلام فيكون قائلاً على الله بلاعلمٍ في نفي ما أرادَ اللهُ وإثبات مالم يُرد. مثال ذلك"ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ "ظاهر الكلام"استوى" بمعنى علا على العرش ؛علواً خاصاً يليقُ بالله.قال هذا الصارفُمعنى"استوى"استولى.فهنا نفى ماأرادَ اللهُ من العلو.قال:إن اللهَ لم يردْ العُلو.فنقول:أين لك العلم بهذا؟فأنت الآن مُطالبٌ بالدليل على مانفيتَ والدليلُ على ماأثبتَ ؛فإن لم تُثبت دليلاً في ذلك فقد قلتَ على اللهِ بلاعلمٍ.ثم قال:وإذا كان من المعلوم أن تعيين أحد المعنيين المتساويينفي الاحتمال قولٌ على اللهِ بلاعلم فما ظنُكَ بتعيين المعنى المرجوح المُخالفُ لظاهرالكلام؛ يصيرُ أولى ولاغيرأولى؟ أقول:إذا جاءنا نصٌ فيه احتمالان متساويان يعني يحتمل أن المرادَ كذا أوأن المرادَ كذا؛هل تُعَيِّنُ أحدَ الاحتمالين بدون دليل أو لأ؟ ماتعينه إلابدليل.مثال ذلك اختلف العلماء في"القَرء"في قوله تعالى:"والمُطلقاتُ يتربصن بأنفسهن ثلاثة َقُرُوءٍ"بعضهم قال:القرء هو الحيض وبعضهم قال القرء هوالطهر كدة ولالأ؟واللفظ من حيث المعنى اللغوي محتملٌ لهما؛إذا قلتالمرادُ به الحيض؛ قلنا هات الدليل.إذا قلت المرادُ به الطهر ؛قلنا هات الدليل.فإن لم تأتِ بدليل كان تعينُكَ أحد الاحتمالين؛قولاً بلاعلمٍ.أقول:إذا كانتعيينك أحدَ الاحتمالين المتساويين في الكلام إذا كان قولاً بلاعلم ؛فإن تعيينَ المرجوحِ يكونُ أبعدَ من العلم ؛ويكون أولى بأن يكون قولاً على اللهِ بلاعلمٍ.وهؤلاء المحرفون للكلمِ عن مواضعه من أهل التأويل ؛صرفوا الكلام عن ظاهره إلى معنىً يُخالفُ الظاهر.فنقول:نطلبُمنكم الآن أو نطالبكم بالدليل على مانفيتُم من المعنى المتبادر الظاهر؛ وعلى ماأثبتم من المعنى المرجوح.أظن واضح إن شاء الله.
المتن

مثال ذلك: قوله - تعالى - لإبليس "مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَي" ص:75. فإذا صرف الكلام عن ظاهره، وقال: لم يرد باليدين اليدين الحقيقيتين وإنما أراد كذا وكذا. قلنا له: ما دليلك على ما نفيت؟! وما دليلك على ما أثبت؟! فإن أتى بدليل - وأنى له ذلك - وإلا كان قائلاً على الله بلا علم في نفيه وإثباته.

أم أبي التراب
09-25-2018, 04:07 AM
الوجه الرابع: في إبطال مذهب أهل التعطيل: أن صرف نصوص الصفات عن ظاهرها مخالف لما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وسلف الأمة وأئمتها، فيكون باطلاً، لأن الحق بلا ريب فيما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وسلف الأمة وأئمتها.
الوجه الخامس: أن يقال للمعطل:
هل أنت أعلم بالله من نفسه؟ فسيقول: لا.
وإن قال:نعم كفر؛ صح ولا لأ؟.
ثم يقال له: هل ما أخبر الله به عن نفسه صدق وحق؟ فسيقول: نعم.
فإن قال لأ؛ كفر؛ لأنه كذَّبَ اللهَ.
ثم يقال له: هل تعلم كلامًا أفصح وأبين من كلام الله - تعالى؟ فسيقول: لا.
ثم يقال له: هل تظن أن الله - سبحانه وتعالى - أراد أن يعمِّيَ الحق على الخلق في هذه النصوص ليستخرجوه بعقولهم؟ فسيقول: لا.
نعم كلُ هذا يُقربه.
لو قال:إنَّ اللهَ أرادَ أن يُعَمِّي الحق :كفرلأن اللهَ يقول: "يُريدُ اللهُ ليُبيِّنَ لكم" ويقول:" يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ أَن تَضِلُّواْ ".
هذا ما يقال له باعتبار ما جاء في القرآن.

أما باعتبار ما جاء في السنة فيقال له:
هل أنت أعلم بالله من رسوله صلى الله عليه وسلم؟ فسيقول: لا.
ثم يقال له: هل ما أخبر به رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الحق صدق وحق؟ فسيقول: نعم.
ثم يقال له: هل تعلم أن أحدًا من الناس أفصح كلامًا، وأبين من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فسيقول لا ؛ثم يقال له هل تعلم أن أحدًا من الناس أنصح لعباد الله من رسول الله ؟ فسيقول : لا
فيقال له: إذا كنت تقر بذلك فلماذا لا يكون عندك الإقدام والشجاعة في إثبات ما أثبته الله - تعالى - لنفسه، وأثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم على حقيقته وظاهره اللائق بالله؟ وكيف يكون عندك الإقدام والشجاعة في نفي حقيقته تلك، وصرفه إلى معنى يخالف ظاهره بغير علم؟
الشرح

صحيح ؛أيهما أولى أن يكون عنده شجاعة في إثبات ذلك على حقيقته ؛أم يكون عنده شجاعة فى نفي حقيقته؟الأول هو الأولى بالشجاعة ؛ومع هذا جَبُنوا عن الأول وتعدَّوا في الثاني.
المتن
وماذا يضيرك إذا أثبت لله - تعالى - ما أثبته لنفسه في كتابه، أو سنة نبيه على الوجه اللائق به، فأخذت بما جاء في الكتاب والسنة إثباتاً ونفيًا؟
أليس هذا أسلم لك وأقوم لجوابك إذا سئلت يوم القيامة"مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ"القصص :65.
أوليس صرفك لهذه النصوص عن ظاهرها، وتعيين معنى آخر مخاطرة منك؟! فلعل المراد يكون - على تقدير جواز صرفها - غير ما صرفتها إليه.
الوجه السادس في إبطال مذهب أهل التعطيل: أنه يلزم عليه لوازم باطلة؛ وبطلان اللازم يدل على بطلان الملزوم.
فمن هذه اللوازم:
أولاً: أن أهل التعطيل لم يصرفوا نصوص الصفات عن ظاهرها إلا حيث اعتقدوا أنه مستلزم أو موهم لتشبيه الله - تعالى - بخلقه، وتشبيه الله - تعالى - بخلقه كفر؛ لأنه تكذيب لقوله – تعالى"لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ"الشورى 11. قال نُعيم بن حماد الخزاعي أحد مشايخ البخاري - رحمهما الله :" من شبه الله بخلقه فقد كفر ومن جحد ما وصف الله به نفسه فقد كفر، وليس ما وصف الله به نفسه ولا رسوله تشبيهًا". أهـ.
ومن المعلوم أن من أبطل الباطل أن يجعلَ ظاهر كلام الله تعالى وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم ؛تشبيهًا وكفرًا أو موهمًا لذلك.
ثانيًا: أن كتاب الله - تعالى - الذي أنزله تبيانًا لكل شيء، وهدى للناس، وشفاءً لما في الصدور، ونورًا مبينًا، وفرقانًا بين الحق والباطل لم يبين الله - تعالى - فيه ما يجب على العباد اعتقاده في أسمائه وصفاته، وإنما جعل ذلك موكلاً إلى عقولهم، يثبتون لله ما يشاءون، وينكرون ما لا يريدون. وهذا ظاهر البطلان.
ثالثًا: أن النبي صلى الله عليه وسلم وخلفاءه الراشدين وأصحابه وسلف الأمة وأئمتها، كانوا قاصرين أو مقصرين في معرفة وتبيين ما يجب لله تعالى من الصفات أو يمتنع عليه أو يجوز؛ إذ لم يرد عنهم حرف واحد فيما ذهب إليه أهل التعطيل في صفات الله - تعالى - وسموه تأويلاً.
وحينئذ إما أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم وخلفاؤه الراشدون وسلف الأمة وأئمتها قاصرين لجهلهم بذلك وعجزهم عن معرفته، أو مقصرين لعدم بيانهم للأمة، وكلا الأمرين باطل!!
الشرح

تقدم لنا خمسة َأوجهٍ في إبطال مذهب أهل التعطيل منها:
أولا:أنه جناية على النصوص.
الثاني:أنه صرفٌ للكلام عن ظاهره.
الثالث:أنه قولٌ على الله بلا علمٍ.
الرابع:أن صرفَ النصوصِ عن ظاهرها مُخالفٌ لطريقة السلف.
الخامس:أن يُقال للمعطل هل أنتَ أعلمُ من باللهِ من نفسه؟
السادس:أن أهل التعطيل يُقالُ لهم"إنه يلزمُ عليه لوازم باطلة.القولُ بالتعطيل يلزمُ عليه لوازم باطلة. ماهي هذه اللوازم؟
أهل التعطيل إنما عطلوا وأنكروا ظاهرة هذه الصفات لأنهم اعتقدوا أن ظاهرها التمثيل ولم تتسع قلوبُهم وتصوراتهم للجمع بين إثبات الحقيقة ونفي التمثيل. مثلًا لما أثبت الله-سبحانه وتعالى لنفسه اليدين ماذا فهموا من اليدين؟ فهموا أنهما يدان مماثلتان لأيدي المخلوقين هذا الذي فهموا.لما فهموا هذا الفهم ذهبوا يُعطلونهما وقالوا ليس المراد باليدين اليدين الحقيقيتين.لماذا ياجماعة؟ قالوا: لأن اليدين الحقيقيتين يستلزمان التمثيل.
طيب ماهو الظاهر من القرآن والسُنة في إثبات اليدين؟ أنهما حقيقيتان أو لا؟ حقيقيتان. نقول:على قولكم يلزم أن يكون ظاهر الكتاب والسُنة كفرًا ؛لأن تمثيلَ اللهِ بخلقهِ كُفرٌ.ولهذا يقول:
أن أهل التعطيل لم يصرفوا نصوص الصفات عن ظاهرها إلاحيثُ اعتقدوا أنه مستلزمٌ أوموهمٌ بتشبيه الله-سبحانه وتعالى-بخلقه ؛وتشبيهُ اللهِ بخلقه كفرٌ ؛لأنه تكذيبٌ لقول الله تعالى"لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ" قال:قال نُعَيم الحماد الخزاعي أحد ُمشايخ البخاري-رحمهم الله-"مَنْ شبَّهَ اللهَ بخلقه فقد كفر ومَنْ جحد ماوصفَ اللهُ به نفسه فقد كفر"وليس ماوصف الله به نفسه ولا رسوله تشبيهًا.ومن المعلوم أن مِن أبطل الباطلِ أن يُجعل ظاهر كلام الله تعالى وكلام رسوله تشبيهاً وكفرًا أو موهمًا لذلك أظن واضح. نعود مرة ثانية: لماذا أنكر أهلُ التعطيل حقيقة َماوصف اللهُ به نفسه وحرَّفوه؟لاعتقادهم أن إثباته يستلزم التمثيل ؛ونحنُ عدلنا عن التشبيه إلى التمثيل.يقول:لوأثبتَ للهِ يداً حقيقية ؛أثبتَ له مثيلاً واضح؟.نقول:على كلامك الآن زعمتَ أن ظاهر الكتاب والسُنة هوالكُفر ؛لأن تمثيل الله بخلقه كفرٌ؛وأيُّ قولٍ أفسد من قولٍ يستلزمُ أن يكونَ ظاهرُ الكتابِ والسُنة كفرًا؟ ليس هناك قولٌ أشدُّ من هذا القولِ بُطلانًا.
اللازم الثاني الباطل أنَّ كتاب الله الذي أنزله تبيانًا لكل شيءٍ وهدىً للناسِ وشفاءً لما في الصدور ونورًا مُبيناً وفرقانًا بين الحق والباطل لم يُبيِّن له فيه مايجب على العباد اعتقاده في أسماء الله وصفاته ؛إنما جُعل ذلك موكولاً إلى عقولهم يثبتون لله مايشاءون ويُنكرون ما لا يُريدون؟وهذا هو ظاهر البطلان. المعطلة الآن يُنكرون حقائق الأسماء والصفات ويقولون المراد باليد القوة.ماالذي دلك على هذا؟قال دلني على ذلك العقل.المراد بالاستواء إيش؟الاستيلاء.ماالذي دلك على ذلك؟ قال العقلوهكذا.نقول إذًا هذا الكتاب العظيم الذي أنزله الله تعالى تِبياناً لكل شيء وشفاءً لما في الصدور ليس هوالطريق إلى معرفة الله-سبحانه وتعالى-بأسمائه وصفاته؟وإيش الطريق؟العقل!!وهذا من أكبرالقذف في القرآن والسُنة ألا نجعل القرآن والسنة هما المرجع بل نجعلُ ماتقتضيه العقول بل نجعل عقولنا القاصرة هيالمرجع!!. وهذا لازمٌ باطلٌ ولا صحيح؟هذا لازمٌ باطلٌ.
الثالث: أن النبي-صلى الله عليه وسلم-وخلفائه الراشدين وأصحابه وسلف الأمة وأئمتها كانوا قاصرين أو مُقصرين في معرفة وتبيين مايجب لله تعالى من الصفات أو يمتنع عليه أو يجوز؟إذ لم يرد عنهم حرفٌ واحدٌ فيما ذهب إليه أهلُ التعطيل في صفات الله تعالى وسمَّوه تأويلًا. وهذا لازمٌ باطلٌ أيضًا ؛لأنك إذا قلتَ:إنَّ الحقَ فيما قاله أهلُ التعطيل من تحريفِ النصوص وسمَّوه تأويلاً فإنه يُقال لك:هل سلكَ هذاالطريق رسول الله-صلى الله عليه وسلم-؟ سلكه الخلفاء ؟لا. الصحابة؟ لأ. أئمة المسلمين بعدهم؟لأ . إذن يلزم على كلامك أن ماكان النبي-صلى اللهعليه وسلم عليه وأصحابه والخلفاءِ الراشدون كان باطلا؟! وخطأ وأن الصواب معك؟ هذا لاشك لازمٌ باطلٌ لأنه يلزم منه تخطئة الرسول-صلى الله عليه وسلم-وأصحابه وخلفائه الراشدين وأئمة المسلمين من بعده!! فهم الآن إما قاصرون لايعرفون الحق وإما مُقصرون لم يُبيِّنوا الحق لأنهم كانوا عالمين به وكتموه فهم مقصرون وإن كانوا جاهلين فهم قاصرون ،وحينئذٍ إما أن يكون النبي-صلى الله عليه وآله وسلم-وخلفاؤه الراشدون وسلف الأمة وأئمتها قاصرين لجهلهم بذلك وعجزهم عن معرفته أو مقصرين لعدم بيانه للأمة.وكلا الأمرين باطلٌ وإذا بَطل اللازم بطلَ الملزوم.

أم أبي التراب
09-25-2018, 06:53 AM
المتن


رابعًا: أن كلام الله ورسوله ليس مرجعًا للناس فيما يعتقدونه في ربهم وإلاههم الذي معرفتهم به من أهم ما جاءت به الشرائع بل هو زبدة الرسالات، وإنما المرجع تلك العقول المضطربة المتناقضة وما خالفها، فسبيله التكذيب إن وجدوا إلى ذلك سبيلاً، أو التحريف الذي يسمونه تأويلاً، إن لم يتمكنوا من تكذيبه.
خامسًا: أنه يلزم منه جواز نفي ما أثبته الله ورسوله، فيقال في قوله - تعالى "وَجَاءَ رَبُّكَ"الفجر 22.إنه لا يجيء،وفي قوله صلى الله عليه وسلم: "ينزل ربنا إلى السماء الدنيا" إنه لا ينزل لأن إسناد المجيء والنزول إلى الله مجاز عندهم، وأظهر علامات المجاز عند القائلين به صحة نفيه، ونفي ما أثبته الله ورسوله من أبطل الباطل، ولا يمكن الانفكاك عنه بتأويله إلى أمره؛ لأنه ليس في السياق ما يدل عليه.
ثم إن من أهل التعطيل من طرد قاعدته في جميع الصفات، أو تعدى إلى الأسماء - أيضًا - ومنهم من تناقض فأثبت بعض الصفات دون بعض، كالأشعرية والماتْريدية: أثبتوا ما أثبتوه بحجة أن العقل يدل عليه، ونفوا ما نفوه بحجة أن العقل ينفيه أو لا يدل عليه.
فنقول لهم: نفيكم لما نفيتموه بحجة أن العقل لا يدل عليه يمكن إثباته بالطريق العقلي الذي أثبتم به ما أثبتموه كما هو ثابت بالدليل السمعي.
مثال ذلك: أنهم أثبتوا صفة الإرادة، ونفوا صفة الرحمة.
أثبتوا صفة الإرادة لدلالة السمع والعقل عليها.
أما السمع: فمنه قوله تعالى"وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ"البقرة253.
وأما العقل: فإن اختلاف المخلوقات وتخصيص بعضها بما يختص به من ذات أو وصف دليل على الإرادة.
ونفوا الرحمة؛ لأنها تستلزم لين الراحم ورقته للمرحوم، وهذا محال في حق الله تعالى.
وأولوا الأدلة السمعية المثبتة للرحمة إلى الفعل أو إرادة الفعل ففسروا الرحيم بالمنعم أو مريد الإنعام.


المتن

رابعًا-أن كلام الله ورسوله-صلى الله عليه وسلم-ليس مرجعًا للناس فيما يعتقدونه في ربهم وإلِههم الذي معرفتهم به من أهم ما جاءت به الشرائع بل هو زبدة الرسالات وإنما المرجع تلك العقول المضطربة المتناقضة وما خالفها فسبيله التكذيب إن وجدوا إلى ذلك سبيلاً أو التحريف الذي يُسمونه تأويلاً إن لم يتمكنوا من تكذيبه!!.
الشرح

هذا أيضًا اللازم الرابع
أن نقول:إن كلام الله-سبحانه وتعالى-وكلام رسوله ليس مرجعًا للناس في معرفة مايجب لله أو يجوزأو يمتنع أليس كذلك؟يقول:لاترجع للقرآن ولا للسُنة ولا لكلام الصحابة فيما يجب لله تعالى من صفاتِ الكمال وفيما يمتنعُ عليه من صفاتِ النقص وفيما يجوز عليه من الصفات التي تكون كمالاً عند وجود سببها!! لاحظوا هذا التقسيم: شيءٌ واجبٌ وشيءٌ ممتنِعٌ وشيءٌ جائزٌ. الواجب:هوالذي يكون صفة كمال على كلِ حالٍ. الممتنع:هوالذي يكون صفة نقص على كل حال. والجائز:هوالذي يكونُ له سببٌ ليَكْمُلُ عند وجود سببه؛ مثل الضحك والغضب والفرح والنزول وماأشبه ذلك.هذه من الأشياء الجائزة غير الواجبة. نقول:إنك إذا قلتَ بقول أهلِ التعطيلِ جعلتَ المرجعَ هوالعقل.هذه العقول التي زعمت أنها هي المرجع.أىُّ عقلٍ تزنُ به ذلك؟ أيُّ عقلٍ؟ولنفرض أنه قال عقل فلان.نقول: أيهما أعلمُ هذا الرجل الذي قلتَ إنههوالمرجع أو الرسول عليه الصلاة والسلام؟ إذا قال:هذاالرجلُ أعلمُ من الرسول صلى الله عليه وسلم-كفر؛ وإذا قال:الرسول.قلنا:إذن يجب أن ترجع إلىماقاله الرسول لاإلى العقل الذي زعمت الآن أنه مفضولٌ ومرجوحٌ أيضاً.نقول:هذه العقول مضطربة متناقضة ؛تجد هؤلاء العقلاء الذين يدَّعون أنهم عقلاء يقولون هذا:هذا واجبٌ لله- عزوجل-وآخرون يقولون هذا ممتنعٌ في حق الله وفريقٌ ثالثٌ يقول هذا جائزٌ.بل يقول شيخ الإسلام-رحمه الله-:إن هؤلاء الذين يدَّعون أنهمُ العقلاء تجد الواحد منهم يوجب هذا الشيء لله وفي كتاب آخر يقول هذا ممتنعٌ في حق الله.فإذا كانهذا الاضطراب في هذه العقول فكيف يُمكن أن تكون هي المرجع للناس فيما يجب عليهم معرفته في ذاتِ الله-عزوجل-؟
الذي يُخالف العقل عند هؤلاء إذا كان يُمكنهم تكذيبه قالوا: هذا كذبٌ ولهذا لايعتدُّون بأخبارالآحاد في باب الصفات ؛لايعتدون إلا بالمتواتر.كلُ أخبار الآحاد عندهم ليست حُجة فيما يتعلق بصفات الله,فإن عجزوا عن تكذيبه ورده كالقرآن مثلا ؛ذهبوا إيش؟يُحرفونه مايقدروا يقولون:إن قوله تعالى: "الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى"ماثَبُت مايستطيع أن يقول ذلك لأنه ثابتٌ.إذن يلجَؤون إلى التحريف الذي هو صرف الكلام عن ظاهره.وعلى هذا نقول:إنكم إذا رجعتم إلى العقول وتركتم المنقول؛ فأنتم أخطاتم في ذلك لأن العقول متناقضة مضطربة؛ وأما الأدلة من الكتاب والسُنة فإنها متفقة وليس فيها أيُّ اختلافٍ .بل إن الرجوع إلى العقل ؛إبطالٌ لدلالة العقل.كيف ذلك؟ لأن العقل لايمكنه إدراك مايجب ويجوز ويمتنع على الله-عزوجل-على سبيل التفصيل ؛فكان العقل يقتضي أن نرجع إلى النقل؛ فتقديم العقل على النقل كفرٌ بالعقل وبالنقل.لو كان هناك رجلٌ غائبٌ ؛تستطيع أن تصف هذا الغائب؟ ماتستطيع على سبيل الدقة ؛وإن كان يُمكن أن تصفه على سبيل الإجمال لأنك تُشاهد نظيره؛ لكن لاتستطيع أن تصفه على سبيل الدقة.إذن فالعقلُ يقتضي أن المرجع في ذلك إلى النقل هذا العقل. فإذا قلتَ:بل أرجع إلى العقل فقد كفرت بالعقل وبالنقل.

أم أبي التراب
09-25-2018, 07:00 AM
المتن


الوجه الخامس-أنه يلزم منه جواز نفي ماأثبته الله ورسوله.فيُقال في قوله تعالى:"وجاء ربُكَ":إنه لايَجئ وفي قوله-صلى الله عليه وسلم-:"ينزل ربُنا إلى السماء الدنيا" إنه لاينزلُ لأن إسنادَ المجئ والنزول إلى الله تعالى مجازٌ عندهم.وأظهرُ علاماتِ المجازعند القائلين به صِحِة ُنفيهِ.ونفي ماأثبته الله ورسوله من أبطل الباطل ولايُمكن الانفكاك عنه بتأويله إلى أمره لأنه ليس في السياق مايدل عليه.
الشرح

انتبه نقول:يلزم على قولكم إنه يجوز أن ننفي لاأن نأوِّل.أن تنفي ماأثبته الله لنفسه مثاله قوله تعالى:"وجاءَربُكَ".هم يقولون جاء أمره؛ أما جاء هو بنفسه فلا.هذا كلامهم.فحينئذٍ يلزم على قولهم صحة وجواز؛ نفي ماأثبته الله؛ وهذا تكذيبٌ في الواقع."ينزل ربُنا إلى السماء الدنيا"يقولون:ينزل أمره أو رحمته.نقول يلزم على قولكم أن تقولوا:إن الله لاينزل وهذا تكذيبٌ للنص.فإذا قالوا:نحن نقول إنه ينزل لكن النزول لأمره لا له.فإنا نقول:لاينفعكم هذا لماذا لاينفعكم؟ لأنه ليس عندكم دليلٌ يدلُ على ذلك.ولو كانعندهم دليلٌ لكان هذا تفسيرًا للقرآن.وتفسيرُ القرآن بالمعنى الصحيح جائزٌ.

أم أبي التراب
09-25-2018, 07:09 AM
المتن

يقول المؤلف:ولايمكنهم الانفكاك عنه- أي عن هذا النفي -بتأويله إلى أمره لأنه ليس في السياق مايدل عليه.
الشرح

لوقالوا في قوله-صلىالله عليه وسلم-"يضحكُ اللهُ إلى رجلين يقتل أحدُهما الآخر كلاهما يدخل الجنة"يقول: يضحك بمعنى يُثيب وليس المراد به الضحك الحقيقي. نقول:إذن نفيتُم الضحك ؛ونفي ماأثبته الله لنفسه تكذيبٌ له ؛والتكذيب بالنصوص كفرٌ.فإذا قالوا نحنُ مانفينا الضحك لكن قلناالمراد بالضحك كذا.ماذا نقول لهم؟ نقول:ماالدليل؟فلايمكن انفكاكهم عن النفي بالتأويل أبداً؛ لأن التأويل يحتاج إلى دليل.ثم إن من أهل التعطيل من طرد قاعدته في جميع الصفات أو تعدى إلى الأسماء أيضًا؛ومنهم من تناقض فأثبت بعض الصفات دون بعض؛
هذه الجملة نستفاد منها أن أهل التعطيل انقسموا إلى ثلاثةأقسام: قسم أنكرالأسماء والصفات. وقسم أنكرالصفات دون الأسماء. وقسم ثالث أنكروا بعض الصفات وأثبتوا الأسماء وبعض الصفات. فالذين أنكروا الأسماء والصفات هم غُلاة الجهمية.قالوا: لايجوز أن نُثبت لله اسمًا ولاصفة ً.والوارد في القرآن والسُنة؟ قالوا هذه أسماء لبعض مخلوقاته وليست أسماءً لله؛ وإنما تسمى بها على سبيل المجاز.
والذين قالوا نُثبت الأسماء دون الصفات قالوا:إن اللهَ سميعٌ بلاسمع,بصيرٌ بلابصر إلى آخره.إذن كيف تقولون:سميعٌ بلاسمع بصيرٌ بلابصر؟قالوا:نعم لأن البصرصفة ونحنُ ننكرالصفات؛ ويجعلون هذه الأسماء أعلامًا مجردة فقط ؛كما تضع اسم خالد لولدك.وهل له صفة الخُلد؟لأ.يقولون هكذا أسماءُ الله تُذكر لكنها أعلامٌ مجردة لمجرد العلمية فقط وليست أسماءً تدلُ على معاني.وأعجبُ من ذلك أن بعضهم يقول:إن السميع والعليم والبصيرشيءٌ واحدٌ يُسمى به الله كما تقول:بُر وقمحوحب.يقولون هذه الأسماء كلها شيءٌ واحدٌ.وهذا أيضًا يُخالف المعقول والمنقول.كيف تقول السميع هوالعليم والعليم هوالرحيم والرحيم هوالعزيز وهكذا؟هذا ممتنِعٌ وهؤلاء هم المعتزلة.
المعتزلة يقولون:إننا نؤمن بالأسماء وننكر الصفات. أما القسم الثالث:آمنوا بالأسماء وآمنوا بالصفاتلكن لابكل الصفات بل ببعضها.وهؤلاء هم الأشعرية والماتُريدية نسبة ًإلى أبي الحسن الأشعري وأبي منصور الماتُريدي. أبوالحسن الأشعري-رحمه الله-قد كان له في حياته ثلاثة مذاهب:المذهب الأول:مذهب المعتزلة وبقي على هذا المذهب نحو أربعين سنة.
المذهب الثاني:مذهب الأشاعرة الذي بين مذهب السلف ومذهب المعتزلة وهوالذي بقى عليه أصحابه المنتسبون إليه. والثالث:مذهب أهل السُنة الذي التزم فيه مذهب الإمام أحمد-رحمه الله-.فالأشعرية في الواقع لاتصح نسبتهم إلى إبي الحسن الآن بعد أن ثبت رجوعه عما كان عليه.هؤلاء يقولون:نثبت الأسماء ونُثبت بعض الصفات والباقي لانثبته ولهذا يقول:أثبتوا ماأثبتوه بحجة أن العقل يدلُ عليه ونفوا مانفوه بحجة أن العقل ينفيه أو لايدلُ عليهِ ؛لأنهم يقولون: مادلَّ العقلُ على ثبوته أثبتناه ومادلَّ على نفيه نفيناه ومالا يدل على نفيه ولاإثباته نتوقفُ فيه؛ وأكثرهم يقولون ننفيه فنقول لهم:نفيكم لما نفيتموه بحجة أن العقل لايدل عليه؛ يُمكن إثباته بالطريق العقلي الذي أثبتم بهما أثبتموه كما هو ثابتٌ بالدليل السمعي.على كل حال الرد عليهم أكثر مما ذُكر في القواعد هنا لأننا نقول: أولاً:اعتمادكم على العقل في إثبات مايجب إثباته ونفي مايُنفى عنه باطلٌ وغيرُ صحيحٍ لأنه مُخالفٌ لما كانعليه النبي-صلى الله عليه وسلم-وأصحابه.
ثانيًا:ولأن ذلك من أمورالغيب التي لاتدركها العقول. ثالثًا:ولأن العقول التي زعمتم الرجوعَ إليها متناقضة مختلفة.
رابعًا:ولأن الرجوع إليها يستلزم إبطال ما دلَّ عليه السمع. فكل هذه الأمورتدل على أن الرجوعَ إلى العقل في باب صفات الله باطلٌ.نعيدها مرة ثانية وإن كانت غير موجودة بالقواعد لكنها مهمة. أولاً:أن الرجوع إلى العقل باطلٌ لأن الرسول-صلى الله عليه وسلم-وسلف الأمة لم يرجعوا إليه"العقل".ثانيًا:أن العقول متناقضة مضطربة لايمكن الرجوع إليها لأن تناقض الأدلة يدل على فسادهاوبطلانها.ولأنها إذا كانت متناقضة مضطربة فإلى أيِّ شيءٍ نرجع؟إلى عقل فلان أو إلى عقل فلان؟ماندري.ثالثًا:أن الرجوع إلى العقل يستلزم رد مادلَّ عليه السمع من صفات الله-عزوجل-وهذا لاشك أنه باطلٌ لأن كلَ شيءٍ يستلزم رد ماجاء به الشرع فإنه باطلٌ بلاشك.
رابعًا:أنما وصف اللهُ به نفسه من أمورالغيب ولايُمكن للعقول إدراكُ ذلك فحينئذٍ أبطلنا أصل دليلهم.أبطلنا أصل دليلهم من كام وجه؟ من وجوهٍ أربعة:
الثاني:أن تقول لهم:هب أن العقل لايدل على مانفيتم لكنه ثبت بدليل السمع لأن انتفاءَ الدليلِ المُعَيَّنِ لايستلزم انتفاء المدلول.واضح ولالأ؟ طيب نقول:هب أن العقل لايدل على مانفيتم,هب أن العقل لايدل على ثبوت الضحك والفرح والرحمة وماأشبهُ ذلك لكن؛ السمعُ دلَّ عليه فوجب إثباته بدليل السمع.وانتفاء الدليل المُعيَّن الذي هو العقل كما قالوا لايستلزم انتفاء المدلول الذي هو الضحك والفرح وماأشبهُ ذلك. لماذا؟ لأن المدلول قد يكون له أكثر من دليل ؛وهذا واضحٌ في الأمر المعقول والأمر المشهود بالحِس. إذا قدَّرنا أن هذاالطريق الذي يوصل إلى مكة الآن مسدودٌ ؛هل معناه يمتنع الوصول إلى مكة؟لأ لماذا؟يمكن من طريق آخر. لو قال قائلٌ:إن الإجماع لايدل على أن لحم الإبل ينقض الوضوء؛ فلاينقض الوضوءَ به لأن الإجماع لايدل عليه. إيش؟ نقول ثبت بدليلٍ آخر وهو السمع"السُنة".لو قال لك قائلٌ:إن القرآن لايدل على وجوب سجود السهو لمن تركَ واجباً فنقول:جاء بدليل السُنة.
والمهم أن هذه القاعدة مفيدة وهوأن انتفاء الدليل المُعيَّن لايستلزم انتفاء المدلول.لماذا؟لأنه قد يكون له دليلٌ آخر يَثبتُ به. فنقول لهؤلاء:سلمنا أن العقل لايدل على مانفيتم لكنه يدل عليه السمعُ فوجب إثباته بدليل السمع.
خامساً:نقول بل يمكن أن يكون العقل قد دلَّ على مانفيتم؛ وقولكم إن العقلَ لايدلُ عليه غيرُ مقبولٍ. مثالُ ذلك هم يقولون:إن العقل يدل على أن الله لايتصفُ بالرحمة.قالوا:لأن الرحمة َلينٌ وعطفٌ ورقة ٌوهذا لا يُناسب مقام الربوبية.أو إرادة الإحسان أما أن يكون له رحمة هذا لايمكن.لماذا؟ قالوا:لأن العقل يدلعلى عدم ثبوتها.فنقولُ لهم- أولاً:إذا لم يدل العقل على ثبوتها العقل فقد دلَّ عليها السمعُ ؛ونقول ثانيًا بل قد دلَّ عليها العقل.كيف دَلالة ُالعقلِ عليها؟نقول نحنُ الآن نتقلبُ في نِعمِ الله من الصحةِ والرزقِ والسمع والبصر والعلم والمال والولدِ والأهل والأمنِ وغيرِ ذلك ممالايُحصى.هذه النِعم إيش تدل عليه؟ على الرحمة.إذن نثبت صفة الرحمة بالعقل.قال اللهُ تعالى: "فانظرإلى آثار رحمةِ اللهِ كيف يُحي الأرضَ بعد موتها" الروم 50 -فحينئذٍ يكونُ العقلُ دالاً على ثبوت صفة الرحمة ؛ والسمع.

المتن

فنقول لهم نفيكم لما نفيتموه بحجة أن العقل لايدلُ عليه يمكن إثباته بالطريق العقلي الذي أثبتم به ما أثبتموه كما هو ثابتٌ بالدليل السمعي.
الشرح
مثال ذلك أنهم أثبتوا صفة الإرادة ونفوا صفة الرحمة. أثبتوا صفة الإرادة لدلالة السمع والعقل عليها. أما السمع فمنه قوله تعالى:"ولكنَّ اللهَ يفعلُ مايُريدُ".أما العقل فإن اختلافَ المخلوقاتِ وتخصيصَ بعضها بما يختصُ به من ذاتٍ أووصفٍ دليلٌ على الإرادة.صح ؟ التخصيص يدل على الإرادة.تغييرالأشياء يدل على الإرادة ؛الشمس والقمر والسماء والأرض والجمل والبقرة وماأشبهُ ذلك ؛هذا التنوع يدل على الإرادة إرادَ اللهُ أن يكون هذا جملاً فصار جملاً,هذه بقرة صارت بقرة وهذه سماء فصارت سماءً وهكذا يدل علىالإرادة.
ونفوا الرحمة قالوالأنها تستلزمُ لينَ الراحم ورقته للمرحوم. وهذا مُحالٌ في حقِ الله تعالى وأوَّلوا الأدلة َالسمعية َالمُثبِتة للرحمةِ إلى الفعل أو إرادة الفعل ففسروا"الرحيم"بالمُنعِم أو مُريد الإنعام.
المتن


فنقول لهم: الرحمة ثابتة لله تعالى بالأدلة السمعية، وأدلة ثبوتها أكثر عدداً وتنوعاً من أدلة الإرادة. فقد وردت بالاسم مثل: "الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ"والصفة مثل"وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ"والفعل مثل"وَيَرْحَمُ مَنْ يَشَاءُ".
ويمكن إثباتها بالعقل فإن النعم التي تترى على العباد من كل وجه، والنقم التي تدفع عنهم في كل حين دالة على ثبوت الرحمة لله - عز وجل - ودلالتها على ذلك أبين وأجلى من دلالة التخصيص على الإرادة، لظهور ذلك للخاصة والعامة، بخلاف دلالة التخصيص على الإرادة، فإنه لا يظهر إلا لأفراد من الناس.
وأما نفيها بحجة أنها تستلزم اللين والرقة؛ فجوابه: أن هذه الحجة لو كانت مستقيمة لأمكن نفي الإرادة بمثلها فيقال: الإرادة ميل المريد إلى ما يرجو به حصول منفعة أو دفع مضرة، وهذا يستلزم الحاجة، والله تعالى منزه عن ذلك.
فإن أجيب: بأن هذه إرادة المخلوق أمكن الجواب بمثله في الرحمة بأن الرحمة المستلزمة للنقص هي رحمة المخلوق.
وبهذا تبين بطلان مذهب أهل التعطيل سواء كانت تعطيلاً عامًا أو خاصاً.وبه علم أن طريق الأشاعرة والماتريدية في أسماء وصفاته وما احتجوا به لذلك لا تندفع به شبه المعتزلة والجهمية وذلك من وجهين:
الشرح

كنا بصدد الرد على أهل التعطيل الذين اعتمدوا في إثبات الصفات ونفيها على العقل وبيَّنا أن هذا خطأ من عدة وجوهٍ ثم رددنا عليهم بأن نقول:أولاً:اعتمادكم على العقل اعتمادٌ باطلٌ لأنها طريقة لم يكن عليها السلف.ثانيًا:ولأنها طريقة متناقضة فإن أصحابَ العقولِ كُلُ واحدٍ منهم يدَّعي أن العقل يوجب هذا الشيء والآخريقول العقل يمنعه على طرفي نقيض والأخر يقول إن العقلَ يُجوزُهُُ إذن إلى أيِّ عقلٍ نرجع؟كما قال الإمامُ مالك-رحمه الله-: ياليتَ شِعري بأيِّ عقلٍ يوُزنُ عليه الكتابُ والسُنة ُحتى نقول هذا دلَّ عليهِ العقلُ وهذا لم يدلْ عليه العقل.
ثالثًا:أن اعتماد هذه الطريقة يستلزم رد ماجاءت به النصوص من صفات الله ولاشك أنَّ ردَ ماجاءت به النصوص من صفات الله باطلٌ وما استلزم الباطل فهوَ باطلٌ. رابعًا:نقول لهم:إذا قلتم مثلاً إن هذه الصفة لايدل عليها العقل قلنا لكم:إن انتفاءَ الدليلِ المُعينِّ لايستلزم انتفاء المدلول.فإذا قلتَ:إن العقل لم يدل عليها فقد دلَّ عليها السمع فوجبَ إثباتها.ولهذا إذا قال قائلٌ:إن الوضوءَ من لحم الإبل لاينتقِض لأن الإجماع لايدلعليه؟ماذانقولُ له؟ نقول له:لكن دلَّ عليه السمع فوجب القولُ به.
خامسًا:نقول:إن العقلَ دلَّ على مانفيتموه.يعني أنه يُمكن أن تستدل بعقل على مانفيتموه بالعقل كيف ذلك؟ نقول:مثلاً الرحمة ادَّعوا أن العقلَ لايدلُ عليها بل ادعوا أن العقل يدلُ على أن الله لايوصَفُ بها.ليش؟ قالوا:لأن الرحمة َلينٌ وعطفٌ ورقة ٌوهذا لايُناسب مقام الربوبية ومقام السلطان فيجب أن يُنفى.ماذا نقولُ لهم؟ نقول:أولاً إن الرحمة َواللين والعطف وماأشبه ذلك هل هي صفاتُ كمالٍ ولاصفات نقصٍ؟ هي في موضعها صفاتُ كمالٍ.قال اللهُ تعالى:"فبما رحمةٍ من اللهِ لِنتَ لهم ولو كُنتَ فظاً غليظَ القلبِ لانفضوا من حولك".وإذا كانت في غيرِموضعها فلاشك أنها صفة ُنقصٍ.الرب-عزوجل-إذا قلناإن الرحمة َتستلزم ماذكرتم في المخلوق فإنه لايلزم أن تستلزمه في الخالق فيكونُ لهُ رحمة ًتخصه؛ ولذلك لو كان مَلِكاً ذا سُلطانٍ قويٍ وقدرةٍ تامةٍ فقَدِمَ إليه رجلٌ ضعيفٌفرَحِمَهُ ورق له وعفا عنه؛ هل نقول:إن هذه صفة ُنقصٍ في هذا السلطان؟لأ؛ بل نقول هذه صفة ُكمالٍ ودليلٌ على كمالِ سُلطانهِ؛ حيثُ كان يُنزلُ الأشياءَمنازلها ويُعاملها بما تقتضيه حالُها. ونقول:أوَّلواالأدلة السمعية.وأما العقل فإن اختلاف المخلوقات وتخصيص بعضها بما يختصُ به من ذاتٍ أو وصفٍ دليلٌ على الإرادة ونفوا الرحمة قالوا لأنها تستلزمُ لين الراحم ورقته للمرحوم وهذا مُحالٌ في حق الله.
وأولوا الأدلة َالسمعية َالمُثبتة َللرحمة إلى الفعل أوإرادة الفعل ففسروا الرحيم بالمنعم أو مريد الإحسان . فنقول لهم:الرحمة ثابتة ٌلله تعالى بالأدلةِ السمعيةِ ولالأ؟ فيه أدلة ٌسمعية ٌتدل على صفة الرحمة؟نعم أدَّلُها"بسم الله الرحمن الرحيم" وأدلة ثبوتها أكثرُ عدداً وتنوعًا من أدلة الإرادة صح؟ يعني لو أحصيت صفة الرحمة الواردة في القرآن الكريم وصفة الإرادة؛ لوجدت أن صفة الرحمة أكثر بكثير من صفة الإرادة ؛وأيضًا أكثرتنوعًا من صفة الإرادة. الإرادة وردت بصفة الفعل"قل مَنْ ذاالذي يعصِمُكم من الله إنأرادَبكم سوءً أوأرادَ بكم رحمة""ولكنَّ اللهَ يفعلُ مايُريد" ولكن هل جاءت باسم فاعل؟ لأ.جاءت بالمصدر؟لأ. أما الرحمة فقد وردت بالاسم مثل"الرحمن الرحيم"هذااسمٌ ووردت بالصفة"وربُكَ الغفورُ ذوالرحمةِ"ووردت بالفعل "ويرحَمُ مَنْ يشاء"فصارت أكثر تنوعاً من صفة الإرادة. ويُمكن إثباتها بالعقل:- فإن النعم التي تترى على العباد من كل وجهه والنِقم التي تُصرف عنهم في كل حينٍ ؛دالة ٌعلى ثبوت الرحمة لله عزوجل ودلالتهاعلى ذلك أبيَّنُ وأجلى من دلالةالتخصيص على الإرادة لظهور ذلك للخاصة والعامة بخلاف دلالة التخصيص على الإرادة ؛فإنه لايظهر إلا لأفرادٍ من الناس. الآن لو سألتَ عامياً ؛هل اللهُ تعالى يُريد؟لقال:نعم اللهُ يُريد.بأيِّ شيءٍ تُثبتتُ الإرادة َمن الناحية العقلية؟إيش يقول؟ يقول لأن اللهَ يُريدُ في القرآن.تقوله:هات دليل عقلي؟ هوما يعرف إلا هذا.لكن لوتأتي إلى عامي وتقول هل اللهُ يرحم؟ سيقول:نعم طيب وايش الدليل؟هات لي دليل عقلي أوحسي على الرحمة؟طيب ماتشوف هاالنِعَم.الآن اللهُ يُنزلُ الغيث ويُنبتُ النبات ويُجلب الأرزاق إيش دليلُ على هذا؟على الرحمة.إذن دلالة العقل على ثبوت صفة الرحمة لله أبينُ وأجلى من دلالته على ثبوت الإرادة لله.وهذا لايمكن أن يُنكره إلامُكابرٌ والمكابر لافائدة َمن مناظرته؛ لكن الإنسان غير المكابر لابد أن يقر ويعترف بثبوت الرحمة لله وأن العقلَ دالٌ على ذلك. طيب اندفاعُ النِقم؟لو أن رجلاً أصيبَ بحادثٍ :صَدم أو انقلاب وسَلِمَ من هذا الحادث سيتحدث ويقول حصل حادثٌ عظيمٌ ولكن من رحمة الله أننا سَلِمنا أو نجونا.هل سيقول هكذا؟ نعم.إذن استدل باندفاع النقم على رحمة الله تعالى. أما نفيها ؛أي الرحمة بحجة أنها تستلزم اللين والرقة فجوابه: أن هذه الحجة لوكانت مستقيمة؛ انتبه لكلمة لوكانت مستقيمة لأمكن نفيُ الإرادة بمثلها أي بمثل هذه الحجة. فيُقال:الإرادة:ميلُ المريد إلى ما يرجو به حصول منفعة أو دفع مضرة وهذا يستلزم الحاجة واللهُ تعالى مُنزَّهٌ عن ذلك. إذا قالوا:إن الرحمة َتستلزمُ الرقة َواللين وماأشبهَ ذلك. أولاً:نسأل هل هذه الصفات ممتنعة على الله-عزوجل-؟ ليس مُستلزمًا أن يكون الله-عزوجل-لينًا ورقيقًا لمن يستحق الرحمة.ولامانع. وعلى فرض أن ذلك ممتنعٌ فإننا نقول: يلزمكم في الإرادة مثل مايلزمكم في الرحمة. الإرادة أن يميل الإنسان إلى شيءٍ ؛وإيش يرجو منه؟ حصول منفعة أودفع مضرة.لايمكن أن يريد الإنسان شيئاً لايرجو منفعته ولادفع مضرته إلا رجلا ليس له عقل. إذن إذا أثبتم الإرادة لَزِمَ من إثباتها أن يكون اللهُ-عزوجل-يميلُ إلى مايرجو منفعته أو دفع مضرته والله-عزوجل-لا ينتفعُ بشيءٍ أو لايحتاجُ إلى انتفاعٍ بشيءٍ ولاتلحقه المضرة حتى يحتاج إلى مايدفع الضررعنه فما يلزمه في الرحمة يلزمه في الإرادة.فإن أجابوا بأن هذه إرادة المخلوق أمكن الجواب بمثله في الرحمة لأن الرحمة المُستلزمة للنقص هي رحمة المخلوق.هنا قلنا الرحمة المستلزمة للنقص ولم نقل الرحمة المستلزمة للين والرقة لأنه كما أشرنا آنفاً قد نُسلِّم بأن اللين والرقة في مو ضعهما من صفات الكمال؛ وحينئذٍ لايمتنعان على الله- عزوجل- فنقول لهم:إن الرحمة المستلزمة للنقص وليكن النقص كما زعمتم اللين والرقة هي رحمة المخلوق؛ أمارحمة ُالخالق فإنها رحمة ٌثابتة ٌله مع كماله-سبحانه وتعالى-. وبهذا تبين بُطلان مذهب أهل التعطيل سواء كان تعطيلًا عامًا أم خاصًا وبه عُلِم أن طريق الأشاعرة والماتُريدية في أسماء الله وصفاته وما احتجوا به لذلك؛ لا تندفعُ به شبه المعتزلة والجهمية.
الغريب أن الأشاعرة يدَّعون أنه لم يَرُدّ أهلَ البدع من الجهمية والمعتزلة ؛ولاأهلَ الكفر من الفلاسفة وغيرهم؛ إلا الأشاعرة.ويقولون:إن السلف لم ينفعوا في الرد على المعتزلة؛ أتدرون لماذا؟ لأنهم يعتقدون أن مذهب السلف هو التفويض.ومعلومٌ أننا إذا قلنا إن مذهب السلف هو التفويض فإن ذلك لايُجدي ولايرد بدع المبتدع؛ لأن المبتدع إيش يقول للمفوض؟يقول:إنك لم تُثبت المعنى حتى تحتج به علىَّ.أنتَ رجلٌ أميٌّ لاتعرف الكتاب إلا أمانيَّ. لأن الأشاعرة يقولون:إن مذهب السلف هو التفويض؛ تسأل السلفي عن قوله تعالى:"ثم استوى على العرش"مامعناها؟ فيقول:لاأدري أفوض معناها إلى الله. تسأل الأشعري عن معناها فيقول:معناها استولى.إذن أيهما أعلم الذي يقول لا أدري أو الذي يقول لها معنى وهو الاستيلاء؟الثاني لاشك أنه أعلمُ.فمن أجل ذلك قالوا:إن السلف لم ينفعوا في الرد على الجهمية والمعتزلة والفلاسفة وغيرهم من أئمةً البدع والكفر وأن الذي ردهم هم الأشاعرة لأنهم قالوا:نحنُ نُثبت المعنى ؛ومعناه الاستيلاء ؛وفرقٌ بين مَنْ يُثبت معنىً ومَنْ كان أميًا لايعرف من الكتاب إلا القراءة َفقط.وهذا قرأناه فيما كُتِبَ وحتى فيما نُشر في الصحف الآن ممن تكلموا عن الأشاعرة ؛قالوا:الأشاعرة من أهل السُنة؛ بل هم الذين نفعوا في دفع البدع ؛أما السلفيون فإنهم لم ينفعوا في رد البدع لأنهم على زعمهم؛ مُفوِّضة يُفوضون المعنى ويقولون:لاندري مامعنى هذه الآيات أو الأحاديث التي في صفات الله-عزوجل-.
المؤلف رد عليهم
المتن

