عرض مشاركة واحدة
  #13  
قديم 04-07-2020, 12:44 AM
أم حذيفة أم حذيفة غير متواجد حالياً
مشرفة قسم الحديث
 
تاريخ التسجيل: Jul 2010
المشاركات: 2,643
افتراضي

على منهاج النُّبُوَّة

1⃣3⃣

✍غارت أُمكم!

كان يقسِمُ المبيت بين نسائه، لكل واحدة منهنَّ ليلة، وكانتْ تلك الليلة ليلة عائشة، كان يجلس في بيتها وعنده بعض أصحابه الذين كانوا على موعد مع درس عظيم في الحياة الزوجية!

وتطبخ زينب بنت جحشٍ طعاماً، ولا تطيب نفسها أن تأكل حتى تطعمَ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم منه، فتسكب له الطعام في صحنٍ لها، وتنادي على خادمها ليذهب به إلى النبي صلَّى الله عليه وسلَّم، وهناك أصاب عائشة ما يُصيب الضرائر من الغِيرة، إنه بِعرفِ النساء اعتداءٌ على ليلتها، فتضرِب يد الخادم، ويقع الصحن وينكسر، وينسكبُ ما فيه على الأرض!

ضعْ نفسك مكانه! يا له من موقف محرج، زوجتك ترمي بصحنِ طعام أرسلته إليك زوجتك الأخرى أمام ضيوفك! لا شكَّ أنكَ قد شعرت بالإهانة، وأول ما ستفكر به أن تثأر لرجولتك، وستُعنِّفها أمامهم محاولاً أن تخبرهم بطريقة غير مباشرة أنك سيد البيت ولا ترضى بهذه المهزلة!
ولكن اُنظر إليه كيف تصرَّف، وتعلّم الدرس!

جلسَ على ركبتيه، وجمع أجزاء الصحن المكسور، ولملم الطعام عن الأرض، وقال لمن حوله مبتسماً: غارت أُمكم! ثم أبقى الخادم عنده قليلاً، ريثما تحضر عائشة صحناً بدل الذي كسرته وترسله مع الخادم إلى زينب!

حرب زوجية كانتْ على وشك أن تقع أطفأها بهدوئه واتزانه وفقهه، علِم أن المرأة تغار في مثل هذه المواقف، وأنها متى غارت تفقِد شيئاً من لياقتها وحسن تصرفها!

لم يُعنِّفها ليثبت رجولته، لقد أثبتها بطريقة أخرى، باستيعابه للموقف، باتزانه، وبرجاحة عقله!

إنّ الحياة تضعنا كل يوم أمام مشروع مُشكلة وقطيعة، ردُّ فعلنا هو الذي يجعلها مشكلة، أو يطفئ النار قبل أن تشتعل، ومخطئٌ من يظنُّ أن الحياة الزوجية ساحة حرب عليه أن ينتصر في كل معركة فيها، على العكس إن الحياة الزوجية لا تستمر إلا بالتغاضي، تغاضي الرجل وتغاضي المرأة، فلو وقفنا عند كل تصرف، ولو انفعلنا عند كل كلمة لأصبحت الحياة جحيماً لا يطاق!

ثم اُنظرْ إليه، إنه لا يتغاضى عنها فقط، وإنما يلتمسُ لها العذر، لقد كسرت الصحن بدافع الغيرة! لقد راعى طبعها، فالذي يريد أن ينجح في الحياة عليه أن يفهم طباع الناس، أن لا يعامل الزوجة بنفس العقلية التي يعامل بها صديقه، وأن لا يعامل أولاده بنفس العقلية التي يُعامل بها زملاءه في العمل، لكل فئة عمرية، وكل طبقة اجتماعية، طبع ومشاعر مختلفة عن الأخرى، والذي يتعامل مع الجميع بعقلية واحدة كالطبيب الذي يعالج جميع المرضى بدواء واحد!

الغضب يعمي العقل، فلا تتحاورا في لحظة غضب، فالحوار في لحظة الغضب كمحاولة رؤية الإنسان وجهه على صفحة الماء وهو يغلي، دع الماء يبرد ويصفو ثم اُنظرْ إليه، وهكذا هي الحياة الزوجية!

~~

التعديل الأخير تم بواسطة أم حذيفة ; 04-07-2020 الساعة 12:45 AM
رد مع اقتباس