عرض مشاركة واحدة
  #57  
قديم 02-06-2021, 03:43 AM
أم حذيفة أم حذيفة غير متواجد حالياً
مشرفة قسم الحديث
 
تاريخ التسجيل: Jul 2010
المشاركات: 2,661
افتراضي

القاعدة الخمسون: آيات الرسول: هي التي يبديها الباري ويبتديها:
وأما ما أبداه المكذبون له واقترحوه، فليست آيات. وإنما هي تعنتات وتعجيزات. وبهذا يعرف الفرق بينها وبين الآيات: وهي البراهين والأدلة على صدق الرسول وغيره من الرسل، وعلى صدق كل خبر أخبر الله به، وأنها الأدلة والبراهين التي يلزم من فهمها على وجهها صدق ما دلت عليه ويقينه.
وبهذا المعنى الحديث:*«ما أرسل الله من رسول إلا أعطاه من الآيات ما على مثله آمن البشر»، وأما ما آتى الله محمداً صلى الله عليه وسلم من الآيات فهي لا تحد ولا تعد من كثرتها وقوتها ووضوحها- ولله الحمد- فلم يبق لأحد من الناس بعدها عذر.
فعلم بذلك أن اقتراح المكذبين لآيات يعينونها ليست من هذا القبيل، وإنما مقصودهم بهذا أنهم وطنوا أنفسهم على دينهم الباطل وعدم اتباع النبي صلى الله عليه وسلم.
فلما دعاهم إلى الإيمان وأراهم شواهد الآيات أرادوا أن يبرروا ما هم عليه عند الأغمار والسفهاء، بقولهم: ائتنا بالآية الفلانية والآية الفلانية إن كنت صادقاً، وإن لم تأت بذلك فإننا لا نصدقك، فهذه طريقة لا يرتضيها أدنى منصف، ولهذا يخبر تعالى أنه لو أجابهم إلى ما طالبوا لم يؤمنوا لأنهم وطنوا أنفسهم على الرضا بدينهم بعدما عرفوا الحق ورفضوه.
وأيضاً فهذا من جهلهم في الحال والمآل.
أما الحال: فإن هذه الآيات التي يقترحونها جرت العادة أن المقترحين لها لم يكن قصدهم الحق، فإذا جاءت ولم يؤمنوا عوجلوا بالعقوبة الحاضرة.
وأما المآل: فإنهم جزموا جزماً لا تردد فيه أنها إذا جاءت آمنوا وصدقوا. وهذا قلب للحقائق، وإخبار بغير الذي في قلوبهم، فلو جاءتهم كل آية اقترحوها لم يؤمنوا إلا أن يشاء الله تعالى.
وهذا النوع ذكره الله في كتابه عن المكذبين في آيات كثيرة جداً، كقولهم:*{وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً}*[الإسراء: 90]، وقوله:*{وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتَى وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلاً}*[الأنعام: من الآية 111] إلى آخرها.
وأيضاً إن اقتراحهم هذا ينادي صريحاً بأنهم ينسبون إلى الله العجز والعبث، إذ أنه أرسل رسولاً لم يؤيده بالآيات الكافية في الدلالة على صدقه، ولم يعطه من البراهين والحجج ما يبطل دعاوى خصمه.
وهذا ينافي الحكمة، ولا يتفق مع الغرض الذي من أجله أرسل الله رسوله.
وهذا أعظم كفراً وإجراماً وأشد من شركهم وفسوقهم، وما كان يتولى كبره منهم إلا السادة الرؤساء الذين تبين لهم صدق الرسول بدون أي خفاء، ولكنهم يحاولون بذلك صرف العامة والدهماء عن الاستماع إليه والإصغاء إلى قوله، ولذلك يدمغهم الله بمَيّسَم الخزي عقب كل تحدٍ واقتراحٍ لآية، بعد أن ينزه نفسه سبحانه عما ينتقصونه به.
ففي سورة الإسراء يقول عقب سرد ما اقترحوا من آيات:*{قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي}*[الإسراء: من الآية 93]، ثم يقول:*{وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْياً وَبُكْماً وَصُمًّا}*[الإسراء: من الآية 97].
ويقول في سورة العنكبوت:*{وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ فَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمِنْ هَؤُلاءِ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ وَمَا يَجْحَدُ بِآياتِنَا إِلَّا الْكَافِرُونَ (47) وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ (48) بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَمَا يَجْحَدُ بِآياتِنَا إِلَّا الظَّالِمُونَ (49) وَقَالُوا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَاتٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّمَا الْآياتُ عِنْدَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ (50) أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (51) قُلْ كَفَى بِاللَّهِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شَهِيداً يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالَّذِينَ آمَنُوا بِالْبَاطِلِ وَكَفَرُوا بِاللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (52)}*[العنكبوت: 47- 52].

يتبع.
🔁🔁🔁🔁🔁🔁🔁
رد مع اقتباس