ملتقى قطرات العلم النسائي

ملتقى قطرات العلم النسائي (http://www.katarat1.com/forum/index.php)
-   ملتقى عام (http://www.katarat1.com/forum/forumdisplay.php?f=8)
-   -   على منهاج النُّبوَّة (http://www.katarat1.com/forum/showthread.php?t=2954)

أم حذيفة 08-27-2020 09:20 PM

🟢على منهاج النُّبُوَّة

8️⃣2️⃣

✍فإنهما كانا متحابين!

🌳بينما النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم يُشرفُ على دفن شُهداء غزوة أُحدٍ قال: ادفنوا عمرو بن الجموح وعبد الله بن حرام في قبرٍ واحدٍ فإنهما كانا متحابين!
على أن الموت ليس فِراقاً، جميعنا سنموتُ نهاية المطاف، الفِراق الحقيقي أن يكون أحدنا في الجنة والآخر في النار!
▪️ومن أجمل ما قرأتُ قول أحدهم عن جدته، قال: كانتْ تُوقظنا لصلاة الفجر، وتقول انهضوا لا نُريد أن ينقُصَ في الجنة منا أحد!

▪️من أحبَّكَ حقاً هو الذي خافَ عليكَ من النار، ويا لحُبِّ إبراهيم لآزر وهو يقول له: "يا أبتِ إني أخاف أن يمسَّكَ عذابٌ من الرحمن"!

🔸وٱنظُرْ لجمال قول النبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم: فإنهما كانا مُتحابين!
ما أجمل أن يُعرف الإنسان بين الناس بصفاته العذبة، أن يُعرف بالمُحب، والشهم، والكريم، والنبيل، إذا ذُكر اسمه لمعتْ صورة وجهه في أذهان السامعين كأنها قلب أحمر كذلك الذي نضعه وراء العبارات الجميلة التي نكتبها!

ترجمَ الذهبيُّ رحمه الله في سِيَرِ أعلام النُّبلاء لمحمد بن ميمون فقال: أبو حمزة السُّكري، محمد بن ميمون المَرْوَزِي، ولم يكن يبيعُ السُّكر، وإنما سُمِّيَ بالسُّكري لحلو كلامه!
👈🏻فيا تُرى لو أراد الذين يعرفوننا أن يستبدلوا أسماءنا بصفاتنا التي نُعاملهم بها فماذا عساها تكون؟!
ماذا سيختار الأبوان لنا اسماً، الابن البار المرضيُّ المُبارك، أم الابن العاق الفظُّ السليط؟!
ماذا ستختار الزوجة اسماً لنا، الزوج الحنون الكريم المُتسامح، أم الزوج العنيف القاسي؟!
ماذا سيختار الزوج لكِ اسماً، الحنونة المُحبة الكريمة الصبورة، أم سليطة اللسان قاسية القلب جارحة الكلام؟!
ماذا سيختارُ الجار لكَ اسماً، الشهمُ المعطاء المُسالم، أم الغادر الجشِع سيء الخُلق؟!
ماذا سيختار زملاء العمل لكَ اسماً، حافظ السر الأمين المُهذب المُؤدب، أم الواشي والفاضح؟!
أسماؤنا لنا أما صفاتنا فللناس، وهم الذين يضعون لنا صفةً بناءً على تعاملنا معهم، ويوماً ما سترحل الأسماء وتبقى الصفات، فاتركوا وراءكم من يترحم عليكم!

أم حذيفة 08-28-2020 11:04 PM

على منهاج النُّبُوَّة

8️⃣3️⃣

✍إنَّ لي فيهم نسباً!

كانتْ القبيلةُ في الجاهلية إذا بُشِّرتْ بميلادِ شاعرٍ فيها أضرمتْ النارَ في مضاربِها ثلاث ليالٍ احتفاءً، فالشاعرُ في ذلك الوقت هو وزارة إعلام القبيلة! وعن الشِّعر قالوا: كان العرب ولم يكُن لهم من علمٍ غيره! وهذا من بابِ بيانِ سطوةِ الشِّعرِ، وأهميتِه، وشغفِهم به، وإلا فقد عرف فيهم الطب، والاستدلال بالنجوم للمسير، واتِّباع الأثر، وكثير من الذكاء والفراسة!

🌳ولأنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم يعرفُ منزِلَةَ الشِّعرِ في العرب، وأنَّ المعركة مع قُريش ليستْ معركة سيوف فقط، قال: اهجوا قريشاً، فإنه أشدُّ عليهم من رشقِ النّبلِِ!
فأرسلَ إلى عبد الله بن رواحة، وقال له: اهجُهُم!
فهجاهم، ولكن هجاءه لم يُرضِ النبي صلَّى الله عليه وسلَّم!
فأرسلَ إلى كعب بن مالك، فلم يجِد شِعره يفي بالغرض!
ثم أرسل إلى حسان بن ثابت، فلما دخلَ عليه قال حسان عن نفسه: قد آن لكم أن تُرسلوا إلى الأسدِ الضاربِ بِلِسانه! ثم قال للنبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم: والذي بعثكَ بالحقِّ لأفرينَّهم بلساني فريَ الأديم!
فقال له النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم: لا تعجَلْ، فإنَّ أبا بكرٍ أعلمُ قُريشٍ بأنسابها، وإنَّ لي فيهم نسباً حتى يلخِّصَ لكَ نسبي!
فذهبَ حسانُ إلى أبي بكر، ثم رجعَ إلى النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم وقال له: يا رسول الله، قد لخَّصَ لي أبو بكر نسَبَكَ، لأسُلَّنَّكَ منهم كما تُسَلُّ الشعرة من العجين!
فهجاهم حسَّان، ورضيَ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم هجاءه، وقال له مُشجعاً: اهجُهُم وروح القُدس معك!

♦️الشَّاهد في القصة أن النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم على عدائه مع قُريش، لم يهُن عنده نسبه وقرابته ورحمه، ورغم أنَّ القضيةَ كفرٌ وإيمانٌ حيث لا مُواربة ولا مُجاملة، إلا أن الأصيلَ لا يَذُمُّ عرضَه، ولا يهجو رحمَه، إنما يهجو الفكرةَ المشركةّ، والنهجَ الأعوج! وسبب قول النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم إنَّ لي فيهم نسباً، هو أن الذي هجاه هو ابن عمه أبو سُفيان بن الحارث بن عبد المُطلب، فخشيَ أن يطال هجاء حسان عمّه، وجده، وأرحامه، وكان حسَّان على قدر المسؤولية والإبداع!

♦️في قضيةِ الشركِ والإيمانِ لم يهُنْ على النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم نسبه ورحمه، ونحن اليوم نجد أن العائلة إذا اختلف أفرادها على شيءٍ من الدنيا نشروا أعراض بعضهم البعض بين الناس، وفي مواقعِ التواصلِ، وفجروا في الخصومة، وتناولوا الأحياء والأموات دون أدنى وازعٍ من ضميرٍ ولا أخلاق!
أن يُطالِبَ الإنسان بحقه شيء، وأن يكون بذيئاً، قليلَ أصلٍ وأخلاقٍ ودينٍ شيءٌ آخر، إن الغاية لا تُبرر الوسيلة، نحن أُمَّةُ الأخلاقِ، وفي ديننا طُهر الغاية تُحتم البحث عن طهر الوسيلة!

أم حذيفة 08-30-2020 10:16 PM

🟢على منهاج النُّبُوَّة

8️⃣4️⃣

✍🏻 اِطرح متاعكَ في الطريق!

🌳عن الصحاح فقد روى الطبرانيُّ أنَّ رجلاً جاء إلى النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم يشكو أذيَّةَ جاره له، فقال له النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم: اِذهبْ فاصْبِرْ!
ثم عاد بعد فترةٍ يشكو جاره مرةً أخرى، فقال له النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم: اِذهبْ فاصْبِرْ!
ثم في الثالثة قال له: اِذهبْ فاطرحْ متاعكَ في الطريق!

فذهبَ الرَّجلُ وأخرجَ أثاث بيته إلى الطريق، فجعلَ الناسُ يسألونه عن فِعلته، فيُخبرهم أنه فعلَ هذا للأذى الذي أصابه من جاره! فجعلَ الناس يلعنونه، ويدعون عليه!
فجاء جار السوء إلى النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم وقال له: يا رسول الله لقيتُ سوءاً من الناس
فقال له: وما لقيتَ؟
فقال: يلعنونني!
فقال له: لقد لعنكَ اللهُ قبل الناس!
فقال: عاهدتك الله أني لا أعود
فأرسل َالنبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم إلى الجار المظلوم يقول له: اِرفَعْ متاعك َفقد كُفيتَ!

👈🏻وفي الحَديثِ: عِظَمُ حقِّ الجارِ، والتَّحذيرُ من إيذائِه.
🔸وعن حسنِ الجوار،
عن مجاهد أن عبد الله بن عمرو ذبحت له شاة في أهله فلما جاء قال أهديتم لجارنا اليهودي أهديتم لجارنا اليهودي سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه


وجاه رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، إن فلانة، وذكرَ من كثرة صيامها وصلاتها وصدقتها، ثم قال غير أنها تُؤذي جيرانها
فقال: هي في النار!
وذكر له امرأة أخرى، وحدَّثه عن قلة صيامها وصلاتها وصدقتها، يعني النوافل، غير أنها تُحسن إلى جيرانها
فقال: هي في الجنة!

👈🏻والآن إلى مربط الفَرس: اِطرَح متاعكَ في الطريق!
الأصل في التعامل مع الناس السِّتر، واحتمال الأذى، فلا نشيعُ ذنبَ أحدٍ ومعصيته، ونصبر على ما نلقى منهم، ولكن أحياناً يبلغ السيل الزُّبى! وتفوقُ الإساءة القدرة على الاحتمال خصوصاً عندما تكون عبارة عن إساءات متكررة، فإنَّ وقتها الساكت عن الحق شيطان أخرس، والراضي بالظُّلم ليس حليماً بقدر ما هو جبان!
🗯️ إن بعض الناس يفهمون الصبر والتغاضي ضعفاً، ويفهمون الترفع عن رد الإساءة عجزاً، فيتمادون في الإساءة، عندها يجب أن تُخرج َ متاعكَ إلى الطريق، ليس بالحرف وإنما بالمعنى! فإخراج المتاع إلى الطريق له وسائل شتى!
الشكوى إلى القضاء هي إخراج متاعٍ إلى الطريق، والحديث مع وجهاء الحارة والحي هو إخراج متاع إلى الطريق، ووسائل التواصل الاجتماعي هي أيضاً طريق!

أم حذيفة 09-02-2020 01:06 AM

🟢على منهاج النُّبُوَّة

8️⃣5️⃣

✍🏻إن الله أمرني أن أقرأ عليك!

🌴تخيَّلْ أن يُقال لكَ: قد قال مديرُكَ أنك موظف رائع، لا شكَّ أنك ستفرح، أما إذا قيل لكَ أن الوزير قالَ عنك أنك بارع في مجالك ومن أهل الاختصاص، فلا شكَّ أنك ستمتلئ رضىً وتفخر بنفسك! أما لو قيل لكَ أن الملكَ أو الرئيس ذكرَ اسمكَ في مجلسه لرُبما نبتتْ لكَ أجنحة وشعرتَ أنَّ هذه الدنيا كلها لا تتسع لفرحك! والآن تخيَّلْ، تخيَّلْ فقط أن يُقال لكَ إنَّ الله تعالى قد ذكرَ اسمكَ!
ما أردتُ منك أن تتخيله قد حدث لأحدهم فعلاً! استدعى النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم أُبيَّ بن كعبٍ وقال له: إنَّ الله أمرني أن أقرأ عليكَ "لم يكن الذين كفروا"
فقال أُبيُّ: وسمَّاني لكَ؟
فقال له النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم: نعم، سمَّاكَ لي!
فجعلَ أُبيُّ يبكي، وكان حتى آخر لحظات عمره يقول: أنا الذي سمَّاني ربي!

لماذا أُبيُّ بن كعبٍ تحديداً وأبو بكر وعثمان وعلي أفضلُ منه؟
هذا لأن أُبيَّ بن كعبٍ كان أقرأ الصَّحابة لكتاب الله، لهذا كان من الطبيعي أن أبا بكرٍ لما أراد جمع المصحف بعد حروب الرِّدة أن يجعل أُبَيَّاً من ضمن اللجنة التي أُوكِل إليها جمعه. وعندما أراد عثمان أن يجمع القرآن الجَمعة النهائية التي هي عليها اليوم أن يجعل أُبيَّاً في لجنة جمعه!
إنَّ هذه الدنيا اختصاص بالدرجة الأولى، أبو بكر أفضل من أُبي بن كعب بالجُملة ولكن أُبيَّاً أُعطيَ حظاً من القرآن لم يُعطه أبو بكر!
وعُمر أفضل من خالد بالجُملة ولكن خالداً أعلم من عُمر بالحرب!
وعُثمان بن عفان أفضل من معاذ بن جبلٍ بالجُملة ولكنَّ مُعاذاً أعلم بالحلال والحرام من عثمان!
وعليُّ بن أبي طالب أفضل من أبي هُريرة بالجُملة ولكن أبا هريرة أكثر حفظاً للحديث من علي!
وهذا الإسلام العظيم بلغَ ذروة مجده وقوته لأنه كان يضع الرجل المناسب في مكانه المناسب، أي بحسب المجال الذي هو بارع فيه، لم يكن عند النبي شكٌّ أن أبا بكر أفضل من خالد، ولكنه وضع خالداً على رأس الجيش لأنَّ خالداً أعرفُ من أبي بكر بأُمور الحرب! وعندما قال النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم لأبي ذر: يا أبا ذر إني أراك ضعيفاً، وإني أحبُّ لكَ ما أُحبُّ لنفسي، لا تأمَّرَنَّ على اثنين، ولا تولَّينَ مالَ يتم! لم يَذُمَّ أبا ذرٍّ أو يتهمه في دينه، الأمر له علاقة بشخصية أبي ذر، وتركيبته النفسية وطبعه ليس إلا! فقد كان أبو ذر صاحب منطق ورأساً في الزهد والصدق والعلم والعمل قوِّالاً بالحق لا تأخذه في الله لومة لائم، وقد قال النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم عنه: "ما أظلَّتِ الخضراءُ ولا أقلَّتِ الغبراءُ من رجل أصدق لهجةً من أبي ذر"!

إنَّ الذي يُصلي الصلوات الخمس في المسجد رجل مبارك ومحترم، ولكن هذا لا يعني أنه يصلح أن يكون وزيراً ويتولَّى شؤون العامة!
والذي يحفظُ القرآن عن ظهر قلب، رجل نقي تقي، ولكن هذا لا يعني أنه يصلحُ أن يكون قائداً للجيش!
التقوى والأخلاق والصلاح صفات مطلوبة في الناس بغض النظر عن أي منصب يتولونه، ولكن ابحثْ أولاً عن براعة الأشخاص وخبرتهم بالعمل الذي تريدُ أن تُحملهم مسؤوليته، ثم بعدها فاَضِلْ بينهم بالتقوى والصلاح والسعي إلى المساجد، أما أن يُعطى التقيُّ عملاً لا دراية له به فهو ظلم له وللناس!

••••••

أم حذيفة 09-02-2020 11:45 PM

🟢على منهاج النُّبُوَّة

8️⃣7️⃣

✍🏻عجِب الله من صنيعكما!

🌳أتى رجل إلى النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم فقال: إني مجهود.
فأرسلَ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم إلى بعض نسائه يسألها إن كان عندها طعامٌ في البيت حتى يأتيَ بالضيفِ، فقالتْ: والذي بعثكَ بالحقِّ ما عندي إلا ماء! فأرسل إلى زوجاته جميعاً، حتى قُلْنَ كُلُّهُنَّ: والذي بعثكَ بالحقِّ ما عندي إلا ماء!
فقال النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم لجُلسائه: من يضيفُ هذا الليلة رحمه الله؟
فقال رجل من الأنصار: أنا يا رسول الله!

فانطلقَ به إلى بيته، وقال لزوجته: هذا ضيف رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فهيِّئي له الطعام.
فقالتْ: ما عندي إلا طعام أولادي!
فقال لها: نوِّمي أولادك، ثم ضعي الطعام، فإذا مدَّ يده ليأكل فقومي إلى السِّراج فأطفئيه، ثم تعالي نوهمه أننا نأكل معه حتى يكفيه الطعام فيشبع!
ففعلت مثلما أمرها، فشبعَ الضيف، وباتا جائعين!
فلما أصبح غدا إلى النبي صلَّى الله عليه وسلَّم، فقال له: عجِب الله من صنيعكما! وأنزل فيكما قرآناً: " ويُؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوقَ شحَّ نفسه فأولئك هم المفلحون"!

الدنيا دولاب والزمن دوار، اليوم معكَ مال وغداً قد لا تجده، واليوم لا تجده وغداً قد تثرى! لا الفقر عيب ولا الغِنى سُبة، المهم هي أخلاق المرء في غناه أو فقره، المهم ما في قلبه لا ما في جيبه! تخيَّلوا أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم لم يجِد في بيت واحدة من زوجاته طعاماً يقري به ضيفه! إياك أن تعتقد أن الفقر عقوبة، أو أن الغِنى جائزة، كل ما في الأمر أن الدُّنيا امتحان، فإياك أن ترسب مهما كانتْ أسئلة الامتحان!