وبه علم أن طريق الأشاعرة والماتريدية في أسماء وصفاته وما احتجوا به لذلك لا تندفع به شبه المعتزلة والجهمية وذلك من وجهين:
أحدهما: أنه طريق مبتدع لم يكن عليه النبي صلى الله عليه وسلم ولا سلف الأمة وأئمتها، والبدعة لا تدفع بالبدعة وإنما تدفع بالسنة.
الشرح

هذه واحدة. وهذه قاعدة مفيدة في الأمور العلمية والأمور العملية. البدعة لايمكن أن ندفعها ببدعةٍ أبداً ؛سواء كانت علمية أو عملية.مثال العِلمية:هنا ؛الأشاعرة قالوا:إن الصفات التي أثبتناها وهي السبع ؛ دلَّ عليها العقل فيجبُ إثباتُها. المعتزلة ماذا يقولون في هذه الصفات؟ لانثبتُها لأن المعتزلة لايثبتون الصفات.
انتهى الشريط الرابع
هنا (http://mnbralda3wa.blogspot.com/2015/12/blog-post.html)

أم أبي التراب
09-25-2018, 06:25 PM
الشريط الخامس- تابع الفصل الثالث-
تابع القاعدة الرابعة
تابع الشرح
المؤلف رد عليهم
المتن

وبه علم أن طريق الأشاعرة والماتريدية في أسماء وصفاته وما احتجوا به لذلك لا تندفع به شبه المعتزلة والجهمية وذلك من وجهين:أحدهما: أنه طريق مبتدع لم يكن عليه النبي صلى الله عليه وسلم ولا سلف الأمة وأئمتها، والبدعة لا تدفع بالبدعة وإنما تدفع بالسنة.
الشرح

هذه واحدة.
وهذه قاعدة مفيدة في الأمور العلمية والأمور العملية. البدعة لايمكن أن ندفعها ببدعةٍ أبدًا ؛سواء كانت علمية أو عملية.مثال العلمية:هنا ؛الأشاعرة قالوا:إن الصفات التي أثبتناها وهي السبع ؛ دلَّ عليها العقل فيجب إثباتُها. المعتزلة ماذايقولون في هذه الصفات؟ لانثبتها لأن المعتزلة لايثبتون الصفات.
الأشاعرة نفوا مانفوا من الصفات بحجة أن العقل لم يُثبتها فقالوا:إذن نحنُ أهلُ العقولِ نَردُّ على المُعتزلة ونرد على الحشوية والمُشَبِهة. كما يزعمون. أما السلفيون فإننا لانردُّ عليهم ليش؟ لأن السلفيين عندهم لايُثبتون معنىً ؛ورجلٌ يقول:أنا لاأعمل إلاقراءة القرآن والسُنة فقط ولا أتكلم في المعنى.مَن يرد عليه؟ هل أحدٌ يرد عليه؟ أبدًا وإيش يقول؟ قال:أنا أقرأ القرآن وأقرأ السُنة بس ولا أدري إيش المعنى؟ ولهذا هم يقولون نحنُ لانرد على السلفيين؛ لكن نرد على الحشوية والمُشبهة.وكل مَنْ أثبت الصفات فهو عندهم حشوي ٌ مُشَبِهٌ.نقول لهم:إن البدعة لا تُردُّ بالبدعةِ وطريقتكم هذه مبتدعة لأنكم تقولون:نثبتُ صفاتٍ ولانُثبتُ صفاتٍ أخرى.وسبق بيان أنها طريقة ٌمبتدعة ٌلاتنفع. في العمليات أيضًا لايجوزأن ندفع البدعة ببدعةٍ.في يوم عاشوراء الرافضة يجعلونه يومَ حُزنٍ ولا لا؟ ويحزنون وأظنهم لايفتحون المتاجر.فيه ناس من أهل الخير قابلوهم؛ جعلوا يومَ عاشوراء يومَ فرحٍ وسرورٍ؛ يجعلون فيه احتفالاتٍ ويُزينون عيالهم ويعطوهم الهدايا ويتزاورون؛ وهذا موجودُ؛ وكان موجودًا حتى عندنا يوجد شيءٌ منه في يوم عاشوراء ؛أدركنا الناسَ بعضُهم إذا كان يوم عاشوراء اشتروا اللحم وطبخوا الجريش ووزعوا منه وقالوا هذا يومُ عيدٍ ويُظهرون الفرح.نقول هذه بدعة؛ قالوا: لأننا نُريد أن نُراغم الرافضة.نقول لاتُراغموهم ببدعة وإنما يُراغمون ببيان أن ماهم عليه باطل ٌ؛وأما أن نبتدع فهذا لايجوز.أرأيت لو أن رجلاً ؛وفعلاً الذين ابتدعوا الاحتفال بمولد الرسول-صلى الله عليه وسلم- وإظهار الفرح به ؛هل يجوز لنا أن نُراغمهم بإظهار الحزن تلك الليلة؟ لايجوز.فالمهم أن البدع لايمكن أن تُقتلع بالبدع أبدًا.
المتن

الثاني: أن المعتزلة والجهمية يمكنهم أن يحتجوا لما نفوه على الأشاعرة والماتريدية بمثل ما احتج به الأشاعرة والماتريدية لما نفوه على أهل السنة، فيقولون: لقد أبحتم لأنفسكم نفي ما نفيتم من الصفات بما زعمتموه دليلاً عقليًّا وأولتم دليله السمعي، فلماذا تحرمون علينا نفي ما نفيناه بما نراه دليلاً عقليًّا، ونأول دليله السمعي، فلنا عقول كما أن لكم عقولاً، فإن كانت عقولنا خاطئة فكيف كانت عقولكم صائبة، وإن كانت عقولكم صائبة فكيف كانت عقولنا خاطئة، وليس لكم حجة في الإنكار علينا سوى مجرد التحكم واتباع الهوى.
* وهذه حجة دامغة وإلزام صحيح من الجهمية والمعتزلة للأشعرية والماتريدية، ولا مدفع لذلك ولا محيص عنه إلا بالرجوع لمذهب السلف الذين يطردون هذا الباب، ويثبتون لله تعالى من الأسماء والصفات ما أثبته لنفسه في كتابه أو على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم إثباتًا لا تمثيل فيه ولا تكييف، وتنزيهًا لا تعطيل فيه ولا تحريف، "وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْنُورٍ".*
*الشرح
طيب إذًا المعتزلة والجهمية يقولون:نحنُ ننكر الصفات مثل ما أنكرتم أيها الأشاعرة جميع الصفات ماعدا السبع.ونقول:إن عقولنا تدل على عدم ثبوت هذه الصفات؛ كما أنكم أنكرتم الصفات ماعدا السبع ؛وقلتم لأهل السُنة:إن عقولنا تمنع ثبوت هذه الصفات؛ فإما أن تُوافقونا فتنكروا جميع الصفات بما فيها السبع؛ وإما أن تُوافقوا أهل السنة ؛ فتثبتوا جميع الصفات .ولهذا كان الأشاعرة خصومًا للجهمية والمعتزلة؛ وخصومًا لأهل السُنة
كلُ واحدٍ منهم يُلزمُهُ بما يناقض قوله.فأهل السُنة يقولون:إما أن تمشوا على طريق الصواب فيما نفيتم وإما أن تنفوا ما أثبتم وكذلك المعتزلة والجهمية واللهُ أعلم.

وكلُ ممثلٍ مُعطِلٌ كلمة ٌأول ماتسمعها تظن أن هذا من باب التناقض.كلُ معطلٍ ممثلٌ.المُعطل يُكفر الممثل كلُ ممثلٍ فهومعطلٌ أيضًا الممثل يُكفرالمعطل.كيف تقول:إن المعطلَ مُتَصِفٌ بالتمثيل والممثل مُتصفٌ بالتعطيل؟ انتبه.

أم أبي التراب
09-25-2018, 08:46 PM
المتن

"تنبيه" عُلم مما سبق أن كل معطل ممثل، وكل ممثل معطل.
أما تعطيل المعطل فظاهر، وأما تمثيله فلأنه إنما عطل لاعتقاده أن إثبات الصفات يستلزم التشبيه فمثل أولاً، وعطل ثانيًا، كما أنه بتعطيله مثله بالناقص.
الشرح

واضح الآن؟ إذن وجه تمثيله أن هذا المُعطل فهم من نصوص الصفات أنها دالة ٌعلى التمثيل.ففهم من مثل قوله تعالى:"لِمَا خلقتُ بيديَ"أن إثبات اليد معناه التمثيل فذهب يُعطلها ويقول المُرادُ باليد القدرةُ أوالنعمة ُفصار تعطيله مبنيًّا على أي شيء؟ مبنيًّا على التمثيل.مَثَّلَ أولًا ؛وعطل ثانيًا.ثم نقول:إنكَ مُعطلٌ من وجهٍ آخر إذا كنتَ تعتقدُ أن إثبات الصفات يستلزم التمثيل فقد عطلت اللهَ من كماله الواجب ولا لأ؟ لأن أي إنسانٍ يعتقد أن صفات الله تعالى مماثلة لصفات المخلوق فهو معطلٌ للهِ عن كماله الواجب واضح الآن.هذا الرجل المعطل نقول:إنك ممثلٌ من وجهين:
الوجه الأول: أنكَ إنما عطلت بِناءً على أن النصوص تستلزم التمثيل.
الوجه الثاني:أنت إذا عطلت اللهَ عن كماله الواجب مثلته بالناقص فتكون ممثلًا من وجهين.هذا المعطل. طيب الممثل كيف كان معطلاً؟
المتن

وأما تمثيل الممثل فظاهر، وأما تعطيله فمن ثلاثة أوجه:
الأول: أنه عطل نفس النص الذي أثبت به الصفة، حيث جعله دالًّا على التمثيل مع أنه لا دلالة فيه عليه وإنما يدل على صفة تليق بالله عز وجل
.الشرح


طيب نأخذ مثلاً للممثل.قال الممثل في قوله تعالى:"ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ"استوى كاستوائنا على السرير نقول:أنت الآن ممثلٌ وأنت في نفس الوقت معطلٌ.كيف معطلٌ؟نقول:هل النص دل على ما ذكرتَ من التمثيل؟لأ مادل لأن لدينا أدلة كثيرة تدلُ على نفي مماثلةِ الله للخلق. إذًا عطلتَ النص عن مدلولهِ لأن دلالة النصِ على صفات الله-عزوجل-إنما تكون على صفاتٍ لا تُماثل صفات المخلوقين.فإذا جعلته دالًّا على صفاتٍ تُماثِلُ صفات المخلوقين فقد عطلته عن معناه الحقيقي.
المتن


الثاني: أنه عطل كل نص يدل على نفي مماثلة الله لخلقه.
الشرح

قال تعالى:"لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ".إذا قال هو:إن استواء الله على العرش كاستوائنا على السرير؛هل عطل هذه الآية "لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ "؟ نعم.كيف كان تعطيله إياها؟ لأنها تدلُ على نفيِّ المماثلةِ؛ وهوأثبتَ المماثلة َ.
المتن

. الثالث: أنه عطل الله تعالى عن كماله الواجب حيث مثله بالمخلوق الناقص.
الشرح
وهذا تعطيلٌ ثالثٌ؛ إذا زعمَ أنَّ اللهَ استوى على العرش كاستوائه على السرير؛ فقد عطل الله عن كماله الواجب لأن تشبيهَ الكاملِ بالناقصِ يجعله ناقصًا كما هو معروفٌ. فصار تمثيل المعطل من وجهين:
الوجه الأول:أنه إنما عطل النصوص لاعتقاده أنها تدلُ على التمثيل فَمَثَّلَ أولًا ثم عطل ثانيًا؟
الوجه الثاني:أنه إذا عطل هذه النصوص فقد مَثَّل اللهَ بالناقص لأنه إذا عطله عن الكمال صار ناقصًا فمثَّل اللهَ تعالى بالناقص. تعطيل الممثل:- نقول للممثل:
إنك أولًا عطلتَ النص الذي أثبت به الصفة وزعمته دالًّا على التمثيل لأن النص لايدل على هذا لامن قريب ولامن بعيد.
ثانيًا أنه عطل إيش؟ كلَّ نصٍ يدلُ على نهيِّ التمثيل مثل "لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ","وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ","هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا " إلى آخره.
ثالثًا أنه عطل اللهَ عن كماله الواجب كيف؟ لأنه إذا مثله بالناقص جعله ناقصًا.فصار الآن القاعدة عندنا:
كلُ مُعطلٍ ممثلٌ ؛وكلُ ممثلٍ معطلٌ.فالأول من وجهين؛ والثاني من ثلاثة أوجهِ.
انتهى الفصل الثالث

أم أبي التراب
09-25-2018, 08:59 PM
الفصل الرابع

شُبهات والجوابُ عليها

المتن

اعلم أن بعض أهل التأويل أورد على أهل السنة شبهة في نصوص من الكتاب والسنة في الصفات، ادَّعَى أن أهل السنة صرفوها عن ظاهرها؛ ليُلْزِم أهلَ السنة بالموافقة على التأويل أو المداهنة فيه، وقال:كيف تنكرون علينا تأويل ما أولناه مع ارتكابكم لمثله فيما أولتموه؟
الشرح



هذا فصلٌ مهم. يعني بعض أهل التأويل قالوا لأهل السُنة: إنكم تُنكرون علينا التأويل.فقال أهلُ السُنةِ:نعم نُنكرعليكم هذا. لأنكم تُصرفون النصوص عن ظاهرها.فقال هذا المُؤوِّلُ:أنتم أيضًا صرفتم النصوص عن ظاهرها في عدة مواضع فيلزمكم أحدُ أمرين:
-إما أن توافقونا على ماأولناه فتؤولون جميع النصوص,
-وإماأن تُداهنوا وتسكتوا عنا ونسكت عنكم.واضح ياجماعة؟مثال ذلك ادَّعوا أن أهل السُنة أوَّلوا قول الله تعالى"تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا "وقالوا:إنكم لم تأخذوا بظاهرها لأن ظاهرها عندهم أن السفينة تجري في وسطِ عينِ الله.فيقول هذا هوظاهرالكلام وأهل السُنة يقولون"تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا":أي تجري برؤيتنا بعيننا أي تجري ونحنُ نراها بأعيننا. ويجعلون الباء للمصاحبة وليست للظرفية. أهلُ السُنةِ والجماعة سيجيبون عن هذا.لكني ضربتُ مثلاً لبيان دعوى هؤلاءالمؤولين.طيب أيضًا يقولون:أنتم صرفتم قولَ الله-عزوجل-في الحديث القدسي"فإذا أحببته كنتُ سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يُبصِرُ به ويدَهُ التي يَبطِشُ بها ورجله التي يمشي بها"قالوا:ظاهر الحديث أن الله-عزوجل-يكون هذه الأعضاء سمعه وبصره ويده ورجله وأنتم لاتقولون بهذا.فلماذا أولتم بعض النصوص وتركتم البعض؟نُعيد مرة ًثانيةً يقول:
المتن

اعلم أن بعض أهل التأويل أورد على أهل السنة شبهة في نصوص من الكتاب والسنة في الصفات، أدعى أن أهل السنة صرفوها عن ظاهرها؛ ليلزم أهل السنة بالموافقة على التأويل أو المداهنة فيه، وقال:كيف تنكرون علينا تأويل ما أولناه مع ارتكابكم لمثله فيما أولتموه؟

ونحن نجيب - بعون الله - عن هذه الشبهة بجوابين مجمل، ومفصل.
أما المجمل فيتلخص في شيئين:
أحدهما:أن لا نسلم أن تفسير السلف لها صرف عن ظاهرها، فإن ظاهر الكلام ما يتبادر منه من المعنى، وهو يختلف بحسب السياق، وما يضاف إليه الكلام، فإن الكلمات يختلف معناها بحسب تركيب الكلام، والكلام مركب من كلمات وجمل، يظهر معناها ويتعين بضم بعضها إلى بعض.
الشرح
الجواب الثاني: نقول:هب أن أهل السُنة والجماعة صرفوا بعض النصوص عن ظاهرها لكن بدليلٍ من الكتاب والسُنة إما مُتصلٍ وإما منفصلٍ. أما متصلٌ يكون في نفس الكلام مايدل على وجوب صرفه عن ظاهره وإما منفصلٌ بدليلٍ آخر.فصار الجوابُ لأهل السُنةِ من وجهين:
أولًا-أننا لانسلم أنه صرفٌ للفظ عن ظاهره كيف؟ لأن ظاهر اللفظ مايقتضيه السياق وهو يختلفُ باختلاف الأحوال. ثانيًا سلمنا أنه صرفٌ للفظِ عن ظاهره ولكنه بدليلٍ من الكتابِ والسُنةِ إما مُتصلاً وإما منفصلاً.فإذا كان بدليلٍ من الكتاب والسُنة لم يكن صرفاً له عن ظاهره إلابدليلٍ من القائل والمُتكلم.فإذا قال القائلُ أو المتكلمُ:أنا أريد بكلامي كذا وكذا فلنا الحق في أن نصرف كلامه إلى ماأراده.
الجواب الأول:أننا لانسلم أن هذا هو ظاهرُ اللفظِ مثلاً إذا قال"تجري بأعيُننا":ظاهِرُها أن السفينة في نفس العين. نقول له:لانُسلمُ بهذا لوجود دليل إما متصل أو منفصل المتصل:أن الباء في قوله"بأعيُننا" لاتدل على الظرفية وإنما هي للمصاحبة.
ثانيًا:أن نقول لايُمكن أن تكون السفينة في عين الله وهي موجودة في الأرض.أين صُنعت السفينة؟ في الأرض. أين جرت؟ في الأرض.فكيف تكون في عين الله؟ فهذا دليلُ من اللفظ.وهم يدَّعون أن أهل السُنة أوَّلوا هذه الآية. ويدلك على أن السياق يعين المعنى ؛المثال الذي ذكرناه من قبل في قوله "واسأل القرية" يرادُ بها أهل القرية. لأن توجيه السؤال إلى القرية التي هي المباني مستحيل ؛ ولايُمكن لأبناء يعقوب أن يقولوا لأبيهم اسأل القرية أي الجدران مثلاً هذا مستحيلٌ ؛لكن المراد من قوله تعالى "إنا مُهلِكواأهلَ هذه القرية"شوالمراد بالقرية؟ المباني والأرض ؛ فكلمة القرية جاءت في موضع يراد بها أهل القرية ؛وفي موضع يراد بها المباني والأماكن.
مثال آخر:نقول مثلاً:أنا لي عينٌ موقودة ٌوعينٌ مورودة ٌ؛كلمة ُعين اختلف معناها بحسب السياق.عينٌ موقودة:يعني الذهب لأن من أسماء الذهب العين كما قال الفقهاء في باب العروض:ولايُعتبرُ مااشتريت به من عينٍ أو ورقٍ. ليعينٌ مورودة:المرادُ بالعين الماء.باختلاف السياق صار للعين معنيان بحسب السياق ؛وكذلك القرية لها معنيان بحسب السياق.يعني وهذا طريقٌ جيدٌ في مسألة الردود أن نردها لوجهين الوجه الأول المجمل والوجه الثاني المُفصَّل وفائدة الرد بالمجمل أنه يكون ردًّا على كل نص أوعلى كل إيرادٍ يَرد. المفصل يكون جواباً عن ذلك الشيء المعين؛ أو دليلاً لذلك الشيء المعين إذا كنا نستدل.لكن المجمل يكون إيش عاما لكل ما يَرِدْ فمثلاً إذا قال لك قائلٌ: ماهو الدليل على أن الإنسان إذا قتل صيداً وهو مُحْرمٌ غيرَ مُتعمِدٍ فليس عليه إثمٌ ولاجزاءٌ؟ نقول:عندنا دليلٌ خاص ودليلٌ عام.الدليل الخاص"وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ" فقيَّدَهُ بالمُتعمِد.الدليل العام" وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ"ما اسم موصول عام. فنحنُ في الحقيقة إذا كنا نريد أن نرد على مسألةٍ معينة نأتي بدليلها المعين ولكن ينبغي أن نأتي بالدليل العام لأجل أن يكون الإنسان مستعِدًَّا به لكل ما يَردْ لأن الدليل الخاص تستفيد منه في هذه المسألةِ المُعينةِ فقط ولايمكن أن تستفيدَ منه في غيرها اللهم إلا عن طريق القياس الذي قد يُعارضك فيه الخَصم. لكن العام تستفيد منه أكثر.فكل ما أمكنك أن يكون لك في المسألة دليلان عام وخاص فافعل. وكل ما أمكنك أن يكون لك جواب عن شُبهةٍ تَورَدُ عامٌ وخاصٌ فافعل لأن الخاص ترد به الخصم في هذه المسألة الخاصة؛ والعام ترد به الخصم في كل مسألة يُمكن أن تَرِد عليك.فإن قلتَ:إذا كان لك دليلٌ عام أوجوابٌ عام؛ فلاحاجة َللخاص؟نقول لأ لنا حاجة للخاص لأن الخصم قد يُعارض فيدَّعي أن العموم لا يشمل هذه الصورة.فإذا أتيت بالدليلين العام والخاص ما بقي للخَصمِ أيُّ حجة.

أم أبي التراب
09-25-2018, 11:06 PM
المتن

ولنمثل بالأمثلة التالية فنبدأ بما حكاه أبو حامد الغزالي عن بعض الحنبلية أنه قال:إن أحمد لم يتأوَّل إلا في ثلاثة أشياء: "الحجرُ الأسودُ يمينُ اللهِ فِي الأرضِ".و"قلوبُ العبادِ بينَ إصبعينِ منْ أصابعِ الرحمنِ".و"إني أجدُ نفسَ الرحمنِ من قِبَلِ اليمنِ".
نقله عنه شيخ الإسلام ابن تيميه ص398جـ5 من مجموع الفتاوى. وقال: هذه الحكاية كذب على أحمد.
المثال الأول: "الحجرُ الأسودُ يمينُ اللهِ فِي الأرضِ".
والجواب عنه: أنه حديث باطل، لا يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال ابن الجوزي في العلل المتناهية: هذا حديث لا يصح. وقال ابن العربي:حديث باطل فلا يلتفت إليه، وقال شيخ الإسلام ابن تيمِيَّة: روي عن النبي صلى الله عليه وسلم بإسناد لا يثبت أهـ. وعلى هذا فلا حاجة للخوض في معناه.
-لما قرأ القاريء كلمة "صفحة" قرأها "ص" قال الشيخ العثيمين مصوبًا :إيش صاد؟! صاد أرنبا أوغزالا ؟!ترى هذه الرموز لاتنطق بها بشكل ؛الرمز- ينطق كاملًا- بعض الناس قال النبي صلى الله عليه وسلم يكتب "ص"صاد وبعضهم يكتب "صلعم"لا؛ الرموز تنطق بما جعلت رمزًا لها هذا فى مصطلح الحديث-
الشرح

طيب نبدأ الآن ذكرنا أن أهل التعطيل أوردوا على أهل السُنة والجماعة أمثلة؛ وقالوا:إنكم تأولتموها. وإيرادهم لذلك له غرضان:
الغرض الأول:أن يُلزِموا أهلَ السُّنةِ والجماعةِ بالتأويلِ فيما عداه ؛حيثُ قالوا:إنكم إذ أوَّلتم فى هذه النصوص فأوِّلوا في غيرها.فإن أوَّلتم فيها ولم تُأوِّلوا في غيرها فأنتم مُتحكمون تقولوا هذا نُأول وهذا لانُئول.فهذا تحكُم والتحكم في الأدلة غيرُجائزٍ.فإما أن تُجْرى مَجْرىً واحدًا وإلا فالتناقض.
الأمر الثاني:مما يهدفون إليه وهو أن أهل السُنة والجماعة يُداهنونهم.وإيش معنى يُداهنونهم؟ أي يسكتون عنهم فيقولون:أنتم تأولتم هذه النصوص فاسكتوا عنا لا تُنكروا علينا لأنكم فعلتم مثل فعلنا في هذه النصوص فلا حق لكم في الإنكار علينا.ونحن أجبنا بجوابٍ مُجمَلٍ كما سبق فقلنا: أولاً:رفض أن هذا من باب التأويل.
ثانيًا:أنه لو قُدِّرأنه من باب التأويل فقد دلَّ عليه النص إما دلالة َمتصلة وإما دلالة َمنفصلة.فجوابُنا الآن إما بالمنع أو بالتسليم مع الدليل.إيش هو المنع؟المنع بأن نقول:هذا ليس فيه تأويل لأن اللفظ لايدلُ على سواه؛ والتسليم أن نقول:نعم هذا تأويلٌ ولكن دلَّ عليه الدليل فلا مانع منه ولكن نحنُ نُنكرعليكم التأويل الذي ليس له دليلٌ. ثم أجبنا بجوابٍ مُفصلٍ عن كل مسألةٍ بعينها فبدأنا أولاً:بما حاكاه أبو حامد الغزالي عن بعض الحنبلية أنه قال:إن أحمد لم يتأول إلا في ثلاثةِ أشياءٍ:
الأول:مايُروى عن النبي-صلى الله عليه وسلم-أنه قال:"الحجرُ الأسودُ يمينُ اللهِ في الأرض". والثاني:"قلوبُ العبادِ بين أصبُعينِ من أصابعِ الرحمنِ".
والثالث:"وإني أجدُ نَفَسَ الرحمنِ من قِبَلِ اليمنِ". طيب كيف التأويلُ فيها؟ قالوا:الحجرُ الأسودُ يمينُ اللهِ في الأرض ؛ لايُرادُ به أن هذا هو يدُ الله اليُمنى في الأرض؛ قطعًا هذا لايُراد ولكنه بمنزلةِ يمين الله في كون الإنسان يستلمه.واستلامه إياهُ كأنهُ مُعاهدة بينه وبين ربه -عزوجل- أو تحيةً بالمُصافحة ؛فعُبِّرَعنه بأنه يمينُ.قالوا:هذا تأويلٌ.
الثاني:"قلوبُ العبادِ بين أصبُعين من أصابع الرحمن"وهو المُراد به كمالُ قدرةِ اللهِ تعالى في تصريفِ عباده ؛وليس المرادُ أن القلوب بين أصبُعين من أصابع الرحمن حقيقه
الثالث إني أجدُ نفسَ الرحمن من قِبَلِ اليمن"قالوا:إن الرحمنَ ليس له نفسٌ ولكنَّ المُرادُ بذلك نصرُ اللهِ-عزوجل-فهذا تأويلٌ. ولنسمع أما الأول:فالجواب عنه أنه حديثٌ باطلٌ لايثبت عن النبي-صلى الله عليه وسلم-وحينئذٍ هل يصح إيراده على أهل السُنة؟ لأ ليش؟ يقولون:ماصح عن النبي-صلى الله عليه وسلم-.إذا لم يصح فكيف تُلزمونا بأننا صححناه وأولناه؟ فنحنُ نقول:إن هذاحديثٌ لايصح ولايثبت.قال ابنُ الجوزي في"العلل المتناهية"هذاحديثٌ لايصح وقال ابنُ عربي: حديثٌ باطلٌ فلا يُلتفتُ إليه وقال شيخُ الإسلام ابن تيميَّة:رُويَ عن النبي-صلى الله عليه وسلم-بإسنادٍ لايَثبُت. وعلى هذا فقد كُفِينا إياهُ بعدم ثبوته.وعلى هذا فلا حاجة للخوضِ في معناه لأنه ليس بثابتٍ ؛فضلاً عن أن نضرب له معنى.

أم أبي التراب
09-26-2018, 02:36 AM
المتن

لكن قال شيخ الإسلام ابن تيميه: والمشهور - يعني في هذا الأثر - إنما هو عن ابن عباس قال: "الحجرُ الأسودُ يمينُ اللهِ في الأرضِ، فمن صافحه وقبله، فكأنما صافح الله وقبل يمينه"
الشرح

طيب إذًا إذا كان مرويًّا عن ابن عباس فلايخلو:إما أن يكون مما يمكن الاجتهاد أولأ. فإن كان مما لايُمكنُ الاجتهادُ فيه فهو في حُكم الرفع إلا أن ابن عباس-رضي الله عنهما-ممن عُرفَ عنه الأخذُ عن بني إسرائيل؛ وحينئذٍ لايكون ما أخبرَ به في هذا الباب من باب المرفوع حُكما ؛لاحتمال أن يكون نقله عن بني إسرائيل ؛ وإما إذا كان قاله عن اجتهادٍ فيُقال:هذا اجتهادٌ من ابن عباس وليس حُجة على مَنْ سواه.ومع هذا يقول شيخُ الإسلام ابن تيميَّة:
المتن

ومن تدبر اللفظ المنقول تبين له أنه لا إشكال فيه، فإنه قال: "يمين الله في الأرض" ولم يطلِق فيقولَ: يمين الله. وحكمُ اللفظ المقيد يخالفُ حكمَ المطلق،
الشرح

صح لأنه قال:"يمينُ اللهِ في الأرض"ولوقال"يمينُ اللهِ" وأطلق لكان فيه اشتباه أما لما قال:يمينُ اللهِ في الأرض عُلِمَ أنه ليس يمينه التي هي يده لأن يدَ اللهِ ليست في الأرض وحينئذٍ فلايكون في اللفظ دليلٌ على أنها يمين اللهِ تعالى التي هي يده ؛وإذا قلنا:إنه بمنزلة يمين الله-عزوجل- لم يكن في هذا أيُ محظورٍ.وقال-رحمه الله-:وهذا صريحٌ
المتن

ثم قال: "فمن صافحه وقبَّلَهُ فكأنما صافح اللهَ وقبَّلَ يمينَهُ" وهذا صريح في أن المصافِح لم يصافح يمين الله أصلاً، ولكن شُبِّه بمن يصافح الله، فأول الحديث وآخره يبين أن الحجر ليس من صفات الله تعالى كما هو معلوم لكل عاقل. ا.هـ.ص398جـ6 مجموع الفتاوى.
الشرح

أظن واضح وكلام شيخ الإسلام هذا الأخيرعلى تقدير صحته عن ابن عباس-رضي الله عنهما-أما عن الرسول-صلى الله عليه وسلم-فقد قال:إنه لايثبُت. الخلاصة الآن: الجواب على هذا الحديث أو هذا الأثرمن وجهين:
الوجه الأول:أنه لم يصح وحينئذٍ لاحاجة َللكلام على معناه.
الوجه الثاني:إذا صححناه عن ابن عباس وقلنا إنه من رأيه أومِنْ نقله فإنه مَنْ تدَبَرَهُ تبيَّن أنه لايُراد به قطعًا أن الحجرَ يمينُ اللهِ التي هي يده لأنه قال"يمينُ اللهِ في الأرضِ"فقيدها في الأرض ويمينُ اللهِ التي هي يده لاتكونُ في الأرض . وهناك فرقٌ بين اللفظ المُطلق واللفظ المُقيد.

أم أبي التراب
09-26-2018, 02:43 AM
المتن

المثال الثاني:"قلوب العباد بين إصبعين من أصابع الرحمن".
الشرح

عندنا أصبُع,مُثلثُ الهمزةِ والباءِ ففيه تسعُ لغاتٍ والعاشرةُ اُصبوعٌ كما قيل:
وهمزة َأنْمُلةٍ ثلِّث وثالِثهُ التسعُ في أُصبعٍ واختُم بأُصبوعٍ أُصبوع بضم الهمزة.يقول همزة أنملةٍ ثلث وثالِثة كم هذه؟ الهمزة والثالثة الباء يعني ثَلِث الهمزة والباء كم تكون؟تسع لأنك تضرب ثلاثة في ثلاثة ولاتجمع ثلاثة وثلاثة. وبيانُ ذلك:نأخذ فتح الهمزة كم في الباء؟ثلاثة نأخذ ضم الهمزة كم في الباء؟ثلاث.هذه ست.نأخذ كسر الهمزة كم في الباء؟ ثلاث هذه تِسعٌ. همزُ أنملهِ ثَلِّث وثالثهُ ماثالثه؟ الباء.
أولاً:افتح الهمزة ؛كم يجوز في الباء؟ ثلاثة ُأوجهٍ الفتح والكسر والضم ولا لأ؟ فتقول:أصبَع أصبِع أصبُع. خلصنا من ثلاثة.
ثانيًا:ضُمْ الهمزة كم في الباء؟ ثلاثة أيضًا.فنقول: أُصبَع؛ أُصبُع,أُصبِع.هذه ست بقي علينا .
ثالثًا:اكسر الهمزة وفي الباء ثلاثة أوجهٍ فتقول:إصبَع, إصبُع,إصبِع هذه تسع.اللغة العاشرة:أُصبُوع.تقول:ما أطولَ أُصبُوعَهُ يعني إصْبَعه. نقول:همزة َأنملهِ ثَلِّث وثالِثَهُ ما ثالث أنمله؟الميم.فيه تسع لغاتٍ,افتح الهمزة ففي الميم ثلاثة ُأوجهٍ,اكسر الهمزة في الميم ثلاثة أوجهٍ,ضُم الهمزة في الميم ثلاثة أوجهٍ ؛الجميع تسع.فنقول:أَنمُلة,أنمَله,أنمِله هذا في الفتح. ضَم الهمزة:أُنمُله أُنمَله,أُنمِله.كسر الهمزة: إنمَله ؛إنمُله ؛إنمِله. ولا فيها أُنمول لاقياس في اللغة.ما نحكم على العرب. الظاهر بالنسبة لإصبَع إصبَع أكثر استعمال لها إصبَع, والأنمُلة:الفتح والضم هذا الأكثرعلى كل حال.ماغلط أيُّ واحدٍ يتكلمُ بها على أيِّ وجهٍ ماغلط فيها.
المتن

المثال الثاني:"قلوب العباد بين إصبعين من أصابع الرحمن".
والجواب: أن هذا الحديث صحيح رواه مسلم في الباب الثاني من كتاب القدر عن عبد الله بن عمرو بن العاص أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "إن قلوب بني آدم كلَها بين إصبعين من أصابع الرحمن كقلب واحد يصرفه حيث يشاء"
الشرح

كلها إذا جاءَ مثلُ هذا التقييد جازَ أن تجعل"كل"توكيدًا لما سبق؛ وجازَ أن تجعلها مبتدأ ؛ومابعدها خبرٌ والجملة من المبتدأ والخبر؛خبرُ إن؛ أما إذا جعلناها توكيدًا فهي على حسب المُؤَكَّد ؛وهو منصوبٌ بإن ولكن الخبر الذي بعدها يكون خبرًا لإن.فتقول مثلاً في هذا الحديث "إن قلوبَ بني آدم كلَّها بين أصبُعين"إذا جعلتَ كلها تكون توكيدًا وبين أصبُعين خبرُ إنَّ.ويجوز"إنَّ قلوب بني آدم كُلُها بين أصبُعين" فتكون كلُّها مبتدأ وبين أصبُعين خبر المبتدأ والجملة من المبتدأ والخبر خبرُ إنَّ.

أم أبي التراب
09-26-2018, 02:52 AM
المتن

"إن قلوب بني آدم كلها بين إصبعين من أصابع الرحمن كقلب واحد يصرفه حيث يشاء"ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اللهم مصرف القلوب صرف قلوبنا على طاعتك"
الشرح

إذًا الحديثُ صحيحٌ لكن هل معناه أن الله-سبحانه وتعالى- قد قبضَ القلوبَ بين أصبعيه كما يقبض الإنسان القلم بين أصبعيه؟الجواب:لأ. ولهذا.
المتن

وقد أخذ السلف أهل السنة بظاهر الحديث وقالوا: إن لله تعالى أصابع حقيقة نثبتها له كما أثبتها له رسوله صلى الله عليه وسلم، ولا يلزم من كون قلوب بني آدم بين إصبعين منها أن تكون مماسة لها حتى يقال: إن الحديث موهم للحلول فيجب صرفه عن ظاهره. فهذا السحاب مسخر بين السماء والأرض وهو لا يمس السماء ولا الأرض. ويقال: بدر بين مكة والمدينة مع تباعد ما بينها وبينهما، فقلوب بني آدم كلُها بين إصبعين من أصابع الرحمن حقيقة ولا يلزم من ذلك مماسة ولا حلول.
الشرح


هذا التقديرُ يُفيدُ أنَّ المسألة َتُبحَثُ من وجهين:
الوجه الأول:هل للهِ أصابعٌ؟ أهل التعطيل يقولون:لا ليس للهِ أصابعٌ كما قالوا ليس له يدٌ إنما المُرادُ بالحديثِ معناهُ: قدرة ُاللهِ-عزوجل-على الخلق وأنها كالذي بين أصبَعين من أصابعنا نفعلُ فيه مانشاءُ.

الوجه الثاني:في الحديث قوله:"بين أصبُعين من أصابع الرحمن"هل البينية تقتضي المماسة؟هم يقولون: إنَّ ظاهرها المماسة؛ وعلى هذا فتكون أصابعُ الرحمنِ عز وجل ؛في جوف بني آدم لأن القلب في الجوف.وإذا كانت البينية تقتضي المماسة لَزِمَ أن تكون أصابع الرحمن- جل وعلا-في صدور الناس ولا لأ؟ لأن ما دام القلب من داخل ونقول لابد من أن الأصابع تمسُّ القلب؛ لَزِمَ أن تكون الأصابع داخل القلب فتكون صفة الله تعالى حاله في إيش؟في بني آدم هكذا زعِمَ أهلُ التعطيل أن هذا ظاهرُ الحديث.فقالوا: ظاهرالحديث إثبات الأصابع لله هذا يقتضي التشبيه وظاهره أن الأصابع مماسة للقلب وهذا يقتضي إيش؟ يقتضي الحلول. فإما أن تقولوا بالتشبيه وبالحلول وإما أن تُؤوِّلوا.وإذا أوَّلتم فهذا هو مانُريدهُ ونحتجُ به عليكم. أجبنا الآن قلنا:الأصابعُ نلتزمُ بها ؛ونقول:إن لله تعالى أصابعٌ حقيقية ؛ لكن ننفي عنها المماثلة ؛ولانلتزمُ بما ألزمتمونا به من التشبيه لأنه لايلزمنا.وإذا كنتم أنتم تُثبتون للإنسان أصابعاً ؛وتثبتون وللجُرَد أصابعًا ولا لأ؟ وتُثبتون للطيور أصابعاً هل يلزم من إثبات الأصابع للإنسان أن تكون مُشابهة لأصابع الطير؟ لأ لايلزم إذًا لايلزم من إثبات أصابع للرحمن-عزوجل-أن تكون مشابهة لأصابع بني آدم أبدًا؛فنحنُ نلتزمُ بماذا؟ بثبوت الأصابع ولانلتزم بما ألزمتمونا عُدوانًا واعتداءً بأن هذا يستلزم التمثيل.
ثانيًا : بالنسبة للماسة نحنُ لانلتزمُ ما ألزمتمونا به من أنه لا بينية إلا بالمماسة لانلتزمُ بذلك بل نقول البينية لا تستلزم المماسة ؛ولذلك بل ودليلنا على هذا قولهُ تعالى:"والسحابِ المُسَخَّرِ بين السماءِ والأرضِ"هل يلزم من هذه البينية المماسة؟قطعاً لايلزم ؛مافيه مماسة أصلاً ولامُقاربة,بين السحاب والأرض فرقٌ شاسعٌ ؛وبين السحاب والسماء أكثر وأكثر ؛واللهُ يقول:"بين السماء والأرض". ونقولُ مثلاً بدرٌ بين مكة َوالمدينة هل بدر على حدود مكة وعلى حدود المدينة؟ أبداً بينهما مسافاتٍ فتبيَّنَ بهذا أن البينية لاتقتضي المماسة ؛وحينئذٍ نَسْلمُ مما ادعيتموه علينا من القول بالحلول أو بأن هذاالحديث يدلُ على الحلول.مَن الذي يُقلبها؟ الذي يُقلبها هوالله وإضافة التقليب إلى الله حقيقة مافيه إشكال.الفائدة من هذا أن الرسول-صلى الله عليه وسلم-يُبيِّنُ أن تقليب هذه القلوب يسيرٌعلى الله -عزوجل-كالذي بين أصابع الإنسان أو في راحته أوماأشبهُ ذلك.
سبقَ لنا أن أهل التعطيل ذكروا أمثلة ادَّعوا فيها أن أهلَ السُنة والجماعة أوَّلوها.ادعوا ذلك لأمرين أو لأحد أمرين:
1-إما أن يلتزمَ أهلُ السُنةِ والجماعةِ بتأويل جميع النصوص الواردة في الصفات كهذه النصوص,
2-وإما أن يُداهنوا أهلَ التأويل ويسكتوا عنهم. فيقولون:كما أوَّلتم نؤوِّل نحن.فإما أن تُنكروا التأويل من أصلهِ وإما أن تسكتوا عن تأوِّلنا ونحنُ نسكُت عن تأوِّلِكم. وذكروا أمثلة سبق منها مثالان:
المثال الأول:الحجرُ الأسودُ يَمِينُ اللهِ في الأرض.
المثالُ الثاني:قلوب العباد بين أصبُعين من أصابع الرحمن.

أم أبي التراب
09-26-2018, 03:03 AM
المتن

المثال الثالث: "إني أجد نَفسَ الرحمنِ من قِبَلِ اليمن".
الشرح

قالوا نَفَسَ الرحمن هل تأخذونه على ظاهره وتُثبتون للهِ تعالى نفسًا يأتي من جهة واحدة من قِبَل اليمن لأن هذا هو ظاهرُ الحديث؟ أهلُ السُنةِ والجماعةِ يقولون:لانُثبتُ هذا ؛ولكن ليس هذا ظاهِرُ الحديثِ كما زعمتم.فالآن المُعتركُ بين أهل السُنة وأهل التأويل.أهل التأويل يزعُمون أن ظاهرالحديث أن للهِ إيش؟نفسًا يأتي من قِبل اليمن ومعلومٌ أن النفسَ لايُمكن أن يوصف اللهُ به لأنه إنما يأتي من شيءٍ مجوفٍ يَحتاجُ إلى أن يُفَرَجَ عنه والله-عزوجل- مُنزهٌ عن هذا اللهُ أحدٌ صمدٌ فيقولون:هذا هو ظاهرُ الحديث فإما أن تأخذوا به وإما أن تقولوا إنه غير مُرادٍ وحينئذٍ تكونون قد أوَّلتم ووقعتم فيما تُنكرونه علينا.نشوف الجواب.
المتن

والجواب:أن هذا الحديث رواه الإمام أحمد في المسند:140- من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم "ألا إن الإيمان يمان، والحكمة يمانية، وأجد نفس ربكم من قبل اليمن".
الشرح
فهذه ثلاثة أشياءٍ كلها من قِبل اليمن:
1-الإيمان يمانٌ:قال العلماءُ-رحمهم الله-لأن الإيمان نَبَع من الحجاز ؛والحجازُ من قِبل اليمن لأنه قال الشام واليمن فكل الحجاز يُعتبر من منطقة اليمن.فالإيمانُ يمانٌ لأنه نَبَعَ من اليمن أي من الحجاز.
2-الحِكمة ُيَمَانية ٌ:الحكمة كما مرَّ علينا هي تنزيلُ الأشياء منازلها ؛ فأهلُ اليمن أهلُ حِكمةٍ وتأنٍ في الأمور وتقديرٍ لها وتنزيلٍ لها في منازلها.
3-أجدُ نَفَسَ ربكم من قِبل اليمن"أجدُ نفسَ ربكم" هذا محل المعترك بين أهل السُنة والجماعة وبين أهل التعطيل؛ مامعنى هذا الحديث؟يدَّعِي أهلُ التعطيلِ أنَّ ظاهره أنَّ للهِ نفسًا يأتي من قِبل اليمن وأنَّ اللهَ يتنفس ويأتي نفسه من قِبل اليمن.لكن هذا ليس هوظاهر الحديث لأن كل معنى فاسدٍ لايُمكن أن يكون هوظاهرُ الكتابِ والسُنةِ أبدًا.ومَنْ فهم من الكتاب والسُنة ظاهرًا يُنزَّهُ اللهُ عنه فقد ساء فهمه أو ساءَ قصدهُ ؛وأما مَنْ حَسُنَ قصدُهُ وصحَ فهمُهُ ؛فلن يفهم من نصوص الكتاب والسُنة ما لا يليقُ بالله أبدًا.
المتن

قال في مجمع الزوائد "رجاله رجال الصحيح غير شبيب وهو ثقة".

