ملتقى قطرات العلم النسائي

ملتقى قطرات العلم النسائي (http://www.katarat1.com/forum/index.php)
-   ملتقى القرآن وعلومه (http://www.katarat1.com/forum/forumdisplay.php?f=4)
-   -   ✨"قواعد قرآنية" (http://www.katarat1.com/forum/showthread.php?t=3057)

أم حذيفة 08-05-2020 02:36 AM

✨"قواعد قرآنية"
 
إن شاء الله تعالى نبدأ بحول الله و قوته في نقل هذا الموضوع ؛
نسأل الله التوفيق و السداد و النفع بهذه المقالات ؛

🍃❤️🍃

ما معنى "قواعد قرآنية"؟

بسم الله الرحمن الرحيم

💡«إنَّ مِن أَوجُه الإعجاز الذي تضمّنه كتاب الله -جلّ وعلا-: ما حواه من جُمَلٍ قليلة المباني، عظيمة المعاني، يقرأ فيها المسلم الجملة المكوّنة من كلمتين أو ثلاث كلمات أو أربع؛ ⇦فإذا به يجد تحتها كنوزًا من الهدايات العلمية، والإيمانية، والتربوية، والتي جاءت على صورة:

✨"قواعد قرآنية"✨

📌من أعظم مزايا هذه القواعد شمولها، وسعة معانيها؛
▪فليست هي خاصة بموضوع محدد كالتوحيد، أو العبادات مثلاً؛
▫بل هي شاملة لهذا ولغيره من الأحوال التي يتقلَّب فيها العباد؛

◁ فثمّة قواعد تعالج علاقة العبد بربّه،
◁ وقواعد تصحح مقام العبودية، وسير المؤمن إلى الله والدار الأخرة،
◁ وقواعد لترشيد السلوك بين الناس،
◁ وأخرى لتقويم وتصحيح مايقع من أخطاء في العلاقة الزوجية... إلى غير ذلك من المجالات،

▼ بل لا أبالغ إذا قلتُ -وقد تتبعتُ أكثر من مئة قاعدة في كتاب الله-: إن القواعد القرآنية لم تدَع مجالًا إلا طرَقَتْه !...


🔖..ليتنا نفعّل معاني القرآن من خلال تكرار القواعد القرآنية التي حفل بها كتابُ الله -تعالى-، فإن ذلك له فوائد كثيرة منها:

1-ربط الناس بكتاب ربهم في جميع شؤونهم وأحوالهم.

2-ليرسخ في قلوب الناس أن القرآن فيه علاج لجميع مشاكلهم مهما تنوعت، تارةً بالتنصيص عليها، وتارة بالإشارة إليها من خلال هذه القواعد...».
......................

"من كتاب: «قواعد قرآنية»- د.عمر المقبل".

ღ قوت القلوب ღ

أم حذيفة 08-06-2020 12:10 AM

📩 قواعد_قرآنية : القاعدة الأولى:

🔅 {وَقُولُوا للنَّاسِ حُسْنًا} [البقرة:83]

«الإنسان مدنيٌّ بطبعه، وكثرة تعاملاته اليومية تحتّم عليه الاحتكاك بطوائف من الناس، مُختلفي الأفهام والأخلاق، يَسْمَعُ الحسَن وغيره، ويرى ما يستثيره؛

💡فتأتي هذه القاعدة ⇦لتضبط علاقته اللفظية.

📌إننا نحتاج إلى هذه القاعدة بكثرة، خاصةً وأننا في حياتنا نتعامل مع أصناف مختلفة من البشر، فيهم المسلم وفيهم الكافر، وفيهم الصالح والطالح، وفيهم الصغير والكبير، بل ونحتاجها للتعامل مع أخصّ الناس بنا: الوالدَين، والزوج، والزوجة، والأولاد، بل ونحتاجها للتعامل بها مع مَن تحت أيدينا من الخدم ومن في حكمهم.

✅ من صور تطبيقات هذه القاعدة:

1- قول الله تعالى -عن الوالدين-: {وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا} [الإسراء:23] إنه أمرٌ بعدم النهر، وهو متضمن للأمر بضده: وهو الأمر بالقول الكريم، الذي لا تعنيف فيه.

2- وكذلك أيضًا فيما يخصّ مخاطبة السائل المحتاج: {وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ} [الضحى:10] بل بعض العلماء يرى عمومها في كلِّ سائل؛ سواء كان سائلًا للمال أو للعلم...

3- ومن التطبيقات العملية لهذه القاعدة القرآنية، ما أثنى الله به على عباد الرحمٰن، بقوله: {وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا} [الفرقان:63].

💬 يقول ابن جرير -رحمه الله- في بيان معنى هذه الآية: «وإذا خاطبهم الجاهلون بالله بما يكرهونه من القول، أجابوهم بالمعروف من القول، والسداد من الخطاب»
«إنّ مما يُؤسَف عليه أن يرى الإنسان كثرة الخَرق لهذه القاعدة في واقع أمّة القرآن! وذلك في أحوال كثيرة منها:

1- أنك ترى من يبشّرون بالنصرانية يحرصون على تطبيق هذه القاعدة؛ من أجل كسب الناس إلى دينهم المنسوخ بالإسلام، أفليس أهلُ الإسلام أحق بتطبيق هذه القاعدة، من أجل كسب الخَلق إلى هذا الدين العظيم الذي ارتضاه الله لعباده؟!

2- في التعامل مع الوالدين.

3- في التعامل مع أحد طرفي الحياة الزوجية.

4- مع الأولاد.

5- مع العمالة والخدم.

⚠️وقد نبهت آية الإسراء إلى خطورة ترك تطبيق هذه القاعدة، فقال سبحانه:

{وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۚ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ ۚ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنسَانِ عَدُوًّا مُّبِينًا} [الإسراء:53]،

وعلى من ابتُلي بسماع ما يكره:

⇦أن يحاول أن يحتمل أذى من سمع منه،

⇦وأن يقول خيرًا،

⇦وأن يقابل السَّفَه بالحلم، والقولَ البذيء بالحسن...».

"من كتاب "قواعد قرآنية" - د.عمر المقبل"

ღ قوت القلوب ღ

أم حذيفة 08-07-2020 12:30 AM

📩 قواعد قرآنية :
القاعدة الثانية:

🔅 *{وَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ۖ وَعَسَىٰ أَن تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمون}
* [البقرة:216].

📌هذه قاعدة عظيمة لها أثرٌ بالغ في حياة الذين وعوها، واهتدوا بهداها، ولها صلة بأحد أصول الإيمان العظيمة: ألا وهو (الإيمان بالقضاء والقدر).

💡ومعنى القاعدة باختصار:
أن الإنسان قد يقع له شيء من الأقدار المؤلمة، التي تكرهها نفسه، فربما جزع، أو أصابه الحزن، وظن أن ذلك المقدور هو الضربة القاضية على آماله وحياته، فإذا بذلك المقدور يصبح خيرًا على الإنسان من حيث لا يدري.

⚠️والعكس صحيح: كم من إنسان سعى في شيءٍ ظاهره خيرٌ، واستمات في سبيل الحصول عليه، وبذل الغالي والنفيس من أجل الوصول إليه، فإذا بالأمر يأتي على عكس ما يريد،

⇦فنحن أمام قاعدة تناولت أحوالًا شتى: دينية ودنيوية، وبدنية ونفسية، وهي أحوالٌ لا يكاد ينفك عنها أحد في هذه الحياة التي:

جُبِلَت على كدرٍ وأنت تريدها
صفوًا من الأقذاء والأقذار

🔅وقول الله أبلغ:
{لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ}
[البلد:4].

إذا تبين هذا فاعلم أن إعمال هذه القاعدة القرآنية في الحياة من أعظم ما يملأ القلب طمأنينة وراحةً، ومن أهم أسباب دفع القلق الذي عصف بحياة كثير من الناس؛ بسبب موقف من المواقف، أو بسبب قدر من الأقدار المؤلمة جرى عليه في يوم من الأيام!

ولو قلبنا قصص القرآن، وصفحات التاريخ، أو نظرنا في الواقع؛ لوجدنا من ذلك عبرًا وشواهدَ كثيرة، لعلنا نُذَكِّر ببعض منها، عسى أن يكون في ذلك سلوةً لكل محزون، وعبرةً لكل مهموم:

🔻قصة إلقاء أم موسى لولدها في البحر!
فأنت إذا تأملتَ وجدتَ أنه لا أَكْرَه لأمِّ موسى من وقوع ابنها بيد آل فرعون، ومع ذلك ظهرت عواقبه الحميدة، وآثاره الطيبة في مستقبل الأيام، وهذا ما تعبر عنه خاتمة هذه القاعدة: {وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} .

🔻وتأمل في قصة يوسف عليه الصلاة والسلام تجد أن هذه الآية منطبقة تمام الانطباق على ما جرى له ولأبيه يعقوب عليهما الصلاة والسلام.

🔻 وتأمل في قصة الغلام الذي قتله الخضر بأمر الله تعالى؛ فإنه علل قتله بقوله: *{وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا * فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا}
* [الكهف:80-81].

وفي السُنة النبوية أمثلة كثيرة، منها: لما مات زوجُ أمِّ سلمة: أبو سلمة -رضي الله عنه- تقول أم سلمة -رضي الله عنها-: سمعت رسول الله ﷺ يقول: «ما من مسلم تصيبه مصيبة فيقول ما أمره الله: إنا لله وإنا إليه راجعون اللهم أجرني في مصيبتي وأخلف لي خيرًا منها، إلا أخلف الله له خيرًا منها».
قالت: فلما مات أبو سلمة، قلت: أي المسلمين خير من أبي سلمة؟ أول بيت هاجر إلى رسول الله ﷺ؟ ثم إني قلتها، فأخلف الله لي رسول الله ﷺ!

وفي الواقع قصص كثيرة جدًّا، أذكر منها: أن رجلًا قدم إلى المطار، وكان مجهدًا بعض الشيء، فأخذته نومةٌ ترتب عليها أن أقلعت الطائرة، وفيها ركاب كثيرون يزيدون على ثلاثمائة راكب، فلما أفاق، وإذا بالطائرة قد أقلعت قبل قليل، وفاتته الرحلة، فضاق صدره، وندم ندمًا شديدًا، ولم تمض دقائق على هذه الحال التي هو عليها حتى أُعلن عن سقوط تلك الطائرة، واحتراق من فيها بالكامل!

والخلاصة:

على المرء أن يسعى إلى الخير جهدهُ.. وليس عليه أن تتم المقاصدُ
وأن يتوكل على الله، ويبذل ما يستطيع من الأسباب المشروعة، فإذا وقع شيءٌ على خلاف ما يحب، فليتذكر هذه القاعدة القرآنية العظيمة.

🍃وليتذكر أن من لطف الله بعباده أنه يُقدِّر عليهم أنواع المصائب، وضروب المحن والابتلاء بالأمر والنهي الشاق رحمةً بهم ولطفًا، وسوقًا إلى كمالهم، وكمال نعيمهم.

🍃ومن ألطاف الله العظيمة: أنه لم يجعل حياة الناس وسعادتهم مرتبطة ارتباطًا تامًا إلا به سبحانه وتعالى، وبقية الأشياء يمكن تعويضها، أو تعويض بعضها.

"من كتاب "قواعد قرآنية" - د.عمر المقبل (باختصار)".

ღ قوت القلوب ღ

أم حذيفة 08-07-2020 11:17 PM

واعد قرآنية : القاعدة الثالثة:

{وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ}
[البقرة:237].

💡تعتبر هذه الآية قاعدة من القواعد السلوكية التي تدلُّ على عظمة هذا الدين وشموله وعظمة مبادئه،

📌ومع أن النسيان أمرٌ جِبِلّي، ليس بوسع الإنسان دفعه؛ إلا أن الآية الكريمة جاءت بالتأكيد على عدم النسيان، والمراد به هنا: الإهمال وقلة الاعتناء.

📍إذا تعارف الناس الفضل بينهم؛
⇦سهُلَ على المُذنِب الاعتراف بالذنب،
⇦وسهلَ على من له الحقّ أن يعفو،
≠بخلاف ما إذا أصبحوا لا يتنازلون عن حقوق ذواتهم.

✨وللهِ ما أعظم هذه القاعدة لو تم تطبيقها بين الأزواج! وبين كل من تجمعنا بهم رابطة أو علاقة من العلاقات!

🎯 من صور تطبيقات هذه القاعدة*:

• في حياتنا مجموعة من العلاقات -سوى علاقة الزواج-؛ إمّا علاقة قرابة، أو مصاهرة، أو علاقة عمل، فما أحرانا أن نطبق هذه القاعدة في حياتنا؛ ليبقى الود، ولتحفظ الحقوق، وتتصافى القلوب؛ وإلا فإن مجانبة تطبيق هذه القاعدة الأخلاقية العظيمة، يعني مزيدًا من التفكك، ووأدًا لبعض الأخلاق الشريفة.

• ومن العلاقات التي لا يكاد ينفك عنها أحدنا: علاقة العمل -سواء كان حكوميًّا أو خاصًّا، أو تجاريًّا-، فقد تجمعنا بأحد من الناس علاقة عمل، وقد تقتضي الظروف أن يحصل الاستغناء عن أحد الموظفين، أو انتقال أحد الأطراف إلى مكان عمل آخر برغبته واختياره، وهذا موضع من مواضع هذه القاعدة؛

⇦فلا ينبغي أن يُنسى الفضل بين الطرفين، فكم هو جميل أن يبادر أحد الطرفين إلى إشعار الطرف الآخر: أنه وإن تفرقنا -بعد مدة من التعاون- فإن ظرف الانتقال لا يمكن أن ينسينا ما كان بيننا من وُدٍ واحترام، وتعاونٍ على مصالح مشتركة؛ ولذا فإنك تُكْبر أولئك الأفراد، وتلك المؤسسات التي تُعبِّر عن هذه القاعدة عمليًا بحفل تكريمي أو توديعي لذلك الطرف؛ فإن هذا من الذكريات الجميلة التي لا ينساها المحتَفَى به،

📍وإذا أردتَ أن تعرف موقع وأثر مثل هذه المواقف الجميلة؛ فانظر إلى الأثر النفسي السلبي الذي يتركه عدم المبالاة بمن بذلوا وخدموا في مؤسساتهم الحكومية أو الخاصة لعدة سنوات، فلا يصلهم ولا خطاب شكر!

📌ومن ميادين تطبيق هذه القاعدة: الوفاء للمعلمين، وحفظ أثرهم الحسن في نفس المتعلم.

📌وفي واقعنا مواضع كثيرة لتفعيل هذه القاعدة القرآنية الكريمة:

◁ف للجيران الذين افترقوا منها نصيب،
◁ولجماعة المسجد منها حظّ،
◁بل حتى العامل والخادم الذي أحسن الخدمة،

💡ولهذه القاعدة حضورها القوي في المعاملة، حتى قال بعض أهل العلم: «من بركة الرزق: أن لا ينسى العبد الفضل في المعاملة، كما قال تعالى: ﴿وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ﴾ بالتيسير على الموسرين، وإنظار المعسرين، والمحاباة عند البيع والشراء، بما تيسر من قليل أو كثير، فبذلك ينال العبد خيرًا كثيرًا».

نسأل الله أن يهدينا لأحسن الأخلاق والأعمال؛ لا يهدي لأحسنها إلا هو، وأن يعيذنا من سيئها؛ لا يعيذ منها إلا هو سبحانه.

"من كتاب "قواعد قرآنية" - د.عمر المقبل (باختصار)".

ღ قوت القلوب ღ

أم حذيفة 08-12-2020 12:32 AM

📩 قواعد قرآنية : القاعدة الرابعة:

🔅 {بَلِ الْإِنسَانُ عَلَىٰ نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ وَلَوْ أَلْقَىٰ مَعَاذِيرَهُ}* [القيامة:14-15]


📌هذه قاعدة من قواعد التعامل مع النفس، ووسيلة من وسائل علاجها من أدوائها، وهي في الوقت نفسه سلّمٌ لتترقى في مراقي التزكية، فإن الله تعالى قد أقسم أحد عشر قسمًا في سورة الشمس على هذا المعنى العظيم، ثم قال: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا} [الشمس:9].

💡ومعنى القاعدة باختصار: أن الإنسان وإن حاولَ أن يجادل عن أفعاله أو أقواله التي يعلم من نفسه بطلانها أو خطأها، واعتذرَ عن نفسه باعتذارات،
⇦فهو يعرف تمامًا ما قاله وفعله، ولو حاول أن يستر نفسه أمام الناس، أو يلقي الاعتذارات، فلا أحدَ أبصَر ولا أعرف بما في نفسه من نفسه.

💡وتأمَّل كيف جاء التعبير بقوله: {بصيرة} دون غيرها من الألفاظ؛ لأن البصيرة متضمّنة معنى الوضوح والحجة، كما يقال للإنسان: أنتَ حجّة على نفسك!

🎯 من صور تطبيقات هذه القاعدة:

- في طريقة تعامل بعض الناس مع النصوص الشرعية؛ فلربما بلغ البعضَ نصٌ واضح محكمٌ، لم يختلف العلماء في دلالته على إيجاب أو تحريم، أو تكون نفسه اطمأنت إلى حكمٍ ما، ومع هذا تجد البعض يقع في نفسه حرجٌ! ويحاول أن يجد مدفعًا لهذا النص أو ذاك؛ لأنه لم يوافق هواه!

⚠️ولا ينفع الإنسان أن يحاول دفع النصوص بالصدر؛ فالإنسان على نفسه بصيرة، وشأن المؤمن أن يكون كما قال ربنا -تعالى-: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [النساء:65].

- ومن مجالات تفعيل هذه القاعدة: أنّ من الناس من شُغف -عياذًا بالله- بتتبع أخطاء الناس وعيوبهم، مع غفلةٍ عن عيوب نفسه، وهذا -بلا ريب- من علامات الخذلان،

💬 كما قال بكر بن عبد الله المزني: إذا رأيتم الرجل موكلًا بعيوب الناس، ناسيًا لعيبه؛ فاعلموا أنه قد مُكِرَ بِهِ.

- ومن مواضع تطبيق هذه القاعدة: أن ترى بعض الناس يجادل عن نفسه في بعض المواضع -التي تَبيَّن فيها خطؤه- بما يعلم في قرارة نفسه أنه غير مصيب،

💬 كما يقول ابن تيمية -رحمه الله- في تعليقه على هذه الآية: {بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ}*: "فإنه يعتذر عن نفسه بأعذار ويجادل عنها، وهو يبصرها بخلاف ذلك".

((⇦يُتبَع -إن شاء الله-...))

"من كتاب "قواعد قرآنية" - د.عمر المقبل (باختصار)".

ღ قوت القلوب ღ

أم حذيفة 08-16-2020 10:57 PM

📩 ⇦تابع- القاعدة الرابعة:

🌷ومن مواطن استفادة المؤمن من هذه القاعدة:

🍀 أنّ الإنسان ما دام يعلم أنه أعلم بنفسه من غيره؛ وَجَبَ عليه أن يتفطّن أنّ الناس قد يمدحونه في يومٍ من الأيام، بل قد يُفرطون في ذلك، وفي المقابل قد يسمع يومًا من الأيام من يضع من قدره، أو يخفض من شأنه بنوع من الظلم والبغي،

⇦فمن عرف نفسه لم يغتر بمدحه بما ليس فيه، ولم يتضرّر بذمّه بما ليس فيه، بل يستفيد من ذلك بتصحيح ما فيه من أخطاء، ويسعى لتكميل نفسه بأنواع الكمالات البشرية قدر المستطاع.

🍀 ومن أشرف مجالات تطبيق هذه القاعدة أن من أكبر ثمرات البصيرة بالنفس: أن يُوفَّق الإنسان إلى الاعتراف بالذنب والخطأ، وهذا مقام الأنبياء والصديقين والصالحين:

🔅فتأمل في قول أبوينا -حين أكلا من الشجرة-: {قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [الأعراف:23].

🔅وقولِ نوح عليه السلام -عندما نهاه الله أن يسأله ما ليس له به علم-: {قَالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [هود:47].