النبيلُ هو الذي يبادر ليسُدَّ حاجة غيره ولا يحرجه فيظهر بمظهر المُقصِّر! من النُّبلِ إذا علمتَ بمرض أحدٍ في بيت جارٍ فقيرٍ أن تُعينه دون أن يطلب، أنتَ تعرفُ حاله، وبعضُ الناس تمنعه كرامته أن يطلب، وأجمل العطاء هو الذي يرحمُ الكرامة ويحفظُ ماء الوجه!

من النُّبلِ إذا أُقيم عزاءٌ لفقراء تعرفهم أن تساهم معهم في تكاليفِ العزاء، أو أن تشتري لهم بعض حاجياته ومُتطلباته كي لا تحرجهم أمام الناس فيظهرون بمظهر المُقصِّر والمحتاج، هذا لا يدخل في باب الصدقة فقط وإنما في باب السِّتر أيضاً، ويا لحب اللهِ للسِّتيرين من عباده!

العطاءُ أدبٌ أيضاً، فأن تحرمَ إنسان من صدقتك أفضل من أن تُعطيه إياها على ملأ فتجرح كرامته وتشعره بالحرج، وٱنظُرْ لأدب الأنصاري عندما علِم أن الطعام قليل، طلبَ من زوجتِه أن تُطفئَ السِّراج لأن الضيف سيشعر بالحرج ولن يأكل لو رأى أن الطعام لا يكفي للجميع!
رفعُ الحرج من جبر الخواطر، وجبر الخواطر عبادة!

••••••

أم حذيفة 09-04-2020 12:12 AM

🟢على منهاج النُّبُوَّة

8️⃣8️⃣
✍🏻حبسهم العذر!

🌳في طريق عودة النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم من غزوة تبوك، قال لأصحابه: "إنَّ في المدينة رجالاً ما سِرتُم مسيراً، ولا قطعتُم وادياً إلا كانوا معكم، وشركوكم في الأجرِ حبسَهُم العُذر"!

♦️نِيَّةُ المؤمنِ خيرٌ من عملِه، وعملُ المنافقِ خيرٌ من نيته!
كم صلَّى ابن سلول خلف النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم في المسجد فلم تنفعْه صلاته لأن هذا العمل الجميل كان خلفه نية قبيحة!
وكم قالَ الأخنس بن شريق الثقفي كلاماً جميلاً ولكنَّ قلبه كان فاسداً، فنزلَ فيه قول الله تعالى: "ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويُشهد الله على ما في قلبه وهو ألدُّ الخصام"!
وكم أظهرَ الجد بن قيس الورع، حتى أنه تذرَّع بعدم الخروج للجهاد خشية أن يرى نساء الروم فيفتنوه عن دينه، حتى عرَّى الله ورعه الكاذب فقال فيه: "ومنهم من يقول ائذن لي ولا تفتني ألا في الفتنة سقطوا…"!
⬅️صلاةٌ لم تنفعْ، وكلامٌ حَسَنٌ لم يشفعْ، وورعٌ لم يرفَعْ، ذلك أن القلوب فاسدة، وإن الله ينظرُ إلى القلوب!

⬅️بالمُقابل حرِمَ بعض الصحابة من تلك الغزوة، فكتبَ الله سبحانه لهم الأجر كاملاً!
المريض الذي كان يتقلَّبُ على فراشه ويتحسَّرُ كيف فاتته تلك الغزوة، وأنه لو كان صحيحاً لشاركَ فيها، كتبَ الله له أجر الغزوة، وما سارَ الصحابة مسيراً، إلا وكان له من الأجر مثل ما كان لهم!
الفقيرُ الذي كان يتجرَّعُ بمرارةٍ بقاءه في المدينة لأنه لم يجدْ ثمن ناقةٍ يُسافرُ عليها، وأنه لو كان معه لما تخلَّف، نظرَ اللهُ إلى قلبه، وعَلِمَ صدقَ ما فيه، فأعطاه الأجر غير منقوص، كان الصحابة يقطعون الوديان، ويُكابدون حرَّ الشمس، وهو في بيته يُشاركُهم في الأجر!

▪️كلُّ مريضٍ مُتعثِّرٍ يُجمع له مال وأنتَ لا تستطيع أصلِحْ نِيَّتَكَ أنكَ لو كان معكَ ما ترددتَ في المشاركة، وإن عَلِمَ الله صدقكَ كتبَ لكَ أجر المشاركين، ولكن إياكَ أن يُغنيك لاحقاً ليمتحنكَ، فيراكَ تتخلَّف!
▪️كلُّ مظلومٍ لم تستطِعْ أن ترفعَ عنه الظلم لضعفكَ وعجزكَ، أصلِح نِيتكَ أنكَ لو كنتَ قادراً لقُمْتَ بنجدته، وإن علِمَ اللهُ صدقكَ فسيكتبُ لكَ الأجر كاملاً، ولكن إياك أن يُعطيك القدرة بعد ذلك ليمتحنك فيراك ترسبُ!

🌾وإلى كل الذين كانوا قد عزموا على الحج هذا العام، فحبسهم العذر، وما نزل بالناس من مرض، فأبشروا بأجر بلا مشقة، فإن المرء يبلغ بالنية ما يبلغه بالعمل، وما أرحمك يا الله.

••••

أم حذيفة 09-04-2020 09:41 PM

🟢على منهاج النُّبُوَّة

8️⃣9️⃣

✍🏻لو مُرجَت بماء البحر!

🔸إن الإيمان لا يلغي طبائع الناس وإنما يُؤدِّبها، ولا يمحو غرائزهم وإنما يُهذِّبها، الإيمان لم يُلْغِ عاطفة الأبوة عند نوحٍ عليه السلام حين غرقَ ابنه، فسألَ الله عنه، فلما نهاه انتهى! وعمر بن الخطاب الصَّلب شديد الطَّبع في الجاهلية، بقيَ صلباً حازماً في الإسلام، ولكن الفارق حين تتحول الشِدَّة في الباطل إلى شِدَّة في الحق، وهنا تكمُنُ عَظَمَةِ الإيمان!
لا يستطيع الإنسان أن يخرجَ من قفصِ بشريته مهما بلغ من الإيمان عتياً، مهما كانتْ الزوجة مُؤمنة ستغار من ضرتها، الأمر لا علاقة له بالإيمان بقدر ما له علاقة بهذه النفسِ البشريةِ التي جبلَنا الله سُبحانه عليها!

🌳 كانتْ أُمُّنا عائشة جالسةً يوماً مع النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم فقالتْ له: حسبكَ من صفية كذا وكذا! أي أنها قصيرة القامة!
فقال لها النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم: يا عائشة لقد قلتِ كلمةً لو مُزِجَتْ بماءِ البحرِ لمزجته!
رغمَ أن صفية قصيرة فعلاً ولم تتجنَّ عائشة عليها، إلا أن النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم عدَّ ذلك غيبةً عظيمةً،
💨فقد سبقَ وأن عرَّفَ الغيبة بقوله: الغيبة ذكركَ أخاك بما يكره!
فقال رجل: يا رسول الله أرأيتَ إن كان في أخي ما قلتُ فيه؟
فقال له: إن كان فيه ما قلتَ فيه فقد اغتبْتَه، وإن لم يكُنْ فيه فقد بهتَّه!

🔸يعتقدُ الناسُ أنهم وهم يغتابون الآخرين أن لا شيء في الأمر طالما هي حقائق! وكأن الحقيقة تُبيح لكَ أن تأكلَ لحوم الناس!
▪️تجدُ المجالس ضيافتها لحوم الناس، يُقرمشونها للتسلية، وإشباع حاجة الفضول والثرثرة! لا يَسلم منهم دين فلان ودنياه، ولا عرض فلانة وحياتها، وكأنهم رُقباء على الناس، وهؤلاء في الأغلب إذا أردتَ أن تنتقدَ أحوالَهم لا تعرف من أين تبدأ!

▪️أما عن البُهتان فحدِّثْ ولا حرج!
كم من زواجٍ أُلغِيَ فقط لأن أحدهم ألَّفَ للخاطب قصة عن المخطوبة هي منها براء براءة الذئبِ من دمِ يوسف عليه السَّلام!

وكم من صدقة قُطِعتْ عن فقيرٍ مُحتاجٍ فقط لأن رجلاً ضيِّق الصدر والقلب أخبر المُتصدِّق أن فلاناً ليس فقيراً وأنه يشتري ويصرف هذا فقط لأنه رآه يوماً حاملاً ربطة خبز لأولاده، أو شاهده عند الجزار أو بائع الخضار! يريدُ هذا الباهت أن يدفنَ الناس أحياء!

أم حذيفة 09-05-2020 10:15 PM

🟢على منهاج النُّبُوَّة

9️⃣0️⃣

✍🏻عند اللهِ أنت غال!


🌳 كان رجلٌ من البادية اسمه "زاهر" يحضرُ إلى المدينة، فيبيعُ فيها ما أحضره معه من البادية، ويشتري من المدينة ما يلزم أهله، وكان النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم يحبّه ويلاطفه، وكان زاهرٌ إذا جاء المدينة أحضرَ معه هديةً للنبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، فإذا أرادَ العودة إلى البادية جهزه النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم وأهداه! وكان يقول عنه: إنّ زاهراً باديتنا، ونحن حاضروه! أي أنه يُحضر لنا من البادية ما يلزمنا، ونحن نُعطيه من المدينة ما يلزمه!
وكان زاهر هذا دميم الوجه، ولكنه كان يملكُ قلباً كأنه قطعة سُكَّرٍ! وكان مرةً مُنشغلاً ببيعِ بضاعته، فجاء النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم من ورائه دون أن يشعر فاحتضنه من الخلف يُريدُ أن يمازحه، فجعلَ زاهرٌ يقول: من هذا؟ أَفلتني!
فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم ممازحاً يُريدُ منه أن يعرف أنه هو: من يشتري العبد؟
فقال زاهر: يا رسول الله، إذاً واللهِ تجدني كاسداً!
فقال له: لكن عند اللهِ أنتَ غالٍ!

♦️كان النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم أكثر الناس هماً، على عاتقه همُّ هداية البشرية إلى دين ربها، وهمُّ السياسة والحروب والمعاهدات، وهمُّ شؤون الناس والزكاة والصدقات، ولكنه لم يسمح لهذه الهُموم كلها أن تسلبَ منه شيئاً من لُطفه وإنسانيته، لديه وقت لكل شيء، زوج مثاليٌّ، وأبٌ حنونٌ، وجَدٌّ مُحبٌّ، وجارٌ لطيفٌ، وصاحبٌ وفيٌّ! بل لديه وقت أن يتعرَّف إلى بائع مُتجوِّل يأتي من البادية، بل لديه وقت أن ينتبه لأدق التفاصيل، فكان يقبل هديته كرماً منه، ثم يرد الهدية إذا حان موعد الرحيل، بل وأكثر من هذا إنه يُمازح ويُلاطف، يُمسكه من خلفه كما نفعل نحن حين نُغمض عيون أحبتنا ونسألهم من نحن، فما بالنا يمشي أحدنا بهمٍّ واحدٍ، أو ربما منصب مرموق، كأنه يحمل الأرض على كتفيه، في البيت جلَّاد، ومع الجيران فظ، ومع المعارف غليظ، الأمر أهون من هذا بكثير،
👈🏻فقبل أن تكون موظفاً ناجحاً، وإنساناً ثرياً، كُنْ إنساناً، لا يوجد شيء أروع من هذا!

♦️لا يهمُّ من أنتَ عند الناس، المهم من أنتَ عند الله! كان زاهر عند الناس لا يُذكر، بل إنه كان يعرفُ أنه لو كان عبداً وأراد سيده أن يبيعه فلن يجد من يشتريه، ولكن سيِّد الناس أخبره أنه عند الله غالٍ! ليستْ الخسارة أن يضعكَ الناس دونَ قدركَ وأنتَ عند الله مرموق، ولكن الخسارة أن يرفعكَ الناس فوقَ قدرك وأنتَ عند الله رخيص!
لا يضُرك إن جهلكَ الناس، حسبُكَ من الشُّهرة أنك إذا رفعتَ يديكَ إلى السماء تدعو، قالت الملائكة يا رب صوت معروف من عبدٍ معروف!
لا يضُرك إن متَّ بسيطاُ ثم نُسيتَ فلم تُفتقد، يكفيك أن يبكيك ممشاك إلى المسجد، ومكان سجودك، يكفيك أن يفتقدَكَ بسيطٌ كنتَ تبتسمُ في وجهه، ومسكينٌ كنتَ تتعاهده بالصَّدقة!
لا يضُرك إذا كرهكَ البعض لأنك لم تُجارِهِم في معصية، ولم تبِعْ دينك ومبادئك لرضاهم، يكفيك أن تعمل ليرضى الله، ثم يُنادي يا جبريل إني أحبُّ فلاناً فأحبَّه!

••••••

أم حذيفة 09-07-2020 12:31 AM

🟢على منهاج النُّبُوَّة

9️⃣1️⃣

✍🏻هلَّا تركت الشيخ في بيته؟!

🌳وأخيراً فُتِحتْ مكة، الرَّجُلُ الذي نزلَ يوماً وحيداً من الغار يرتجِفُ من هول الوحي صار أُمة، والذي خرجَ رفقةَ أبي بكرٍ مُهاجراً تحت جنح الظلام بعد أن قررتْ قُريش قتله ها هو اليوم يدخل مكة في وضح النهار ومن أبوابها الأربعة! وجلستْ قُريشُ بين يديه تنتظرُ القصاص، ما تُراه يَفعل بهم، هؤلاء الذين كذَّبوه في دعوتِه، وآذوه في نفسِه، الذين وضعوا على رأسه سلى الجزور وهو ساجد عند الكعبة، وحاصروه في الشِّعب، واتهموه بالكذبِ والسحرِ والجنونِ ثم توَّجُوا كل ذلك بأن جمعوا من كل قبيلةٍ رجلاً ليضربوه ضربة رجل واحد فيتفرَّق دمه بين القبائل! ولكنه لم يثأرْ لنفسِهِ أبداً، فلم يزِدْ على أن قال: اذهبوا فأنتم الطلقاء!

▪️ويذهبُ أبو بكر إلى بيته، ويأتي بأبيه أبي قحافة الطاعن في السِّن الذي لا تكاد تحمله قدماه ولم يكُن قد أسلمَ بعد، رغبةً أن يدعو له النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم فيُسلم، فلما رآه النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم قال لأبي بكر: هلَّا تركتَ الشيخ في بيته حتى أكون أنا آتيه فيه؟!
فقال أبو بكر: يا رسول الله هو أحقُّ أن يمشيَ إليكَ من أن تمشيَ أنتَ إليه!
فأجلسَهُ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم بين يديه، ومسحَ على صدره، وقال له: أَسْلِمْ!
فأسلم أبو قُحافة، وبكا أبو بكر، الرجل الذي أسلم على يديه كبار الصحابة، وجاءت بعظماء الإسلام لديه أكرمَه الله بإسلامِ أبيه، والجزاءُ من جنس العمل!

🔸وانظُرْ لأدبِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم لم يهُن عليه أن يُؤتى بأبي قحافة لِكِبَرِ سِنه، ويُخبرُ أنه كان على استعدادٍ أن يذهبَ هو إليه بنفسه! وكان دائماً يُشفقُ على كبار السن ويُكرمُهم، وكان يقول: "إن من إجلال الله إكرام ذي الشيبة المُسلم"!
وجاءَ شيخٌ كبيرٌ في السن يُريدُ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم، فلم يُوسِّعوا له ليصل إليه، فقال لهم: "ليس منا من لم يرحم صغيرنا ويُوقر كبيرنا"!

▪️تعاملْ مع كل شيخٍ على أنه والد أو جد، ومع كل عجوزٍ على أنها والدة أو جدة، فالإنسان في آخر عمره ينظرُ في ضعفه ومرضه وعجزه ويتحسَّرُ على ما فاتَ من مجدِه وقوتِه، فيشعرُ بانكسارٍ في قلبه وإن لم يبح به، ولا شيء يرحمُ هذا الانكسار سوى التَّوقير الذي يجده مِمّّن حوله! وجبرُ الخواطرِ عِبادة

•••••

أم حذيفة 09-08-2020 12:07 AM

🟢على منهاج النُّبُوَّة

9️⃣2️⃣

✍🏻ما بقيَ منها؟!

🌳ذُبحتْ شاةٌ في بيتِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، فأمرَ أهله أن يتصدَّقوا منها، وخرج من بيته لبعضِ شأنه، فلما عاد سأل عائشة رضي الله عنها: ما بقيَ منها؟
فقالتْ: ما بقيَ منها إلا كتفها
فقال لها: بقيتْ كلها إلا كتفها!

🔸جوابٌ عظيمٌ من رجلٍ عظيمٍ كان يُخبر الناس دوماً أن الدنيا مزرعة الآخرة، وأنه اليوم زراعة ولا حصاد، وأن الآخرة حصاد بلا زرع!
كان لا يترك مناسبة إلا استغلها ليُخبر أن الدنيا فانية، وأن الآخرة باقية، فها هو حوارٍ زوجي عادي يدور مثله في كل البيوت، زوج يسأل زوجته عن مصروف البيت وطعامه، ولكنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم يجعل من الحوار العادي مُناسبة لدرسٍ غير عادي!
إنه يسأل عائشة سؤال الدنيا: ما بقيَ منها؟
فتُجيبه جواب الدنيا: ما بقيَ منها إلا كتفها!
فيُعقِّب على كلامها بدرسٍ من دروس الآخرة: 👈🏻بقيتْ كلها إلا كتفها!

