عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 06-13-2019, 10:56 PM
الصورة الرمزية أم أبي التراب
أم أبي التراب أم أبي التراب غير متواجد حالياً
مدير
 
تاريخ التسجيل: Jul 2010
المشاركات: 4,016
Mice2

أنواع الفتح على عباده
فتح أبواب الطاعات:
يفتح سبحانه وتعالى أبواب الطاعات على من يشاء من عباده ، والتأمل في أسماء الله يا عباد الله أمر عظيم، ويغيب عن بالنا كثيرًا من معاني هذه الأسماء ، فننسى ولا نتعبد ولا نسأل، ويذهل المسلم عن بعض أسمائه سبحانه ومنها الفتّاح.

يفتح على من يشاء من أبواب الطاعات والقُربات على تنوعها وألوانها وصنوفها، على درجاتها، ومن الناس من يفتح عليهم في القرآن، والعناية به، وحفظه، وتجويده، وضبطه، وإتقانه، وتلاوته، والقدرة على تعليمه.
ومن عباد الله من يفتح عليه في الصلاة فتكون أشد حلاوة من العسل- ويسيرة عليه فيتم الفرائض والسنن بحقها -
ومنهم من يفتح له في الدعاء كما قال مالك "ربما انصرف عامر من العتمة، فيعرض له الدعاء – يعني بعد العشاء - يخطر بباله، فلا يزال يدعو إلى الفجر" عنده قوة وصبر ولذة بهذه العبادة،.

ومنهم من يفتح له في الصيام حتى إنه ليصوم يومًا ويفطر يوماً، وهو سهل عليه.
ومنهم من يفتح له في صلة الأرحام، فلا يزال يزورهم، ويحسن إليهم، ويبرهم ويجمعهم، ويأتيهم ويأتونه فيدعوهم وهكذا... يفتح عليه في باب الصلة والبر.
ومنهم من يفتح له في مساعدة المحتاجين وإغاثة الملهوفين، وتفريج كربات المكروبين، وتسديد ديون الغارمين، وكفالة اليتامى والمساكين والمعوزين، وحمل الأرامل والفقراء، ورعايتهم، ومواساتهم وهكذا..
ومنهم من يفتح عليه في باب الاحتساب، فيأمر بالمعروف، وينهى عن المنكر لا يخاف في الله لومة لائم، ويصبر على الأذى، ولا يزال يتبع المنكرات ويتتبعها ويحذر منها، وينهى عنها، ويخيف أهلها، وهكذا... فيكون على يديه من الخير ما يكون.
ومنهم من يفتح عليه في أبواب الشفاعة والإصلاح بين الناس، فيفك أسيرًا، ويحقن دمًا، ويمنع باطلاً، ويحجز ظلمًا، ويقيم حقًا، ويسعى في الإصلاح بين المتخاصمين، وهكذا.. ترد الزوجة إلى زوجها، والزوج إلى زوجته بمثل جهوده.
ومنهم من يفتح له في باب العلم وما أشرفه، وفي تعليمه فيكون عنده من الحفظ والفهم والإتقان، والقدرة على التأليف والتدريس والتصنيف والتعليم ما يفتح له.
قال الإمام مالك رحمه الله"إن الله قسم الأعمال كما قسم الأرزاق، فرب رجل فتح له في الصلاة – يعني في النوافل؛ لأن الكل في الفرائض مشتركون–، فرب رجل فتح له في الصلاة ولم يفتح له في الصوم، وآخر فتح له في الصدقة، ولم يفتح له في الصوم، وآخر فتح له في الجهاد، ثم قال: فنشر العلم من أفضل أعمال البر، وقد رضيت بما فتح لي فيه".ا.هـ .

فإذا فتح لك يا عبد الله في باب، فرأيت في صدرك انشراحًا له، وفي قلبك إقبالًا عليه، ورأيت تيسير أمورك فيه، فازدد منه، وانتهز الفرصة، قال حكيم بن عمير "من فتح له باب خير فلينتهزه، فإنه لا يدري متى يغلق عنه".
إذا هبت رياحك فاغتنمها *** فإن لكل خافقة سكون.
ومنهم من يفتح له في باب التربية، وتنشئة الجيل والنشء فيتعاهدهم، ويسير بهم شيئًا فشيئًا إلى كمالهم، وهكذا يربيهم بصغار العلم قبل كباره، وبقواعده وأسسه قبل فروعة وتفصيلاته، وهكذا ينقلهم في منازل الإيمان منزلة بعد منزلة، وفي منازل العلم منزلة بعد منزلة بتوفيق من الله عز وجل، والحزم انتهاز الفرصة فيما يفتح لك يا عبد الله، فسر فيه، وتوكل على الله، فإذا جاء أجلك وأنت عليه فما أحسنك، قال عليه الصلاة و السلام" إذا أراد الله عز وجل بعبد خير عسله، قيل: وما عسله؟ قال: يفتح الله عز وجل له عملًا صالحًا قبل موته ثم يقبضه عليه" وهو حديث صحيح.
والعسل: طيب الثناء، فشبه ما رزقه الله من العمل الصالح الذي طاب به ذكره بين الناس بالعسل، الذي يجعل هذا المطعوم حلوًا فيطيب في مذاقه.
ومن أراد الله به خيرًا فتح له باب التوبة باستمرار، قال ابن القيم رحمه الله "إذا أراد الله بعبده خيرًا فتح له أبواب التوبة، والندم، والانكسار، والذل، والافتقار، والاستعانة به، وصدق اللُّجأ إليه، ودوام التضرع والدعاء، والتقرب إليه بما أمكنه من الحسنات، ورؤية عيوب نفسه، ومشاهدة فضل ربه، وإحسانه، ورحمته، وجوده وبره".
قال معروف "إذا أراد الله بعبد خيرًا فتح له باب العمل، وأغلق عليه باب الجدل، وإذا أراد بعبد شرًا أغلق عليه باب العمل وفتح عليه باب الجدل".