الشرح
مجمع الزوائد لابن حجر الهيثمي.الصحيح يعني رجال صحيح البخاري أوصحيح مسلم حسب الاصطلاح الذي إذا أطلقه صاحبُ الكتاب فهو يُريدُ به البخاري أو مسلم. على كل حال إذا كان رجاله رجال الصحيح فمعناه أن الحديث من حيث الرجال صحيحٌ ؛لكن لايلزم من كون الرجال رجال الصحيح أن يكون السندُ صحيحًا؛ لأنه ربما يكون هناك انقطاعٌ بين الراوي ومَنْ روى عنه.
فلنفرض مثلاً أن زيدًا وعَمْرًا وبكرًا وخالدًا من رجال الصحيح لكن إذا روى زيدٌ عن عمرو عن بكر عن خالد قد لايكون السندُ متصلاً وإن كان الرجالُ رجالَ الصحيح لكن الغالب أنهم لايقولون هذا إلا لقصد التوثيق بهذا السند لكن لايلزم من هذا أن يكون السندُ صحيحًا ولهذا يجب أن نتحرى في الرجال.إذا قالوا:إن الرجالَ رجالُ الصحيحِ ننظر أولًا:هل هذاصحيحٌ وأنه ينطبقُ عليهم أنهم من رجال الصحيح؟ثم ننظر إلى السند هل متصلٌ لأنه لايلزم من ثقات الرجال اتصالُ السند.

أم أبي التراب
09-26-2018, 03:11 AM
المتن

رجاله رجال الصحيح غير شبيب وهو ثقة". قلت: وكذا قال في التقريب عن شبيب ثقة من الثالثة، وقد روى البخاري نحوه في التاريخ الكبير.
الشرح

التقريب لمَنْ؟ لابن حجر"تقريبُ التهذيب"عبارة عن ذُبدة لما في التهذيب من الحُكم بالتوثيق أو عدمه على الرجال، وقد روى البخاري نحوه في التاريخ الكبير. وهذا الحديث أهلُ السُنةِ والجماعةِ يُجرونَهُ على ظاهره كسائر النصوص؛ لكنهم يُخالفون أهلَ التعطيلِ في معناه. أهلُ التعطيل يزعمون أن ظاهر الحديث أن للهِ نفسًا يأتي من قِبل اليمن؛ ويقولون:هذا الظاهرُ غيرُمرادٍ حتى عندكم معشر أهلِ السُنةِ؛ لكننا نحنُ نقولُ لأ؛ ليس هذا هو ظاهرُ الحديث؛ بل نقول:إن الحديثَ ظاهره ماسنسمعه في المعنى .
المتن
وهذا الحديث على ظاهره والنَّفس فيه اسم مصدر نفس ينفس تنفسيًا، مثل فرج يفرج تفريجًا وفرجًا،
الشرح

التنفيس هذا المصدر؛ واسم المصدر نَفَسًا، عرفتم؟ "نفَّس"له مصدر وله اسمُ مصدر.مصدره تنفيسًا واسم مصدره نفَسٌ وهذا يوجد في الأفعال كثيرًا يكونُ لها مصدر ولها اسمُ مصدر.فكلم يُكَلِمُ المصدرُ تكليمًا ؛واسم المصدر كلام. سَلمَ يُسَلِّمُ تسليمًا ؛واسم المصدر سلام.
نظيرما نحنُ فيه؛ فرَّجَ يُفرِّجُ تفريجًا ؛واسم المصدر فَرَجًا. نَفَسَ يُنفِّسُ تنفيسًا ؛واسم المصدر نفسًا.إذًا نفَسَ بمعنى تنفيس لأن اسم المصدر بمعنى المصدر لكن يُخالفه في الصيغة فقط وإلا المعنى واحدٌ.فكلِمتُهُ تكليمًا وكلمتُهُ كلامًا بمعنى واحدٍ ؛لكن اختلفا في الصيغةِ.نفسَ يُنَفِّسُ تنفيسًا ؛ونفسَ يُنفِسُ نفسًا بمعنى واحدٍ لكن اختلفا في الصيغةِ هذا اسمُ مصدرٍ وهذا مصدر.
المتن

هكذا قال أهل اللغة كما في ؛النهاية"لابن الأثير؛ والقاموس ومقاييس اللغة.
الشرح

؛النهاية"لابن الأثير:قاموس لكنه ليس عامًّا في اللغةِ كلها قاموس لما جاء في ألفاظ الحديث من الغريب.الغريب المعنى الذي يُشكل. فصاحبُ النهاية-رحمه الله- هو ابنُ الأثير جمع الكلمات الغريبة في الأحاديث وفسرها.كذلك"القاموس المحيط" للفيروز آبادي.والغريب أن هذا الرجل فارسي ؛ويجمع قاموس اللغة العربية ؛وهذا من بركة القرآن لأن القرآن كتابُ الله تعالى المُنزَّلُ لجميع الخلق ؛يعتني به جميعُ المسلمين.وإذا اعتنوا به لزمَ من ذلك أن يعلموا اللغة العربية.
المتن

قال "ومقاييس اللغة" لابن فارس.
الشرح

ومقاييس اللغة" لابن فارس ؛مفيد لطالب العلم لأنه يذكُر المادة وجميع مشتقاتها فيقول لك مثلاً:فرَّجَ بمعنى نفَّسَ وأزال الكربة ثم يذكر اشتقاقاتها وهو مفيدٌ ولهذا يُسمى "مقاييس اللغة"وينفعُ الإنسان في معرفة اشتقاقات اللغة؛ وفيه أيضًا فائدة أخرى؛ كثرة ُالشواهد فيه من الشعر العربي.

المتن
قال في مقاييس اللغة: النَّفَس كل شيء يفرج به عن مكروب. فيكون معنى الحديث: أن تنفيس الله - تعالى - عن المؤمنين يكون من أهل اليمن.
الشرح

كل شيء يفرج به عن مكروب فهو نفسٌ إذن بمعنى التنفيس.فيكون معنى الحديث أن تنفيس الله تعالى عن المؤمنين يكون من أهل اليمن وهو كذلك.يقول شيخُ الإسلام ابن تيمية:وهذا هو الواقع فإن الأنصار الذين آووا المهاجرين ونصروهم كانوا من قحطان وقحطان من اليمن.فيكون المعنى أن الفرج للمؤمنين والتنفيس والنُصرة يكون من قِبل أهل اليمن.
المتن

قال شيخ الإسلام ابن تيميه: "وهؤلاء هم الذين قاتلوا أهل الردة، وفتحوا الأمصار، فبهم نفس الرحمن عن المؤمنين الكربات". أهـ. ص398جـ6 مجموع فتاوى شيخ الإسلام لابن قاسم
.الشرح

إذن الحديث ليس فيه تأوّيِلٌ ؛لأن المعنى الذي ادَّعى أهلُ التعطيل أنه ظاهرهُ معنى فاسدٌ ليس هو معناه ولايمكن أن يكون ظاهرُ الكتاب والسُنة معنى باطلاً لايليقُ بالله.والمعنى الذي يليقُ بالله والذي لايُخالفُ الظاهر بل يوافقه هو ما أشرنا إليه أن المراد بالنفس التنفيس والمعنى أن التنفيس عن المؤمنين وتفريج الكربات عنهم ونصرهم يكون من قِبَل اليمن,من أهل اليمن؛ سواءٌ في أول الإسلام كالأنصار الذين تلقوا المهاجرين أو كان فيما بعدُ كالذين قاتلوا أهل الردة.

أم أبي التراب
09-26-2018, 03:27 AM
المتن

المثال الرابع:قوله تعالى: "ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ"سورة البقرة، الآية: 29.
الشرح

قال أهلُ التعطيل:إنكم يا أهل السُنة حرفتم النص لأنظاهر استوى إلى السماء أنه كان في الأرض نازلًا ثم صعِد إلى السماءِ مرتفعًا.وجهُ ذلك أن" إلى" إيش؟ للغاية والغاية لابد أن يكون قبلها"مُغَيَّرٌ" فيكون"استوى إلى السماء" ذِكْرُها بعد خلق الأرض"هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ"فيقولون إن ظاهر الآية أن اللهَ كان في الأرض خلق مافي الأرض ثم إيش؟ استوى إلى السماء فهل أنتم تقولون بهذا الظاهر يا أهل السُنة؟
يقول أهلُ السُنة:لانقولُ بهذا.يقولون:إذًا أوَّلتم النص فنحنُ نقول:إن ظاهره أن اللهَ في الأرض ثم صَعِدَ إلى السماء فإن قلتم به فقد قلتم بالظاهر لكن لاتقولون به وإن لم تقولوا به فقد أوَّلتم ؛وحينئذٍ لاتعيبوا علينا التأويل ولاتُنكروا علينا التأويل لأنكم إذا أنكرتم علينا مانُؤوِّل وأوَّلتم أنتم فهذا تحكمٌ وتناقضٌ كيف تقولون هذا النص يجوز تأوِّيله وهذا النص لايجوز؟ ومَنْ الذي قال لكم هذا؟ طيب نشوف الآن المعنى"اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ"ذكِرَت في موضعين.
1-في سورة البقرة:"هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ "البقرة29.
2-في سورة فصلت قال الله تعالى" قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَاداً ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ *وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِن فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاء لِّلسَّائِلِينَ* ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ" فصلت9-11.فظاهر الآيتين على زعمهم أن اللهَ كان في الأرض ثم صعد إلى السماء ؛ومعلومٌ أن أهلَ السُنةِ والجماعةِ لايقولون بهذا بل يقولون:إن علو الله من صفاته الذاتية التي لم يزل ولايزالُ مُتصفًا بها فلننظر الآن جواب أهل السنة.
الحقيقة أنه كان ينبغي لنا أننا إذا ذكرنا الأمثلة نذكر ما ادَّعاهُ أهلُ التعطيل؛ لكن بِناءً على أن هذا مفهومٌ أهملناه؛ وليتنا لم نهمله لأن الذي يقرأ الكتاب ما يعرف ماذا يقول أهلُ التعطيل في إلزام أهلِ السُنة واضح؟طيب على كل حال بيَّنا الآن ما يدعيه أهلُ التعطيل؛ وإيش يقولون؟ إن ظاهر الآية أن اللهَ كان في الأرض ثم ارتفع إلى السماء؛ هذا هو ظاهرُ الآية. ويتكلمُ اللهُ عن خلق الأرض وتقديرالأقوات فيها ثم استوائه فأنتم لاتقولون بهذا.طيب الجواب؟
المتن

والجواب: أن لأهل السنة في تفسيرها قولين:
أحدهما: أنها بمعنى ارتفع إلى السماء، وهو الذي رجحه ابن جرير، قال في تفسيره بعد أن ذكر الخلاف "وأولى المعاني بقول الله - جل ثناؤه"ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُن". علا عليهن وارتفع، فدبرهُن بقدرته، وخلقهن سبع سموات". أهـ
الشرح

وعلى هذا الرأي تكون"إلى" بمعنى "على"؛"ثم استوى إلى السماء" أي ثم استوى على السماء.وهذا فيه شيءٌ من النظر لأن الاستواء لايُقال إلا على العرش؛ ولكن يمكن أن يُجاب عنه فيُقال "استوى على السماء"هذا علوٌ مطلقٌ وقد بينت النصوص أن المراد به العرش.ابن جرير يقول:علا عليهن فيجعل"إلى"بمعنى"على" أي استوى على السموات أي علا عليها قلتُ الآن وهذا فيه شيءٌ من النظر لأن الاستواء خاصٌ بالعرش لأنه علوٌ خاصٌ غير العلو المُطلق؛ لكن يمكن أن يُجاب عن هذا فيُقال:استوى على السموات أي علا عليهن لكن هو على العرش؛ ومَن علا على العرش فقد علا على السموات لأن العرش فوقها.

المتن

وذكره البغوي في تفسيره: قول ابن عباس وأكثر مفسري السلف. وذلك تمسكًا بظاهر لفظ "اسْتَوَى". وتفويضًا لعلم كيفية هذا الارتفاع إلى الله - عز وجل.
الشرح

يقولون لأن استوى باللغة العربية بمعنى علا وارتفع.وكيف استوى؟مانعرف اللهُ أعلمُ استوى على السماء ؛استواءً يليقُ بجلاله ولانعلمُ كيف هذا؛ كما نقول في الاستواء على العرش
المتن

القول الثاني: إن الاستواء هنا بمعنى القصد التام؛ وإلى هذا القول ذهب ابن كثير في تفسير سورة البقرة، والبغوي في تفسير سورة فُصلت. قال ابن كثير "أي قصد إلى السماء، والاستواء هاهنا ضُمن معنى القصد والإقبال، لأنه عُدي بإلى". وقال البَغوي: "أي عمد إلى خلق السماء".
الشرح

إذن على هذا القول لاإشكال في الآية إذا فسرنا استوى بمعنى قصد ؛وأن المراد بالاستواء هنا القصد التام؛ وقالوا-رحمهم الله-القصد التام لأن أصل الاستواء أصل هذه المادة تدل على الكمال فيُقال استوى الطعام بمعنى كَمُلَ نُضجه ويُقال"ولما بَلغَ أشُدَّهُ واستوى"أي كمل عُقله.فلهذا قالوا القصد التام.يعني القصد إيش؟ القصد الكامل.
وما الذي جعلهم يُفسرونه بالقصد؟ جعلهم يفسرونه بالقصد لأن الحرف الذي عُدِّيَ به يتضمن معنى ذلك"قصدتُ إلى السماء"فلما عُدِّيَ "بإلى" التي يُعدى بها القصد صار استوى ضُمِّنَ معنى القصد.وأخذنا من كلمة استوى التي تدل على الكمال أن هذا القصد تامٌ كاملٌ.
فابنُ كثير-رحمه الله-قال:إن هذا الفعل لما عُدِّيَ بإلى يجب أن نُحولَه إلى تضمين معنى القصد؛ كما في سائر الأفعال التي تُعَدَّى بحرفٍ لايتناسب مع ظاهر لفظها ؛فإنها تُضَمَّنُ معنى ذلك الحرف.
المتن

وهذا القول ليس صرفاً للكلام عن ظاهره، وذلك لأن الفعل "اسْتَوَى" اقترن بحرف يدل على الغاية والانتهاء. فانتقل إلى معنى يناسب الحرف المقترن به، ألا ترى إلى قوله - تعالى – "عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا"الإنسان6. حيث كان معناها يروى بها عباد الله لأن الفعل "يَشْرَبُ" اقترن بالباء فانتقل إلى معنى يناسبها وهو يَروَى، فالفعل يضمن معنى يناسب معنى الحرف المتعلق به ليلتئم الكلام.واضح؟.
.الشرح

نقول:"إلى"للغاية وهذا معناها الأصلي.ابن جرير ومَنْ تبعَه يقولون:إن"إلى"بمعنى على فيجعلون التجوز في الحرف؛ وهذا هو مذهب الكوفيون كما هو معروفٌ.
وابن كثير ومَن تبعه بل البغوي لأن البغوي قبل ابن كثير البغوي ومَنْ تبعه يقول:إن التجوزليس بإلى بل بالفعل؛ فهو مُضَمِّنٌ معنىً يُناسب الحرف الذي هو"إلى"فما هو المعنى المناسب له؟ القصد.يعني أن اللهَ-عزوجل-لما خلق الأرض قصدَ وأرادَ إرادة تامة إلى خلق السماء.ثم ذكرنا مثالاً يتضحُ به المعنى"عينًا يشربُ بها عبادُ الله".كلمة يشرب ماهو الحرف الذي يُناسبها؟"مِنْ" يشرب منها لأن العين لا تكونُ إناءً يُشرَبُ به بل هي موردٌ يُشرَبُ منه.
فيقولون التجوز هنا بالحرف والباء بمعنى مِنْ ويشرب على معناها الأصلي.وهذا مذهب الكوفيين.
البصريون يقولون:لأ التجوز في الفعل ؛والباء على معناها الأصلي بمعنى"مِنْ"؛ لكن كلمة"يشرب"مُضَمَّنة ٌمعنى يَرْوَى"عينًا يشربُ بها عبادُ الله"أي يَرْوَى بها ولا رِيَّ إلا بعد شرب. فيقولون:نحنُ إذا قلنا إن يشرب ضمَّنَ معنى يرْوَى لم نُخالف الظاهر لأنه لاريَّ إلابعد شُربٍ ونجعل الباء على معناها.
"ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ"طبقها على هذا المثال. فإما أن تقول:اسْتَوَى: بمعنى علا وتجعل "إلَى" بمعنى "على"؛ لأن الحرف الذي يُناسب الاستواء بمعنى الارتفاع هو"على"؛ وعلى هذا نقول"ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ" أي على عرشه الذي هو فوق السماء.وإن كان هذا المعنى فيه أيضًا شيءٌ من القلق؛ لأن الآيات الأخرى تدلُ على أنه استوى على العرش بعد خلق السمواتِ والأرض كلها. ولوأننا قلنا: " اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ"وأُريد بها السماء الحقيقية لكان استواء الله تعالى يكون على شيئين:على العرش وعلى السماء؛ وهذا خلاف المعروف عند أهل العلم.على كل حال هم يرون أن"إلى"بمعنى على.
القول الثاني:يقول:إن"إلى" للغاية على معناها الحقيقي كما قال في"يشربُ بها عبادُ الله"أن الباء على المعنى الحقيقي ولكن يشرب ضُمِّنَ يرْوَى ؛هؤلاء قالوا:إلى على المعنى الحقيقي واستوى ضُمِّنَ معنى القصد؛ لكن القصد التام ؛لأنه مأخوذ ٌمن الاستواء وهو الكمال والتمام. والمعنى الذي قاله ابنُ كثير ومَنْ قبله ومَنْ بعده ؛أقربُ إلى الفهم وأبعدُ عن الاشتباه.ولهذا نقول:إنَّ اللهَ-عزوجل-"اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء"أي قصدَ قصدًا تامًا بإرادةٍ تامة إلى السماء فخلقها. "ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ"فصلت11.وفي الآية الأخرى: "....ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ"البقرة29.وعلى المعنيين جميعًا فإننا لم نخرج عن الظاهر، لأننا لو قلنا:إنَّ الظاهرَماذهبَ إليه أهلُ التعطيل من أن اللهَ كان في الأسفل ثم صَعِدَ إلى السماء ،لوقلنا:إن هذا هوالظاهر؛لكان ظاهرُكلامِ الله-عزوجل- معنىً باطلاً لايليقُ بالله؛ وكلُ معنىً باطلٍ فإنه لايمكن أن يكون ظاهرَ النصوص.وبهذا التقرير دفعنا قول هؤلاء المُعطلة:أن أهلَ السُنةِ والجماعةِ يُأولون فى النصوص.
الحمد لله انتهى الشريط الخامس

طالب سأل عما سبق ويوضح له الشيخ أي مكرر لذا تركناه

أم أبي التراب
09-26-2018, 04:40 AM
الشريط السادس

تابع الفصل الرابع :شبهات والجواب عنها



المتن

المثال الخامس، والسادس: قوله - تعالى - في سورة الحديد "وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُم"الحديد 4. وقوله في سورة المجادَِلة: "وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا"المجادَِلة 7.
الشرح

يقول الله تعالى"هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ السَّمَاء وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ"الحديد4
فقال أهلُ التأويل:إن ظاهر الآية؛ أنَّ اللهَ معنا بذاته وأنتم تقولون:إنَّ اللهَ معنا بعلمه فأخرجتم الآية عن ظاهرها وأوَّلتموها ؛وهذا حُجة ٌعليكم لنا في تأويلنا ؛لأنكم قلتم إنه معنا بعلمه لأن معنا بذاته لايمكن أن يكون معنا بذاته حالًّا في الأرض وفي كل مكان نقعُ فيه.كذلك في قوله في سورة المجادلة"أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِن ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ"المجادلة7." قالوا:فقوله"إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا"ظاهره أنه معهم في أمكنتهم؛ وأنتم يا أهل السُنة تقولون أنه معهم بعلمه وليس بذاته؛ فأخرجتم الآية عن ظاهرها.فكيف تُخرجون ماشِئتم من النصوص عن ظاهرهِ؛ ثم تُنكرون علينا ما أخرجناهُ من النصوص عن ظاهره؟وهل هذا إلا صيدٌ منكم.فإما أن توافقونا على ما أوَّلناه وإما أن تسكتوا عنا على الأقل. طيب إذًا وجه كون ذلك مما لبَّسَ به أهلُ التعطيل؛ أنهم يقولون إن ظاهرَ الآيتين أنه معنا بذاته في نفس المكان وأنتم أخرجتموهما عن هذا الظاهر إلى أنه معنا بعلمه وأن الذي معنا علمُهُ لا نَفْسُهُ فهذا إخراجٌ للآية عن ظاهرِها واضح الآن؟ فالجواب:
المتن

والجواب: أن الكلام في هاتين الآيتين حق على حقيقته وظاهره. ولكن ما حقيقته وظاهره؟

الشرح

نقول لهم:نحنُ لم نُخْرجْ الآيتين عن ظاهرهما؛ ولا أخرجناهما عن حقيقتهما ؛ونقول إن الله- سبحانه وتعالى- معنا على مايقتضيه ظاهرُاللفظِ ؛ولكن نختلف معكم في ظاهراللفظ.فأنتم تقولون:إن ظاهره أنه مع خلقه معيةً تقتضي أنه مختلِط بهم وحالٌّ في أمكنتهم.هذه دعوى مَنْ؟ دعوى أهلِ التعطيل؛ يقولون إن ظاهر الآيتين أنَّ اللهَ-سبحانه وتعالى- معنا مختلط ٌبنا حالٌّ في أمكنتنا كما تقول فلان مع فلان؛ أين يكون فلان؟ في نفس المكان.إذن فظاهر الآيتين الكريمتين أنَّ اللهَ معنا في نفس المكان.يقولون هذا هوالظاهر.نحنُ نقولُ لهم:ليس هذاهو الظاهرليس هذا هو ظاهرُ الآيتين أبدًا.ولهذا نقول:
المتن

هل يقال: إن ظاهره وحقيقته أن الله - تعالى - مع خلقه معية تقتضي أن يكون مختلطًا بهم، أو حالًّا في أمكنتهم؟
أو يقال: إن ظاهره وحقيقته أن الله - تعالى - مع خلقه معية تقتضي أن يكون محيطًا بهم: علمًا وقدرة، وسمعًا وبصرًا، وتدبيرًا، وسلطانًا، وغير ذلك من معاني ربوبيته مع علوه على عرشه فوق جميع خلقه؟
الشرح

أيُّ القولينِ يُقال في الآية؟ الثاني قطعًا؛ لأن الله- سبحانه وتعالى-في نفس الآية في سورة الحديد:"وَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ" وأين العرش؟ في العلو فوق كل المخلوقات"يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ "لوقلنا معنا في مكاننا لكان الآية ُيناقض آخرها أولها لأن أولها يقول"اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ"وآخرها يقول "وَهُوَ مَعَكُمْ"فلوقلنا إنه معنا بذاته في الأرض تناقضت الآية وصار آخرها مُناقضًا لأولها". لكننا نقول الآية تدلُ على أن اللهَ معنا وإن كان في السماء مستوى على العرش ولامانع من أن يكون معنا وهو مستوٍ على العرش لأن معية الله-سبحانه وتعالى- ليست كمعية المخلوق للمخلوق بل هي معية ٌتليقُ بجلاله-سبحانه وتعالى - لاتشبه أو لاتُماثل معية المخلوق للمخلوق.كما أن علمَه ليس كعلم المخلوق وقدرَتَه ليست كقدرةِ المخلوق فكذلك معيته ليست كمعيةِ المخلوق فجائز أن يكون معنا حقيقة هو نفسه وهو في السماء ولامانع من ذلك لأن اللهَ مُحيط بكل شيءٍ ولايُمكن أبدًا أن تصفَ اللهَ تعالى أو تظن أن صفات الله كصفات المخلوق.ألم تعلم أن الله يقول لكلِ مُصلٍ إذا قال"الحمدُ للهِ ربِ العالمين"قال:حمدني عبدي وإذا قال"الرحمن الرحيم"قال:أثنى علي عبدي وإذا قال"مالكِ يوم الدين"قال:مجدني عبدي وإذا قال"إياكَ نعبدُ وإياكَ نستعين"قال:هذا بيني وبين عبدي نصفين..إلى آخر الحديث.كم مِن مُصلٍ في العالم يقول هذه الكلمة وصاحبُه يقولها في نفس اللحظة؟ نعم كثير ولنفرض أننا في الحرم المكي كم يُقدر الذين في الحرم ؟يصلون خمسة عشرة ألف ؛ في الحج أو العمرة؟ المهم إذا امتلأ الحرم والأرواق اللي فيه يمكن تبلغ خمسة عشرة ألف كلهم يقولون"الحمدُ للهِ ربِ العالمين"وكلهم يُقالُ لهم:حمدني عبدي.هل يمكن أن يُتصور أن يقع هذا من مخلوق؟ لو كان كل واحد يتكلم كل اللي يُخاطبونا؟ يقدر يكلم اللي يُخاطبونا كلهم في لحظة واحدة؟ مايقدر.فصفات الله-سبحانه وتعالى-لايمكن أن تُقاس بصفات المخلوقين أبدًا.فإذا قلنا:إن اللهَ معنا هو نفسه وهوفي السماء فلا مانع ؛بل هذا هو الواجب وذلك لدلالة الكتاب والسُنة عليه.هذه المعية ما تقتضي أن يكون معنا مُختلِطًا فينا؛ أو حالًّا في أمكنتنا ؛كما يقوله حلولية الجهمية. حلولية الجهمية أخطأوا في فهم الآية حيث ظنوا أنه معنا مختلِطًا بنا حتى أنهم يقولون:إنه مختلط في الإنسان وفي الحمار وفي البهيمة في كل شيء وحالٌّ في أمكنتنا وهذا ولاشكٌ إنه كفرٌ، على كل حال نقول ليس معنى الآية كما زعم هؤلاء أنه مختلط ٌبالخلق وأنه حالٌّ بأمكنتهم بل إنه- سبحانه وتعالى- معهم معية حقيقية تقتضي الإحاطةَ بهم ؛علمًا وقدرة وسمعًا وبصرًا وسلطانًا وغيرَ ذلك. فعلى هذا هل نحنُ أخرجنا الآية عن ظاهرِها؟ أبدًا لم نُخرج الآية عن ظاهرها ولم نتأوَّلها؛ حتى لو قال قائلٌ:إنَّ من السلف من فَسَّرَ المعية َ بالعلم وقال"وهومعهم"أي وهوعالمٌ بهم.وهذا لاشك إخراجٌ لها عن ظاهرها لأن هناك فرقٌ بين قوله: "وهو معهم"وبين قوله:"وهوعالمٌ بهم"فرق كبير ؛لأن المعية أشملُ دلالة من العلم فهي تقتضي العلم والسمع والبصر والقدرة والسلطان والتدبير والتصرف إلى ما لا نهاية َله من معاني الربوبية؛ والعلمُ معنىً خاصٌ. نقول:إذا كان بعضُ السلف فسرها بهذا فقد فسرها ببعض لوازمها.والتفسير باللازم أوبعض اللازم لايمنع من التفسير بدلالة المطابقة؛ لأن أنواع الدلالات كم؟ثلاثة: مطابقة وتضمن والتزام.فهب أنهم فسروها بالعلم فإن ذلك لايقتضي أن يكون إخراجًا لها عن ظاهرها لأن العلم من بعض لوازمها ؛والتفسيرُ باللازم تفسيرٌ بمدلول اللفظ ؛لأن مدلول اللفظ إما أن يكون داخلّا في دلالة التضمن أودلالة المطابقة أودلالة الالتزام.ثم إنهم هم يُخاطبون قومًا يقولون إن اللهَ معنا بذاته مختلِطًا بنا وحالاًّ في أمكنتنا فيريدون أن يُبيِّنوا للناس أن هذا المعنى باطلٌ.وقدأشار إلى ذلك عبدالله ابن المبارك-رحمه الله-حيثُ قال:لا نقول كما تقول الجهمية إنه ها هنا في الأرض.فبيَّنَ أن المرادَ بذلك نفيُ ما ادعوه من كونه معنا في نفس المكان فإن هذا باطلٌ ولايمكن أن يُقره عقلٌ فضلاً عن شرع.فصار احتجاج هؤلاء المعطلة علينا أو أهل التأويل بما فسره بعضُ السلف من"العلم" احتجاجٌ أيضًا باطلٌ حتى لو فسرناها بالعلم وجهُ ذلك أن العلمَ بعضُ اللوازم والتفسيرُ باللازم تفسيرٌ صحيحٌ ؛ولكنه لاينفي التفسير بدلالة المطابقة.وقد صرحَ شيخُ الإسلام ابن تيمية كما سيأتي أظن هنا في العقيدة الواسطية:أنَّ اللهَ-سبحانه وتعالى-معنا حقٌ على حقيقته ؛وأنه لايحتاجُ إلى تحريفٍ ولكن يُصان عن الظنون الكاذبة .

أم أبي التراب
09-26-2018, 04:52 AM
المتن

ولا ريب أن القول الأول لا يقتضيه السياق، ولا يدل عليه بوجه من الوجوه، وذلك لأن المعية هنا أضيفت إلى الله - عز وجل - وهو أعظم وأجل من أن يحيط به شيء من مخلوقاته!

الشرح

صحيح لأنه كيف يُقالُ:إنَّ اللهَ- سبحانه وتعالى- معنا في الأرض واللهُ يقول:" وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ "الزمر67؛ فالذي تكون الأرضُ كلها قبضته يومَ القيامة كيف يمكن ان يكونَ حالًّا في مكانٍ منها؟ هذا ممكن ولا لأ؟مستحيلٌ غاية الاستحالةِ.كلُ السمواتِ السبع والأرضين كلها في كفِ الرحمن كخردلةٍ في كفِّ أحدِنا وهذا أيضًا على سبيل التقريب لاعلى سبيل الحقيقةِ والموازنةِ.شأنُ اللهِ أعظمُ من ذلك كله ولايمكن أن يُحيط َبه أحدٌ- عزوجل-لافي ذاتهِ ولافي صفاته ومهما قدَّرتَ من غايةٍ فإنَّ اللهَ أعظمُ وأجلُّ.
المتن

ولأن المعية في اللغة العربية التي نزل بها القرآن لا تستلزم الاختلاط أو المصاحبة في المكان، وإنما تدلُّ على مطلق مصاحبة، ثم تفسر في كل موضع بحسبه.
الشرح

ولهذا نقول:إنَّ قولهم فيما سبق إنَّ الرجُلَ إذا قال فلانٌ مع فلان اقتضى أن يكون معه في نفس المكان.نقول:هذا الذي قلتم ليس في كل وقتٍ وفي كل استعمالٍ؛ بل يُقال فلانٌ مع فلانٍ وبينهما مسافاتٍ بعيدة ؛ فيُقال فلانة مع زوجها؛ وهو في المشرق وهي في المغرب .ولا لأ؟ لكن مع زوجها يعني أنها لم تُطلق.ويُقالُ مثلاً الدولة الفلانية مع الدول الشيوعية؛ مثل كوبا مع الدول الشيوعية؛ والمكان واحد؟ بل متباعدٌ جدًا. على هذا نقول إنَّ قولَكم إن اللغة العربية تقتضي المعية أن معية الشخص مع الشخص تقتضي اختلاطهما بالمكان ليس بصوابٍ؛ بل المعية في اللغة العربية تدلُّ على مطلق مقارنة أومصاحبة؛ وتختلف في كل موضعٍ بحسبهِ. تارة ً تقتضي اختلاطًا؛ كما لوقلتُ خلطتُ له لبنًا مع ماءٍ؛ فهنا اختلاط ٌبلاشك.صُبَّ الماءَ على اللبن اختلط به ماينفرد بعضه عن بعض.ولهذا يقولُ قائلٌ في ذم قوم نزلَ بهم ضيفًا؛ ما أعطوَه الضيافة َمن أول ماقدم ما أعطوه الضيافة إلا حين أظلمَ الليلُ لأجل ألايرى ما يُقدموه له في الضيافة فقال: حتى إذا جنَّ الظلامُ واختلط جاءوا بمَزْقٍ هل رأيتَ الذئبَ قَط ؛ مَزق:يعني لبن مخلوطٌ بماءٍ.هل رأيتَ الذئبَ قط إيش لونه؟ أشهب ماهو أبيض.هذا لما تكاثر الماءُ عليه صار اللبن مثل لون الذئب.
سبق لنا المثال الخامس والسادس مما قال أهلُ التعطيل:إنَّ أهلَ السُنةِ والجماعةِ خرجوا به عن ظاهراللفظ ،لأن أهلَ التعطيل زعموا أنَّ ظاهرَ المعيةِ أنَّ اللهَ معنا مختلِطًا بنا وفي أمكِنَتِنا.ثم قالوا:تفسيرُكم ذلك بالعلم إخراجٌ لها عن ظاهرها؛ فيكون تأويلاً .نقول:إنّ هذا المعنى الذي ذكرتم أنه ظاهرُ اللفظِ باطلٌ من عدة وجوهٍ.
المتن
وتفسير معية الله - تعالى - لخلقه بما يقتضي الحلول والاختلاط باطل من وجوه:
الأول: أنه مخالف لإجماع السلف، فما فسرها أحد منهم بذلك؛ بل كانوا مجمعين على إنكاره.

الشرح

فإن كان السلف كلهم لم يُفسروا المعية َبما يقتضي الاختلاط والمشاركة في المكان أبدًا بل كلهم مُجمعون على إنكار ذلك وأنه أمرٌ باطلٌ مستحيل.وماكان مخالفًا لإجماع السلف فهو باطلٌ؛ لأنه يكون قولاً مُحْدَثًا.وكلُ مُحدثةٍ بدعة ٌوكلُ بدعةٍ ضلالة ٌ.
المتن

الثاني: ثانيًا:أنه مناف لعلو الله - تعالى - الثابت بالكتاب، والسنة، والعقل، والفطرة، وإجماع السلف، وما كان منافيًا لما ثبت بدليل كان باطلاً بما ثبت به ذلك المنافي، وعلى هذا فيكون تفسير معية الله لخلقه بالحلول والاختلاط باطلًا بالكتاب والسنة، والعقل، والفطرة، وإجماع السلف!!

الشرح

ثانيًا أنه مُنافٍ لعلو الله لأنك إذا قلت إنَّ اللهَ معك في المكان وأنت في المسجد مثلاً فيكون اللهُ على زعمه في المسجد.المسجد هو عال ولاغيرُ عالٍ؟ غيرُ عالٍ.فأنتَ إذا فسرتَ المعية بأن اللهَ تعالى معنا في الأرض في أمكنتنا؛فهذا يُنافي عُلو الله-عزوجل-. عُلو الله ثابتٌ بالكتاب والسُنة والإجماع والعقل والفطرة أليس كذلك؟ وقد مرَّ علينا هذه الأدلة وبيَّنا وجه دلالتها.إذا كان العُلوالثابت بهذه الأدلة الخمسة يُنافيه القول بأنَّ اللهَ معنا في الأرض؛كان القولُ بأن اللهَ معنا في الأرض باطلاً بمقتضى هذه الأدلة ؛أي بمقتضى الكتاب والسُنة والإجماع والعقل والفطرة.ولهذا نقول:وماكان مُنافيًا لما ثبتَ بدليلٍ كان باطلاً بما ثبتَ به ذلك المنافي.قاعدة مفيدة:"وماكان مُنافيًا لما ثبُتَ بدليلٍ كان باطلاً بماثبت به ذلك المُنافي". العُلو يُنافي القول بأنَّ اللهَ معنا في الأرض ووجه مُنافاتِه واضحة.العُلو ثابتٌ بالكتاب والسُنة والإجماع والعقل والفطرة إذًا كَونُ اللهُ في الأرض باطلٌ بالكتاب والسُنة والإجماع والعقل والفطرة وهذا واضحٌ لأن الشيءَ المناقِضُ للشيءِ إذا ثبُتَ بدليلٍ؛فإنَّ بُطلان ذلك المُناقِض يكونُ بهذا الدليل الذي ثبتَ به المناقِض.وعلى هذا فيكون تفسيرُ معيةِ اللهِ لخلقه بالحلول والاختلاط باطلًا بالكتابِ والسُنةِ والعقلِ والفطرةِ وإجماع السلف.

أم أبي التراب
09-26-2018, 05:30 AM
المتن

الثالث: أنه مستلزم للوازم باطلة لا تليق بالله - سبحانه وتعالى.
الشرح

أنه أي تفسيرُ المعيةِ بالاختلاطِ والحلول مُستلزمٌ لوازمَ باطلة ًلاتليقُ بالله ؛مثالُ ذلك: إذا كان الإنسانُ في مكانٍ قذرٍ ؛كالحمَّام وقلنا:إن معنى كونه معنا أنه في مكاننا؛ يلزم أنَّ اللهَ- سبحانه وتعالى- أن يكون في هذه الأماكنِ القذرةِ ؛ والعياذ ُ بالله تعالى الله.وهذا لازمٌ من أبطل اللوازم.ومعلومٌ أنَّ بُطلانَ اللازمِ يدلُ على بُطلان الملزوم ضرورة.
المتن


ولا يمكن لمن عرف الله - تعالى - وقَدره حق قدره، وعرف مدلول المعية في اللغة العربية التي نزل بها القرآن أن يقول: إن حقيقة معية الله لخلقه تقتضي أن يكون مختلطًا بهم أو حالاً في أمكنتهم، فضلاً عن أن تستلزم ذلك، ولا يقول ذلك إلا جاهل باللغة، جاهل بعظمة الرب - جل وعلا.
الشرح

فاللغة العربية لا تقتضي أن يكونَ اللهُ تعالى معنا في الأرض؛ فضلًا على أن تكون تستلزم ذلك وهم يقولون:إنها تستلزمُ ذلك.ومن أجل هذا رَمَونا بأننا نؤولُ نصوصَ المعيةِ.
المتن

فإذا تبين بطلان هذا القول تعين أن يكون الحق هو القول الثاني، وهو أن الله- تعالى - مع خلقه معية تقتضي أن يكون محيطًا بهم، علمًا وقدرة، وسمعًا وبصرًا، وتدبيرًا وسلطانًا، وغير ذلك مما تقتضيه ربوبيته مع علوه على عرشه فوق جميع خلقه.
الشرح

انتبه لقوله"مع خلقه معية تقتضي أن يكون"لتعرف الفرق بين المُقتضِي والمُقتضَى.فالعلم والسمع والبصر والقدرة والسلطان والتدبير؛هذه ليست هي المعية ولكنها من مُقتضيات المعية والمقتضَى غيرُالمُقتضِي. فإذا كانَ اللهُ معنا اقتضى أن يكونَ عالمًا بنا سميعًا لأقوالنا بصيرًا بأفعالنا قديرًا علينا له السُلطة ُالكاملة ُوالتدبير والتصرف.أما المعية حقًا فقد سبق لنا أنها معية ٌتليقُ به-سبحانه وتعالى-وهي لاتستلزم بل ولا تقتضي أن يكونَ معنا في الأرض.
المتن

وهذا هو ظاهر الآيتين بلا ريب، لأنهما حق، ولا يكون ظاهر الحق إلا حقًا، ولا يمكن أن يكون الباطل ظاهر القرآن أبدًا.
قال شيخ الإسلام ابن تيميّه في الفتوى الحموية ص103 جـ5 من مجموع الفتاوى لابن قاسم: "ثم هذه المعية تختلف أحكامُها بحسب الموارد، فلما قال"يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا" إلى قوله"وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَاكُنْتُمْ"دل ظاهر الخطاب على أن حكم هذه المعية ومقتضاها أنه مُطلع عليكم، شهيد عليكم، ومهيمنٌ عالم بكم، هذا معنى قول السلف: إنه معهم بعلمه.
الشرح

يقول دلَّ ظاهرُالخطابِ على أن حُكمَ هذه المعيةِ؛ ولم يقل: إن هذه المعية بل قال"حُكمُ هذه المعيةِ ومُقتضاها" إنه مطلعٌ عليكم شهيدٌ عليكم مُهيمِنٌ عالمٌ بكم وهذا معنى قول السلفِ إنه معكم بعلمه.

أم أبي التراب
09-26-2018, 05:40 AM
المتن

وهذا ظاهر الخطاب وحقيقته. وكذلك في قوله"مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ". إلى قوله "هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا"الآية.
ولما قال النبي صلى الله عليه وسلم لصاحبه في الغار "لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ معنا" التوبة 40 ؛كان هذا - أيضًا - حقًا على ظاهره، ودلت الحال على أن حكم هذه المعية هنا معية الإطلاع والنصر والتأييد.
الشرح

وهذه معية ٌخاصة ٌ.إذًا فالمعية تختلفُ أحكامُها ومُقتضياتها بحسب ما تُضافُ إليهِ. فالعامة ُمقتضاها إيش؟ الإحاطة ُبالخلقِ علمًا وقدرة وسلطانًا والخاصةُ مُقتضاها مع الإحاطةِ النصرُ والتأييدُ.
المتن

ثم قال: فلفظ المعية قد استعمل في الكتاب والسنة في مواضع، يقتضي في كل موضع أمورًا لا يقتضيها في الموضع الآخر. فإما أن تختلف دلالتها بحسب المواضع، أو تدل على قدر مشترك بين جميع مواردها، وإن امتاز كل موضع بخاصية، فعلى التقديرين ليس مقتضاها أن تكون ذات الرب - عز وجل - مختلطة بالخلق حتى يقال قد صرفت عن ظاهرها. ا.هـ.

الشرح

وهذا ردٌ واضحٌ على أهلِ التعطيل الذين يقولون:إنَّ ظاهرها ؛أن اللهَ مُختلطٌ بالخلق وأن صرفها عن هذا الظاهرُ تاويلٌ.فأنتم يا أهل السُنة قد أوَّلتم.هنا يقول المؤلف-رحمه الله-إما أن تختلف دلالتها بحسب المواضع أو تدل على قدر مشتركٍ بين جميع مواردها وإن امتاز كلُ موضعٍ بخاصيةٍ فعلى التقديرين.
ماالفرق بين التقديرين؟ الفرق بينها أنه على التقدير الأول:تكون دلالتُها في كل موضعٍ مُستقلة لا يُشاركها في الموضع الآخر.أما على التقدير الثاني:فتكون مُشتركة ًٌفي المواضع في أصل المعنى ويمتازُ كلُ شيءٍ بما يختصُ به. فالمعية ُمثلا إذا قلتَ:اللهُ تعالى مع المتقين؛ وقلتَ:هذا الرجلُ مع صاحبه ؛هل نقول:إن المعية َهنا واحدة ٌفي الأصل؛ ولكن تمتازُ معية ُاللهِ بمزايا لاتوجد في معية المخلوق وتمتازُ معية ُالمخلوق بمزايا لا توجد في معية الله؟ أو نقول:إن معية َاللهِ لها معنىًٍ مُستقلٌ؛ لاتُشاركها فيها معية المخلوق إطلاقًا ؟
يقولُ المؤلفُ:على التقديرين لاتدلُ الآية على أن اللهَ مُختلطٌ ٌبالخلق لأن مثل هذه الكلمات التي تختلفُ بحسب الإضافات يرى بعضُ أهل العلماءِ أنها مُشترَكَة ٌمن باب الاشتراك اللفظي ويرى آخرون أنها غيرُ مشتركةٍ هي ليست من الألفاظ المشتركة بل هي متواطئة ٌ لكن تتميزُ دلالتها بحسبِ ماتُضافُ إليه وهذاالقولُ الثاني هوالصحيح. إلاأني لاأدري هل فهمتم الفرق بين هذا القول وبين القول الذي قبله؟يقول بعض العلماء إن مثل هذه الكلمات التي تختلف بحسب الإضافات؛ إنها من باب المُشترك اشتراكًا لفظيًّا بحيثُ لاتتفق أفرادُه في معنىً من المعاني.ويقول آخرون بل هي من باب المُتواطئ يعني الذي اتفقت أفراده في أصل المعنى لكن تختلف بحسب ماتُضافُ إليه.
فنُمثل أولًا للمشترك اللفظي حتى تعرفوا الفرق بينه وبين المعنى الثاني. المشترك اللفظي:كلمة"عين"تُقال للعين الجارية ؛ وتُقال للذهب يُسمى عينًا ؛وتُقالُ للشمس تسمى عينًا وتُقالُ أيضًا للعين الباصرة تسمى عينًا,تجدون هذه الأشياء الأربعة اتفقت كلها في أنها تُسمى"عين"هل بينها معنىً جامعٌ مشتركٌ ولا لأ؟ أو كل واحد مستقلٌ عن الآخر؟الجواب:كلُ واحدٍ مستقلٌ فالشمس لاترتبط مع العين الجارية بمعنى من المعاني ولامع العين الباصرة بمعنىً من المعاني فالاشتراكُ إذن لفظيٌ ولامعنويٌ؟ لفظي اشتركت في اللفظ لكن في المعنى متباينة تمامًا. كلمة"المعية"هل هي من باب المشترك اشتراكًا لفظيًّا ؛بمعنى أن معية الله لا يمكن أن تُشارك معية المخلوق ولا في أصل المعنى؟ يرى بعضُ العلماء هذا ؛وأن كان ما أُضيفَ إلى الله مما له مُسمىً في المخلوق فهو من باب الاشتراك اللفظي ولاتتفق في أصل المعنى أبدًا مع ما يختصُ للمخلوق.
ويرى آخرون أنها من باب اللفظ المتواطئ .المتواطئ يعني المتفِق لكنها متفقة في أصل المعنى مختلفة في حقيقته وكيفيته بحسب ما تُضافُ إليه. فيقولون مثلاً؛ المعية بالنسبة للمخلوق والخالق متفقة ٌفي أصل المعنى ؛وهو المُصاحبة والمقارنة؛ لكن تختلفُ بحسب الإضافة.فالمعية ُالمضافة ُلله ليست كالمعيةِ المضافةِ للمخلوق ؛كما نقول مثلا السمع؛ للمخلوق سمعٌ ولله سمعٌ هل نقول إن سمعَ اللهِ متميزٌ تمامًا عن سمعِ المخلوق بحيثُ لا يُشاركه في أصل المعنى أو نقول هو مشاركٌ له في أصل المعنى لكن يختلف؟الثاني هو الأصح. ولهذا صحح شيخُ الإسلام ابن تيمية في الفتوى الحموية أن الصحيح أنها من المتواطئ لكنها نوعٌ خاصٌ منه لا تتساوى أفراده.