🔅وقولِ موسى عليه السلام -ندمًا على قتله القبطي-: {قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [القصص:16]،

أسأل الله تعالى أن يبصرنا بعيوبنا، وأن يقينا شرها.


"من كتاب "قواعد قرآنية" - د.عمر المقبل (باختصار)".

ღ قوت القلوب ღ

أم حذيفة 08-25-2020 11:14 PM

📩 قواعد قرآنية :

القاعدة الخامسة:

🔅 {وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَىٰ} [طه:61].

📌والافتراء يُطلق على معانٍ منها: الكذب، والشرك، والظلم،

وقد جاء القرآن بهذه المعاني الثلاث، وكلها تدور على الفساد والإفساد.

💬قال ابن القيم -رحمه الله- مؤكدًا اطراد هذه القاعدة:

«وقد ضمن -سبحانه- أنه لا بد أن يُخيِّب أهل الافتراء ولا يهديهم، وأنه يُسحتهم بعذابه، أي يستأصلهم».

((⇦يُتبَع -إن شاء الله...))

"من كتاب "قواعد قرآنية" - د.عمر المقبل (باختصار)".

ღ قوت القلوب ღ

أم حذيفة 08-25-2020 11:15 PM

📩 ⇦تابع القاعدة الخامسة:

🎯 ومن صور تطبيقات هذه القاعدة:

إذا تأملتَ هذه القاعدة وجدتَ في الواقع -وللأسف- مَن له منها نصيب وافر، ومن ذلك:

◆ الكذب والافتراء على الله، بالقول عليه بغير علم بأيّ صورة من الصور،

🔅وقد دلّ القرآن على أنّ القول على الله بغير علم أعظم المحرمات على الإطلاق! قال تعالى: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ} [الأعراف:33]،

⇦ويدخل فيها الذين يفتون بغير علم، فهم من جملة المفترين على الله -سبحانه وتعالى-،

🔅كما قال ﷻ: {وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ} [النحل:116].

⚠️وكلُّ من تكلم في الشرع بغير علم فهو من المفترين على الله؛ سواء في باب الأسماء والصفات، أو في أبواب الحلال والحرام، أو في غيرها من أبواب الدين.

◆ ومن صور تطبيقات هذه القاعدة؛ ما يفعله بعض الوضاعين للحديث -في قديم الزمان وحديثه- الذين يكذبون على النبي ﷺ ويفترون عليه: إما لغرض -هو بزعمهم- حسنٌ كالترغيب والترهيب،
أو لأغراض سياسية، أو مذهبية، أو تجارية، كما وقع ذلك وللأسف منذ أزمنة متطاولة!

⚠️ولو استشعر كل من يضع الحديث على النبي ﷺ أنه من جملة المفترين -وأنه لن يفلح سعيه، بل هو خائب، كما قال ربنا: {وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَى} لارْعَوَى -أي: كفَّ وارتدع- كثيرٌ من هؤلاء عن غيّهم، ولا ينفعه ما يظنه قصدًا حسنًا -كما زعم بعض الوضّاعين- فإن مقام الشريعة عظيم، وجنابها مُصان ومحترم، وقد أكمل الله الدين، فلا يحتاج إلى حديث موضوع ومختلَق، وليست شريعةٌ تلك التي تبنى على الكذب، وعلى منْ؟! على رسولها ﷺ!

▪️ومن المؤسف أن يُرى لسوق الأحاديث الضعيفة والمكذوبة رواجٌ في هذا العصر بواسطة الإنترنت، أو رسائل الجوال؛ فليتقِّ العبد ربه، ولا ينشرن شيئًا يُنسَب إلى النبي ﷺ حتى يتثبت من صحته عنه.

◆ ومن صور تطبيقات هذه القاعدة القرآنية الكريمة المشاهدة في الواقع؛
ما يقع من بعضهم -وللأسف الشديد- مِن ظلم وبغي على إخوانهم المسلمين،

🔺وهذا له أسبابه الكثيرة، لعلَّ من أبرزها: الحسد -عياذًا بالله منه-، والطمع في شيء من لعاعة الدنيا، أو لغير ذلك من الأسباب، ويَعْظُمُ الخطب حينما يُلبِسُ بعضُ الناس صنيعه لبوسَ الدين؛ ليبرر بذلك فعلته في الوشاية بفلان، والتحذير من فلان بغيًا وعدوانًا.

ولقد وقفتُ على كثير من القصص في هذا الباب، منها القديم ومنها المعاصر اعترفَ أصحابها بها، وهي قصص تُدمي القلب، وتفتّت الكبد؛ بسبب ما ذاقوه من عاقبة افترائهم وظلمهم لغيرهم.

"من كتاب "قواعد قرآنية" - د.عمر المقبل (باختصار)".

ღ قوت القلوب ღ

أم حذيفة 09-30-2020 06:46 AM

📩 قواعد قرآنية :

القاعدة السادسة:

🔅 {وَالصُّلْحُ خَيْرٌ} [النساء:128].

📌هذه قاعدة من قواعد بناء المجتمع، وإصلاحه، وتدارُك أي سبب لتفككه، وقد وردت هذه القاعدة في سياق الحديث عما قد يقع بين الأزواج من أحوال قد تؤدي إلى الاختلاف والتفرُّق، وأنّ الصلح بينهما على أي شيء يرضيانه خير من تفرقهما،

⇦ويمكننا القول: إن جميع الآيات التي ورد فيها ذكر الإصلاح بين الناس هي من التفسير العملي لهذه القاعدة القرآنية المتينة.

📍ويؤخذ من عموم هذا اللفظ والمعنى: أن الصلح بين مَن بينهما حقٌ أو منازعة -في جميع الأشياء- أنه خيرٌ من استقصاء كل منهما على كلِّ حقّه؛ لما فيه من الإصلاح وبقاء الألفة والاتصاف بصفة السماح.

⇦وهو -أي الصلح- جائزٌ في جميع الأشياء إلا إذا أحل حرامًا أو حرم حلالًا، فإنه لا يكون صلحًا، وإنما يكون جورًا.

💡واعلم أنَّ كلَّ حُكم من الأحكام لا يتّم ولا يكمل إلا بوجود مقتضيه وانتفاء موانعه، فمن ذلك هذا الحكم الكبير الذي هو الصلح، فذكر -تعالى- المُقتضي لذلك ونبه على أنه خير، والخيرُ كلُّ عاقلٍ يطلبه ويرغب فيه، فإن كان -مع ذلك- قد أمر الله به وحث عليه ازداد المؤمن طلبًا له ورغبةً فيه.

⚠️وذكر المانع بقوله: {وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ}
[النساء:128]
أي: جُبلت النفوس على الشح: وهو عدم الرغبة في بَذْلِ ما على الإنسان، والحرص على الحق الذي له؛ فالنفوس مجبولة على ذلك طبعًا،

⇦أي: فينبغي لكم أن تحرصوا على قلع هذا الخُلق الدنيء من نفوسكم، وتستبدلوا به ضدَّه وهو السماحة: بذلُ الحقّ الذي عليك، والاقتناع ببعض الحقّ الذي لك.

💡فمتى وُفِّق الإنسان لهذا الخلق الحسن، سهل حينئذ عليه الصلح بينه وبين خصمه ومُعامله، وتسهلت الطريق للوصول إلى المطلوب،

⚠️بخلاف من لم يجتهد في إزالة الشح من نفسه؛ فإنه يعسر عليه الصلح والموافقة؛ لأنه لا يرضيه إلا جميع ما لَهُ، ولا يرضى أن يؤدي ما عليه، فإن كان خصمه مثله اشتدَّ الأمر!

💡ومن تأمَّل القرآن، وجد سعة هذه القاعدة من جهة التطبيق، فبالإضافة إلى ما سبق ذِكره -من الإصلاح بين الأزواج- فإننا نجد في القرآن حثًا على الإصلاح بين الفئتين المقتتلتين، ونجده يُثني ثناء ظاهرًا على الساعِين في الإصلاح بين الناس.

📍ولأهمية هذا الموضوع -أعني الإصلاح-: أجازت الشريعة أخذ الزكاة لمن غَرِمَ بسبب الإصلاح بين الناس.

🎯 إذا تقرر هذا المعنى المتين والشامل لهذه الآية الكريمة: {وَالصُّلْحُ خَيْرٌ} ؛ فمن المهم -لنستفيد من هذه القاعدة القرآنية- أن نسعى لتوسيع مفهومها في حياتنا العملية،

🔅وأصدق شاهد على ذلك سيرة نبينا -ﷺ-، الذي طبق هذه القاعدة في حياته، وهل كانت حياته إلا صلاحًا وإصلاحًا؟!

▽خرج مرة -ﷺ- إلى أهل قباء، لما أُخْبِرَ أنهم اقتتلوا حتى تراموا بالحجارة، فقال: "اذهبوا بنا نصلح بينهم" [أخرجه البخاري].

🔅وعلى هذه الجادة النبوية سار تلاميذه النجباء، من أصحابه الكرام وغيرهم ممن سار على نهجهم، ومن ذلك:

▽خروج ابن عباس -رضي الله عنهما- لمناظرة الخوارج -الذين خرجوا على أمير المؤمنين عليّ -رضي الله عنه- فرجع منهم عدد كبير.

📌ومن قلّب كتب السِّيَر؛ وجد نماذج مشرقة لجهود فردية في الإصلاح بين الناس على مستويات شتى، ولعل مما يبشر بخيرٍ: ما نراه من لجان إصلاح ذات البين، والتي هي في الحقيقة ترجمة عملية لهذه القاعدة القرآنية العظيمة: {وَالصُّلْحُ خَيْرٌ}

🍃فهنيئًا لمن جعله الله من خيار الناس، الساعين في الإصلاح بينهم، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، والله ذو الفضل العظيم.

"من كتاب "قواعد قرآنية" - د.عمر المقبل (باختصار)".

ღ قوت القلوب ღ

أم حذيفة 10-01-2020 01:10 AM

📩 قواعد قرآنية

القاعدة السابعة

🔅 * {مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِن سَبِيلٍ}*
[التوبة:91]

📌هذه قاعدة من قواعد التعامل الإنساني، والتي جاءت في سياق الحديث عن موقفٍ سجَّله القرآن لبيان أصناف المعتذرين عن غزوة تبوك، ومن هم الذين يُعذَرون والذين لا يُعذَرون.

🔅يقول -سبحانه وتعالى-: {لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلَا عَلَى الْمَرْضَى وَلَا عَلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [التوبة:91].

💡ومعنى القاعدة باختصار: ليس على أهل الأعذار الصحيحة -من ضعف أبدان، أو مرض، أو عدم نفقةٍ- إثمٌ، بشرط لا بّد منه، وهو: {إِذَا نَصَحُوا} أي: بِنِيَّاتهم وأقوالهم، سرًا وجهرًا، بحيث لم يُرجِفوا بالناس، ولم يثبطوهم، وهم مُحسنون في حالهم هذا، ثم أكّد الرجاء بقوله: {وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ}.

📍وبما أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب -كما هو مقرر في علم أصول التفسير-؛ فهذا يعني توسيع دلالة هذه القاعدة القرآنية التي دل عليها قوله سبحانه: *{مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ}

⇦وهذا يدلُّ على أن الأصل هو سلامة المسلم من أن يُلزَم بأي تكليف سوى تكليف الشرع كما أن الآية تدل بعمومها أن الأصل براءة الذمة من إلزام الإنسان بأي شيء فيما بينه وبين الناس حتى يثبت ذلك بأي وسيلة من وسائل الإثبات المعتبرة شرعًا.

💡أيها المتأمِّل كلام ربه:
لقد كانت هذه الآية -وما زالت- دليلًا يفزع إليه العلماء في الاستدلال بها في أبواب كثيرة في الفقه، خلاصته يعود إلى أنه:
■ مَن أحسن على غيره، في نفسه أو في ماله، ونحو ذلك، ثم ترتَّب على إحسانه نقصٌ أو تلَف، أنه غير ضامن؛ لأنه مُحسن، ولا سبيلَ على المحسنين،
■ كما أنه يدلُّ على أن غير المحسن -وهو المسيء- كالمفرِّط، أن عليه الضمان .

🎯 وإذا تجاوزنا الجانب الفقهي الذي أشرتُ إليه بإجمال، فلنتلفت قليلًا إلى ميدان من الميادين التي نحتاج فيها إلى هذه القاعدة، ذلك أن حياتنا تحفلُ بمواقف كثيرة يُفْتَحُ فيها باب الإحسان، وتتاح لآخَرين أن يحسنوا إلى غيرهم فيبادروا بتقديم خدمة ما،

⚠️فمن المؤسف أن يتجانف البعض هذه القاعدة القرآنية، فيُلحقوا غيرهم اللوم والعتاب الشديد، مع أنهم مُحسنون متبرّعون، فيساهمون بذلك في إغلاق باب الإحسان، أو تضييق دائرته بين العباد.

📍ومن المهم أيضًا -ونحن نتحدث عن هذه القاعدة القرآنية- أن لا نخلط بين ما تقدَّم وبين التزام الإنسان بشيءٍ ما، ثم يتخلى عنه بحجة أنه محسن! فإن هذا من الفهم المغلوط لهذه القاعدة،

💡ذلك أن الإنسان قبل أن يلتزم بوعد لطرف آخر؛ فهو في دائرة الفضل والإحسان،
⚠️لكن إن التزم بتنفيذ شيءٍ، والقيام به، فقد انتقل إلى دائرة الوجوب الذي يستحق صاحبه الحساب والعتاب،

⇦ولعل مما يُقرِّب تصور هذا المعنى: النذر؛ فإن النذر: إلزام المكلف نفسه بشيءٍ لم يكن واجبًا عليه بأصل الشرع، كمن ينذر أن يتصدق بألف ريال، فهذا قبل نذره لا يلزمه أن يتصدق ولو بريال واحد، لكنه لما نذر فقد التزم؛ فوجب عليه الوفاء.

◁◁وهكذا ما نحن بصدده، وإنما نبهت على هذا لأن من الناس من أساء فهم هذه القاعدة، وطردها في غير موضعها، فصار ذلك سببًا في وجود النفرة بين بعض الناس؛ لأن أحد الطرفين اعتقد التزام الطرف الآخر، فاعتمد عليه -بعد الله- ثم تخلّى ذلك الطرف عما التزم؛ بحجة أنه محسن! فوقع خلاف المقصود من باب الإحسان!

"من كتاب "قواعد قرآنية" - د.عمر المقبل (باختصار)".

ღ قوت القلوب ღ

أم حذيفة 10-02-2020 12:25 AM

قواعد قرآنية :

القاعدة الثامنة:

🔅 * {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى}* [الزمر:7].

هذه قاعدة قرآنية عظيمة، تؤسس لمبدأ من أشرف المبادئ، وهو مبدأ العدل، وهي قاعدة طالما استشهد بها العلماء والحكماء؛ لعظيم أثرها في باب العدل والإنصاف،

💡ومعنى هذه القاعدة باختصار: أن المكلّفين إنما يجازَون بأعمالهم إن خيرًا فخير، وإن شرًا فشر، وأنه لا يحمل أحدٌ خطيئة أحد، ما لم يكن سببًا فيها، وهذا من كمال عدل الله -تبارك وتعالى- وحكمته.

🔅وهذا المعنى الذي قررتْه القاعدة لا يُعارِض ما دلّ عليه قوله تعالى: {وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالًا مَعَ أَثْقَالِهِمْ} [العنكبوت:13]،
🔅وقولُه: {وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ} [النحل:25]؛

⇦لأنّ هذه النصوص تدلُّ على أن الإنسان يتحمل إثم ما ارتكب من ذنوب، وإثم الذين أضلَّهُم بقوله وفعله، كما أنّ الدُّعاة إلى الهدى يُثيبهم الله على عملهم وعمل من اهتدى بهديهم، واستفاد من علمهم.

🎯 وإليك هذه الصورة التي قد تتكرر كثيرًا في واقع بيوتنا:

يعود الرجل من عمله متعبًا، فيدخل البيت فيجد ما لا يعجبه من بعض أطفاله -إما من إتلاف تحفة، أو تحطيم زجاجة- أو يرى ما لا يعجبه من قِبَلِ زوجته -كتأخرها في إعداد الطعام، أو غير ذلك من الأمور التي قد تستثير بعض الناس-

⚠️ فإذا افترضنا أن هذه المواقف مما تستثير الغضب، أو أن هناك خطأ يستحقّ التنبيه، أو التوبيخ، فما ذنب بقية الأولاد الذين لم يشاركوا في كسر تلك التحفة -مثلًا-؟! وما ذنب الزوجة -مثلًا- حينما يكون المخطئ هم الأولاد؟!

◁◁ومثله يقال في علاقة المعلم والمعلمة مع طلابهم، أو المسؤول في عمله، بحيث لا ينقلوا مشاكلهم إلى أماكن عملهم، فيكون مَن تحت أيديهم من الطلاب والطالبات أو الموظفين ضحية لمشاكل ليس لهم علاقة بها!!

💡هنا يستحضر المؤمن أمورًا، من أهمها: أن يتذكر هذه القاعدة القرآنية العظيمة: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} ؛ فإن هذا خيرٌ وأحسن تأويلًا، وأقرب إلى العدل و القسط

⚠️ وثمّة فهمٌ خاطئ لهذه القاعدة القرآنية:

وهو أنّ البعض يظن أن هذه القاعدة مخالفة لما يراه من بعض العقوبات الإلهية التي تعمّ مجتمعًا من المجتمعات، أو بلدًا من البلدان، حينما تفشو المنكرات والفواحش والمعاصي،

وسبب خطأ هذا الفهم، أن المنكر إذا استعلن به الناس، ولم يوجد من ينكره، فإن هذا ذنب عظيمٌ اشترك فيه كلُّ من كان قادرًا على الإنكار ولم ينكر، سواء كان الإنكار باليد أو باللسان أو بالقلب وذلك أضعف الإيمان، ولا عُذر لأحد بترك إنكار القلب،

⇦فإذا خلا المجتمع من هذه الأصناف الثلاثة -عياذًا بالله- مع قدرة أهلها عليها استحقوا العقوبة، وإن وجد فيهم بعض الصالحين.

🔅تأمل معي قول الله: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [الأنفال:25].

🔅ويوضّح معنى هذه الآية الكريمة ما رواه الإمام أحمد: بسند حسن -كما يقول الحافظ ابن حجر- من حديث عدي بن عميرة سمعت رسول الله -ﷺ- يقول: "إن الله -ﷻ- لا يعذّب العامة بعمل الخاصة، حتى يروا المنكر بين ظهرانيهم -وهم قادرون على أن ينكروه- فإذا فعلوا ذلك عذَّب الله الخاصة والعامة".

🔅وفي صحيح مسلم عن زينب بنت جحش -رضي الله عنها- أنها سألت رسول الله ﷺ فقالت له: يا رسول الله! أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: "نعم إذا كثر الخبث".

والأحاديث في هذا المعنى كثيرة، يضيق المقام بذكرها، والمقصود إزالة هذا الإشكال الذي قد يعرض للبعض في فهم هذه القاعدة القرآنية، والله أعلم.

"من كتاب "قواعد قرآنية" - د.عمر المقبل (باختصار)".

ღ قوت القلوب ღ

أم حذيفة 10-03-2020 12:35 AM

واعد قرآنية :

القاعدة التاسعة:

🔅 {وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنثَىٰ}
[آل عمران:36]

📌هذه قاعدة من القواعد القرآنية العظيمة، التي هي أثر من آثار كمال علم الله وحكمته وقدرته في خلقه -ﷻ-.

🔅ولقد بيَّن القرآن هذا التفاوت بين الجنسين في مواضع كثيرة، منها: قوله -تعالى-: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ}:
⇦وهم الرجال، {عَلَى بَعْضٍ}:
⇦وهنّ النساء،

🔅ومنها: قوله -تعالى-: {وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ} [البقرة:228]،

💡وذلك لأنّ الذكورة كمال خلقي، وقوة طبيعية، والأنوثة نقص خَلْقي، وضعف طبيعي، كما هو محسوسٌ مشاهَد لجميع العقلاء، لا يكاد ينكره إلا مُكابر في المحسوس.

