عرض مشاركة واحدة
  #41  
قديم 06-13-2022, 06:51 PM
الصورة الرمزية أم أبي التراب
أم أبي التراب أم أبي التراب غير متواجد حالياً
مدير
 
تاريخ التسجيل: Jul 2010
المشاركات: 4,016
Haedphone

المجلس الرابع والثلاثون
شرح أصول السنة للإمام أحمد بن حنبل
ثُمَّ- مِنْ-بَعْدِ أَصْحَابِ الشُّورَى أَهْلُ بَدْرٍ مِنَ المُهَاجِرِينَ، ثُمَّ أَهْلُ بَدْرٍ مِنَ الأَنْصَارِ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-عَلَى قَدْرِ الهِجْرَةِ وَالسَّابِقَةِ أَوَّلاً فَأَوَّلًا،.........
الشرح:
أفضل الصحابة : أبو بكر الصديق ، ثم عمر بن الخطاب ، ثم عثمان بن عفان ، ثم علي بن أبي طالب ، ثم الزبير بن العوام ، وطلحة بن عبيد الله ، وعبد الرحمن بن عوف ، وسعد بن أبي وقاص ، وأبو عبيدة بن الجراح ، وسعيد بن زيد رضي الله عنهم أجمعين ، وهؤلاء هم العشرة المبشرون بالجنة ، وكلهم من المهاجرين . والستة أصحاب الشورى من العشرة المبشرين بالجنة ولم يتخلف عنهم إلا من مات: مثل أبي بكر / وعمر كان ُطعن وهو الذي اختار أصحاب الشورى ، وأبو عبيدة مات في الطاعون الذي حصل بأرض الشام زمن الفاروق عمر -رضي الله عنه / أو استبعد لحكمة من عمر :وهو سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل – أبو الأعور - خشي عمر أن يولوه لقرابته لعمر. حتى ابنه قال فيه : وقال: يشهدكم عبد الله بن عمر وليس له من الأمر شيء.
ثم من بعد أصحاب الشورى أهل بدر من المهاجرين، ثم أهل بدر من الأنصار، ويتفاضلون على قدر الهجرة والسابقة للإسلام، أولا فأول، يعني من تقدمت هجرته أفضل، ومن تقدم إسلامه أفضل.
المهاجرون هم الذين أسلموا قبل فتح مكة وهاجروا إلى المدينة بعدما ضيّقت عليهم قريش وآذتهم، فتركوا بلادهم وأموالهم وأهليهم، رغبة فيما عند الله، وابتغاء مرضاته، ونصرة لهذا الدين، وبلغ عددهم تسعون وقيل مئة.
من الآيات التي أثنى الله فيها على المهاجرين : قول تعالى "لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ"الحشر:8.
وهذه شهادة من الله عز وجل لهم بطهارة قلوبهم ، وأنهم ما خرجوا من ديارهم وأموالهم من أجل دنيا يصيبونها ، وإنما خرجوا طلبًا فيما عند الله ، ونصرة لدينه ، وكانوا صادقين في إيمانهم وأعمالهم وأقوالهم .
الأنصار هم الصحابة الكرام، الذين استقبلوا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، والمهاجرين -رضي الله عنهم- في المدينة المنورة بعدما هاجروا من مكّة إليهم، فنصروهم وأكرموهم، وآثروهم على أنفسم رغم ما بهم من ضيق الحال، وكانوا مثالًا يُقتدى به في الكرم والإخاء وصدق المحبّة للنبي عليه الصّلاة والسّلام، وأثنى الله تعالى على الأنصار فقال " وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ"الحشر/ 9.
أي : الذين سكنوا المدينة النبوية قبل المهاجرين ، وآمنوا قبل كثير من المهاجرين ، فهؤلاء الأنصار أحبوا الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه المهاجرين محبة صادقة " يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ " ولم يحسدوا المهاجرين على ما أعطاهم الله عز وجل من الفضل والشرف ، لأن المهاجرين أفضل من الأنصار ، ولهذا قال الرسول صلى الله عليه وسلم " لَوْلَا الْهِجْرَةُ لَكُنْتُ امْرَأً مِنْ الْأَنْصَارِ " رواه البخاري :4330 .
أرادَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بهذا الكلامِ إكرامَ الأنصارِ، وبيانَ أنَّه لا رُتْبةَ بعدَ الهِجرةِ أعلى مِنَ النُّصرةِ، وبيانَ أنَّهم بلَغوا مِنَ الكرامةِ مَبْلغًا لولا أنَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مِنَ الْمُهاجرينَ إلى المدينةِ لَعَدَّ نفْسَه مِنَ الأنصارِ؛ وهذا لِأَنَّ فضْلَ المهاجرينَ السَّابقينَ الَّذينَ أُخْرِجوا مِن دِيارِهم، وقُطِعوا عن أقارِبهم وأحبابِهم، وحُرِموا أوطانَهم وأموالَهم- أكبرُ مِنَ الأنصارِ.الدرر.
فإن المهاجرين أفضل من الأنصار وفي كل خير.
معركة بدر:
ك: ثُمَّ- مِنْ-بَعْدِ أَصْحَابِ الشُّورَى أَهْلُ بَدْرٍ مِنَ المُهَاجِرِينَ، ثُمَّ أَهْلُ بَدْرٍ مِنَ الأَنْصَارِ.
ش:فأهل بدر قسمان: مهاجرون وأنصار، فالمهاجرون من أهل بدر أفضل، ثم يليهم الأنصار من أهل بدر كما سبق توضيحه.
لذلك يقال في تراجم الصحابة إذا كان الصحابي شهد غزوة بدر ؛يقال عنه بدري ،لأن أهل بدر لهم فضيلة خاصة أكرمهم بها الله عز وجل .
" لَعَلَّ اللَّهَ عزَّ وجلَّ اطَّلَعَ علَى أهْلِ بَدْرٍ فَقالَ: اعْمَلُوا ما شِئْتُمْ فقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ "الراوي : علي بن أبي طالب- صحيح البخاري.
وقعت معركة بدر في صبيحة يوم الإثنين السابع عشر من شهر رمضان في السنة الثانية للهجرة، وبدر ماء مشهور بين مكة والمدينة.
قال الرَّسولُ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ لأصحابِه" هذه عيرُ قُريشٍ، فيها أموالُهم، فاخرُجوا إليها، لعلَّ اللهَ يُنفِلُكُموها ."الراوي : عبدالله بن عباس - المحدث : الألباني - المصدر : فقه السيرة- الصفحة أو الرقم : 218 - خلاصة حكم المحدث : صحيح.
الشرح:بعَثَ اللهُ نَبيَّه بالرِّسالةِ لدَعْوةِ قَومِه، ولكنَّه لاقى مِن كُفَّارِ مكَّةَ الصَّدَّ والإعراضَ وتَعذيبَ أصحابِه، ولمَّا هاجَروا إلى المَدينةِ، ترَكوا دورَهم وأمْوالَهم، وفَرُّوا إلى اللهِ ولنُصرةِ دِينِه، ولمَّا كانتْ رِحلةُ قُرَيشٍ بالتِّجارةِ إلى الشَّامِ ذَهابًا وإيابًا، تَمُرُّ قَريبًا مِن المَدينةِ، فقال الرَّسولُ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ لأصحابِه "هذه عِيرُ قُرَيشٍ"، أي: جِمالُ قُرَيشٍ التي تَحمِلُ تِجارتَهم وأمْوالَهم، في طريقِ العَودةِ مِن الشَّامِ إلى مكَّةَ، "فيها أمْوالُهم، فاخرُجوا إليها"؛ لمُلاقاتِها والتَّعرُّضِ لها، "لعلَّ اللهَ يُنفِّلُكموهانفَل القائدُ الجُندَ: جعَل لهم ما غَنِموا. وهذا رَجاءٌ مِن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنْ يُمكِّنَهم اللهُ مِن الحُصولِ على هذه القافلةِ؛ تَعويضًا عن أمْوالِهم التي ترَكوها في مكَّةَ.الدرر السنية.