أم أبي التراب
09-26-2018, 05:54 AM
المتن

ويدل على أنه ليس مقتضاها أن تكون ذات الرب - عز وجل - مختلطة بالخلق أن الله- تعالى - ذكرها في آية المجادلة بين ذكر عموم علمه في أول الآية وآخرها فقال"أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ"
فيكون ظاهر الآية أن مقتضى هذه المعية علمه بعباده، وأنه لا يخفى عليه شيء من أعمالهم لا أنه - سبحانه- مختلط بهم، ولا أنه معهم في الأرض.
أما في آية الحديد فقد ذكرها الله - تعالى - مسبوقة بذكر استوائه على عرشه وعموم علمه متلوة ببيان أنه بصير بما يعمل العباد فقال"هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ"
فيكون ظاهر الآية أن مقتضى هذه المعية علمُه بعباده وبصره بأعمالهم مع علوه عليهم واستوائه على عرشه؛ لا أنه - سبحانه - مختلط بهم ولا أنه معهم في الأرض وإلا لكان آخر الآية مناقضاً لأولها الدال على علوه واستوائه على عرشه.
فإذا تبين ذلك علمنا أن مقتضى كونِهِ - تعالى - مع عباده أنه يعلم أحوالهم، ويسمع أقوالهم، ويرى أفعالهم، ويدبر شئونهم، فيحيي ويميت، ويغني ويفقر، ويؤتي الملك من يشاء وينزع الملك ممن يشاء، ويعز من يشاء ويذل من يشاء إلى غير ذلك مما تقتضيه ربوبيته وكمال سلطانه لا يحجبه عن خلقه شيء، ومن كان هذا شأنه فهو مع خلقه حقيقة، ولو كان فوقهم على عرشه حقيقة.
قال شيخ الإسلام ابن تيميه في "العقيدة الواسطية" ص142 جـ3 من مجموع الفتاوى لابن قاسم في فصل الكلام على المعية قال: "وكل هذا الكلام الذي ذكره الله- سبحانه - من أنه فوق العرش وأنه معنا حق على حقيقته لا يحتاج إلى تحريف ولكن يصان عن الظنون الكاذبة". أهـ.
وقال في "الفتوى الحموية" ص102،103جـ5 من المجموع المذكور: وجماع الأمر في ذلك أن الكتاب والسنة يحصل منها كمال الهدى والنور لمن تدبر كتاب الله وسنة نبيه، وقصد اتباع الحق، وأعرض عن تحريف الكلم عن مواضعه والإلحاد في أسماء الله وآياته.
ولا يحسب الحاسب أن شيئًا من ذلك يناقض بعضه بعضًا البته مثل أن يقول القائل: ما في الكتاب والسنة من أن الله فوق العرش يخالفه الظاهر من قوله"وَهُوَ مَعَكُمْ". وقوله صلى الله عليه وسلم: "إذا قام أحدكم إلى الصلاة فإن الله قبل وجهه" ونحو ذلك فإن هذا غلط.
وذلك أن الله معنا حقيقة، وهو فوق العرش حقيقة، كما جمع الله بينهما في قوله - سبحانه وتعالى "هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ"
فأخبر أنه فوق العرش، يعلم كل شيء، وهو معنا أينما كنا كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في حديث الأوعال: "والله فوق العرش وهو يعلم ما أنتم عليه". أهـ.
الشرح

المهم أننا أطلنا في ذلك لأن هذه المسألة يُدندنُ عليها أهلُ التعطيل ؛فيقولون إنكم أخرجتموها عن ظاهرها لأنكم فسرتموها بالعلم ونحو ذلك.

أم أبي التراب
09-26-2018, 06:02 AM
المتن

ويدل على أنه ليس مقتضاها أن تكون ذات الرب - عز وجل - مختلطة بالخلق أن الله- تعالى - ذكرها في آية المجادلة بين ذكر عموم علمه في أول الآية وآخرها ....

أم أبي التراب
09-26-2018, 06:16 AM
المتن

واعلم أن تفسير المعية بظاهرها على الحقيقة اللائقة بالله - تعالى - لا يناقض ما ثبت من علو الله تعالى بذاته على عرشه.
الشرح

سبق لنا أن معية َاللهِ لخلقه حقيقة ٌوليس بها مجازٌ؛بل هي حقيقة ولكنها معية ٌتليقُ بالله كسائر صفاته ، فهي وإن اشتركت مع معيةِ المخلوق في أصل المعنى وهو المصاحبة ُوالمُقارنة ُلكنها لاتُماثلُ معية ُالمخلوق.كما أنَّ علمَ اللهِ مُشترَكٌ مع علم المخلوق في أصل المعنى ولكن يختلف بل وجودُ اللهِ مشترِكٌ مع وجود المخلوق في أصل المعنى ولكن يختلف.وقد سبق لنا هل مثل هذه الألفاظ من باب المشترك اللفظي أم من باب المُتواطئ ولكن تختلفُ بحسب الإضافات؟وقلنا إن الصحيح أنها من باب المتواطئ ولكن تختلف بحسب الإضافات وذلك أن المشترك اللفظي لاينطبقُ عليها لأن الاشتراك اللفظي لايتفقُ فيه المشتركان في أيِّ معنىً من المعاني أوفي أيِّ وجهٍ من الوجوهِ .هل إثباتُنا لمعيةِ الله على حقيقتها يُنافي ما ثبتَ من علوه؟ الجواب:لأ.
المتن

وذلك من وجوه ثلاثة:
الأول: أن الله - تعالى - جمع بينهما لنفسه في كتابه المبين المنزه عن التناقض، وما جمع الله بينهما في كتابه فلا تناقض بينهما.
الشرح

وقد سبق في آية الحديد أنَّ اللهَ استوى على العرش وأنه مع خلقه.فإذا كان كذلك ؛أي أنَّ اللهَ جمع بينهما فإنه لايمكن أن يكونَ بينهما تناقضٌ أبداً ؛لأن ما جمع اللهُ بينه معناهُ أنَّ الجمعَ مُمكنٌ غيرُ محالٍ والمتناقضاتُ الجمعُ بينهم محالٌ. فإذًا نقولُ بمجرد أن اللهَ جمع بين العلو والمعية لنفسه ؛فإننا نعلم علمَ اليقين أنه لاتناقض بينهما ؛ لأن القرآن لايدلُ على محالٍ.
المتن

وكل شيء في القرآن تظن فيه التناقض فيما يبدو لك فتدبره،
الشرح

كل شيء في القرآن تظن فيه التناقض فيما يبدو لك فتدبره هذه قاعدة مهمة جدًا ؛ونردفها بقاعدة أخرى لاتلق لها بهذا البحث لكنها مهمة أيضًا.وهي: كل شيء في القرآن تظن فيه التناقض فاعلم أن هذا الظن خطأ بلا شك ،لأن التناقض مستحيل ،فلا تجتمع المتناقضات في القرآن أبدًا .
القاعدة الثانية: كل شيء من الواقع تظن أن القرآن يخالفه فهو ظن خطأ .
مثال ذلك : قوله تعالى " أَفَلَا يَنظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ"17" وَإِلَى السَّمَاء كَيْفَ رُفِعَتْ"18" وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ"19" وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ"20"الغاشية.
فإن قال قائل: كيف سطحت؟ ونحن نشاهد الأرض الآن كروية، فهل القرآن يناقض الواقع؟
الجواب:
".قال قائلٌ كيف سُطحت ونحن نُشاهِدُ الأرضَ أنها كروية وليس عندنا إشكالٌ في ذلك أبدًا فالقرآن يُناقضُ الواقع؟ نقول هذا مستحيلٌ.مستحيل أن القرآن يُناقض الواقع أبداً.قال اللهُ تعالى:" تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاء بُرُوجًا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُّنِيرًا "الفرقان61
وقال:" وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا "نوح16 ونحنُ نعلمُ أن أهل الأرض وصلوا إلى القمربدون أن ينالهم شيءٌ مع أن الذي يَقربُ من السماء وإيش يُصاب؟ بالشُهب التي تحرقه كما قال تعالى عن الجن"وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَن يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَّصَدًا "الجن9 ؛والنبي-صلى الله عليه وسلم-أشرَفُ الخلقِ ومعه أشرفُ الملائكةِ ما استطاع أن يدخلَ السماء إلا بعد استئذانٍ وإذنٍ. إذن كون القمر في السماء يُخالفُ الواقع فهل نُكذبُ الواقع أم ماذا نصنع؟
نقول:الواقع لايُمكن تكذيبه ولوأن أحدًا كذبَ الواقع على أن ظاهر القرآن يُخالفه لكان أكبرَ مُسئٍ إلى القرآن ولالأ؟ لأن الكفار يقولون:إن هذاالقرآن يُخالفُ الواقع.ما يمكن.إذن القرآنُ الذي يُخالفُ كاذبٌ لأن الواقع مايكذب؟.إذا كان الواقعُ لايكذب يكون القرآن هو الكاذب وحينئذٍ يكون الذي يقول ذلك مُسيئًا إلى القرآن وإلى الإسلام أعظم إساءةٍ وهو لايدري. طيب ماذا نقول عن الآية الأولى"وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ" مع أن الواقع أنها كروية؟ لا إشكال فيه.إيش نقول؟ لايمكن أن يكونَ المرادُ بالآية مافهمتَ من أن الأرضَ ممدودة ولكنها سُطِحت أي جُعلت كالسطح باعتبار مصالحُ الخلقِ كلُّ الناسِ بمنطقتهم يعتقدون أن الأرض إيش؟ مسطحة ٌلأنها كبيرة ُالحجمِ وكروِيتُها لا تَبِينُ إلا بقَدْرٍ كبير فهو إذن مسطَّحٌ ونقولُ له اقرأ: "إِذَا السَّمَاء انشَقَّتْ"1" وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ"2" وَإِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ"3" وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا وَتَخَلَّتْ"4" الانشقاق".
متى هذا؟يوم القيامة.قال اللهُ-سبحانه وتعالى-"إذا الأرضُ مُدت"هي الآن غيرُممدودة إذن فهي مطوية مكورة وحينئذٍ يتبينُ لنا أنَّ القرآن لايُخالف الواقع.
وكذلك بالنسبة للقمر :" تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاء بُرُوجًا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُّنِيرًا "الفرقان61
نقول إنَّ اللهَ جعل في السماء أي في العلو" تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاء بُرُوجًا "أي في العلو ولايلزم أن يكون العلو هو السماء ذاتُ الأجرام" وَقَمَرًا مُّنِيرًا ".بعض العلماء يقول إنَّ القمرَ له وجهان وجهٌ إلى الأرض فيه نورٌ ووجهٌ إلى السماء فيه نورٌ فهو ينور على السماء ويُنور على الأرض فيكون نورًا في السماء ونورًا في الأرض.وبعض العلماء يقول"فيهن" أي في جهتهن أي في جهة العلو. على كل حال هاتان القاعدتان مهمتان وهما:أولًا :أن القرآن لايمكن ان يقع فيه التناقض فإن ظننتَ أن فيه تناقضًا فالظنُ خطأ. ثانيًا :القرآن لايمكن أن يُخالف الواقع فإن ظننتَ أنه يُخالفُ الواقع فالظنُ خطأ. في المسألة الأخيرة:يبقى عندنا كيف الخطأ؟ هل هو في الواقع أو في مخالفة القرآن له؟نعم في مخالفة القرآن له؟ مايمكن يُخالفه لكن قد تظن أن الواقعَ يُخالفهُ وهوفي الواقع لايُخالفه فحينئذٍ يكون هذا الظنُ الخاطئُ.
"معية"هي ذاتية لكنها ليست في الأرض كما يقول أهلُ الاختلاط نقول هو نفسه معنا لكنه في السماء,حتى النزول إلى السماء الدنيا نقول إنه ينزل بذاته كما قال العلماء أيضًا ولكن هذا النزول ليس كنزول المخلوق أنه إذا نزل يخلو منه العرش أو يكون شيءٌ من السموات فوقه.وعلينا أن نؤمن بهذا ولا نتعرض لهذه التقديرات.هذه التقديرات ماحدثت إلا أخيرًا والمسلمون في عهد الصحابة أخذوا القرآن بظاهره وتركوا هذه التقديرات ماقالوا:يخلو منه العرش أو لايخلو ولاقالوا إنه معنا يكون في الأرض لأنهم عرفوا أنه مُنزَّهٌ عن ذلك.فالواجب علينا أن نأخذ القرآن بظاهره.الإمام أحمد أنكر على ابنه عبدالله مسألة ًدون هذا.لما قال:يا أبتي إن الرسول يقول في رمضان تُصفد الشياطين ونحنُ نرى الإنسان يُصرع يصرعه الشيطان كيف هذا؟ فقال له: أعرض عن هذا هكذا جاء الحديث.نهاه أن يُعارض الحديث بالواقع ماراح يتأول الحديث ليوافق الواقع.قال أعرض عن هذا هكذا جاء الحديث.وهذا الواجب علينا يا إخوان الواجب علينا فيما جاءت به النصوص في أمورٍ لاندركها نحنُ أن نُسلم ونقول:سمعنا وآمنا وصدقنا كون الواحد يقول لماذا ولماذا يعني مثل ماقال بعض الإخوان بعض الناس بعدما تفتح العلم الكوني قالوا إذا كان اللهُ ينزلُ إلى السماء الدنيا في ثلث الليل لازم أن يكون دائمًا في السماء الدنيا لأن الثلث لايزال في السماء الدنيا نقول: أعرض عن هذا ياأخي لاتُقدِّرهذا الشيء.أنت ما دام الثلث عندك فالنزولُ حاصلٌ وإذاطلع الفجر انتهى النزول هكذا قل هكذا وأؤمن بالله هكذا أيضًا كلُ شيءٍ أضافه اللهُ لنفسه فاعلم أنه مُضافٌ إلى نفسه حقيقة ولايحتاج أن نقول بذاته كما قال ابنُ القيم في"مختصرالصواعق"قال:"كلُ ما أضافه الله إلى نفسه فهو يعني به نفسه ولانحتاج أن نقول بذاته إلا إذا أُلجِئنا إلى ذلك".مثل مايجئ واحد يُجادل يقول"ينزل إلى السماء الدنيا":يعني ينزل أمره نقول لأ ينزل بذاته وإلا كان المفروض ألانقول بذاته أيضًا.ولهذا أنكر بعض العلماء الذين يتحفظون تحفظًا كاملاً على العلماء الآخرين من أهل السُنة أن قالوا:إنه ينزل بذاته قالوا:لاتقل بذاته ماقاله الرسول-صلى الله عليه وسلم-"استوى على العرش"صرحَ بعض العلماء بالقول إنه استوى بذاته على العرش ؛ وقال آخرون من المتحفظين قال:لاتقل بذاته اللهُ ما قال بذاته.فيقول ابنُ القيم:هذا خطأ كلُ شيءٍ أضافه اللهُ إلى نفسهِ فإنما هو إلى ذاته ولاحاجة أن يَذكر الذات لأن هذا معروفٌ ولهذا لم نقل خلق السمواتِ بذاته خلق الأرض بذاته أنزلَ المطرَ بذاته لاحاجة لأن المعروف أن الشيءَ إذا أُضيفَ إلى الشيءِ فهو إلى نفس الشيء. "وهومعكم"كذلك مثل هذا الشيء نقول هو معكم نفسُه؟سبحانه وتعالى معنا لكن لانقول إنه معنا في الأرض مختلطًا بنا هذا كفرٌ ؛و لكن نقول هو على عرشه وهو معنا حقيقةً مافيه إشكال والحمدُ لله.
وقول المؤلف:"لا تناقض فيه"التناقض هو أبلغ لأن الاختلاف قد يمكن الجمع فتجده يختلف من وجه دون آخر.والمراد من ب قوله تعالى "أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا"النساء82 ، مايشمل هذا أما الاختلاف الظاهري الذي يمكن الجمع فهذا لايسمى اختلافًا في الحقيقة.يوجد أشياءٌ في القرآن ظاهرها الاختلاف مثل" يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَعَصَوُاْ الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الأَرْضُ وَلاَ يَكْتُمُونَ اللّهَ حَدِيثًا "النساء42 ؛ومع ذلك يقولون:"وَاللّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ "الأنعام23، فهذا ظاهرها الاختلاف لكن يمكن الجمع بينهما فيزول هذا الاختلاف. المسألة على التناقض أنه لايمكن الجمع فإذا أمكن الجمع فليس بمتناقض حتى وإن كان ظاهره الاختلاف ولهذا يُعَبِّرُ العلماء فيقولون:ظاهره التعارض.

أم أبي التراب
09-26-2018, 06:39 AM
المتن

القسم الثاني: يقولون :أن المعية في كل مكان بذاته وأن اللهَ مع الخلق في نفس أمكنتهم ولانقول إنه عال فوق السموات بل نقول إنه مع الخلق وليس عاليًا بذاته.فيُنكرون العلو
الشرح
وهؤلاء آمنوا ببعض الكتاب وكفروا ببعض فآمنوا بالمعية على وجهٍ وكفروا ببعضٍ ، آمنوا بها أيضًا على وجهٍ ليس مُرادًا لأن معية الله لخلقه ما أرادَ اللهُ بها أنه معهم في الأرض أبدًا ولايمكن أن يكون هذا مرادَهُ لأن هذا باطلٌ لايليقُ بالله ولايمكن أن يكون ظاهر الكتاب والسُنة أمرًا باطلًا لكن مع ذلك فَهِموا هذا الفهم واثبتوه والعياذ ُبالله.
القسم الثالث: يقولون:إن معية الله لخلقه مقتضاها أن يكون معهم في الأرض مع ثبوت علوه فوق عرشه. ذكر هذا شيخُ الإسلام ابن تيمية"ص/229-ج/5- من مجموع الفتاوي"عن بعض الطوائف.
الشرح

شوف الآن مذهب هؤلاء يختلف عن مذهب الذين قبلهم وعن مذهب السلف.يقولون:إنَّ اللهَ بذاته في الأرض وبذاته فوق السماء."بذاته فوق السماء"يوافقون أهلَ السُنة والجماعة ويُخالفون الجهمية حلولية الجهمية لأنهم يقولون الله ليس بذاته فوق السماء."بذاته في الأرض"يوافقون الجهمية ويُخالفون السلف لأن السلف لايقولون إنه بذاته في الأرض.فلا تظن أن هذا المذهب هو مذهب السلف ولا مذهب هؤلاء الجهمية ؛والفرق بينهم كما عَرفتَ:الجهمية يقولون إن اللهَ بذاته في الأرض ولا يقولون إنه في السماء لأنهم يُنكرون العلو.هؤلاء يقولون:إن اللهَ بذاته في الأرض كما قال الجهمية ولكن هو بذاته في السماء خلافًا للجهمية طيب يقولون إن الله بذاته في السماء فيوافقون أهلَ السنة ويقولون إنه بذاته في الأرض فيُخالفون أهلَ السنة.فهؤلاء أخذوا من هؤلاء وهؤلاء وزعموا أنهم هم الذين معهم ظاهر الكتاب والسُنة.

أم أبي التراب
09-26-2018, 07:11 AM
المتن

وقد زعم هؤلاء أنهم أخذوا بظاهر النصوص في المعية والعلو وكذبوا في ذلك فضلوا. فإن نصوصَ المعية لا تقتضي ما ادعوه من الحلول لأنه باطلٌ ولايمكن أن يكون ظاهركلام الله ورسوله باطلًا.
الشرح

واضح ؟ لأن كون الله معنا في الأرض هذا باطلٌ مافيه شك ولايمكن أن يكون اللهُ كذلك لأن هذه كما مرعلينا كثيرًا مُخالفٌ لظاهر القرآن والسُنة وإجماع السلف ويقتضي أحد أمرين إما التجزئة وإما التعدد.
التجزئة:بأن يُقال الله جزؤه هنا وجزؤه هنا وجزؤه هناك.
وإلا التعدد:إذا قلتَ كلُّ الله في هذا المكان وكل الله في المكان الثاني وكل الله في المكان الثالث معنى هذا أنه يلزمُ التعدد.
فالقائلُ بهذا يلزمه احدُ أمرين ولابد إما أن يقول بتجزؤ الله-سبحانه وتعالى-وإماأن يقول بتعدد الله وكلُ هذا باطلٌ فدعواهم بأنهم أخذوا بظاهر الكتاب والسُنة نقول هذه دعوى باطلة تدرون لماذا قالوا "أخذنا بالظاهر؟ قالوا: "وهومعكم"هو مَن؟ الله,"معكم" أجرها على ظاهرها في الأرض يكون في الأرض."استوى على العرش" مين اللى استوى؟ الله . إذن أجرها على ظاهرها يكون الله في العلو فيكون في السماء ويكون اللهُ معنا في الأرض.عرفتم أهل السُنة والجماعة يقولون: هذا ليس بصوابٍ لأنه لايلزم من المعية أن يكون في الأرض إذ أن الشيء يكون عاليًا ويُقالُ في اللغةِ العربية إنه معنا.العرب يقولون:إن القمرَ معنا أو الثُّريا معنا وهي في السماء أو الجدي معنا أو السبيل معنا ولايُعدُ ذلك تناقضًا ولا أحد يُنكرهذا التعبير.فنقول إن الله معنا وإن كان في السماء ولانقول إنه يلزم أن يكون معنا في الأرض.والمعية تأتي أيضًا لمعانٍ متعددة بحسب الإضافات.يُقال مثلا:فلان معه زوجته يعني في عصمته حتى ولو كان هو في الشرق وهي في الغرب؛ أليس كذلك؟ ويُقالُ القائدُ مع الجُند في الميدان إذا كان محيطًا بهم ويدري عن تصرفاتهم وإن كان في غرفة القيادة بعيدًا عن الميدان .فالمعية معناها أوسع مما ظن هؤلاء أنه لابد أن يكون مختلطًا في المكان.وهذا معنىً باطلٌ لاأحد يعتقده في الله أبدًا.
المتن

تنبيه:اعلم أن تفسيرالسلف لمعية الله تعالى لخلقه بأنه معهم بعلمه لايقتضي الاقتصارعلى العلم بل المعية تقتضي أيضًا إحاطته بهم سمعًا وبصرًا وقدرة وتدبيرًا ونحو ذلك من معاني ربوبيته.
تنبيهٌ آخر:أشرتُ فيما سبق إلى أن عُلو الله تعالى ثابتٌ بالكتاب والسُنة والعقل والفطرة والإجماع أما الكتاب:فقد تنوعت دلالتُه على ذلك فتارة بلفظ العُلو والفوقية والاستواء على العرش وكونه في السماء كقوله تعالى" وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ","وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ", " الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى","ْأَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ ".
الشرح

أظن لاحاجة إلى إعادة شرح قوله"أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ" والوهم الذي قد يرد على القلب في هذه الآية؟أن يتوهم الإنسان كونه في السماء يستلزم أن السماء تُقِله أو أنها أوسع منه,محيطة ٌبه.هذا ليس بصوابٍ هذا وهمٌ باطلٌ وذكرنا أن العلماء أجابوا على هذا الوهم فقالوا:
إما أن: نجعل"في"بمعنى"على"كما جاءت في مواضع مثل قوله: " قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ"أي على الأرض "وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ"أي على جذوع النخل. "أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ" أي مَنْ على السماء.
وجهٌ آخر:يجعلون السماء بمعنى"العُلو"ويجعلون "في" للظرفية؛فيقولون"فِي السَّمَاءِ"أي في العلو.نُطالب هؤلاء ونقول إيتوا بدليلٍ على أن"السماء"تأتي بمعنى العلو؟ حتى نقبل تأويلَكم.يأتون بدليل يقول الله تعالى "أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً"والسماء هنا بمعنى العلو بدليل قوله تعالى"إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِن مَّاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ" "البقرة164"والماء ينزل من السحاب ومع هذا قال بين السماء والأرض فدلَّ ذلك على أن السماء تأتي بمعنى العلو فيكون معنى قوله"فِي السَّمَاءِ"أي في العلو.فاللهُ تعالى في العلو الأعلى لايُحيط ُبه شيءٌ من مخلوقاته لأن ما فوق المخلوقات عدمٌ والعدم ليس بشيءٍ حتى يكونَ محيطًا بالله. ولهذا نقول:في السماء أي في العُلو ؛ويزول الإشكال الذي يتوهمه الإنسان.فإن قلتَ كيف تجمع بين هذا وبين قوله تعالى"وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَٰهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَٰهٌ" وقوله "وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الْأَرْضِ ۖ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ " أفلا تدلُ الآيتان على أنَّ اللهَ كائنٌ في السموات وفي الأرض جميعًا؟ الجواب عن ذلك أن نقول"وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَٰهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَٰهٌ" أي أن ألوهيتَه في السماء والأرض ؛ يعني مألوهٌ من أهلِ السماء ومن أهل الأرض. ونظيرُذلك من الكلام أن تقول فلانٌ أميرٌ في المدينة وأميرٌ في مكة مع أنه في مكة مثلاً ساكنٌ في مكة أو في المدينة وليس ساكنًا فيهما جميعًا.إذن"وهوالذي في السماءِ إلهٌ وفي الأرضِ إلهٌ"يعني ألوهيته ثابتة ٌفي السماء وفي الأرض أما هو ذاته فهو في السماء.وكذلك نقول" وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الْأَرْضِ" أي وهو المألوه في السموات و في الأرض بمعنى مألوه فى السموات قف ثم استأنف وقال" وَفِي الْأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُونَ " يعني ويعلم سركم وجهركم في الأرض.
وعلى كل حال فلدينا بارك الله فيكم" هُوَ الَّذِي أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ ۗ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ "آل عمران 7. ويَرُدُّون المتشابه إلى المُحكم فيقول:هذه الآيات المتشابهات أنزلها الله- سبحانه وتعالى- هكذا متشابهة ابتلاءً وامتحانًا لأن الذي فيقلبه زيغٌ يتبع المتشابه ليُشكك الناس في دينهم والمؤمنون لايتبعون المتشابه يقولون:كُلٌ من عند الله ولاتناقضَ فيه ويحملون المتشابه على المحكم فيكون الجميعُ محكمًا.
الآن تنوعت الأدلة بالنسبة للعلو: العلو ،الفوقية, الاستواء على العرش كونه في السماء أربعة أنواعٍ. "وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الْأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ " الأنعام 3.الجواب كما أشرنا قلنا:وهو الله في السموات أي وهو المألوه في السموات وفي الأرض أو وجه آخر أن نقول"وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الْأَرْضِ"ونقف نقول الله في السموات يعني عليها"وَفِي الْأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ"في الأرض متعلقة ٌ"بيعلم"يعني يعلم سركم وجهركم في الأرض.
المتن

وأما السنة:فقد دلت عليها بأنواعها القولية والفعلية والإقرارية في أحاديثٍ كثيرة تبلغ حد التواتر وعلى وجوهٍ متنوعةٍ كقوله-صلى الله عليه وسلم-في سجوده "سبحان ربيَ الأعلى"وقوله"إن الله لما قضى الخلق كتب عنده فوق عرشه إنَّ رحمتي سبقت غضبي"وقوله: "ألا تأمنوني وأنا أمينُ مَنْ في السماء" وثبتُ عنه أنه رفع يديه وهو على المنبر يوم الجمعة يقول"اللهم أغثنا"وأنه رفع يديه إلى السماء وهويخطب الناس يوم عرفة حين قالوا:نشهدُ أنك قد بلغت وأديت ونصحت فقال:"اللهم فاشهد وأنه قال للجارية:"أين الله"قالت في السماء فأقرها وقال لسيدها:"أعتقها فإنها مؤمنة".
الشرح

هنا السُنة بالقول والفعل والإقرار. القول:قوله في سجوده "سبحان ربي الأعلى". الفعل:إشارة الرسول-عليه الصلاة والسلام- في عرفة إلى السماء يقول:"اللهم اشهد".الإقرار:سؤال الجارية فقالت في السماء فأقرها.إذن اجتمعت السُنة القولية والفعلية والإقرارية على علو الله -سبحانه وتعالى-.
المتن

أما العقل:فقد دلَّ على وجوب صفة الكمال لله تعالى وتنزيهه عن النقص.والعُلو صفة كمال والسُفل نقص فوجبَ لله تعالى صفة العلو وتنزيهُهُ عن ضده.
الشرح

الدلالة العقلية أن يُقال:هل العلو صفة كمال أو النزول؟ الجواب كُلٌ يقول:العلو.فإذا كان العلو صفة كمال فالله-سبحانه وتعالى-موصوفٌ بصفاتِ الكمال فهو عالٍ في ذاته وفي صفاته. الجهمية واتباعهم الذين يقولون بالحلول يقولون:إنه عالٍ بصفاته وليس عاليًا بذاته ومع ذلك يُنكرون الصفات ولايُثبتون إلا أسماء كما مرعلينا من قبل.
المتن

وأما الفطرة:فقد دلت على علو الله تعالى دلالة ضرورية فطرية.فما مِنْ داعٍ أو خائفٍ فَزِعَ إلى ربه تعالى إلاوجد في قلبه ضرورة َالاتجاه نحو العلو لايلتفت عن ذلك يُمنةً ولايُسرة.
الشرح

هذا أمرٌ معلومٌ فطريٌ بدون ان يدرس الإنسان أو يقرأ كتابًا يُقرر ذلك بمجرد ماتقول:"يارب"أين يتجه قلبك؟إلى السماء.والغريب الذين يُنكرون العلو إذا دعوا يرفعون أيديَهم إلى السماء!!. تقابلت بجماعة في أيام الحج وكانوا يُنكرون العلو وكان هذا في يوم العيد فقلتُ لهم:أمس كنتم في عرفة تدعون الله أين توجهون أيديَكم؟أنتم تقولون:اللهم إنا نسألك العلم النافع والعمل الصالح تذهب أيديَكم للأرض وللا وين تُحطوها؟ قالوا نحطها فوق.قلنا:خلاص هذا أكبرُ دليلٍ على علو الله وأن الذي تدعونه فوق.لو تجدون صبيًا سفيهًا يضع يديه أو يوجه يديه نحو الأرض وهويدعو الله وجهتموه قلتم هذا غلط.فكيف تُنكرون هذا بألسنتكم وتُقرون به بفطركم! غصبٌ عليكم.
وأبو المعالي الجويني-رحمه الله-كان يقول:إن الله تعالى كان ولم يكن شيءٌ قبله يتكلم مع الناس يَعِظهم أو يُدرِّسهم ما أدري ولكن يقول:إن الله تعالى كان ولم يكن شيءٌ قبله ،صح؟وهو الآن على ماكان عليه كان قبل العرش وهو الآن على ماكان عليه إذن استوى على العرش ولَّا ما استوى؟ما استوى على كلامه لم يستوِ وهذا هوالذي يُريد إنكار الاستواء على العرش. فقال له أبو الأعلى الهمداني: يا أستاذ دعنا من ذِكر العرش وأخبرنا عن هذه الضرورة: ماقال عارفٌ قط يا ألله إلا وجدَ من قلبه ضرورة بطلب العلو؟كيف، قال:دعنا من ذِكر العرش؟ لأن الاستواء على العرش دليله السمع.لولا السمع وأنَّ اللهَ أعلمنا أنه استوى على العرش؛ماعَلِمنا ذلك.فقال:دعنا من هذا الدليل السمعي ولانُنازعك فيه لأن النزاع فيه يطول، لكن نأتي بدليلٍ واضحٍ مثل ماقال إبراهيم لما قال المُحاج:أنا أُحيي وأُميتُ ويش قال له؟قال" قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ"هذا نفس الشيء قال ما نجادلك في مسألة الاستواء على العرش لكن أخبرنا عن هذه الضرورة: ماقال عارفٌ قط يا ألله إلا وجد من نفسه ضرورة بطلب العُلو؟ ويش قال أبوالمعالى؟ اعْترف ،ضرب على رأسه هكذا: حيرني الهمداني حيرني الهمداني.تحير مايقدر يُجيب عن هذا.
. وهذا أمرٌ معلومٌ بالفطرة مامن إنسان حتى وإن أنكر بلسانه أن الله فى العلو لا يمكن بفطرته لا أن يقول أن الله فى العلو.

أم أبي التراب
09-26-2018, 07:26 AM
المتن

وأما الفطرة: فقد دلت على علو الله تعالى دلالة ضرورية فطرية فما من داع أو خائف فزع إلى ربه تعالى إلا وجد في قلبه ضرورة الاتجاه نحو العلو لا يلتفت عن ذلك يمنه ولا يسرة.
واسأل المصلين، يقول الواحد منهم في سجوده: "سبحان ربي الأعلى" أين تتجه قلوبهم حينذاك؟
الشرح

يقول الفطرة دلالتها أيضًا واضحة فصارت الأدلة الخمسة كلها مجتمعة على أثبات علو الله واسأل المصلين يقول الواحد منهم فى سجوده سبحان ربى الاعلى أين تتجه قلبهم حينذاك.

المتن

أما الإجماع:فقد أجمع الصحابة والتابعون والأئمة على أن الله تعالى فوق سمواته مستوٍ على عرشه. وكلامهم مشهورٌ في ذلك نصًا وظاهرًا.قال الأوزاعيُ: كنا والتابعين متوافرون نقول إن اللهَ تعالى ذِكرهُ فوق عرشه ونؤمن بماجاءت به السُنة ُمن صفاتٍ وقد نقل الإجماع على ذلك غير واحدٍ من أهلِ العلم ومُحال أن يقع في مثل ذلك خلافٌ.وقد تطابقتِ عليه الأدلة العظيمة التي لايُخالفها إلامكابرٍطُمِسَ على قلبه واجتالته الشياطينُ عن فطرته.نسألُ اللهَ السلامة َوالعافية َ. فعلو الله تعالى بذاته وصفاته من أبينِ الأشياء وأظهرها دليلًا واحقِ الأشياء واثبتها واقعًا.
تنبيهٌ ثالثٌ:اعلم أيها القارئ الكريم أنه صدر مني كتابة لبعض الطلبة تتضمن ماقلته في بعض المجالس في معية الله تعالى لخلقه ذكَرتُ فيها:أن عقيدتنا أن لله تعالى معية حقيقية ذاتيةً تليقُ به وتقتضي إحاطته بكل شيءٍ علمًا وقدرة وسمعًا وبصرًا وسلطانًا وتدبيرًا وأنه -سبحانه وتعالى-منزهٌ أن يكون مختلطًا بالخلق أوحالاً في أمكنتهم بل هو العليُ بذاتهِ وصفاتهِ وعلوه من صفاته الذاتية التي لاينفكُ عنها وأنه مستوٍ على عرشه كما يليقُ بجلاله وأن ذلك لايُنافي معيته لأنه تعالى "لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ" الشورى 11. وأردتُ بقولي"ذاتية"توكيدَ حقيقةً معيتهِ-تبارك وتعالى. وما أردتُ أنه مع خلقه-سبحانه-في الأرض كيف وقد قلتُ في نفس هذه الكتابة كما ترى أنه-سبحانه-مُنزهٌ أن يكون مختلطًا بالخلق أو حالًا في أمكنتهم وأنهُ العليُّ بذاته وصفاته وأن علوه من صفاته الذاتية التي لاينفكُ عنها.وقلتُ فيها أيضًا مانصه بالحرفِ الواحدِ"ونرى أن مَنْ زعم أنَّ اللهَ بذاته في كل مكان فهو كافرٌ أو ضالٌ إن اعتقده وكاذبٌ إن نسَبَهُ إلى غيره من سلف الأمة أو أئمتها" ا.هـ
ولايمكن لعاقل عرف الله وقدَرَهُ حق قدره أن يقول إنَّ اللهَ مع خلقهِ في الأرض.ومازلتُ ولاأزالُ أنكِرُ هذا القولُ في كل مجلسٍ من مجالسي جرى فيه ذكره. وأسألُ اللهَ تعالى أن يُثبتني وإخواني المسلمين بالقول الثابت في الحياةِ الدنيا وفي الآخرة. هذا وقد كتبتُ بعد ذلكَ مقالاً نُشِرَ في مجلة الدعوة التي تصدُرُ في الرياض نُشِرَ يوم الإثنين الرابع من شهر الله المحرم سنة1404هـ أربعٍ وأربعمائة وألفٍ برقم911 قررتُ فيه ماقررهُ شيخُ الإسلام ابن تيمية-رحمه الله تعالى-من أن معية َاللهِ تعالى لخلقِهِ حقٌ على حقيقتها وأنَّ ذلكَ لايقتضي الحلول والاختلاط بالخلق فضلاً عن أن يستلزمُهُ.ورأيتُ من الواجبِ استبعادَ كلمة "ذاتية" وبينتُ أوجهَ الجمعِ بين عُلوِ الله تعالى وحقيقةِ المعية. واعلم أنَّ كلَ كلمةٍ تستلزمُ كونَ اللهُ تعالى في الأرض أو اختلاطهِ بمخلوقاتهِ أو نفي علوه أونفي استوائه على عرشه أو غير ذلك مما لا يليقُ به تعالى فإنهاكلمة ٌباطلة ٌيجبُ إنكارُها على قائلها كائنٍ من كان وبأيِّ لفظٍ كانت.وكلُ كلامٍ يوهم ولوعند بعض الناس ما لا يليقُ بالله تعالى فإن الواجب تجنبه لئلا يُظَنُ بالله تعالى ظنَّ السَّوء.لكن ماأثبته الله تعالى لنفسه في كتابه أوعلى لسان رسوله-صلى الله عليه وسلم-فالواجب إثباته ُ وبيانُ بُطلان وهم مَنْ توهم فيه مالا يليقُ بالله-عزوجل-.
الشرح

هذا الكلام كما ترون هوعبارة عما أشرنا إليه من أن بعض الطلبة سمع منا تقريرَ حقيقة المعية وأن الله تعالى معنا حقيقةً هونفسُهُ وكتبتُ له كلمة في ذلك ونقلتُ كلامَ أهلِ العلم ِلكن ما نُقِلَ هنا.وبينتُ له أن عقيدتنا أننا نعتقد أن اللهَ تعالى معنا حقٌ على حقيقته معية ذاتية ففهِمَ بعضُ الناسِ من كلمة ذاتية أنه يُرادُ بها الحلول وأنه معنا هونفسُهُ في الأرض فاحتج بذلك قومٌ علينا واحتج بها قومٌ لنا حتى إني سمعتُ من بعض الناس في بعض البلاد يحتجون بكلامي هذا على مذهبهم الباطل بأن الله-سبحانه وتعالى-معنا في الأرض وآخرون احتجوا بهذا علينا وقالوا:هذا كلامٌ لايجوز. فلما رأينا أن هذه الكلمة أوجبت هذا الشك أو هذا الوهم رأيتُ من الواجبِ تركها لماذا؟ لأنها توهم معنىً باطلاً ولو عند بعض الناس.والإنسان يجب أن يحمي "جِناب "الربوبية من كل مايوهم معنىً فاسدًا فقررتُ في هذا الكتاب وكذلك فيما نُشر في مجلات الدعوة أن أحذف كلمة"ذاتية" وأقتصرُ على قوله حقٌ على حقيقتها التي قالها شيخُ الإسلام ابنُ تيمية وتلميذه ابنُ القيِّم لاشك أنها تدلُ على ذلك أنه معنا هو نفسه ولكنه فوق السموات ولامنافاة َبين أن نقول هو معنا هونفسه ولكنه فوق السماء لِمَا ذكرناه سابقًا من أن الله تعالى لايُقاسُ بخلقهِ ومن أن العُلو لا يُنافي المعية كما يُقال القمرُ معنا وهو في السماء. على كلِ حالٍ كلمة"ذاتية" الآن نرى أنه تجبُ إزالتها ويُقتصرُ على قول "حقٌ على حقيقتها" لئلا يتوهم واهمٌ أن قولنا هذا مايُريده أهل الحلول.والإنسان لاسيما الإنسان الذي يُعتبرُ قولُهُ ويُؤخذبه يجب عليه أن يتجنبَ كلَّ ما يمكن أن يتشبث به أهلُ الباطلِ لئلا يوقعَ الناسَ في باطلٍ فيكون كلامُهُ من المتشابه وأهلُ الزيغ يتبعون المتشابه فيأخذون به.وأهلُ الجَوْر يتبعون المتشابه من أجل القدح في قائله.فالناس قي الحقيقة إذا جاءت كلمة موهمة ينقسمون فيها إلى قسمين:قسمٌ يتخذ ُمنها مجالاً للسب والقدح وقسمٌ آخر يتخذ ُمنها مجالاً للتشبثِ بها على باطلهم الذي يريدونَهُ.لهذا رأيتُ أنه من الواجب أن نترك هذه الكلمة لئلا توهم ولو بعد أزمانٍ طويلةٍ لأن الكتب تبقى ويفنى الكاتبُ ولو بعد أزمانٍ طويلةٍ ربما يأتي واحدٌ يحتجُ يقول هذا كلامُ فلانٍ ابنِ فلان ٍيقول كذا وكذا.إذن فهذا يدلُ على أن الله تعالى معنا في الأرض.فإذا أُزيلت الكلمة الموهمة وأوتِيَ بالكلام الذي يدل عليه القرآن والسُنة زال المحذور واللهُ أعلمُ.
انتهى الشريط السادس

أم أبي التراب
09-26-2018, 07:39 AM
الشريط السابع

تابع الفصل الرابع : شبهات والجواب عنها


المثال السابع والثامن: قوله تعالى "وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ" ق:16، وقوله: "وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ"الواقعة 85. حيث فسر القرب فيهما بقرب الملائكة.
الشرح

يقولُ أهلُ التعطيل إن ظاهرَ الآيتين أنَّ اللهَ بنفسِهِ أقربُ إلى الإنسان من حبل الوريد ويقولون أيضًا إن ظاهرَ الآيةِ الثانيةِ أنَّ اللهَ بنفسه أقربُ إلى المُحتضَر من أهله.هذا هو ظاهرُ الآيتين. هل السلف يقولون هذا؟ الجواب: لأ. المعروف عن السلف أنَّ المراد َهو قربُ الملائكة لا قرب الله عزوجل.ولهذا قال حيث فُسر القرب فيهما بقرب الملائكة.
المتن

والجواب: أن تفسير القرب فيهما بقرب الملائكة ليس صرفًا للكلام عن ظاهره لمن تدبره.
أما الآية الأولى فإن القرب مقيد فيها بما يدل على ذلك، حيث قال"وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ* إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ* مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ" ق 16: 18. ففي قوله"إِذْ يَتَلَقَّى" دليل على أن المراد به قرب الملكين المتلقيين.
الشرح

واضح"ونحنُ أقربُ إليه من حبل الوريد" متى؟"إذ يتلقى المُتلقيانِ".ولو كان المرادُ قرْبَ اللهِ لكان اللهُ أقربَ إليه دائمًا سواء حين يتلقى المتلقيان عن اليمين وعن الشمال قعيدٌ أو لأ. وسيأتي بإذن الله الجواب عن نسبةِ القرب إلى الله مع أنَّ المرادَ قربُ الملائكة.
المتن

وأما الآية الثانية: فإن القرب فيها مقيد بحال الاحتضار، والذي يحضر الميت عند موته هم الملائكة، لقوله تعالى"حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لا يُفَرِّطُونَ" الأنعام 161. ثم إن في قوله: "وَلَكِنْ لا تُبْصِرُونَ" الواقعة 85. دليلاً بينًا على أنهم الملائكة، إذ يدل على أن هذا القريب في نفس المكان ولكن لا نبصره، وهذا يعين أن يكون المراد قرب الملائكة لاستحالة ذلك في حق الله - تعالى.
الشرح

قال اللهُ تعالى:" فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ (83) وَأَنتُمْ حِينَئِذٍ تَنظُرُونَ 84* وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنكُمْ وَلَٰكِن لَّا تُبْصِرُونَ *85" الواقعة83-85. قوله" وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنكُمْ"اختلف العلماء في قوله"إليه"هل المراد إلى المُحتضر أو المراد إلى الحُلقوم؟وهذا لايُؤثر في معنى الآية بالنسبة لقوله " وَلَٰكِن لَّا تُبْصِرُونَ"فإن ظاهرَ ذلك أن هذا القريب؛ موجودٌ في المكان ؛لكن لانُبصره واللهُ-عزوجل-يستحيل أن يكون موجودًا في المكان الذي نحنُ فيه.
المتن

بقي أن يقال: فلماذا أضاف الله القرب إليه، وهل جاء نحو هذا التعبير مرادًا به الملائكة؟
فالجواب: أضاف الله تعالى قُرب الملائكة إليه؛ لأن قربهم بأمره، وهم جنوده ورسله.
الشرح

إذًا أضاف اللهُ القربَ إليه؛ لماذا؟ لأن هؤلاء ملائكته وجنوده يأتمرون بأمره؛ فكان قربهم كقربه ؛كما تقول بنى الأميرُ قصرَهُ ؛هل الأمير هواللي صار يجيب الطين والَّلبِن والمحفر وما أشبه ذلك؟ أو أمرَ به؟ إذًا فإضافة الشيء إلى مَنْ يُدبر القوم ؛إضافة ٌسائغة ٌ في اللغةِ العربية وليس فيها إشكال. فهنا أضافَ اللهُ القربَ إليه ؛والمُرادُ ملائكته لأنهم إنما قَرُبُوا بأمره ولأنهم جنوده فقُربُهم كقربه-تبارك وتعالى إي نعم وله نظيرٌ.
المتن

وقد جاء نحو هذا التعبير مراداً به الملائكة، كقوله تعالى "فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ"القيامة 18. فإن المراد به قراءة جبريل القرآن على رسول الله صلى الله عليه وسلم، مع أن الله تعالى أضاف القراءة إليه، لكن لما كان جبريل يقرؤه على النبي صلى الله عليه وسلم بأمر الله تعالى صحت إضافة القراءة إليه تعالى. وكذلك جاء في قوله تعالى "فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ وَجَاءَتْهُ الْبُشْرَى يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ" هود 74. وإبراهيم إنما كان يجادل الملائكة الذين هم رسل الله تعالى.
الشرح

إذن هل المرادُ بقوله تعالى:"وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنكُمْ " الواقعة 85. وقوله:"وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ "ق 16.هل فيه إخراجُ للآيتين عن ظاهرهما؟ لأ. إذن فاحتجاجُ أهلِ التعطيلِ علينا بأننا أوَّلنا احتجاجٌ باطلٌ؛ لأن دعواهم أن ظاهرَهما قربُ اللهِ نفسِهِ دعوة ٌباطلة ؛ٌلايُساعدُ عليه اللفظ ُكماعرفتم.فتخلصنا الآن من هذا الإيراد ولا لأ؟ تخلصنا منه.