⇦وهذا راجع إلى مراعاة طبيعة المرأة من حيث خلقتها، وتركيبها العقلي، والنفسي، وغير ذلك من صور الاختلاف التي لا ينكرها العقلاء والمُنصِفون، وشأنُ المؤمن الحقّ أن لا يُعارض الشرع بعقله القاصر، بل شأنه أن يتلمس الحِكَم من وراء ذلك التفريق، أو هذا الجمع.

⚠️ إذا تبين هذا؛ فعلى المؤمن أن يحذر من كلمةٍ راجَتْ على كثيرٍ من الكتّاب والمثقّفين، وهي كلمة «المساواة» في مقام الحديث عن موضوع المرأة،

🔅والصوابُ أن يُعبَّر عن ذلك بالعدل؛ لأن الله -تعالى- يقول:
{إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ} [النحل:90]،
ولم يقل: يأمر بالمساواة!

💡إن دلالة العدل تقتضي أن يتولى الرجل ما يناسبه من أعمال، وأن تتولى المرأة ما يناسبها من أعمال، بينما كلمة مساواة تعني أن يعمل كلٌّ من الجنسين في أعمال الآخر!

📍وهذا كلّه عين المضادة للفطرة التي فطر الله عليها كلًا من الرجل والمرأة، ولهذا لما أصرَّت بعضُ المجتمعاتِ الغربية على هذه المصادمة للفطرة، وبدأت تساوي المرأة بالرجل في كل شيء ذاقت ويلاتها ونتائجها المرّة، حتى صرخ العقلاء منهم -رجالًا ونساء- وكتبوا الكتب والرسائل التي تحذّر مجتمعاتهم من الاستمرار وراء هذه المصادمة،

💬ومن ذلك ما قالته هيلين أندلين -وهي خبيرة في شؤون الأسرة الأمريكية-: "إن فكرة المساواة (التماثُل) بين الرجل والمرأة غير عملية أو منطقية، وإنها ألحقت أضرارًا جسيمة بالمرأة والأسرة والمجتمع".

▪️إنك لا تتعجب أن يقع الرد لهذا الحكم القدري من كفار أو ملاحدة، وإنما تستغرب أن يقع هذا من بعض المنتسبين لهذا الدين، والذين يصرّحون في مقالاتهم وكتاباتهم بأن هذا الحكم كان في فترة نزول الوحي يوم كانت المرأة جاهلة لم تتعلم! أما اليوم فقد تعلمت المرأة، وحصلت على أعلى الشهادات!

⚠️وهذا الكلام خطير جدًا، وقد يكون رِدّةً عن الدين؛ لأنه ردٌّ على الله -تعالى-، فإنه هو الذي قدَّر هذا الحكم، وهو الذي يعلم ما ستؤول إليه المرأة إلى يوم القيامة، وصدق الله العليم الخبير:
{وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى} ،

فهل من مُدَّكِر؟!

"من كتاب "قواعد قرآنية" - د.عمر المقبل (باختصار)".

ღ قوت القلوب ღ

أم حذيفة 10-04-2020 12:56 AM

قواعد قرآنية

القاعدة العاشرة

🔅 {وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ}
[الحج:40].

هذه قاعدة جليلة من القواعد القرآنية العظيمة، تشع منها القدرة الإلهية؛ لتساند جند الإيمان في كل زمان ومكان.

تأتي هذه القاعدة لتقول لأهل القرآن: إنّ حقيقة النصر إنما هي: بامتثال أوامره، واجتناب نواهيه ونصرة رسله وأتباعهم، ونصرة دينه وجهاد أعدائه، وقهرهم حتى تكون كلمته -جل وعلا- هي العليا، وكلمة أعدائه هي السفلى.

والسؤال: كيف يكون نصر الله؟ وهل الله محتاج إلى نصره وهو الغني القوي العزيز؟

والجواب على ذلك: أنّ نصره يكون بنصرة دينه، ونصرة نبيه -ﷺ- في حياته، ونصرة سنته بعد مماته، وتتمةُ الآيةِ التي بعدها تكشفُ حقيقة النصر الذي يحبه الله ويريده، بل هو النصر الكفيلُ باستمرار التمكين في الأرض،

🔅قال -تعالى-: {الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ}
[الحج:41].

💡ولذا، ما نُصِرَ دين اللهِ بأعظم من إظهار هذه الشعائر العظيمة:

◇الصلاة: التي هي صلةٌ بين العباد وربهم، وبها يستمدون قوتهم الحسية والمعنوية، وراحتهم النفسية.

◇وإيتاءُ الزكاةِ: فأدّوا حق المال، وانتصروا على شح النفس، وتطهروا من الحرص، وغلبوا وسوسة الشيطان، وسدّوا خَلة الجماعة، وكفلوا الضعاف فيها والمحاويج، وحققوا لها صفة الجسم الحيّ.

◇والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: وفيه إصلاحٌ لغيرهم،
▼فالناس ما بين جاهلٍ أو غافلٍ؛ فهؤلاء يؤمَرون بالخير ويُذكَّرون به،
▼أو عاصٍ ومعاندٍ؛ فهؤلاء يُنهَون عن المنكر.

⇦فمتى ما علم الله من أي أمة من الأمم أو دولة من الدول أنها ستقيم هذه الأصول الأربعة من أصول التمكين؛ أمدّها الله بتوفيقه، وعونه وإن تكالبت عليها الأمم، وفي سيرة النبي -ﷺ- وخلفائه الراشدين، ومن سار سيرتهم أصدق الشواهد وأنصعها.

والسؤال: أين النصر اليوم عن المسلمين؟ المسلمون في بلدان كثيرة مضطهدون مهزومون، يعيشون ضعفًا ويذوقون عجزًا!
أين النسخ المكررة من يوم الفرقان في بدر الكبرى؟ ويوم الأحزاب؟ واليرموك؟ ونهاوند؟ أو يوم كُسِرَ التتار حين غزوا بلاد الإسلام في أوائل القرن الثامن؟!

💬 وللعلامة الشيخ محمد رشيد رضا -رحمه الله- جواب عن هذا السؤال، يحسن إيراده، وهو العالم الذي عاش فترة ضعف وهوانٍ شديدين مرت بهما أمة الإسلام:

«وإن الله لا يخلف وعده ولا يُبطل سننه، وإنما ينصر المؤمن الصادق وهو من يقصد نصر الله وإعلاء كلمته، ويتحرّى الحق والعدل في حربه لا الظالم الباغي على ذي الحقّ والعدل من خلقه،

🔅يدل على ذلك أول ما نزل في شرع القتال قوله تعالى -من سورة الحج-: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا} [الحج:39] إلى قوله: {وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} [الحج:40]،
والإيمان سبب حقيقي من أسباب النصر المعنويّة...».

💬 أما العلامة عبد الرحمن السعدي فيضمّن بيانه عن الداء والدواء حديثًا مهمًا عن الفأل، فيقول:

«إيمانٌ ضعيف، وقلوب متفرّقة، وحكومات متشتتة، وعداوات وبغضاء باعدت بين المسلمين، وأعداء ظاهرون وباطنون، يعملون سرًّا وعلنًا للقضاء على الدين، وإلحاد وماديات، جرفت بتيارها الخبيث، وأمواجها المتلاطمة الشيوخَ والشبان، ودعايات إلى فساد الأخلاق، والقضاء على بقية الرمق!!

◁ ثمّ إقبال الناس على زخارف الدنيا، وبحيث كانت هي مبلغ علمهم، وأكبر همّهم، ولها يرضون ويغضبون، ودعاية خبيثة للتزهيد في الآخرة، والإقبال بالكلية على تعمير الدنيا وتدمير الدين، واحتقار واستهزاء بالدين وما يُنسب إليه، وفخر وفخفخة، واستكبار بالمدنيّات المَبنيّة على الإلحاد التي آثارها وشرها وشررها قد شاهده العباد...

💡ولكن مع ذلك: فإنّ المؤمن لا يقنط من رحمة الله، ولا ييأس من رَوح الله، ولا يكون نظره مقصورًا على الأسباب الظاهرة، بل يكون ملتفتًا في قلبه كلِّ وقت إلى مُسبِّب الأسباب، الكريم الوهّاب، ويكون الفرج بين عينيه، ووعده الذي لا يخلفه، بأنه سيجعل الله بعد عُسرٍ يسرًا، وأن الفرج مع الكرب، وأن تفريج الكربات مع شدّة الكربات وحلول المفظعات».

نسأل الله -تعالى- أن يعزّ دينه وأن يجعلنا من أنصاره، وأن يُظهر أولياءه، ويُذلَّ أعداءه.

"من كتاب "قواعد قرآنية" - د.عمر المقبل (باختصار)".

ღ قوت القلوب ღ

أم حذيفة 10-05-2020 01:37 AM

📩 قواعد قرآنية :

القاعدة الحادية عشرة:

🔅 {وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَىٰ}
[طه:69]

📌هذه قاعدة من القواعد القرآنية المحكمة، والتي يتعين إبرازها للناس، وخصوصًا في هذا الزمن الذي راجت فيه سوق السحرة والمشعوذين!

❗️كم هي الآيات التي تحدثت عن السِّحر والسَّحَرة في كتاب الله تعالى، وأخبرت عن ضلالهم، وخسارتهم في الدنيا والآخرة! ومع هذا فيتعجب المؤمن كثيرًا؛ من رواج سوق السحر والسحرة في بلاد الإسلام!

🔻وليس العجب من وجود ساحر أو ساحرة؛ فهذا لم يخلُ منه أفضل الأزمان، وهو الزمن الذي عاش فيه النبي -ﷺ- فضلًا عن غيره، وليس العجبُ -أيضًا- من ساحر يسعى لكسب الأموال بأي طريق؛

‼️لكن العجب من أمّة تقرأ هذا الكتاب العظيم، وتقرأ ما فيه من آيات صريحة واضحة في التحذير من السحر وأهله، وبيان سوء عاقبتهم ومآلهم في الدنيا والآخرة، ومع ذلك يقفون أمام عتبات أولئك السحرة المجرمين!! سواء أمام بيوتهم، أم أمام شاشات قنوات السحر والشعوذة، والتي راجت سوقها منذ فترة من الزمن! يلتمسون منهم التسبُّب في إيقاع الضر بأحد أو إزالته عن آخر، وكأن هؤلاء لم يقرؤوا قول الله -تعالى-:

🔅 {وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ}
[البقرة:102]!

⚠️إن مرور الإنسان بحالة مرضية صعبة، أو حالة نفسية شديدة، لا يبيح له بحال أن يرد هذه السوق الكاسدة -سوق السحرة- وكيف يُرجى الربح من أناس حكم عليهم ربهم بالخسران؟! وإن الله -تعالى- أرحم وأحكم من أن يحرّم عليهم إتيان السحرة، ولا ينزل لهم دواء لما ابتلوا به!

🔅عن أبي هريرة أن النبي -ﷺ- قال: "ما أنزل الله داءً إلا أنزل له شفاء" [رواه البخاري].

💡إنَّ مَن أيقنَ بأنَّ الساحر لا يفلح حيثُ أتى، وأيقنَ بأنه لا يفلح الساحرون، دفعه هذا إلى أمورٍ، من أهمها:

▪️البُعد عن إتيان هذا الصّنف من الناس الذين نفى الله فلاحهم في الدنيا والآخرة -بغية علاج أو نحوه- وكيف يُرتجى النفع ممن حكم عليه رب العالمين بأنه خاسر في الدنيا والآخرة!!

▪️الحذر من التفكير في ممارسة شيء من أنواع السحر، مهما كان المبرّر، سواء بقصد العطف، أو الصرف -كما تفعله بعض النساء- وتظن أن قصدَ استمالةِ الزوجِ، أو منعِه من الزواج عليها، ونحو ذلك من الشبه، أن ذلك يبيح لها ما تصنع، فإن هذا كله من تزيين الشيطان وتلبيسه.

▪️ليعلم كل من يمارس السحر أو تسبب في فعله ذلك أنه على خطر عظيم، وأنه قد باع دينه بثمن بخس، وأن الشياطين هم شيوخه وأساتذته في عمله هذا!

▪️إن ضعفت النفس لحظة، وزيَّن الشيطان لها شيئًا من هذه الأفعال المنكرة، فليبادر بالتوبة الآن، وليقلع عن هذا العمل الباطل، وليتحلل ممن لحقه الأذى من جراء هذا الفعل، قبل أن لا يكون دينار ولا درهم، وقبل أن يوقف للحساب بين يدي من لا تخفى عليه خافية، الذي يعلم من هو الساحر؟ ومن هو المسحور؟ ومن هو المتسبب في ذلك كله! فيقتص للمظلوم من ظالمه، حين تكون الحسنة أغلى من الدنيا وما عليها!

▪️إن يقين المؤمن بهذه القاعدة مما يقوي عبادة التوكل عنده، وعدم الخوف من إرهاب هذا الصنف الحقير من الناس، وهم السحرة، ويتذكر عندها قول الله -عز وجل-: {أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ}؟ والجواب: بلى والله.

📍ومما يحسن تأمله والتفكرُ فيه: أن هؤلاء السحرة رغم ما يملكون من الأموال، وما يعيشونه من سكرة التفات الناس إليهم، إلا أنهم من أتعس الناس حياةً، وأخبثهم نفوسًا، ولا عجب! فمن سلّم قياده للشياطين، وكفر برب العالمين، كيف يسعد أو كيف يفلح؟!

"من كتاب "قواعد قرآنية" - د.عمر المقبل (باختصار)".

ღ قوت القلوب ღ

أم حذيفة 10-06-2020 02:10 AM

📩 قواعد قرآنية :

القاعدة الثانية عشرة:

🔅* {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ}* [الحجرات:13]

📌هذه الآية العظيمة جاءت في سورة الحجرات، -وإن شئت فسمِّها: جامعة الآداب-، فبعد أن ذكر الله جملةً من الآداب العظيمة، والخلال الكريمة، ونهى عن جملة من الأخلاق الرذيلة، والطباع السيئة، قال -مقررًا الأصل الجامع الذي تنطلق منه الأخلاق الحسنة، وتضعف معه أو تتلاشى الأخلاق السيئة، وأنه معيار التفاضل والكرامة عند الله-: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} [الحجرات:13].

💡لن يتبيَّنَ لك موقع هذه الآية الكريمة إلا إذا استعرضتَ في ذهنك شيئًا من الموازين التي كان يتعامل بها عرب الجاهلية في نظرتهم لغيرهم من غير قبائلهم، سواء كانوا من قبائل أخرى أقل منهم درجة في النسب، أو في نظرتهم للأعاجم، أو في تعاملهم مع العبيد والموالي!

🔅وإليك هذا الموقف الذي وقع في حياة النبي ﷺ وحدّث به الصحابي صادق اللهجة أبو ذر -رضي الله عنه- قال: إنه كان بيني وبين رجل من إخواني كلام، وكانت أمّه أعجمية فعيَّرتُه بأمِّه، فشكاني إلى النبي -ﷺ-، فلقيت النبي ﷺ فقال: "يا أبا ذر إنك امرؤ فيك جاهلية"! قلتُ: "يا رسول الله، مَن سبّ الرجالَ سبوا أباه وأمه"، قال: "يا أبا ذر إنك امرؤ فيك جاهلية، هم إخوانكم جعلهم الله تحت أيديكم فأطعموهم مما تأكلون، وألبسوهم مما تلبسون، ولا تكلفوهم ما يغلبهم، فإن كلفتموهم فأعينوهم" [رواه البخاري ومسلم].

💡فهذا أبو ذر مع صدق إيمانه، وسابقته في الإسلام، لامَه النبي ﷺ، وعاتبه لما خالف هذه القاعدة القرآنية العظيمة، وعيّر الرجل بمنطق أهل الجاهلية!

🔅أما سيرة أصحابِهِ -رضي الله عنهم- والتابعين لهم بإحسان فالمواقف فيها كثيرة وعظيمة، أكتفي منها بهذا الموقف:

كان علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب -رضي الله عنهم -المعروف بـ"زين العابدين"، وهو من سكان مدينة النبي ﷺ- إذا دخل المسجد، يتخطى حِلَق قومه من قريش، حتى يأتي حلقة زيد بن أسلم -وهو مولى لكنه من علماء المدينة الكبار في زمانه- فيجلس عنده، فكأنَّ بعض الناس لامه: "كيف تجلس -وأنت الرجل القرشي وحفيد النبي ﷺ- عند رجل من الموالي؟!"؛ فقال كلمةً مِلؤها العقل: "إنّما يجلس الرجل إلى من ينفعه في دينه".

💡إنَّ مِن عظمة هذا الدين أنه لم يربط مكانة الإنسان ومنزلته عند الله بشيء لا قدرةَ له به، فالإنسان لا يختار أن يكون شريف النسب -مثلًا-، ولم يربطه بطولٍ ولا قِصَر، ولا وسامة ولا دمامة، ولا غير ذلك من المعايير التي ليست في مقدور البشر، بل ربطه بمعيارٍ هو في مقدور الإنسان.

💬 قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "وليس في كتاب الله آية واحدةٌ يَمدح فيها أحدًا بنسبه، ولا يَذُمُّ أحدًا بنسبه، وإنما يمدحُ الإيمانَ والتقوى، ويذمّ الكفرَ والفسوقَ والعصيان".

⚠️ وإنّ مما يؤسَف عليه -في واقعنا المعاصر- وجود أمثلة كثيرة مخالفة لهذه القاعدة الشريفة: (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ) والتي أدَّت إلى ذوبانِ المعايير الشرعية عند البعض!

⇦فليتَّقِ الله مَن يسمع ويقرأ قول ربه: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} من التفاخر المذموم، وليعلم المؤمن أن من بطَّأَ به عمله لم يُسرِع به نسبه.

نسأل الله أن يعيذنا من أخلاق أهل الجاهلية، وأن يرزقنا التأسّي برسوله -ﷺ- في جميع أمورنا.

"من كتاب "قواعد قرآنية" - د.عمر المقبل (باختصار)".

ღ قوت القلوب ღ

أم حذيفة 10-07-2020 03:12 AM

📩 قواعد قرآنية :

القاعدة الثالثة عشرة:

🔅 {آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا} [النساء:11]

📌هذه قاعدة من القواعد القرآنية، تُوقِفُ العبدَ على شيءٍ من عظمة الله -تعالى- في خلقه وحِكمته في شرعه، وتُوقف العبد على قصوره في علمه.

وهذه القاعدة جاءت في سياق آيات الفرائض في صدر سورة النساء، والمعنى:

🔅{آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ} يعني: الذين يرثونكم من الآباء والأبناء، {لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا} أي: لا تعلمون أيّهم أنفع لكم في الدين والدنيا، فمنكم من يظن أن الأب أنفع له، فيكون الابن أنفع له، ومنكم من يظن أن الابن أنفع له فيكون الأب أنفع له، وأنا العالِم بمن هو أنفع لكم، وقد دبَّرت أمركم على ما فيه المصلحة فاتّبعوه.

💡ولو رُدَّ تقدير الإرث إلى عقولكم واختياركم لحصل من الضرر ما الله به عليم؛ لنقص العقول وعدم معرفتها بما هو اللائق الأحسن، في كل زمان ومكان.

🎯 من تطبيقات هذه القاعدة:

1- أنَّ بعض الآباء قد تكون خلفته من الذرية بنات فقط؛ فيضيق لذلك صدره، ويغتمّ لهذا الابتلاء، فتأتي هذه القاعدة لتسكب في قلبه اليقين والرضا، وكم من بنتٍ كانت أنفع لوالديها من عددٍ من الأبناء! والواقع شاهدٌ بذلك.

💡وأمّا في الآخرة فالأمر أعظم، قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: "أطوعكم لله -ﷻ- من الآباء والأبناء أرفعكم درجة يوم القيامة، والله -تعالى- يُشَفِّع المؤمنين بعضهم في بعض"، فإن كان الوالد أرفع درجة في الجنة رُفع إليه ولده، وإن كان الولد أرفع درجة رُفع إليه والده لتقر بذلك أعينهم.

2-والآية سلوة لأولئك الذين ابتلوا بأولاد معاقين، سواء كانت إعاقتهم سمعيةً أو بصريةً أو عقليةً أو بدنية، فقد يكون هذا المعاق أقرب لهم نفعًا في الدنيا قبل الآخرة!