▪️المالُ الذي نحمله بين أيدينا ليس لنا! إنه للبقالة، ومحطة البنزين، وفاتورة الكهرباء، ولبائع الثياب، وفرن الخبز، ومحلات الأدوات المنزلية، ومن ثم للورثة، مالنا الحقيقي هو ما ندَّخره عند الله اليوم لنجده عنده هناك غداً!
كتفُ الشاة سيُؤكل ويذهب، ولكن ما خرج من لحم الشاة صدقة وحده سيبقى عند الله، هناك في بنك الآخرة الذي تعهَّده رب العزة بكرمه،
💡 وفيه يقول النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم: من تصدَّق بعَدْلِ/مقدار تمرة من كسبٍ طيِّب، ولا يقبل اللهُ إلا الطيِّب، فإنَّ الله يقبلها بيمينه ثم يُربيها لصاحبها كما يُربِّي أحدكم فَلُوَّه/الحصان الصغير، حتى تكون مثل الجبل!
يا له من بنك، ويا له من ادخار، مقدار تمرة من حلال تتصدقُ بها تريدُ وجه الله، يأخذها الرحمن بيمينه، ويُنميها لكَ، فإذا وقفتَ بين يديه غداً وجدتها كالجبل!
عندما نام السلطان سليمان القانوني على فراش الموت قال لمن حوله: عندما أموتُ أخرجوا يديَّ من التابوت ليرى الناس أن حتى السلطان يخرج من الدنيا خاليَ اليدين!

تصدقوا فليس للأكفان جيوب!

أم حذيفة 09-09-2020 02:32 AM

🟢على منهاج النُّبُوَّة

9️⃣3️⃣

✍🏻 باعوه، فأكلوا ثمنه!

🌳 لما كان فتح مكة، قال النبيُّ صلَّى الله عليه وسلّّم: "إنّ الله عزّ وجل ورسولَه حرَّم بيعَ الخمر، والميتة، والخنزير، والأصنام
فقيل له: يا رسول الله، أرأيتَ شحوم الميتة؟ فإنه يطلى بها السُّفن، ويُدهَنُ بها الجلود، ويستصبح بها الناس/أي يتخذون زيوتها للإضاءة.
فقال: لا، هو حرام، قاتلَ الله اليهود، إنَّ الله عزَّ وجلَّ لمَّا حرَّم عليهم الشحوم جملوه/أذابوه، ثم باعوه، فأكلوا ثمنه!

▪️ولم تعرف البشرية قوماً تحايلوا على الله في الفتوى كما فعل اليهود! فإنه سبحانه لمَّا نهاهم عن الصيد يوم السبت، امتحنهم في هذا، فكانت الأسماك تندر بقية أيام الأسبوع وتكثر يوم السبت، فلم يُطيقوا صبراً، فكانوا إذا أتت الأسماك قرب الشاطئ يوم السبت نزلوا إلى البحر، وأحاطوها بالشباك وحبسوها، ثم يتركونها هكذا حتى صبيحة الأحد، ينزعون شباكهم وأسماكهم فيأكلونها، فمسخهم الله قردةً وخنازير!

▪️وفي هذه الأيام للأسف كثر التحايل في الفتوى، وتمَّ ليّ أعناق النصوص لتُوافق الهوى، يحسبُ الأغبياء أن الله يُخدع، وتعالى عالِم الغيب والشهادة، المُطَّلِع على الأسرار والضمائر أن تفوته النوايا!

♦️وعن التحايل حدثني مرةً الدكتور محمد راتب النابلسي حفظه الله عن رجلٍ انتقلَ من مدينةٍ إلى أخرى له فيها بنت عمٍ عندها بنتٌ صغيرة لها من العمر ثلاث سنوات، وزوج هذه المرأة مُسافر، ولم يجد هذا الرجل مكاناً يسكن فيه غير بيت ابنة عمه، ولمَّا قيل لهم أنّ هذا لا يجوز، أخذوا يبحثون عمّن يجد لهم حلاً شرعياً للأمر حتى أفتاهم من لا ذمة ولا دين له أن يُزوِّجوا الطفلة للرجل، ثم يُطلقها فوراً، وبهذه الطريقة تُصبح أمها مُحرَّمة عليه حُرمة أبدية شأن أمهات الزوجات وبهذا يستطيعُ أن يسكن معها وتنكشف عليه ولا حرج!

▪️وعلى طريقة بني إسرائيل في اللف والدوران في شأن الشحوم وصيد الأسماك، سمعتُ مرةً من يفتي بأنه ما دام أكل الربا حرام فلا بأس أن يجعل المرءُ المال الربوي في شيء لا يُؤكل كأن يملأ بها سيارته من المحطة، ويدفع فاتورة الكهرباء، وأقساط المدرسة، وثمن أثاث البيت، أما الأكل فيشتريه من المال الحلال!
يبدو أن اليهود ليسوا قوماً فحسب وإنما فكرة أيضاً!

▪️▪️▪️▪️

أم حذيفة 09-09-2020 11:59 PM

🟢على منهاج النُّبُوَّة

9️⃣4️⃣

✍🏻المرء مع من أحب!

🌳خرجَ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم في سفرٍ، وبينما هو جالس في أصحابه يستريحون إذ جاء أعرابي جهوريّ الصوتِ ونادى: يا محمد!
فقال له النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم: هاؤمُ
فقال له الصحابة: ويحكَ اغضضْ من صوتكَ فإنك عند النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم وقد نُهينا أن نرفع أصواتنا عنده
فقال: واللهِ لا أَغضُض!
ثم قال للنبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم: المرءُ يُحِبُّ القوم، ولمَّا يلحق بهم
فقال له النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم: المرءُ مع من أحبَّ يوم القيامة!
فلم يفرح الصحابة يومها بشيءٍ فرحهم بقوله: المرءُ مع من أحبَّ يوم القيامة!

🔸اُنظروا لأدبِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم وفِقهه في مراعاة العادات والطبائع، فهذا أعرابيّ ابن بيئته، تركتْ فيه الصحراء شيئاً من قسوتها وخشونتها، طبعٌ فظٌّ اكتسبه من معارك النجاة التي يخوضها كل يوم للاستمرار على قيد الحياة في بيئةٍ جغرافيةٍ تكاد تكون الأقسى على سطح الأرض، وصوت جهوريّ عالٍ لزمه منذ الصغر لاتساع المسافات وحاجتهم للنداء، ومن مهنة زجر الإبل والغنم، لهذا تغاضى عن ذلكَ كله لأنه يعرفُ أن مردّه الطبع والعادة وليست مسألة شخصية ولا تقليل احترام! بل وأجابه حين نادى عليه يا محمد هكذا مُجرَّداً من لقب النبوة بلهجته فقال له: هاؤمُ أي ها أنا، أو تفضل قُلْ فإني أسمعكَ!
🔅درسٌ عظيم لنا في أن لا نأخذ كل تصرُّف تنقصه اللياقة بصفة شخصية، فليس الجميعُ تعلَّموا ما تعلَّمتَ، ولا تربوا كما تربيتَ، ولا لهم الطباع التي فيكَ، بعض الناس يُناقشُ أعقد المسائل الفكرية بهدوء واتزان كأنه يقرأ في مصحف، وبعض الناس يُناقشُ في كرة القدم بصوتٍ مرتفعٍ تعتقدُ أنه سيقوم ويقتلُ الشخص الذي يُناقشه!
🔅تفهُّم طبائع الناس، وبيئاتهم، وظروف نشأتهم، ومستوياتهم الثقافية، يُعينُ كثيراً على الحياة!

🔸إذا كان الصحابة قد فرحوا يومها بالمرءِ مع من أحبَّ يوم القيامة، فيجب أن نكون نحن بها أشدُّ فرحاً، فيا لحظنا ونحن نحبُّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم وأهل بيته، ونحبُّ عمرَ وأبا بكر وعثمان وخالد وأبا عبيدة وبقية الثلة المباركة التي اصطفاها الله سبحانه لنصرةِ نبيِّه!
وكل شخصٍ لا يسرك أن تكون معه يوم القيامة فأَخرِجْ حبه من قلبك فالحُبُّ عبادة أيضاً!

أم حذيفة 09-11-2020 02:16 AM

🟢على منهاج النُّبُوَّة

9️⃣5️⃣

✍🏻ثكلتك أُمك يا معاذ!

🌳كان السيرُ معه غنيمة، وكان الصحابة لا يُفرِّطون بالغنائم، ويا لحظِّ مُعاذ بن جبل حين سار معه يوماً فقال له: يا رسول الله أخبرني بعملٍ يُدخلني الجنَّة ويُباعدني من النار!
فقال له النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم: لقد سألتَ عن عظيم، وإنه ليسيرٍ على من يسَّره الله عليه: 👈🏻تعبدُ الله ولا تُشركُ به شيئاً، وتُقيم الصلاة، وتُؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحجَّ البيت! ثم قال لمُعاذ: ألا أدلك على أبواب الخير؟ الصوم جُنَّة، والصَّدقة تُطفئ الخطيئة كما يُطفئُ الماءُ النارَ، وصلاةُ الرجل من جوف الليل، ثم تلا "تتجافى جنوبهم عن المضاجع… "

👈🏻ثم قال لمُعاذ: ألا أُخبرك برأس الأمر كله، وعموده وذروة سنامه؟
رأس الأمر الإسلام ، وعموده الصلاة، وذروة سنامه الجهاد في سبيل الله.
ثم قال له : يا معاذ ألا أخبرك بملاك ذلك كله؟
فقال مُعاذ: بلى يا رسول الله!
فأخذَ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم بلسانه وقال: كُفَّ عليكَ هذا!
فقال له مُعاذ: يا نبيَّ الله وإنا لمُؤاخذون بما نتكلم به؟
👈🏻فقال له: ثكلتكَ أمكَ يا معاذ، وهل يكُبُّ الناسَ في النار على وجوههم إلا حصائد ألسنتهم؟!

▪️هذا اللسان ليسَ فيه عظم ولكنه يكسِرُ العظم!
كم شخصٍ لم ينمْ ليلةً بسبب كلمةٍ جارحةٍ قالها له أحدهم ربما على سبيل التندُّر، فانفضَّ المجلس، وبقيتْ تلك الكلمة مغروزة كالسكين في قلبه!
▪️كم بنتٍ توقَّف زواجها بسبب كلمةٍ قالها شخص في عرضها وهي بريئة براءة الذئب من دم ابن يعقوب عليهما السَّلام!
▪️كم شخصٍ فقد وظيفته، وقُوت أسرته وعياله، بكلمةٍ واشيةٍ من شخصٍ مؤذٍ يُحِبُّ الوشاية، ويُجيد التسلُّق على أكتاف الناس!
كم ميراثٍ سُلِب، بكلمةٍ على هيئة شهادة زور، كانت نتيجتها أن يُحرم إنسان من حقه ويأخذ غيره ما ليس له حق فيه!
كم صداقةٍ جميلة انفرط عقدها بكلمة على هيئة نميمة قِيلت عبثاً وحسداً وحقداً، فأضرمتْ النار، وأحالتْ الصداقة إلى عداوة، وملأتْ القلوب حقداً، بعد أن كانتْ عامرةً حُباً
♦️انظروا في كلامكم، أو أقلامكم، في منشوراتكم في مواقع التواصل، في ردودكم على الناس، وتذكَّروا أنكم تكتبون في صحائفكم أولاً، وأنه لا يكب الناس على وجوههم في النار يوم القيامة إلا حصائد ألسنتهم!

▪️▪️▪️▪️▪️▪️

أم حذيفة 09-12-2020 02:24 AM

🟢على منهاج النُّبُوَّة

9️⃣6️⃣

✍🏻سُبِقتِ العضباء!

🌳كان للنبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم ناقةٌ تُسمى العضباء، سريعة لا تكادُ تُسبق، وكان من عادة العرب أن يُروِّحوا عن أنفسهم بسباق الإبل، ونبيُّ القوم منهم فكان يُسابقُ معهم، وكان الصحابة يفرحون إذا حلَّتْ العضباءُ أولاً وسبقتْ بقيَّة النوق، وذات يوم جاء أعرابي على جملٍ له فسابقَ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم فسبقه، فحزنَ الصحابة لذلكَ، وقالوا سُبقتِ العضباءُ!
فلما رأى ذلك في وجوههم قال: "إِنَّ حَقًّا عَلَى اللَّهِ أَنْ لا يَرْفَعَ شَيْئًا مِنَ الدُّنْيَا إِلَّا وَضَعَهُ" !

🔸الترويحُ عن النفس بالمُباح أمر مشروع، لا يُنقص من الإيمان، ولا يقدحُ في رزانة الشخصية، واعتزالُ الحياة بكل ما فيها ليس غرضَ هذا الدين، وإنما يُريدُ الله منا أن ننغمسَ في الحياة وفقَ شرعه، نتمازح، ونخرجُ في النزهات، ونتزاور، ونذهب إلى الأسواق، ونتاجر، والحياة في كنفِ اللهِ جنة من جنان الدنيا فعيشوها!
🔸تواضعْ مهما بلغتَ من الإيمان لن تبلغَ ذرَّةً مما بلغه النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم، وها هو يشتركُ في سباقات قومه، يربح ويخسرُ، بل ويتقبَّلُ الخسارة بصدرٍ رحبٍ، وينتهزُ الفُرصة لدرسٍ من دروس العقيدة!
ومهما بلغتَ من المُلكِ وأوتيتَ من المال والجاه لن تبلغَ ذرَّةً في مُلكِ سُليمان عليه السَّلام وها هو يقف ويستمع لخطاب نملة ويبتسم!
التقوى ليستْ في اعتزال الحياة وإنما في اعتزال الحرام!

☘️يوم نزل قول الله تعالى "اليوم أكملتُ لكم دينكم وأتممتُ عليكم نعمتي ورضيتُ لكم الإسلام ديناً" فرح الصحابة بها وحُقَّ لهم، ولكن أبا بكر بكى يومها وقال: ليس بعد التمام إلا النقصان!

▪️فإذا كان هذا الدين الذي حكم أتباعه هذا الكوكب، وقادوا الحضارة البشرية قروناً بعظمةٍ واقتدارٍ دار عليهم الزمان بعد أن فرطوا بالحق الذي بين أيديهم فباتوا في موقع المتأخر، فهل سيبقى هذا الباطل الذي يسود الدنيا هذه الأيام، لا واللهِ لن يدوم، وما وصول الباطل قمته التي نراها اليوم إلا بشارة بقرب زواله، وإنَّ أحلكَ ساعات الليل هي تلك التي تسبقُ الفجر بقليل، تذكروا أن العضباء سُبقتْ لأنه كان حقاً على الله أن لا يرتفع شيء من الدنيا إلا وضعه، هذا والعضباء دابة، أفلا يضعُ الله هذا الشر والفجور وقد بلغ ذروته؟!

▪️▪️▪️▪️▪️▪️

أم حذيفة 09-12-2020 11:58 PM

🟢على منهاج النُّبُوَّة

9️⃣7️⃣

✍🏻بثمنها يا أبا بكر!

🌳كان من عادةِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم في مكة قبل الهجرة أن يأتيَ بيتَ أبي بكرٍ إما صباحاً وإما مساءً، وفي أحد الأيام أتاهُ ظُهراً على غيرِ عادته، فقالَ أبو بكر بفراسته المعهودة: ما جاءَنا النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم في هذه السَّاعة إلا لأمرٍ قد حدث!
فلما دخلَ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم قال لأبي بكر: أَخْرِجْ مَن عندكَ!
فقال أبو بكر: يا رسول الله إنما هما ابنتايَ أسماء وعائشة!
فقال له النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم: أُذِنَ لي في الخروج/الهجرة!
فقال أبو بكر: الصُّحبة يا رسول الله!
فقال له: الصُّحبة يا أبا بكر!
فقال أبو بكر: يا رسول الله عندي ناقتين أعددتُهُما للخروج، فخُذْ إحداهما!
فقال له: قد أخذتها بالثمن، فلا أركب بعيراً ليس لي!
فقال أبو بكر: فهو لكَ!
فقال له: لا، ولكن بالثمن الذي ابتعتها به
فقال أبو بكر: بثمنها إن شئتَ!

🔸في الحقيقة لم تكن العلاقة بين النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم وبين أبي بكرٍ بهذه الرَّسمية، وهذا الحساب بالدرهم والدينار، على العكس تماماً نذرَ أبو بكر نفسه وماله فداءً للنبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، وكان عليه السَّلام يأخذُ منه دون حرج،
🔅ويكفي إثباتاً لهذا ما قاله قبل وفاته بأيام: "إنَّ من أَمَنِّ الناس عليَّ في صُحبتِه ومالِه أبو بكر"! لهذا السبب احتارَ الفُقهاءُ وأهلُ السِّيَرِ في إصرار النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم أن يدفعَ ثمن الناقة وأعجبني من أقوالهم قول القائل : أصرَّ النبيُّ صلى الله عليه وسلم أن يدفع ثمن الناقة لتكون هجرته إلى الله بنفسه وماله رغبةً منه في استكمالِ فضلِ الهجرةِ والجِهادِ على أتمِّ أحوالِهما!

👈🏻الأصلُ أن يتعامل الأصدقاء فيما بينهم بالمعروف، وأن لا يكون الحساب فيما بينهم كحسابِ التاجر والزبائن بالورقة والقلم، ومن خُلق الصحبة أن يتحسسَ المرءُ حال صديقه وخليله فإن عرفَ أنه له حاجة، أو نزلتْ به ضائقة أن يُسعفَه ويُعطيه قبل أن يُبادرَه بالسؤال، وإن بادرَه بالسؤال واستدانَ منه، فمن المروءة أن ينزلَ له عن بعضِ الدَّينِ فهذا من حسنِ الصُّحبة ومكارم الأخلاق.
على أنه لا يتنافى مع الأخلاق أبداً أن تدُفعَ الحقوق بين الأصحاب كاملة، الأصدقاء ليسوا فاحشي الثراء كلهم، ويكفي من النُّبل أن أعانَ الصديقُ صديقَه وفرَّج كربَه، ولكن يبقى الإحسان والمعروف سيدا الأخلاق!