فقد بلغ المسلمون تحرك قافلة كبيرة تحمل أموالًا عظيمة لقريش عائدة من الشام بقيادة أبي سفيان، صخر بن حرب، فانتدب النبي، صلى الله عليه وسلم، أصحابه للخروج، وتعجل بمن كان مستعدًا للخروج دون انتظار سكان العوالي لئلا تفوتهم القافلة، ولذلك لم يكن خروج المسلمين بكامل طاقتهم العسكرية في معركة بدر، فهم خرجوا لأخذ القافلة، ولم يكن في حسبانهم مواجهة جيش قريش.وقد خرج من المسلمين ثلاثمائة وبضعة عشر رجلًا.ولم يكن معهم إلا فَرَسان، وسبعون بعيًرا يتعاقبون على ركوبها.
عن عبدِ اللَّهِ بنِ مسعودٍ قالَ: كُنّا يومَ بدرٍ كلُّ ثلاثةٍ على بعيرٍ.الوادعي ، الصحيح المسند ، حسن.
فوعد اللّه المؤمنين إحدى الطائفتين، إما أن يظفروا بالعير، أو بالنفير.قال تعالى"وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللَّهُ أَن يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ"الأنفال:7.
وعلِمَ أبو سفيان بخروج المسلمين لأخذ القافلة، فسلك بها طريق الساحل ونجا من المسلمين ؛لكن أبي جهل أصر على حرب المسلمين . ولم يعد هدف قريش نجاة القافلة، بل تأديب المسلمين، وتأمين طرق التجارة، وإعلام العرب بقوة قريش وهيبتها.وجهز أبو جهل جيش عدده ألف مقاتل.ولما بلغ النبي صلى الله عليه وسلم نجاة القافلة، وإصرار قريش على قتاله صلى الله عليه وسلم شاور أصحابه ، وقرر قتال المشركين، ووصل إلى ماء بدر قبل المشركين.وبدأت المعركة.ثم التقى الجيشان في ملحمة كبيرة، وأمد الله سبحانه وتعالى المسلمين بالملائكة يوم المعركة، قال تعالى"إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِّنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ * وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلاَّ بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ" الأنفال: 9-10،لما قارب التقاؤكم بعدوكم، استغثتم بربكم، وطلبتم منه أن يعينكم وينصركم فَاسْتَجَابَ لَكُمْ وأغاثكم بعدة أمور: منها: أن اللّه أمدكم بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ أي: يردف بعضهم بعضا، أي متلاحقين.. قال تعالى "إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ"الأنفال:12.أوحى اللهُ إلى الملائكةِ أَنِّي مَعَكُمْ بالعون والنصر والتأييد، فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا أي: أُلقوا في قلوبهم، وأَلْهموهم الجراءة على عدوهم، ورَغَّبُوهم في الجهاد وفضله. سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ الذي هو أعظم جند لكم عليهم،فإن اللّه إذا ثبت المؤمنين وألقى الرعب في قلوب الكافرين، لم يقدر الكافرون على الثبات لهم ومَنَحَهم اللّهُ أكتافَهم. فَاضْرِبُوا فَوْقَ الأعْنَاقِ: أي: على الرقاب. وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ :أي: كل مفصل.تفسير السعدي.