💡فكم فتحت هذه الابتلاءات لوالديّ هؤلاء المعاقين من لذة التعلق بالله، ومناجاته، ورجائه الفرج! وكم ربّت في نفوسهم من معاني الصبر والاحتمال ما لم تكن تحصل لهم لولا هذه الابتلاءات!

ولعلّ أمثال هذه الابتلاءات بهؤلاء المعاقين تكون سببًا في رفعة درجاتهم عند الله -تعالى- رفعةً قد لا تبلغها أعمالهم!

3-ولئن كانت الآية واضحة المعنى في موضوع الابتلاء بالبنات، أو بأبناء فيهم عاهات أو إعاقات، فإنه يمكن أن يقاس عليها أمور أخرى، مثل: الأعمال الصالحة، والمؤلفات، والمقالات، والكلمات، بل والعبادات، فلا يدري الإنسان أي تلك الأعمال، والمؤلفات، والعبادات أكثر نفعًا له في الآخرة.

⇦وهذا كله يدعو العبد لأن يُكثر من أبواب الخير؛ فالإنسان لا يدري أيّ أعماله التي قد تكون سببًا في نيل رضوان الله والجنة،

⚠️ولرُبَّ عملٍ كبير لكن داخَلَه ما داخَلَه من حظوظ النفس؛ فلم ينتفع به صاحبه، ولرُبَّ عملٍ قليلٍ عَظُمت فيه النية، وصدَق صاحبها مع الله؛ فأثابه ثوابًا لا يخطر على باله، وفي قصة المرأة البغيّ التي سقت كلبًا أكبر شاهد على ذلك.

"من كتاب "قواعد قرآنية" - د.عمر المقبل (باختصار وتصرُّف)".

ღ قوت القلوب ღ

أم حذيفة 10-08-2020 01:31 AM

قواعد قرآنية :

القاعدة الرابعة عشرة:

🔅 {فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ}
[القصص:50]

📌هذه قاعدة من القواعد القرآنية المحكمة، التي تجلّي معنى عظيمًا ومهمًّا في باب التسليم والانقياد لأوامر الله ورسوله، والانقياد لحكم الشريعة.

💡إنّ الحاجة إلى التذكير بهذه القاعدة القرآنية العظيمة من الأهمية بمكان، خصوصًا في هذا العصر الذي كثرت فيه الأهواء، وتنوعت فيه المشارب في التعامل مع النصوص الشرعية بدعاوى كثيرة: فهذا ينصر بدعته، وهذا يروّج لمنهجه في تناول النصوص، وثالث يتتبع الرخص التي توافق مراد نفسه، لا مراد الله ورسوله!

▫️لقد أتى على الناس زمانٌ لا يحتاج الشخص ليمتثل الأمر أو يترك النهي إلا أن يُقال له: "قال الله، قال رسوله، قال الصحابة"؛ ⇦فيمتثل وينصاع، ويندر أن تجد من يناقش مناقشة المتملص من الحكم الشرعي،

▪️أما اليوم -وقد انفتحت على الناس أبواب كثيرة يتلقون منها المعلومات- وسمعوا أقوالًا متنوعة في المسائل الفقهية، وليست هذه هي المشكلة -فالخلاف قديمٌ جدًا، ولا يمكن إلغاء أمرٍ قدره الله ﷻ-

⚠️إلا أنّ المشكلة، بل المصيبة: أنّ بعض الناس وجد في بعض تلك الأقوال -التي قد تكون شاذةً في المقياس الفقهي- فرصةً للأخذ بها؛ بحجة أنه قد وجد في هذه المسألة قولًا يقول بالإباحة! ضاربًا عُرض الحائط بالقول الآخر الذي يكاد يكون إجماعًا أو شبه إجماع من السلف الصالح على تحريم هذا الفعل أو ذاك القول!

هذا فضلًا عن تلك المسائل التي تَبيَّنَ فيها خطأ قائلها من أهل العلم؛ بسبب خفاء النص عليه، أو لغير ذلك من الأسباب المعروفة التي لأجلها يختلف العلماء،

📍ولئن كان ذلك الإمام معذورًا مأجورًا -لخفاء النص عليه أو لغير ذلك من الأسباب- فما عُذْرُ من بلغه النص عن الله أو عن رسوله؟!

💬 لقد جرى لي مرةً حوار عارض مع بعض هذه الفئة، التي أخذت تخوض عمليًا في جملةٍ من المسائل المخالفة لما عليه جماهير العلماء، فقلتُ له: يا هذا! دعنا من البحث الفقهي المحض، وأخبرني عن قلبك: كيف تجده وأنت تفعل ما تفعل؟!
فأقسَمَ لي بالله: أنه غير مرتاح! وإنما يخادع نفسه بأن الشيخ الفلاني يفتي بهذا، وهو في قرارة نفسه غير مطمئن لتلك الفتوى! فقلتُ له: يا هذا، إن العالِم الذي قال بهذه المسألة معذور؛ لأنّ هذا هو مبلغ علمه، ولكن انجُ بنفسك، فإن صنيعك هذا هو الذي قال العلماء: إنه تتبّع الرخص، وذمّوا فاعله، بل جعلوا هذا الفعل نوعًا من النفاق واتباع الهوى .

📌ومن تَّأمل كلمة الهوى في القرآن الكريم، لم يجدها ذُكِرت إلا في موطن الذمّ! ولهذا حذَّر الله نبيًا من خيرة أنبيائه من هذا الداء القلبي الخطير فقال: {يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ}
[ص:26]!
فمن يأمن على نفسه من الهوى بعد ذلك؟!

ولو أن رجلًا أخذ برخص الفقهاء من عدة مذاهب في مسائل متنوعة، لاجتمع فيه شرٌّ عظيم، ولأصبح دينه مرقعًا ورقيقًا!

وليتذكر المؤمن جيدًا -وهو يسلك مسلك تتبع الرخص- أنه إنما يفعل ما يفعل، ويترك ما يترك ديانةً لله، وقيامًا بواجب العبودية لهذا الربّ العظيم، فكيف يرضى العبد أن يتعامل مع ربه بدينٍ شعاره الهوى؟!

💡وقبل أن نختم الحديث عن هذه القاعدة العظيمة، يجب أن نتنبه لأمرين:

▫️الأول: الحذر من تنزيل هذه القاعدة على المسائل الشرعية التي الخلاف فيها معتبر ومعروف عند أهل العلم.

▫️الثاني: أنَّ المقصود بالذمّ هنا، هو من اتبع هواه في الاستفتاء، بحيث يتنقل بين المفتين، فإن وافقت الفتيا ما في نفسه طبقها، وإلا بحث عن آخر حتى يجد من يفتيه، وهذا هو اتباع الهوى بعينه، نعوذ بالله من اتباع الهوى، ونسأله -سبحانه وتعالى- أن يجعل اتباع الحقِّ رائدنا وغايتنا.

"من كتاب "قواعد قرآنية" - د.عمر المقبل (باختصار)".

ღ قوت القلوب ღ

أم حذيفة 10-09-2020 02:27 AM

💥 معذرة ؛ من مصدر تجميع الدرس ؛
إما خطأ ف تسلسل الأرقام أو سقطت الحلقة الخامسة عشر سهو📩 قواعد قرآنية


القاعدة السادسة عشرة:

🔅 {قُل لَّا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ} [المائدة:100]

📌هذه قاعدة قرآنية عظيمة، يحتاجها الإنسان في مقام التمييز بين الأقوال والأفعال، والسلوكيات والمقالات.

▪️والخبيث: ما يُكره بسبب رداءته وخساسته، سواء كان شيئًا محسوسًا، أو شيئًا معنويًا،
⇦فالخبيث إذًا يتناول: كل قول باطلٍ ورديء في الاعتقاد، والكذب في المقال، والقبيح من الفعال، فكل خبيث: لا يحبه الله ولا يرضاه.

▫️وإذا تبين معنى الخبيث ههنا؛ فإن الطيب بعكسه فيدخل فيه الواجب والمستحب والمباح -من الأقوال والأفعال والصحيح من المعتقدات- فدخل في هذه القاعدة كل ما يحبه الله تعالى ويرضاه من الواجبات والمستحبات والمباحات.

💡فلا يستوي الإيمان والكفر، ولا الطاعة والمعصية، ولا أهل الجنة وأهل النار، ولا الأعمال الخبيثة والأعمال الطيبة، ولا المال الحرام بالمال الحلال.

🔅وهذه القاعدة القرآنية هي صدر الآية الكريمة: {قُلْ لَا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [المائدة:100]،

❗️ولما كان في بعض النفوس ميلٌ إلى بعض الأقوال أو الأفعال أو المكاسب الخبيثة، وكان كثيرٌ من الناس يؤثر العاجل على الآجل، والفاني على الباقي؛

◁◁جاء التحذير من الخبيث بأسلوب عجيب يقطع الطريق على من قد يحتجُّ بكثرة من يتناول هذا الخبيث، فقال ﷻ: {وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ}
وذلك أن في بعض الخبائث شيءٌ من اللذة الحسية أو المعنوية، كالحصول على مالٍ كثير لكن من طريق حرام، أو الوصول إلى اللذة الجسدية عن طريق الزنا، أو الخمر أو غيرهما من الملذات المحرمة، فهذه قد تغري الإنسان، وتعجبه، إلا أنه -مع كثرة مقداره، ولذاذة متناوله- سببٌ للحرمان من السعادات الباقية الأبدية السرمدية .

❗️ولعظيم موقع هذه القاعدة وما دلّت عليه، فإن المتأمل للقرآن يجد عجبًا من كثرة التأكيد على العمل بما دلّت عليه هذه القاعدة! ومن ذلك:

1- التأكيد على ضرورة العناية بالمكاسب الطيبة، ولم يستثنِ الله أحدًا من عباده المؤمنين في الحثّ على هذا الأمر.

2- أنّه لا يصحّ -أبدًا- أن نجعل الكثرة مقياسًا لطِيْب شيءٍ ما، وصحّته وسلامته من المحاذير الشرعية، وهذا أمرٌ يصدق على الأقوال والأفعال والمعتقدات، بل يجب أن نحكم على الأشياء بكيفيتها وصفتها وبمدى موافقتها للشرع المطهر.

🔅تأمل -مثلًا- في قلة أتباع الرسل وكثرة أعدائهم: {وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ الله}
[الأنعام:116]،

⇦وهذا مما يؤكّد على الداعية أهمية العناية بالمنهج وسلامته، وأن لا يكون ذلك على حساب كثرة الأتباع! وهذا موضعٌ لا يفقهه إلا من وفقه الله تعالى، ولا يصبر عليه إلا من أعانه الله وسدده؛ لأن في الكثرة فتنة، وفي القلة ابتلاء.

وواللهِ ما في الخبيث من لذّة إلا وفي الطيّب مثلها وأحسن، مع أمْنٍ من سوء العاقبة في الدنيا والآخرة، والعاقل حين يتحرّر من هواه، ويمتلئ قلبه من التقوى ومراقبة الله تعالى؛ فإنه لا يختار إلا الطيب، بل إن نفسه ستعاف الخبيث، ولو كان ذلك على حساب فوات لذات، ولحوق مشقات؛ فينتهي الأمر إلى الفلاح في الدنيا والآخرة، مسليًّا نفسه بقوله تعالى:

🔅 {قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى وَلَا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا}
[النساء:77].

اللهم اجعلنا من الذين طابت أقوالهم وأفعالهم، فطاب منقلبهم ومآلهم.

"من كتاب "قواعد قرآنية" - د.عمر المقبل (باختصار)".

ღ قوت القلوب ღا ؛
💥

أم حذيفة 10-10-2020 01:59 AM

📩 قواعد قرآنية :

القاعدة السابعة عشرة:

🔅 {إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ} [القصص:26]

📌هذه القاعدة القرآنية جاءت في سياق قصة موسى مع صاحب مدين، والذي كان عاجزًا عن طلب الماء فخرجت ابنتاه للسقيا، بيدَ أنهما تأخرتا انتظارًا لصدور الناس عن البئر، إلا أنّ مروءة موسى وشهامته حملته على أن يبادر -من غير أن ينتظر سؤالهما- بقضاء حاجتهما، والسقيِ لهما، فأعجَبَ هذا الفعلُ الفتاتين، فذكرتاه لوالدهما المقعد عن العمل، فأرسل في طلبه، فلما جاء وحدثه بخبره، قالت له إحداهما -وهي العالمة بعجز والدها عن القيام بمهام الرجال-: ﴿يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ﴾
[القصص:26]

💡 وهذا التنصيص على هذين الوصفين هو من وُفُور عقل هذه المرأة التي رأت اكتمال هاتين الصفتين في موسى، فإنهما من المطالب التي يتّفق عليها عقلاء البشر في جميع الأمم والشرائع.


💬 قال شيخ الإسلام ابن تيمية:

«وينبغي أن يُعرف الأصلح في كل منصب؛ فإنّ الولايةَ لها ركنان: القوة والأمانة؛ كما قال تعالى:
﴿إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ﴾ …

📍والقوّة في كل ولايةٍ بحسبها:

◆فالقوّة في إمارة الحرب ترجع إلى شجاعة القلب، وإلى الخبرة بالحروب والمخادعة فيها، وإلى القدرة على أنواع القتال: من رمي وطعنٍ وضربٍ وركوبٍ وكرٍّ وفرّ...

◆ والقوة في الحكم بين الناس ترجع إلى العلم بالعدل الذي دلَّ عليه الكتاب والسنة، وإلى القدرة على تنفيذ الأحكام.

📍والأمانة ترجع إلى خشية الله، وألا يشتري بآياته ثمنًا قليلًا، وتركِ خشية الناس، وهذه الخصال الثلاث التي اتخذها الله على كل من حَكم على الناس في قوله -تعالى-:
{فَلَا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} [المائدة:٤٤]»

💬 وكان ابن تيمية -رحمه الله- قد قال كلمة تكتب بماء الذهب، وهي:

«أنّ المؤدّي للأمانة -مع مخالفة هواه- يثبّته الله، فيحفظه في أهله وماله بعده، والمطيع لهواه يعاقبه الله بنقيض قصده...

▪️وفي ذلك الحكاية المشهورة، أن بعض خلفاء بني العباس سأل بعض العلماء أن يحدثه عما أدرك؟

فقال: أدركت عمر بن عبد العزيز، فقيل له: يا أمير المؤمنين أقفرت أفواه بنيك من هذا المال، وتركتهم فقراء لا شيء لهم -وكان في مرض موته- فقال: أدخِلوهم عليَّ، فأدخَلوهم، وهم بضعةَ عشر ذكرًا، ليس فيهم بالغ،

⇚فلما رآهم ذرفت عيناه، ثم قال: يا بَنِيّ! والله ما منعتكم حقًا هو لكم، ولم أكن بالذي آخذ أموال الناس فأدفعها إليكم، وإنما أنتم أحد رجلين: إما صالح، فالله يتولى الصالحين، وإما غير صالح، فلا أترك له ما يستعين به على معصية الله، قوموا عني!

قال هذا العالم -الذي يحكي هذه القصة-: فلقد رأيتُ بعض بنيه حمل على مائة فرس في سبيل الله، يعني أعطاها لمن يغزو عليها!».

💬 قال شيخ الإسلام ابن تيمية: «وفي هذا الباب من الحكايات والوقائع المشاهدة في الزمان والمسموعة عما قبله، ما فيه عبرة لكل ذي لب!».

اللهم ارزقنا فهمَ كتابك والعمل به، واجعلنا ممن يقوم بحق ما ولاه الله عليه.

"من كتاب "قواعد قرآنية" - د.عمر المقبل (باختصار)".

ღ قوت القلوب ღ

أم حذيفة 10-11-2020 11:28 PM

📩 قواعد قرآنية

القاعدة الثامنة عشرة

🔅 {وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ} [فاطر:43]

📌تأتي هذه القاعدة القرآنية المحكمة لتبين سنة من سنن الله -تعالى- في تعامل الخلق مع بعضهم؛ وهذا المعنى الذي قررته هذه القاعدة، جاء معناه في آيات أخر من كتاب الله؛

🔅كقوله -تعالى-: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ} [يونس:23] ، وقولِه -تعالى-: {فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ} [الفتح:10]

📍وأما الأمثلة الفردية التي تبين معاني هذه القاعدة، فكثيرة في كتاب الله -تعالى-، لكن حسبنا أن نشير إلى بعضها، فمن ذلك:

1- ما قَصَّه الله -تعالى- عن مكر إخوة يوسف بأخيهم، فماذا كانت العاقبة؟ يقول تعالى: {وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ} [يوسف:102] صحيح أن إخوته تابوا، لكن بعد أن آذوا أباهم وأخاهم بأنواعٍ من الأذى، فعاد مكرهم على غير مرادهم، وفاز بالعاقبة الحسنة، والمآل الحميد مَن صبر وعفا وحلَم.

2- قوله -تعالى- عمَّن أرادوا كيدًا بنبيّ الله عيسى -عليه الصلاة والسلام-: {وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} [آل عمران:54]

3- ولما تحايل المشركون بأنواع الحيل لأذية نبينا-ﷺ- قال الله عنهم: {وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ [الأنفال:30]، فكانت العاقبة له -عليه الصلاة والسلام-.

📍وأما في السُنة، وفي التاريخ فكثيرٌ جدًّا، ومن قرأ التاريخ قراءة المتدبر المتأمل؛ وجد من ذلك عِبرًا، وأدرك معنى هذه القاعدة القرآنية المحكمة: ﴿وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ﴾.

📍 وقد ذكر ابن القيم -رحمه الله- أمثلةً تطبيقية وعملية من واقع الناس لهذه القاعدة في سياق حديثه عن المتحايلين على الأحكام الشرعية، كالمتحايلين على أكل الربا ببعض المعاملات، أو يحتالون على بعض الأنكحة، وأمثال هؤلاء، فقال:

«فالمحتال بالباطل مُعَامَلٌ بنقيض قصده شرعًا وقَدَرًا، وقد شاهد الناس عيانًا أنه مَن عاش بالمكر؛ مات بالفقر؛

▫️ولهذا عاقب الله من احتال على إسقاط نصيب المساكين (أصحاب الجنة المذكوين في سورة القلم) وقت الجَداد بحرمانهم الثمرة كلها،

▫️وعاقب من احتال على الصيد المحرَّم بأن مسخهم قردة وخنازير،

▫️وعاقب من احتال على أكل أموال الناس بالربا بأن يمحق ماله، كما قال -تعالى-: ﴿يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ﴾، [البقرة:276]

💡وأصل هذا: أن الله -سبحانه- جعل عقوبات أصحاب الجرائم بضدِّ ما قصدوا له بتلك الجرائم،…

وهذا بابٌ واسعٌ جدًا عظيمُ النفع، فمَن تدبّره يجده متضمنًا لمعاقبة الربّ -سبحانه- من خرج عن طاعته؛ بأن يعكس عليه مقصوده شرعًا وقدرًا، دنيا وأخرى،

🔻وقد اطَّردت سنته الكونية -سبحانه- في عباده بأن: مَن مكر بالباطل مُكر به، ومَن احتال احتيل عليه، ومن خادع غيره خُدِعَ،

🔅قال الله تعالى: {وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ}، فلا تجد ماكرًا إلا وهو ممكورٌ به، ولا مخادِعًا إلا وهو مخدوع ولا محتالًا إلا وهو مُحتال عليه».

"من كتاب "قواعد قرآنية" - د.عمر المقبل (باختصار)".

ღ قوت القلوب ღ

أم حذيفة 10-12-2020 10:38 PM

📩 قواعد قرآنية

القاعدة التاسعة عشر:

🔅 {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ} [البقرة:179]

📌هذه قاعدة من القواعد المحكمة في أبواب التعامل بين الخلق، الذين لا تخلو حياة كثير منهم من بغي وعدوان، سواء على النفس أو على ما دونها. ولنا مع هذه القاعدة القرآنية المحكمة وقفات:

📍الوقفة الأولى:

إن من تأمَّل في واقع بلاد الدنيا عمومًا -مسلمها وكافرها- فسيجد قلة القتل في البلاد التي يُقتلُ فيها القاتل -كما أشار إلى ذلك العلامة الشنقيطي، وعلل ذلك بقوله-:

«لأن القصاص رادع عن جريمة القتل؛ كما ذكره الله في الآية المذكورة آنفًا، وما يزعمه أعداء الإسلام من أن القصاص غير مطابقٍ للحكمة؛ لأن فيه إقلال عدد المجتمع بقتل إنسان ثانٍ بعد أن مات الأول، وأنه ينبغي أن يعاقب بغير القتل فيُحبَس، وقد يولد له في الحبس فيزيد المجتمع كله كلامٌ ساقط، عارٍ من الحكمة؛ لأن الحبس لا يردع الناس عن القتل، فإذا لم تكن العقوبة رادعةً فإن السُّفهاء يكثر منهم القتل، فيتضاعف نقص المجتمع بكثرة القتل».

