عرض مشاركة واحدة
  #4  
قديم 12-26-2010, 06:37 PM
أمة الله أمة الله غير متواجد حالياً
مشرفه الملتقى عام
 
تاريخ التسجيل: Jul 2010
المشاركات: 741
الصدمة الأولى:



قد يتساءل البعض لِمَ سمَّيناها الصدمة الأولى وقد سبقها صدمة اختلاف الأئمَّة؟



فالحقّ أنَّ اختِلاف الأئمَّة ليس صدمة، بل هو تسلْسُل طبيعي للأحداث،



وكون أتْباع الأئمَّة تباغضوا بعد ذلك فتِلْك أعمال فرديَّة تمامًا، لا تنتمي للأئمة بحال من الأحوال،




فالأئمَّة أنفسهم كانوا في تحابٍّ وتواد، فالإمام الشَّافعي هو تلميذ الإمام مالك، كما أنَّ الإمام أحمد كان تلميذًا للإمام الشَّافعي في الفقه،


وكان الإمام الشَّافعي يرجع إليه في الحديث،



وكلّ مَن يقرأ سِيَرهم يرى العجَب العجاب في توادِّهم وتراحُمهم واحتِرامهم للخلاف، ونهْيِهم عن التعصُّب والتكتُّل والاختلاف،



فإنَّ الخلاف بينهم لم يؤدِّ أبدًا إلى الاختِلاف، وما أمر أحدهم بمعاداة أحدٍ؛ بل الكلّ مجمع على أنَّ كلامه ليس له وزنٌ إذا عارض الحديث الصَّحيح، فكلُّهم تواضع لله فرفعه الله، وأحبَّ في الله أخاه فأعلى الله مقدارهم في الخلق.



فالتَّباغُض ليس منهم ولا من أمرِهم، ولا هم يقرُّون عليه أحدًا أبدًا،



بل هم لا يقرُّون من اتَّبعهم على اتِّباعهم إلاَّ من جهة أنَّهم واسطة تبيِّن قول الرَّسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - فكلُّهم قال: إذا صحَّ الحديث فهو مذهبي، وكلهم قال: إذا قلت قولاً يُخالف قولَ النَّبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - فأنا راجع عنْه.



أمَّا الصدمة الأولى



فكانت عندما نظر أخونا في حال الأمَّة وما تفرَّقت فيه من أحزاب، كلّ حزب بما لديهم فرحون،


وكان المسكين معتمِرًا إلى بيت الله الحرام فزار المدينة قبلَ مكَّة، ودخل المسجِد مبهورًا مشدوهًا تحفُّه السَّكينة وتتغشَّاه الرَّحمة،



حتَّى إنَّه صلَّى الظُّهْر قبل أن يؤذَّن أو يقام له! فتلفَّت حوله عندما سمع الأذان وتساءَل في حيرة: أهو أذان العصْر أم الظُّهر؟ وجعل يتعجَّب من عقارب السَّاعة.فلمَّا أعْيته الحيرة سأل جالسًا بجواره:السَّلام عليكم، هذا أذان الظهر أم العصر؟(بلغة ركيكة): الظهر.



بعد الصَّلاة نظر لِمَن سأله متعجِّبًا مشدوهًا، هذا رجل أعْجمي مثلما بدا من ردِّه عليه، فكيف يمسك بكتاب الله ويقرأ؟! هل يقرأ العربيَّة؟ لم يترك صاحبنا نفسَه نهبًا للفضول وسارع بالسؤال والتعرُّف على هذا الأخ من باب: {وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا} [الحجرات: 13].



أنت تحسن تقرأ العربية؟
لا.

وكيف تقرأ القرآن؟
القرآن فقط!


ممكن أسْمعك وأنت تقرأ (
بانبهار).

فقرأ قليلا ثمَّ ختم قراءتَه قائلا: صدق الله العلي العظيم.
فسكت صاحبُنا ولم يقل مثلَه.



سأله الآخر بلغتِه الرَّكيكة:

لماذا لم تقل: صدق الله العليُّ العظيم؟
(في حرج): سمعت أنَّها بدعة.[5]



لماذا؟ لأنِّي قلت العلي؟
(في حيرة): لا فرق.



أنا أعْني بالعلي الله، ولا أقصد عليَّ بن أبي طالب.
(في حرج): لم أفهم أنَّك تقصد عليَّ بن أبي طالب؛ بل فهمت أنَّك تقصد الله.



صمْت يسير، ثمَّ قال أخونا الأعْجمي الذي لا يحسن العربية (ورحمة بالقارئ سأترجم الحوار مباشرة، علمًا بأنَّه دار بعبارات تجمع أرْبع لغات تقريبًا: العربيَّة والإنجليزيَّة والفرنسيَّة والأردية).



، وبعد أربع ساعات من الصداع، عرف خلالها أنه ليس على السنة



فتمعَّر وجه صاحبِنا غضبًا وهزَّ رأسَه نفيًا في ثقة، هذا ليس من السنة

ظهر الإحباط جليًّا على وجه الآخر، وحاول أن يناقشَه فصدَّه صاحبُنا،وهذا ما ينبغي أن يفعلَه كلُّ مَن ليس له عِلم إذا وجد نفسَه في مصيدة المبتدعة.