"لَمَّا كانَ يَوْمُ بَدْرٍ نَظَرَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ إلى المُشْرِكِينَ وَهُمْ أَلْفٌ، وَأَصْحَابُهُ ثَلَاثُ مِئَةٍ وَتِسْعَةَ عَشَرَ رَجُلًا، فَاسْتَقْبَلَ نَبِيُّ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ القِبْلَةَ، ثُمَّ مَدَّ يَدَيْهِ، فَجَعَلَ يَهْتِفُ برَبِّهِ: اللَّهُمَّ أَنْجِزْ لي ما وَعَدْتَنِي، اللَّهُمَّ آتِ ما وَعَدْتَنِي، اللَّهُمَّ إنْ تُهْلِكْ هذِه العِصَابَةَ مِن أَهْلِ الإسْلَامِ لا تُعْبَدْ في الأرْضِ، فَما زَالَ يَهْتِفُ برَبِّهِ، مَادًّا يَدَيْهِ مُسْتَقْبِلَ القِبْلَةِ، حتَّى سَقَطَ رِدَاؤُهُ عن مَنْكِبَيْهِ، فأتَاهُ أَبُو بَكْرٍ فأخَذَ رِدَاءَهُ، فألْقَاهُ علَى مَنْكِبَيْهِ، ثُمَّ التَزَمَهُ مِن وَرَائِهِ، وَقالَ: يا نَبِيَّ اللهِ، كَفَاكَ مُنَاشَدَتُكَ رَبَّكَ، فإنَّه سَيُنْجِزُ لكَ ما وَعَدَكَ، فأنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ"إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بأَلْفٍ مِنَ المَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ" فأمَدَّهُ اللَّهُ بالمَلَائِكَةِ. قالَ أَبُو زُمَيْلٍ: فَحدَّثَني ابنُ عَبَّاسٍ، قالَ: بيْنَما رَجُلٌ مِنَ المُسْلِمِينَ يَومَئذٍ يَشْتَدُّ في أَثَرِ رَجُلٍ مِنَ المُشْرِكِينَ أَمَامَهُ، إذْ سَمِعَ ضَرْبَةً بالسَّوْطِ فَوْقَهُ وَصَوْتَ الفَارِسِ يقولُ: أَقْدِمْ حَيْزُومُ، فَنَظَرَ إلى المُشْرِكِ أَمَامَهُ فَخَرَّ مُسْتَلْقِيًا، فَنَظَرَ إلَيْهِ فَإِذَا هو قدْ خُطِمَ أَنْفُهُ، وَشُقَّ وَجْهُهُ، كَضَرْبَةِ السَّوْطِ فَاخْضَرَّ ذلكَ أَجْمَعُ، فَجَاءَ الأنْصَارِيُّ، فَحَدَّثَ بذلكَ رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ، فَقالَ: صَدَقْتَ، ذلكَ مِن مَدَدِ السَّمَاءِ الثَّالِثَةِ، فَقَتَلُوا يَومَئذٍ سَبْعِينَ، وَأَسَرُوا سَبْعِينَ. قالَ أَبُو زُمَيْلٍ، قالَ ابنُ عَبَّاسٍ: فَلَمَّا أَسَرُوا الأُسَارَى، قالَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ لأَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ: ما تَرَوْنَ في هَؤُلَاءِ الأُسَارَى؟ فَقالَ أَبُو بَكْرٍ: يا نَبِيَّ اللهِ، هُمْ بَنُو العَمِّ وَالْعَشِيرَةِ، أَرَى أَنْ تَأْخُذَ منهمْ فِدْيَةً فَتَكُونُ لَنَا قُوَّةً علَى الكُفَّارِ، فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُمْ لِلإِسْلَامِ، فَقالَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ: ما تَرَى يا ابْنَ الخَطَّابِ؟ قُلتُ: لا وَاللَّهِ يا رَسولَ اللهِ، ما أَرَى الذي رَأَى أَبُو بَكْرٍ، وَلَكِنِّي أَرَى أَنْ تُمَكِّنَّا فَنَضْرِبَ أَعْنَاقَهُمْ، فَتُمَكِّنَ عَلِيًّا مِن عَقِيلٍ فَيَضْرِبَ عُنُقَهُ، وَتُمَكِّنِّي مِن فُلَانٍ نَسِيبًا لِعُمَرَ، فأضْرِبَ عُنُقَهُ، فإنَّ هَؤُلَاءِ أَئِمَّةُ الكُفْرِ وَصَنَادِيدُهَا، فَهَوِيَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ ما قالَ أَبُو بَكْرٍ، وَلَمْ يَهْوَ ما قُلتُ، فَلَمَّا كانَ مِنَ الغَدِ جِئْتُ، فَإِذَا رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْرٍ قَاعِدَيْنِ يَبْكِيَانِ، قُلتُ: يا رَسولَ اللهِ، أَخْبِرْنِي مِن أَيِّ شيءٍ تَبْكِي أَنْتَ وَصَاحِبُكَ؟ فإنْ وَجَدْتُ بُكَاءً بَكَيْتُ، وإنْ لَمْ أَجِدْ بُكَاءً تَبَاكَيْتُ لِبُكَائِكُمَا، فَقالَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ: أَبْكِي لِلَّذِي عَرَضَ عَلَيَّ أَصْحَابُكَ مِن أَخْذِهِمِ الفِدَاءَ، لقَدْ عُرِضَ عَلَيَّ عَذَابُهُمْ أَدْنَى مِن هذِه الشَّجَرَةِ، شَجَرَةٍ قَرِيبَةٍ مِن نَبِيِّ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ، وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ"ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكونَ له أَسْرَى حتَّى يُثْخِنَ في الأرْضِ" إلى قَوْلِهِ "فَكُلُوا ممَّا غَنِمْتُمْ حَلَالًا طَيِّبًا" فأحَلَّ اللَّهُ الغَنِيمَةَ لهمْ.الراوي : عبد الله بن عباس وعمر بن الخطاب - المحدث : مسلم - المصدر : صحيح مسلم-الصفحة أو الرقم : 1763 - خلاصة حكم المحدث :صحيح.
حَيْزومُ، أي: يا حَيْزومُ، وهو اسمُ فرَسِه.
فَاخْضَرَّ ذلكَ أَجْمَعُ : أي: صار موضعُ الضَّربِ كلُّه أخضرَ، أو أسودَ؛ فإنَّ الخُضرةَ قد تُستعمَلُ بمعنَى السَّوادِ، وذلك مِن شِدَّةِ الضَّربةِ وأثَرِ السَّوطِ، أو أنَّه زيادةٌ في التَّنكيلِ مِن اللهِ عزَّ وجلَّ بالكافرِ.
"لَّوْلَا كِتَابٌ مِّنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ "الأنفال : 68.
قوله تعالى "لَّوْلَا كِتَابٌ مِّنَ اللَّهِ سَبَقَ "قال ابن عباس : كانت الغنائم حرامًا على الأنبياء والأمم فكانوا إذا أصابوا شيئًا من الغنائم جعلوه للقربان ، فكانت تنزل نار من السماء فتأكله ، فلما كان يوم بدر أسرع المؤمنون في الغنائم وأخذوا الفداء ، فأنزل الله - عز وجل "لَّوْلَا كِتَابٌ مِّنَ اللَّهِ سَبَقَ " يعني لولا قضاء من الله سبق في اللوح المحفوظ بأنه يحل لكم الغنائم .
وقال الحسن ومجاهد وسعيد بن جبير : لولا كتاب من الله سبق أنه لا يُعَذِّب أحدًا ممن شَهِدَ بدرًا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - .
وقال ابن جريج : لولا كتاب من الله سبق أنه لا يضل قوما بعد إذ هداهم حتى يبين لهم ما يتقون ، وأنه لا يأخذ قوما فعلوا أشياء بجهالة " لَمَسَّكُمْ" لنالكم وأصابكم ، " فِيمَا أَخَذْتُمْ" من الفداء قبل أن تؤمروا به ، " عَذَابٌ عَظِيمٌ"
أي: ولولا حكمٌ مِن اللهِ سَبَق إثباتُه في اللَّوحِ المحفوظِ، وهو ألَّا يُعاقِبَ المخطِئَ في اجتهادِه، أو ألَّا يُعذِّبَ أهلَ بَدرٍ، أو قَومًا لم يُصرَّحْ لهم بالنَّهيِ عنه، أو أنَّ الفديةَ الَّتي أخَذَوها ستَحِلُّ لهم؛ لَمَسَّهم ونالَهم فيما أخَذوا مِن الفداءِ عَذابٌ عظيمٌ،"فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلَالًا طَيِّبًا"الأنفال: 67 - 69، فأحَلَّ اللهُ الغنيمةَ لهم.