📍الوقفة الثانية:

🔅مع قوله ﷻ -في هذه القاعدة القرآنية المحكمة- ﴿وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ﴾: ذلك أنّ الحياة أعزُّ شيء على الإنسان في الجبلة، فلا تعادل عقوبة القتل في الردع والانزجار،

💡ومن حكمة ذلك: تطمين أولياء القتلى بأن القضاء ينتقم لهم ممن اعتدى على قتيلهم، لئلا يتصدّى أولياء القتيل للانتقام من قاتل مولاهم بأنفسهم؛ لأن ذلك يُفضي إلى صورة الحرب بين رهطين فيكثر فيه إتلاف الأنفس.

📍الوقفة الثالثة:

مع تنكير كلمة "حياة" في هذه القاعدة القرآنية: ﴿وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ﴾

💡فهذا التنكير للتعظيم، أي: في القصاص حياة لنفوسكم؛ فإن فيه ارتداعُ الناس عن قتل النفوس،

▪️فلو أُهمِل حُكم القصاص لما ارتدع الناس؛ لأن أشدّ ما تتوقّاه نفوس البشر من الحوادث هو الموت، فلو علم القاتل أنه يسلم من الموت لأقدم على القتل مُستخفًّا بالعقوبات،

▪️ولو تُرك الأمر للأخذ بالثأر -كما كان عليه في الجاهلية- لأفرطوا في القتل وتَسلسلَ الأمر كما تقدَّم،

◁◁فكان في مشروعية القصاص حياة عظيمة من الجانبين.

📍الوقفة الرابعة:

هي مع ختم هذه القاعدة بقوله تعالى: ﴿يَا أُولِي الْأَلْبَابِ﴾ ففي ذلك تنبيه على التأمُّل في حكمة القصاص؛ ففي توجيه النداء إلى أصحاب العقول إشارة إلى أن حكمة القصاص لا يدركها إلا أهل النظر الصحيح؛ إذ هو في بادئ الرأي كأنه عقوبة بمثل الجناية؛ لكنه عند التأمل هو حياة.

🔅ثم قال: ﴿لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ إكمالًا للعلة، أي: لأجل أن تتقوا، فلا تتجاوزوا في أخذ الثأر حدَّ العدل والإنصاف.

"من كتاب "قواعد قرآنية" - د.عمر المقبل (باختصار)".

ღ قوت القلوب ღ

أم حذيفة 10-25-2020 01:12 AM

قواعد قرآنية

القاعدة العشرون:

🔅 {وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ} [الحج:18].

📌 هذه قاعدة من القواعد المحكمة في أبواب العدل والجزاء، ولتدبرها أثرٌ في فهم المؤمن لما يراه أو يقرأه في كتب التاريخ، أو الواقع من تقلبات الزمن والدهر بأهله، سواء على مستوى الأفراد أو الجماعات.

📍وإذا كان الشرك بالله هو أعظم صورةٍ يذلُّ بها العبد نفسه، ويدسّها في دركات الهوان؛ فإنّ ثمةَ صورًا أخرى -وإن كانت دون الشرك- إلا أن أثرها في هوان العبد وذله ظاهر بيّن: إنه ذل المعصية، وهوان العبد بسببها.

💬 يقول ابن القيم موضحًا شيئًا من معاني هذه القاعدة القرآنية المحكمة، وهو يتحدث عن شيء من شؤم المعاصي، وآثارها السيئة:

«ومنها: أن المعصية سببٌ لهوان العبد على ربه وسقوطه من عينه، قال الحسن البصري: هانوا عليه فعصوه ولو عزوا عليه لعصمهم!

❗️وإذا هان العبد على الله لم يكرمه أحد، كما قال الله تعالى: {وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ} ! وإنْ عَظّمهم الناس في الظاهر لحاجتهم إليهم، أو خوفًا من شرهم، فهم في قلوبهم أحقر شيء وأهونه…»

💬 وقال ابن القيم -وهو يتحدث عن بعض عقوبات المعاصي-:

«أن يرفع الله -ﷻ- مهابته من قلوب الخلق، ويهون عليهم، ويستخفون به، كما هان عليه أمر الله، واستخفَّ به، فعلى قدر محبة العبد لله يحبه الناس، وعلى قدر خوفه من الله يخافه الناس، وعلى قدر تعظيمه الله وحرماته يعظم الناس حرماته! وكيف ينتهك عبدٌ حرمات الله ويطمع أن لا ينهك الناس حرماته؟! أم كيف يهون عليه حق الله ولا يهوّنه الله على الناس؟! أم كيف يستخف بمعاصي الله ولا يستخف به الخلق؟!

💡وقد أشار -سبحانه- إلى هذا في كتابه عند ذكر عقوبات الذنوب، وأنه أُركس أربابها بما كسبوا، وغُطي على قلوبهم، وطُبع عليها بذنوبهم، وأنه نَسِيهم كما نسوه، وأهانهم كما أهانوا دينه، وضيّعهم كما ضيعوا أمره.

🔅ولهذا قال تعالى -في آية سجود المخلوقات له-: {وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ} فإنهم لما هان عليهم السجود له، واستخفوا به ولم يفعلوه؛ أهانهم فلم يكن لهم من مكرم بعد أن أهانهم، ومن ذا يكرم من أهانه الله أو يهن من أكرم؟!».

📌وفي كلمة ابن القيم الآنفة: «ومن ذا يُكرم من أهانه الله، أو يُهنْ من أكرم» إشارة إلى معنى يفهم من هذه القاعدة القرآنية المحكمة وهو: أن من أكرمه ربه بطاعته، والانقيادِ لشرعه ظاهرًا وباطنًا؛ فهو الأعز الأكرم، وإن خاله المنافقون أو الكفار على خلاف ذلك، كما قال من طمس الله على بصائرهم من المنافقين وأشباههم: {يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ} [المنافقون:8] إي والله.. لا يعلمون من هم أهل العزة حقًا!
ألم يقل الله: {وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [آل عمران:139]؟!

⁉️وكيف يشعر المؤمن بالهوان وسنده أعلى؟! ومنهجه أعلى؟! ودوره أعلى؟ وقدوته ﷺ أعلى وأسمى؟!

❓فهل يعي ويدرك أهل الإيمان أنهم الأعزة حقًا؛ متى ما قاموا بما أوجب الله عليهم؟

أسأل الله تعالى أن يجعلني وإياكم منهم، وأن يكرمنا وإياكم بطاعته، ولا يذلنا ويهيننا بمعصيته.

"من كتاب "قواعد قرآنية" - د.عمر المقبل (باختصار)".

ღ قوت القلوب ღ

أم حذيفة 10-26-2020 02:29 AM

📩 قواعد قرآنية

القاعدة الحادية والعشرون:

🔅 {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} [التوبة:119].

📌هذه قاعدة من القواعد المحكمة في أبواب التعامل مع الخالق -ﷻ- والتعامل مع خلقه، هي قاعدة تمثل سفينةً من سفن النجاة، وركنًا من أركان الحياة الاجتماعية، وهي -لمن اهتدى بهديها- علامة خير، وبرهان على سموّ الهمة، ودليل على كمال العقل.

❗️كثيرٌ من الناس حينما يسمع هذه القاعدة لا ينصرف ذهنه إلا للصدق في الأقوال، وهذا في الحقيقة تقصيرٌ في فهم هذه القاعدة، وإلا لو تأمَّل الإنسان سياقها لعلم أنها تشمل جميع الأقوال والأفعال والأحوال.

🍃إن للصدق آثارًا حميدة، وعوائد جليلة؛ وهو دليل على رجحان العقل، وحسن السيرة، ونقاء السريرة. وحسبنا هنا أن نشير إلى جملة من الآثار التي دلّ عليها القرآن للصدق وأهله في الدنيا والآخرة:

١- فالصادق سائر على درب الأنبياء والرسل -عليهم الصلاة والسلام- الذين أثنى الله عليهم بالصدق في الوعد والحديث.

٢- والصادق مُعانٌ ومنصورٌ، ويُسخّر الله له من يدافع عنه من حيث لا يتوقع، بل قد يكون المدافع خصمًا من خصومه، تأمل في قول امرأة العزيز: {قَالَتِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ} [يوسف:51].

٣-والصادق يسير في طريق يهدي إلى الجنة، ألم يقل النبي -ﷺ-: "عليكم بالصدق فإن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة، وما يزال الرجل يصدق ويتحرّى الصدق حتى يكتب عند الله صدّيقًا"؟ [رواه البخاري ومسلم]،

٤- وأهل الصدق هم الناجون يوم العرض الأكبر على ربهم، كما قال تعالى: {قَالَ اللَّهُ هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [المائدة:119]

⚠️ وبعد هذا؛ فإن من المحزن والمؤلم أن يرى المسلم الخرق الصارخ -في واقع المسلمين- لما دلّت عليه هذه القاعدة القرآنية المحكمة: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ﴾!

‼️فكم هم الذين يكذبون في حديثهم؟ وكم هم الذين يخلفون مواعيدهم؟ وكم هم أولئك الذين ينقضون عهودهم؟ أليس في المسلمين من يتعاطى الرشوة، ويخون بذلك ما اؤتمن عليه من أداء وظيفته؟ أليس في المسلمين من لا يبالي بتزوير العقود، والأوراق الرسمية؟ وغير ذلك من صور التزوير؟!

💬 ولله درُّ الإمامِ الأوزاعي حيث قال: "واللهِ لو نادى مُنادٍ من السماء أن الكذب حلال ما كذبت"!

❗️فأين من هذا أولئك الذين استمرؤوا الكذب؟! بل وامتهنوه، ولم يكتفوا بهذا بل روّجوا شيئًا من عادات الكفار في الكذب، كما هو الحال فيما يسمى بكذبة إبريل! ويزعم بعضهم أن تلك كذبة بيضاء! وما علموا أن الكذب كله أسود! إلا ما استثناه الشرع المطهر.

🥀 ويُقال: لو لم يكن من خسارة يجنيها هؤلاء الذين يكذبون إلا أنهم يتخلفون بكذبهم هذا عن ركب المؤمنين الصادقين، الذين عناهم الله بهذه القاعدة القرآنية المحكمة: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ﴾ لكفتهم رادعًا.

💡فما أحرانا -معشرَ الآباء والمربّين- أن نربي أجيالنا على هذا الخلق العظيم، وعلى كراهة الكذب، وأن نكون لهم قدوات حيّة يرونها بأعينهم.

"من كتاب "قواعد قرآنية" - د.عمر المقبل (باختصار)".

ღ قوت القلوب ღ

أم حذيفة 10-26-2020 11:00 PM

📩 قواعد قرآنية

القاعدة الثانية والعشرون:

🔅 {إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ} [يوسف:90].

📌هذه قاعدة من القواعد المحكمة في أبواب التعامل مع الخالق ﷻ والتعامل مع خلقه، هي قاعدة وملاذٌ لمن تُواجَه أعمالُهم بعدم التقدير.

❓فما هي التقوى؟! وما هو الصبر؟
54
▫️ما أكثر ما نحفظ تعريف التقوى، بل قد يحفظ بعضنا عدة تعاريف لها وللصبر، ويحفظ تقسيمات الصبر، ثم يفشل أحدنا في أول اختبار الصبر! أو يقع منه تقصير ظاهر في تطبيق هذه المعاني الشرعية كما ينبغي عند وجود المقتضي لها.

▫️ولستُ أعني بذلك العصمة من الذنب؛ وإنما أقصد أننا نخفق أحيانًا -إلا من رحم الله- في تحقيق التقوى أو الصبر إذا جد الجد، وجاء موجبهما.

💡كلنا يحفظ أن التقوى هي فعل أوامر الله، واجتناب نواهيه، وكلنا يدرك أن ذلك يحتاج إلى صبر ومصابرة، وحبس للنفس على مراد الله ورسوله، ولكن الشأن في النجاح في تطبيق هذين المعنيين العظيمين في أوانهما.

🎯 من تطبيقات هذه القاعدة:

إن لهذه القاعدة القرآنية الجليلة تطبيقاتٍ كثيرة في حياة المؤمن، ومن ذلك:

📍١ـ ما ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية -تعليقًا على هذه القاعدة في سورة يوسف عليه الصلاة والسلام- فقال -رحمه الله-مبينًا اطّراد هذه القاعدة القرآنية-:

«وهكذا إذا أوذي المؤمن على إيمانه، وطُلب منه الكفر أو الفسوق أو العصيان -وإن لم يفعل أوذي وعوقب- اختار الأذى والعقوبة على فراق دينه: إما الحبس وإما الخروج من بلده، كما جرى للمهاجرين حين اختاروا فراق الأوطان على فراق الدين، وكانوا يُعذَّبون ويُؤذَون».

⇐إلى أن قال: «فكان ما حصل للمؤمنين من الأذى والمصائب هو باختيارهم طاعة لله ورسوله لم يكن من المصائب السماوية التي تجري بدون اختيار العبد، وهذا أشرف النوعين، وأهلها أعظم بدرجة، وإن كان صاحب المصائب يثاب على صبره ورضاه، وتكفّر عنه الذنوب بمصائبه».

📍٢- ومن تطبيقات هذه القاعدة القرآنية: تربيةُ النفس على التقوى والصبر على ما يسمى بعشق الصور، الذي أفسد قلوب فئام من الناس، بسبب تعلق قلوبهم بتلك الصور، سواء كانت صورًا حية، أم ثابتة.

❗️ولقد عظمت الفتنة بهذه الصور في عصرنا هذا، الذي لم تعرف الدنيا عصرًا أعظم منه في انتشار الصورة، والاحتراف في تصويرها، والتفنن في تغيير ملامحها، وتَيسّر الوصول إلى الصور المحرمة منها وغير المحرمة، عن طريق الإنترنت، وغيرها من الوسائل.

💡فعلى المؤمن الناصح لنفسه أن يتقي ربه، وأن يجاهد نفسه في البعد عن هذا المرتع الوخيم -أعني تقليب النظر في الصور المحرمة- وأن يوقن أن ما يقذفه الله في قلبه من الإيمان والنور والراحة والطمأنينة سيكون أضعاف ما يجده من لذة عابرة بتلك الصور!

🔻وليتذكر المبتلى بالعشق أنه إذا عفَّ عن المحرمات نظرًا وقولًا وعملًا، وكتم ذلك، فلم يتكلم به حتى لا يكون في ذلك كلامٌ محرم -إما شكوى إلى المخلوق، وإما إظهار فاحشة، وإما نوعُ طلبٍ للمعشوق..- وصَبَرَ على طاعة الله، وعن معصيته، وعلى ما في قلبه من ألم العشق، كما يصبر المصاب عن ألم المصيبة؛ فإن هذا يكون ممن اتقى الله وصبر، و ﴿إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ﴾.

📍٣- ومن تطبيقات هذه القاعدة القرآنية العظيمة: أن الإنسان قد يبتلى بحُسَّاد يحسدونه على ما آتاه الله من فضله، وقد يجد من آثار هذا الحسد ألوانًا من الأذى القولي أو الفعلي، كما وقع لأحد ابنَي آدم حين حسد أخاه؛ لأن الله تقبل قربانه ولم يتقبل قربان أخيه، وكما وقع ليوسف مع إخوته، وقد يقع هذا من المرأة مع ضرتها، أو من الزميل مع زميله في العمل.

فعلى من ابتلي بذلك أن يتذكر هذه القاعدة القرآنية: ﴿إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ﴾.

"من كتاب "قواعد قرآنية" - د.عمر المقبل (باختصار)".

ღ قوت القلوب ღ

أم حذيفة 10-28-2020 12:04 AM

📩 قواعد قرآنية

القاعدة الثالثة والعشرون

🔅 {وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا} [البقرة:189].

📌هذه القاعدة القرآنية جاءت ضمن سياق الحديث عن عادة من عادات أهل الجاهلية، الذين إذا أحرَمُوا لم يدخلوا البيوت من أبوابها، تعبُّدًا بذلك، وظنًّا أنه بر، فأخبر الله أنه ليس ببر؛ لأن الله تعالى لم يشرعه لهم، كما ثبت سبب هذا النزول في الصحيحين من حديث البراء -رضي الله عنه-.

🔅قال -تعالى-: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [البقرة:189].

🎯 من تطبيقات هذه القاعدة:

١- عبادة الله -تعالى-، ومن أراد أن يصل إلى الله، فعليه أن يسلك الطريق الموصل إليه -ﷻ-، ولا يكون ذلك إلا بواسطة الطريق الذي سنه رسول الله -ﷺ-.

💬 يقول العلامة ابن القيم -رحمه الله-:

«فالوصول إلى الله وإلى رضوانه بدونه محال، وطلب الهدى من غيره هو عين الضلال، وكيف يوصل إلى الله مِن غير الطريق التي جعلها هو -سبحانه- موصلة إليه، ودالة لمن سلك فيها عليه! بعث رسوله بها مناديًا، وأقامه على أعلامها داعيًا، وإليها هاديًا، فالباب عن السالك في غيرها مسدود، وهو عن طريق هداه وسعادته مصدود، بل كلما ازداد كدحًا واجتهادًا: ازداد من الله طردًا وإبعادًا».

💬ويؤكد ذلك العلامة السعدي -في تعليقه على هذه القاعدة التي نحن بصدد الحديث عنها- فيقول:

«وكل من تعبد بعبادة لم يشرعها الله ولا رسوله، فهو متعبد ببدعة، وأمرهم أن يأتوا البيوت من أبوابها لما فيه من السهولة عليهم، التي هي قاعدة من قواعد الشرع».

٢- ومن تطبيقات هذه القاعدة، أنه يؤخذ من عمومها اللفظي والمعنوي أن كل مطلوب من المطالب المهمة ينبغي أن يؤتى من بابه، وهو أقرب طريق ووسيلة يتوصل بها إليه، وذلك يقتضي معرفة الأسباب والوسائل معرفة تامة؛ ليسلك الأحسن منها والأقرب والأسهل، والأقرب نجاحًا، لا فرق بين الأمور العلمية والعملية، ولا بين الأمور الدينية والدنيوية، ولا بين الأمور المتعدية والقاصرة، وهذا من الحكمة.

💡وكلما عظم المطلوب تأكَّد هذا الأمر، وتعيَّن البحث التام عن أمثل وأقوم الطرق الموصلة إليه.

٣- ومن تطبيقات هذه القاعدة: إغلاقها لباب الحيل على الأحكام الشرعية؛ ذلك أن المتحايل على الشريعة لم يأتِ الأمر من بابه، فخالف بذلك ما دلت عليه هذه القاعدة المحكمة.

❗️فإذا تبين ذلك؛ فقارن: كم هم الذين وقعوا في هذا المرتع الوخيم ممن نصبوا أنفسهم للإفتاء في بعض المنابر الإعلامية، أو في بعض المواقع، وساعدهم على ذلك تراكض كثير من الناس في هذا الباب؟! وأدنى نظرة في الواقع، تبين أن الأمر جلل، والله المستعان.

وما أجمل ما قاله قيس بن الخطيم:

إذا ما أتيت العزّ من غير بابهِ
ضللتَ، وإن تقصد من الباب تهتدِ

٤- ومن تطبيقات هذه القاعدة القرآنية في الحديث مع الناس؛ أن الآية ترشد إلى أن المؤمن عليه أن يسلك الطريقة المناسبة في الحديث، فيعرف الموضوع المناسب الذي يحسن طرقُه، والوقت الملائم، ويعرف طبيعة الشخص أو الناس الذين يتحدث إليهم، فإن لكل مقام مقالًا، ولكل مجال جدالًا، ولكل حادثة مقامًا، ومن يؤتَ الحكمة فقد أوتي خيرًا كثيرًا.

