عرض مشاركة واحدة
  #18  
قديم 04-12-2020, 01:42 AM
أم حذيفة أم حذيفة غير متواجد حالياً
مشرفة قسم الحديث
 
تاريخ التسجيل: Jul 2010
المشاركات: 2,643
افتراضي

🟢 على منهاج النُّبُوَّة

1⃣8⃣

✍إنها جرَّتْ بالرَّحى!

شكتْ فاطمة ريحانة رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم إلى عليٍّ تعبها من عملها في البيت، فأخبرتْهُ أنها جرَّتْ بالرَّحى حتى أثَّرتْ في يدها، واستقت بالقِربة حتى أثَّرتْ في عنقها، وكنستْ البيت حتى اغبرَّتْ ثيابها!
فقال لها: لقد جِيء لأبيكِ بِسبي، فلو ذهبتِ إليه وسألتِهِ خادماً! فذهبتْ فاطمة إلى النبي صلَّى الله عليه وسلَّم، فوجدتْ عنده أُناساً، فلم تُحدِّثه أمامهم، ولكنها أسرَّتْ لعائشة بسبب مجيئها، وعادت إلى بيتها!
فلما انفضَّ مجلس النبي صلَّى الله عليه وسلَّم، أخبرته عائشة بسبب مجيء فاطمة، فذهب إلى بيتها، وكانت وعلي قد أخذا مضجعهما للنوم، فاستأذن ثم دخل
فقال: ألا أدلّّكما على ما هو خير لكما من خادم؟ إذا أخذتما مضاجعكما، فكبِّرا ثلاثاً وثلاثين، وسبِّحا ثلاثاً وثلاثين، واحمدا ثلاثاً وثلاثين، فهو خير لكما من خادم!

هذه فاطمة سيدة نساء العالمين، وقطعة قلب أبيها، تطحن الحبوب بالرحى حتى تترك الرحى أثرها في يدها، وتحمل الماء إلى بيتها بالقرِبة حتى تترك القِربة أثرها في عنقها، وتكنس بيتها حتى يكسو الغبار ثيابها، فهل أنقص هذا من قيمتها عند زوجها، أو عند أبيها، أو عند ربها؟!

طبعاً لا شيء في أن تحصل المرأة على خادمة تعينها على عمل البيت، فهو والله عمل شاق صعب! ونبيلٌ هو الزوج الذي يكون في سعة مادية، وبحبوحة اقتصادية، فيحضر لزوجته خادمة تساعدها، والأنبل هو الأب الذي نظر في حال ابنة له، فرق لها وأحضر هو لها الخادمة، على أنَّ هذا لا يلغي أن عمل البيت هو واجب الزوجة، تماماً كما واجب الزوج العمل خارجه والإنفاق عليها، بل وإِعانتها في أعمال البيت أيضاً لأنَّ هذا من العشرة بالمعروف!

ولكن مما ٱبتلينا به في هذه الأيام هذه الأصوات الناعقة التي تحاول باسم حرية المرأة أن تهدم البيوت القائمة على الستر، وتمشية الحال بما هو متاح! وتصوير عمل المرأة في بيتها نوع من أنواع الرق، وإهانة النفس البشرية! ولست أدري أين الإهانة في أن تطعم الزوجة عائلتها من صنع يدها، وأن تغسل ملابسهم، وتنظف بيتها!
إن قيل أن الأمر شاق وصعب، فهذا نبصم به بالأصابع العشرة، ولكن هذه هي الحياة، لكل إنسان دوره، ولكل عمل مشقته! أما طرح الموضوع وجعله عبودية، وإهانة للمرأة فهذه دعوى سخيفة! إن حرية المرأة ليست بتجريدها من فِطرتها في أن تكون أماً وزوجةً وربة منزل، وإنما بتقدير وتبجيل ما تقوم به، كلاماً وفعلاً، كلاماً حلواً، وإشادة بدورها وأهميته، بهدية بين الحين والآخر، بضمة، وقبلة جبين ويد!
لم تكن فاطمة رقيقة ولا ممتهنة الكرامة وإن كانت تتعب في عمل بيتها، ولم يحضر لها علي خادمة لأنه أراد أن يتعبها وإنما لأنه لا يملك المال، ولم يعطها النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم خادمة لأنه عادل ولو أعطاها لكان عليه أن يعطي كل امرأة في المدينة مثل ما أعطى ابنته!

افخرن بأنفسكنَ، أنتن اللواتي لولاكن ما كانت البيوت وما استمرت، واستشعرن الأجر في كل عمل، فإذا كانت اللقمة التي يضعها الزوج في فم زوجته صدقة، فكيف بالتي تطبخ لتطعم عائلة، وتغسل لتكسوها!
وأنتم معاشر الرجال، لا تكونوا والدنيا عليهن، أعينوهنَّ، ليست منقصة أن تجلي صحناً عنها، ولا سبة أن تجمع لها الغسيل، وقد كان رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم في حاجة أهله يرقع ثوبه، ويخصف نعله، ويحلب شاته، وهو سيد الرجال!

~
رد مع اقتباس