أم حذيفة 09-14-2020 12:59 AM

🟢على منهاج النُّبُوَّة

9️⃣8️⃣

✍🏻هلَّا مع صاحب الحق كنتم!

🌳جاء أعرابي إلى النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم يتقاضاه ديناً عليه، فأغلظَ القول، حتى أنه قال: أُحرِّجُ عليكَ إلا قضيتني!
فانتهره الصحابة وقالوا: ويحكَ أتدري من تُكلِّم؟!
فقال: إني أطلبُ حقي!
فقال النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم لهم: هلَّا مع صاحب الحقِّ كُنتم!
ثم أرسلَ إلى خولة بنت قيس، فقال لها: إن كان عندكِ تمرٌ فأقرضينا حتى يأتينا تمركِ فنقضيكِ!
فقالت: نعم، بأبي أنتَ وأمي!
فأقرضته، فأعطى للأعرابي، وزاده عن حقه!
فقال الأعرابيُّ: أوفيتَ أوفى اللهُ لكَ
فقال النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم: أولئك خيار الناس، إنه لا قُدِّسَتْ أُمة لا يأخذ الضعيف فيها حقه غير متعتع/من غير أن يُصيبه أذى!

⚡الدُّنيا لا تلبثُ على حال، وقلما تستقيمُ لأحد، يوم عسر ويوم يسر، يوم صحة ويوم مرض، يوم سعادة ويوم كدر، وهي بأمر الله لا تكف عن مفاجئتنا، يحسب الإنسان حساباً ثم يشاء الله آخر! وقد ينزل بالإنسان أمر يضطره أن يستدين، والناس لبعضها، ومن فرَّج عن مسلمٍ كربةً من كُرَبِ الدنيا، إلا فرَّج الله عنه كُربةً من كُرَبِ الآخرة، على أن المدين يجب أن يقابل الدائن بالإحسان، يكفي أنه مدَّ له يد العون، فلا يماطل إذا جاء وقت السداد، وإذا لم تتيسر أموره فمن النبل أن لا يطنش بل أن يخبره بتعسُّرِ أمره ويطلب مهلة أخرى!

🔸لا يحتملُ من النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم أن يخلف وعده، والأعرابي جاء يطلب دينه لحاجةٍ وقعتْ به قبل أن يحين وقت السَّداد، فأغلظَ القول، وقال كلاماً بأسلوبٍ فظ ما كان ينبغي أن يُقال للنبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، ولكن النبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم رفضَ تعنيف الصحابة للأعرابي على سوء أسلوبه، لأن سوء الأسلوب لا يُلغي أنه صاحب الحق، وأخبرهم أنهم كان يجب أن يقفوا مع صاحب الحق!

▪️علينا أن نفهم أن صاحب الحق قد يطلبه بأسلوبٍ فظ، ربما صاحب الدين قال كلاماً قاسياً، والزوجة المظلومة زادتْ في شكواها، والعامل الذي أُكِل حقه لجأ إلى التشهير، هذه الأساليب لا تلغي أن لهم حقاً وعلى من يستطيع إعانتهم في نيل حقوقهم أن يعينهم، ثم بعد ذلك نصح وإرشاد عن أدب استيفاء الحقوق، أما أن نعطي صاحب الحق درساً في التربية المدنية، وأدب التخاطب دون مساعدته لنيل حقه، أو إخباره أنه صاحب حق على الأقل فمثالية زائدة!

🔅أما أن نأكل حق إنسان لسوء أسلوبه، فنجعل هذه مقابل تلك، فهذا ليس من الإسلام في شيء، أنتَ مطالب أن تدفع ما عليكَ ولستَ مطالباً أن تربي الناس!

أم حذيفة 09-15-2020 01:19 AM

🟢على منهاج النُّبُوَّة

9️⃣9️⃣

✍🏻ولا تحقِرنَّ من المعروف شيئاً!

🌳جاء سليم بن جابر الهجيمي إلى النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم وقال له: يا رسول الله أوصِني
فقال له: عليكَ باتقاء الله، ولا تحقِرَنَّ من المعروف شيئاً ولو أن تُفْرِغَ من دلوِكَ في إناءِ المُستقي، وتُكلِّمَ أخاكَ ووجهكَ منبسطٌ إليه، وإياك وإسبال الإزار، فإنها من المُخيلة ولا يُحبها الله.
وإن امرؤ عيَّركَ بشيءٍ يعلمه فيكَ فلا تُعيِّره بشيء تعلمه فيه، دعه يكون وباله عليه، وأجره لكَ. ولا تسُبَّنَّ شيئاً!
يقولُ جابر فما سببتُ بعده دابةً ولا إنساناً!
لا تحقِرَنَّ من المعروف شيئاً، فإنكَ لا تدري أي حسنةٍ تُدخلكَ الجنَّة!

♦️أن تُوقف سيارتكَ لتعبرَ قطة الطريق معروف، وأن تُمسك بيد عجوز تعبر بها الطريق معروف، وأن تجرَّ قعيداً على كرسيه معروف، وأن تُعطيَ عاملاً قارورة ماءٍ معروف، وأن تحمل عن رجلٍ مسنٍ كيساً يُتعبه معروف، وأن تصلح بين زوجين معروف، وأن تتغاضى عن زوجتك معروف، وأن تصفح عن أولادك معروف، وأن تُهدي إلى جارك شيئاً معروف، وأن تُعين مريضاً في علاجه معروف، المعروف لا نهاية له، والطُّرُق إلى الخالق بعدد أنفاس الخلائق، فيا تعسَ من كثرتْ أمامه الطرق فلم يمشِ!
ولا تجعل الناس معياراً لأخلاقك إن أحسنوا أحسنتَ وإن أساؤوا أسأتَ، فلو قابلنا الإساءة بالإساءة فمتى تنتهي الإساءة؟!
ثمة خُلقٌ نبيلٌ اسمه الترفُّع، أن لا تسمح لأحدٍ أن يُنزلكَ إلى مستوى أخلاقه، ليسَ عليكَ أن تخوضَ في كل جدالٍ تُدعى إليه، ولا أن تُشارك في كل معركةٍ تُفتح أمامك، أغلبُ معارك الحياة اليومية تافهة، ليس فيها لذة النصر وإن انتصرتَ، وفيها مرارة الهزيمة إن هُزِمتَ، عندما نتخلَّى عن أخلاقنا لنقابل الذي تخلَّى عن أخلاقه فبم نختلف نحن عنه غير أنه هو الذي كان البادئ؟!
العاقل لا يرى لنفسه ثمناً إلا الجنة، وكل قضية ليستْ طريقاً إلى الجَنَّةِ دعها، وأنتَ المُنتصر مهما كانت النتائج، وما زاد الله عبداً بعفوٍ إلا عزاً!

♦️والأيامُ تدورُ وصاحبُ الحقِّ مُنتصرٌ نهاية المطاف، وصاحبُ الباطلِ مغلوبٌ، هذه هي سُنة الله تعالى في الناس، الأيدي التي باعتْ يوسف عليه السَّلام بدراهم معدودة هي التي امتدَّتْ إليه تطلبُ الصدقة منه! والذين رموا النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم بالجنون والكذب وقفوا نهاية المطاف يسترحمونه قائلين: أخ كريم، وابن أخٍ كريم!

▪️▪️▪️▪️▪️▪️

أم حذيفة 09-16-2020 01:28 AM

🟢على منهاح النُّبُوَّة

1️⃣0️⃣0️⃣

✍🏻اِمحها يا عليَّ!

🌳جاءَ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم للعُمرة قبل فتح مكة، فمنعَتْهُ قُريش من البيتِ الحرام، وبعد أخذٍ ورَدٍّ ومفاوضات، كان صلح الحديبية، وأرسلتْ قُريشُ سهيلَ بن عمرو سفيراً لها ليوقِّع الصلح نيابة عنها، وبعد الاتفاق على البنود، أمرَ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم عليَّ بن أبي طالب أن يكتبَ هذا الاتفاق ليتم التوقيع عليه. فكتبَ عليُّ بنودَ الاتفاق فإذا فيه:
بسم الله الرحمن الرحيم، فقال سهيل بن عمرو: لا نعرفُ هذا وإنما اُكتبْ باسمك اللهم، فأمرَ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم علياً أن يكتبَها هكذا. ثم أكملَ يقرأ هذا ما اتفقَ عليه محمد رسول الله وسهيل بن عمرو.
فقال سهيل: لو نعلمُ أنكَ رسول الله ما صددناك عن البيت، ولكن اكتب محمد بن عبد الله!
فقال النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم لِعليٍّ: اِمحها يا علي واكتبْ محمد بن عبد الله
فقال عليُّ: واللهِ لا أمحوها أبداً يا رسول الله!

فقد كان امتناعه لاستعظامه محو صفة الرسالة ، عن رسول الله الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم ، في كتابته .
⬅️فطلبَ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم من عليٍّ أن يَدُلَّهُ عليها ، فدلَّه عليها فمحاها بيده الشريفة، وتمَّ الصُلح!

🔸وهذه الحادثة إنما تُسجَّلُ في مناقب عليٍّ ولا تُعَدُّ عصياناً لأمرِ النُّبُوة، وحاشا عليُّ أن يعصيَ أمرَ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، وإنما هي الحرقة والغيرة على دين اللهِ!
⬅️ومثلُ هذا ما كان من أبي بكر يوم مرضَ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم فأمر أبا بكر أن يُصلِّيَ بالناس، وحين دخلَ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم المسجد عندما شعر بتحسُّن وشقَّ الصفوف ليصل للصف الأول، واستشعرَ به أبو بكر، تراجعَ ليترك الإمامة للنبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، فأمره أن يثبتَ مكانه إماماً، فأبى وتراجع، ولمّا سأله بعدها: ما منعكَ أن تثبتَ إذ أمرتك؟
فقال: ما كان لابن أبي قحافة أن يُصلي بين يدي رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم!

▪️وفي الحياة العامة، قد يطلب الأب من ابنه الجلوس في المقعد الأمامي، فيرفض الابن ويُصرُّ أن يركب أبوه فيه، وهذا ليس من رفض أمر الأب، على العكس هو من البِر، فهذا رفض نابع من الحب والتبجيل، والمعنى واضح جلي لا يحتاج إلى مزيد توضيح!

في اِمحها يا علي دروس عظيمة يجب على الأُمَّة أن تتعلَّمَها:

1. فيها التجاوز عن الأمور الصغيرة والشكليات لحساب المضمون!

2. عدم إضاعة الوقت في الجدال العقيم والاهتمام بالنتائج!

3. لا بأس بخسارةٍ لحظِيةٍ لأجل فوزٍ استراتيجيٍّ!

4. التراجعُ إلى الوراء قد يكون أحياناً ضرورياً للقفز بعيداً إلى الأمام!

5. التجاهلُ والتجاوزُ من شِيَمِ العُظماء وما أحوجنا لثقافة التجاوز مع الأقرباء والأصدقاء قبل الأعداء!

▪️▪️▪️▪️▪️▪️

أم حذيفة 09-18-2020 12:04 AM

101

✍🏻فشوبوا بيعكم بالصَّدقة!

🌳مرَّ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم بالسوق، فإذا الناس يتبايعون، فقال لهم: يا معشر التجار إن البيعَ يحضُرُه اللغو والحلفُ فشوبوا/اخلطوا بيعَكم بالصدقة!

🔸الناسُ هم الناسُ في كل عصر، والأسواقُ هي الأسواق، هذا بائعٌ يحلِفُ ليُنفق سلعته، وهذا مُشترٍ يُفاصل ويُجادل، وهذه أمورٌ حياتية لا فكاك منها، فأرشدَهم النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم إلى ما فيه طهارة للمال وتنقية له ألا وهي الصَّدقة!

⬅️وحلفُ التجار المقصود به في الحديث هو الحلفُ الصَّادق، والصدقة تكون كفارةً عن استعمال اسم الله سبحانه في هذه المواضع، أما الحلف الكاذب فهو غشٌّ، ومن غشنا فليس منا!

▪️إن كنتَ تاجراً فاجعلْ لكَ آخر النهار صدقةً يسيرةً تحتسبُها كفارةً عن لغوٍ ومُجادلةٍ حدثا وهذا شيء من الطبيعي أن يحدث، وإن أجريتَ صفقةً فاستلمْتَ ربحَها فاقتطعْ مبلغاً يسيراً للصدقة تحتسبه كفارةً وتطهيراً للمالِ لأيِّ شيءٍ حدثَ أثناء العرض والطلب، وحتى إن لم يحدثْ هذا ومن النادر أن لا يحدث فأخرِجْ صدقةً من باب الشُّكر، فبالشُّكرِ تدومُ النِّعم!

▪️إن كنتَ موظفاً فأخرجْ صدقةً يسيرة عندما تستلم راتبك تحتسبها كفارةً عن أيِّ فُتورٍ كان منكَ أثناء أداء عملك، كلنا بشر ويحصلُ منا التقصير، ونقومُ ببعض الأشياء بجودةٍ أقل من المطلوب، أو نتأخرُ قليلاً في الحضور، أو نضطرُ للانصرافِ أبكر من المعتاد، فلتكُنْ صدقةٌ إذاً تنقية لما تبقَّى، وحتى إن كنتَ منضبطاً كالساعة، وتعمل بكفاءة كآلةٍ، وهذا قلَّما يحدث، فلتكُن الصدقة شُكراً أن لديكَ عمل ووظيفة وحولك أُناس كُثُر يشكون البطالة وقِلة الأعمال!

▪️وإن كنتَ تستثمرُ في أسهمٍ مباحة، وجاءَ وقتُ قبضِ الأرباح، فاجعلْ لكَ صدقةً يسيرةً، ولا تقُلْ أنا لم أبِعْ ولم أحلِفْ، لعلَّ الذي باعَ واشترى لكَ قد حلف ولغا، ثم وإن فاتك مفهوم التطهير فلا يَفُتْكَ مفهوم الشُّكر!

من جميلِ قولِ عُمر بن الخطاب وفِقهه: إني لا أسأل الله الرزق فقد فرغ من قُسمته ولكني أسألُه البركة فيه!
ولا شيء أجلب للبركة من الصدقة، فبارِكوا أموالكم!

▪️▪️▪️▪️▪️▪️

أم حذيفة 09-22-2020 10:55 PM

🟢على منهاج النُّبُوَّة

102

✍🏻قراءة ابن أم عبد!

☘️جاءَ رجلٌ إلى عُمر بن الخطاب فقال: إني جئتكَ من عند رجلٍ يُملي المصاحف عن ظهر قلب!
ففزعَ عمر وغضبَ، وقال له: ويحكَ انظُرْ ما تقول!
فقال: ما جئتك إلا بالحقِّ
فقال له عمر: من هو؟
فقال: عبد الله بن مسعود
فقال: ما أعلمُ أحداً أحقّ بذلك منه، وسأحدثك عن ذلك، إنّا سهرنا ليلةً في بيتِ أبي بكرٍ في بعض ما يكون من حاجة النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، ثم خرجنا ورسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يمشي بيني وبين أبي بكر، فلما وصلنا إلى المسجد إذا رجل يقرأ، فوقفَ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم يستمعُ إليه، فقلتُ له: يا رسول الله، أعتمتْ/أي تأخر الوقت فهيا نمضي، فغمزني بيده يعني اُسكُتْ.

فقرأَ، وركعَ، وسجدَ، وجلسَ يدعو ويستغفر، فقال النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم: سَلْ تُعْطَ. ثم قال: من سرَّه أن يقرأ القرآن رطباً كما أُنزِلَ فليقرأ قراءة ابن أم عبد!
فعلمتُ أنا وأبو بكر أنه عبد الله بن مسعود، فلما أصبحتُ وذهبتُ إليه لأبشره، فقال لي: سبقكَ بها أبو بكر!
وما سابقتُ أبا بكرٍ إلى خيرٍ قط إلا سبقني!

الشَّاهد في القصة كيف كان الصحابة رضوان الله عليهم يُحبُّون الخير لبعضهم، ويرون في تفوق أحدهم في مجالٍ ما ثراءً لهم جميعاً، فالأمر عندهم تكامل لا تنافس، فلا يشعرون بالغيرة والحسد من نُبوغِ أحدهم، ولا تضيق صدروهم بثناء النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم على أحدهم، كانوا يُحبون الخير للناس كما يُحبونه لأنفسهم، كانتْ صدورهم سليمة، وقلوبهم طيبة، وها أبو بكر وعمر يتسابقان أيهما يُخبر ابن مسعود بالبُشرى!

نجاحُ الناس ليس فشلاً لكَ، وغناهُم ليس فقراً لكَ، وسعادتُهم ليستْ تعاسةً لكَ، نَقِّ قلبكَ، عوِّده الخير ومحبة الناس، علِّمه أن يفرحَ لفرحهم، ويحزن لحزنهم، سلامة الصدر أقصر طرق الجنة!
كُن رسول خير، كهُدهد سُليمان عليه السَّلام لا ينقل إلا الخبر الصحيح، وكحمامة نوح عليه السَّلام تزفُّ خبر انتهاء الطوفان، امشِ بين الناس بالخير، احمِلْ كلمة حلوة لإنسان قيلتْ عنه في غيابه، واكتمْ الكلام السيء، ولا تمشِ بالنميمة بين الناس، فتكون رسولاً لإبليس.