لكنَّ صاحبَنا لم يسكت، دار في الحرم النَّبويِّ كاللَّيث يبحث عمَّن يجيب أسئلتَه، حتَّى وجد ضالَّته، فجلس إليه وهو لا يستطيع أن يتأدَّب بأدب طالب العلم، ممَّا يجيش في صدرِه من النِّيران المستعِرة غضبًا.




وكان الشَّيخ في غاية الحِلْم، يتركُه يُفرغ غضبه ثمَّ يجيب عن أسئلته بأوْسع ما عنده من عطاء الصبر.

وفهم أخونا في يومِه هذا أنَّ هناك فرقًا تنتسِب للإسلام، تسمَّى خوارج، وأخرى تسمَّى شيعة، وثالثة تسمَّى زيديَّة، ورابعة تسمَّى صوفيَّة، وهكذا ..!


سأل الشيخ متحيرًا: كيف حدث هذا الافتراق؟


فقال الشَّيخ بصبره وحلمه: هذا ما أنذرنا الله تعالى وحذَّرنا أن نتبعه؛ فقال تعالى: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ* مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ} [الروم: 31 - 32]،




وقال تعالى آمرًا نبيَّه بالبراءة منهم: {
إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} [الأنعام: 159]،




وحذَّرنا منه الرَّسولُ - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقةً، فواحدة في الجنَّة، وسبعون في النَّار، وافترقت النَّصارى على اثنتَين وسبعين فرقة، فإحدى وسبعون في النَّار وواحدة في الجنَّة، والَّذي نفس محمَّد بيدِه، لتفترقنَّ أمَّتي على ثلاثٍ وسبْعين فرقة؛ فواحدة في الجنَّة، واثنتان وسبعون في النَّار))؛


صحَّحه الألباني في "السلْسلة الصَّحيحة" من حديث عوف بن مالك الأشجعي.



وفي رواية: قيل: يا رسول الله، من هم؟ قال: ((هم الجماعة))[6].(أ)






وقد جعل الرَّسول - صلَّى الله عليْه وسلَّم - كلَّ أمر يخالف أمره مردودًا على صاحبِه،
فقال: ((مَن أحدث في أمرِنا هذا ما ليس فيه فهو ردّ))؛ متَّفق عليه.(ب)






فهذا الافتراق يا بني، عَلَمٌ على صدق النبوَّة، فعليك بهدْي السَّلف؛


فإنَّ الرَّسول - صلَّى الله عليْه وسلَّم - قال: ((خيرُ النَّاس قرني، ثمَّ الَّذين يلونَهم، ثمَّ الَّذين يلونَهم))، فلا أدْري في الثَّالثة أو في الرَّابعة قال: ((ثمَّ يتخلَّف من بعدهم خلف، تسبِق شهادة أحدهم يَمينه، ويمينه شهادته))؛




متَّفق عليه من حديث ابن مسعود - رضي الله عنْه.(ج)




فما وسعهم وسِعَنا وهم خير منَّا، ولو كان ثَمَّ خيرٌ لسبقونا إليه،وفي حديث العرباض بن سارية عن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((أُوصيكم بتقْوى الله، والسَّمع والطَّاعة، وإن أمّر عليكم عبد حبشي، فإنَّه مَن يعِشْ منكم بعدي فسيرى اختلافًا كثيرًا، فعليْكم بسنَّتي وسنَّة الخلفاء المهديِّين الرَّاشدين، تمسَّكوا بها، وعضُّوا عليها بالنَّواجذ، وإيَّاكم ومحْدثات الأمور؛ فإنَّ كلَّ محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة))؛ صحيح الجامع.(د)







ومن توفيق الله للحدث والأعجمي أن يقيِّض له صاحب سنَّة يعلمه السنَّة، ويرشده إلى طريق الحق.






ثمَّ قال له الشَّيخ في تصميم:قال ربُّ العزَّة - سبحانه -: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} [النساء: 115].

فعليك بسبيل المؤمنين وهم السَّلف الأوائل، فكلُّ خيرٍ في اتِّباع مَن سلف، وكلُّ شرٍّ في ابتِداع مَن خلف[7].

الصدمة الثانية (تابعة للصدمة الأولى):
.
.
,

يتبــــ بإذن الله ــــع


==================================


[5]مسألة خلافيَّة والأوْلى في رأيي التَّرك؛ لأنَّه لو كان خيرًا لسبقونا (أي الصَّحابة) إليه (أي إلى هذا الخير).


[6] الزيادة عن مالك بن عوف الأشجعي بإسناد جيّد، ورجاله ثقات في السلْسلة الصَّحيحة.


[7] الحوار بالمعنى لا بالنَّصّ.

**********************
منقول موقع الألوكة الشرعية بتصرف يسير



*****************************
(أ)المحدث الألباني / صحيح رقم 1492/ السلسلة الصحيحة 480/3


(ب)الراوي: عائشة المحدث: البخاري - المصدر: صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 2697
خلاصة حكم المحدث: [صحيح] 


(ج)الراوي: عبدالله بن مسعود المحدث: مسلم - المصدر: صحيح مسلم - الصفحة أو الرقم: 2533

خلاصة حكم المحدث: صحيح


(د)تخريج السيوطي : (حم د ت هـ ك) عن العرباض بن سارية.
تحقيق الألباني : (صحيح) انظر حديث رقم: 2549 في صحيح الجامع


__________________


ملتقى
قطرات العلم



مدونتي الطريق إلى الجنة

اللهم آمنا في أوطاننا ومكن لدينك وعبادك آمين
رد مع اقتباس