أم أبي التراب
09-26-2018, 07:50 AM
المتن

*المثال التاسع والعاشر

قوله تعالى عن سفينة نوح: "تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا"القمر 14. وقوله لموسى: "وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي" طه 39.
والجواب: أن المعنى في هاتين الآيتين على ظاهر الكلام وحقيقته، لكن ما ظاهر الكلام وحقيقته هنا؟
هل يقال: إن ظاهره وحقيقته أن السفينة تجري في عين الله؛ أو أن موسى عليه الصلاة والسلام يربى فوق عين الله تعالى؟!!
أو يقال: إن ظاهره أن السفينة تجري وعين الله ترعاها وتكلؤها، وكذلك تربية موسى تكون على عين الله تعالى يرعاه ويكلؤه بها.
ولا ريب أن القول الأول باطل من وجهين:
الأول: أنه لا يقتضيه الكلام بمقتضى الخطاب العربي، والقرآن إنما نزل بلغة العرب، قال الله تعالى: "إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ"يوسف 2. وقال تعالى: "نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ* عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ* بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ"الشعراء 193: 195. ولا أحد يفهم من قول القائل: فلان يسير بعيني أن المعنى أنه يسير داخل عينه. ولا من قول القائل: فلان تخرَّج على عيني، أن تخرّجَه كان وهو راكب على عينه، ولو أدعى مدع أن هذا ظاهر اللفظ في هذا الخطاب لضحك منه السفهاء فضلاً عن العقلاء.
الثاني: أن هذا ممتنع غاية الامتناع، ولا يمكن لمن عرف الله وقدَرَهُ حق قدره أن يفهمه في حق الله تعالى؛ لأن الله تعالى مستو على عرشه بائن من خلقه لا يحل فيه شيء من مخلوقاته، ولا هو حال في شيء من مخلوقاته - سبحانه وتعالى - عن ذلك علوًا كبيرًا.
الشرح

طيب إذن أهلُ التعطيل قالوا إن قولَهُ تعالى"تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا"مُؤوَّلٌ عندكم لأن ظاهرَ"تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا"أنها وسْط ُالعينِ." وَلِتُصْنَعَ عَلَىٰ عَيْنِي " طه 39.ظاهره أنه فوق العين.هذا ظاهِرُهُ عندهم.نقول:تبًا لكم كيف يكونُ هذا الظاهر؟وهل أحدٌ يمكنهُ أن يقولَ إن ظاهرَ قولِهِِ "تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا"أن السفينة َجرت في عين الله؟ فى وسط العين؟ أبدًا لايمكن.ثم نقول هذا أيضًا دليلٌ على جهلكم باللغةِ العربيةِ.الباء لاتأتي للظرفيةِ إلا بقرينةٍ وأنتم الآن جعلْتُموها للظرفية وهي لاتأتي للظرفية إلا بقرينةٍ كما في قوله تعالى" وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِم مُّصْبِحِينَ "الصافات 137/ "وَبِاللَّيْلِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ "الصافات 138يعني وفي الليل ،وإلا فالأصل أنها لغيرِالظرفية وأنها للمصاحبةِ والتعدية هذا الأصل.فهنا الباء" تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا " للمصاحبةِ.هذا المعنى الأصلي يعني تجري وعيُننا تصحبها بالرؤيةِ والرعايةِ والعنايةِ هذا المعنى لا يحتمله غيرُهُ هذا من جهةِ اللفظ.كذلك أيضًا كل الناس إذا قال:هذا الشيءُ بعيني فمعناه أنه عندي مرئيٌ ومنظورٌ ومعتنىً به ولم تُفارقه عيني.هذا معناه لاأحدَ يفهم من هذا إن قال:أنتَ بعيني وعلى راسي.واحد يقول أنت بعيني وعلى راسي ويش يفهم؟ أن الرجل دخل بوسط العين وركب على الرأس ولالأ؟ ما أحد يفهم هذا. يُفهم"على راسي"يعني مُعَظَّمٌ عندي"بعيني"يعنى معتنى ٌبك غاية ُالعناية حتى أنك ماتغيب عن عيني. هذا معناه في اللغة العربيةِ ولاأحدَ يفهمُ من هذا التركيب إلاهذا.هذان وجهان
الوجه الثالث:"كلٌ يعلمُ أن السفينة َما صعدت إلى السماء وإنما السفينة كانت في الأرض" يصنعها نوحٌ في الأرض وجرت على الماء في الأرض كيف يمكن أن نقول إن ظاهرَ اللفظ أن السفينة َ جرت في عين الله؟!!وهل هذا إلا مغالطة ٌوعدوانٌ على أهلِ السُنةِوالجماعة؟وعدوانٌ على كلام الله ورسوله-صلى الله عليه وسلم-؟طيب قالوا"ولتُصْنَعُ على عيني""تُصنع"بمعنى تُربَّى لأن صناعة َكلِ شيءٍ بحسبهِ.صناعة الحديد لأجعله قِدَرًا معناه تهيئته للطبخ. صناعة الإنسان معناه تربيته حتى أُحَمِلَهُ على أن يكون في أحسن مايكون من الأخلاق. "ولتُصنع على عيني"نقول:إنَّ ظاهرَ الآية أن موسى على عين الله ؛مصنوعٌ على عين الله.كيف هذا؟ هل أحدٌ يفهمُ هذا؟ أبدًا لاأحدَ يفهمُ هذا من هذا اللفظ إطلاقًا. صحيحٌ أن على بمعنى العلو.لكن على بمعنى العلو في كل موضع بحسبه.لو أن إنسانًا قالَ لشخصٍ:هاتِ لي إن شاء الله هذا قال:على عيني وأحيانًا يقول:على هذا؛ يعني على أنفي.هل معناه أنه يجيبه آخر النهار نُعالجه بالأنف؟أبدًا لكن المعنى أني مستعدٌ غاية الاستعداد حتى ولو لم أجدما أحمله عليه إلا أنفي حملتُهُ. على عيني:يعني أن هذا سيكون مني محل نظردائمًا وعناية فكلٌ يعرف هذا المعنى.ثم نقول:أين تربى موسى؟ في الأرض ولا في السماء على عين الله؟ في الأرض.هذا أيضًا ممايُبطل قولهم:إن ظاهرَ الآيةِ أن موسى تربى على عين الله حقيقة ً.حينئذٍ نقول:نحنُ لم نصرفْ اللفظ عن ظاهره .والظاهر الذي ذكرتم أنه ظاهرُهُ ظاهرٌ باطلٌ ليس مرادًا ولاأحدَ يفهم أن هذا هو المرادُ فبَطُلَ إلزامكم إيَّانا بالتأويل.إي نعم.
المتن

فإذا تبين بطلان هذا من الناحية اللفظية والمعنوية تعين أن يكون ظاهر الكلام هو القول الثاني أن السفينة تجري وعين الله ترعاها وتكلؤها، وكذلك تربية موسى تكون على عين الله يرعاه ويكلؤه بها. وهذا معنى قول بعض السلف بمرأى مني، فإن الله تعالى إذا كان يكلؤه بعينه لزم من ذلك أن يراه، ولازم المعنى الصحيح جزء منه كما هو معلوم من دلالة اللفظ حيث تكون بالمطابقة والتضمن والالتزام.
الشرح

بعضُ السلفِ فسَرَ قولَه تعالى"" تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا"أي بمرأىً منَّا وليس مُرادهم بذلك أن اللهَ لا عينَ لهُ ؛كما احتج به بعضُ الناس وقالوا إن السلف فسروا العين بالرؤية لأننا نقول إن تفسيرَالعينِ بالرؤية لأن الرُؤية لازمٌ للعين وتفسيرُ الشيءِ بلازمهِ صحيحٌ لأنه تفسيرٌ بجزء معناه فإن الدِلالة كماسبق إما مطابقة أو تضمن أو التزام.كما فسر بعضُ السلفِ المعيةَ َبأنه معنا بعلمه لأن ذلك من لازم المعية. "محال أن تكون السفينة في عين الله-عزوجل- نُخاطب ناسًا يقولون نحنُ نتبعُ الشرع.!!"

أم أبي التراب
09-26-2018, 03:31 PM
المتن

*المثال الحادي عشر

قوله تعالى في الحديث القدسي "وما يزال عبدي يتقرب إليّ بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، ولئن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه".
الشرح

طيب كيف الإيراد من أهل التعطيل؟يقولون:إن ظاهر الحديث أنَّ اللهَ يكونُ سمعَ الإنسان وبصرَهُ ويدَهُ ورجلَهُ فهل تقولون بذلك؟ طبعًا لأ.إذن يقولون: صرفتموه عن ظاهره. المثال الحادي عشريعني مما أورده أهلُ التعطيل على أهلِ السُنة وقالوا:إنكم خرجتم به عن ظاهره فلماذا تُخرجون هذه النصوص عن ظاهرها ثم تُنكرون علينا إخراجَ النصوص الأخرى عن ظاهرها؟ قوله تعالى في الحديث القدسي"ومايزالُ عبدي يتقربُ إليَّ بالنوافل حتى أُحبَّهُ"أولُ هذا الحديث"ماتقربَ إليَّ عبدي بشيءٍ أحبَّ إليَّ مما أفترضتُهُ عليه و مازال يتقربُ إليَّ بالنوافل حتى أُحبه فإذا أحببته كُنتُ سمعه الذي يسمعُ به وبصره الذي يُبصِرُ به ويده التي يبطِشُ بها ورجله التي يمشي بها ولئن سألني لأعطِيَّنَهُ ولئن استعاذني لأعيذنه".ظاهر هذا الحديث عند أهل التعطيل أن الله-عزوجل-إذا أحبَّ هذا الشخص كان سمعه وبصره ويده ورِجله.هذا ظاهِرُهُ عندَ أهلِ التعطيل. يقولون:فهل تقولون يامعشر أهل السُنة:إنَّ اللهَ تعالى يكون قَدَمَ الإنسانِ المحبوب؟ورِجْل الإنسانِ المحبوب؟ وسمع الإنسان المحبوب؟وبصر الإنسان المحبوب؟ نقول لهم:لأ.يقولون:إذن أخرجتم الحديث عن ظاهره لأنَّ ظاهِرَهُ"كُنتُ سمعه"يعني يكون اللهُ هونفسُ سمع الإنسان نفسُ بصر الإنسان نفسُ رجل الإنسان ونفسُ يدِ الإنسان.هذا ظاهرُالحديث عندَهُم ونحنُ نقول بهذا ولا لأ؟ لانقولُ بهذا.لانقول إنّ اللهَ هو يدُ الإنسان ولارجلُ الإنسان ولاسَمعُ الإنسان ولابصره.ولهذا نقول الجواب.
المتن

والجواب: أن هذا الحديث صحيح رواه البخاري في باب التواضع الثامن والثلاثين من كتاب الرقاق:186.
وقد أخذ السلف أهل السنة والجماعة بظاهر الحديث وأجروه على حقيقته. ولكن ما ظاهر هذا الحديث؟
هل يقال: إن ظاهره أن الله تعالى يكون سمع الولي وبصره ويده ورِجْله؟
الشرح

يدعي أهلُ التعطيل أنَّ هذا هو الظاهرُ ،وأنَّ صرْفَهُ عن هذا تأويلٌ لايجوز أن يذهب إليه الإنسان وهو يُنكِرعلى أهل التأويل .
المتن

أو يقال: إن ظاهره أن الله تعالى يسدد الولي في سمعه وبصره ويده ورجله بحيث يكون إدراكه وعمله لله وبالله وفي الله؟
الشرح

أيهما الظاهر؟ الثاني هوالظاهرُ قطعًا فمعنى كُنتُ سمعه:يعني أُسدِد سمعَهُ حتى يكون بالله وفي الله ولله. بصره:كذلك يُسدده في بصره حتى يكون بصره في الله ولله وبالله.يده:يُسدد بطشه بيدهِ وعمله بيده حتى يكون لله وبالله وفي الله.رجله:يُسدده في مشيه بحيث يكون مشيه لله وفي الله وبالله.واضح ياجماعة يعني معناه التسديد بلا شك .لكن ما معنى قولنا:لله وبالله وفي الله ؟ لله:- هذا الإخلاص حتى لا يسمع إلا سمعًا يتقربُ به إلى الله ولايُبصِرُ إلا كذلك ولايمشي إلا كذلك ولايبطش إلاكذلك.
بالله:- أي الاستعانة يعني أنه لايعتدُ بنفسهِ ويعتمدُ عليها وإنما يستعينُ بالله.
في الله: في شرعه يعني لايتجاوز الشرع فلايبتدع في دينِ الله ماليس منه بل يكون عملُهُ خالصًا موافِقًا لشريعةِ الله على وجهِ الاستعانةِ به. هذا هو الفرق بين العبارات الثلاثة.
لله:أي خالِصًا,بالله:الاستعانة بالله,في الله: في شرعه لايتجاوزه ولايتعداه.هذا هو معنى الحديث قطعًا أنَّ اللهَ يُسددُ الوليَّ على هذا الوجه يكون عمله لله وبالله وفي الله.
المتن

ولا ريب أن القول الأول ليس ظاهر الكلام، بل ولا يقتضيه الكلام لمن تدبر الحديث، فإن في الحديث ما يمنعه من وجهين:
الشرح

دعوى أنَّ ظاهرَ الحديثِ أن يكونَ اللهُ نفس البصر والسمع واليد والرجل؛هذا في الحديث مايمنعه من وجهين.
المتن

الوجه الأول: أن الله تعالى قال "وما يزال عبدي يتقرب إليّ بالنوافل حتى أحبه"، وقال: "ولئن سألني لأعطيته، ولئن استعاذني لأعيذنه". فأثبت عبدًا ومعبودًا ومتقرِبًا ومتقرَّبًا إليه، ومحِبًا ومحبوبًا، وسائلًا ومسئولاً، ومعطيًا ومعطى، ومستعيذًا ومستعاذًا به، ومعيذًا ومعاذًا.
الشرح

أثبت: عبدًا:-لقوله:"ولايزالُ عبدي"هذا العبد، ومعبودًا أنه لا يُتصورعبودية إلا بعابدٍ ومعبودٍ. مُتَقَرِّبًا ومُتَقَرَّبًا إليه:-"يتقربُ إليَّ"فهنا مُتَقرِّبٌ وهو العبدُ ومُتَقَرَّبٌ إليه وهو اللهُ.
مُحِبًا ومحبوبًا-"حتى أُحِبَّهُ" ؛والحابُ غيرُالمحبوبِ بل هو بائنٌ منه. وسائِلا ومسئولًا-"ولئن سألني"هذا سائلٌ ومسئولٌ. ومُعطِيًا ومُعطىً: "لأعطيَّنه"هذا مُعطِي ومُعطَى. ومُستَعيذًا ومُستعاذًا به-"ولئن استعاذني"هذا مُستعيذ ٌومُستعاذ به.لأن المُستعيذ َلابد أن يكون هناك مُستعاذ به. ومُعِيذًا ومُعاذًا-لقوله"لأعيذنه".
المتن

فسياق الحديث يدل على اثنين متباينين كل واحد منهما غير الآخر، وهذا يمنع أن يكون أحدهما وصفًا في الآخر أو جزءًا من أجزائه.
الشرح

وصفًا في الآخرفي قوله"سمعه وبصره".أوجزءً من أجزائه في قوله"يده ورجله"يده التي يبطشُ بها ورجله التي يمشي بها".فإذا كان هذا شيئين مُتباينين ؛لايمكن أن يكونَ أحدُهما وصفًا في الآخر أو جزءً من أجزائه.فالحديثُ واضحٌ في دلالتهِ على التباينِ بين الخالق والمخلوق.

أم أبي التراب
09-26-2018, 03:42 PM
المتن

الوجه الثاني: أن سمع الولي وبصره ويده ورجله كلُّها أوصاف أو أجزاء في مخلوق حادث بعد أن لم يكن، ولا يمكن لأي عاقل أن يفهم أن الخالق الأول الذي ليس قبله شيء يكون سمعًا وبصرًا ويدًا ورجلاً لمخلوق،....
الشرح

سمعُ الإنسانِ حادثٌ,بصره,يده,رجله هل يُمكن أن يكونَ الخالقُ الأولُ الذي ليس قبله شيءٌ؛يُمكن ان يكون هذا الشيءُ الحادثُ!!.هذا شيءٌ مستحيلٌ غاية َ الاستحالة.وماكان مستحيلًا فلا يمكن أن يكونَ ظاهرَ الحديثِ ولا ظاهرَ القرآن لأن المُستحيل على اسمه مُمتنعُ الوجودِ.فهل يدلُ القرآن والسُنة على شيءٍ مستحيلٍ لاسيما بما يتعلق بجناب الرب-عزوجل-؟ الجواب:لا يمكن وبهذا علمنا من حيثُ اللفظ ومن حيثُ المعنى أن هذا الحديثَ ليس ظاهرهُ أنَّ اللهَ يكونُ سمعَ الوليِّ أوبصره أويده أورجله.بل يقول
المتن

ولا يمكن لأي عاقل أن يفهم أن الخالق الأول الذي ليس قبله شيء يكون سمعًا وبصرًا ويدًا ورجلاً لمخلوق، بل إن هذا المعنى تشمئز منه النفس أن تتصوره، ويحسر اللسان أن ينطق به ولو على سبيل الفرض والتقدير، فكيف يسُوغ أن يقال: إنه ظاهر الحديث القدسي وأنه قد صرف عن هذا الظاهر، سبحانك اللهم وبحمدك لا نحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسك.
الشرح

أقولُ هذا صحيحٌ لا يمكن لأيِّ عاقلٍ أن يتصور أن يكونَ اللهُ تعالى رِجْلاً أو أن يكون يدًا حاشاه وكلا.بل إن الإنسانَ يكادُ لاينطقُ به ولو على سبيلِ الفرض؛ وحينئذٍ يتبيَّن أنَّ دعواهم أنَّ ظاهرَ الحديثِ؛ أن يكونَ اللهُ رجْلَ الوليِّ ويدَهُ وسمعَهُ وبصرَهُ؛دعوى باطلة ٌ لاتمسُّ إلى الحقيقة َبصلة لكن هم يموهون على العوام ويقولون:إنَّ أهلَ السُنةِ يُشَنِعون علينا التأويل وهم يتأوَّلون؛ ونحنُ نقول هذ اليس بتأوِّلٍ لأن هذا الظاهرَ الذي ادعيتموه لايمكن أنَّ يكونَ ظاهرُ الحديثِ لأنه معنى باطل والمعنى الباطل لايمكن أن يكون ظاهر الكلام الحق .
المتن

وإذا تبين بطلان القول الأول وامتناعه تعين القول الثاني وهو أن الله تعالى يسدد هذا الولي في سمعه وبصره وعمله بحيث يكون إدراكه بسمعه وبصره وعمله بيده ورجله كله لله تعالى إخلاصًا، وبالله تعالى استعانة، وفي الله تعالى شرعًا واتباعًا، فيتم له بذلك كمال الإخلاص والاستعانة والمتابعة وهذا غاية التوفيق، وهذا ما فسره به السلف، وهو تفسير مطابق لظاهر اللفظ موافق لحقيقته متعين بسياقه، وليس فيه تأويل ولا صرف للكلام عن ظاهره، ولله الحمد والمنة.
الشرح

أظن هذا واضِحٌ.فصار دعوى أنَّ ظاهِرَ الحديثِ أنَّ اللهَ يكونُ سمعَ الوليِّ وبصره ويدَه ورِجْلَهُ دعوى باطلة ٌ يُبطِلها ما ذكرنا من الوجهينِ.وإذابَطلت تعَيَّنَ أن يكون معنى الحديث أنَّ اللهَ يُسدده بسمعه وبصره ويده ورجْلِه؛ بحيثُ يكونُ سمعُهُ وبصرُهُ وبطشُهُ بيدِهِ ومشيُهُ برجْلِه ؛كله لله وبالله وفي الله.وهذا لاشك أنَّهُ غاية ٌ تامة ٌ لكلِ مَنْ أرادَ الوصولَ إلى ربهِ. ما أكثرَ مايكونُ سمعُنا لغيرِ الله:قد نسمعُ أشياءً نُنصِتُ إليها لغيرِ اللهِ ولكن خوفًا من هذا المخلوق أوخوفًا من أن يُعابَ علينا فيُقالُ هذا الرجلُ لايستمعُ إلى كلام هذا الواعِظِ مثلا فلايكونُ سمعنا لله. وكثيرًا مايكونُ سمعُنا بغيرِ الله: أي أنَّ الإنسانَ يفتَخِرُ بنفسِهِ ويستبِدُ بنفسِهِ ولايُلقي بالًا لمعونةِ اللهِ تعالى له. وتارة ًيكونُ سمعُنا في غيرِ الله-عزوجل-فنسمعُ الشيءَ المُحرمَ واللهو وتضيعُ أوقاتُنا بذلك.لكن إذا سددَ اللهُ الإنسانَ وكان سمعُهُ لله وفي الله وبالله وكذلك بصرُهُ وكذلك بطشُهُ ومشيُه حصَّلَ بذلكَ السعادة َ والتوفيق.

أم أبي التراب
09-26-2018, 03:57 PM
المتن

*المثال الثاني عشر

قوله صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن الله تعالى أنه قال: "من تقرب مني شبرًا تقربت منه ذراعًا، ومن تقرب مني ذراعًا تقربت من باعًا، ومن أتاني يمشي أتيته هَرْوَلَة".
الشرح

ماذا يقولُ أهلُ التعطيلِ؟ يقولُ أهلُ التعطيل إنكم أخرجتم هذا الحديث عن ظاهره ؛لأنَّ ظاهِرَ الحديثِ أنَّ اللهَ تعالى يتقربُ بنفسهِ ذِرَاعًا وباعًا وأنهُ يمشي مشيًا ويُهرولُ هرولة ً..يقولون:هذا ظاهرُ الحديثِ فهل تقولونَ بهذا الظاهِرِ؟ ننظر الآن في شرح هذا المِثال.
المتن

وهذا الحديث صحيح رواه مسلم في كتاب الذكر والدعاء من حديث أبي ذر رضي الله عنه، وروى نحوه من حديث أبي هريرة أيضًا، وكذلك روى البخاري نحوه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه في كتاب التوحيد الباب الخامس عشر.
وهذا الحديث كغيره من النصوص الدالة على قيام الأفعال الاختيارية بالله تعالى، وأنه - سبحانه - فعَّالٌ لما يريد كما ثبت ذلك في الكتاب والسنة مثل قوله تعالى:"وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ"البقرة 186.وقوله:"وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا" الفجر 22.وقوله:"هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ"الأنعام 158. وقوله"الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى" طه 5. وقولِه صلى الله عليه وسلم: "ينزل ربنا إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر"متفق عليه. وقولِه صلى الله عليه وسلم: "ما تصدق أحد بصدقة من طيب - ولا يقبل الله إلا الطيب- إلا أخذها الرحمن بيمينه"البخاري.إلى غير ذلك من الآيات والأحاديث الدالة على قيام الأفعال الاختيارية به تعالى.
الشرح
يعني هل اللهُ-عز وجل-يفعلُ فعلاً حقيقيًا ؟ الجواب:نعم يفعل والأدلة ُكثيرة منها ما سُقناهُ من القرآن والسُنةِ:أنَّ اللهَ يفعلُ مايشاءُ فيجِئُ ويستوي وينزلُ ويفرحُ ويضحكُ إلى غيرِ ذلكَ من أفعاله- سبحانه وتعالى-القائمةِ به.
المتن
فقوله في هذا الحديث: تقربت منه وأتيته هرولة من هذا الباب.
الشرح

وإيش المُرادُ بهذا الباب؟الأفعالُ الاختيارية ُ؛فهي من الأفعالِ الاختياريةِ" تقربتُ وأتيتُهُ هَرْوَلَة ً"هذا فعلٌ من الأفعال؛ فقاعدة السلف أن نثبت هذا الفعل على حقيقتِهِ ونقولُ إنَّ اللهَ يتقربُ من الإنسانِ قدرَ ذراعٍ وقدرَ باعٍ ويأتي هَرْوَلَة ً؛كما نقولُ في قوله تعالى"وجاءَ ربُكَ"إنه يأتي بنفسهِ للقضاءِ بين العبادِ.
المتن

والسلف "أهل السنة والجماعة" يجرون هذه النصوص على ظاهرها وحقيقة معناها اللائق بالله عز وجل من غير تكييف ولا تمثيل. قال شيخ الإسلام ابن تيميه في شرح حديث النزول ص466 جـ5 من مجموع الفتاوى: "وأما دُنوه نفسه وتقربه من بعض عباده فهذا يثبته من يثبت قيام الأفعال الاختيارية بنفسه، ومجيئه يوم القيامة ونزوله واستواءه على العرش، وهذا مذهب أئمة السلف وأئمة الإسلام المشهورين وأهل الحديث، والنقل عنهم بذلك متواتر". أهـ.
الشرح

المؤلف يقول:"دُنُوُه وتقرُبُهُ" وشيخُ الإسلام، إذن فجعل التقربَ من باب الأفعال ؛وقال إنَّ أهلَ الحديثِ والسلفَ وأئمة َالإسلام كلهم يُثبتونَ هذه الصفة أي الصفاتِ الفعلية َ.
المتن

فأي مانع يمنع من القول بأنه يقرب من عبده كيف يشاء مع علوه؟
وأي مانع يمنع من إتيانه كيف يشاء بدون تكييف ولا تمثيل؟
وهل هذا إلا من كماله أن يكون فعالًا لما يريد على الوجه الذي يليق به؟
الشرح

إذن على هذا التقرير نلتزمُ بأنَّ اللهَ تعالى يتقربُ من العبد قدرَ ذِراعٍ أوباعٍ أليس كذلك؟ بلى. كذلك أيضًا نُثبتُ بأنَّ اللهَ تعالى يأتي هَرولة ًلأن إتيانَهُ ثابتٌ. حتى في القرآن؛ لم يزد هذا الحديث على مافي القرآن إلا صفة الإتيان ؛وأنه يكونُ هَرولةً.فنقول:إذا أثبَتَّ أنَّ اللهَ يأتي؛ فإنَّ اللهَ يأتي على أيِّ صفةٍ كانت هَرولةً أو مشيًا أو على أيِّ صفةٍ.مادامَ أثبتَّ أصلَ المعنى وهوالإتيانُ؛ فاثبتْ وَصْفَهُ وهوالهرولة َالتي أثبتها اللهُ لنفسه ولامانع.فإذا قال قائلٌ:كيف هذه الهرولة ُ؟نقول الكيفُ غيرُ معقولٍ أي مجهولٍ والمعنى معروفٌ ؛فأثبِت المعنى وأنفي الكيفية.قال:
المتن

وذهب بعض الناس إلى أن قوله تعالى في هذا الحديث القدسي: "أتيته هرولة". يراد به سرعة قبول الله تعالى وإقبالِه على عبده المتقرب إليه المتوجه بقلبه وجوارحه، وأن مجازاة الله للعامل له أكمل من عمل العامل. وعلل ما ذهب إليه بأن الله تعالى قال في الحديث: "ومن أتاني يمشي" ومن المعلوم أن المتقرب إلى الله - عز وجل - الطالب للوصول إليه لا يتقرب ويطلب الوصول إلى الله تعالى بالمشي فقط، بل تارة يكون بالمشي كالسير إلى المساجد ومشاعر الحج والجهاد في سبيل الله ونحوها، وتارة بالركوع والسجود ونحوهما،.
الشرح

وهذا فيه مشي ولا لأ؟الركوع والسجود مافيه مشي ولو كنتَ تمشي وأنتَ تركعُ يمكن تُكثِر المشيَ فتبطُل صلاتُكَ وفي السجود أيضًا غيرِ ممكنٍ المشي لأن الإنسانَ ثابتٌ.
المتن

وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم: "أن أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد"، بل قد يكون التقرب إلى الله تعالى وطلب الوصول إليه والعبد مضطجع على جنبه كما قال الله تعالى"الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ"آل عمران 191. وقال النبي صلى الله عليه وسلم لعمران بن حصين: "صل قائمًا، فإن لم تستطع فقاعدًا، فإن لم تستطع فعلى جنب".البخاري
قال: فإذا كان كذلك صار المراد بالحديث بيان مجازاة الله تعالى العبد على عمله، وأن من صدق في الإقبال على ربه وإن كان بطيئًا جازاه الله تعالى بأكمل من عمله وأفضل. وصار هذا هو ظاهر اللفظ بالقرينة الشرعية المفهومة من سياقه.
وإذا كان هذا ظاهر اللفظ بالقرينة الشرعية، لم يكن تفسيره به خروجًا به عن ظاهره ولا تأويلاً كتأويل أهل التعطيل، فلا يكون حجة لهم على أهل السنة ولله الحمد.
الشرح

أفهمتم المعنى الثاني؟المعنى الثاني يقولون:إنَّ الحديثَ ليس ظاهِرُهُ أنَّ اللهَ تعالى يأتي ويقْرَبُ بدليل أن الإنسان الذي يتعبدُ إلى الله هل هو يمشي إلى الله في تعبده؟قد يكونُ وقد لايكون.قد يكونُ التعبدُ المشيَ ؛كالطوافِ والسعيِّ مثلاً ؛وقد يكونُ التعبدَ الاستقرارُ والسكونُ مثل الركوع والسجودِ ؛اركع حتى تطمئنَ راكعًا واسجُد حتى تطمَئنَ ساجِدًا.فهل نقولُ هذا الذي ركعَ أوسجَدَ أنَّهُ لم يتقربْ إلى اللهِ؟ولم يأتِ إلى الله؟ الجواب:بل تقربَ إلى اللهِ وأتى"أقربُ مايكونُ العبدُ من ربهِ وهوساجِدٌ".إذن فليس ظاهرُالحديثِ الإتيان َ الفعلي وإنما المرادُ به الإتيانُ المعنويُ وهوالإقبالُ على اللهِ- عزوجل- بالقلبِ والجوارحِ وعلى هذا فلا يكونُ فيه تأويلٌ.لايكونُ فيه التأويلَ الذي ذهبَ إليه أهلُ التعطيلِ.
المتن

وما ذهب إليه هذا القائل له حظ من النظر لكن القول الأول أظهر وأسلم وأليق بمذهب السلف.
ويجاب عما جعله قرينة من كون التقرب إلى الله تعالى وطلب الوصول إليه لا يختص بالمشي بأن الحديث خرج مخرج المثال لا الحصر فيكون المعنى: من أتاني يمشي في عبادة تفتقر إلى المشي لتوقفها عليه بكونه وسيلة لها كالمشي إلى المساجد للصلاة أو من ماهيتها كالطواف والسعي. والله تعالى أعلم.
الشرح
ولهذا قلنا: إن تفسير الحديث بهذا المعنى لايخرج عن مذهب أهل السنة والجماعة ؛ ففيه قولان ؛ لكن ظاهر الحديث المشي والهرولة.
والقاعدة عند أهل السنة : أن الظاهر إذا كان غير مستحيل بالنسبة إلى الله ؛وجب حمله على الظاهر؛ وليس بمستحيل أن يمشي الله أو يأتي هَرولة.

أم أبي التراب
09-26-2018, 05:08 PM
*المثال الثالث عشر

قوله تعالى"أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا" يس 71.
الشرح
أهلُ التعطيل يقولون:إنكم أهلَ السُنةِ صرفتم هذه الآية َ عن ظاهرها فإذا سوَّلت لكم أنفسُكم أن تصرفوا هذه الآية َعن ظاهرها فلماذا تُنكرون علينا صرف الآيات الأخرى عن ظاهرها؟ وهل البابُ إلا واحدٌ؟. قلنا لهم:ما ظاهِرُها؟ قالوا:ظاهرها أنَّ اللهَ تعالى ما خلق الأنعام كالإبل بل خلقها بيده كما خلقَ آدمَ بيدهِ لأنه قال "مماعَمِلت أيدينا أنعامًا"فهوكقوله:"لِمَا خلقتُ بيدي". هكذا زعموا أن هذا ظاهِرُ الآيةِ.ونحنُ نقولُ ليس هذا ظاهرُ الآيةِ لوجهين:الوجه الأول.
المتن

والجواب: أن يقال: ما هو ظاهر هذه الآية وحقيقتها حتى يقال إنها صرفت عنه؟
هل يقال: إن ظاهرها أن الله تعالى خلق الأنعام بيده كما خلق آدم بيده؟
أو يقال: إن ظاهرها أن الله تعالى خلق الأنعام كما خلق غيرها لم يخلقها بيده لكن إضافة العمل إلى اليد والمراد صاحبها معروف في اللغة العربية التي نزل بها القرآن الكريم.
أما القول الأول فليس هو ظاهر اللفظ لوجهين:
أحدهما: أن اللفظ لا يقتضيه بمقتضى اللسان العربي الذي نزل به القرآن، ألا ترى إلى قوله تعالى: "وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ"الشورى 30، وقوله: "ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ" الروم 41، وقوله: "ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُم"آل عمران 182. فإن المراد ما كسبه الإنسان نفسه وما قدمه وإن عمله بغير يده بخلاف ما إذا قال: عملته بيدي كما في قوله تعالى"فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ"البقرة 79. فإنه يدل على مباشرة الشيء باليد.
الشرح

أظنُ الفرقَ بين الصيغتين ظاهرٌ؟ تقول:عملتُهُ بيدي فيقتضي مباشرته باليدِ.لكن بما كسبت أيدينا وما أشبه ذلك لايدلُ على أن المرادَ مباشرتُهُ باليدِ.ولهذا نقول:عملُ الناس هل هو باليد؟ اوباليد والرجْل والعين والأذن وغير ذلك من الجوارح؟. الثاني. ولهذا قوله تعالى"بما كسبت أيدي الناس","فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ",بما قدمت أيديكم"المُرادُ بما قدَّمتم؛ سواءٌ عملتموه باليدِ أوعملتموه بالرجل أوعملتموه بالأذن أو عملتموه بالعين أو عملتموه بالأنف أوعملتموه بالفم أوعملتموه بالرأس أو بالصدر أوبالظهر.تستقيم هذه الأمثلة أم ماتستقيم؟كلها تستقيم.عملتموه باليد بالبطش كالاعتداء على شخص بالضرب,بالرجل بالمشي كالمشي إلى الأشياء المحرمة أو الرَّكل بالرجل هذا عملٌ بالرجل.,بالعين:النظر المحرم, بالأذن:السماع المحرم, باللسان:الكلام المحرم, بالرأس عَفهُ برأسه,بالظهر: يُدبرعليه بظهره,الأنف:بالشم يشم الرائحة الطيبة من امرأةٍ لاتحِلُ له,كذلك أيضًا بالصدر:يرُصًّه بصدره مثلًا.على كل حال كلُ هذا ممكنٌ فالعمل لايختصُ باليد فقوله" بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ","فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ"," بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ"المرادُ إيش؟ بما كسبوا سواءٌ عن طريق اليد أو عن طريق الرجل أوغير ذلك.فهذه الصيغة لا تدلُ على مباشرةِ الشيءِ باليد خاصة ًبل تُضافُ إلى الإنسان؛ بل يُرادُ بها الإنسانَ نفسَه.فإذا قال قائلٌ:إذا كان المرادُ بها الإنسان نفسَهُ؛ فلماذا أضيفت إلى اليد؟ نقول لأن الغالب أن العملَ يكونُ باليدِ.الأعمالُ التي يُزاولها الإنسانُ أكثرُ مايكونُ باليدِ:الكتابة ُباليد,الربط ُباليد, الفكُ باليد,الصناعة ُباليد والأكلُ باليد وغيرُذلكَ.أكثرُ الأعمالِ تُزاولُ باليدِ فلهذا أُضيفت الأعمالُ إليها بِنَاءً على الغالبِ والكثرةِ.والتقييدُ بالأغلبِ والكثرةِ لايدل ُ على التخصيص. إذن نرجعُ إلى قوله تعالى" مِّمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا"لم يقل:مماعَمِلنا بأيدينا".لوقال مما عملنا بأيدينا أنعاماً لكانَ اللهُ تعالى خلقها بيدهِ لكن قال" مِّمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا" المعنى مماعملنا؛ فهو كقوله"مِمَّا خَلَقْنَا "نعم" لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَّيْتًا وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنَا أَنْعَامًا وَأَنَاسِيَّ كَثِيرًا "الفرقان49 "فالمرادُ أنَّ هذه الأنعامَ عمِلها اللهُ-عزوجل-بنفسهِ يعني خلقها؛ وليس المعنى أنه عملها بيده أي خلقها بيده لأن هذا اللفظ َلايقتضيه في اللغةِ العربيةِ.

أم أبي التراب
09-27-2018, 12:41 AM
المتن

الثاني: أنه لو كان المراد أن الله تعالى خلق هذه الأنعام بيده لكان لفظ الآية: خلقنا لهم بأيدينا أنعامًا كما قال الله تعالى في آدم: "مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيّ"؛ لأن القرآن نزل بالبيان لا بالتعمية؛ لقوله تعالى "وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْء".
الشرح

نعم لو كانَ اللهُ تعالى يريدُ بقوله"مماعَمِلت أيدينا"أي مماخلقناه بأيدينا لكان يقول"مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا " ؛كقوله في آدمَ يُخاطبُ إبليس "مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ" ص: 75.والظاهرُ أن الأمرَ واضحٌ في هذا حينئذٍ نقولُ:نحنُ لم نُخرجْ الآية َعن ظاهرها.
المتن

وإذا ظهر بطلان القول الأول تعين أن يكون الصواب هو القول الثاني وهو: أن ظاهر اللفظ أن الله تعالى خلق الأنعام كما خلق غيرها؛ ولم يخلقها بيده لكن إضافة العمل إلى اليد كإضافته إلى النفس بمقتضى اللغة العربية، بخلاف ما إذا أضيف إلى النفس وعدي بالباء إلى اليد، فتنبه للفرق فإن التنبه للفروق بين المتشابهات من أجود أنواع العلم، وبه يزول كثير من الإشكالات.
الشرح

إذن أهلُ السُنةِ والجماعةِ لم يَخْرُجُوا بهذه الآيةِ عن ظاهرِ اللفظِ وحينئذٍ فلايكونُ فيها حجة ٌلأهلِ التعطيلِ على أهلِ السُنةِ. *إذا كان مدخولُ الباءِ هوآلة َالفعلِ؛عُدِّيَ بالباء,كتبتُ بيدي,قطعتُهُ بالسكين وما أشبهُ ذلك.أما إذا لم يكنْ هوآلةَ الفعل فإنه لايُعدّ بالباء.

أم أبي التراب
09-27-2018, 12:51 AM
المتن

*المثال الرابع عشر

قوله تعالى"إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ"الفتح 10
الشرح

هنا يقول:"إنَّ الذينَ يُبايعونكَ إنما يُبايعونَ اللهَ"قالوا إنَّ ظاهرَ اللفظِ ؛ أنَّ الناسَ يُبايعونَ اللهَ مباشرة ً"يدُ اللهِ فوقَ أيديهم"عند المبايعةِ؛ قالوا هذا ظاهرُاللفظِ.يقولُهُ مَنْ؟ المُعَطِلة.لماذا؟ لأجل أن يُلزمونا إمابالقولِ به وهو ممتنِعٌ ؛وإما بمخالفته وهوما يُريدونه منَّا.انتبهوا! يقولون:ظاهرُ اللفظِ أنَّ المبايعة َوقعت من المؤمنين للهِ مباشرة ؛ًوأنَّ يدَ اللهِ نفسِهِ فوقَ أيديهِم عند المبايعةِ.هذا هو ظاهرُ اللفظِ عندهم.يقولونَ هذا هو الظاهرُ لأجل أن يُلزمونابه ونحنُ لانلتزمُ بهذا.نقول:المؤمنون إنما بايعوا؛ مَنْ؟ الرسول-صلى الله عليه وسلم- ؛فيقولون:إذن صرفتم الآية َعن ظاهرها؛ فلماذا تُشنِعون علينا إذا صرفنا الآياتِ عن ظاهرها وأنتم تصرفون الآياتِ عن ظاهرها؟ هذه شُبهتهم والردُ عليهم:
المتن

والجواب: أن يقال: هذه الآية تضمنت جملتين:
الجملة الأولى: قوله تعالى: "إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ"الفتح 10. وقد أخذ السلف "أهل السنة" بظاهرها وحقيقتها، وهي صريحة في أن الصحابة - رضي الله عنهم - كانوا يبايعون النبي صلى الله عليه وسلم نفسه ؛كما في قوله تعالى: "لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ"الفتح 18.
الشرح

واضحٌ هذه؟"إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ "يُبايعونك ؛صريحٌ في المبايعةِ.المبايعة ُحصلت للرسول-صلى الله عليه وسلم-لقوله"لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ".فالمبايعة ُحقيقية ً ومباشرة ًلمَنْ؟للرسول صلى الله عليه وسلم ؛هذا أمرٌ لايُنكرُ.تبقى الجملة الثانية .
المتن

ولا يمكن لأحد أن يفهم من قوله تعالى: "إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ" الفتح 10 ؛ أنهم يبايعون الله نفسه، ولا أن يدعي أن ذلك ظاهرُ اللفظ لمنافاتِهِ لأول الآية ؛والواقع استحالته في حق الله تعالى.
الشرح

طيب ذكرَ ثلاثة َتعليلاتٍ:
أولاً:"أنَّهُ مُنافٍ لأولِ الآيةِ" ويش أول الآية؟"إنَّ الذينَ يُبايِعونَكَ" والبيعة ُبيعة ٌواحدة ٌوقعت للرسول وليس لله-عزوجل-.
ثانيًا:"لمُنافاتِه للواقع"لأن الواقِعَ أنَّ الصحابة َإنما بايعوا مَنْ؟ الرسولَ-صلى الله عليه وسلم- ولم يقل أحدٌ ولم يفهم أحدٌ أنَّ اللهَ-عزوجل-مدَّ يدَهُ إليهم ليُبايِعهم.
ولهذا جاء الوجه الثالث:"استحالتَه ُ على الله-عزوجل-"فإنَّ ذلكَ مستحيلٌ لأننا لوقلنا إنهم يُبايعون اللهَ حقيقة ً؛لَزِمَ إما أن يرتفعوا إلى الله كما قال اللهُ تعالى في عيسى: "ورافِعُكَ إليَّ"وإما أنَّ اللهَ تعالى ينزلُ وكلا الأمرينِ مستحيلٌ.وبهذا عُرِفَ أنَّهُ ليس ظاهرَ الآيةِ كما زَعِمَ هؤلاءِ.وكلُّ هذه الآياتِ وأمثالِها؛كلُّها إنما يأتي بها هؤلاء لإلزام أهلَ السُنةِ والجماعةِ بأحدِ أمرين: إما أن يُؤوِّلوا وإما أن يُداهِنوا ويسكتوا عن هؤلاءِ الذين أوَّلوا النصوصَ وصرفوها عن ظاهِرِها.
المتن

وإنما جعل الله تعالى مبايعة الرسول صلى الله عليه وسلم ؛مبايعة له؛ لأنه رسوله قد بايع الصحابةَ على الجهاد في سبيل الله تعالى، ومبايعة الرسول على الجهاد في سبيل من أرسله مبايعةٌ لمن أرسله؛ لأنه رسوله المبلغ عنه، كما أن طاعة الرسول طاعة لمن أرسله لقوله تعالى:"مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ". النساء 80
الشرح

الآن مثلاً لو أنَّ المَلِكَ أرسلَ أُناسًا إلى البُلدان ليُبايِعوا عنهُ؛فإنَّ هؤلاءِ الرُسلَ الذين بايعوا أهلَ البلدان إذا بايعُهم الناس؛ فإنما بايعوا مَنْ؟ الملك.المبايعة ُالمباشِرة ُ لرُسلِهِ ولكنَّ حقيقتَها للملك.هذه نظيرُهذه.فهؤلاءِ بايعوا الرسولَ-عليه الصلاة والسلام-لأنَّ اللهَ- سبحانه وتعالى أمرَهُ أن يُبايِعَهُم أو أقرَّهُ على ذلكَ ؛فصارت مبايَعَتُهم للرسول-صلى الله عليه وسلم-مبايعة ٌلله-عزوجل-ولاتدلُ الآية ُأبدًا على أنهم بايعوا اللهَ مباشرة أبدًا؛ لما سبق من الوجوهِ الثلاثةِ:منافاة ُالآيةِ لأولها,ومخالفتُها للواقع ؛واستحالتُه ُ.
المتن


وفي إضافة مبايعتهم الرسولَ صلى الله عليه وسلم إلى الله تعالى من تشريف النبي صلى الله عليه وسلم وتأييده وتوكيد هذه المبايعة وعظمها ورفع شأن المبايعين ما هو ظاهر لا يخفى على أحد.
الشرح

مافيه شك في هذه الإضافةِ عدة ُفوائدٍ:
أولاً-تشريفُ النبي-صلى الله عليه وسلم-:وجهُ ذلك أنَّ اللهَ جعلَ مبايعتَهُ أي مبايعة َالرسول-عليه الصلاة والسلام مبايعةًلله فهو-عليه الصلاة والسلام-كالنائبِ عنِ الله عزوجل وهذا ولاشكَ أنَّهُ تشريفٌ ؛كإضافةِ العبوديةِ الخاصةِ في مثلِ قولِهِ:"تباركَ الذي نزَّلَ الفرقانَ على عبدِهِ".
ثانيًا- توكيدُ المبايعةِ وعِظَمِها لأنها وقعت لمَنْ؟ لله-عزوجل- ومعلومٌ أنَّ المبايعة َللهِ تقتضي توكيدُ الوفاءِ بها.
ثالثًا-رفعُ شأنِ المبايعين أيضًا:ماهوَظاهرٌ لأنه إذا قيلَ لهذا الرجلِ:أنتَ الآنَ بايعتَ اللهَ-عزوجل-لاشكَ أنَّ فى هذا رفعًا لشأنِهِ وتشريفًا لهم. فهذا هو وجهُ قولِهِ تعالى:"إنما يُبايِعونَ اللهَ"فأضافَ المبايعة َلله لأنها وقعت من رسولِهِ المُبلِغِ عنه,ولِما فيها من التوكيد والتعظيم لهذه البيعةِ ورفعِ شأنِ المبايِعِين .
المتن

الجملة الثانية: قوله تعالى: "يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِم"الفتح 10. وهذه أيضًا على ظاهرها وحقيقتها، فإن يد الله تعالى فوق أيدي المبايعين؛ لأن يده من صفاته وهو سبحانه فوقهم على عرشه، فكانت يده فوق أيديهم. وهذا ظاهر اللفظ وحقيقتُه ؛وهو لتوكيد كون مبايعة النبي صلى الله عليه وسلم مبايعة لله عز وجل، ولا يلزم منها أن تكون يد الله جل وعلا مباشرة لأيديهم، ألا ترى أنه يقال: السماء فوقنَا مع أنها مباينة لنا بعيدة عنا. فيد الله عز وجل فوق أيدي المبايعين لرسوله صلى الله عليه وسلم مع مباينته تعالى لخلقه وعلوه عليهم.
الشرح

تنبيهٌ مهمٌ:لأنه قد يُحتجُ به مَنْ يقولون بوحدةِ الوجودِ أو بالاتحادِ يقولون:إنما قولَهُ تعالى:"إنَّ الذين يُبايعونكَ إنما يُبايِعونَ اللهَ"إذن فالرسولُ هواللهُ"ويدُ اللهِ فوقَ أيديهم"قالوا:اللي فوق أيديهم يدُ الرسول فجعلوا يدَ الرسولِ يدًا للهِ وحينئذٍ يكونُ الرسولُ-صلى الله عليه وسلم-هوالله-عز وجل-نسألُ اللهَ العفوَ والعافية َهذا لا يُمكنُ أبدًا.
المتن

ولا يمكن لأحد أن يفهم أن المراد بقوله: "يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِم" يد النبي صلى الله عليه وسلم، ولا أن يدعي أن ذلك ظاهر اللفظ؛ لأن الله تعالى أضاف اليد إلى نفسه، ووصفها بأنها فوق أيديهم. ويد النبي صلى الله عليه وسلم عند مبايعة الصحابة لم تكن فوق أيديهم، بل كان يبسطها إليهم، فيمسك بأيديهم كالمصافح لهم، فيده مع أيديهم لا فوق أيديهم.