والذين فتح الله عليهم في تعليم العلوم أنواع، فمنهم من فتح عليه في تعليم التوحيد، وعقيدة الإسلام، ومنهم فتح عليه في تعليم الحديث، وتعلم فنونه، ومهاراته، ومصطلحه، وتمييز صحيحه من سقيمه، وتبويبه ومعاني غرائبه وألفاظه، ومنهم من فتح له في الفقه، ومذاهبه، وأقوال العلماء فيه، والتمييز بينها، ومعرفة الراجح منها، ومنهم من فتح له في التفسير، ومعرفة كلامه، ومعانيه، وما فيه من الأحكام والأسرار العظيمة.
ومنهم من فتح له أبواب العلوم الغامضة كالمشتبه" أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ "سورة آل عمران: 7، فمنهم من فتح له أبواب الغوامض المستعصية، والأقفال المستغلقة فطوعها له، وسهلها عليه وهذا شأن المحققين من العلماء، ولذلك كان الموفق منهم من يلجأ إلى الله كلما استغلقت عليه المسائل.
"كنت كلما أتحير في مسألة أتردد إلى الجامع وصليت وابتهلت إلى الله حتى يفتح لي المنغلق منه" هكذا يقول أحدهم،، وهكذا لا يقدم العالم على ما لم ينفتح له، وإنما يتريث ويتأنى ويسأل ربه حتى يفتح عليه.
ومن الناس من فتح له في العلم في تصنيفه وجمعه، ولذلك تراهم يسمون كتبهم فتح الباري، فتح المنعم، فتح المغيث، فتح الوهاب، فتح المعين، فتح القدير، فتح العزيز، فتح المجيد، فتح رب البرية، الفتح الرباني، وهذه كلها أسماء كتب من كتب المسلمين.
وأحيانًا يخفى الحق على بعض الناس، أو يترددون فيه، فيفتح الله على بعضهم فتحًا عظيمًا تكون له المسألة فيه واضحة، فيمضي الناس بعده على إثره، كما حدث للصديق رضي الله عنه في قتال المرتدين ومانعي الزكاة.
يقول عمر "فو الله ما هو إلا أن رأيت أن قد شرح الله صدر أبي بكر للقتال فعلمت أنه الحق.
"أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ" سورة الزمر: 22.
والفتح الذي يفتح الله به على عباده يكون له علاقة مباشرة بطهارة قلوبهم، واتّباعهم لما يحبه، واجتنابهم لما يبغضه.

ويكون من الفتح أيضًا الإلهام الذي يلهمه الله تعالى من يشاء من عباده، فيكون مُلْهَمًا موفقًا مصيبًا للحق لا يختار بين أمرين، إلا اختار الأصوب.

قال صلى الله عليه وسلم "إنَّ اللَّهَ جعلَ الحقَّ على لسانِ عمرَ وقلبِهِ".وقالَ ابنُ عمرَ: ما نزلَ بالنَّاسِ أمرٌ قطُّ فقالوا فيهِ وقالَ فيهِ عمرُ أو قالَ ابنُ الخطَّابِ فيهِ - شَكَّ خارجةُ - إلَّا نزلَ فيهِ القرآنُ على نحوِ ما قالَ عمرُ"الراوي : عبدالله بن عمر - المحدث : الألباني - المصدر : صحيح الترمذي- الصفحة أو الرقم: 3682 - خلاصة حكم المحدث : صحيح = الدرر =

ولذلك كثرت موافقاته لربه، كما كان يتمنى أن تنزل الصلاة عند مقام إبراهيم فنزلت، قال: يا رسول الله: لو اتخذت من مقام إبراهيم مصلى، فنزلت"وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى " سورة البقرة: 125، قلت: يا رسول الله: لو أمرت نسائك أن يحتجبن فإنه يكلمهن البر والفاجر، فنزلت آية الحجاب، واجتمع نساء النبي صلى الله عليه وسلم في الغيرة عليه، فقلت لهن: عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجًا خيرًا منكن، فنزلت هذه الآية على لفظ عمر، وكذلك وافق ربه في شأن أسارى بدر، وجاءت موافقته في منع الصلاة على المنافقين، وأيضًا في تحريم الخمر، قال ابن حجر رحمه الله: وقفنا منها على خمسة عشر موضعًا، وكان لعمر بصيرة نافذة، .
هذه أنوار يقسمها الله كيف يشاء،" وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ"سورة النور : 40.
اللهم نور قلوبنا بذكرك، وافتح علينا بطاعتك، اللهم إنا نسألك أن تجعل في أبصارنا نورًا، وفي أسماعنا نورًا، وفي قلوبنا نورًا، وفي ألسنتنا نورًا، وفي أيماننا نورًا، وفي شمائلنا نورًا، ومن أمامنا نورًا، ومن خلفنا نورًا، ومن فوقنا نورًا، ومن تحتنا نورًا، وأعظم لنا نورًا.
مقتبس بقليل تصرف من : موقع الشيخ محمد صالح المنجد .
رد مع اقتباس