جاء رجلٌ إلى وهب بن منبه وقال له: إنَّ فلاناً شتمك
فقال له: أما وجدَ الشيطان رسولاً غيركَ!

أم حذيفة 09-27-2020 12:46 AM

🟢على منهاج النُّبُوَّة

103

✍🏻معكَ ملكٌ يرد عنك!

🌳شتمَ رجل أبا بكرٍ الصديق والنبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم جالس، فلم يرُدَّ أبو بكر على الرَّجُل بشيءٍ، فجعلَ ذلك النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم يعجبُ ويتبسَّمُ. فلما زاد الرَّجُلُ في الشتائمِ والوقاحةِ، ردَّ عليه أبو بكر بعضَ قوله، فغضِب النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم وقامَ، فلحقه أبو بكر فقال له: يا رسول الله كان يشتمني وأنتَ جالسٌ، فلمَّا رددتُ عليه بعضَ قوله، غضبتَ وقمتَ.
فقال له النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم: "إنه كان معكَ ملكٌ يرُدُّ عنكَ، فلما رددتَ عليه بعضَ قوله، وقعَ الشيطانُ، ولم أكُنْ لأقعدَ مع الشيطان"!
ثم قال: "يا أبا بكر ثلاثٌ كُلُّهُنَّ حقُّ: ما من عبدٍ ظُلم بمظلمةٍ فيغضي عنها/يتجاهلها لله، إلا أعزَّ الله بها نصره، وما فتحَ رجلٌ باب عطِيَّةٍ يُريدُ بها صلةً إلا زاده الله بها كثرةً، وما فتحَ رجلٌ بابَ مسألةٍ يُريدُ بها كثرةً إلا زاده الله عزَّ وجلَّ بها قِلَّةً"!

▪️إذا فشلتَ في رفعِ أحدٍ إلى مستوى أخلاقك فلا تدعه ينجح في إنزالك إلى مستوى أخلاقه! عندما تحارب خسيساً بسلاحه تتساوى معه، وإن ردَّ البذاءةِ بالبذاءةِ بذاءةٌ أيضاً، ولو أن كل صاحب فضلٍ نزل إلى مستوى سفيهٍ جاء يُباريه لم يبقَ على هذه الأرضِ صاحب فضل!

مما يُنسب إلى بعض الحكماء قولهم: إياك أن تجادل السفهاء، سيُنزلونك إلى مُستواهم الدنيء، ثم يهزمونك بفارقِ الخِبرة!

▪️ليس عليكِ أن تخوضَ كل معركةٍ تفتح أمامك، ولا أن تشترك في كل جدال تدعى إليه، ثمة معارك النصر الوحيد فيها أن لا تخوضها منذ البداية! تجاهل وتغاضَ فإن التجاهل من خُلق الأنبياء "فأسرَّها يوسف في نفسه ولم يِبدها لهم"!
ويقولُ الإمام أحمد: تسعة أعشار العافية في التغافُل!
ويقول الإمام الشافعي: الكيِّس العاقل هو الفطن المتغابي!
ومن قول الشافعي، استمدَّ أبو تمام بيته الشهير فقال:
ليس الغبيُّ بسيدٍ في قومه
لكنَّ سيِّد قومه المُتغابي!

▪️▪️▪️▪️▪️▪️

أم حذيفة 09-28-2020 02:38 AM

🟢على منهاج النُّبُوَّة

104

✍🏻سجن المؤمن وجنة الكافر!

🌳شغل الحافظ ابن حجر العسقلانى منصب قاضيَ القضاة، فمرَّ في طريقه إلى دار القضاء بالسوق في موكب عظيم، وهيئة جميلة، يقتضيها هذا المنصب الذي يعتبر بمقياس زماننا جامعاً بين وزير العدل ورئيس المحكمة الدستورية العليا! فاقتحمَ موكبه بائع زيت يهوديٍّ فقيرٍ، ثيابه ملطخة بالزيت، وهيئته رثَّة، فأمسكَ بلجام فرس ابن حجر وقال له: يا شيخ الإسلام، تزعمُ أن نبيكم قال: "الدنيا سِجن المؤمن وجَنة الكافر" فأي سجن أنتَ فيه، وأي جنةٍ أنا فيها؟!
فقال له ابن حجر: أنا بالنسبة لما أعدَّه الله لي في الآخرة من نعيم كأني الآن في سِجن، وأنتَ بالنسبة لما أعدَّه الله لكَ في الآخرة من العذاب كأنك في جَنَّة!
فأسلمَ اليهودي من فوره، والقصة رواها المناوي في فيض القدير.

🔅وقول ابن حجر هذا هو أحد التفسيرات الجميلة لهذا الحديث النبوي الشريف، على أننا لو نظرنا إلى حياة المؤمنين لوجدنا معنى آخر وهو أن حدود الله تكبلهم، فالمؤمن يقيده الحلال والحرام!
تتزين أمامه الشهوات التي يميل إليها بفطرته ونزعته الإنسانية فلا يُقدم عليها لأن روحه مكبلة بقيد التقوى!
ويسهلُ عليه جمعُ المال من الحرام، فيبحث عن الحلال الذي قد يكون أصعب بكثير من الحرام لأن يديه مُكبلتان بقيد خشية الله!
🔅والعباداتُ قيدٌ كذلك وفيها مشقة، فصلاةُ الفجر شاقة، والصيام متعب، والحج مُضنٍ، وكلمةُ الحق خطرة، والمال عزيز، والعِفةُ تحتاج إلى مجاهدة، والأمانة أصعب من الخيانة، وغضُّ البصر خِلاف الهوى، والنفسُ أمَّارة بالسوء، وطريقُ الجنة شائكة بينما طريق النار مُعبَّدة!
▪️على المقلب الآخر تجدُ الكافر حرٌّ طليق! لا آية تزجره عن الرِّبا، ولا سورة المطففين تضبط ميزانه، وآداب سورة الحجرات لا تدخل ضمن حساباته، لا وضوء بالماء البارد، ولا صلاة فجر تُوقظه من أحلى لحظات نومه، ولا صيام يقطع عليه طعامه وشهوته، أحاديث بِر الوالدين ليست في منظومته، والإحسان إلى الجار مُجرد عادة اجتماعية محمودة إن فعلها كان به وإن لم يفعلها فلا قانون يحاسبه على تركها!

⚡ويا لقيد الإيمان ما أجمله، ويا لانفلات الغرائز ما أتعسه، فهنيئاً لمن عاش سجنه برضى ربه، ويا تعسَ من حرَّرَ نفسه من قيد خالقه فقيّد نفسه بقيد شهوته!

▪️▪️▪️▪️▪️▪️]

أم حذيفة 09-29-2020 12:18 AM

🟢على منهاج النُّبُوَّة

105

✍🏻فغفر الله لها!

🌳حدثَ النبىً صلى الله عليه وسلم أصحابه محاولاً أن يخبرَهم أن الجنَّةَ أقرب إلى أحدهم من شِراك نعله، فقال: "إن امرأةً بغياً رأتْ كلباً في يوم حار يطوفُ ببئرٍ، قد أدلع لسانه من العطش، فخلعتْ موقها/حذاءها فنزعتْ له به الماء فغفر الله لها"!

ما أرحم هذا الرَّب الذي يغفرُ لزانيةٍ بشربةِ ماءٍ سقتْها لكلبٍ قد أصابَه العطش! فاعملوا، ولا تستصغروا عملاً فلعلَّ به الجنَّة وأحدنا لا يدري!

ما كانتْ هذه المرأة الزانية تعلمُ أنَّ الجنَّة في شربةِ ماءٍ تُقدِّمُها لهذا الكلب الذي شارفَ على الهلاكِ من شدةِ العطش!
ولا كان الرجلُ الذي مرَّ بغصنِ شجرةٍ على جانبِ الطريق، فقال في نفسه لأُنحينَ هذا عن طريقِ المُسلمين لا يؤذيهم، يَعلمُ أنَّ الله سيغفر له كل ذنوبه بقطعِه لهذا الغُصنِ خوفَ أن يُؤذيَ المُسلمين!

ولا كان الرجلُ الذي مرَّ بطريقٍ فوجدَ عند حافتِه غصنَ شوكٍ فأخَّره، يعرفُ أن الله سيغفر له ذنوبه بفعلتِه البسيطةِ تلك!

☘️هذه النماذج حدَّثنا عنها النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم، ليخبرنا أنَّ الجنةَ قريبةٌ جداً، وأن اللهَ سبحانه سريع الرضى واسعُ المغفرة، يكفي أن ينظرَ إلى قلبك فيرى الرحمةَ فيه، ويَطَّلِع على صدرِك فيراه خالياً من كل حقد، مليئاً بالمحبة وحب الخيرِ للناس!
ولو تأملنا هذه النماذج لوجدْنا أن المشتركَ بينها هو فعل الخيرِ لأجل وجه الله فقط، وفي غيابِ من يرى هذا الخير!
🔅التي سقتْ كلباً أدخلها الله الجنَّة، فكيف بالذي يسقي قلباً قد جففه الحزنُ، وأضناه الألم، ونخره الخذلانُ والوجع؟!
🔅والذي أزال غصنَ شجرةٍ من طريق المُسلمين أدخله الله الجنة، فكيف بالذي يُزيلُ من أمامهم الأفكارَ السامةَ، والبِدع؛ والعاداتِ البالية، والأعرافَ التي ما أنزل الله بها من سُلطان؟!

🔅والذي أزال غصن شوكٍ كي لا يجرح أحد قدمه به أدخلَه الله الجنة، فكيف بالذي يزيلُ أشواكَ الحاجةِ فيساعد الفقير، وأشواك الألم فيمشي في علاجِ المريض، وأشواك الفقد فيُعزي ويساهم في تكاليف الدفن، وأشواك الديون فيدفعُ عن مُعْسِرٍ، ويُقيمُ مُتعثِّراً؟!

☘️قريبةٌ هي الجنة، قريبةٌ جداً، يكفي أن تعملَ وينظرَ اللهُ إلى قلبك فيرى أنك لا تريد بهذا العمل سواه!

➖➖➖➖➖➖

أم حذيفة 10-02-2020 12:30 AM

🟢 على منهاج النُّبُوَّة

106

✍🏻أخشى أن تكون من تمر الصَّدقة!

🌳أخذَ الحسنُ بن علي رضي الله عنهما وهو طفل صغير تمرةً من تمر الصَّدقة فجعلها في فمه، فقال له النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم: كِخْ كِخْ، إرمِ بها، أما علمتَ أنَّا لا نأكلُ الصَّدقة!
وكان النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم يمرُّ بالطريق فيجدُ التمرة مُلقاة على الأرض، فيقول: لو أني أخشى أن تكون من تمر الصدقة لأكلتها!
ومرَّ عبد الله بن عمر رضي الله عنهما بالطريق فوجدَ تمرةً فأخذها، ومسحها، وأكلها!

لم يُحِلَّ اللهُ سبحانه وتعالى لِنبيِّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ولا لِأهلِ بيتِه أنْ يَأخذوا مِنَ الصَّدقاتِ شيئًا؛

، وكان بعد بعثته إذا أُوتيَ بطعام سألَ عنه: أهدية أم صدقة؟

فإن قيل: صدقة، قال لأصحابه: كلوا! ولم يأكل معهم.
وإن قيل: هدية، جلسَ فأكل معهم.
فالصدقة إذاً لا يأكلها النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم ولا آل بيته الأطهار، حُكم خاص من دون المسلمين.

حرصَ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم على تربية الأولاد على أحكام الإسلام وهم صغار، حتى إذا كبروا صارتْ هذه الأحكام جزءاً من تركيبتهم وشخصيتهم، فها هو يُعلِّمُ الحسنَ حُكماً شرعياً أنَّا لا نأكل مال الصدقة، ويُعلِّمُ صبياً آخر: يا غلام سمِّ الله وكُلْ بيمينك وكُلْ مما يليك! ويُعلم صبياً آخر عقيدته: احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك…

▪️وما يقوله البعض من اتركوا الأطفال يعيشون حياتهم وطفولتهم، جهل بالتربية، ثم ألا يُعلِّمُ هؤلاء أولادهم أصوات الحيوانات، والحروف، والقراءة والكتابة في سن مبكرة، فلماذا لا يتركونهم يعيشون طفولتهم، أم أن الدين وحده ضدّ الطفولة؟!

🌳يُعلِّمُنا النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم احترام النعمة، وفي رأس النِّعم الطعام! فلم يهُن عليه أن تُرمى تمرة ولولا خشيته من أن تكون من تمر الصدقة لأكلها، وعملاً بسُنته أكل عبد الله بن عمر التمرة المُلقاة على الأرض لأنه ليس من بيت النبوة ولا ضير إن كانت من تمر الصدقة.

فإن كان لم يهُنْ على النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم أن تذهب تمرةٌ هدراً فهل سيهون عليه ما نُلقيه من طعام في سلة المُهملات، اطبخوا على قدر حاجتكم فليس في الأمر بُخلاً أبداً، ثم وإن كانتْ الطبخة كبيرة فلم لا تُؤكل في اليوم الثاني، أو تُحفظ في الثلاجة ليوم آخر، أو أن تُعطى لفقير ومحتاج فبطون المساكين أولى بها من سلال القمامة!

▪️▪️▪️▪️▪️▪️

أم حذيفة 10-04-2020 01:02 AM

🟢على منهاج النُّبُوَّة

107

✍🏻هذه رحمة!

🌳أرسلتْ زينبُ ابنة النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم تطلبُ حضوره عندها لأنَّ ابنها الصغير يُحتضر.
فأرسلَ إليها يقول: إنَّ للهِ ما أخذ، وله ما أعطى، وكلٌّ عنده بأجل مسمى، فلتصبري ولتحتسبي.
فأرسلتْ إليه مجدداً تُقسِمُ عليه أن يأتيَها، فقامَ ومعه جماعة من أصحابه، فجِيء له بالصبيِّ، وأنفاسه تتقطع، ففاضتْ عيناه بالبُكاء!
فقال له سعد بن عُبادة: يا رسول اللهِ ما هذا؟
فقال له: هذه رحمة جعلَها اللهُ في قلوبِ عباده، إنما يرحمُ الله من عباده الرُّحماء!

♦️سبحان الله كلمات النبوة لها نور إيجاز مع عظم المعنى وسعته إذا كان الشيء لله فله ما أخذ وله ما أعطى فما موقفنا نحن مما أخذ الله من بين أيدينا التسليم لأن الأمر لله له ما أخذ وله ما أعطى سبحانه وتعالى كل شيء عنده بأجل مسمى الشيء المقدر لا يمكن أن يتقدم أو يتأخر لأنه بأجل مسمى


♦️الأبُ من بعد اللهِ سند، والفتاة لا تستغني عن أبيها ولو صار لها زوج وأولاد، للأب نكهة أخرى ليستْ في أحد، فتفقَّدوا بناتِكم بعد الزواج، زوروهُنَّ في بيوتهن، شارِكوهُنَّ لحظات الفرح، ولا تُفوِّتوا أبداً لحظات الحُزن، إن البنت الصغيرة التي عندها صوت أبيها في البيت أكثر أمناً من كل أقفال العالم لا تستغني عن هذا الأمان حين تكبر، فتذكَّروا يا معشر الآباء نحن نُزوِّج بناتنا ولا نتخلَّص منهن!

♦️البكاء عند الفقدِ لا يتعارض مع الرضى بقدرِ الله تعالى، على العكس تماماً فالمُؤمن عذب النفسِ، رقيقُ القلبِ، طيِّبُ المشاعرِ، ومن الطبيعي أن يبكي إذا ما فقدَ عزيزاً، وها هو النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم يبكي لما رأى من احتضارِ ابن ابنته وهو سيد الرجال، وسيد الراضين بقدرِ الله، فلا تنظروا إلى البكاء على أنه ضعف، البكاء مريح للنفس عند المصائب، بعكس الكتمان الذي يخنقُ النفس، ويكبتُ على الروح، وهذا ليس من مواطن المكابرة!

▪️على أن بكاء العين والقلب ممتلئ رضىً وتسليماً شيء، والنواح، ورفع الصوت ، وشق الثياب وشد الشعر شيء آخر، فهذا وجه من وجوه السَّخط على قدر الله!

➖➖➖➖➖

أم حذيفة 10-09-2020 02:21 AM

🟢 على منهاج النُّبُوَّة

108

✍🏻 فهلَّا جلستَ في بيت أبيك وأمك؟!

🌳استعملَ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم رجُلاً يُقالُ له ابن اللُّتْبِيَّة لجمع أموال زكاةِ بني سُليم، فلمّا عاد بأموال الزكاة إلى النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم قال: هذا مالكم، وهذا أُهدِيَ إليَّ!
فغضِبَ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم، فقال له: فهلَّا جلستَ في بيتِ أبيكَ وأمكَ حتى تأتيكَ هديتكَ إن كنتَ صادقاً!
ثم صَعِدَ المنبر، فحمدَ الله وأثنى عليه، ثم قال: أما بعد، فإني أستعملُ الرَّجُلَ منكم على العمل ممّا ولاني الله، فيأتيني فيقول: هذا مالكم، وهذا أُهدِيَ إليَّ! أفلا جلسَ في بيتِ أبيه وأمه حتى
تأتيه هديته؟! واللهِ لا يأخذ أحدٌ منكم شيئاً بغيرِ حقِّهِ إلا لقيَ الله يحمله يوم القيامة، فَلَأَعرِفنَّ أحداً منكم لقي الله يحملُ بعيراً له رُغاء، أو بقرةً لها خوار، أو شاةً تيعر/تصيح. ثم رفع يديه حتى رُؤيَ بياض إبطيه وقال: اللهمَّ هل بلَّغتُ؟!