أم أبي التراب
09-27-2018, 01:32 AM
*المثال الخامس عشر

قوله تعالى في الحديث القدسي"يا ابن آدم، مرضت فلم تعدني". الحديث.
وهذا الحديث رواه مسلم في باب فضل عيادة المريض من كتاب البر والصلة والآداب رقم 43 ص1990 ،ترتيب محمد فؤاد عبد الباقي، رواه مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ يقولُ ، يومَ القيامةِ : يا بنَ آدمَ ! مرِضتُ فلم تعُدْني . قال : يا ربِّ ! كيف أعودُك ؟ وأنت ربُّ العالمين . قال : أما علمتَ أنَّ عبدي فلانًا مرِض فلم تعدْه . أما علمتَ أنَّك لو عدتَه لوجدتني عنده ؟ يا بنَ آدم ! استطعمتُك فلم تُطعمْني . قال : يا ربِّ ! وكيف أُطعِمُك ؟ وأنت ربُّ العالمين . قال : أما علمتَ أنَّه استطعمك عبدي فلانٌ فلم تُطعِمْه ؟ أما علمتَ أنَّك لو أطعمتَه لوجدتَ ذلك عندي ؟ يا بنَ آدمَ ! استسقيتُك فلم تَسقِني . قال : يا ربِّ ! كيف أسقِيك ؟ وأنت ربُّ العالمين . قال : استسقاك عبدي فلانٌ فلم تَسقِه . أما إنَّك لو سقَيْتَه وجدتَ ذلك عندي"رواه مسلم –كتاب البر والصلة.
الشرح

طيب هؤلاءِ ما قالوا ظاهرَ الحديثِ؟ ظاهرُ الحديثِ أنَّ اللهَ يمرضُ وأنَّ اللهَ يحتاجُ إلى الطعام ويحتاجُ إلى الشرابِ.قالوا:هذا ظاهرُالحديثِ فهل أنتم يا أهلَ السُنةِ تقولون - بهذا-؟
الجواب:لأ لكننا لانقولُ إنَّ هذا ظاهِرُ الحديثِ.لكن هم يقولون بل هذا ظاهرُ الحديثِ من أجل أن يُلزمونا بأننا أوَّلنا.وتأمل هذا الحديث فيه فوائدٌ عظيمة
أولًا: أنَّ اللهَ تعالى قال"يا ابن آدم مرضتُ فلم تعدني" قال:يارب كيفَ أعودكَ وأنتَ ربُ العالمين؟ما قال: كيفَ تمرضُ وأنتَ ربُ العالمين؟ وهذا من بابِ الأدبِ لأن المرضَ ليس من شأنِ العائدِ.اللي من شأن العائدِ وفعلِهِ هوالعيادة فلهذا قال:كيف أعودَك وأنتَ ربَ العالمين.يعني فأنتَ لستَ بحاجةٍ إليَّ ففعلي هذا لا تحتاجُ إليهِ فهو إنما دافعَ هذا الرجلُ دافَعَ عن فعلهِ هو عن نفسِهِ وما يُمكن أن يكون تقصيرًا له.كذلك في الاستطعام قال"استطعمتُكَ فلم تُطعمني" قال:يارب وكيفَ أُطعمُكَ وأنتَ ربُ العالمين؟ ولم يقل: يارب كيف تستطعِمُني وأنتَ ربُ العالمين؟ ولكن قال: كيف أُطعمُكَ وأنتَ ربُ العالمين؟ فدافع عن فعله لاعن أنَّ اللهَ تعالى يستطعم.يقول "يا ابن آدم استسقيتك فلم تُسقني"قال:يارب كيف أُسقيكَ وأنت ربُ العالمين؟ فدافع أيضًا عن فعل نفسه.وقد يُقالُ إنه عَدَّلَ عن قوله كيف تمرض؟ كيف تحتاجُ إلى طعام؟ كيفَ تحتاجُ لشرابٍ لأنَّ هذا أمرٌ معلومٌ لأنه مستحيلٌ على الله عز وجل لكن العِيادة َوالإطعامَ والسَّقيَ مستحيلٌ ولاَّ غيرُ مستحيلٍ؟غير مستحيلٍ بالنسبةِ لفعلِ الفاعلِ فدافعَ عنه.ثم تأمل الحديثَ في المرضِ: قال"لوعدتَهُ لوجدتني عنده". في الطعام: قال "لوأطعمتَهُ لوجدتَ ذلك عندي". في السَّقي:قال "لوسقيتَهُ لوجدتَ ذلك عندي".
لماذا فَرَقَ؟ لأن المريضَ يكونُ في حالِ ضعفٍ وفي حال انكسارٍ واللهُ-سبحانه وتعالى-عندَ المُنكَسِرَةِ قلوبُهم عندَ الضعفاءِ فلهذا كانَ اللهُ تعالى عندَ المريضِ أما الطعام والشراب فإنَّ الطعامَ والشرابَ إنفاقٌ؛ والإنفاقُ يجدهُ الإنسانُ عندَاللهِ-عزوجل-"مثلُ الذينَ يُنفِقونَ أموالَهُم في سبيلِ اللهِ كمثلِ حبةٍ أنبتت سبعَ سنابلَ في كلِ سُنبلةٍ مئة ُحبةٍ" نعم نرجع الآن إلى الردعلى هؤلاءِ
المتن

والجواب: أن السلف أخذوا بهذا الحديث ولم يصرفوه عن ظاهره بتحريف يتخبطون فيه بأهوائهم، وإنما فسروه بما فسره به المتكلم به، فقوله تعالى في الحديث القدسي: "مرضت واستطعمتك واستسقيتك" بينه الله تعالى بنفسه حيث قال: "أما علمت أن عبدي فلان مرض، وأنه استطعمك عبدي فلان. واستسقاك عبدي فلان". وهو صريح في أن المرادَ به مرضُ عبد من عباد الله، واستطعام عبد من عباد الله، واستسقاء عبد من عباد الله، والذي فسره بذلك هو الله المتكلم به وهو أعلم بمراده، فإذا فسرنا المرض المضاف إلى الله والاستطعام المضاف إليه والاستسقاء المضاف إليه، بمرض العبد واستطعامه واستسقائه لم يكن في ذلك صرف الكلام عن ظاهره؛ لأن ذلك تفسير المتكلِّم به فهو كما لو تكلم بهذا المعنى ابتداءً. وإنما أضاف الله ذلك إلى نفسه أولاً ؛للترغيب والحثِ عليه كقوله تعالى "مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ" البقرة 245
الشرح

مع أنَّ الذي يتصدق هل هو يُقرضُ الله؟ لأ إنما يُعطي الفقير لكن سماهُ اللهُ تعالى إقراضًا له من باب الترغيبِ والحثِ وبيان أنَّ هذا لابدَ أن يُثابَ عليه كالمُقرِض لابدَ أن يُوفَى.الحاصلُ أننا نحن إذا قلنا المرادُ بمرضتُ أي مَرِضَ عبدي واستطعمتُك أي استطعمَكَ عبدي واستسقيتُكَ أي استسقاكَ عبدي إذا قلنا بهذا فهل نحنُ أوَّلنا الحديثَ؟ أو نحنُ قلنا بما فسَرَهُ به مَنْ تكلمَ به؟ الثاني.
وإذا قلنا بما فسرهُ المتكلمُ فكأنما قلنا بكلامٍ ابتدائي أي لو ابتدأ اللهُ وقال "مرِضَ عبدي فلم تُعِدهُ,استطعمكَ عبدي فلم تُطعِمْهُ واستسقاكَ فلم تُسْقِهِ"لوكنا نقولُ بهذا.إذن مادامَ فَسَرَ مرضتُ واستطعمتُكَ واستسقيتُك بمعنى مَرِضَ عبدي واستطعمَكَ واستسقاكَ؛ فنحنُ لم نُخرجْ الحديثَ عن معناه الذي أرادَهُ به المتكلم.
المتن

وهذا الحديث من أكبر الحجج الدامغة لأهل التأويل الذين يحرفون نصوص الصفات عن ظاهرها بلا دليل من كتاب الله تعالى ولا من سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وإنما يحرفونها بشبه باطلة هم فيها متناقضون مضطربون. إذ لو كان المراد خلاف ظاهرها كما يقولون لبينه الله تعالى ورسوله، ولو كان ظاهرُها ممتنعًا على الله - كما زعموا - لبينه الله ورسوله كما في هذا الحديث. ولو كان ظاهرها اللائق بالله ممتنعًا على الله لكان في الكتاب والسنة من وصف الله تعالى بما يمتنع عليه ما لا يحصى إلا بكُلْفَة، وهذا من أكبر المحال.
الشرح

نقول هذا الحديث دليلٌ دامغٌ وحُجة ٌ ظاهرة ٌ على هؤلاءِ المُحرِّفين لنصوصِ الكتابِ والسُنةِ في بابِ الصفاتِ.لأننا نقول:لوكانَ المُرادُ خِلافَ ظاهرِها لبيَّنَهُ اللهُ كما بيَّنهُ في هذا الحديثِ.هذا الحديث لما كانَ المُرادُ غيرَظاهرهِ بيَّنهُ الله-عزوجل-ولوكان ظاهِرُهُ ممتنعًا على اللهِ كما زعموا لبيَّنَهُ اللهُ ورسولُهُ كما في هذا الحديثِ.فاليدُ مثلاً يقولون:يمتنِعُ أن يكون لله يد الحقيقية.نقول:لوكان هذا ممتنعًا لبيَّنهُ اللهُ لِئَلا نعتقدَ فيهِ ماهو ممتنعٌ.طيب وإذا قلنا:إنَّ ظاهِرَها خِلافُ المعنى اللائقُ باللهِ وهو الاحتمالُ الثالث.لوقلنا:إنَّ ظاهِرَها ممتنِعٌ على اللهِ لكان في الكتابِ والسُنةِ مِنْ وصفِ اللهِ بما يمتنعُ عليه مالا يُحصى إلابكلفَةٍ صح ولا لأ؟ لأن الصفاتِ التي في الكتابِ والسُنةِ كثيرة فإذا قلنا أن بظاهرِها ممتنعٌ؛صارَ في الكتابِ والسُنةِ مما يمتنعُ على اللهِ الشيءُ الكثير.مثلاً الاستواء بمعناه الحقيقي ممتنعٌ اليد بمعناها الحقيقي ممتنعة ٌ الوجهُ ممتنعٌ الرضا ممتنعٌ وهكذا بقيةُ الصفاتِ إذن في الكتابِ والسُنةِ مِنْ ذِكرِ ماهو ممتنعٌ على اللهِ ونُسِبَ إليهِ ما هوكثيرٌ وهذا بلاشكٍ ظاهرُ البُطلانِ.كلُ مَنْ تأمله يعلمُ أنه باطلٌ ومن أبطلِ الباطلِ.
المتن

ولنكتف بهذا القدر من الأمثلة لتكون نبراسًا لغيرها، وإلا فالقاعدة عند أهل السنة والجماعة معروفة، وهي إجراء آيات الصفات وأحاديثها على ظاهرها من غير تحريف ولا تعطيل ولا تكييف ولا تمثيل.
وقد تقدم الكلام على هذا مستوفى في قواعد نصوص الصفات. والحمد لله رب العالمين.

أم أبي التراب
09-27-2018, 02:10 AM
الخاتمة

إذا قال قائل قد عرفنا بطلان مذهب أهل التأويل في باب الصفات، ومن المعلوم أن الأشاعرة من أهل التأويل فكيف يكون مذهبهم باطلاً وقد قيل: إنهم يمثلون اليوم خمسة وتسعين بالمائة من المسلمين؟!
الشرح

نعم قيل هذا.كتبَ بعضُ الناسِ كتابًا نُشِرَ في الصحفِ يتكلم عن مذهبِ الأشاعِرةِ وأنَّهُ من مذهبِ أهلِ السُنةِ والجماعةِ وأنَّ أهلَ السُنةِ والجماعةِ ينقسِمون إلى قسمينِ: مُفوِّضةٍ ومؤوِّلةٍ . فالمُفوِّضة:الذين يقولون:اللهُ أعلمُ بما أرَادَ ويسكتون. والمؤولة:الذين يُحرِفون النصوصَ.
ويقول: أن المؤوِّلة ومنهم الأشاعرة بل قال:إنَّ الأشاعرة يُمثلونَ اليومَ خمسة ًوتسعينَ بالمئةِ من المسلمين يعني مابقي على مذهبِ السلفِ إلا خمسة بالمئةِ فقط والباقون كلُهُم أشاعرة.ومعلومٌ أنَّ هذا الكلام في الحقيقةِ ماهو صحيحٌ كما سيأتي إن شاءَ اللهُ تعالى.
المتن

وكيف يكون باطلاً وقدوتهم في ذلك أبو الحسن الأشعري؟
وكيف يكون باطلاً وفيهم فلان وفلان من العلماء المعروفين بالنصيحة لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم؟
الشرح

كم الأسئلة الآن الأسئلة ثلاثة :
الأول:كيف نقول إن الأشاعرة َمذهبُهُم باطلٌ مع أنهم يُمثلون اليوم95 %.
ثانيا:كيف نقول إنَّ مذهَبَهُم باطلٌ وقدوتَهم أبو الحسن الأشعري؟
ثالثاً:كيف نقول إنَّ مذهبَهُم باطلٌ وفيهم فلانٌ وفلانٌ من العلماء؟ ولم نُعين أسماءهم لأنهم معروفون.يوجد من الأشاعرة من العلماء الناصحين المعروفين بالصِدقِ والإخلاصِ ونفْعِ المسلمين ماهو ظاهرٌ ؛كالنووي-رحمه الله-مثلا. النووي لاشكّ أنَّ الرجلَ عالمٌ مُخلصٌ نفع اللهُ بعلمِهِ ولهذا ما أكثرُ الذين يعتبرون قولَهُ وينقلونَهُ ويحتجون به وهوكذلك-رحمه الله-لكن مع هذا فى باب الصفاتِ صار مُخطِئًا فيها-رحمه الله وعفا عنه-. كيف نقول إنَّ الأشاعرة َمَذهَبُهُم باطلٌ وفيهم مثلُ هذا الرجل؟واضحٌ؟ لأن بعضَ الناسِ يحتجُ بالرجالِ على الحق ؛والواجب أن نحتجَ بالحقِ على الرجال.وما هو بالرجال على الحق.
المتن

قلنا: الجواب عن السؤال الأول: أننا لا نسلم أن تكون نسبة الأشاعرة بهذا القدر بالنسبة لسائر فرق المسلمين، فإن هذه دعوى تحتاج إلى إثبات عن طريق الإحصاء الدقيق.
ثم لو سلمنا أنهم بهذا القدر أو أكثر فإنه لا يقتضي عصمتَهم من الخطأ؛ لأن العصمة في إجماع المسلمين لا في الأكثر.
ثم نقول: إن إجماع المسلمين قديمًا ثابت على خلاف ما كان عليه أهل التأويل، فإن السلف الصالح من صدر هذه الأمة "وهم الصحابة" الذين هم خير القرون والتابعون لهم بإحسان وأئمة الهدى من بعدهم كانوا مجمعين على إثبات ما أثبته الله لنفسه أو أثبته له رسوله من الأسماء والصفات، وإجراء النصوص على ظاهرها اللائق بالله تعالى من غير تحريف ولا تعطيل ولا تكييف ولا تمثيل.
وهم خير القرون بنص الرسول صلى الله عليه وسلم، وإجماعهم حجة ملزِمة؛ لأنه مقتضى الكتاب والسنة، وقد سبق نقل الإجماع عنهم في القاعدة الرابعة من قواعد نصوص الصفات.
الشرح

إذن الجواب على هذا السؤال من ثلاثةِ أوجُهٍ:
أولاً:المنع؛ يعني أننا نمنع أنَّ يكونَ نسبة ُالأشاعِرةِ إلى المسلمين خمسة ٌوتسعُون في المئةِ .ووجهُ المنعِ أن نقولَ:هل أُجرِيَت إحصائيةٌ ؟ الجواب:لأ؛ لكن هذا وَهْمُهُ.توهمَ أنَّ نسبة الأشاعرةِ إلى المسلمين خمسة ٌوتسعُون في المئةِ ؛وهذا لايُسلَّم.
ثانيًا: لوسلمنا جدلاً على أنهم بهذا القدرِأنهم خمسة ٌوتسعُون في المئةِ في الوقتِ المعاصر فهل هذا يقتضي عصمتَهُم من الخطأ؟ لأ. العِصمَة في إيش؟في الإجماعِ أما قولُ الأكثر فقد يكون هو الخطأ وقولُ الأقلِ هو الصوابُ كما في هذه المسألةِ لاشك أنه وإن كان من الأشاعرة خمسة ٌوتسعُون في المئةِ فإنَّ قولَ الـ الخمسة في المئة هو الصوابُ الموافِقُ لمذهبِ السلفِ.
ثالثًا:إذا كانوااليوم كما تزعُمون خمسة ٌوتسعُون في المئةِ فإنهم في صدرِسلف الأمةِ ليسوا بشيءٍ لأنَّ سلفَ الأمةِ مُجمِعون على خلافِ مذهبِ الأشاعرة ؛وإجماعُ السلفِ الصالحِ حجة ٌ مُلزِمَة ٌ.فكان على الأشاعرةِ وعلى غيرِهِم ممن خالفوا هذا المذهب أن يرجِعوا إلى ما أجمَعَ عليهِ الصحابة ُ والتابعون لهم ومَن تبِعَهُم بإحسانٍ من أئمةِ الهُدى. واضح الآن؟ فالأجوبة صارت ثلاثة:
أولًا"المنع" وحجة ُالمنعِ أنَّهُ لم يُجْرِ إحصائية .ماطافَ في البُلدان الإسلاميةِ كلِها ونظر.
ثانيًا "التسليم"ولكن نمنعُ أن يكونَ كثرَتُهُم دليلاً على الصوابِ لأن الصواب إنما يكونُ في الإجماعِ.
ثالثًا:أن نقول:هب أنهم خمسة ٌوتسعُون في المئةِ الآن لكنهم ليسوا بشيءٍ في صدرِ سلفِ الأمةِ لَم يوجد هذا المذهب ُ أصلًا . فالإجماع في صدرِ سلفِ هذه الأمةِ على خِلافِ ماكان عليهِ الأشاعرة ُفي بابِ الأسماءِ والصفاتِ. بهذا بَطُلَ تعَلُقُهُ الذي تشبثَ به في سؤالهِ الأولِ واللهُ أعلمُ.
المتن

والجواب عن السؤال الثاني: أن أبا الحسن الأشعري وغيره من أئمة المسلمين لا يدعون لأنفسهم العصمة من الخطأ، بل لم ينالوا الإمامة في الدين إلا حين عرفوا قدر أنفسهم ونزلوها منزلتها وكان في قلوبهم من تعظيم الكتاب والسنة ما استحقوا به أن يكونوا أئمة، قال الله تعالى: "وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآياتِنَا يُوقِنُونَ"السجدة 24. وقال عن إبراهيم: "إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتاً لِلَّهِ حَنِيفاً وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ* شَاكِرًا لَأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ"النحل 120-121


الشرح

حاصلُ هذا الوجهِ؛ أن نقول نعم ليسوا من أهلِ السُنةِ والجماعةِ ؛حتى لو انتسبوا لأبي الحسن الأشعري؛ لأن أبا الحسنِ الأشعري وغيرهِ من الأئمةِ لايدَّعون لأنفسِهِم العصمة َ؛ وهم أيضًا ليسوا معصومين .
.بل لو ادعى أحدٌ العصمة َلنفسهِ ؛ لكان ادعاؤه العِصمة َهوأولَ خطأٍ أخَطأهُ ؛ لأنه يكونُ معصوماً من الخطأِ أبدًا إلا مَنْ عَصَمَهُ اللهُ تعالى منَ الرُسُل؛ أما غيرُهم فكلٌ مُعرَّضٌ للخطأِ. فنقولُ
أولاً:حتى وإن كانوا أتباعَ أبي الحسنِ الأشعري فلا مانع أن نقول:إنهم مُخطِئون وهوأيضًا مُخطِئٌ ؛وليس هومعصومًا.و لايدَّعِي العصمة َفيمايقولُ ؛وماكان إمامًا إلاحينَ عَرِفَ قدرَ نفسِهِ؛ وصارَ مُتَبِعًا للكتابِ والسُنةِ.ومَنْ عَرِفَ قدرَ نفسِهِ عَرِفَ الناسُ قدرَهُ.فإذا عرفَ الإنسانُ قدرَ نفسِهِ وأنَّهُ غيرُ معصومٍ وأنَّهُ كغيرِهِ من البشرِ يُخطِئُ ويُصيبُ حينئذٍ يعرفُ الناسُ قدرَهُ. ونقولُ
ثانيًا:هؤلاء الذين يدَّعونَ أنهم أتباعٌ لأبي الحسن الأشعري لم يتبعوه حقيقة َالاتباعِ؛ولا اتبعوه الاتباع الحسنِ؛ لماذا؟ لأنّ أبا الحسنِ الأشعري كان له ثلاثُ مراحلٍ في عمرهِ: كان معتزِليًّا ثم بَيْنَ المعتزلةِ والسُنةِ ثم سُنيًّا.وأتباعه اتبعوه في وسط أمره.ومقتضى الاتباعِ الحسن ؛أن يتبعوهُ في آخرِ أمرهِ ؛لأن هذا هو الذي استقرَ عليه.
المتن

ثم إن هؤلاء المتأخرين الذين ينتسبون إليه لم يقتدوا به الاقتداء الذي ينبغي أن يكونوا عليه، وذلك أن أبا الحسن كان له مراحل ثلاث في العقيدة:
المرحلة الأولى: مرحلة الاعتزال: اعتنق مذهب المعتزلة أربعين عامًا يقرره ويناظر عليه، ثم رجع عنه وصرح بتضليل المعتزلة وبالغ في الرد عليهم.
المرحلة الثانية: مرحلة بين الاعتزال المحض والسنة المحضة سلك فيها طريق أبي محمد عبد الله بن سعيد بن كُلَّاب. قال شيخ الإسلام ابن تيميه ص471 من المجلد السادس عشر من مجموع الفتاوى؛ لابن قاسم "والأشعري وأمثاله برزخ بين السلف والجهمية أخذوا من هؤلاء كلامًا صحيحًا ومن هؤلاء أصولًا عقلية ظنوها صحيحة وهي فاسدة". أهـ.
المرحلة الثالثة: مرحلة اعتناق مذهب أهل السنة والحديث مقتديًا بالإمام أحمد بن حنبل رحمه الله كما قرره في كتابه: "الإبانة عن أصول الديانة" وهو من آخر كتبه أو آخرُها.
قال في مقدمته: "جاءنا - يعني النبي صلى الله عليه وسلم - بكتاب عزيز، لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، تنزيل من حكيم حميد، جمع فيه علم الأولين، وأكمل به الفرائض والدين، فهو صراط الله المستقيم، وحبلُهُ المتين، من تمسك به نجا، ومن خالفه ضل وغوى وفي الجهل تردى، وحث الله في كتابه على التمسك بسنة رسوله صلى الله عليه وسلم. فقال عز وجل: "وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا"الحشر 7. إلى أن قال: فأمرهم بطاعة رسوله كما أمرهم بطاعته، ودعاهم إلى التمسك بسنة نبيه صلى الله عليه وسلم كما أمرهم بالعمل بكتابه، فنبذ كثير ممن غلبت شقوته، واستحوذ عليهم الشيطان، سنن نبي الله صلى الله عليه وسلم وراء ظهورهم، وعدلوا إلى أسلاف لهم قلدوهم بدينهم ودانوا بديانتهم، وأبطلوا سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم ورفضوها وأنكروها وجحدوها افتراءً منهم على الله "قَدْ ضَلُّوا وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ".
ثم ذكر - رحمه الله - أصولاً من أصول المبتدعة، وأشار إلى بطلانها ثم قال: "فإن قال قائل: قد أنكرتم قول المعتزلة، والجهمية، والحرورية، والرافضة والمرجئة فعرفونا قولكم الذي به تقولون، وديانتكم التي بها تدينون؟
قيل له: قولنا الذي نقول به وديانتنا التي ندين بها التمسك بكتاب ربنا - عز وجل - وبسنة نبينا صلى الله عليه وسلم، وما روي عن الصحابة والتابعين وأئمة الحديث، ونحن بذلك معتصمون، وبما كان يقول به أبو عبد الله أحمدُ بن محمد بن حنبل - نضر الله وجهه ورفع درجته، وأجزل مثوبته - قائلون، ولمن خالف قوله مجانبون، لأنه الإمام الفاضل والرئيس الكامل" ثم أثنى عليه بما أظهر الله على يده من الحق وذكر ثبوت الصفات، ومسائلَ في القدر، والشفاعة، وبعض السمعيات، وقرر ذلك بالأدلة النقلية والعقلية.
والمتأخرون الذين ينتسبون إليه أخذوا بالمرحلة الثانية من مراحل عقيدته، والتزموا طريق التأويل في عامة الصفات، ولم يثبتوا إلا الصفات السبع المذكورة في هذا البيت:
حي عليم قدير والكلام له إرادة وكذاك السمع والبصر
الشرح

كما قلنا سابقًا طريقة َالتأويل قلنا ذلك من باب التنزل معهم فسموا أنفسَهُم أهلَ التأوِّيل ِوإلا فالحقيقة أنَّ هذا تحريفٌ .تحريفُ الكلم عن مواضِعِهِ لأنَّهُ لايَصدُقُ عليهِ التأويل.التأويل لابدَ فيهِ من قرينةٍ ودليلٍ ظاهرٍ فإن لم يكن فهو تحريفُ معاني النصوصِ إلى ما يُريدون وإنما ذلكَ تحريفٌ محضٌ ولهذا فنحنُ إذ سميناهم أهلَ التأويلِ فإنَّ ذلكَ من بابِ التنزُلِ معهم على تسميتهم وإلافإنهم أهلُ تحريفٍ إذ لا دليلٍ على ما ذهبوا إليه.والتأويل في لغةِ القرآن الكريم إما تفسير وإما المعاني.أما صرف اللفظِ عن ظاهرهِ فإن كان بدليلٍ فهو تفسيرٌ وإن كان بغيرِ دليلٍ فهوتحريفٌ.
................................


انتهى الشريط السابع

أم أبي التراب
09-27-2018, 03:18 AM
بداية الشريط الثامن
تابع الخاتمة


المتن

والمتأخرون الذين ينتسبون إليه أخذوا بالمرحلة الثانية من مراحل عقيدته، والتزموا طريق التأويل في عامة الصفات، ولم يثبتوا إلا الصفات السبع المذكورة في هذا البيت:
حي عليم قدير والكلام له إرادة وكذاك السمع والبصر
على خلاف بينهم وبين أهل السنة في كيفية إثباتها.
الشرح

يعني هم يُثبِتون هذه الصفاتِ السبعَ لكن لا يُثبتونها كما أثبتها أهلُ السُنةِ والجماعةِ.فالكلام مثلاً عندَ هؤلاءِ هو المعنى القائمُ بالنفس؛ وليس بصوتٍ مسموعٍ وأحرفٍ متتابعةٍ ؛بل عندهم أنَّ الصَوتَ المسموعَ صَوتُ مخلوقٌ ؛خلقهُ اللهُ-عزوجل- تعبيرًا عما في نفسِهِ وأنَّ الحروفَ المُتتابعة كذلكَ مخلوقة ٌوالكلامَ هوالمعنى النفسي. ونحنُ نقولُ لهم:هذا خطأ ٌولايُمكنُ أن يُسمى مافي النفسِ كلامًا إلامُقيدًا كما في قوله"وَيَقُولُونَ فِي أَنفُسِهِمْ لَوْلَا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ"المجادلة 8..أما القولُ والكلامُ إذا أُطلِقَ فهوماكانَ بحروفٍ وأصواتٍ مسموعةٍ.
المتن

ولما ذكر شيخ الإسلام ابن تيميه ما قيل في شأن الأشعرية ص359 من المجلد السادس من مجموع الفتاوى لابن قاسم قال:
"ومرادهم الأشعرية الذين ينفون الصفات الخبرية، وأما من قال منهم بكتاب :الإبانة الذي صنفه الأشعري في آخر عمره ولم يظهر مقالة تناقض ذلك فهذا يعد من أهل السنة. وقال قبل ذلك في ص310: وأما الأشعرية فعكس هؤلاء وقولهم يستلزم التعطيل، وأنه لا داخل العالم ولا خارجه، وكلامه معنى واحد، ومعنى آية الكرسي وآية الدَّين، والتوراة، والإنجيل واحد، وهذا معلوم الفساد بالضرورة". ا.هـ.
الشرح

يقولون:قولُهُم يستلزمُ التعطيلِ وأنه لاداخلُ العالَمِ ولا خارجُهُ لأنهم يقولون:إننا لانقولُ إنَّ اللهَ في مكانٍ وليس فوقَ الخلقِ بذاته؛ فيستلزم أنه لاداخلُ العالم ولا خارجُهُ.وهذا هوالتعطيلُ المحضُ.كذلك يقولون:إنَّ الكلام هوالمعنى النفسي وهومعنىً واحدٌ.فيَرَونَ أنَّ الأمرَ والنهيَ والخبرَ والاستفهامَ معناها واحدٌ" قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ" الإخلاص 1،هو"وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا"الإسراء 32.بل ويقولون:إنَّ التوراة َ والإنجيل والقرآنَ والزبورَ شيءٌ واحدٌ .لكن إن عُبِّرَ عنه بالعربيةِ فهو قرآنٌ ؛وبالعبريةِ توراة ٌ؛وبالسريانيةِ إنجيلٌ وبالداودِيةِ زبورٌ.هكذا يقولون والعياذ ُباللهِ. وهذا معلومُ الفسادِ كما قالَ شيخُ الإسلام:معلومُ الفسادِ بالضرورةِ.وهل يمكن أن يقولَ أحدٌ:إنَّ قولَه تعالى: "وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ"هوقوله"ولاتقربوا الزنا"!أبدًا. ولايقوله عاقلٌ يتصَورُ مايقول ولكن المُشكِل أنَّ العقيدة إذا رسخت في القلبِ و إن كانت باطلة ًيعمى الإنسانُ عنها فهؤلاءِ عموا عما يقولون ولوتأملوا أقلَ تأمُلٍ لعلِموا أنَّ َقولِهم ظاهرُ الفسادُ ولايُمكن أن يقولَ به عاقلٌ .
المتن

وقال تلميذه ابن القيم في النونية ص312 من شرح الهراس ط الإمام:
واعلم بأن طريقهم – يعني الأشعرية-عكس الطريق المستقيم لمن له عينان إلى أن قال:
فاعجب لعميان البصائر أبصروا كون المقلد صاحب البرهان
ورأوه بالتقليد أولى من سواه بغير ما بصر ولا برهان
وعموا عن الوحيين إذ لم يفهموا معناهما عجبًا لذي الحرمان
الشرح

اعلم بأنَّ طريقَهُم عكسُ الطريقِ المستقيم لمن له عينان أما مَنْ ليس له عينان فهولايعرف عن هذاومَنْ له عينٌ واحدة ٌلايعرف أيضًا لكن كل مَنْ له عينان بصيرتان بالحق عَلِمَ أنَّ طريقَ الأشاعرة عكسُ الطريقِ المستقيمِ لذا سماهم ابنُ القيم: عُميان البصائرِ؛ يعني وإن كان لهم عيون لكن بصائرَهُم عُميٌ والعياذ ُبالله.
فهم جعلوا المُقلدَ صاحبَ البرهان ؛وجعلوهُ أولى من سواه ؛فهم يَتبَعون مشائخَهُم وعلماءَهم ولايُبالون بالكتابِ والسُنةِ. يقولون:قالَ فلانٌ وقالَ فلانٌ ولذلك لاتكادُ تجدُ دليلاً في كتبِهم إلا نُقُولاً :قال في كذا,قال في الخلاصة,قال في برهان الدين,قال كذا قال كذا أما الأدلة ُفإنَّ مؤلفاتِهُم منها قحط ؛ٌاللهمَ إلا نادرًا.فيُقال أين السلفية أين السُنة واللهُ المستعان.
المتن

وقال الشيخ محمد أمين الشنقيطي في تفسيره "أضواء البيان" ص319 جـ2 على تفسير آية استواء الله تعالى على عرشه التي في سورة الأعراف "اعلم أنه غلط في هذا خلق لا يحصى كثرة من المتأخرين، فزعموا أن الظاهر المتبادر السابق إلى الفهم من معنى الاستواء واليد مثلاً في الآيات القرآنية هو مشابهة صفات الحوادث وقالوا: يجب علينا أن نصرفه عن ظاهره إجماعًا.
الشرح

شوف الآن هم جعلوا الاستواء واليد أن معناها استواءٌ كاستواءِ الخلق ويدٌ كيدِ الخلق وقالوا:هذا بالإجماع لا يكون أنَّ يد َاللهِ كايدينا واستواءَهُ كاستوائنا هذا بالإجماع قالوا:فإذا عُلِمَ أنَّ ذلكَ مُمتنِعٌ بالإجماع فليجب صرفُهُ عن ظاهرِهِ بمقتضى هذا الإجماع شوف التمويه الإجماع على إيش؟هل على معنى اليدُ مماثِلة ٌ المخلوقين؟ أو الإجماع على أنَّ يدَ اللهِ لاتُماثلُ يدَ المخلوقين؟ الثاني أن يدَ اللهِ لاتُماثلُ أيدي المخلوقين. إذن فنقول:ما دام هذا الإجماع فإنَّ يدَ اللهِ المذكورةِ في القرآن لاتُماثلُ أيدي المخلوقين بالإجماع. مانقول:ليس له يدٌ بالإجماع.هم جعلوا من الإجماع على عدم المماثلة الإجماع على أنهُ لايُرادُ بها اليد الحق وأخطئوافي ذلك خطأً عظيمًا.نقول:الإجماعُ على عدمِ المماثلةِ أن تقول: إنَّ للهِ يدًا ليست كأيدي المخلوقين بالإجماع واضح؟ لكن هم قلبوا الدليل قالوا:أجمَعَ العلماءُعلى أنَّ اللهَ ليس لهُ مماثلٌ.إذن ليس له يدٌ لأنَّ اليدَ تستلزمُ المماثلة َ.نقول:هذا خطأ ماهو صحيحٌ.وإذا كنتم تُريدونَ أن تستدِلوا بهذا الإجماع فقولوا:إنَّ للهِ يدًا لاتُماثلُ أيدي المخلوقين بالإجماع ونوافقكم على هذا.نعم.

أم أبي التراب
09-27-2018, 05:34 AM
المتن

قال: ولا يخفى على أدنى عاقل أن حقيقة معنى هذا القول أن الله وصف نفسه في كتابه بما ظاهره المتبادر منه السابق إلى الفهم الكفر بالله تعالى والقول فيه بما لا يليق به - جل وعلا-.
الشرح

اللهُ أكبرُ,صحيحٌ إذا قيلَ هذا كلامُهم,إذا قيلَ هذا هو المتبادرُ لزِمَ أنَّ اللهَ وصفَ نفسَهُ بما ظاهرُهُ الكفر لأن إثباتَ المماثلةِ للهِ أوإثباتَ مماثلةِ الله للخلق كفرٌ.ولائقٌ به ولاغيرُ لائقِ؟ غيرُ لائقٍ. فعلى زعمِ هؤلاءِنقول:إنَّ القرآنَ على زعمِكُم مملوءٌ بما هو ظاهرٌ بالكفر والنقصِ لله-عزوجل-كما مرَّعلينا سابقًا.
المتن

والنبي صلى الله عليه وسلم الذي قيل له "وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ". لم يبين حرفًا واحدًا من ذلك مع إجماع من يعتد به من العلماء على أنه صلى الله عليه وسلم لا يجوز في حقه تأخير البيان عن وقت الحاجة إليه، وأحرى في العقائد لاسيما ما ظاهره المتبادر منه الكفر والضلال المبين حتى جاء هؤلاء الجهلة من المتأخرين فزعموا أن الله أطلق على الظاهر المتبادر كفر وضلال يجب صرف اللفظ، عنه، وكل هذا من تلقاء أنفسهم من غير اعتماد على كتاب أو سنة، سبحانك هذا بهتان عظيم. ولا يخفى أن هذا القول من أكبر الضلال ومن أعظم الافتراء على الله - جل وعلا - ورسوله صلى الله عليه وسلم.
والحق الذي لا يشك فيه أدنى عاقل أن كل وصف وصف الله به نفسه، أو وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم فالظاهر المتبادر منه السابق إلى فهم من في قلبه شيء من الإيمان هو التنزيه التام عن مشابهة شيء من صفات الحوادث. قال: وهل ينكر عاقل أن السابق إلى الفهم المتبادر لكل عاقل هو منافاة الخالق للمخلوق في ذاته وجميع صفاته؟ والله لا ينكر ذلك إلا مكابر.
والجاهل المفتري الذي يزعم أن ظاهر آيات الصفات لا يليق بالله، لأنه كفر وتشبيه، إنما جر إليه ذلك تنجيس قلبه بقذر التشبيه بين الخالق والمخلوق، فأداة شؤم التشبيه إلى نفي صفات الله - جل وعلا - وعدم الإيمان بها مع أنه - جل وعلا - هو الذي وصف بها نفسه، فكان هذا الجاهل مشبهاً أولاً، ومعطلاً ثانياً، فارتكب ما لا يليق بالله ابتداءً وانتهاءً، ولو كان قلبه عارفاً بالله كما ينبغي، معظمًا لله كما ينبغي، طاهرًا من أقذار التشبيه لكان المتبادر عنده السابق إلى فهمه أن وصف الله تعالى بالغ من الكمال والجلال ما يقطع أوهام علائق المشابهة بينه وبين صفات المخلوقين، فيكون قلبه مستعدًا للإيمان بصفات الكمال والجلال الثابتة لله في القرآن الكريم والسنة الصحيحة، مع التنزيه التام عن مشابهة صفات الخلق على نحو قوله "لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ" الشورى 11. أهـ. كلامه رحمه الله.
الشرح

كلامه هذا قوي جدًا بالنسبةِ لهؤلاءِ المُحرِّفين حيثُ قالَ إنَّ قلوبَهم مُتنجِسة ٌبقذرِ التشبيهِ لأنهم قالوا إنَّ إثباتَ هذه النصوصِ على ظاهرِها يستلزمُ التشبيهُ والتمثيلُ فيجبُ حينئذٍ صرفُها عن ظاهِرِها لامتناع التمثيل في حقِ الله إجماعًا.اللي يِسمع مثل هذا الكلام إيش يقول؟ يَحني رأسَهُ تعظيمًا لهذا القول ويَحُطُهُ على رأسِهِ لكن في الحقيقةِ أنهُ تمويهٌ لأننا نقول لهم:نحنُ معكم في أنَّ العلماءأجمعواعلى أنَّ اللهَ لامثيلَ لهُ وأنَّهُ لايجوزُ إثباتُ مماثِلاً له في صفاتِهِ ؛ولكن اثبتوا ما أثبتَهُ اللهُ لنفسِهِ وقولوا بغيرِ تمثيلٍ.قولوا للهِ يدٌ بغيرِ تمثيلٍ,استواءٌ بغيرِ تمثيلٍ وجهٌ بغيرِ تمثيلٍ,عينٌ بغيرِ تمثيلٍ حتى يكونَ الاستدلالُ صحيحاً.أما أن تنفوا الحقائقَ بشبهةٍ؛فهذا لايُسَلمُ لكم.وكلامُ الشيخِ الشنقيطي-رحمه الله-جيدٌ وقويٌ مع كلام ابنِ القيم أنهم عُميوا البصائرِوالعياذ ُ باللهِ مع كلام شيخِ الإسلام أيضاً بأنهم يأتون بكلامٍ يقتضي أن يكونَ اللهُ لاداخلَ العالم ولا خارجَهُ وهذا غاية ُ التعطيلِ المحض.

أم أبي التراب
09-27-2018, 06:30 AM
المتن

والأشعري أبو الحسن - رحمه الله - كان في آخر عمره على مذهب أهل السنة والحديث، وهو إثبات ما أثبته الله تعالى لنفسه في كتابه، أو على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم من غير تحريف، ولا تعطيل، ولا تكييف ولا تمثيل. ومذهب الإنسان ما قاله أخيرًا إذا صرح بحصر قوله فيه كما هي الحال في أبي الحسن كما يعلم من كلامه في "الإبانة".
الشرح

إذاقيل ما مذهب الإنسان؟ ما قاله أخيرًا إذا صَرَحَ بحصرِ قولِهِ فيه.أما إذا لم يُصرح فيكون عنَه قولان يعني إذا قال المُجتهدُ قولين فهل مذهبه الأخير أو الأول؟ أو ماوافقَ قواعدَهُ؟ أوماوافقَ الكتاب والسُنة؟فيه خلافٌ والصحيحُ أن كلا القولين مذهبٌ له؛ إلا أذا صَرَّحَ بالرجوعِ عن الأولِ فيكونُ الأولُ غيرَ مذهبٍ له ؛أوإذا حَصَرَ قولَهُ في الثاني في الأخير فيكونَ الأولُ غيرَ قولٍ له ليش؟ لأنَّ الحَصْرَ إثباتُ الحُكمِ بالمذكور ونفيه عما سواهُ.أبوالحسن الأشعري في كتابه"الإبانة"حَصَرَقولَهُ. فإذا قال قائلٌ:قد أنكرتم قولَ المُعتزلةِ والجهميةِ والحروريةِ والرافضةِ والمُرجِئةِ فعرِّفونا قولَكم الذي به تقولون وديانَتِكم التي بها تَدينون؟قيل له:قولُنا الذي به نقول وديانتنا التي بها ندينُ؛التمسُكِ بكتابِ ربنا-عزوجل-وبسُنةِ نبينا-صلى الله عليه وسلم-وما رُوي عن الصحابةِ والتابعينَ وأئمةِ الحديثِ ونحنُ بذلك مُعتصِمون إلى آخره.فهذا دليلٌ واضحٌ على أنَّ مذهبَهُ ماقال أخيرًا في هذا الكتاب. فكان على أتباعِهِ أن يتبعوا ماقاله أخيرًا إذا كانوا صادقين في انتسابهم إلى مذهبه وانتمائهم إليه.
المتن

وعلى هذا فتمام تقليده اتباع ما كان عليه أخيرًا وهو التزام مذهب أهل الحديث والسنة؛ لأنه المذهب الصحيح الواجب الاتباع الذي التزم به أبو الحسن نفسه.
الشرح

الأشاعرة لم يقروا بما كان عليه أبو الحسن أخيرا؛لأنهم لو أقروا بأنَّهُ له لكان حُجةً عليهم. لكن أثبتَهُ غيرُهُم.أثبتهُ من الأئمة ُكشيخُ الإسلامِ ابنُ تيمية َوغيره ؛وهم أوثقُ من هؤلاءِ وأجلُ.من المعلومِ كلُ إنسانٍ ينفي ويقدحُ فيما يكونُ حُجةً عليه.هذا
المتن

والجواب عن السؤال الثالث من وجهين:
الأول: أن الحق لا يوزن بالرجال، وإنما يوزن الرجال بالحق، هذا هو الميزان الصحيح وإن كان لمقام الرجال ومراتبهم أثر في قبول أقوالهم كما نقبل خبر العدل ونتوقف في خبر الفاسق، لكن ليس هذا هو الميزان في كل حال، فإن الإنسان بشر يفوته من كمال العلم وقوة الفهم ما يفوته، فقد يكون الرجل دينًا وذا خلق ولكن يكون ناقص العلم أو ضعيف الفهم، فيفوته من الصواب بقدر ما حصل له من النقص والضعف، أو يكون قد نشأ على طريق معين أو مذهب معين لا يكاد يعرف غيره فيظن أن الصواب منحصر فيه ونحو ذلك.
الشرح

طيب هذه الجملة ُ مفيدة ٌجدًا في الوزنِ أوفي الميزانِ. نقول"الحقُّ لايوزنُ بالرجالِ"يعني بمعنى أننا لا نستدلُ على هذا القولِ بأنَّهُ صوابٌ أو صحيحٌ لأنَّ فلانًا قالَهُ ؛لماذا؟ لأن فلانًا قد يُخطِئُ لاشكَ لكننا نَزِنُ الرجالَ بالحقِ أي أننا إذا عرفنا أنَّ هذا الرجلَ حريصٌ على الحق متبِعٌ له ارتفع قدرُهذا الرجلِ إيش؟عندنا وصارَله ميزانٌ.فالرجالُ يوزَنونَ بالحق؛ ولايُوزَنُ بهم الحقُ لأنهم تابعونَ للحقِ والحقُ ليس تابعًا لهم واضح؟طيب هذا الكلام على إطلاقِهِ يُشكِلُ علينا؛ لأننا إذا رأينا رجلاً عالمًا ذا دينِ قويًا في علمِهِ فإنَّ لكلامه عندنا وزنٌ أكثرُ من أن يقولَهُ رجلٌ آخرُ دونَه في العلمِ والدينِ أليس كذلك؟ بلى ولهذا نقبلُ خبرَ العدلِ ونتوقفُ في خبرِ الفاسِقِ.فوَزَنَّا الخبرَالآن بمن؟ بالرجال.قلنا خبرُ العدلِ مقبولٌ وخبرُ الفاسِقِ متوقفٌ لامتوقفٌ فيه ماهو مردود " إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا" الحجرات 6.ما قال فردوه نَتَبَيَّن والعدلُ نقبلُ.إذن صارَ للرجالِ اعتبارٌ؛ لكننا نقولُ ليس هذا على سبيلِ الإطلاقِ.فالنفيُ على سبيلِ الإطلاقِ ليس بصحيحٍ والإثباتُ على سبيلِ الإطلاقِ ليس بصحيحٍ؛ ولهذا استدركنا فقلنا:هذا هو الميزانُ الصحيحُ وإن كانَ لمقامِ الرجالِ ومراتِبِهم أثرٌ في قبولِ أقوالِهم كما نقبلُ خبر العدلِ ونتوقفُ في خبرِ الفاسِقِ. لكن ليس هذا هو الميزانُ في كلِ حالٍ فإنَّ الإنسانَ بشرٌ إلى آخره.إذن فنقول حتى لو فرضنا أنَّ أبا الحسنِ الأشعريّ كان مذهبُهُ مذهبَ الأشاعِرةِ المتأخرين فإنَّ هذا لايستلزمُ أن يكون هو الصوابُ.بِناءً على القاعدةِ أننا لانزنُ الحقَ بالرجالِ ولكن نزنُ الرجالَ بالحقِ. إينعم طيب يقولُ:فإنَّ الرجلَ قد يكونُ دَيِّنًا وذا خلقٍ ولكن يكونَ ناقِصَ العلمِ أوضعيفَ الفهمِ فيفوتُهُ من الصوابِ بقدرِ ماحَصلَ له من النقصِ والضعفِ أو يكون قد نشأ على طريقٍ معينٍ أومذهبٍ معينٍ لايكادُ يعرفُ غيرَهُ فيظنُ أنَّ الصوابَ مُنحصِرٌ فيهِ ونحو ذلك.واضح؟
المتن

الثاني: أننا إذا قابلنا الرجال الذين على طريق الأشاعرة بالرجال الذين هم على طريق السلف وجدنا في هذه الطريق من هم أجل وأعظم وأهدى وأقوم من الذين على طريق الأشاعرة، فالأئمة الأربعة أصحاب المذاهب المتبوعة ليسوا على طريق الأشاعرة.
وإذا ارتقيت إلى من فوقهم من التابعين لم تجدهم على طريق الأشاعرة.
وإذا علوت إلى عصر الصحابة والخلفاء الأربعة الراشدين لم تجد فيهم من حذا حذو الأشاعرة في أسماء الله تعالى وصفاته وغيرهما مما خرج به الأشاعرة عن طريق السلف.
الشرح

صحيح يقول أنتم إذا قابلتمونا بالرجال قلتم معنا فلان وفلان وفلان قلنا لهم:الله يحييكم ؛معنا الأئمة َالأربعة هذا
أولا:فهل في متبوعيكم مَنْ هو مثلُ الأئمةِ الأربعةِ؟ الجواب:كلُ أحدٍ حتى هم يقولون لأ ولايستطيعون أن يقولوا نعم,لا أن يقولوا إنَّ في متبوعينا مَنْ هو مثلُ الأربعةِ ولا من هو خيرٌ منهم.ولوقالوا ذلكَ لكذبَهُمُ الناسُ. فالإمامةُ بالدينِ تُعرفُ بكثرةِ الأتباعِ.فأينَ لواحدٍ من أئمةِ الأشاعرةِ من الأتباعِ ماكان لهؤلاءِ الأئمةِ الأربعةِ الذين جمهورُ المسلمين على طريقتِهم.
ثانيًا:نرتقي فوقَ هذا,التابعون كلُ التابعين مافيهم أحدٌ على مذهبِ الأشاعرةِ.هل أحدٌ يدعي أنَّ في متبوعه مَنْ هو أفضلُ من التابعين؟على سبيلِ العموم ماهو على سبيلِ الإفراد؟ لأ.
ثالثًا:طيب نعلوا على ذلك ونقولُ عندنا الصحابة ُ والخلفاءُ الراشدون لو وُزِنَ جميعُ متبوعيكم وأنتم معهم بأبي بكرٍ-رضي الله عنه-لرَجَحَ بهم أبوبكر ألفَ مرةٍ.فهل في متبوعيكم أن يكون مثلُ هؤلاءِ؟الجواب: لأ .فتبيَّنَ الآن أننا لوذهبنا نُقابلُ الرجالَ بالرجالِ لوجدنا رجالَنا أعظمَ بكثيرٍ من رجالِهم لا الذين في طبقتِهِم ولا الذين أعلى من طبقتِهِم ولاالطبقة العليا وهم الصحابة ُ والخلفاءُ الراشدون واضح؟ فتبيَّنَ الآن أنَّ قولَهُم على كلِّ تقديرٍ لايُمكِنُ رُجحانهُ بل ولامساواتهُ لمذهبِ السلفِ بأيِّ حالٍ من الأحوالِ والحمدُ لله.