ثم أذن الله سبحانه وتعالى بقبول الفداء ، فجعل الأسرى يفتدون أنفسهم بما يملكون من المال ، فمنهم من كان يدفع أربعة آلاف درهم ، ومنهم من كان يدفع أكثر من ذلك ، أما الذين لم يكونوا يملكون شيئاً فكان فداؤهم تعليم أولاد المسلمين الكتابة .وأوصى النبي – صلى الله عليه وسلم – بمعاملة الأسرى معاملة حسنة.وقد تركت هذه المعاملة الحسنة أثرها في قلوبهم ، فأسلم كثيرُ منهم في أوقاتٍ لاحقة .إلا أن ذلك لم يمنع النبي – صلى الله عليه وسلم – مِن قتل مَن اشتدّ أذاه للمسلمين كأمثال عقبة بن أبي معيط ، الذي قتله علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، والنضر بن الحارث الذي كان من أكبر المحرّضين على قتال المسلمين .
وعاد الجيش الإسلامي المنتصر إلى المدينة ، يسبقهم زيد بن حارثة رضي الله عنه وهو راكبٌ ناقة رسول الله - صلى الله عليه وسلم – ليُبشّر الناس .
وانتصر المسلمون انتصارًا ساحقًا وأبلوا بلاء حسنًا فغيروا وجه الأرض ووجه التاريخ، وأذلوا وأرغموا أنوف صناديد الكفر في مكة، بل وفي شبه الجزيرة العربية كلها، وفر بقية المشركين، لا يلوون على شيء، تاركين وراءهم غنائم كثيرة في أرض المعركة.وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم في أهل بدر الذين خاضوا المعركة معه" لَعَلَّ اللَّهَ عزَّ وجلَّ اطَّلَعَ علَى أهْلِ بَدْرٍ فَقالَ: اعْمَلُوا ما شِئْتُمْ فقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ "الراوي : علي بن أبي طالب-صحيح البخاري.

وقد ضرب صلى الله عليه وسلم لتسعة من الصحابة لم يحضروا غزوة بدر لأعمال كلفهم بها، ومنهم: عثمان بن عفان، رضي الله عنه، وطلحةُ بنُ عُبيدِ اللهِ ، و سعيد بن زَيْد بن عَمْرِو بن نُفَيْل ......
وأهل بدر يتفاضلون في أنفسهم حسب الهجرة والسبق للإسلام.
وهذا نموذج لبدري وهو الصحابي البدري المهاجري؛ حاطب بن أبي بلتعة، فعل ما يستوجب العقاب ولكن شفع له كونه بدريًّا :
*قال عَليُّ بنُ أبي طالبٍ رَضيَ اللهُ عنه : بَعَثَنِي رَسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنَا، والزُّبَيْرَ، والمِقْدَادَ، فَقالَ: انْطَلِقُوا حتَّى تَأْتُوا رَوْضَةَ خَاخٍ؛ فإنَّ بهَا ظَعِينَةً معهَا كِتَابٌ، فَخُذُوه منها. قالَ: فَانْطَلَقْنَا تَعَادَى بنَا خَيْلُنَا حتَّى أتَيْنَا الرَّوْضَةَ، فَإِذَا نَحْنُ بالظَّعِينَةِ، قُلْنَا لَهَا: أخْرِجِي الكِتَابَ،قالَتْ: ما مَعِي كِتَابٌ،فَقُلْنَا: لَتُخْرِجِنَّ الكِتَابَ، أوْ لَنُلْقِيَنَّ الثِّيَابَ، قالَ: فأخْرَجَتْهُ مِن عِقَاصِهَا، فأتَيْنَا به رَسولَ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فَإِذَا فِيهِ: مِن حَاطِبِ بنِ أبِي بَلْتَعَةَ، إلى نَاسٍ بمَكَّةَ مِنَ المُشْرِكِينَ، يُخْبِرُهُمْ ببَعْضِ أمْرِ رَسولِ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ. فَقالَ رَسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: يا حَاطِبُ، ما هذا؟!