♦️مما ابتُلِيَ به المُسلمون اليوم كثرة الرِّشى، يسمونها بغير أسمائها! فهذا يُسميها: هدية، والآخر يُسمِّيها: إكراميَّة، والثالث يسميها: جبران خاطر، والرابع يُسمَّيها: كَرَم!
ليس للموظف إلا راتبه، وأي شيء يأخذه من المُراجعين، ولو دون طلبٍ منه فهو سُحتٌ وغلول! وروى أبو داود أن النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم قال: من استعملناه على عملٍ فرزقناه رزقاً/راتبه، فما أخذَ بعد ذلك فهو غلول! وروى الإمام أحمد في مسنده، عن النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم أنه قال: هدايا العُمال غلول!

♦️الهديةُ أمرٌ مُحببٌ بين الناس، وقد قبلَ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم الهدية، وكان يُكافئ عليها، ويُكثر أن يُهدي الناس، ولكن الأمر مُختلف في الوظائف العامة، وما فيه مصالح ومعاملات، حيث يخرجُ من باب الهدية ويدخلُ في باب الرشوة!
فالهدية في هذه الأحوال إنما تُهدى للمُحاباةِ، وتسليكِ الأمورِ، وربما أدَّت المُحاباةُ إلى الغش خصوصاً في المُناقصاتِ التجاريةِ حيث غالباً ما ترسو على الذي دفع الرشوة
ولو كان هذا المُوظف في غير وظيفته ما أعطاه المُراجع لا درهماً ولا ديناراً، وإنما أعطاه لمنصبه الذي هو فيه وليس لشخصه!
وأسوأُ الأنواعِ هو ذاكَ الذي شَغِل منصباً عاماً، فيأتيه المواطنون بمعاملاتهم، فمن دفعَ له رشوة يسَّرَ أمره، ومن لم يدفعْ أهملَ له معاملته، ويتذرعُ أن الراتب الحكومي لا يكفي، وهذه حجة واهية لإنامةِ الضميرِ واستساغةِ الحرام، أنتَ تعرفُ مقدار راتبكَ حين تقدَّمتَ إلى الوظيفة فإما أن تقبلها أو ترفضها، أما دفع راتبك من جيوب المراجعين فهو مال حرام، وأيّما لحمٍ نبتَ من حرام فالنار أوْلى به!

▪️▪️▪️▪️▪️▪️

أم حذيفة 10-11-2020 11:32 PM

🟢 على منهاج النُّبُوَّة

109

✍🏻"فلا تعضُلُوهُنَّ"!

🌴 زوَّجَ الصحابي الجليلُ معقل بن يسار أخته لرجلٍ من الأنصار، فحدثَ بين الرجل وزوجته خلاف فطلَّقها، فلما انقضَتْ عدتها جاءَ زوجها ليخطبها من أخيها مرةً أخرى…
ويُكملُ معقل بن يسار القصة فيقول: فقلتُ له: زوَّجتُكَ، وفرشْتُكَ/أي ساعدْتُكَ في جهازها، وأكرمتُكَ فطلَّقتها ثم جئتَ تخطبها، لا واللهِ لا ترجِعُ إليكَ أبداً! وكان رجلاً لا بأس به وكانتْ أُختي تُريدُ الرجوع إليه.
فأرسلَ إليَّ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم وقال: يا معقل بن يسار إن الله أنزل فيكَ قرآناً: "وإذا طلقتم النساء فبلغنَ أجلهُنَّ فلا تعضُلُوهُنَّ أن ينكحن أزواجهنَّ إذا تراضوا بينهم بالمعروف…"
فقلت:
: الآنَ أفْعَلُ يا رَسولَ اللَّهِ، قَالَ: فَزَوَّجَهَا إيَّاهُ.

♦️المؤمنُ يجب أن يكون وقَّافاً عند أوامرِ الله، فعندما أمر الله تعالى الأهل أن لا يمنعوا ابنتهم من الزواج بطليقها إن رغبتْ بذلك، وافقَ على الفور امتثالاً للأمر الإلهي، وتنازلَ عن رفضه الجازم السابق، فلا تكُنْ عنيدا خصوصاً إذا ما تعلَّقَ الأمر بأمرِ الله سبحانه.

♦️أُمِرْنَا بالعدل عند الخصام، فبالرغم من أن معقل بن يسار مُنزعج من طلاق أُخته، ومُتضايق من صهره لأنه ساعدَه في أمرِ الزواج فلم يلقَ هذا صدىً إيجابياً عنده، إلا أنه يشهد له أنه كان رجلاً لا بأس به، فلا تدعْ ساعة الخصومة تقودك إلى نكرانِ فضائلِ الآخرين!

⚡واجبُ الأهلِ إذا وقع الخلاف بين الزوجين أن يدفعوا باتجاه الصُلح، المرأة لزوجها، والزوج لامرأته، إن رغبا بالعودة بعد وقوع الطلاق البائن وانقضاء العِدة، وهذا يلزمه مهر وعقد جديدين، فمن باب أوْلى أن يعودا لبعضِهما وهي على ذمته وقد حدث بينهما خلاف، والعِنادُ في عودةِ الأزواجِ لبعضِهم قِلةُ فقهٍ للحياة، وعدمُ إدراكٍ لمخاطر الطلاق، وجهلٌ بالحياة الزوجية التي لا تخلو أساساً من خلاف!

👈🏻 الإحسانُ إلى الزوجة، ومعاملتُها بالمعروف واجبٌ على الزوج وإن لم يُعاونه أهلها في أمر زواجها، ويُصبحُ الواجبُ مُضاعفاً إن أحسنوا إليه وعاونوه، لأنَّ النبيل يُقدِّرُ المعروف، ويتحيَّنُ الفرصة لِرَدِّه، والحياة الزوجية الكريمة للبنت في بيت زوجها فرصة سانحة لِرَدِّ المعروف فأَحْسِنْ استغلالها!
▪️▪️▪️▪️▪️

أم حذيفة 10-17-2020 11:37 PM

🟢على منهاج النُّبُوَّة

110

✍🏻لمن هذا الجمل؟!

🌳دخل النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم بستاناً لأُناسٍ من الأنصار فإذا فيه جملٌ، فلما رأى النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم حنَّ وذَرفَتْ عيناه! فاقتربَ منه النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم ومسحَ على رأسه حتى سكتَ
ثم قال: لمن هذا الجمل؟
فجاء فتى من الأنصار، فقال: لي يا رسول الله!
فقال له: "أفلا تتقي اللهَ في هذه البهيمة التي ملَّكَكَ الله إياها، فإنه شكا إليَّ أنك تُجوِّعه وتدئبه/تتعبه!

♦️البشريةُ التي تُحاضِرُ اليوم فينا في حقوق الإنسان كُنَّا قبل ألفٍ وأربعمئة سنة نُحاضِرُ فيها في حقوق الحيوان! يوم التزمنا بديننا فهانَ لأجله كل شيءٍ، ورخصَتْ له الدماء والأموال والأوقات، حكمنا العالم كله بالعدلِ وقُدنا دفة البشرية، ويوم فرَّطنا فيه صرنا في ذيلِ الحضارةِ وتخلَّفْنا عن الركب، ولن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أوله: كتاب الله وسنة رسوله!

♦️إنَّ أحبَّ أسماء الله إليه هو الرحمن، وأحبَّ عباده إليه هم الرُّحماء، الرُّحماء على البشرِ والدوابِ والشجر! وإن من أجمل الأرزاق التي يسوقُها الله إلى عبده هو لين القلب على المخلوقات، لأن من لا يَرحم لا يُرحم!

🍃 لم يرضَ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم أن يجوعَ الجمل فلا يأخذ حظّه من الطعام، وأن يتعبَ ويُحملَ عليه ما لا يُطيق، هذا الدين الذي رفع أتباعه إلى أعلى مراتب الإنسانية حثَّهم على الرحمةِ بالحيوان فما بالك بالناس!

▪️وحين يحدِّثنا النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم عن المرأة التي دخلتُ النار في هرةٍ حبسَتْها حتى ماتت، فلا هي أطعمتها ولا هي تركتها تأكلُ من خشاش الأرض، فلِيُعلِّمنا احترام الأرواح والأنفس حتى ولو كانتْ للبهائم!

▪️وحين يحدِّثُنا عن الرجل الذي كان يمشي، فاشتدَّ عليه العطش، فنزلَ بئراً فشربَ منها ثم خرجَ فإذا هو بكلبٍ يلهثُ ويأكلُ التراب الندي الرطب من العطش، فقالَ في نفسه لقد بلغَ هذا مثل الذي بلغَ بي، فملأ خفَّه/حذاءه ثم أمسكه بفمه وصعدَ حتى سقى القلب، فشكرَ الله له وغفرَ له، لِيُعلِّمنا أن من عاملَ المخلوقات بصفةٍ عامله الله بها، من رَحِمَ رُحِمَ، ومن قسا عُوقِب!

روى الذهبيُّ أن مسعود الهمذاني كان رجُلاً يُحِبُّ العفو والصفح، وكان يُرغِّب به، ويدعو إليه، وإذا جاءه من يعتذِرُ منه، عفا عنه وقال له: الماضي لا يُذكر!
توفي مسعود، ورُئِي في المنام، فقيل له: ما فعلَ الله بك؟
فقال: أوقفني بين يديه وقال لي: الماضي لا يُذكر! خذوه إلى الجنَّة!
▪️▪️▪️▪️▪️▪️

أم حذيفة 10-21-2020 11:57 PM

🟢على منهاج النُّبُوَّة

111

✍🏻مثل عجوز بني إسرائيل!

🌳 نزلَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم يوماً في ضيافة أعرابيٍّ فأكرمه، وعندما همَّ بالرحيل عنه قال له: يا أعرابي اِئْتنا. يريدُ أن يردَّ إليه معروفه، فهكذا كان يحفظُ المعروف ولا ينساه!
ثم إن الأعرابي لم تطلْ به المدة حتى جاءه، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: يا أعرابي سَلني حاجتك
فقال: ناقة نركبها، وأعنزٌ يحلبها أهلي!
👈🏻فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: أعجزتَ أن تكون مثل عجوز بني إسرائيل؟!
فقال أصحابه: يا رسول الله، وما عجوز بني إسرائيل!
فحدَّثهم أن يوسف عليه السلام كان قد أوصى قومه إذا خرجوا من مصر أن يحملوه معهم ليُدفن في الأرض المقدسة، ولمّا أعلَمَ موسى عليه السلام بني إسرائيل أن وقت الخروج من مصر قد حان، أخبروه بوصية أخيه يوسف، فسألهم أين يقع قبره ليُنفِّذوا وصيته. فأخبروه أن لا أحد يعرف مكانه إلا امرأة عجوز طاعنة في السن، فطلب منها موسى عليه السلام أن تدله على مكانه، فرفضتْ أن تُخبره حتى يعدها بأنها ستكون رفيقته في الجنة! فرفضَ لأنه لا يملك إدخال الناس الجنة أو النار، فأوحى الله تعالى إليه أن أعطِها ما طلبتْ! فأعطاها موسى عليه السلام طلبها، فدلتهم على مستنقع، وقالت جفِّفوا ماءه فتحته قبر يوسف عليه السلام! فجففوا الماء وأخرجوا جُثمان يوسف عليه السلام ونفَّذوا وصيته!

🔸وانظُرْ لتواضعه صلى الله عليه وسلم، صعد إلى السماء السابعة، وبلغ مبلغاً لم يبلغه مخلوق من قبل، ولكنه عندما عاد إلى الأرض بقي مُتواضعاً، ينزل في خيمة أعرابي لا يعرفه أحد، ويحفظ له معروفه، ويطلب منه أن يأتيه ليُكافئه، فما بالنا نحن إذا امتلكَ أحدنا سيارة فارهة تمختَرَ بين الناس تمختُر قارون في أهل مصر، وإذا حاز على شهادة عُليا ظنَّ نفسه أحد كتبة الوحي، فتعالى على الناس وعبدَ لقبه، والويل ثم الويل لمن ناداه بإسمه مُجرَّداً من لقب دكتور، أو باش مهندس، تواضعوا فما نحن إلا من تراب وإلى تراب نصير!

♦️الدنيا جسر عبور إلى الآخرة فلا تجعلها همَّك، وقد انزعج النبيُّ صلى الله عليه وسلم من الأعرابي وقد فتحَ له باب الطلب، فإذا به يطلب ناقةً وأعنُزاً!

أرأيت الفرق الواسع والبون الشاسع بين من يريد أعنزًا يحلبها وناقة يركبها، وبين من تريد مرافقة الرسول في الجنة؟! إنها الهمة العالية، فقط! فإلى متى يرضى الكثير منا بضعف الهمة، وفتور العزيمة، ويرضى من الغياب بالإياب، ومن الغنيمة بالسلامة؟!

فكُن عجوز بني إسرائيل في همتها لا الأعرابي في تفاهةِ طلبه!

♦️الأعمار بيد الله، وقد كثُر موت الفجأة، فاكتُبْ وصيتك!
يرحل الأب الثري فلا يدري أولاده ما له وما عليه، وربما تشاجروا فيما بينهم على الإرث، كل واحد يُريد أن يحصل على المزيد من حق إخوته، فتتفرَّق العائلة، ويتشتت الأولاد، وينقطع الرحم!
المالُ عزيز، والنفسُ البشرية طماعة، فلا تترك أولادك خلفك في ساحة حرب، هذا يوسف عليه السلام قد أوصى لمئات السنوات بعد موته، وليس في وصيته تركة ولا درهم ولا دينار، ولا شيء ممّا يتنازع فيه الناس، فلماذا لا نُوصي نحن حفظاً لحقوق الورثة، وحفظاً لمالك، وكم من ميت مات فجاء أحدهم يقول كان لي عليه مال، والوَرَثة بين نارين، دَيْن قد يكون مزعوماً فيخسروا بعض ما ورثوه، أو دَيْن صحيح قد لا يُعطونه صاحبه فيحمل الميت وزره!

➖➖➖➖➖➖

أم حذيفة 10-22-2020 09:43 PM

🟢 على منهاج النُّبُوَّة

112

✍🏻هل صليتَ معنا؟!

🌳جاء رجلٌ إلى النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم فقال: يا رسول الله، قبَّلْتُ امرأةً دون أن أُصيبَ منها -أي ما يكون من التقبيل والضم واللمس دون الزنا- فها أنا، فاقضِ فيَّ ما شئتَ!
فقال له عُمر بن الخطاب: لقد ستركَ اللهُ فلو سترْتَ نفسَكَ!

فلم يقُل النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم شيئاً، إذ أُقيمتْ الصلاة، فلما انتهى النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم من الصلاة دعا الرَّجل وقال له: هل حضرتَ الصلاة معنا؟
فقال: نعم
👈🏻فقال له النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم: قد غفرَ اللهُ لكَ، وأنزل فيك قرآناً 🔸«وأقِمْ الصلاة طرفي النهار وزُلفاً من الليل إن الحسنات يُذهبنَ السيئات ذلك ذكرى للذاكرين»!
فقال رجلٌ من القوم: يا نبيَّ الله هذا له خاصة؟
فقال النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم: لجميع أمتي كلُّهم!

👈🏻بالطبع هذا الحديث لا يُفهم منه أنه لا عليكم قبِّلوا وعانقوا دون الزنا فلا بأس إن الصلاة تُكفِّر هذا! وإنما المقصود أنه إذا غلبتْكُم الشهوات، وزيَّنَ لكم الشيطان ووقعَ الفأسُ في الرأس فباب الله مفتوح لا يُسدُّ، والحسنةُ تمحو السيئة بفضلِ الله وكرمِه، وهذه فتوى بعد وقوعِ المحظورِ وليستْ ضوءاً أخضرَ أن ارتكبه ثم صلِّ!

🔸وانظُرْ لفِقْهِ عُمر، لقد سترَكَ اللهُ فلو سترْتَ نفسَكَ!

هذا الدين لا يُوجد فيه كهنة ورهبان واعتراف، دعْ معاصيكَ بينك وبين الله، ولا تفضحْ نفسكَ ما دامَ الله قد أرخى عليكَ ثيابَ ستره، إن الناس تفضحُ ولا تعذر، والله يعذرُ ويستر!
مهما عَظُمَ الذنبُ فرحمةُ اللهِ أعظم منه، وإن الذي غفر لبغيِّ بني إسرائيل بسُقيا كلبٍ عطشان لهو أرحم بمن دونها، والمعادلةُ سهلة، إذا لم تسْتَطِعْ أن تتخلصَ من معصيةٍ فزاحِمْها بالطاعات!

▪️▪️▪️▪️▪️▪️

أم حذيفة 10-26-2020 11:17 PM

🟢على منهاج النُّبُوَّة

113
✍🏻 ولو بِشِقِّ تمرة!