أم أبي التراب
09-28-2018, 02:45 AM
المتن

ونحن لا ننكر أن لبعض العلماء المنتسبين إلى الأشعري قَدَمَ صدقٍ في الإسلام والذب عنه، والعناية بكتاب الله تعالى وبسنة رسوله صلى الله عليه وسلم رواية ودراية، والحرص على نفع المسلمين وهدايتهم،ولكن هذا لا يستلزم عصمتهم من الخطأ فيما أخطؤوا فيه، ولا قبول قولهم في كل ما قالوه، ولا يمنع من بيان خطئهم ورده لما في ذلك من بيان الحق وهداية الخلق.
الشرح

هذا واضحٌ نحنُ لانُنكِرُ أنَّ لبعضِ العلماء المسلمين الأشعريين قدمَ صِدقٍ في الإسلامِ في الذبِ عن كتابِ اللهِ وسُنةِ رسولهِ والعنايةِ بهما وغيرِ ذلكَ ولكن هذا لا يمنعُ من أن نقولَ إذا أخطؤوا إنهم أخطؤوا ولايلزمُ أن يكونَ كلُّ ماقالوهُ صوابًا.
المتن

ولا ننكر أيضًا أن لبعضهم قصدًا حسنًا فيما ذهب إليه وخفي عليه الحق فيه، ولكن لا يكفي لقبول القول حسن قصد قائله، بل لابد أن يكون موافقًا لشريعة الله - عز وجل - فإن كان مخالفًا لها وجب رده على قائله كائنًا من كان؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم "من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد".
الشرح

صح نحنُ لا ننكِرُ أنَّ هؤلاءِ لهم قدمَ صدقٍ في العنايةِ بكتابِ اللهِ وسُنةِ رسوله-عليه الصلاة والسلام-لاننكر أيضًا أنَّ لهم قصدًا حسنًا فيما ذهبوا إليهِ من تأويلِ آياتِ الصفاتِ.فمثلاً إذا قالوا في قوله تعالى"وجاءَ ربُكَ" جاءَ أمرُربِكَ تنزيهًا للهِ-عز وجل-عن مُماثلةِ المخلوقين كما زعموا فهذا حُسنُ القصدِ يعني ماقصدوا من قولهم وجاءَ أمرُ ربكَ تحريف الكتابِ والسُنةِ ؛وإنما قصدوا قصدًا حسنًا وهو تنزيهُ اللهِ تعالى عن مماثلةِ المخلوقين. لكن هل قصدُ الإنسانِ الحسنِ إذا خالفَ قولُهُ الحقَ؛ هل يُبَررُ لنا أن نقولَ بقولِهِ أو أن نُصَوِّبَ قولَهُ؟ لأ؛لا يلزمُ بل نقولُ:إنَّ قولَهُ إذا كان خطأً ولوكانَ هو حَسنُ القصدِ فإنَّهُ مردودٌ ؛لقولِ الرسول-عليه الصلاة والسلام "مَنْ عَمِلَ عملاً ليسَ عليهِ أمرُنا فهو ردٌ"وفي لفظ "مَنْ أحدثَ في أمرِنا ماليس منه فهو ردٌ".
المتن

ثم إن كان قائله معروفًا بالنصيحة والصدق في طلب الحق اعتذر عنه في هذه المخالفة وإلا عومل بما يستحقه بسوء قصده ومخالفته.
الشرح

طيب شوف إذا كان هذا القائلُ الذي خرجَ عن جهةِ الصوابِ معروفًا بالنصيحةِ والصِدقِ في طلبِ الحقِ؛ فإننا نعتذِرُ عنه ولانَكْرَهُهُ على ما قال ولانُبغِضُهُ ؛بل نقولُ:هذا رجلٌ بشرٌ يجوزُ عليه ما يجوزُ على البشرِ من الخطأِ ونعتذِرُ ونسألُ اللهَ له العفوَ والمغفِرة ؛أمَّا إذاكانَ غير معروفٍ بالنصيحةِ بل هو داعية إلى البدعةِ مُصِرٌّ عليها لايقبلُ نصيحة من ناصِح فإننا نُعامِلَهُ بما يستحِقُ لسوءِ قصدِهِ ومخالفتِهِ. لأن هذا الرجلَ تبيَّن لنا فيهِ أمران:المُخالفة ُوالثاني سوءُ القصدِ فنعامله بما يستحقُ. إذا كان لنا سُلطة فإننا نُردِعهُ بالقوةِ السلطانيةِ أن يمضي في بدعتِهِ أما إذا لم يكن لنا سُلطة فباللسانِ والقلمِ نُبيِّنَ أنَّ هذا خطأٌ مجانبٌ للصوابِ.فإن قال قائلٌ: بماذا نستدِلُ على سوءِ القصدِ لأنَّ سوءَ القصدِ في الواقعِ عملٌ قلبيٌ لايطلِعُ عليهِ أحدٌ فما جوابُكم عن هذا؟ ما لَنا إلا القرائن ؛مثل أن نعرفَ أنَّ هذا الرجلَ رقيقُ الدين,ماعندَهُ دينٌ,مانجدَهُ مُحافِظًا على الصلواتِ ولا كثيرَ الصدقاتِ ولامُحِبًا لأهلِ الخيرِ؛نعرِفُ هذا سيئَ القصدِ,ولاعلمنا أنهُ قام يومًا من الأيامِ ينصُرُ الحقِ أو يتكلمُ به.فهذا لاشكَ يعني قد تكونُ هذه القرائنُ براهينَ على أنه سيئَ القصدِ ؛ولهذا قال اللهُ تعالى "وَلَوْ نَشَاء لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُم بِسِيمَاهُمْ".يعني جعلنا لهم سِمَة ً:علامة ًواضِحة ً" وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ" يُعرَفُ المُنافقُ والعياذ باللهِ يُعرفُ لايُمكن أن يقومَ يومًا من الأيامِ لنصرِ الحقَ بل يتسترُ وغاية ماهنا لكَ أنهُ يُدافِعُ هُجومَ الناسِ عليهِ فقط.أما أن يكونَ عندَهُ شيءٌ إيجابيٌ في نصرِ الحقِ ودحضِ الباطِلِ فهذا لا يمكنُ. فنحنُ نعرفُ سوءَ قصدِهِ بقرائنِ عمَلِهِ ؛وإلا فإننا في الحقيقةِ لم نُنَقِبْ ولايحلُ لنا أن نُنقِبَ عن قلوبِ الناسِ ؛لكن جَعَلَ اللهُ تعالى لكلِ شيءٍ قدرَهُ وعلى كل شيءٍ دليلَهُ. إي نعم.

أم أبي التراب
09-28-2018, 03:02 AM
المتن

فإن قال قائل: هل تكفرون أهل التأويل أو تفسقونهم؟
الشرح

هذه نقطة ٌ مهمة جدًا؛ يعني قد تُعادِلُ مسائلَ كثيرة ًمن مسائلِ هذا الكتاب وهي مسألة ُالتكفيرِ والتفسيقِ .هذه المسألة ُالتي فسدت بها الأمورُ.فماخرجَ الخوارجُ إلا بهذه المسألةِ بتكفيرِهِم المسلمين واستحلالِ دمائِهِم ؛وكذلك ما حصلت الدعاوَى بينَ الناسِ الا بتفسيقِ بعضُهُم بعضًا إذا خالفَهُم في أمرٍمن الأمورِ.وهذه المسألة ُيجبُ على طالبِ العلمِ العِناية ُبها وأن يتقِي اللهَ-عزوجل-فيها فلايُقدِمُ على تكفيرِأحدٍ بدونِ بيِّنةٍ ولايُحْجِمُ عن تكفيرِ أحدٍ مع وجودِ البيِّنة لأن من الناسِ مَنْ يتهاونَ في التكفير ولايُكَفرُ مَنْ قامتِ الأدلة ُعلى تكفيرهِ ؛كمسألةِ تركِ الصلاةِ مثلًا فإنَّ بعضَ الناسِ يتهاونُ في هذا الأمرِ ولا يُعطي النصوصَ حقها من التأملِ والجمعُ بينَ أطرافِها والنظرُ نظرًا عميقًا؛فتجدَهُ يستغربُ أن يُقالُ لشخصٍ يقول أشهدُ أنَّ لا إلهَ إلا الله وأشهدُ أن محمدًا رسولُ اللهِ-صلى الله عليه وسلم-ولكن لايُصلي؛ يستغرب أن نقولَ عليهِ إنهُ كافرٌ ؛فلا يُكفرَهُ.وهذا خطأٌ وإحجامٌ وجُبنٌ؛ فالواجبُ الإقدامُ في موضعِ الإقدامِ والإحجامُ في موضِعِ الإحجامِ.لا نتهورُ فنُطلِقَ الكُفرعلى مَنْ لم يُكفرهُ اللهُ ورسوله؛ ولا نتدهور فنمنعُ الكُفرَ عمَنْ كفَّرَهُ اللهُ ورسولُهُ.
المتن

قلنا: الحكم بالتكفير والتفسيق ليس إلينا بل هو إلى الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، فهو من الأحكام الشرعية التي مردها إلى الكتاب والسنة، فيجب التثبت فيه غاية التثبت، فلا يكفر ولا يفسق إلا من دل الكتاب والسنة على كفره أو فسقه.
الشرح

إذن التكفيرُ والتفسيقُ ؛ والتعديلُ والتأمينُ يعني جعل الإنسانُ مؤمنًا ؛كالتحليلِ والتحريمِ والإيجاب. التحليلُ والتحريمُ والإيجابُ نرجع فيهِ إلى مَنْ؟ إلى اللهِ ورسوله,كذلك التكفيرُ والتفسيقُ ؛والتعديلُ والتأمينُ ؛ نرجع فيهِ إلى اللهِ ورسوله, مانقولُ:هذا كافِرٌ إلا إذا عَلِمنا أنه كافِرٌ ؛وإلا فالأصلُ الإسلامُ حتى يقومَ دليلٌ على الكُفر.إذا قامت عليهِم الحُجة يجب أن نُقيمَ عليهِم الحُجة فإن رجِعوا وإلا منعناهُم بالقوةِ.قلنا قد يكونُ الإنسانُ ناشِئًا على مذهَبٍ معينٍ يعتقدُ أنهُ الحقُ؛ نشأ على مذهبٍ معينٍ ولنفرضَ أنَّهُ نشأ على مذهبِ الرافضةِ ماعرفَ الحقَ عامي ما يدري؛ مثلا قال لهُ علماؤه كذا وكذا فظنَّهُ الحقُ هذا مانجزِمُ بسوءِ قصدِهِ إلا إذا دعوناهُ وبيَّنا له الحقَ قال:لا"قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّة"؛عرفنا أنَّهُ ليس قصدُهُ الحقَ. "قد يكونون علماءً لكن لانأخذ ُالعقيدة َعنهم العلوم الأخرى نأخذها منهم.الحمدُ لله إذا استشهدوا بها على معتقدهم نردُ عليهم .لا, يجب أن يُحذف اللي يتعلق بالعقيدةِ ونخشى أن هذا يُدرَسُ على أنه عقيدتنا,نحذفه من المقرر أونُنَبِه عليه ..................."
ولاحظ أنَّ الإنسانَ إذا كفَّرَ أحدًا ليس بكافرٍ فإنهُ يعودُ هذا الوصفُ إليهِ.ومعنى "يعودُ الوصفُ إليه"أنهُ قد يُبتلى فيرتدُ عن الإسلام إلا أن يتوبَ.ليس المعنى أنَّ الإنسانَ إذا كفَّرَ كفرَ في الحالِ لأ لأن هذا ليس بكفر يعنى كون الرجلُ يقول لمسلم ياكافر أو أنت كافرٌ هذا لايُخرجُهُ من الإسلام ولكن قولَ الرسولِ-عليه الصلاة والسلام-"إلاعادَ إليه أو حار عليه"المعنى أنه يكون سببًا لأن يرتدَّ عن الإسلام وليس المعنى أنه بهذا التكفير صارَ كافرًا ؛فالإنسانُ على خطرٍ إذا كفَّرَ مسلمًا وهو لم يُكفره اللهُ ورسوله على خطر أن يعودَ إليه هذا التكفير فيكفرُ هو في المستقبلِ.

أم أبي التراب
09-28-2018, 03:19 AM
المتن

والأصل في المسلم الظاهر العدالة بقاء إسلامه وبقاء عدالته حتى يتحقق زوال ذلك عنه بمقتضى الدليل الشرعي. ولا يجوز التساهل في تكفيره أو تفسيقه؛ لأن في ذلك محذورين عظيمين:
أحدهما: افتراء الكذب على الله تعالى في الحكم، وعلى المحكوم عليه في الوصف الذي نبزه به.
الشرح

واضح هذا؟ إذا كفَّرَ شخصًا لم يَقُم الدليلُ على تكفيرهِ
أولًا:فهذا افتراءٌ على الله-عز وجل-حيثُ حَكَمتَ بأنَّ هذا كافرٌ واللهُ-سبحانه وتعالى-لم يُكفرهُ فهو كما لو حكمتَ بأن هذا حلالٌ واللهُ لم يُحِلَّهُ أوهذا حرامٌ واللهُ لم يُحرِّمْهُ.
ثانيًا:أنَّ فيهِ افتراءٌ على المحكومِ عليه واعتداءٌ عليه وظلمًا له حيثُ وَصَفتَهُ بأنه كافرٌ.ومقتضى هذا الوصفِ أنَّهُ لو مات لايحلُّ لكَ أن تُصلي عليه.وأنهُ لوماتَ لم يَحِلْ لكَ أن تدعولهُ بالرحمةِ.وأنَّهُ لو ماتَ وهومن أقارِبِكَ الذين ترثَهم لم يحِلْ لكَ ميراثُهُ.هذا مُقتضى إطلاقُ الوصفِ عليهِ.وإذا قال قائلٌ لأخيه الشقيق مثلاً:أنتَ كافرٌ يلزمُ من هذه الكلمةِ أنه لوماتَ وله عمٌ فالعمُ يرثُهُ ولايَرِثُهُ هذا الأخُ لماذا؟ لأنه عند هذاالأخِ كافرٌ والكافِرُ لايرثُ المسلم فيرثه العمُ الذي يقول:إن ابن أخي هذا مسلمٌ وليس بكافرٍ.فالمسألة ُهذه خطيرة ٌجدًا وكثيرٌ من الناس اليوم يعني ممن ينتسبون إلى الدين وإلى الغَيْرَةِ في دين اللهِ-عزوجل-تجدُهُم يُكفرون مَنْ لم يُكفرهُ اللهُ ورسولُهُ.بل مع الأسفِ أنَّ بعضَ الناسِ صاروا يُناقِشون في وُلاةِ أمورهِم ويُحاولون أن يُطلِقوا عليهم الكُفر لمجرد أنهم فعلوا شيئًا يعتقدُ هؤلاءِ أنَّهُ حرامٌ وقد يكونُ من المسائلِ الخلافيةِ وقد يكونُ هذا الحاكِمُ معذورًا بجهلِهِ لأنَّ الحاكِمَ يُجالِسُهُ صاحِبُ الخيرِ ويُجالِسُهُ صاحِبُ الشرِ ؛ولكلِّ حاكمٍ بطانتانِ إمابطانةُ خيرٍ وإما بِطانةُ شرٍّ. بعضُ الحُكامِ مثلاً يأتي أهلُ الخيرِ يقول:هذاحرامٌ ولا يجوزُ لك أن تفعلُهُ ؛ويأتيه آخرون ويقولون:هذا حلالٌ ولكَ أن تفعلَهُ.ولنضرِب مثلاً في البنوك الآن نحنُ لانشُكُ بأنَّ البنوكَ واقِعة ٌفي الربا الذي لعنَ النبيُ-صلى الله عليه وسلم-آكله ومُوَكِلَهُ وشاهديهِ وكاتبه وأنهُ يجبُ إغلاقُها واستبدالُ هذه المعاملاتِ بمعاملاتٍ حلال حتى يقومَ أولًا:دينُنا ثم اقتصادُنا.
ثانيًا:ولاشكَ أنَّ أكملَ اقتصادٍ وأتمَّ اقتصادٍ وأنفعَ اقتصادٍ للعبادِ هوأن نسيرَعلى الخطةِ التي رسمها لنا اللهُ ورسولُهُ-صلى الله عليه وسلم-وأنّ مَنْ زعم أنَّ خطة تُخالِفُ ذلك هي التي بها الاقتصاد فقد توهمَ توهُمًا عظيمًا وقد ضلَّ ضلالاً مُبينًا لأننا نعلمُ أنَّهُ لا يُصلِحُ العبادَ إلاَّ ماشرعَهُ ربُهُم-عزوجل-وأنَّ كُلَّ ما خالفَ شرعَ اللهِ فهو مفسَدَة ؛وإن توهمَ الواهِمُ أنَّ فيهِ مصلحة ٌفهو مفسدَة ٌ.لانشُكُ في هذا وربما يكونُ الأمرُ واضِحًا عندَ كثيرٍ من الناسِِ.فيأتي رجلٌ ويقولُ للحكام: هذا ليس من الربا بل هذا من تمامِ الاقتصادِ ولايُمكنُ اقتصادٌ إلا بهِ ولايُمكِنُ للأمةِ حياة ٌإلاباقتصادٍ.هذا ليس بحرامٍ ليش؟ قال:
أولًا:هذا ليس بذهبٍ ولافضةٍ والنصُ إنماجاء َبالذهبِ والفضةِ.هذا قِرطاسٌ هذا من جِنس الفلوسوالفلوس قالَ العلماءُ عنها إنها عروضٌ مايجري فيها الربا كما نصَّ على ذلكَ فقهاءُ الحنابِلةِ فقالوا:إنَّ الفلوسَ عروضٌ مُطلقًا لأنَّ الفلوسَ أثمانٌ من غيرِ الذهبِ والفضةِ.وقد صَرَحَ فقهاءُ الحنابِلةِ بأنها عروضٌ مطلقًا. مامعنى عروضٌ مطلقًا؟ أنهُ لايجري فيها الربا وأنه لا زكاة َفيها حتى يريدُ بها الإنسانُ التجارة َ.هذا وجهٌ.
الوجه الثاني:الربا المُحرمُ هوالربا الذي كان عليهِ أهلُ الجاهليةِ بحيثُ إذا انتهى الأجلُ قال للمدين:إما أن تُربي وإما أن تقضِي.يعني إما أن تُعطيني حقي وإلا تجعلَ المِئة َمِئة ًوعشرين.وإذا تمَّ الأجلُ ثانية ًقال:إما أن تُعطيني حقي وإلاجعلناَ المِئة َوالعشرين أكثرَ.وهكذا يزيد.قالَ هذا هو الربا المَنهِيٌّ عنه"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا "فإذا قدَمَ مثل هذا البحثَ إلى الحاكم وقال للحاكم :اطمئن هذا كلامُ الفقهاءِ إن أردتم كلامَ الفقهاءِ وهذا كلامُ ربِ العالمين إن أردتم القرآن"ا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُّضَاعَفَةً".فإذا كانَ الحاكِمُ ليس عندهُ حصيلة ٌ قوية ٌمن العلم الشرعي إيش يقول؟ يقول خلاص الحمدُ لله فَرَّجتَ عني الآن جزاكَ اللهُ خيرًا إذًا تبقى البنوك وكلٌ يعملُ على ماشاءَ.هذا الرجلُ بطانة ُسوءٍ ؛بلاشكٍ لكن أنا أُريدُ أن أقول: إنَّ التعجِيلَ في تكفيرِ الحُكام المسلمين بمثلِ هذه الأمور خطأٌ عظيمٌ,تَصْبِر ربما يكونُ الحاكِمُ معذورًا فإذا قامت عليهِ الحُجة ُوقال:نعم هذا هو الشرع وأنَّ هذا حرامٌ لكن أرى أنه لايُصلِحُ الأمة َفي الوقتِ الحاضِرِإلا هذا الربا؛حينئذٍ يكونُ كافِرًا لأنه اعتقدَ أنَّ دينَ اللهِ في هذا الوقتِ غيرُ صالِحٍ للعصرِ.أما أن يُشَبَّهُ عليه ويُقالُ:هذا حلالٌ لأنَّ الفقهاءَ قالوا كذا لأنَّ اللهَ قال كذا؛ فهذا قد يكونُ معذورًا لأن كثيرًا من حكام المسلمين الآن يجهلون الأحكامَ الشرعية أو كثيرًا من الأحكام الشرعية؛ َفأنا ضربتُ هذا المثلَ حتى يتبيَّنَ أنَّ الأمرَخطيرٌ وأنَّ التكفير يجب أن يَعرِفَ الإنسانُ شروطَهُ قبل كلِ شيءٍ. أما جوابُنَا على هذا المُشَبِّه ِ فنقول:نعم الفقهاءُ لاشكَ أنهم قالوا:إنَّ الفلوسَ عروضٌ وأنَّهُ لا ربا في الفلوسِ ولو كانت نافقة ؛يعني يُتعامَلُ بها؛ فيجوز أن أعطيكَ قرشًا واحِدًا وتُعطيني قرشين مافيه مانع لأن هذا ولاذهب ٌ ولافضة ٌفهي معدنٌ آخرُ يجوزُ فيها ربا الفضل ؛ بل قالوا يجوزُ فيها ربا النسيئةِ أيضًا لأن قرش بقرشين إلى أجلٍ كبعيرٍ ببعيرين إلى أجلٍ.لهذا قال صاحِبُ"المنتهى"لا ربا في الفلوسِ مطلقًا يعني نافقة أوغيرُ نافقةٍ؛ ربا نسيئةٍ أوربا فضلٍ.عرفتم ولا لأ؟ لكن الصحيحُ الذي لاشكَ فيهِ:
أولًا:أنَّ الفلوسَ النافقة َ كالنقودِ تجري فيها ربا النسيئةِ لكن لايجري فيها ربا الفضل.هذا القولُ وسط ٌفيجري فيها ربا النسيئةِ بمعنى أنه لايجوز إن أخذ منك قرشا بقرشين لأجل أو حال لا يقبض ؛ولكن لا يجري فيها ربا الفضل ؛فيجوز أن أخذ قرشًا بقرشينِ ولابأسَ به.البنوكُ الآن مبنِية ٌ على إيش؟ على قرش بقرشين نقدًا؟ ولا قرش بقرشين لأجل؟ إلى أجل.معلومٌ أنتَ ما أنتَ رابحٌ تعطيهم مثلاً اثنين ويعطونكَ واحدًا في آنٍ واحدٍ ما يمكن,إلى أجلٍ إذًا فهي ربا.

أم أبي التراب
09-28-2018, 03:59 AM
ثانيًا:نقولُ:هذه الأوراقُ وإن كانت بمنزلةِ الفلوس لأنها قيمةُ النقدين وليست هي النقدين.نحنُ نقولُ إنها تقومُ مقامَ البدلِ فيجري فيها الربا.أما قولُك:إنَّ القرآنَ يدلُ على أنَّ الربا هوما يُؤكلُ أضعافًا مضاعفة فهذا خطأٌ عظيمٌ لأنهُ ثبُتَ عن النبي-صلى الله عليه وسلم-أنَّ الربا يكونُ فيما يُؤكلُ أضعافًا مُضاعفة فالصاعُ بالصاعين قال فيه-عليه الصلاة والسلام-"عينُ الربا" حتى ماقال الربا بل قال"هذا عينُ الربا".أنتَ تقول الربا بعينه ؛وهل فيه ظلمٌ؟ ما فيه ظلمٌ لأن التمر الذي جيئ به إلى الرسولِ-صلى الله عليه وسلم-طيبٌ يُؤخذ ُمنه الصاعُ بالصاعين والصاعين بالثلاثةِ برضا البائعِ والمشتري؛ وليس فيهِ أكلٌ للمال بالباطِلِ من حيثُ القيمةِ ؛لأن القيمة َفي الصاعين تُساوي قيمة ُ الصاعِ الواحدِ فليس فيه ظلمٌ ولاقهرٌ ولا إكراهٌ ومعَ ذلك قال الرسولُ-عليه الصلاة والسلام-:"عينُ الربا".فهل أنتَ أحقُ بالتشريعِ من رسولِ الله-صلى الله عليه وسلم-؟ أبدًا المُشَرعُ هوالله-عزوجل-إما في كتابه وإما على لِسانِ رسوله-صلى الله عليه وسلم-وحينئذٍ تندَحِضُ حُجَتُهُ حيثُ يدَّعي أنَّ هذا ليس بربا وأنَّ الربا ماكان على سبيل الظلم وهو الذي يؤكلُ أضعافًا مُضاعفة.هذا ما نقولُهُ حول شُبهةِ هذا الرجلِ.لكن قصدي أُمَثِلُ بأنَّ الحاكِمَ له بطانتان كلُ حاكمٍ كما جاء في الحديث "له بطانة َخيرِ وبِطانة َشرٍ" فتأتي بطانة الشرِ وتُزينَ له الشرَ أو تُخفِي عنه سوءَ الشرِ وهو بشرٌ يُمكنُ أن يُصَدِّقَ بهذا ولاسيما إذا لم يكن عندَهُ رصيدٌ علميٌ من الشرع.على كلِ حالٍ الآن نحنُ نقولُ:إنَّ تكفيرَالإنسانِ بدون دليلٍ شرعيٍ واضِحٍ لايجوزُ لأنهُ:
1-افتراءٌ على اللهِ-عزوجل-وعلى شرعِهِ.
2-واعتِدَاءٌ على مَنْ؟ على المحكومِ عليه بالكفر وافتراءٌ عليهِ أيضًا.تقول:هوكافرٌ وهو ماكفر.
طيب هذا الوجهُ الأولُ,الوجهُ الثاني:

أم أبي التراب
09-28-2018, 04:30 AM
المتن

الثاني: الوقوع فيما نبز به أخاه إن كان سالمًا منه. ففي صحيح مسلم عن عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "إذا كفَّرَ الرجلُ أخاه فقد باء بها أحدهما". وفي رواية "إن كان كما قال وإلا رجعت عليه". وفيه عن أبي ذر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: "ومن دعا رجلًا بالكفر أو قال عدو الله وليس كذلك إلا حار عليه"رواه مسلم
الشرح

"حار"يعني رجع ومنه قوله تعالى"إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ" الانشقاق 14.أي أن لن يرجع.
المتن

وعلى هذا فيجب قبل الحكم على المسلم بكفر أو فسق أن ينظر في أمرين:
أحدهما: دلالة الكتاب أو السنة على أن هذا القول أو الفعل موجب للكفر أو الفسق.
الثاني: انطباق هذا الحكم على القائل المعين أو الفاعل المعين بحيث تتم شروط التكفير أو التفسيق في حقه وتنتفي الموانع.
الشرح

صحيح هذا لابدَ منهُ.قبل أن نقولَ:إنَّ هذاالرجلَ فاسقٌ أو أن تقول:إن هذا الرجلَ كافرٌ بحيث يجب أن تنظر في أمرين :
الأمرُ الأولُ:ثبوت أنَّ هذا كفرٌ أو فِسقٌ ولاطريق لنا إلى ثبوتِ أنه كفرٌ أو فسقٌ إلا الكتابَ والسُنة َفننظر هل دلَّ الكتابُ والسُنة ُعلى أنَّ فِعلَ هذا كفرٌ؟ أو تركَ هذا كفرٌ؟ أو قول هذا كفر والسكوتَ عنه كفرٌ أو لا ؟وكذلك في مسألةِ الفسق لا بدَ من هذا ليكونَ حُجة لك عندَ اللهِ يوم القيامةِ ؛إذا قلتَ هذا كفرٌ وجدتَ أن هذا في القرآنِ والسُنةِ صارَ حُجة ؛وإلا فلا حُجة لك وستبوءُ بإثمِ القولِ على الله بلا علم.

أم أبي التراب
09-28-2018, 04:42 AM
الشيءُ الثاني:وهو أيضًا مهمٌ انطباق هذا على المحكومِ عليه بالكفر أو الفسق.هل ينطبقُ على هذا الشخص المعين أن يكون كافرًا أوفاسقًا أو لا ينبطق؟ وهذا من بابِ تحقيقِ المناط ؛أن تعرفَ الحُكمَ الشرعي أولًا؛ ثم تُطبقه ثانيًا.هل هذا الرجل المعين ينطبقُ عليه الحُكمُ بالتكفير أوالتفسيقِ أو لا؟رُبما يُصِرُّ شخصٌ من الناسِ على أمرٍ ترى أنه معصية ٌوبِناءً على ذلكَ يكونُ في نظركَ فاسقًا ؛لكن هذا الشخصُ مقلِدٌ لآخرٍ يرى أنهُ مباحٌ فلا يجوزُ حينئذٍ أن أصِفَهُ بالفسق.فيه أُناسٍ يرَون أنَّ شُربَ الدُخانِ حلالٌ أو مكروهٌ وأنا أرى أنَّهُ حرامٌ لاشكَ أنهُ عندي أنهُ حرامٌ لِما فيهِ من الضررِ وإضاعةِ المالِ والمفاسدِ الأخرى التي أشرنا إليها في عدةِ جلساتٍ ؛لكن هذا الرجلُ الذي قلدَ مَنْ يثِقُ به ويرى أنهُ أوثقُ منكَ في العِلمِ قال له:إنه حلالٌ ولابأسَ بهِ إلا إذا رأيتَ منه ضررًا أنتَ بنفسِكَ ؛فهو حرامٌ عليكَ.قال:وأنا لم أرَ فيهِ ضررًا ًبنفسي ولايهُمُني إن شربتَهُ شربته أوابتعدتُ عنه يومين أو ثلاثة مايهم ما أتضررُ به.لابفقده ولا بشربه فأرى أنه حلالٌ.هل يمكن أن تحكمَ على هذا بالفسق؟ لأ.أشدُ من هذا الآن رجلٌ أكلَ لحمَ إبلٍ وملأ بطنَهُ منهُ ؛ثم قامَ يُصلي بلاوضوءٍ مُقلِدًا مَنْ يرى أنَّهُ ليس بناقِضٍ وأنتَ ترى أنَّهُ ناقِضٌ والصلاةُ بحدثٍ من أعظمِ المحرماتِ؛ بل أنَّ بعضَ العلماءِ يقولُ"مَنْ صلى مُحدِثًا كفرَ " لأنه مستهزئٌ باللهِ-عزوجل-"ويُذكَرُ هذا عن مذهبِ أبي حنيفة-َرحمه الله-.هذا الرجلَ هل تُفسِّقُهُ إذا قامَ يُصلي بلا ضوءٍ ولا لأ؟هل تقول:يافاسق أنتَ ؛فاسقٌ لاتُصلي بنا؟ لا,تقول:هذا الرجلُ ليس بفاسقٍ وأُصلي خلفَهُ. أيهما؟ الثاني. ولهذا يجوزُ أن تُصلي خلفَ مَنْ أكلَ لحمَ إبلٍ ولم يتوضأ إذا كان هو يرى أنه ليس بناقضٍ؛ لأنك تعتقدُ الآن أنَّ صلاتَهُ بالنسبةِ لاعتقادِهِ صحيحة ٌولوكنا نُعامِلُ الناسَ بما نعتقده نحنُ مابقينا نقتدي بإمامٍ إلا أن يشاءَ اللهُ.

أم أبي التراب
09-28-2018, 05:04 PM
س/ج:- تتبُع الرخصِ حرامٌ مايجوز.أنا قلتُ في أثناء كلامي:وكان يُقلِدُ رجلًا يرى أنهُ أعلمُ منكَ وأوثقُ ما هو لأجل الرخص.يمكن يُقلد هذا الرجل في أمرٍ يرى أنهُ حلالٌ ويُقلدهُ في أمرٍ يرى أنه حرامٌ وأنتَ ترى أنه حلالٌ.إذا علمنا أن الرجل يلعبُ وأنهُ يأخذُ برأيِ فلانِ في هذا لأنه أسهلُ ورأي الثاني في أمرٍ آخر لأنه أسهل وإن كان يُخالِفُ الثاني في المسألةِ الأولى عرفنا أنه مُتلاعبٌ وهذا شيءٌ فيما بين الإنسانِ وربه.لكن بالنسبةِ للحاكم الشرعي للبلد يجب إذا رأى من هذا الشخص التلاعبَ وأنهُ يُقلِدُ فلانًا في كذا وفلانًا في كذا اتباعًا لهواه يجب أن يُعزِّرَهُ، الظاهرُ لي أنَّه لايُعذرَ الإنسانُ إذا كان الأمرُ واضِحًا, النصُ صريحٌ وواضحٌ ولم يكن نصٌ عندَ المخالِف معارضًا له.فإذا كان النصُ صريحًا وليس عندَ المُعارضِ نصٌ صريحٌ مخالفٌ له فهذا لا يُعذرُ.ولهذا قولُ الفقهاءِ رحمهم الله "لا إنكارفي مسائل الاجتهاد"هذه العبارة لا ينبغي .
انتهى الشريط الثامن

أم أبي التراب
09-28-2018, 05:45 PM
الشريط التاسع والأخير

من شرح كتاب القواعد المثلى

الظاهرُ لي أنَّه لايُعْذرَ الإنسانُ إذا كان الأمرُ واضِحًا, النصُ صريحٌ وواضحٌ ولم يكن نصٌ عندَ المخالِف معارضًا له.فإذا كان النصُ صريحًا وليس عندَ المُعارضِ نصٌ صريحٌ مخالفٌ له فهذا لايُعْذرُ.ولهذا قولُ الفقهاءِ رحمهم الله:"لاإنكارفي مسائل الاجتهاد"هذه العبارة لا ينبغي أن نأخذها على إطلاقها؛ بل نقول ننكر في مسائل الاجتهاد إذا لم يكن الاجتهاد مبنيًا على شبهة؛ أما إذا كان مبنيًا على أمر مشتبه عنده؛عندَهُ وقال:أنا أرى أن مثلاً قولَ الرسولِ-صلى الله عليه وسلم-:"توضأ من لحوم الإبل"يُعارضه حديثُ جابر"كان آخرُ الأمرينِ تركُ الوضوء من ما مستهُ النارُ"هذه شُبهة ؛ٌلكن لويجي مثلاً حاكمٌ أومفتي يقول:مَنْ وجَدَ مالَهُ عندَ رجلٍ قد أفلسَ فليس أحقَ به.هذا ننكِرعليه لأن الحديثَ واضحٌ "مَنْ وجَدَ مالَهُ عندَ رجلٍ قد أفلسَ فهوَأحقُ به"إن أتى بشيءٍ من النص يكون له شُبهة في هذا فلنقبل أما مجرد أن يقول:والله أنا أرى أن العين انتقلت لمِلك هذا الرجل وإذا انتقلت إلى مِلكي فقد تعلق بها حقُ جميع الغرماء. مجرد تعليل.هذا ما نقبله.الرسول يفهم هذا-عليه الصلاة والسلام-ومع هذا قال"فهو أحقُ به".
في من يُرى أنهم علماء يفتون بِحِلِّ هذا؛ فإذا جاءوا مثلا عند هذا الحاكم ؛وحصل بينهم المناظرة ؛طبعًا تعرف أن هؤلاء الذين يذهبون إلى شيءٍ يُخالف النصوص سيأتون بكل شُبهةٍ مثل حمل بن نابغة لما أمرَ النبي-صلى الله عليه وسلم-بأن يُغْرَم الجنين قال:يارسول الله! كيف يُغْرَمُ مَنْ لاشرب ولا أكل ولانطق ولااستهلَّ؟ فمثل ذلك يطُل,شوف الآن ضخمَ المسألة فقال الرسول -عليه الصلاة والسلام-"إنما هذا من إخوان الكُهان"من أجل سَجعِه الذي سَجَعَ هؤلاء يُجيبون أشياءً يُكبرونها ولا يمكن يمشي الاقتصاد إلا بهذا وإيش نسوي ثم يُجيبون شيء عند الحاكم يحسبهُ الظمآنُ ماءً وهو سرابٌ بقيعةٍ.الحاكم إذا كان رجلًا ذكيًّا أو مُصانِعًا قال: ياجماعة أصبحت المسألة خلافية ومادامت خلافية والأمر يقتضي أن ندع الأمور على ما هي عليه ولانُشَوِّش؟ عرفت مشكلة المسألة معقدة ياجماعة غاية التعقيد ؛ونحنُ قد عايشنا هذه المسائل أو شيئًا منها وجدنا مصائب ؛يعني ماكل ما يُعلم يُقال.المهم أحب أننا نتأكد في هذه الأمور وأن نخشى الله قبل الناس.والله مايهمنا الناس. شيءٌ تخشى به الله-عزوجل-لايهمك به أحدًا به أبدًا لكن الكلام على خشيةِ الله-عز وجل-وأن الله تعالى لا يحبُ الفساد ولايحب المفسدين؛ أن كل إنسان يراقب الله-عز وجل-قبل أن تحكم على عباد الله حتى تعرف شرع الله في هذا الأمر.ولهذا منع الرسول-عليه الصلاة والسلام-من الخروج على الأئمة إلابشروط ثقيلة جدًا.إيش قال؟:"أن تروا كفرًا بواحًا عندكم فيه من الله برهان".شوف"تروا"رؤية عين أو علم يقين و"كفرٌ بواحٌ"صريحٌ مافيه احتمال,أيضًا ما يكفي أني أرى أنا إن هذا كفرٌ صريحٌ قد أرى أنه كفرٌ صريحٌ لكن هو عند الله ليس بكفر صريحٍ ولهذا قال "عندكم فيه من الله برهانٌ"حتى ولا قال دليل.برهان أشد.البرهان مابرهن على الشيء ودلَّ عليه ضرورة . فيه الشرط الرابع ماذكر في الحديث ولكنه معلومًا وهو القدرة على إزاحة هذاالحاكم وهذا مهم لأني قد أرى في الحاكم كفرًا صريحًا عندي فيه من الله برهانٌ ؛لكن ماعندي قدرة على إزاحتِهِ هل أخرج عليه بسكين وفاس خشب وهوعنده الدبابات والقنابل؟ سفه ؛ هذا معناه القضاء عليَّ وعلى أمثالي ويحكم عليَّ كما يريد؟ ولهذا يغلط بعض الناس في الحقيقة فيما نسمع في البلاد الأخرى مساكين عندهم غيرة قوية واندفاع يظنون بأنفسِهِم أنهم لو كانت أمامهم الجبال لهدموها؛ ثم يقومون على الحاكم أو يُفسدون في الأرض ويُحدِثون الفوضى وزعزعة الأمن؛ مع أنهم لن يُصلحوا أبدًا ؛هذه مسائل ماهي هينة وما انفتح باب الشر على المسلمين إلا بالخروج على الأئمة منذُ قُتِلَ عثمان-رضي الله عنه-والمسلمون في انحدار وهو الباب الذي يُكسر؛ الذي رآه النبي-عليه الصلاة والسلام-كُسِرَ الباب فبقي القصر بلا باب؛ اللهم سلمنا.إذا رأينا كفرًا بواحًا عندنا فيه من الله برهانٌ فلنا أن نخرج لنا أن نخرج؟ لابد من قوة. قلت فيه الشرط الرابع لابد منه؛ قد أحكم بكفره ولكن لا يجوز أن أقاتله؛ إينعم ومع ذلك أيضًا هل من المستحسن أن أقول بكفره أمام العامة؟ هذه أيضًا مسألة ثانية ؛ربما إذا قلت هكذا ذهب هؤلاء العامة الذين عندهم غَيرة فأرادوا أن يقاتلوا ويخرجوا بدون سلاح نعم هذه أيضًا مسألة يجب الإنسان أن يتفطن لها ولهذا أحيانًا بعض الناس يُلزمون الواحد يقولون لازم تقول بكفر فلان ؛وهوما يقدر يقول هذا الكلام لأنه تؤخذ الكلمة منه وياليتها تؤخذ ولاتُزود.تؤخذ ويُبنى على الحبة قبة ؛وخلاص فلان ابن فلان كفر هذا الحاكم يله شدو حيلكم اخرجوا على هذا الإمام أخرجوا على هذا الرئيس وما أشبه ذلك مشكلة هذه المسائل مسائل معقدة غاية التعقيد ولكن الإنسان البصير يحاول بمعونة الله إصلاح الحاكم ما استطاع وما لم يستطع فأمره إلى الله..............

أم أبي التراب
09-28-2018, 07:12 PM
المتن

ومن أهم الشروط أن يكون عالمًا بمخالفته التي أوجبت أن يكون كافرًا أو فاسقًا؛ لقوله تعالى: "وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا"النساء 115.وقوله "وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ* إِنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ"التوبة 115؛116
الشرح
وهناك أدلة كثيرة أخرى منها قوله تعالى"وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا"الإسراء15. وقوله تعالى"لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ."النساء 165.وقوله تعالى"ذَلِكَ أَن لَّمْ يَكُن رَّبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا غَافِلُونَ"الأنعام131.
ٌ المهم أن الآياتِ في هذا كثيرة وأنَّهُ لايُكَفَّرُ لايُفَسَّقُ إلامَنْ قامت عليه الحُجة ُوأما مَنْ لم تقُم عليه الحُجة ُفإنه لا يُكفَّرُ ولايُفسَّقُ.ولكن إن كان هذا الرجلُ يعملُ على أنَّهُ ليس على دينِ الإسلام فهذا لايُحكمُ له بالإسلام كما يوجد في قومٍ لم تبلغهم الدعوة لكنهم متبعون للبلدِ التي هم فيها في الكفر.هؤلاء لانقول إنهم مسلمون ,نقول هم كفار ونعاملهم في الدين معاملةِ الكافر وهم في الآخرةِ حُكمهم إلى الله-عزوجل-أمامَنْ كان ينتسبُ إلى الإسلام وهو في بلدٍ إسلامي ولكنه يفعل مايقتضي الكفر جهلًا منه وليس على بالِهِ إطلاقًا أن هذا حرامٌ ولم يسمع بأن هذاحرامٌ فهذا نُعاملهُ معاملة َمَنْ؟معاملة المسلم وإن كان قد فعل مايُكَفِّر لأنه ينتسبُ إلى الإسلام وفعلَ مايُكَفِّرُ جاهِلاً به أو فعلَ مايُفسِقُ جاهلًا به .مثالُ ذلك في التفسيق رجلٌ عاشَ في قوم يشربون الدخان ويحلِقون اللِحَى على أن هذا أمرٌ لابأس به ولم يسمع يومًا من الدهر أن الدُخانَ حرامٌ أو أن حلقَ اللحى حرامٌ فهل نقول إن هذا فاسقٌ؟ الجواب:لأ لأنه لم تقم عليه الحُجة .رجلٌ عاش في قومٍ قبوريين يأتون إلى قبر هذا الولي ويسألونه حاجاتهم ويدعونه ولم يعلم قط أن هذا شيءٌ محرمٌ شرعًا وأنه سفهٌ عقلًا أبدًا ؛هذا أيضًا لانحكُمُ بكفره لأنه مسلمٌ يعتقدُ أنه مسلمٌ فتبيَّن بهذا أن الكفار أو الذين فعلوا ما يُكَفِّرُ ينقسمون إلى قسمين:
قسمٌ يفعله لاعلى أنه من دين الإسلام بل هو يعتقدُ أنهُ على دين النصارى مثلا فهذا كافرٌ ظاهرًا وباطنًا.
قسمٌ آخر يفعلُ مايُكفِّرُ معتقِدًا أنه ليس بكفر فهو ينتسبُ إلى الإسلام ظاهرًا وباطنًا لكنه يظنُ أن هذا الفعل لا يُخرجهُ من الإسلام فهذا لايُكَفَرُُ ؛ومن ذلك لو فرضنا أن رجلاً لايُصلي في بلادٍ كلِ علمائها يقولون:إنَّ تاركَ الصلاةِ لايُكفر؛ ولم يطرأ على باله أنَّ تاركَ الصلاةِ يكفر.هل نقول هذا كافرٌ؟لأ لأنه لم تقُم عليه الحجة ُ.
بقي أن يُقالُ:إذا عُلِمَ الحُكمُ و جَهِلَ العقوبة فهل هذا عُذرٌ؟ لأ ليس بعذرٍ؛إذا كان يعلمُ بأنه كفرٌ لكن ماعلِمَ أنه إذا كفرَ مثلاً لايُدفَنُ مع المسلمين وأنهُ يخلدُ في النار وما أشبه ذلك.نقول هذا ليس بعذرٍ؛ ولهذا لم يعذر النبي-صلى الله عليه وسلم-الرجلَ الذي جامعَ زوجته في نهار رمضان وهو لايدري هل عليه كفارة أم لا؟ بل ألزمه بالكفارةِ. نعم.