🔆 والواجب علينا أن ننطلق في إصلاح مشاكلنا كلها مهما تنوعت من كتاب ربنا، وسنة نبينا ﷺ، وأن نعتقد ذلك يقينًا؛ لأن الله تعالى يقول: ﴿إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ﴾ في كل شيء: في أمر العقائد، وأحكام الحلال والحرام، والقضايا الاجتماعية، والاقتصادية والسياسية، نسأل الله تعالى أن يعيننا على فهم كتابه، والاهتداء بهديه، والاستنارة بنوره.


"من كتاب "قواعد قرآنية" - د.عمر المقبل (باختصار)".

ღ قوت القلوب ღ

أم حذيفة 10-30-2020 01:05 AM

قواعد قرآنية

القاعدة الرابعة والعشرون:

🔅 {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} [العنكبوت:69]

📌هذه القاعدة جاءت في ختام سورة العنكبوت، والتي افتتحت بقوله -تعالى-: ﴿الم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ﴾ [العنكبوت:1-3].

💡وكأن ختام سورة العنكبوت بهذه القاعدة القرآنية هو جواب عن التساؤل الذي قد يطرحه المؤمن -وهو يقرأ صدر سورة العنكبوت- في طريق الدعوة إلى الله تعالى،

❓وذلك السؤال هو: ما المخرج من تلك الفتن التي حدثتنا عنها أول سورة العنكبوت؟!

🔅فيأتي الجواب في آخر السورة، في هذه القاعدة القرآنية المحكمة: ﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا﴾؛ فلا بد من الجهاد -بمعناه العام- ولا بدّ من الإخلاص، ⇦عندها تأتي الهداية، ويتحقق التوفيق بإذن الله.

🔆وإذا تبينت صلة هذه القاعدة القرآنية المذكورة في آخر سورة العنكبوت بأول السورة؛ فإن دلالات هذه القاعدة في ميدان الدعوة كبيرة ومتسعة جدًا، وهي تدل بوضوح على أن من رام الهداية والتوفيق -وهو يسير في طريق الدعوة- فليحقق ذينك الأصلين الكبيرين اللذين دلّت عليهما هذه القاعدة:

١- أما الأصل الأول: فهو بذل الجهد والمجاهدة في الوصول إلى الغرض الذي ينشده الإنسان في طريقه إلى الله تعالى.

٢- والأصل الثاني هو: الإخلاص لله.

🔅لقوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا﴾؛ فليس جهادهم من أجل نصرة ذاتٍ، ولا جماعةٍ على حساب أخرى، وليس من أجل لعاعة من الدنيا، بل هو في ذات الله تعالي

📌وإذا تقرر أن السورة مكية؛ فإن ثمة معنًى كبيرًا تشير إليه هذه القاعدة:

⇦وهو أن من أبلغ صور الجهاد: الصبر على الفتن بنوعيها: فتن السراء وفتن الضراء، والتي أشارت أوائل سورة العنكبوت إلى شيءٍ منها.

💬 وهذه القاعدة القرآنية المحكمة دلت على شيءٍ آخر، كما يقول ابن القيم -رحمه الله-:

«وهو أنّ أكملَ الناس هدايةً أعظمُهم جهادًا، وأفرضُ الجهادِ جهادُ النفس، وجهاد الهوى، وجهاد الشيطان، وجهاد الدنيا،

💡فمن جاهد هذه الأربعة في الله، هداه الله سبل رضاه الموصلة إلى جنته، ومن ترك الجهاد فاته من الهدى بحسب ما عطل من الجهاد…

❗️ولا يتمكن من جهاد عدوه في الظاهر إلا من جاهد هذه الأعداء باطنًا، فمن نُصِرَ عليها نُصِرَ على عدوه، ومن نصرتْ عليه نُصِرَ عليه عدوُه».

📍ولأهل العلم نصيب من هذه القاعدة:

💬 يقول أحمد بن أبي الحواري: حدثني عباس بن أحمد -في قوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا﴾ -: الذين يعملون بما يعلمون، نهديهم إلى ما لا يعلمون.

🔅وهذا الذي ذكره هذا العالم الجليل هو معنى ما روي في الأثر: "من عمل بما علم، ورّثه الله علم ما لم يعلم"، وشاهدُ هذا في كتاب الله: ﴿وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ﴾ [محمد:17].

وكان عمر بن عبد العزيز -رحمه الله- يقول: «جهلنا بما علمنا لما تركنا العمل بما علمنا، ولو عملنا بما علمنا لفتح الله على قلوبنا غلق ما لا تهتدي إليه آمالنا».

🎯 وفي واقع المسلمين أحوال تحتاج إلى استشعار معنى هذه القاعدة القرآنية: ﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا﴾:

▼فمن له والدان كبيران مريضان، بحاجة أن يستشعر هذه القاعدة.

▼ومن سلك طريق طلب العلم، فطال عليه بعض الشيء بحاجة أن يتأمل معاني هذه القاعدة.

▼ومن فرّغ جزءًا من وقته لتربية النشء والشباب، أو لتعليم أبناء وبنات المسلمين كتابَ الله ﷻ -وقد دبّ إليه الفتور- هو بحاجة ماسّة ليتدبر هذه القاعدة.

💡وبالجملة: فكلُّ مَن نصب نفسه لعمل صالح، سواء كان قاصرًا أم متعديًا، فعليه أن يتدبّر هذه القاعدة كثيرًا؛ فإنها بلسمٌ شافٍ في طريق السائرين إلى ربهم، ويوشك المؤمن أن ينسى كلَّ ما واجهه من تعب ونصب، إذا وضع قدمه على أول عتبة من عتبات الجنة، جعلني الله وإياكم -ووالدينا وذرياتنا- من أهلها، ومن الدعاة إلى دخولها.

"من كتاب "قواعد قرآنية" - د.عمر المقبل (باختصار)".

ღ قوت القلوب ღ

أم حذيفة 11-03-2020 02:49 AM

قواعد قرآنية

القاعدة الخامسة والعشرون*:

🔅 {وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا} [الإسراء:59].

هذه قاعدة من القواعد التي تتصل بفقه السنن الإلهية في الأمم والمجتمعات.

وقد تنوعت عبارات المفسرين في بيان المراد بهذه الآيات التي يرسلها ربنا تعالى، فمن قائل: هو الموت المتفشي الذي يكون بسبب وباء أو مرض، وقائلٍ: هي معجزات الرسل جعلها الله تعالى تخويفًا للمكذبين، وثالث يقول: آيات الانتقام تخويفًا من المعاصي.

📌والمهم هنا أن يتأمل المؤمن والمؤمنة كثيرًا في الحكمة من إرسال هذه الآيات ألا وهي: التخويف، أي: حتى يكون الإنسان خائفًا وجلًا من عقوبة قد تنزل به.

❗️ومع وضوح هذا المعنى الذي دلت عليه هذه القاعدة القرآنية، ومع ظهوره، إلا أن من المؤسف جدًا أن يقرأ الإنسان أو يسمع بعض كُتَّاب الصحف، أو المتحدثين على بعض المنابر الإعلامية ممن يسخرون أو يهوّنون من هذه المعاني الشرعية الظاهرة! ويريدون أن يختصروا الأسباب -في وقوع الزلازل أو الفيضانات، أو الأعاصير ونحوها- في أسباب مادية محضة، وهذا غلط عظيم!

💡ونحن لا ننكر أن لزلزلة الأرض أسبابًا جيولوجية معروفة، وللفيضانات أسبابها، وللأعاصير أسبابها المادية، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه: مَن الذي أمر٤٤ق الأرض أن تتحرك وتضطرب؟ ومن الذي أذن للماء أن يزيد عن قدره المعتاد في بعض المناطق؟ ومن الذي أمر الرياح أن تتحرك بتلك السرعة العظيمة؟ أليس هو الله؟! أليس الذي أرسلها يريد من عباده أن يتضرعوا إليه، ويستكينوا له لعله يصرف عنهم هذه الآيات؟!

❓ولا أدري! ألم يتأمل هؤلاء دلالة هذه القاعدة من الناحية اللغوية؟ فإنها جاءت بأسلوب الحصر: ﴿وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا﴾

❓ثم ماذا يصنع هؤلاء الذين يهوّنون من شأن هذه الآيات بمثل تلك التفسيرات المادية الباردة، ماذا يصنعون بما رواه البخاري ومسلم عن عائشة -رضي الله عنها- أنها قالت: كان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا عصفت الريح، قال: "اللهم إني أسألك خيرها وخير ما فيها وخير ما أرسلت به، وأعوذ بك من شرها وشرما فيها وشر ما أرسلت به" قالت: وإذا تخيلت السماء -وهي سحابة فيها رعد وبرق يخيل إليه أنها ماطرة- تغير لونه، وخرج ودخل، وأقبل وأدبر، فإذا مطرت سُرّي عنه، فعرفت ذلك في وجهه، قالت عائشة: فسألته؟ فقال: "لعله يا عائشة كما قال قوم عاد: ﴿فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا﴾".

⚠️ وأما ما يورده بعض الناس من قولهم:
هناك بلاد أشد معصية من تلك البلاد التي أصابها ذلك الزلزال، ويوجد دول أشد فجورًا من تلك التي ضربها ذاك الإعصار، فهذه الإيرادات لا ينبغي أن تورد أصلًا؛

❗️لأنها كالاعتراض على حكمة الله تعالى في أفعاله وقضائه وقدره، فإن ربنا يحكم ما يشاء ويفعل ما يريد، والله يقضي بالحق، وربنا لا يُسأل عما يفعل، وله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الحكمة البالغة، والعلم التام، ومن وراء الابتلاءات حكم وأسرار تعجز عقولنا عن الإحاطة بها، فضلًا عن إدراكها.

نسأل الله تعالى أن يرزقنا الاعتبار والادكار، والاتعاظ بما نوعظ به، ونعوذ بالله من قسوة القلب التي تحول دون الفهم عن الله وعن رسوله.


"من كتاب "قواعد قرآنية" - د.عمر المقبل (باختصار)".

ღ قوت القلوب ღ

أم حذيفة 11-06-2020 01:09 AM

📩 قواعد قرآنية

القاعدة السادسة والعشرون:

🔅 {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا} [الحجرات:6]

📌هذه قاعدة قرآنية عظيمة الصلة بواقع الناس، وازدادت الحاجة إلى التنويه بها في هذا العصر الذي اتسعت فيه وسائل نقل الأخبار... فهي تأمر عموم المؤمنين حين يسمعون خبرًا أن يتحققوا بأمرين:

الأول: التثبت من صحة الخبر.

الثاني: التبيُّن من حقيقته.

💡وفي هذه القاعدة القرآنية دلالات أخرى منها:

١- أنّ خبر العدل مقبول غير مردود، اللهم إلا إن لاحت قرائن تدل على وهمه وعدم ضبطه فإنه يُرَدّ.

٢- أنه سبحانه لم يأمر بردِّ خبر الفاسق وتكذيبه ورد شهادته جملةً، وإنما أمر بالتبين، فإن قامت قرائن وأدلة من خارج تدل على صدقه عمل بدليل الصدق، ولو أخبر به من أخبر.

٣- ومنها: أنها تضمنت ذم التسرع في إذاعة الأخبار التي يُخشى من إذاعتها.

٤- أن في تعليل هذا الأدب بقوله:
﴿أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ﴾
ما يوحي بخطورة التعجل في تلقي الأخبار عن كل أحدٍ، خصوصًا إذا ترتب على تصديق الخبر طعنٌ في أحد، أو بهتٌ له.

❗️إذا تبين هذا المعنى، فإن من المؤسف أن يجد المسلم خرقًا واضحًا من قبل كثير من المسلمين لهذه القاعدة القرآنية المُحكمة، وازداد الأمر واتسع مع وسائل الاتصال المعاصرة كأجهزة الجوال والإنترنت وغيرها

⚠️ وأعظم من يُكذَب عليه من الناس في هذه الوسائل هو رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فكم نُسِبَت إليه أحاديث وقصص لا تصح عنه!

⇐ ويَلِي هذا الأمر في الخطورة: التسرُّع في النقل عن العلماء، خصوصًا العلماء الذين ينتظر الناس كلمتهم، ويتتبعون أقوالهم، وكلُّ هذا مُحرّم لا يجوز،

💡وإذا كنا أمرنا في هذه القاعدة القرآنية:
﴿إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا﴾ أن نتحرى ونتثبت من الأخبار عمومًا؛ فإنها في حق النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وحق ورثته أشدّ وأشد.

↵ ومثل ذلك يقال: في النقل عما يصدر عن ولاة أمور المسلمين، وعن خواص المسلمين ممن يكون لنقل الكلام عنهم له أثره، فالواجب التثبت والتبين، قبل أن يندم الإنسان ولات ساعة مندم.

ولا يقتصر تطبيق هذه القاعدة القرآنية: (إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا) على ما سبق ذكره، بل هي قاعدة يحتاجها الزوجان مع بعضهما، والآباء مع أبنائهم، والأبناء مع آبائهم.

‼️ ولله كم من بيتٍ تقوضت أركانه بسبب الإخلال بهذه القاعدة القرآنية! ولو أن الزوجين أعملا هذه القاعدة القرآنية: ﴿فَتَبَيَّنُوا﴾ لما حصل هذا كلّه.

جعلنا الله وإياكم من المتأدبين بأدب القرآن العاملين به.

"من كتاب "قواعد قرآنية" - د.عمر المقبل (باختصار)".

ღ قوت القلوب ღ

أم حذيفة 11-09-2020 11:11 PM

📩 قواعد قرآنية

القاعدة السابعة والعشرون

🔅 {وَمَنْ تَزَكَّى فَإِنَّمَا يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ} [فاطر:18]

📌هذه قاعدة قرآنية عظيمة القدر؛ لعظيم أثرها في حياة العبد، وقوة صلتها بتلك المضغة التي بيَّن النبي -ﷺ- أن صلاحها صلاح لبقية الجسد، وفسادها فساد له.

💡التزكية تطلق ويراد بها معنيان:
◁ المعنى الأول: التطهير،
◁ والمعنى الثاني: هو الزيادة،
⇐فالزكاة -باختصار- تدور على أمرين: التخلية، والتحلية.

والمقصود بالتخلية: أي تطهير القلب من أدران الذنوب والمعاصي،

والمقصود بالتحلية: أي تحلية النفس بمكارم الأخلاق، وطيب الشمائل.

💡 وهما عمليتان تسيران جنبًا إلى جنب، فالمؤمن مُطالَب بالتنقِّي من العيوب: كالرياء والكبر، والكذب والغش، والمكر والخداع والنفاق، ونحو ذلك من الأخلاق الرذيلة، ومُطالَب بالتحلِّي بالأخلاق الجميلة: من الصدق، والإخلاص، والتواضع، ولين الجانب، والنصح للعباد، وسلامة الصدر من الحقد والحسد وغيرهما من مساوئ الأخلاق؛ فإن تزكيته يعود نفعها إليه، ويصل مقصودها إليه، ليس يضيع من عمله شيء.

🔆وإنّ مَن تأمل نصوص القرآن وجد عناية عظيمة بمسألة تزكية النفوس ومن تأمَّل سورة الشمس؛ أدرك عظيم هذه الغاية، وخطورة هذه العبادة الجليلة، فإن الله تعالى أقسم أحد عشر قسمًا متتابعًا على أن فلاح النفس لا يكون إلا بتزكيتها! وهو بلا ريب دليل واضح، وبرهان ساطع على خطورة هذا الموضوع .

إنَّ سؤالًا يتبادر إلى الذهن ونحن نتحدث عن هذه القاعدة القرآنية: كيف نزكّي نفوسنا؟ والجواب عن هذا يطول جدًا، لكنني أشير باختصار إلى أهم وسائل تزكية النفس، فمن ذلك:

١- توحيد الله تعالى، وقوة التعلق به.

٢- ملازمة قراءة القرآن، وتدبره.

٣- كثرة الذكر عمومًا.

٤- المحافظة على الصلاة المفروضة، وقيام الليل ولو قليلًا.

٥- لزوم محاسبة النفس بين الفينة والأخرى.

٦- حضور الآخرة في قلب العبد.

٧- تذكر الموت، وزيارة القبور.

٨- قراءة سير الصالحين.

⛔️ وفي مقابل هذا: فإن العاقل من يتنبه لسد المنافذ التي قد تُفسد عليه أثر تلك الوسائل؛ لأن القلب الذي يتلقى الوسائل والعوائق موضع واحد لا يمكن انفصاله.

💡إذًا: لا يكفي أن يأتي الإنسان بالوسائل، بل لا بد من الانتباه إلى العوائق، مثل: النظر إلى المحرمات، أو سماع المحرمات، أو إطلاق اللسان فيما لا يعني -فضلًا عما حرم الله تعالى-.

اللهم إنا نسألك وندعوك بما دعاك به نبيك محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "اللهم آتِ نفوسنا تقواها، وزكِّها أنت خير من زكاها أنت وليها ومولاها اللهم إنا نعوذ بك من علم لا ينفع، ومن قلب لا يخشع، ومن نفس لا تشبع، ومن دعوة لا يستجاب لها" (صحيح مسلم).

"من كتاب "قواعد قرآنية" - د.عمر المقبل (باختصار)".

ღ قوت القلوب ღ

أم حذيفة 11-14-2020 01:56 AM

📩 قواعد قرآنية

القاعدة الثامنة والعشرون

🔅 {وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ}
[الأعراف:85]

📌هذه قاعدة قرآنية تتصل بواقع الناس، سواء في أبواب المعاملات -وهذا الأصل في سياقها الذي وردت فيه- أم في أبواب تقييم الناس أو الأعمال، كما سيأتي بيانه قريبًا.

💡وأنت إذا تأملت هذه القاعدة القرآنية؛ وجدتها جاءت بعد عموم النهي عن نقص المكيال والميزان، لتشمل جميع ما يمكن بخسه من القليل والكثير، والجليل والحقير.

وإذا تبين سعة مدلول هذه القاعدة، وأن من أخصّ ما يدخل فيها بخس الحقوق المالية؛ فإن دلالتها تتسع لتشمل كلّ حق حسي أو معنوي ثبت لأحدٍ من الناس.

🔻أما الحقوق الحسية فكثيرة، منها: ما سبقت الإشارة إليه -كالحق الثابت للإنسان كالبيت والأرض والكتاب والشهادة الدراسية- ونحو ذلك.

🔻وأما الحقوق المعنوية، فأكثر من أن تُحصر، ولكن يمكن القول: إن هذه القاعدة القرآنية كما هي قاعدة في أبواب المعاملات، فهي بعمومها قاعدة من قواعد الإنصاف مع الغير.

🔆 والقرآن مليء بتقرير قاعدة الإنصاف، وعدم بخس الناس حقوقهم، تأمل -مثلًا- قول الله تعالى: {وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} [المائدة:8]

فتصور! ربك يأمرك أن تُنصف عدوك، وألا يحملك بغضه على غمط حقه، أفتظن أن دينًا يأمرك بالإنصاف مع عدوك، لا يأمرك بالإنصاف مع أخيك المسلم؟!

❗️وفي واقع المسلمين ما يندى له الجبين من بخس للحقوق، وإجحاف وقلة الإنصاف، حتى أدى ذلك إلى قطيعةٍ وتدابر...

📍وقلّب صفحات التعامل في واقعنا:

▪️يختلف أحدنا مع شخص آخر من أصدقائه، أو مع أحد من أهل الفضل والخير، فإذا غضب عليه أطاحَ به، ونسي جميع حسناته، وجميع فضائله، وإذا تكلَّم عنه تكلم عليه بما لا يتكلم به أشد الناس عداوة، والعياذ بالله!

▪️وقُلْ مثل ذلك: في تعاملنا مع زلّة العالم، أو خطأ الداعية، الذين عرف عنهم جميعًا تلمُّس الخير، والرغبة في الوصول إلى الحق، ولكن لم يُوفَّق في هذه المرة أو تلك، فتجد بعض الناس ينسى أو ينسف تاريخه وجهاده ونفعه للإسلام وأهله، بسبب خطأ لم يحتمله ذلك المتكلم أو الناقد، مع أنه قد يكون معذورًا فيه!