🌳 كان النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم جالساً بين أصحابه، فجاءه قومٌ من مُضَر/قبيلة عربية، حفاةٌ، ثيابهم بالية، فتمعَّرَ/تغيَّرَ وجهه لِمَا رأى بهم من الفقر، فدخلَ بيته ثم خرج، فأمرَ بلالاً فأذَّنَ، وأقام، فصلَّى، ثم خطبَ وحثَّ على الصدقة فقال: "يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ولتنظُرْ نفسٌ ما قدَّمتْ لغدٍ واتقوا الله".
تصدَّقَ رجلٌ من ديناره، من درهمه، من ثوبه، من صاع بُرِّه/قمحه، من صاع تمره، حتى قال: ولو بِشِقِّ تمرة!
🍃فجاء رجلٌ من الأنصار بِصُرَّةٍ كادتْ كفه تعجزُ عن حملِها فوضَعَها بين يدي النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، ثم تتابع الناس حتى صارَ في المسجد كومان من طعامٍ وثياب، فتهلَّلَ وجهُ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم كأنه فلقة قمر لمَّا رأى هذا التكافل والتراحم بين المسلمين، ثم وقف وقال مُثنياً على الأنصاري الذي بدأ في الصَّدقة وقلَّده الناس: "من سَنَّ في الإسلام سُنَّةً حسنةً فله أجرُها وأجرُ من عملَ بها بعده من غير أن ينقصَ من أجورهم شيء، ومن سنَّ في الإسلام سُنَّةً سيئةً كان عليه وِزرها ووِزر من عمل بها بعده من غير أن ينقصَ من أوزارِهم شيء"!

🔸المُسلمون أُمةٌ واحدةٌ من دون الناس، وعائلةٌ واحدةٌ أبوهم القرآن وأمهم السُّنَّة، يشُدُّ بعضهم أزر بعض، يساعدُ قوِيُّهُم ضعيفَهم، ويُطعِمُ غنيُّهم فقيرَهم، ويُرشِدُ مُهتديهم ضالهم، ويُقيم قائمُهم مُتعثِّرَهم، يفرحُ بعضُهم لفرح بعضٍ، ويحزنُ بعضُهم لحزنِ بعض، يتهللُ وينتشي بعضُهم بنصرِ مُجاهدٍ في بلادٍ بعيدة عنه كأن النَّصر نصره وهو كذلك فعلاً، ويغتمُّ بعضُهم لمشهدِ طفلٍ تحت الركام قتلتْهُ يدُ الإجرامِ كأن الطفل طفله وهو كذلك فعلاً!

🔸من سَنَّ في الإسلام سُنَّةً حسنة، أي ما ينفعُ الناس ولا يتعارض مع الشَّريعة! وهذا يشمل الدنيا لا الدين، وإلا من أنتَ لتُضيفَ للدِّين جديداً وقد قال ربنا قبل ألفٍ وأربعمئة سنة "اليوم أكملتُ لكم دينكم"!

👈🏻كُنْ الأول في الخير ولكَ أجرُ من قلَّدك!
خَفِّفْ المهرَ على خاطب ابنتك بعد أن غلا، وكُنْ قدوة للناس، ولكَ أجرُ من قلَّدكَ!
اِبدأْ مشروع صدقة، بادِرْ بفكرة طيبة، قُمْ بحملةٍ لسد دين، وأخرى لعلاج مريض، الإنسان الذي يطلبُ لنفسه يصغُرُ، والذي يطلبُ لغيره يكبُرُ ويرتفع، فكُنْ مفتاحاً للخير!

➖➖➖➖➖➖

أم حذيفة 11-03-2020 02:55 AM

🟢على منهاج النُّبُوَّة

114

✍🏻تصدَّقوا عليه!

🌳الدُّنيا إِقبالٌ وإِدبار، أغنياءُ اليوم قد يصبحون فقراء الغد، وفقراء اليوم قد يصبحون أغنياء الغد، صحيح اليوم قد يمرض، ومريض اليوم قد يشفى، القوي لا يبقى قوياً، والضعيف لا يبقى ضعيفاً، هكذا خلقَ الله الحياة درساً بليغاً نتعلمُ منه أنه لا يبقى على ما هو إلا هو!

ونحن في الفقر والغِنى، في الصحة والمرض، في إقبال الدنيا وإدبارها في امتحان، والله سبحانه ينظُرُ إلينا ما نصنع، والملائكة تكتب! وقد ربَّى النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم هذه الأُمَّة على التراحم والتكافل، علَّمَنا أن نزور المريض، وأن نُشيِّع الميِّت، ونُعزِّي الفاقد، ونُقيم المُتعثِّر، وندلَّ التائه، ونجبر المكسور، ونُطيِّب الخاطر!

🌳 يُحدِّثنا أبو سعيد الخدري، قال: أُصيبَ رجلٌ في عهد النبي صلَّى الله عليه وسلَّم في ثمارٍ ابتاعها، فكثُرَ دَيْنُه، فقال النبي صلَّى الله عليه وسلَّم: "تصدَّقوا عليه"!
فتصدَّق النَّاسُ عليه، فلم يبلُغ ذلكَ وفاءَ دَيْنه.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لغرمائه: "خُذوا ما وجدتم، وليس لكم إلا ذلك"!

🔸درسٌ عظيمٌ في الجبر والتراحم، أرادَ إذا وقع المسلمُ أن يجدَ يداً تُقيمه، لا أن يصبح حاله على قول المثل: البقرة إذا وقعتْ كثُر ذبَّاحوها!

▪️كل يوم نسمع عن مريضٍ غير قادر على تأمين تكاليف العملية الجراحية، فهل تصدَّقنا وقُلنا: اللهم ليس مِنةً على عبدك وإنما شُكرٌ لكَ على العافية! وبالشُكر تدوم النِعم، والله أعدل وأرحم من أن يراك تساعد إنساناً في علاجه ثم يبتليك بمرضه، صدِّقني أنتَ تشتري نفسكَ من اللهِ بهذه الصدقة!

▪️كل يوم نسمعُ عن إنسان كثُر عليه الدَّيْن، فهل تصدَّقنا وقُلنا: اللهم ليس رياءً ولا سُمعة ولكن شُكراً لكَ أنكَ جعلتني عبدك المُعطي لا عبدك الآخذ! واللهُ أعدل وأرحم من أن يراك تُساعد إنساناً في دَيْنِه، تمدُّ يدك بالصدقة تعطيها ثم يجعلك تمدُّ يدك لتأخُذها، صدِّقني أنت تشتري نفسكَ من الله، اليدُ التي تُعطي الصدقة مُستحيل أن تمتد يوماً لتطلب صدقةً!
🌳واُنظر لرحمة هذا الدين وسماحته، يقول لغرمائه، ليس لكم إلا ما وجدتم!
لم يحجر النبيُّ صلى الله عليه وسلم على بيت الرجل المديون، ولم يبِعه في مزاد علني، ويُلقي بأُسرته في الطريق، القانون الذي لا يعرفُ الرَّحمة قانون غير جدير بالاحترام ولو حكمَ الدنيا كلها!
وقد يسأل سائل ما ذنبُ الذي أعطى المال دَيْناً، ولم يسترده! وهذا سؤال وجيه ومنطقي، يُواجَهُ بسؤالٍ آخر: هل الدنيا دار جزاء أم دار عمل؟! دار زراعة أم دار حصاد؟! ما دمتَ تُؤمن أنها دار عمل والجزاء عند الله، ودار زراعة والحصاد عند الله، فانزلْ عن بعض حقك للذي غلبه الدَّيْن وأبشِرْ بهذه:
روى مسلم في صحيحه من حديث حذيفة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أُتيَ اللهُ بعبدٍ من عباده آتاه اللهُ مالاً فقال: ماذا عملتَ في الدنيا؟ فقال: يا رب آتيتني مالكَ، فكنتُ أُبايع الناس وكان من خُلقي الجواز، فكنتُ أتيسَّرُ على الموسر، واُنظِرُ المعسِرَ. فقال الله تعالى: أنا أحقُّ بذلك منك، تجاوزوا عن عبدي!

➖➖➖➖➖➖

أم حذيفة 11-06-2020 01:22 AM

🟢على منهاج النُّبُوَّة

115

✍🏻أطلقوا ثمامة!

🌳بعثَ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم سَرِيةً ناحية نجد، فجاءتْ برجلٍ لا يعرفون من هو حتى قال لهم النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم: أتدرون من أسرْتُم؟ هذا ثمامة بن أثال سيد أهل اليمامة فأحسنوا إساره!
فحبسوه قُرب المسجد، وكان النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم يُرسِلُ إليه من طعامِ أهله إذا أكلوا، ولكن ذلك لم يُرقِّقْ قلب ثمامة!
فجاءَهُ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم وقال له: ماذا عندكَ يا ثمامة؟
فقال له: عندي خير يا مُحمد! إن تقتلْ تقتلْ ذا دم، أي أن وراءه من سيأخذ بثأره، وإن تُنعِم تُنعِم على شاكر، أي أنه وفي لا ينسى المعروف، وإن كنتَ تريدُ المالَ فسَلْ تُعطَ منه ما شئتَ!
وعلى مدى يومين كان الحوار ذاته يدورُ بينهما، إلى أن قالَ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم في اليوم الرابع: أطلقوا ثمامة!
فانطلقَ ثمامة إلى نخلٍ قريبٍ من المسجد، فاغتسل، وعاد، وقال للنبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أنك رسول الله!
ثم قال له: يا مُحمد، واللهِ ما كان على الأرض وجه أبغضَ إليَّ من وجهكَ، فقد أصبحَ وجهك أحب الوجوه إليَّ! وإنَّ خيلك َ أخذتني وأنا أريدُ العُمرة، فماذا ترى؟
فبشَّرَه النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم وأمرَه أن يعتمرَ، فلما قَدِمَ مكة وعلمتْ قُريش بإسلامه، قالوا له: صبوتَ؟!
فقال: بل أسلمتُ مع محمدٍ صلَّى الله عليه وسلَّم، ولا واللهِ لا يأتيكم من اليمامةِ حبة قمح حتى يأذنَ فيها النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم!

🍃وأسلمَ ثمامة، وحسُنَ إسلامه، ونفعَ الله به الإسلام كثيراً، وقامَ بعد وفاة النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم مقاماً حميداً حين ارتدَّتْ اليمامة مع مُسيلمة فخطبَ بالناسِ ينهاهُم عن الرِّدة، وما زال هكذا حتى جاء معه ثلاثة آلاف قاتلوا في جيش المسلمين ضد المُرتدِّين!

🔅النبيلُ يُكبِّلُه المعروف! وكان الأحنف بن قيس يقول: من أحسنَ إليَّ فقد قيَّدني! فقيِّدوا الناس بالمعروف، فإن وقع في أهله فهم أهله ومن وقع في غير أهله فأنتَ أهله!
الإحسانُ إلى الذي بينك وبينه عداوة إنما يجب أن يكون عن قوةٍ وإلا صارَ هذا الإحسان ذُلاً وخوفاً! ألا وإن ثمة مواقف لا يصلُح فيها الإحسان كأن يحتلُّ عدوٌّ أرضَكَ، فالإحسانُ إليه دِياثة وقِلة مروءة وخِيانة مهما غلَّفوها بعباراتٍ جميلةٍ كالسَّلام!

▪️▪️▪️▪️▪️▪️▪️

أم حذيفة 11-09-2020 11:25 PM

🟢على منهاج النُّبُوَّة

116

✍🏻 لِيُصلِّ أحدكم نشاطه!

🌳دخل النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم المسجد، فإذا حَبْلٌ ممدود بين ساريتين/عمودين من سواري المسجد، فقال: ما هذا؟
فقالوا: هذا لزينب، تُصلي من الليل، فإذا كسلتْ أو فترتْ أمسكتْ به!
فقال: حُلُّوه/فُكُّوه، ليُصلِّ أحدكم نشاطه، فإذا كسلَ أو فترَ فليقعُدْ!

▪️لا شكَّ أنه يُحسبُ لأُمنا زينب بنت جحشٍ هذا الحرص على قيام الليل حتى لو أنهكها التعب، ولكن النبى صلى الله عليه وسلم يُخبرنا بهذا الحديث عن مضمون آية أُنزِلتْ عليه من قبل "يريدُ الله بكم اليُسر ولا يريدُ بكم العسر"

▪️يُريدُ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم منا أن نُقبل على الله صلاةً وصياماً وصدقةً وعملاً للخير بمقدار ما نستطيع، وبأريحية، دون مشقة وضرر لأنفسنا!
▪️صحيح أننا لو قُمنا العمر كله على سجادة الصلاة فلن نفيَ الله حقه، ولو أمضينا العمر كله صياماً فهذا ليس كثيراً على الله، ولكن الله سُبحانه يحفل بنا، ويهتم لأمرنا، ومن رحمته بنا جعل في دينه رُخصاً يُحِبُّ أن نأخذ بها.

🔅فالُمسافر في رمضان في خيار بين أن يصومَ وأن يُفطر، وقد غزا الصحابة مع النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، فكان منهم من اختار أن يصوم، ومنهم من اختار أن يُفطر، فلم يُثنِ على الصائم، ولم يُوَبِّخ المفطر، لقد تركَ الأمر لكل واحد منهم أن يُقدِّر أموره وطاقته واحتماله، ولكنه قالَ في مناسبة أخرى: ليس من البِر الصيام في السفر!

🔅كذلكَ رخَّصَ الله تعالى للمُسافر أن يجمع بين الصلوات، وأن يقصر إن شاء، هديةً منه ورحمةً سبحانه على عباده، وأعجبني جواب ابن تيمية في الفتاوى على سؤال: أيهما أعلى أجراً من قَصَرَ الصلاة في السفر أو من أتمها؟
فقال: كلاهما على خير، وسقطتْ عنه الفريضة، أما من قصَرَ الصلاة فأعلى أجراً لأنه قام بالفريضة وأصاب السُّنَّة

▪️الفكرةُ من هذا كله أن هذا الدين يُؤخذ بعقل وليس بعاطفة، فمن أخبره الأطباء أن في صيامه خطر على حياته فليس له أن يصوم في رمضان مع الناس، فإن كان مرضه ممَّا له دواء يقضي ما أفطر بعد أن يصحَّ، وإن كان مرضه مزمناً لا شفاء منه فالله رحيم وقد شرعَ دفع فدية الصيام "ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيماً"!

▪️▪️▪️▪️▪️▪️

أم حذيفة 11-11-2020 02:10 AM

🟢على منهاج النُّبُوَّة

117
✍🏻شهادة خُزيمة بشهادة رجُلين!

🌳اشترى النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم فرساً من أعرابي، ولم يكن يحملُ مالاً، فطلبَ منه أن يتبعه بالفرس حتى يُحضر له المال، فأسرعَ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم إلى بيته وأبطأ الأعرابي، فكان بعضُ الناس يسألون عن سعر الفرس ولا يعلمون أن النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم قد اشتراه، ولما دُفِع للأعرابي سعرٌ أعلى من الذي اتفقَ عليه مع النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، فنادى على النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم ليُخيره بين أن يدفعَ حسب السعر الجديد أو يبيعه لغيره!
فقال له النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم: أوليسَ قد ابتعته منكَ؟
فقال الأعرابي: لا واللهِ ما بعتك إياه!
فقال النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم: بلى، قد ابتعته منكَ!
فاجتمع َالناس ينظرون هذا الجدال، وقال الأعرابي: هل من شاهدٍ يشهدُ أني قد بعتكَ إياه!
فقال خُزيمة بن ثابت: أنا أشهدُ أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قد اشتراه!
ولم يكن خُزيمة شاهداً على البيع
فقال له النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم قولةَ المُستغرب: بِمَ تشهد؟
فقال: بتصديقك يا رسول الله، أأصدقك في خبر السَّماء وأكذبك في خبر الأرض؟!
فقال النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم: شهادة خُزيمة بشهادة رجلين!

🍃وعندما جُمعَ المُصحفُ في عهد أبي بكر، كان زيد بن ثابت لا يكتب الآية إلا بشهادة رجلين سمعاها من فم رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، وعندما وصلَ إلى سورة الأحزاب
قال زيد بن ثابت فقدت آية من سورة الأحزاب كنت أسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ بها، فلم أجدْها إلاّ مع خزيمة بن ثابت الأنصاري الذي جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم شهادته شهادة رجلين"، وهو قوله سبحانه وتعالى: ﴿ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ ﴾


🍂أمرنا الله سبحانه أن نكتب العقود حفظاً وضماناً للحقوق، حق المشتري وحق البائع، حق الدائن وحق المدين، حق العامل وحق رب العمل، ولكن علينا أن نعلم أن الإنسان الذي لا تربطه كلمته لن يربطه شيء!
يحسبُ الناس أن الدنيا شطارة، وأن جمع المال عبقرية بغض النظر عن الوسيلة التي نسلكها لذلك، تماماً كالأعرابي الذي تراجع في بيعه، وحنث بصفقة تمّت بعد أن وجدَ من يدفع له سعراً أعلى، يغفلُ الناسُ أن الحلال نهاية المطاف يذهبُ فكيف بالحرام، ثم إن هناك شيء اسمه البركة نزعه الله من كل مالٍ جُمع بالحلف الكاذب، والغدر، وإخلاف الوعد، ثم بعد هذا هناك موت وآخرة وحساب، فلننتبه!

➖➖➖➖➖➖

أم حذيفة 11-15-2020 03:55 AM

🟢على منهاج النُّبُوَّة

118
✍🏻سليم الصَّدر!

🌳كان النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم جالساً بين أصحابه في المسجد، فقال: إنَّ أوَّل من يدخل من هذا الباب رجلٌ من أهل الجنة، فدخلَ عبد الله بن سَلام، فقام إليه بعضهم فأخبروه بذلك، ثم قالوا: أخبِرْنا بأوثق عملٍ في نفسك ترجو به الجنة؟
فقال: إني لضعيف، وإن أوثق ما أرجو به الله سلامة الصدر، وترك ما لا يعنيني!