أم أبي التراب
09-29-2018, 12:13 AM
المتن

ولهذا قال أهل العلم: لا يكفر جاحد الفرائض إذا كان حديث عهد بإسلام حتى يبين له.
الشرح

مع أنَّ جاحِدَ الفرائضِ الذي عاش بين المسلمين يَكْفُر ولا لأ؟ لو جاء واحد عايش بيننا يقول إن الصلواتِ الخمس ليست واجبة أو إن الزكاة غيرُ واجبةٍ أو أن الصيامَ غيرُ واجبٍ"صيام رمضان"قلنا:هذا كافرٌ لكن لو كان حديث عهدٍ بالإسلام ولا يُعَلَّمُ قلنا ليس بكافرٍ حتى يُعلَّم.
المتن

ومن الموانع أن يقع ما يوجب الكفر أو الفسق بغير إرادة منه ولذلك صور:
منها: أن يكره على ذلك فيفعله لداعي الإكراه لا اطمئنانًا به، فلا يكفر حينئذ؛ لقوله تعالى "مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْأِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ"النحل 106.
الشرح
طيب هذا الرجل كَفَرَ كُفرًا صريحًا لكنَّهُ إيش؟ مُكرهٌ يعني يُقالُ له:إما أن تكفر إما أن تقولَ هذه الكلمة كلمة ُالكفر أو نقتُلَك فقالها دفعًا للإكراهِ لااطمئنانًا بالكفر فهذا لا يكفر بنص القرآن ؛ولا فرق على القول الراجح بين القول والفعل لعموم قوله"مَنْ كفَرَ باللهِ من بعدِ إيمانِهِ" فلو أُكرِهَ على السجودِ لصنمٍ أو على السجودِ لرئيسٍ وقيل له:إما أن تسجُدَ وإلا القتل فسجد؛ فإنه لا يكفر بشرط أن يكونَ سجودُهُ لدفعِ الإكراه؛ لاتعظيمًا وتقربًا لهذا الصنم؛ ولقوله تعالى "إلا مَنْ أُكْرِهَ وقلبُهُ مطمئنٌ بالإيمانِ".على أن بعضَ أهلِ العلمِ يقول:إنه لا يُشترطُ أن يفعلَ ذلك لدفعِ الإكراه بل المُشتَرَطُ أن لايفعلَ ذلكَ مطمئنًا بهِ فإن فعله مطمئنًا به فهذا يكفُر لأن قلبَهُ غيرُ مطمئنٍ بالإيمان.أما لوفعله وهوكارهٌ له وقلبُهُ مطمئنٌ بالإيمان فإنه لايكفر؛ وذلك لأن المراتِبَ ثلاثة ٌ: 1-إما أن يفعله تقربًا إلى هذا الصنم. 2-أو يفعله لدفع الإكراه. 3-أو يفعله فقط لأنهُ أُكرِهَ وفي ذلك الساعة وما على باله دفع الإكراه أو السجود للصنم. فإن فعله : 1-تقربًا لهذا الصنم فهو كافرٌ. 2-لداعي الإكراه ليس بكافرٍ. 3-لم يكن له نية لا بهذا ولاهذا ؛فالصحيح أنه ليس بكافرٍ لأن اللهَ يقول"إلامَنْ أُكرِهَ وقلبه مطمئنٌ بالإيمانِ"ولم يقل إلامَنْ أُكِره وفعلَهُ دفعًا للإكراه.والله-عز وجل-يعلمُ النياتِ ويعلمُ أن الإنسانَ قد ينوي هذا أو ينوي هذا. فالصواب أنه إذا كان قلبُهُ مطمئنًا بالإيمان فإنه إذا كفر وإن لم يكن قصدُه دفعَ الإكراهِ فإنه لايكفرُ.

أم أبي التراب
09-29-2018, 12:24 AM
المتن

ومنها: أن يغلق عليه فكره، فلا يدري ما يقول لشدة فرح أو حزن أو خوف أو نحو ذلك.
الشرح

يعنى أو غضبٍ حتى مَثَل لو أُغلِق عليه فكرُهُ من الغضبِ وقالَ مايُكَفِّرُ فإنَّهُ لايَكْفُر.
المتن

ودليله ما ثبت في صحيح مسلم عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم"لله أشد فرحاً بتوبة عبده حين يتوب إليه من أحدكم كان على راحلته بأرض فلاة فانفلتت منه وعليها طعامه وشرابه فأيس منها، فأتى شجرة فاضطجع في ظلها قد أيس من راحلته، فبينما هو كذلك إذا هو بها قائمة عنده، فأخذ بخطامها ثم قال من شدة الفرح: اللهم أنت عبدي وأنا ربك! أخطأ من شدة الفرح".صحيح مسلم.
قال شيخُ الإسلامِ ابنُ تيميةَ - رحمه الله - ص180 جـ12 مجموع الفتاوى لابن قاسم "وأما التكفير فالصواب أن من اجتهد من أمة محمد صلى الله عليه وسلم وقصد الحق فأخطأ لم يكفر بل يغفر له خطؤه، ومن تبين له ما جاء به الرسول فشاق الرسول من بعد ما تبين له الهدى واتبع غير سبيل المؤمنين فهو كافر، ومن اتبع هواه وقصر في طلب الحق وتكلم بلا علم فهو عاص مذنب ثم قد يكون فاسقًا. وقد يكون له حسنات ترجح على سيئاته".أهـ.
الشرح

إذن قَسَّمَ شيخ الإسلام الناسَ ثلاثة أقسام:
الأول:مَن اجتهدَ في طلبِ الحقِ وبذلَ جُهدًا ولكن أخطأ يقول إن هذا خطؤهُ مغفورٌ له حتى وإن كان في أمرٍ يَكْفُر فيه لأن النبي-عليه الصلاة والسلام- يقول "إذا حَكَمَ الحاكِمُ فاجتهدَ فأخطأ فلهُ أجرٌ وإن أصابَ فله أجران".
الحالة الثانية:أن يتبيَّنَ له الحقُ ولكن يُخالِفُ الحقَ ويُشاقَّ الرسولَ-صلى الله عليه وسلم- فيقول-رحمه الله-:إنه كافرٌ؛فهو كافرٌ لأنهُ لاعُذرَ له.
الحالة الثالثة:أن يتبع هواه ويُقَصِرَ في طلبِ الحق ويتكلم بلاعلم فهوعاص ٍمذنبٌ قال ثم قد يكون فاسقًا وقد يكون له حسناتٍ تَرجُحُ على سيئاتِهِ.
فهذا الثالِثُ مقصِرٌ يعني ما اجتهد ولم يُشاق الرسول-صلى الله عليه وسلم-من بعدِ ماتبيَّنَ له الهُدَى,فحاله بين حَالي مَنْ سَبَقَهُ اللذانِ سبقاهُ المجتهِد الذي حَرِصَ على طلبِ الحقِ ولكن ماوُفِقَ له، والثاني الذي شاقَّ الرسول-صلى الله عليه وسلم-بعد أن تبيَّنَ له الحقُ.هذا الثالث لم يبذل جُهدَهُ ولم يُشاق الرسول-صلى الله عليه وسلم-فهو عاصٍ بلاشك مذنبٌ لأن الواجب عليه أن يبحث عن الحق.ثم قد يكونُ فاسقًا وقد يكونَ لهُ حسناتٍ تمحو هذه السيئات.
المتن

وقال في ص229 جـ3 من المجموع المذكور في كلام له: "هذا مع أني دائمًا ومن جالسني يعلم ذلك مني أني من أعظم الناس نهيًا عن أن ينسب معين إلى تكفير وتفسيق ومعصية، إلا إذا عُلم أنه قد قامت عليه الحجة الرسالية .
الشرح

طيب التكفير واضح؛ والتفسيق؟في الكبائر.والمعصية؟ في الصغائر إذا لم يُصِرَّ عليها نعم.

أم أبي التراب
09-29-2018, 01:28 AM
المتن


إلا إذا علم أنه قد قامت عليه الحجة الرسالية التي من خالفها كان كافرًا تارة وفاسقًا أخرى وعاصيًا أخرى، وإني أقرر أن الله قد غفر لهذه الأمة خطأها وذلك يعم الخطأ في المسائل الخبرية القولية والمسائل العملية. وما زال السلف يتنازعون في كثير من هذه المسائل ولم يشهد أحد منهم على أحد لا بكفر ولا بفسق ولا بمعصية. وذكر أمثلة ثم قال:
"وكنت أبين أن ما نقل عن السلف والأئمة من إطلاق القول بتكفير من يقول كذا وكذا فهو أيضًا حق لكن يجب التفريق بين الإطلاق والتعيين، إلى أن قال:
والتكفير هو من الوعيد؛ فإنه وإن كان القول تكذيبًا لما قاله الرسول صلى الله عليه وسلم، لكن قد يكون الرجل حديث عهد بإسلام أو نشأ ببادية بعيدة، ومثل هذا لا يكفر بجحد ما يجحده حتى تقوم عليه الحُجة، وقد يكون الرجل لم يسمع تلك النصوص، أو سمعها ولم تثبت عنده أو عارضها عنده معارض آخر، أوجب تأويلها وإن كان مخطئًا.
وكنت دائمًا أذكر الحديث الذي في الصحيحين في الرجل الذي قال:
قال البخاري في صحيحه:حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ ، قال : حَدَّثَنَا هِشَامٌ،قال: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ" كَانَ رَجُلٌ يُسْرِفُ عَلَى نَفْسِهِ فَلَمَّا حَضَرَهُ الْمَوْتُ قَالَ لِبَنِيهِ إِذَا أَنَا مُتُّ فَأَحْرِقُونِي ثُمَّ اطْحَنُونِي ثُمَّ ذَرُّونِي فِي الرِّيحِ فَوَاللَّهِ لَئِنْ قَدَرَ عَلَيَّ رَبِّي لَيُعَذِّبَنِّي عَذَابًا مَا عَذَّبَهُ أَحَدًا فَلَمَّا مَاتَ فُعِلَ بِهِ ذَلِكَ فَأَمَرَ اللَّهُ الْأَرْضَ فَقَالَ اجْمَعِي مَا فِيكِ مِنْهُ فَفَعَلَتْ فَإِذَا هُوَ قَائِمٌ فَقَالَ مَا حَمَلَكَ عَلَى مَا صَنَعْتَ قَالَ يَا رَبِّ خَشْيَتُكَ فَغَفَرَ لَهُ "
صحيح البخاري » كتاب أحاديث الأنبياء .
فهذا رجل شك في قدرة الله وفي إعادته إذا ذري بل اعتقد أنه لا يُعاد، وهذا كفر باتفاق المسلمين، لكن كان جاهلاً لا يعلم ذلك، وكان مؤمنًا يخاف الله أن يعاقبه فغفر له بذلك.
والمتأول من أهل الاجتهاد الحريص على متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم أولى بالمغفرة من مثل هذا".ا.هـ.
الشرح

شيخُ الإسلام-رحمه الله-قال هذا الكلام لأنه قد رُمِيَ كغيرهِ من أهلِ العلم المخلصين بأنه يُكفِّرُ المسلمين فأرادَ أن يُبيِّنَ أنه لايُكفِّرُ أحدًا حتى تقومَ عليه الحُجَّةُ ؛فمثلاً يُكفِرُ غلاة الجهميةِ أوالدُعاة منهم؛ وكذلك المعتزلة فيقولون:هذا الرجلُ كَفَّرَ الأمة َ الإسلامية؛ كما قيل ذلك أيضًا في الشيخ محمد بن عبدالوهَّاب-رحمه الله-بأنه يُكَفِّرُ الناس ويستحِلُّ دماءَهم وأموالهم؛ مع أنَّ الشيخ محمد يقول مثل هذا الكلام في كتابٍ كتبه إلى بعضِ الناس قال"نحنُ لانُكفِرُ أحدًا حتى تقومَ عليهِ الحُجة ؛ُأما مَنْ لم تقم عليه الحجة ؛فإننا لا نُكَفرَهُ وإن فعلَ مايُكَفِّرُ".وهذا الذي أشارَ إليه شيخُ الإسلام-رحمه الله- أنه لافرقٌ بين الأمور العلمية الخبريةِ والأمور العملية الحُكمِيةِ.هذا هوالصحيح ؛وأما قولُ مَنْ قال إننا نُفرقُ بينَ الأصولِ والفروع فيُقالُ له: هات الدليل على أن الإسلامَ ينقسِمُ إلى أصولٍ وفروع.يقول شيخُ الإسلام ما في دليل وأولُ مَنْ قسَّمَ الدين إلى أصولٍ وفروع هم المتكلمون.
ثم نقول أنتم تقولون إنَّ الصلاة َمن الفروع وهي من آصل الأصول في الإسلام وهي الثانية بعد الشهادتين.
وتقولون إنَّ بعضَ المسائل الخلافيةِ التي وردَ فيها الخلافُ عن السلفِ هي من الأصول مع أنها بالنسبةِ للأصول الكبارِ تُعتبرُ فروعًا.
فالصوابُ إذن أن نُقَسِمَ الدين إلى خبر علمي وإلى حُكمٍ عملي؛ ونقولُ لافرق بين هذا وهذا بالنسبةِ لمسائلِ التكفير والمدار كلُهُ على الحُجةِ "لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ"النساء 165".
فإذا وجدنا عامِيًّا عاش بين قومٍ لايَعرفُون أن الإتيانَ للقبر ودعاءَ القبر أنه كفرٌ ولايطرأُ على باله أنه كفرٌ كيف نقول:هذا كافرٌ خارجٌ عن الإسلام وهو يشهدُ أنَّ لا إلهَ إلاالله وأنَّ محمدًا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ؛ويُقيمُ الصلاة ؛ويأتِ الزكاة ؛ ويصومُ رمضان ويحج؟ لكن أخطأ في هذه المسألةِ لأنه مايعلم ولو نُبِّهَ أدنى تنبيهٍ بالأدلة ؛ لعدَلَ عن فِعلِهِ.
هذا لايمكن أن نقول: إنه كافرٌ.
لكن يجب على المسلمين حقيقة خاصة أهلُ العلم المعتبرين الذين تؤخذ أقوالُهم؛ يجب عليهم أن يُبيِّنوا للناس أن هذا كفرٌ وأن ينشروه في جميع وسائلِ الإعلام حتى تقومَ الحُجة ُعلى الناس جميعًا.والآن وللهِ الحمدُ بدأت هذه المسائلُ تنتشِرُ وتتبين.فهناك أناسٌ مثلاً يجيئون إلى المملكةِ ويُعْرفون أن هذا كفرٌ ويُبيِّنُوا ذلك لقومهم وهناك أناسٌ آخرون يسمعون من الإذاعاتِ ومن الصُحُفِ وغير ذلك.
س/ج حوار بين الطلبة والشيخ
*لأ هو شاكٌ وليس بشاكٍ هو مؤمنٌ باللهِ.لماذا فعل ذلك؟ ظنَّ أنَّهُ يَسْلمُ من العقابِ بهذا ولم يكن يطرأُ على بالِهِ أنَّ الله تعالى قادرٌ على أن يُعيدَهُ ويُحاسِبَهُ.
شيخُ الإسلام يقول:هوشاكٌ في قدرةِ اللهِ ليش؟ لأن اللي يقول:أنا إذا فعلتُ هذا نجوتُ ما بعثني اللهُ.حقيقة حَالِهِ أنهُ شاكٌ وإن كان قد لايطرأُ على بالِهِ في تلك الساعةِ مسألة ُالقدرةِ, يظنُ أنهُ سيُعْدَمُ ويزولُ ويسلمُ من العقاب مثلما يختفي مثلاً من السلطان الجائر في البيت ولَّا في البر ويَسْلم منه.
س/إذا كان يعمل عملًا ويعلم أنه حرامٌ لكن لايعمل هذا العمل على أنَّ هذا العملَ كفرٌ مثل يعلم أن ترك الصلاة حرامٌ لكن لايعلم أنه كفرٌ فهل يكفرُ بذلك؟
ج/نعم يكفر.
س/حتى لو كان لايعلم أنه كفرٌ؟
ج/ إينعم حتى وإن كان لايعلمُ أنه كفرٌ إلا إذا كان في بلدٍ يُقررُ أهلها وعلماؤها أنَّ تركَ الصلاةِ ليس بكُفرٍ.
*القولُ بأنَّ اللهَ في كل مكانٍ كفرٌ لكن بيجينا إن شاءَ اللهُ تعالى في آخر البحثِ الفرقُ بين التعيين والإطلاق. كما أشار إليه شيخُ الإسلام نحنُ نُطلِقُ بأنَّ مَنْ قال:إنَّ اللهَ تعالى في كل مكان كافرٌ لكن بالنسبةِ للشخص المُعين مانُكفِرهُ حتى تقوم عليه الحُجة ُلأنه ربما يكون قد عاش بين رجالٍ يقولون ذلك وما أكثرهم الآن يعني جميعُ الرافضةِ الآن حَسْبَ ما سمِعنا كلهم يقولون إنَّ اللهَ في كل مكانٍ,وغيرُهم من الناس يقول:اللهُ بذاتهِ في كل مكان.طيب إذا عاش العاميُّ بينَ هؤلاءِ وإيش ذنبه؟
*الخوفُ من اللهِ إيمانٌ لكنَّ شيخَ الإسلامِ-رحمه الله-قال:إنَّ هذا يستلزمُ الشكُ في القدرةِ وإلا لو أُحرِقَ وذُرَّ في اليمِ؛ فاللهُ قادِرٌ على أن يجمعَهُ كما فعلَ-سبحانه وتعالى-وجَمَعَهُ. إنما في ظني أنا أنَّ هذا الرجلَ قد لا يكونُ خطرَ في بالِهِ مسألة ُالقُدرةِ هذه أصلاً لكن فعلَهُ ظاهِرُهُ يستلزمُ ما قاله الشيخ"لئن قَدِرَ اللهُ علي"يعني لئن قَدِرَ اللهُ عليَ قبل أن تذرُوني يعني ظنَّ أنه في هذه الحال يختفي عنِ الله ويُعدَمُ ويِمكِن ماعلى بالِهِ أنَّ اللهَ قادِرٌ على جمعِهِ.فيه احتمال"لئن قدَرَ اللهُ عليّ"في حال أموت ُ على طبيعتي وأكونُ جِسمًا موجودًا.

أم أبي التراب
09-29-2018, 03:23 AM
المتن

وبهذا عُلم الفرق بين القول والقائل، وبين الفعل والفاعل، فليس كل قول أو فعل يكون فسقًا أو كفرًا يحكم على قائله أو فاعله بذلك.
قال شيخ الإسلام ابن تيميه رحمه الله ص165 جـ35 من مجموع الفتاوى "وأصل ذلك أن المقالة التي هي كفر بالكتاب والسنة والإجماع، يقال هي كفر قولاً يطلق كما دلت على ذلك الدلائل الشرعية، فإن الإيمان من الأحكام المتلقاة عن الله ورسوله، ليس ذلك مما يحكم فيه الناس بظنونهم وأهوائهم، ولا يجب أن يحكم في كل شخص قال ذلك بأنه كافر حتى يثبت في حقه شروط التكفير وتنتفي موانعه، مثل من قال: إن الخمر أو الربا حلال لقرب عهده بالإسلام أو لنشوئه في بادية بعيدة، أو سمع كلامًا أنكره ولم يعتقد أنه من القرآن الكريم ولا أنه من أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم كما كان بعض السلف ينكر أشياء حتى يثبت عنده أن النبي صلى الله عليه وسلم قالها. إلى أن قال: فإن هؤلاء لا يكفرون حتى تقوم عليهم الحجة بالرسالة كما قال الله تعالى "لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ"النساء 165. وقد عفا الله لهذه الأمة عن الخطأ والنسيان وبهذا عُلم أن المقالة أو الفعلة قد تكون كفرًا أو فسقًا، ولا يلزم من ذلك أن يكون القائم بها كافرًا أو فاسقًا إما لانتفاء شرط التكفير أو التفسيق أو وجود مانع شرعي يمنع منه. لكن من انتسب إلى غير الإسلام أعطي أحكام الكفار في الدنيا، ومن تبين له الحق فأصر على مخالفته تبعًا لاعتقاد كان يعتقده أو متبوع كان يعظمه أو دنيا كان يؤثرها فإنه يستحق ما تقتضيه نسيان.أهـ.
وبهذا علم أن المقالة أو الفعلة قد تكون كفرًا أو فسقًا، ولا يلزم من ذلك أن يكون القائم بها كافرًا أو فاسقًا إما لانتفاء شرط التكفير أو التفسيق أو وجود مانع شرعي يمنع منه.
الشرح

هذا الكلام معروفٌ الآن؟يعني معناهُ أن نُفَرِقَ بين القولِ والقائلِ والفعلِ والفاعِلِ.قد نقولُ "هذا القولُ كفرٌ" ولكن لايكفِرُ قائلُهُ.وقد تقولُ:هذا الفعل كُفرٌ ولكن لايَكْفُر فاعِلُهُ؛ لأنَّ كُفرَ المُعيَّنِ يحتاجُ إلى شروطٍ وانتفاءِ موانِعٍ؛ نحنُ نقولُ الآن لو أنكرَ شخصٌ آية من كتابِ اللهِ؛فإنَّ إنكارَ آية من كتابِ اللهِ كُفرٌ ؛لكن هذا الشخصَ المُعينَ لا نُكفِرُهُ.وقد أنكرَ عمرُبن الخطابِ-رَضيَ اللهُ عنهُ-قراءة َ أحدِ الصحابةِ حتى ذهبَ به إلى النبي-عليه الصلاة والسلام-فقالَ الرسولُ-عليه الصلاة ُوالسلام-: "هكذا أُنزِلَ"فإنكارُ آيةٍ من القرآن كفرٌ _لكن قد يُنكِرها الإنسانُ لعدمِ علمِهِ بأنها صحت عن النبي-صلى الله عليه وسلم- فلا يَكفُر.قديكونُ ناشِئًا في باديةٍ بعيدةٍ فيقولُ إنَّ الصلاة َغيرُ مفروضةٍ فلا يكفر.قد يكونُ حديثَ عهدٍ بإسلامٍ فيقولُ إنَّ الخمرَ غيرُ حرامٍ لأنهُ مابلغَهُ.فنقول: هذا لايَكْفر مع أنه لوقاله قائلٌ يعلمُ لكان كافِرًا. فَفَرَقٌ إذن بين المقالةِ والقائلِ وبين الفعلِ والفاعِلِ.

أم أبي التراب
09-29-2018, 03:33 AM
المتن

لكن من انتسب إلى غير الإسلام أعطي أحكام الكفار في الدنيا، ومن تبين له الحق فأصر على مخالفته تبعًا لاعتقاد كان يعتقده أو متبوع كان يعظمه أو دنيا كان يؤثرها فإنه يستحق ما تقتضيه تلك المخالفة من كفر أو فسوق.
الشرح

طيب إذا قال قائلٌ:هذا كلامٌ جيدٌ أنَّهُ إذا تبيَّنَ الحقُ فأصَرَ الإنسانُ على مُخالفتِهِ إما لاعتقادٍ كما يفعلهُ بعضُ المتعصبين للمذاهبٍ مثلاً وإما لمتبوعٍ كان يُعظمَهُ كالذين يقولونَ مايختارُهُ الأمراءُ أوالرؤساءُ أوالملوكُ أوما أشبهُ ذلكَ ؛أولدنيا كان يؤثِرها ؛خالفَ الحقَ ليُصيبَ شيئًا من الدنيا؛ فإننا نقول:إنَّهُ يستحقُ ماتقتضيهِ تلكَ المُخالفةِ من إيش؟ من كفرٍ أو فسوقٍ.لكن كلمة َ"تبين" هذه المُشكلة ُ.إذا قال المُخاطَبُ أنا لم يتبين لي الحقُ فهل نحكم بكفره؟يعني لأنَّ هؤلاءِ الذينَ يُعانِدون قد يعانِدون ويقولون:ماتبَيَّنَ لنا الحقُ. فالجواب:أنَّهُ إذا تبيَّنَ الحقُ بمعنى أنهُ عُرِضَ لهذا الإنسان على وجهٍ واضِحٍ لاإشكالَ فيهِ ولاغموض فإنَّ دعواه ُأنَّهُ لم يتبيَّنَ له مكابرة وإلا لقلنا إنَّ الذين كذبوا الرُّسُلَ ليسوا بكفارٍ لأنهم يقولون هذا على أنهم لم يتبين لهم الحقُ.فنحنُ نقولُ:إذا عُرضَ الحقُ على الشخصِ عرضًا واضِحًا بيِّنًا فأنكرَهُ فإننا لا نقبلُ دعواهُ أنهُ لم يتبين له.أما لو كانَ الأمرُ محتمِلاً والمسألة ُغيرُ واضحةٍ فإنَّهُ يُقبلُ دعواهُ:أنهُ لم يتبيَّن ولانحكُمَ بكفرهِ.فهذه مسألة مهمة وهي أنَّ بعضَ الناسِ قال:إنكم إذا قيدتم بكلمةِ "تبيَّن" فكل إنسانٍ يقول:أنا ما تبيَّنَ لي الحقُ ولا تبيَّنَ لي أنَّ قولَكَ صوابٌ.نقول:هذا غيرُمقبولٍ.إذا عُرضَ الحقُ عرضًا بيِّنًا واضِحًا فإنَّ إنكارَهُ أنَّهُ "تبين" له ؛مُكابرة ؛فلا نقبلُ ولهذا قال اللهُ-عزوجل-:
"وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيرًا" النساء115؛فإذا تبيَّنَ الحقُ فلا مُخالفة ٌفإن خالفَ فقد شاقَّ الله ورسولَه.
المتن

فعلى المؤمن أن يبني معتقده وعمله على كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم فيجعلهما إمامًا له يستضيء بنورهما، ويسير على منهاجهما؛ فإن ذلك هو الصراط المستقيم الذي أمر الله تعالى به في قوله"وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ"الأنعام 153
وليحذر ما يسلكه بعض الناس من كونه يبني معتقده أو عمله على مذهب معين، فإذا رأى نصوص الكتاب والسنة على خلافه حاول صرف هذه النصوص إلى ما يوافق ذلك المذهب على وجوه متعسفة، فيجعل الكتاب والسنة تابعين لا متبوعين، وما سواهما إمامًا لا تابعًا! وهذه طريق من طرق أصحاب الهوى؛ لا أتباع الهدى، وقد ذم الله هذه الطريق في قوله: "وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَنْ ذِكْرِهِمْ مُعْرِضُونَ" المؤمنون 71.
والناظر في مسالك الناس في هذا الباب يرى العجب العُجاب، ويعرف شدة افتقاره إلى ربه فهو حري أن يستجيب الله تعالى له سؤله، يقول الله تعالى"وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ" البقرة 186
فنسأل الله تعالى أن يجعلنا ممن رأى الحق حقًا واتبعه، ورأى الباطل باطلاً واجتنبه. وأن يجعلنا هداة مهتدين، وصلحاء مصلحين وألا يزيغ قلوبنا بعد إذ هدانا، ويهب لنا منه رحمة إنه هو الوهاب. والحمد لله رب العالمين الذي بنعمته تتم الصالحات، والصلاة والسلام على نبي الرحمة وهادي الأمة إلى صراط العزيز الحميد بإذن ربهم وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.ا.هـ
قال الشيخ نقرأ كلام شيخ الإسلام :
المجلد/23-الفتاوى لابن تيمية :وأما الصلاة خلفَ مَنْ يَكْفُرُ بِبدعتِهِ من أهلِ الأهواءِ فهناك قد تنازعوا في نفس صلاةِ الجمعةِ خلفَهُ.ومَنْ قال:
الشرح

هذا مبنيٌ على كلامٍ سابقٍ يعني هل يُصلى خلفَ صاحبِ البِدعَةِ المُكفِّرَةِ أم لا؟
المتن

ومَنْ قال:إنه يَكْفُرُ؛أُمِرَ بالإعادَةِ لأنها صلاة ٌخلفَ كافِرٍ لكن هذه المسألة ُ مُتعلِقة ٌبتكفيرِ أهلِ الأهواء والناسُ مضطربون في هذه المسألةِ.وقد حُكِيَ عن مالكٍ فيها.
الشرح

وإيش المسألة؟ تكفير أهل الأهواء.إي نعم.

أم أبي التراب
09-29-2018, 03:41 AM
المتن

وقد حُكِيَ عن مالكٍ فيها روايتان وعن الشافعي فيها قولان وعن الإمام أحمد أيضًا فيها روايتان وكذلك أهلُ الكلام .فذكروا للأشعري فيها قولين وغالب مذاهِبِ الأئمةِ فيها تفصيلٌ.وحقيقة ُ الأمرِ في ذلك أنَّ القولَ قد يكونُ كفرًا فيُطلقُ القولُ بتكفيرِصاحبِهِ ويُقالُ:مَنْ قال كذا فهو كافرٌ لكنَّ الشخصَ المعينَ الذي قاله لايُحكَمُ بكُفرهِ حتى تقومُ عليه الحُجة ُ التي يُكَفَّرُ تاركُها وهذا كما في نصوصِ الوعيدِ.
الشرح

واضح الآن؟ فرقٌ بين التكفير المطلقِ والتكفيرِ المعينِ فنقولُ مثلًا:مَن قال كذا فهوكافرٌ ومَنْ فعلَ كذا فهوكافرٌ لكن لانُكفرُ شخصًا معينًا حتى يقوم عليه الدليل.ثم ضربَ مثلاً بنصوص الوعيدِ.
المتن

وهذا كما في نصوص الوعيدِ فإنَّ اللهَ-سبحانه وتعالى- يقول:"إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا ".فهذه ونحوه من نصوص الوعيد حقٌ ؛لكن الشخص المعين لايُشهدُ عليه بالوعيد.فلايُشهدُ لمعينٍ من أهلِ القِبلِةِ بالنار ولجواز أن لايلحقه الوعيدُ لفوات شرطٍ أو ثبوت ِمانعٍ فقد لايكونُ التحريمُ بَلغَهُ وقد يتوبُ من فِعلِ المُحرمِ وقد تكونُ له حسناتٌ عظيمة تمحو عقوبة َ ذلك المحرم وقد يُبتلى بمصائبٍ تُكفرعنه وقد يُشفَعُ فيه شفيعٌ مُطاعٌ وهكذا الأقوال التي ....

الشرح
يعني مثلًا لووجدنا واحدًا يأكلُ مال اليتيم تقول:أنتَ الآن تأكلُ في بطنِكَ نارًا وستصلى سعيرًا بعينه؟ لأ لكن نتلوا الآية إينعم.
المتن
وهكذا الأقوالُ التي يُكفَّرُ قائلها قد يكونُ الرجلُ لم تبلغه النصوصَ الموجبة لمعرفةِ الحق وقد تكون عنده ولم تثبت عنده أولم يتمكن من فهمِها وقد يكون قد عَرَضَت له شُبهاتٌ يعذره اللهُ بها.فمن كان من المؤمنين مجتهدًا في طلبِ الحقِ وأخطأ فإنَّ اللهَ يغفر له خطؤه كائنًا مَنْ كان.سواءٌ كان في المسائل النظريةِ أوالعمليةِ.هذا الذي عليه أصحابُ النبي-صلى الله عليه وسلم- وجماهيرُ أئمةِ الإسلام.وماقسَّموا المسائلَ إلى مسائلِ أُصولٍ يكفرُ بإنكارها ومسائل فروعٍ لايُكفر بإنكارها. وأما التفريقُ بين نوعٍ وتسميتِهِ مسائل الأصول وبين نوعٍ آخر وتسميتِه مسائل الفروع فهذا الفرق ليس له أصل لا عن الصحابةِ ولا عن التابعين لهم بإحسانٍ ولا أئمةِ الإسلام,إنما هو مأخوذ ٌعن المعتزلةِ وأمثالِهم من أهلِ البدعِ وعنهم تلقاهُ مَنْ ذكرهم من الفقهاءِ في كتبهم
الشرح

والله غريب ماكنا نظنُ أنَّ المسألة َإلى هذا الحدِ نعم يقولُ تقسيمُ الدينِ إلى أصولٍ وفروعٍ:هذا خلافُ ما عليه الأئمةِ وهومأخوذ ٌمن أهلِ البدعِ والكلام لكن تبعهم على ذلك بعضُ الفقهاءِ.
س/ج الفقهُ الأكبرُ؟غيره ما هو أصول وفروع وإحنا لا نشك أنَّ الدينَ شرائعَهُ فيها شيءٌ صغير وشيءٌ كبير مثل الذنوب فيها شيءٌ صغير وشيءٌ كبير لكن تقول: هذا أصلٌ يكفُرُ مُنكرَهُ وهذا فرعٌ لايكفر منكره.
المتن

وعنهم تلقاه مَنْ ذكره من الفقهاءِ في كتبهم وهوتفريقٌ متناقِضٌ فإنه يُقال لمَنْ فرَّقَ بين النوعين:ماحدُ مسائِلِ الأصولِ التي يكفَّرُ المخطِئُ بها؟ وما الفاصلُ بينها وبين مسائلِ الفروعِ؟ فإن قال قائلٌ:مسائلُ الأصولِ هي مسائلُ الاعتقادِ ومسائلُ الفروعِ هي مسائلُ العمل.قيل له:فتنازَعَ الناسُِ في محمدٍ-صلى الله عليه وسلم-هل رأى ربَّهُ أم لا؟وفي أن عثمانَ أفضلُ من عليٍّ أم عليٌ أفضلُ؟وفي كثيرٍ من معاني القرآن وتصحيحُ بعضَ الأحاديثِ هي من المسائلِ الاعتقاديةِ العلميةِ ولاكفر فيها بالاتفاق؟ ووجوبُ الصلاةِ والزكاةِ والصيامِ والحجِ وتحريم الفواحِشِ والخمر هي من مسائل عملية والمُنكِر لها يكفر بالاتفاق؟ وإن قال:الأصول هي المسائلُ القطعية.قيل له:كثيرٌ من مسائلِ العملِ قطعية وكثيرٌمن مسائلِ العلِم ليست قطعية وكون المسألة ُ قطعية ًأوظنية ًهو من الأمور الإضافيةِ.فقد تكونُ مسائلة عندَ رجلٍ قطعية لظهور الدليل القاطع له كمن سمِعَ النصَ من الرسول-صلى الله عليه وسلم-وتيقَنَ مرادَهُ منه, ؛وعندَ رجلٍ لاتكونُ ظنية ًفضلاً عن أن تكونُ قطعية ً لعدم بلوغِ النصِ إياهُ أولعدم ثبوتِهِ عندَهُ أولعدم تمكنه من العلم بدلالتِهِ.وقد ثبتَ في الصحاح ...
الشرح

يعني لاتكون ظنية يعني لاتصل ولا إلى درجةِ الظن مع أنها عندَ آخر تكونُ قطعية .

أم أبي التراب
09-29-2018, 03:50 AM
المتن

وقد ثبتَ في الصحاح عن النبي-صلى الله عليه وسلم-حديث ُالذي قال لأهله :إذا أنا متُ فأحرقوني ثم اسحقوني ثم ذرُّوني في اليم فواللهِ لئن قَدَرَ اللهُ عليَ ليُعذبني عذابًا ماعذبَهُ أحدًا من العالمين فأمَرَ اللهُ البرَ بردِ ما أخذ منه والبحرَ بردِ ما أخذَ منه وقال:ماحَمَلَكَ على ماصنعتَ؟ قال:خشيتُكَ يارب فغَفَرَ الله له. فهذا شكٌ في قدرةِ اللهِ وفي المِعادِ بل ظنَّ أنه لايعود وأنه لايقدرُ اللهُ عليهِ إذا فَعَلَ ذلكَ وغَفَرَ اللهُ له.وهذه المسائلُ مبسوطة ٌفي غيرِ هذا الموضع. ولكن المقصود هنا أن مذاهبَ الأئمةِ مبينة على هذا التفصيل بين النوع والعين.ولهذا حكى طائفة ٌ عنهم الخلافَ في ذلكَ ولم يفهموا غَوْرَ قولهم.فطائفة ٌ تحكي عن أحمدٍ في تكفيرِ أهلِ البدعِ روايتين مطلقًا حتى تجعل الخلافَ في تكفيرالمرجئةِ والشيعةِ المُفضِّلةِ لعلي وربما رجحت التكفير والخلودِ في النار.وليس هذا مذهبُ أحمد ولاغيرِهِ من أئمةِ الإسلامِ.بل لايختلِفُ قولُهُ إنه لايُكفرُ المرجئة َالذين يقولون:الإيمانٌ قولٌ بلا عمل.ولايُكفِّرُ من يُفضِلُ عليا على عثمان.بل نصوصُهُ صريحة ٌبالامتناع عن تكفيرالخوارج والقدرية وغيرهم وإنما كان يُكفِّرُ الجَهمية َالمنكرين لأسماءِ الله وصفاته لأن مناقضة أقوالِهِم لماجاء به الرسول-صلى الله عليه وسلم-ظاهِرة ٌبيِّنة ٌولأنَّ حقيقة َقولِهم تعطيلُ الخالِقِ. وكان قد اُبتلِيَ بهم حتى عرفَ حقيقة أمرهِم وأنه يدورُ على التعطيلِ.وتكفيرُ الجهمية مشهورٌعن السلفِ والأئمةِ لكن ماكان يُكفِّرُ أعيانهم.فإن الذي يدعوإلى القول أعظمُ من الذي يقولُ بهَ.والذي يُعاقبُ مُخَالِفَهُ أعظمُ من الذي يدعو فقط. والذي يُكفِّرً مُخالِفه أعظمُ من الذي يُعاقبه.ومع هذا فالذين كانوا من ولاة َالأمورِ يقولون بقولِ الجهمية:إنَّ القرآنَ مخلوق وأنَّ اللهَ لايُرى في الآخرة ؛وغير ذلك ويدعونَ الناسَ إلى ذلكَ ويمتحنونهم ويُعاقبونهم إذا لم يُجيبوهم ؛ ويُكفِّرون مَن لم يُجِبْهم حتى أنهم كانوا إذا أمسكوا الأسير لايُطلقونه حتى يُقرَّ بقول الجهمية أن القرآن مخلوقٌ وغير ذلك ولا يُوَّلون مُتوليًا ولايُعطون رزقًا من بيتِ المال إلا لمَنْ يقولُ ذلكَ.ومع هذا فالإمامُ أحمدُ-رحمه الله تعالى-ترحمَ عليهم واستغفر لهم لعلمِهِ بأنهم لم يُبيَّنَ لهم أنهم مُكذِبون للرسول- صلى الله عليه وسلم-ولا جاحدون لما جاء به؛ ولكن تأوَّلوا فأخطئوا وقلدوا مَنْ قال لهم ذلك. وكذلك الشافعي لما قال لحفص الفرد حين قال:القرآنُ مخلوقٌ:كفرتَ باللهِ العظيم.بيَّنَ له أن هذا القولَ كفرٌ ولم يحكم بردَةِ حفصٍ لمجردِ ذلك لأنه لم يتبين له الحُجة ُالتي يكفر بها؛ ولواعتقدَ أنه مُرتدٌ لسعى في قتلهِ. وقد صرحَ في كُتبِهِ بقبول شهادةِ أهل الأهواءِ والصلاةِ خلفهم. وكذلك قال مالكٌ-رحمه الله- والشافعيُ وأحمدُ في القدريّ:إنَّ جَحْدَ عِلمَ اللهِ كفرٌ.ولفظ ُبعضِهم.ناظِروا القدرية َبالعلم فإن أقروا بها خُصِموا وإن جحدوه كفروا وسُئلَ أحمدُ عن القدري هل يكفر؟ فقال:إنَّ جَحدَ العلمِ كفرٌ.وحينئذٍ فجاحِدُ العلم هو من جنس الجهمية ؛وأما قتلُ الداعيةِ إلى البدع ؛فقد يُقتلُ لكفِ ضررهُ عن الناس كما يقتلُ المحاربُ وإن لم يكن في نفس الأمر كافرًا. فليس كل مَنْ أُمِرَ بقتله يكونُ قتلهُ لردته ؛وعلى هذا فقتلُ عليان القدري وغيرَهُ قد يكونُ على هذا الوجه وهذه المسائلُ مبسوطة ٌفي غير هذا الموضوع وإنما نبهنا عليها تنبيهًا.
الشرح

على كل حال الكلام جيدٌ جدًا ومفيدٌ.

تم بحمد الله

انتهى الشريط التاسع والأخير

أم أبي التراب
09-30-2018, 07:33 AM
روابط تحميل التفريغ والملفات الصوتية للشيخ العثيمين

برجاء من يتابع التفريغ يتابع معه الشرح- الصوتي للشيخ العثيمين لعل يكون هناك خطأ أونسيان
نسأل الله أن يغفر لنا ويرحمنا



*رابط تحميل كتاب شرح القواعد المثلى=هنا (https://drive.google.com/file/d/0B6KywGKQA8dmcHlOeHV3b2w5bXc/view?usp=sharing)=

*رابط تحميل الملفات الصوتية كاملة لشرح القواعد المثلى في صفات الله وأسمائه الحسنى للشيخ محمد بن صالح العثيمين = هنا (https://drive.google.com/drive/folders/0B6KywGKQA8dmTS12anQtRHFJOVk?usp=sharing) =
*رابط تحميل تفريغ الملفات الصوتية كاملة على الدريف = هنا (https://drive.google.com/drive/folders/1gIq2lzAfuJ_i53ISQrMjF5FvETLcoAyY?usp=sharing)

=رابط تحميل الملف الأول الصوتي = هنا (https://drive.google.com/file/d/0B6KywGKQA8dmUGM5aVRaY1o5dk0/view?usp=sharing) =
رابط تحميل تفريغ الشريط الأول = هنا (https://up.top4top.net/downloadf-1003c8nl21-doc.html)=
المتابعة على مدونة منبر الدعوة= هنا (https://mnbralda3wa.blogspot.com/2014/10/blog-post_10.html) =

=رابط تحميل الملف الثاني الصوتي = هنا (https://drive.google.com/file/d/0B6KywGKQA8dmTmV4SXo3M2dSRWs/view?usp=sharing) =
رابط تحميل تفريغ الشريط الثاني = هنا (https://up.top4top.net/downloadf-1003rmal21-doc.html) =
المتابعة على مدونة منبر الدعوة= هنا (https://mnbralda3wa.blogspot.com/2014/10/5-7.html) =

=رابط تحميل الملف الثالث الصوتي = هنا (https://drive.google.com/file/d/0B6KywGKQA8dmd3JyRk9QZEJTdHc/view?usp=sharing) =
رابط تحميل تفريغ الشريط الثالث = هنا (https://up.top4top.net/downloadf-1003lsva81-doc.html) =
المتابعة على مدونة منبر الدعوة= هنا (https://mnbralda3wa.blogspot.com/2014/10/blog-post.html) =

=رابط تحميل الملف الرابع الصوتي = هنا (https://drive.google.com/file/d/0B6KywGKQA8dmbzV1VXN3NTc3MlU/view?usp=sharing) =
رابط تحميل تفريغ الشريط الرابع = هنا (https://up.top4top.net/downloadf-1003tes071-doc.html) =
المتابعة على مدونة منبر الدعوة= هنا (https://mnbralda3wa.blogspot.com/2015/12/blog-post.html) =

=رابط تحميل الملف الخامس الصوتي = هنا (https://drive.google.com/file/d/0B6KywGKQA8dmVTZHSi1FODF1ZGc/view?usp=sharing) =
رابط تحميل تفريغ الشريط الخامس = هنا (https://up.top4top.net/downloadf-1003uirhh1-doc.html) =
المتابعة على مدونة منبر الدعوة= هنا (https://mnbralda3wa.blogspot.com/2015/12/blog-post_16.html) =

=رابط تحميل الملف السادس الصوتي = هنا (https://drive.google.com/file/d/0B6KywGKQA8dmVUlHWnNIU25sRXc/view?usp=sharing) =
رابط تحميل تفريغ الشريط السادس = هنا (https://up.top4top.net/downloadf-1003q8ubm1-doc.html) =
المتابعة على مدونة منبر الدعوة= هنا (https://mnbralda3wa.blogspot.com/2015/12/blog-post_23.html) =

=رابط تحميل الملف السابع الصوتي = هنا (https://drive.google.com/file/d/0B6KywGKQA8dmN0wteUV0Tlpod3M/view?usp=sharing) =
رابط تحميل تفريغ الشريط السابع = هنا (https://up.top4top.net/downloadf-1003sg7sx1-doc.html) =
المتابعة على مدونة منبر الدعوة= هنا (https://mnbralda3wa.blogspot.com/2018/09/blog-post.html) =

=رابط تحميل الملف الثامن الصوتي = هنا (https://drive.google.com/file/d/0B6KywGKQA8dmVk1qd1ZfY21ybnM/view?usp=sharing) =
رابط تحميل تفريغ الشريط الثامن =هنا (https://up.top4top.net/downloadf-1003i4g9p1-doc.html) =
المتابعة على مدونة منبر الدعوة= هنا (https://mnbralda3wa.blogspot.com/2016/01/blog-post_14.html) =

=رابط تحميل الملف التاسع الصوتي = هنا (https://drive.google.com/file/d/0B6KywGKQA8dma2swTkQ5OW81bEE/view?usp=sharing) =
رابط تحميل تفريغ الشريط التاسع = هنا (https://up.top4top.net/downloadf-10037tozj1-doc.html) =
المتابعة على مدونة منبر الدعوة= هنا (https://mnbralda3wa.blogspot.com/2016/01/blog-post_17.html) =