ولنفترض أنه غير معذور، فما هكذا يربينا القرآن! بل إن هذه القاعدة القرآنية التي نحن بصدد الحديث عنها تؤكد ضرورة الإنصاف، وعدم بخس الناس حقوقهم.

▪️وتلوح ههنا صورة مؤلمة في مجتمعنا، تقع من بعض الكفلاء الذين يبخسون حقوق خدمهم أو عمالهم، فيؤخرون رواتبهم، وربما حرموهم من إجازتهم المستحقة لهم، أو ضربوهم بغير حق، في سلسلة مؤلمة من أنواع الظلم والبخس! أفلا يتقي الله هؤلاء؟! ألا يخشون أن يُسَلَّطَ عليهم من يظلمهم ويبخسهم حقوقهم؟! ألا يخشون من عقوبات دنيوية -قبل الأخروية- تصيبهم بما صنعوا؟!

▪️ويقع البخس -أحيانًا- في تقييم الكتب أو المقالات على النحو الذي أشرنا إليه آنفًا، ولعلّ من أسباب غلبة البخس على بعض النقاد في هذه المقامات، أن الناقد يقرأ بنية تصيُّد الأخطاء والعيوب، لا بقصد التقييم المنصف، وإبراز الصواب من الخطأ، عندها يتضخم الخطأ، ويغيب الصواب، والله المستعان.

نسأل الله تعالى أن يرزقنا الإنصاف من أنفسنا، والإنصاف لغيرنا، وأن يجعلنا من المتأدبين بأدب القرآن العاملين به.

"من كتاب "قواعد قرآنية" - د.عمر المقبل (باختصار)".

ღ قوت القلوب ღ

أم حذيفة 11-20-2020 12:00 AM

📩 قواعد قرآنية

القاعدة التاسعة والعشرون:

🔅 {وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِأَعْدَائِكُمْ}
[النساء:45]

📌هذه قاعدة قرآنية عظيمة الصلة بواقع الناس، وازدادت الحاجة إلى التنويه بها في هذا العصر الذي اتسعت فيه وسائل نقل الأخبار، وكثر فيها تكالب الأعداء بصنفيهم: المُعلَن والخفي.

🔅 وإذا كان الله ﷻ يخبرنا هذا الخبر الصادق في هذه القاعدة القرآنية: ﴿وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِأَعْدَائِكُمْ﴾ فحري بنا أن نتأمل جيدًا فيمن وصفهم ربنا بأنهم أعداء لنا، فليس أصدق من الله قيلًا، ولا أصدق من الله حديثًا.

⚠️ وعلى رأس أولئك الأعداء:

١- عدوّ الله إبليس، الذي لم يأتِ تحذيرٌ من عدوٍّ كما جاء في التحذير منه، فكم في القرآن من وصفه بأنه عدو مبين! بل إن من أبلغ الآيات وضوحًا في بيان حقيقته وما يجب أن يكون موقفنا منه، هو قوله تعالى: ﴿إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ﴾
[فاطر:6]!

٢- الكفار المُحارِبون لنا، ومن كان في حكمهم ممن يريد تبديل ديننا، أو طمس معالم شريعتنا، قال -تعالى-:
﴿إِنَّ الْكَافِرِينَ كَانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُبِينًا﴾
[النساء:101].

قال أهل العلم:
«والمعنى أن العداوة الحاصلة بينكم وبين الكافرين قديمة والآن قد أظهرتم خلافهم في الدين وازدادت عداوتهم وبسبب شدة العداوة أقدموا على محاربتكم وقصد إتلافكم».

❗️فهذا النوع من الكفار حرم الله علينا مودتهم وموالاتهم،

💡ومن كمال الشريعة أنها فرقت بين أنواع الكفار، فقال الله تعالى في نفس سورة الممتحنة -التي حذرنا ربنا فيها من موالاة الصنف السابق-:
﴿لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ * إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾
[الممتحنة:8-9].

٣- والصنف الثالث الذين نصَّ القرآن على عداوتهم، بل وشدتهم:
هم المنافقون،
الذين يظهرون الإيمان ويبطنون الكفر؛ قال تعالى:
﴿هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ﴾ [المنافقون:4].

🔅يقول ابن القيم -رحمه الله-:
«وقد هتك الله سبحانه أستار المنافقين وكشف أسرارهم في القرآن وجلّى لعباده أمورهم ليكونوا منها ومن أهلها على حذر.

وذكر طوائف العالم الثلاثة في أول سورة البقرة: المؤمنين والكفار والمنافقين، فذكر في المؤمنين أربع آيات، وفي الكفار آيتين، وفي المنافقين ثلاث عشرة آية؛ لكثرتهم، وعموم الابتلاء بهم، وشدة فتنتهم على الإسلام وأهله، فإن بلية الإسلام بهم شديدة جدًا؛ لأنهم منسوبون إليه وإلى نصرته وموالاته وهم أعداؤه في الحقيقة.

يخرجون عداوته في كل قالب، يظن الجاهل أنه علم وإصلاح، وهو غاية الجهل والإفساد».

💡إذا تبين هذا، اتضح لنا أهمية تأمل هذه القاعدة القرآنية:
﴿وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِأَعْدَائِكُمْ﴾ ، وأن لا تخدعنا عن معرفة حقائق أعدائنا ظروفٌ استثنائية، أو أحوال خاصة، فإن الذي أخبرنا بهؤلاء الأعداء هو الله الذي خلقهم وخلقنا، ويعلم ما تكنه صدور العالمين أجمعين.

اللهم أرنا الحق حقًا وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلًا وارزقنا اجتنابه.

"من كتاب "قواعد قرآنية" - د.عمر المقبل (باختصار)".

ღ قوت القلوب ღ

أم حذيفة 11-23-2020 11:03 PM

📩 قواعد قرآنية

القاعدة الثلاثون:

🔅 * {وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ}*
[الطلاق:3].

📌هذه قاعدة قرآنية إيمانية تمتد جذورها في قلوب الموحدين، في غابر الزمان وحاضره، وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.

💡ومعنى هذه القاعدة ظاهر بَيِّن، فإنّها تدل على أن من توكَّل على ربه ومولاه في أمر دينه ودنياه، بأن يعتمد على الله في جلب ما ينفعه ودفع ما يضره، وفعل ما أمر به من الأسباب، مع كمال الثقة بتسهيل ذلك، وتيسيره ﴿فَهُوَ حَسْبُهُ﴾
أي: كافيه الأمر الذي توكل عليه به.

📍وإنّ التّوكُّل على اللّه مطلوب في كلّ شئون الحياة، بيدَ أنّ هناك مواطن كثيرة وَردَ فيها الحضّ على التّوكّل والأمر به للمصطفى صلَّى الله عليه وسلَّم والمؤمنين (كطلب النصر، وعند الإعراض عن الأعداء، وعند السلم، وإذا أعرض عنكَ الخَلق.. وغيرها).

⚠️وقبل أن نختم حديثنا عن هذه القاعدة القرآنية: أود أن أنبه إلى ما ذكره العلامة ابن القيم -رحمه الله- مِن أن كثيرًا من المتوكلين يكون مغبونًا في توكله!

وبيان ذلك -كما يقول-: أنك ترى بعض الناس يصرف توكله إلى حاجة جزئية استفرغ فيها قوّة توكله، مع أنه يمكنه نيلها بأيسر شيء، وفي المقابل ينسى أو يغفل عن تفريغ قلبه للتوكل في زيادة الإيمان، والعلم، ونصرة الدين، والتأثير في العالم خيرًا، فهذا توكل العاجز القاصر الهمة!

↵ كما يصرف بعضهم همته وتوكله ودعاءه إلى وجع يمكن مداواته بأدنى شيء، أو جوع يمكن زواله بنصف رغيف، أو نصف درهم، ويدع صرفه إلى نصرة الدين، وقمع المبتدعين، وزيادة الإيمان ومصالح المسلمين.

💡وههنا ملحظ مهم يستفاد من كلامه -رحمه الله-: وهو أن الواحد منا -في حال نشاطه وقوة إيمانه- قد يقع منه نسيان وغفلة عن التوكل على الله؛ اعتمادًا على ما في القلب من قوة ونشاط، وهذا غلط ينبغي التنبه إليه، والحذر منه

اللهم إنا نبرأ من كل حول وقوة إلا من حولك وقوتك، ونعوذ بك أن نوكل إلى أنفسنا طرفة عين.


"من كتاب "قواعد قرآنية" - د.عمر المقبل (باختصار)".

أم حذيفة 11-27-2020 01:09 AM


القاعدة الحادية والثلاثون:

🔅 {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ}
[النساء:19]

📌هذه قاعدة قرآنية وإيمانية، وثيقة الصلة بواقع الناس الاجتماعي، بل وبأخص تلك العلاقات الاجتماعية.

🔅 ولعظيم موقع هذه المعاني التي دلت عليها هذه القاعدة القرآنية أكّد النبي صلى الله عليه هذه الحقوق في أعظم مجمع عرفته الدنيا في ذلك الوقت؛ حين خطب الناس في يوم عرفة فقال:
(( فاتقوا الله في النساء، فإنكم أخذتموهن بأمان الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله، ولكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم أحدًا تكرهونه، فإن فعلن ذلك فاضربوهن ضربًا غير مبرح، ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف))
[رواه مسلم]

والآيات والأحاديث في هذا الباب كثيرة جدًّا.

💡والمقصود التنبيه على عظيم موقع هذه القاعدة الشرعية، والتي يتألّم المؤمن من كثرة ما يرى من هتك لحرمتها، وعدم مراعاة لحدودها! فترى بعض الرجال لا يحسن إلا حفظ وترديد الآيات والحقوق التي تخصه، ولا يتحدث عن النصوص التي تؤكد حقوق زوجته، فويل للمطففين!

⇦ وفي المقابل فإن على الزوجة أن تتقي الله ﷻ في زوجها، وأن تقوم بحقوقه قدر الطاقة، وأن لا يحملها تقصير زوجها في حقها على مقابلة ذلك بالتقصير في حقه، وعليها أن تصبر وتحتسب.

وبعد: هذه هي نظرة الإسلام العميقة للعلاقة الزوجية، اختصرتْها هذه القاعدة القرآنية المحكمة: ﴿وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾ ، وكذلك:
﴿وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾؛

💡فهي علاقة قائمة على المعاشرة بالمعروف، وعلى الصبر على ما قد يبدر من الطرفين من تقصير، فإن كانت العلاقة غير قابلة للاستمرار فيأتي الأمر بالتسريح بالمعروف -أيضًا- الذي يحفظ حق الكرامة لكلا الطرفين؛

◁◁ كلُّ هذا يجعل المؤمن يفخر ويحمد الله على هدايته وانتمائه لهذه الشريعة العظيمة الكاملة من كل وجه، وينظر بعين المقت لتلك الأقلام الدنسة، والدعوات الخبيثة التي تجرّئ المرأة -إذا رأت من زوجها ما تكره-، وتوحي للرجل -إذا رأى من زوجته ما يكره- أن ينحرف قلبه عن مساره الشرعي ليقيم علاقةً محرمةً مع هذه أو ذاك!!

اللهم كما هديتنا لهذه الشريعة فارزقنا العمل بها، والثبات عليها حتى نلقاك.

"من كتاب "قواعد قرآنية" - د.عمر المقبل (باختصار)".

ღ قوت القلوب ღ

أم حذيفة 12-03-2020 02:19 AM

📩 قواعد قرآنية

القاعدة الثانية والثلاثون:

🔅 {وَلَن يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ}
[الحج:47]

📌هذه قاعدة قرآنية إيمانية، وثيقة الصلة بالواقع الذي تعيشه الأمة اليوم بالذات، وهي تعيش هذه التغيرات المتسارعة، والتي خالها البعض خارجةً عن سنن الله تعالى!! وليس الأمر كذلك.


وإذا تقرر أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، فإن هذه القاعدة القرآنية عامة في كل ما وعد الله به؛ إذ لا مُكرِه لربنا جل وعلا، ولا رادَّ لأمره ومشيئته،

⇦ولكن الشأن في تحقق العباد بفعل الأسباب المتعلقة بما وعد الله به.

📍وإذا تقرر عموم هذه القاعدة في الخير والشر، فإنها -بلا ريب- من أعظم ما يجدد الفأل في نفوس أهل الإسلام، في الثبات على دينهم ومنهجهم الحق، بل وتزيدهم يقينًا بما عليه أهل الكفر والملل الباطلة من ضلال وانحراف..

💡 ولو تأملتَ لوجدت أن أضعف الناس يقينًا بموعود الله هم أهل الدنيا، الراكنين إليها، وأقواهم يقينًا هم العلماء الربانيون، وأهل الآخرة، جعلنا الله منهم بمنِّه وكرمه.

◈ والمؤمن ليس من شأنه أن يقترح أجلًا لإهلاك الكفار، أو موعدًا لنصر الإسلام، أو غير ذلك من الوعود التي يقرأها في النصوص الشرعية،

⇦ولكن من شأنه أن يسعى في نصرة دينه بما يستطيع، وأن لا يظل ينتظر مضي السنن؛ فإن الله لم يتعبدنا بهذا، وعليه أن يفتش في مقدار تحققه بالشروط التي ربطت بها تلك الوعود، فإذا قرأ -مثلًا- قول الله ﷻ:
*﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ﴾ [محمد:7]
فعليه هنا أن يفتش عن أسباب النصر التي أمر الله بها: هل تحققت فيه فردًا أو في الأمة على سبيل المجموع؛ ليدرك الجواب على هذا السؤال: لماذا لا تنتصر الأمة على أعدائها؟!

🔆 ولعلنا نختم هذه القاعدة بهذه اللطيفة المتصلة بها: ذلك أن هذه القاعدة تضمنت تمدّح الله بهذا، وثناءه على نفسه، ويتضح لك هذا المعنى إذا قرأت ما حكاه الله تعالى عن إبليس -وهو يخطب في حزبه وأوليائه في جهنم- حيث يقول: *﴿إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ﴾ * [سورة إبراهيم:22]

فسبحان مَنْ تمدح بالكمال وهو أهلٌ له، وسبحان من وعد فأوفى، ﴿وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ﴾ [التوبة:١١١]؟


"من كتاب "قواعد قرآنية" - د.عمر المقبل (باختصار)".

ღ قوت القلوب ღ

أم حذيفة 12-05-2020 01:55 AM

📩 قواعد قرآنية

القاعدة الثالثة والثلاثون:

🔅 {وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ ۖ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا} [القصص:77]

📌هذه قاعدة قرآنية، وضوابط شرعية في مسألة حدث ولا زال يحدث فيها الخلل؛ بسبب القصور أو التقصير في تلمُّس الهدي القرآني في تطبيقها، وهي ميزانٌ عظيم في التعامل مع المال، الذي هو مما استخلف الله العباد عليه، ولهذا سيسألهم يوم القيامة عنه سؤالين: من أين اكتسبه؟ وفيم أنفقه؟

🌟 إنّ من أعظم مزايا هذا الدين ومحاسنه، أنه دين يدعو إلى التوازن في كل شيء، من غير إفراط ولا تفريط، ولا غلوٍّ ولا جفاء -في أمر الدين أو الدنيا- وهذا ما تقرّره هذه القاعدة بوضوح وجلاء.

💡ولو تأمّلنا هذه الآية لوجدنا ترتيب الكلام فيها كأنه عقد نُظِمَ كأحسن ما يكون النَّظم، فهي قد اشتملت على
أربعة وصايا عظيمة، أحوجُ الناس إليها -في هذا المقام- هم أرباب الأموال، فلنتأملها جميعًا:

🔹الأولى: ﴿وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ﴾ فإنّ الآخرة هي المستقبل الذي يجب على كلّ عاقل أن يسعى للنجاة فيها، وأن يجعل حاضره من الدنيا تمهيدًا لها، وأن يجعل سعيه في حياته غراسًا ليوم الحصاد.

🔹الثانية: ﴿وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا﴾؛ والنهي فيها على سبيل الإباحة، والمعنى: لا نلومُك على أن تأخذ نصيبك من الدنيا، وهذا احتراس في الموعظة خشيةَ نفور الموعوظ من موعظة الواعظ؛ لأنّهم لما قالوا لقارون: ﴿وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ﴾ أوهموا أن يترك حظوظ الدنيا فلا يستعمل ماله إلا في القربات، قال قتادة: نصيب الدنيا هو الحلال كله.

🔹الوصية الثالثة: ﴿وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ﴾؛ وهذا يتّفق تمامًا مع العقل والشرع، قال الله -تعالى-: ﴿هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ﴾ [الرحمن:٦٠]

💡والإحسان داخل في عموم ابتغاء الدار الآخرة ولكنه ذكر هنا ليبني عليه الاحتجاج بقوله: ﴿وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ﴾، والكاف للتشبيه، أي: كإحسان الله إليك، أي: كما تحبّ أن يحسن إليك ربك، ويدوم إحسانه؛ فلا تقطع إحسانك عن خلقه، وإلا فالله غني عن العالمين.

🔹ورابع هذه الوصايا في هذه القاعدة: ﴿وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ﴾؛ ⇦للتحذير من خلط الإحسان بالفساد فإنّ الفساد ضد الإحسان،

وجملة: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ﴾ علة للنهي عن الإفساد؛ لأنّ العمل الذي لا يحبه الله لا يجوز لعباده عمله.

🔅وبعد هذا التطواف السريع في ظلال هذه القاعدة القرآنية الجليلة: يتبين لنا بوضوحٍ أن هذا القرآن -كما قال منزله ﷻ-: ﴿يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ﴾ [الإسراء:٩]، وأنه ما من قضية يحتاجها الناس إلا وحكمها في كتاب الله، ولكن أين المتدبرون، والناهلون من هذا المعين الذي لا ينضب؟!

اللهم إنا نسألك القصد في الفقر والغنى، ونسألك نعيمًا لا ينفد، وقرة عين لا تنقطع، ونسألك الرضاء بعد القضاء، وبرد العيش بعد الموت، ونسألك لذة النظر إلى وجهك والشوق إلى لقائك في غير ضراء مضرة ولا فتنة مضلة، اللهم زينا بزينة الإيمان واجعلنا هداة مهتدين.

"من كتاب "قواعد قرآنية" - د.عمر المقبل (باختصار)".

ღ قوت القلوب ღ

أم حذيفة 12-08-2020 05:10 AM

📩 قواعد قرآنية

القاعدة الرابعة والثلاثون:

🔅 {وَلَن تَرْضَىٰ عَنكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَىٰ حَتَّىٰ تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ} [البقرة:120]

📌هذه قاعدة قرآنية عقدية، نزلت قبل أربعة عشر قرنًا، ولا تزال معانيها تتجدد لأهل الإسلام في كل زمان.

💬 يقول شيخ المفسرين ابن جرير الطبري -رحمه الله-:

«وليست اليهود -يا محمد- ولا النصارى براضية عنك أبدًا، فدع طلب ما يرضيهم ويوافقهم، وأقبِل على طلب رضا الله في دعائهم إلى ما بعثك الله به من الحق؛ فإن الذي تدعوهم إليه من ذلك لهو السبيل إلى الاجتماع فيه معك على الألفة والدين القيم، ولا سبيل لك إلى إرضائهم باتباع ملتهم...

وإذا لم يكن لك إلى ذلك سبيل، فالزم هدى الله الذي لجميع الخلق إلى الألفة عليه سبيل».

⚠️وتأمَّل ما تضمّنته تتمة هذه القاعدة من وعيد عظيم لمن اتبع أهواءهم، ولمن هذا الوعيد العظيم؟! لمحمد صلى الله عليه وسلم ! مع أنه لا يمكن أن يقع منه شيء من ذلك بعصمة الله له.

قال تعالى في تتمة هذه القاعدة المحكمة: ﴿قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ﴾ [البقرة:١٢٠].