🍂وعبدُ الله بن سَلام صحابيٌّ جليل، من ذُرية يُوسف عليه السَّلام، كان حبراً من أحبار بني إسرائيل، جاءَ يوماً إلى النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم وقال له: إني سائلك عن ثلاثٍ لا يعلمها إلا نبي: ما أول أشراط الساعة؟ وما أول ما يأكل أهل الجنة؟ ومن أين يشبه الولد أباه وأمه؟
فقال له النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم: أخبَرَني بهنَّ جبريل آنفاً! أما أول أشراط الساعة فنارٌ تخرجُ من المشرقِ تحشرُ الناس إلى المغرب، وأول ما يأكل أهل الجنة فزيادةُ كبد الحوت، وأما الشّبه، فإذا سبقَ ماءُ الرجل نزعَ الولد إلى أبيه، وإذا سبقَ ماءُ المرأة نزعَ الولد إلى أمه!
فقال له: أشهدُ أنك رسول الله!
وفيه نزل آيتان من القرآن: "وشهدَ شاهدٌ من بني إسرائيل" و "ليسوا سواءً من أهل الكتاب أمة قائمة…"

🌼 والشَّاهدُ أن سلامة الصدر من الأحقادِ والضغائنِ من أسبابِ دخولِ الجنة! وسلامةُ الصدرِ جنةٌ في الدنيا قبل الآخرة، فالإنسانُ الذي يملأُ قلبه الحقد والحسد والكراهية، إنسانٌ لا يجد طعم السعادة مع أحد، ولا يجد السعادة معه أحد!
الإنسانُ الممتلئُ بالحسدِ لن يجدَ لذةً في النِّعم التي بين يديه لأنه مُنشغل بتجرُّعِ مرارة مُراقبة النِِّعم التي في أيدي الناس!
والإنسان المنشغل بالكراهية ليس لديه وقت ليُحبَّ أحداً، بل قد تجده يكره نفسه!
وإنَّ من أعظم أرزاق الله أن يهبَ عبده قلباً طيباً رقيقاً لا مكان فيه لحقدٍ أو حسدٍ أو انتقامٍ، وهكذا كانتْ قلوبُ الأنبياء، فمن أُوتيَ هذا القلب فليُحافظ عليه ولا يُلوِّثه، فإن فيه شيئاً من نُبُوَّة!
وكما يحرصُ الإنسان على نقاءِ قلبه هو، عليه أن يحرصَ على نقاءِ قلب غيره، فإذا أخطأْتَ اعتذر، لتُطهِّرَ قلبَ الذي أخطأْتَ معه، وإذا أخطأَ معكَ أحدٌ فسامِحْ، فشرُّ ما يُملأ به القلب هو الحقد!
كذلك لا تحمل للناسِ أخباراً سيئة عن الناسِ، ولا تقُلْ لفُلان إن فلاناً قال فيك كذا وكذا، فإن هذا فوق أنه نميمة إلا أنه يملأ قلوب الناس بالحقدِ والكراهيةِ على بعضِهم.
وقد كان النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم أحرصَ الناسِ على نقاء قلبه، فكان يقول: لا يُبلِّغني أحدٌ من أصحابي عن أحدٍ شيئاً، فإني أُحبُّ أن أخرجَ إليكم وأنا سليم الصَّدر!

▪️▪️▪️▪️▪️▪️

أم حذيفة 11-18-2020 05:55 AM

🟢على منهاج النُّبُوَّة

119
✍🏻صَدَقَ سَلمان!

🌳عندما جاءَ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم إلى المدينة آخى بين المهاجرين والأنصار، وكان ممن آخى بينهم أبو الدرداء وسلمان الفارسي، وفي أحدِ الأيام جاءَ سلمان لزيارةِ أبي الدرداء في بيته، فرأى أم الدرداء في حالةٍ رثةٍ، فظنَّ أنَّ خطباً ما قد حدث، فسألها: ما شأنك يا أم الدرداء؟
فقالتْ: أخوك أبو الدرداء ليس له حاجة في الدنيا! تريدُ أن تقول أنها أهملتْ نفسها لأنَّ أبا الدرداء مُنشغلٌ بالعبادة، صوَّامٌ في النهارِ، قوَّامٌ في الليلِ، مُعرِضٌ عنها!
ودخل سلمان على أبي الدرداء، ولما وُضِعَ الطعام، لم يمدَّ أبو الدرداء يده. فقال له سلمان: كُلْ!
فقال: إني صائم!
فقال سلمان: ما أنا بآكل حتى تأكل!
فأكلَ أبو الدرداء وفكَّ صيامه، فلما كان الليل أراد أبو الدرداء أن يقومَ ليُصلي، فقال له سلمان: نَمْ! فنام أبو الدرداء.
فلما انقضى وقت عاود أبو الدرداء القيام ليُصلي، فقال له سلمان: نَمْ! فنام أبو الدرداء! فلما كان ثلث الليل الآخر، قال له سلمان: الآن قُمْ! فَصَلَّيَا معاً ثم قال له سلمان: إنَّ لربك عليكَ حقاً، ولنفسكَ عليكَ حقاً، ولأهلِكَ/زوجتك عليكَ حقاً، فأعطِ كُلَّ ذي حقٍّ حقه.
فأتى أبو الدرداء إلى النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم فحدَّثه بالذي كان بينهما، فقال له النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم: صَدَقَ سَلمان!

🍂 الحياءُ من الإيمان، وأجملُ مستحضراتِ تجميلِ المرأة الحياء، وما أجمل أم الدرداء إذ تستخدم الكناية، فلم تَقُلْ هو مُعرِضٌ عني لهذا أنا رثة الثياب والمظهر، وإنما قالتْ ليس لهُ حاجة في الدنيا!
وجاءتْ امرأةٌ إلى عُمر بن الخطاب تقول: إنّ زوجي صوَّام قوَّام، فقال: نِعم الرجل! فظلَّتْ تُعيدُها ومن حياء كنايتها لم ينتبه عُمر لمقصدها رغم ذكائه المعروف، حتى قال له محمد بن مسلمة: إنما تشكو لكَ مُباعدة زوجها لها في الفِراش!

▪️المُوازنةُ أمرٌ مطلوبٌ، وأُنموذج أبي الدرداء رغم أنه أخطأ التصرُّف إلا أنه انقرضَ، فنحن نعيشُ اليوم تفريطاً سلبياً وهو الإقبالُ على الدنيا حدَّ نسيان الآخرة، عكس إقبال أبي الدرداء على الآخرة حدَّ نسيان الدنيا! وكلاهما خطأ فادح، وخلاف الشَّريعة والسُّنَّة، فالمسلمُ يعملُ للآخرة لكنه لا ينسى أنه يعيشُ في الدنيا!

▪️البيوتُ أسرارٌ، والأمورُ تحتاج إلى حكمة في مثل هذه الأمور، وأخطأت أم الدرداء بإهمال نفسها حين أعرَضَ عنها زوجها لأنَّ هذا يزيده إعراضاً، والحكيمُ من يعملُ على حلِّ المشاكل ولا يزيد من تفاقُمها، وعلى الزوج والزوجة أن يُدرِكا أن لكل واحدٍ منهما حق نيل رغبته الطبيعية، وما كان الزواج إلا للمساعدة على العِفَّة، والإقبال على الدنيا والآخرة بنفسية مُرتاحة، فهوِّنوا على بعضكم الطريق!

➖➖➖➖➖➖

أم حذيفة 11-19-2020 11:57 PM

🟢على منهاج النُّبُوَّة

120
✍🏻أَبْلي وأَخْلِقي!

🌳عندما ضاقتْ مكة على المُسلمين، واشتدَّ عليهم العذاب، أمرَهم النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم بالهجرة إلى الحبشة علَّهم يجدون عند الغريب رأفةً لم يجدوها عند القريب، وكان النجاشي عند حُسن ظنِّ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم به، حيث قال عنه: اذهبوا إلى الحبشة فإن فيها ملكاً لا يُظلم عنده أحد!
وكان ممن هاجرَ إلى الحبشة سعيد بن العاص وزوجته أُميمة بنت خلف الخزاعية وهناك رُزقا ببنتٍ أسمياها "أَمَة" ولكنها اشتهرت في كُتب السِّيَر بكنيتها فكان يُقال لها أم خالد وهي طفلة رضيعة.
وعاد الأبوان وابنتهما إلى المدينة بعد الهجرة في أول وفدٍ عادَ من المُهاجرين إلى الحبشةِ، ووَدَّعَهم النجاشي يومها وقال لهم: أقرِئوا رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم مني السَّلام. وكانتْ أم خالد من الذين أبلغوا النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم سلام النجاشي رغم صِغر سنها!
وجاءُ سعيدُ بن العاص برفقةِ ابنته أم خالد لزيارةِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم وكانتْ تلبسُ ثوباً جميلاً، فقال لها مُمازحاً كعادته مع الأطفال: سَنَهْ سَنَهْ وهي كلمة حبشية تعني جميلة!
وذهبَت تَلعب بِخَاتم النُّبُوَّةِ الذي بين كتفَيْه صلَّى الله عليه وسلَّم،
، فنهرها أبوها وزجرها لتتوقف، فقال له النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم: دعها! ثم مسحَ بيده الشريفة على أم خالد وقال: أَبْلِي وأَخْلِقي، ثم أَبْلِي وأَخْلِقي، ثم أَبْلِي وأَخْلِقي!
وأَبْلِي وأَخْلِقي بمعنى إلبسي الثياب حتى تهترئ ثم جدديها، ويقابلها قولنا العامي لمن لبس ثوباً فندعو له: "تهري وتُجدد"، والمعنى دعاء بطول العمر، وعاشتْ أم خالد ببركةِ دعائِهِ أعوام عديده

▪️كلامُ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم مع الطفلة أم خالد بالحبشية كانتْ من باب المُداعبة والمُلاطفة، حيث وُلِدتْ وترعرتْ هناك، وواضحٌ ما فيها من التحبب والتقرب، ولا يُستدل به على جواز ما يفعله أدعياء الثقافة والتبعية للغرب من قومها حيث يضعون كلمة إنكليزية أو فرنسية بين كل كلمتين عربيتين من بابِ التباهي، وهذا إن دلَّ فإنما يدُلُّ على انهزامٍ ثقافيٍّ، ونفسيةٍ تشعر بالدونية وتحاول بهذا أن ترحم دونيتها، وهي فوق هذا فيها نوع من التعالي خصوصاً إذا كان الكلام مع العوام!

▪️ملاطفة الأطفالِ بابٌ من أبواب إكرام آبائهم، وانبساطُ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم لأم خالد حتى تركَها تلعب بخاتمه، ورفضُ زجر أبيها لها، إنما هو رحمة بالطفلة وإكرام لأبيها، فإذا جاءكَ ضيف ومعه صغير لاطفه، اِطبعْ على رأسه قبلة، وقُلْ له كلمة حلوة، أَعطِه قطعة حلوى، فهذا يُسعد الأب قبل أن يُسعد الطفل، وهو باب عظيم من أبواب التحبب بين الناس

➖➖➖➖➖➖

أم حذيفة 11-23-2020 01:42 AM

🟢على منهاج النُّبُوَّة
121

✍🏻إني لا أخيسُ بالعهد!

🌳كان أبو رافعٍ قِبطياً يدين بالنصرانية، فأرسلَتْه قُريش موفداً منها إلى النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم لبعض الأمورِ السياسيةِ التي كانتْ تجري بينهما قبل فتح مكة، فلما وصلَ أبو رافعٍ إلى المدينة المنورة، ورأى أخلاق النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم وأخلاق الصحابة، وعَرَفَ الإسلام عن قُرب، قرَّرَ أن يُسلم، فقال للنبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم: يا رسول الله، إني واللهِ لا أرجعُ إليهم أبداً!
فقال له النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم: "إني لا أخيسُ/أُخلف بالعهد، ولا أحبسُ البُرْدَ/جميع بريد وهو الرسول والموفد، ولكن اِرجِعْ إليهم، فإن كان في نفسِك الذي في نفسِكَ الآن فارجعْ إليَّ!
فعاد أبو رافعٍ إلى مكة، وأبلغَ قُريشاً بردِّ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم بما أرسلته إليه، ثم عاد إلى المدينةِ فأسلم!

👈🏻وكواليس الحديث كالتالي:
كانتْ الأعراف السياسية تقضي أن الرُّسل التي تكون بين الملوك المُتنازعين وبين القبائلِ المتناحرةِ أنها لا تُقتل ولا تُحبس مهما كان مضمون الرسالة، ولو حوى تهديداً من طرفٍ إلى طرفٍ، فما على الرسولِ إلا البلاغ! وعندما أراد أبو رافعٍ أن يُسلمَ، وأن لا يرجع إلى قُريش، وهو بالأساس قد جاءَ رسولاً منها إلى النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، رفضَ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم هذا الأمر، لأنه يخرق الأعراف الدبلوماسية، والعادات الحميدة التي تعارفَ عليها الناس، وقد خشيَ أن تقولَ قُريش أنه قد حبسَ موفدها إليه فتُؤخذُ عليه بين العرب غدرةً رغم أن أبا رافعٍ اختارَ الإسلام والمكوث رغبةً منه واقتناعاً، فأمرَه أن يرجعَ إلى قُريش بالأمرِ الذي جاء به، فإن بقيَ راغباً في الإسلام عادَ إلى المدينة المنورة وأسلم، وهذا الذي كان!

▪️أمرَ الله سُبحانه المسلم أن يفيَ بالعهد الذي يتعهَّدُ به فقال: "وأوفوا بالعهد إنَّ العهد كان مسؤولاً"! وعلَّمنا النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم أنَّ من آيات المُنافق أنه إذا وعدَ أخلف!

ورغم أن قُريشاً كانتْ على الشِّرك إلا أن النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم لم يخلفْ عهده معها، لذلك إنَّ العهد يجب أن يُراعى مع الكافر كما يُراعى مع المسلم!
▪️لذلك أوفِ بعهدك، وكُن على قدرِ كلمتك، فإن النبلاء تربطُهُم ألسنتهم لا العقود التي يُوقعونها فقط، وقد أخبرنا النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم أن الله تعالى يكره الغدر والغادرين فقال: "لكل غادرٍ لواء يوم القيامة، يُقال: هذه غدرة فلان"!
لواء أي علامة يشتهر بها في الناس، وكان من عادة العرب في الجاهلية أنها تَنصُبُ للغادر لواءً في الأسواق والمحافل للتشهير به!
➖➖➖➖➖➖

أم حذيفة 11-28-2020 01:50 AM

🟢على منهاج النُّبُوَّة

122
✍🏻أتحبه لأمك؟!

🌳 جاء شابٌ إلى النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم وقال له: يا رسول الله اِئذن لي بالزنا!
فزجرَه من كان جالساً معه، ولكن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم لم يَزِدْ على أن قالَ له: أُدْنُ مني!
فلمَّا دنا منه وجلسَ، قال له: أتحبُّه لأمك؟
فقال الشاب: لا والله، جعلني الله فداءك!
قال: ولا الناس يُحبُّونه لأمهاتهم، أفتحبُّه لابنتك؟
فقال: لا والله يا رسول الله، جعلني الله فداءك!
قال: ولا الناس يُحبُّونه لبناتِهم، أفتحبُّه لأُختك؟
فقال: لا والله، جعلني الله فداءكَ!
قال: ولا الناس يُحبُّونه لأخواتِهم، أفتُحبُّه لعمتك؟
فقال: لا والله، جعلني الله فداءكَ!
قال: ولا الناس يُحبُّونه لعماتهم، أفتحبُّه لخالتك؟
فقال: لا والله، جعلني الله فداءكَ!
فقال النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم: ولا الناس يُحبُّونه لخالاتِهم! ثم وضعَ يده الشريفة على صدرِ الشابِ وقال: اللهم اغفرْ ذنبَه، وطهِّرْ قلبَه، وحصِّنْ فرجَه.

فثبتَ الشابُ من يومها بدعاءِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم ولم يلتفتْ لشيء!

▪️الأسلوبُ أولاً وأخيراً هو الذي يفتحُ بإذن الله قلوب الناس إلى الحق، مطلبُ الشاب من النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم لو كان بينه وبينه لكان وقاحةً، فكيف وقد جاء يطلبُ الإذن بالزنا على الملأ! ولكن الرحمة المُهداة فهمَ أن الشاب قد استعرتْ فيه الشهوة وهي في مُقتبلِ العمر ليستْ كما هي في آخره، وهو مدفوعٌ بالغريزةِ وليس بالفجور، وهذا ما يجب أن نتفهمه في أهل المعاصي من المُسلمين! وبعد أن نتفهمَه تأتي المُحاججة بالمنطقِ، والهدوءِ، والقلبِ الليِّنِ، واللسانِ العذبِ، والإشفاقِ وإنَّ الله سُبحانه يفتحُ القلبَ باللسان اللين ولا يفتحه بالسيفِ القاطع!

▪️كلُّ ما تريدُ أن تقومَ به تجاه الآخرين قِسْهُ على نفسك، فإذا رضيتَه لكَ فاصنعه مع الناس، وإذا لم ترضَه لكَ فأمْسِكْ فعلكَ، وإنَّ من العدل أن يرضى الإنسان للناس ما يرضاه لنفسه، وأن يرفضَ لهم ما يرفضه لنفسه!
العلاقةُ التي لا ترضاها لأهلِ بيتِك فلا تقُمْ بمثلها مع أهل بيت آخر!
والكلمةُ التي لا ترضى أن تسمعَها من غيرك فلا ترضَ أن تُسمِعَها لغيرك!
وعِشْ حياتك كلها على مبدأٍ واحدٍ تسلم: أدِّ للناس ما تُحب أن يُؤدُّونه إليك!

➖➖➖➖➖➖


الساعة الآن 11:14 AM بتوقيت مسقط

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. Designed & TranZ By Almuhajir

a.d - i.s.s.w