يقول ابن جرير -رحمه الله- في تتمة تعليقه على هذه الآية:

«يعني جل ثناؤه بقوله: ﴿وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ﴾ هوى هؤلاء اليهود والنصارى -فيما يرضيهم عنك- من تهوُّدٍ وتنصُّر، فصِرتَ من ذلك إلى إرضائهم، ووافقتَ فيه محبتهم -من بعد الذي جاءك من العلم بضلالتهم وكفرهم بربهم، ومن بعد الذي اقتصصت عليك من نبئهم في هذه السورة-؛ ﴿مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ﴾ يعني بذلك: ليس لك من وليٍّ يلي أمرك، وقيِّم يقوم به ﴿وَلَا نَصِيرٍ﴾ ينصرك من الله، فيدفع عنك ما ينزل بك من عقوبته، ويمنعك من ذلك، إن أحل بك ذلك ربك».

❗️فإذا كان هذا الكلام موجهًا للنبي صلى الله عليه وسلم ، فمَنِ الناسُ بعده؟!

❗️ومع وضوح هذا النص القرآني المحكم، فإنك لتتألم من تشكيك بعض المسلمين بهذه الحقيقة، وهذا التشكيك يأخذ صورًا شتى، تبدأ من التشكيك في كون هؤلاء كفارًا أصلًا! وتنتهي عند المطالبة بالتماهي والاندماج التام معهم، في مسخ واضح لأصل من الأصول الكبار، ألا وهو الولاء والبراء!

🔻ولم يفرق هؤلاء بين ما يصلح أن يؤخذ منهم، ويستفاد منه في أمور الدنيا، وبين اعتزاز المؤمن بدينه، وتمايزه بعقيدته!

▪️لقد غرّ بعض هؤلاء المتحدّثين كونُهُم يتعاملون مع بعض الأفراد من اليهود والنصارى فلا يجدون منهم إلا تعاملًا جيدًا -كما يقولون- وهذا قد يقع، ولكنه لا يمكن أبدًا أن يكون قاضيًا على هذا الخبر المُحكَم من كلام ربنا،

💡ذلك أن العلاقة الفردية قد يشوبها من المصالح، أو تكون حالات استثنائية، فإذا جدّ الجِدّ، ظهرت أخلاقهم على الحقيقة، ومن له أدنى بصر أو بصيرة أدرك ما فعلته الحروب الصليبية التي غزت بلاد الشام قبل وبعد صلاح الدين! وما فعله إخوانهم وأبناؤهم في فلسطين والعراق، وما حرب غزة الأخيرة إلا أكبر شاهد، ولا ينكره إلا من طمس الله بصيرته عياذًا بالله!

نسأل الله تعالى أن يثبتنا على دينه الذي ارتضاه لنا، وأن يعيذنا من الحور بعد الكور.

"من كتاب "قواعد قرآنية" - د.عمر المقبل (باختصار)".

ღ قوت القلوب ღ

أم حذيفة 12-12-2020 03:02 AM

📩 قواعد قرآنية
القاعدة الخامسة والثلاثون:

🔅 * {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ...}* [البقرة:186]

📌هذه قاعدة قرآنية إيمانية، لها صلة عظيمة بعبادة من أعظم العبادات، ألا وهي عبادة الدعاء.

🔅وتأمل في قوله: ﴿عِبَادِي﴾ فكم في هذا اللفظ من الرأفة بالعباد؛ حيث أضافهم إلى نفسه العليّة سبحانه وبحمده، فأين الداعون؟ وأين الطارقون لأبواب فضله؟!

🔅 وقوله: ﴿فإني قريب﴾ فيه إثبات قربه من عباده جل وعلا، وهو قربٌ خاص بمن يعبده ويدعوه، وهو من أعظم ما يدفع المؤمن للنشاط في دعاء مولاه.

🔅وفي قوله: ﴿أُجِيبُ﴾ ما يدل على قدرة الله وكمال سمعه، وهذا ما لا يقدر عليه أي أحد إلا هو سبحانه!

🔅وقوله: ﴿إِذَا دَعَانِ﴾ فيه إشارة إلى أن من شرط إجابة الدعاء أن يكون الداعي حاضر القلب حينما يدعو ربه، وصادقًا في دعوة مولاه، بحيث يكون مخلصًا مشعرًا نفسه بالافتقار إلى ربه، ومشعرًا نفسه بكرم الله، وجوده.

💡ومن هدايات هذه القاعدة ودلالتها: أن الله تعالى يجيب دعوة الداع إذا دعاه؛ ولا يلزم من ذلك أن يجيب مسألته؛ لأنه تعالى قد يؤخر إجابة المسألة ليزداد الداعي تضرعًا إلى الله، وإلحاحًا في الدعاء؛ فيقوى بذلك إيمانه، ويزداد ثوابه؛ أو يدّخره له يوم القيامة؛ أو يدفع عنه من السوء ما هو أعظم فائدة للداعي.

🌟 وتاج هذه اللطائف المتصلة بهذه القاعدة من قواعد العبادة أنك تلحظ فيها سرًا من أسرار عظمة هذا الدين، وهو التوحيد، فهذا ربك -أيها المؤمن- وهو ملك الملوك، القهار الجبار، الذي لا يشبه مُلْكَه مُلكٌ، ولا سُلْطَانَه سلطانٌ- لا تحتاج إذا أردتَ دعاءه إلى مواعيد، ولا إلى أذونات، ولا شيء من ذلك،

🔻إنما هو رفع اليدين، مع قلبٍ صادق، وتسأل حاجتك، فيا لها من نعمة لا يعرف قدرها إلا الموفق، وإلا الذي يرى ما وقع فيه كثير من جُهّال المسلمين من التوسُّل بالأولياء والصالحين، أو ظنّهم أن الدعاء لا يُقبل إلا من طريق الولي الفلاني أو السيد الفلاني!!

💡ومن هدايات هذه القاعدة -المتعلقة بسياقها-: استحباب الدعاء عند الفطر في رمضان وغيره، ووجه الدلالة من الآيات على هذا المعنى: أن الله تعالى ذكر هذه الآية -آية الدعاء- بُعَيْد آيات الصيام وقبيل آية إباحة الرفث في ليل الصيام.

فما أجمل العبد وهو يظهر فقره وعبوديته بدعاء مولاه، والانكسار بين يدي خالقه ورازقه، ومَنْ ناصيته بيده!

وما أسعده حينما يهتبل (يغتنم) أوقات الإجابة ليناجي ربه، ويسأله من واسع فضله في خيري الدنيا والآخرة!

نسأل الله تعالى أن يرزقنا صدق اللجأ إليه، والانطراح بين يديه، وكمال التضرع له، وقوة التوكل عليه، وأن لا يخيب رجاءنا فيه، ولا يردنا خائبين بسبب ذنوبنا وتقصيرنا.

"من كتاب "قواعد قرآنية" - د.عمر المقبل (باختصار)".

ღ قوت القلوب ღ

أم حذيفة 12-19-2020 12:43 AM

📩 قواعد قرآنية

القاعدة السادسة والثلاثون:

🔅 {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن:16]

هذه قاعدة شرعية من أعظم القواعد الشرعية التي يفزع إليها العلماء في فتاواهم.

📍ولما كانت التقوى قد يعرض لصاحبها التقصير في إقامتها حرصًا على إرضاء شهوة النفس؛ زيد تأكيدُ الأمر بالتقوى بقوله: ﴿مَا اسْتَطَعْتُمْ﴾ أي: مدَّةَ استطاعتكم؛ ليعمَّ الأزمان كلها، ويعمَّ الأحوال تبعًا لعموم الأزمان ويعمّ الاستطاعات، فلا يتخلوا عن التقوى في شيء من الأزمان،

وجعلت الأزمان ظرفًا للاستطاعة لئلا يقصروا بالتفريط في شيءٍ يستطيعونه فيما أمروا بالتقوى في شأنه ما لم يخرج عن حدّ الاستطاعة إلى حدّ المشقة،

💡فليس في قوله: ﴿مَا اسْتَطَعْتُمْ﴾ تخفيف ولا تشديد، ولكنه عَدل وإنصافٌ، ففيه ما عليهم وفيه ما لهم.

▫️وبعد هذا العرض المجمل لمعنى القاعدة، يتبين أن هذا القدر من التقوى هو الواجب على العبد فعله -وهو تقوى الله ما استطاع-،

▫️أما التقوى التي يستحقها الله -تعالى-، فهي التي جاءت في قوله ﷻ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ [آل عمران:102]، وهي التي فسَّرها جمع من السلف بقوله: أن يُطاع فلا يُعصى، ويُذكر فلا يُنسى، ويُشكر فلا يُكفر، وبهذا الجمع يتبين أنه لا يصح قول من قال: إن هذه القاعدة التي نحن بصدد الحديث عنها: ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ﴾ ناسخة لآية آل عمران: ﴿اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ﴾ .

ولعلنا نأخذ بعض الأمثلة التي تجلي هذه القاعدة:

١- روى مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «أيها الناس! قد فرض الله عليكم الحج فحجوا، فقال رجل: أكل عام يا رسول الله؟! فسكت، حتى قالها ثلاثًا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «لو قلتُ: نعم لوجبت! ولما استطعتم»!

ثم قال: «ذروني ما تركتكم! فإنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم، واختلافِهم على أنبيائهم، فإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم، وإذا نهيتكم عن شيء فدعوه».

٢- ومن تطبيقات هذه القاعدة أنه: إذا اجتمعت مصالح ومفاسد، فإن أمكن تحصيل المصالح ودرء المفاسد فعلنا ذلك امتثالًا لأمر الله تعالى فيهما؛ لقوله -سبحانه وتعالى-: ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ﴾ ، وإن تعذَّر الدرء والتحصيل؛ فإن كانت المفسدة أعظم من المصلحة؛ درأنا المفسدة ولا نبالي بفوات المصلحة، قال الله تعالى: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا﴾ حرمهما لأن مفسدتهما أكبر من منفعتهما.

٣- أن الواجب عند إرادة الصلاة: التطهُّر بالماء، فإن عدم أو تعذر استعماله، فإن الإنسان ينتقل إلى التيمم كما هو معلوم.

٤- أن صلاة الفريضة الأصل فيها أن يؤديها المصلي قائمًا، فإن عجز صلى جالسًا، وإلا صلى قاعدًا، كما دلّ على ذلك حديث عمران بن حصين -رضي الله عنه-، ويدخل في ذلك جميع شروط الصلاة وأركانها وواجباتها.

٥- وفي الصيام يجب على المسلم أن يمسك عن جميع المفطرات من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، فإن كان الصيام يشق عليه أفطر وانتقل إلى الإطعام.

٦- ومن تطبيقات هذه القاعدة العظيمة في باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: أن المكلف يجب عليه أنه ينكر باليد إذا قدر عليه، فإن عجز فباللسان، وإلا فبالقلب؛ كما دل على ذلك حديث أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- المخرج في الصحيح.

٧- وفي باب النفقات: فإن من عليه نفقةٌ واجبة، وعجز عن جميعها، بدأ بزوجته فرقيقه، فالولد، فالوالدين، فالأقرب ثم الأقرب، وكذلك زكاة الفطر.

💡 وبما سبق من أمثلة يتجلى لنا عظيم موقع هذه القاعدة من هذا الشرع المطهر، الذي مبناه على اليسر والسعة، فنسأل الله تعالى الذي هدانا لهذا الدين القويم، أن يثبتنا عليه حتى نلقاه، وأن يرزقنا الفقه في دينه، والبصيرة فيه.

"من كتاب "قواعد قرآنية" - د.عمر المقبل (باختصار)".

ღ قوت القلوب ღ

أم حذيفة 12-22-2020 04:29 AM


القاعدة السابعة والثلاثون:

🔅 {فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ} [هود:112]


📌هذه قاعدة قرآنية عظيمة تضم كلمات جامعة، وتمثل أصلًا من أصول الوصايا القرآنية.

💡ولنا مع هذه القاعدة عدّة وقفات:

📍 الوقفة الأولى:

ما حقيقة الاستقامة؟ وما سرّ هذا الأمر الصريح له -ﷺ- ولأتباعه بلزوم الاستقامة؟

▫️أما حقيقة الاستقامة فهي سلوكُ الصِّراط المستقيم، وهو الدِّينُ القيِّم من غير تعريج عنه يَمنةً ولا يَسرةً، ويشمل ذلك فعلَ الطَّاعات كلّها، الظاهرة والباطنة، وتركَ المنهيات كُلِّها كذلك، فصارت هذه الوصيةُ جامعةً لخصال الدِّين كُلِّها.

▫️وأمّا عن سر هذا الأمر الصريح للنبي ﷺ ولصحابته بالاستقامة، فإن الجواب عن هذا يطول جدًّا، لكن من أجلى ما يوضح ذلك: أن يعلم المؤمن أنَّ أعظم غرض يريده الشيطان من بني آدم هو إضلالهم عن طريق الاستقامة، ألم يقل عدو الله: ﴿فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ﴾ [الأعراف:16]؟!

ولهذا أُمرنا أن نكرر في اليوم والليلة 17 مرة على أقل تقدير قوله تعالى: ﴿اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ﴾ [الفاتحة:6]، فاللهم اهدنا الصراط المستقيم، وثبتنا عليه يا رب العالمين.

📍 الوقفة الثانية مع هذه القاعدة:

هذا الأمر للنبي ﷺ بالاستقامة هو أمرٌ بالثبات على الاستقامة، ولغيره أمر بها وبالثبات عليها.

📍 الوقفة الثالثة، مع هذه القاعدة:

إنَّ مَن تأمل هذا الأمر الإلهيّ للنبي ﷺ؛ تبيَّن له عظم وخطورة هذا الأمر (أعني الاستقامة والثبات على الدين)...

📍الوقفة الرابعة مع هذه القاعدة:

أنّ الإنسان مهما بلغ من التقوى والإيمان، فهو بحاجة ماسّة إلى التذكير بما يُثَبِّتُه، ويزيد استقامته، ولو كان مستغنيًا عن ذلك؛ لكان نبينا ﷺ أولى الناس بهذا.

📍الوقفة الخامسة مع هذه القاعدة:

أن يعلم المؤمن أن أعظم مدارج الاستقامة هي استقامة القلب، فإن استقامته ستؤثر على بقية الجوارح -ولا بد-.

💬 قال ابن رجب -رحمه الله-:

«فأصلُ الاستقامةِ استقامةُ القلب على التوحيد، كما فسر أبو بكر الصِّديق وغيرُه قولَه ﷻ: ﴿إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا﴾ بأنَّهم لم يلتفتوا إلى غيره، فمتى استقام القلبُ على معرفةِ الله، وعلى خشيته، وإجلاله، ومهابته، ومحبته، وإرادته، ورجائه ودعائه، والتوكُّلِ عليه، والإعراض عما سواه؛ استقامت الجوارحُ كلُّها على طاعته، فإنَّ القلبَ هو ملكُ الأعضاء، وهي جنودهُ، فإذا استقامَ الملك، استقامت جنودُه ورعاياه…

وأعظم ما يُراعى استقامتُه -بعدَ القلبِ مِنَ الجوارح-: اللسانُ؛ فإنَّه ترجمانُ القلب والمعبِّرُ عنه».

💡 ومن استقام على هذا الصراط حصل له سعادة الدنيا والآخرة، واستقام سيره على الصراط يوم القيامة.

نسأل الله تعالى أن يهدينا صراطه المستقيم، وأن يجعلنا ممن استقام ظاهره وباطنه على ما يحبه ويرضاه، وأن يثبتنا على الإسلام والسنة حتى نلقاه.

"من كتاب "قواعد قرآنية" - د.عمر المقبل (باختصار)".


ღ قوت القلوب ღ

أم حذيفة 12-23-2020 03:04 AM

📩 قواعد قرآنية

القاعدة الثامنة والثلاثون

🔅 ﴿فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ﴾ [الزلزلة:7،8]

📌هذه قاعدة قرآنية، وكلمات جامعة تُمثِّلُ أصلًا من أصول العدل، والجزاء والحساب.

وفي السنة الصحيحة من الأمثال والقصص ما يبين بجلاء معنى هذه القاعدة العظيمة، ولعلّي أكتفي في هذا المقام بهذين الحديثين اللذين لن تتضح الصورة إلا بهما جميعًا:

🔅أما الحديث الأول فهو قوله ﷺ: "بينما كلب يطيف بركية -بئر- قد كاد يقتله العطش، إذ رأته بغي من بغايا بني إسرائيل، فنزعت مُوقَها -خُفَّها- فاستقت له به، فسقته إياه فغُفر لها به" [رواه مسلم]

🔅وأما الحديث الآخر فهو الحديث المتفق عليه، الذي يخبر فيه النبي ﷺ عن امرأة دخلت النار في هرة، ربطتها فلا هي أطعمتها ولا هي أرسلتها تأكل من خشاش الأرض، حتى ماتت هزلًا.

💬 وقد عقّب الإمام الكبير محمد بن شهاب الزهري -بعد ما روى حديث الهرة-: «ذلك لئلا يتّكل رجل، ولا ييأس رجل»، وهذا هو الشاهد الذي ينبغي أن نتأمله ههنا؛

💡فتأمل - أيها المؤمن - كيف جاء هذان الحديثان ليفسرا لنا عمليًا هذه القاعدة، فتلك المرأة التي لم يذكرها النبي ﷺ بأنها عابدة! أو صائمة! بل لم يذكرها إلا بالبغاء! ومع هذا فقد نفعها هذا العمل! وأي عملٍ هو؟ إنه سقي حيوان من أنجس الحيوانات (الكلب)! ولكن الرب الرحيم الكريم لا تضيع عنده حسنة، بل كما قال ﷻ: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا﴾ [النساء:٤٠].

وفي الحديث الثاني: لم يذكر النبي ﷺ سببًا أدخلها النار غير حبسها لحيوان صغير لا يؤبَه له!

💡كل هذا ليتحقق المؤمن معنى هذه القاعدة المحكمة، وبه يتبين دقة كلام الإمام الزهري: حين علق على هذا الحديث بقوله الآنف الذكر: «ذلك لئلا يتكل رجل، ولا ييأس رجل».

📍إن من أعظم توفيق الله تعالى لعبده أن يعظّم الله، ومن أظهر صور تعظيم الرب جل وعلا: تعظيم أمره ونهيه، وإجلال الله ﷻ وتوقيره، فلا يحقرن صغيرةً من الذنوب مهما صغر الذنب في عينه؛ لأن الذي عُصِي هو الله ﷻ،

💬 كما قال بلال بن سعد -رحمه الله-: «لا تنظر إلى صغر الخطيئة، ولكن انظر مَنْ عصيت».

🔅ولهذا لما قالت عائشة للنبي ﷺ: حسبك من صفية كذا وكذا! -تعني قصيرة-؛ فقال: "لقد قلتِ كلمة لو مزجت بماء البحر لمزجته". [رواه أبو داود والترمذي وصححه].

▫️وأما عدم زهد المؤمن في أي عمل صالح -وإن ظنّه صغيرًا- فلأنه لا يدري ما العمل الذي يدخله الجنة؟!

🔅قال ﷺ: «لا تحقرن من المعروف شيئا ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق» [رواه مسلم]

🔅ولما سأل أبو برزة نبينا ﷺ فقال: يا نبي الله! علمني شيئا أنتفع به! قال: «اعزل الأذى عن طريق المسلمين» [رواه مسلم].

💡فتأمل -يا عبد الله- كم يحتقر كثير من الناس أمثال هذه الأعمال اليسيرة!

▫️ولو أردتَ أن تفتش في حياتنا اليومية لوجدت فيها عشرات الأمثلة من الأعمال اليسيرة، التي لو جمعت لشكلت سيلًا من الحسنات، دمعة يتيم تمسحها، أو جوعة فقير تسدها، أو مساعدة عاجز، أو ابتسامة في وجه مسلم، في عدد من الأعمال لا يمكن حصرها، فما أحرانا أن نكون سباقين إلى كل خير، وإن دق في أعيننا، متذكرين هذه القاعدة العظيمة.

نسأل الله تعالى أن يضاعف لنا الحسنات، وأن يتجاوز عن السيئات، وأن ييسر لنا الخير، ويعيذنا من موارد الشر.

"من كتاب "قواعد قرآنية" - د.عمر المقبل (باختصار)".

ღ قوت القلوب ღ


الساعة الآن 03:51 AM بتوقيت مسقط

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. Designed & TranZ By Almuhajir

a.d - i.s.s.w