قالَ: يا رَسولَ اللَّهِ، لا تَعْجَلْ عَلَيَّ؛ إنِّي كُنْتُ امْرَأً مُلْصَقًا في قُرَيْشٍ -يقولُ: كُنْتُ حَلِيفًا، ولَمْ أكُنْ مِن أنْفُسِهَا- وكانَ مَن معكَ مِنَ المُهَاجِرِينَ مَن لهمْ قَرَابَاتٌ يَحْمُونَ أهْلِيهِمْ وأَمْوَالَهُمْ، فأحْبَبْتُ -إذْ فَاتَنِي ذلكَ مِنَ النَّسَبِ فيهم- أنْ أتَّخِذَ عِنْدَهُمْ يَدًا يَحْمُونَ قَرَابَتِي، ولَمْ أفْعَلْهُ ارْتِدَادًا عن دِينِي، ولَا رِضًا بالكُفْرِ بَعْدَ الإسْلَامِ،، فَقالَ رَسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: أمَا إنَّه قدْ صَدَقَكُمْ، فَقالَ عُمَرُ: يا رَسولَ اللَّهِ، دَعْنِي أضْرِبْ عُنُقَ هذا المُنَافِقِ، فَقالَ: إنَّه قدْ شَهِدَ بَدْرًا، وما يُدْرِيكَ لَعَلَّ اللَّهَ اطَّلَعَ علَى مَن شَهِدَ بَدْرًا، فَقالَ: اعْمَلُوا ما شِئْتُمْ؛ فقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ. فأنْزَلَ اللَّهُ السُّورَةَ"يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ" إلى قَوْلِهِ "فقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ"الممتحنة: 1.الراوي : علي بن أبي طالب -صحيح البخاري.
الشرح:الخَطأُ والتَّقصيرُ صِفةٌ مُلازِمةٌ لجَميعِ البشَرِ، إلَّا مَن عصَمَهمُ اللهُ عزَّ وجلَّ مِن أنْبيائِه ورُسُلِه، والْتِماسُ الأعْذارِ للصَّالِحينَ وأصْحابِ سابِقاتِ الخَيرِ مِن شِيَمِ الكِرامِ.
وفي هذا الحَديثِ يَحْكي عَليُّ بنُ أبي طالبٍ رَضيَ اللهُ عنه أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أمَرَه هو، والزُّبَيرَ بنَ العَوَّامِ، والمِقْدادَ بنَ الأسوَدِ رَضيَ اللهُ عنهم؛ أنْ يَنطَلِقوا حتَّى يَأْتوا "رَوْضةَ خاخٍوهي مَوضِعٌ بيْن مكَّةَ والمَدينةِ، يَبعُدُ عنِ المَدينةِ اثنَيْ عشَرَ ميلًا؛ فإنَّ بهذا المَكانِ ظَعينةً، أي: امْرأةً مُسافِرةً في هَودَجٍ - معَها رسالةٌ مكتوبةٌ، فلْيَأخُذوا منها هذه الرِّسالةَ. فانطَلَقوا تَجْري بهم خَيلُهم حتَّى أتَوُا الرَّوْضةَ الَّتي ذكَرَها لهم رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فوَجَدوا المرأةَ، وأمَروها أنْ تُخرِجَ الكِتابَ الَّذي معَها، فأنكَرَتْ أنَّ معَها كِتابًا، فأخْبَروها إمَّا أنْ تُخرِجَ الكِتابَ، أو يَخْلَعوا بأنفُسِهم عنها ثِيابَها حتَّى يَجِدوا الكتابَ، وهذا تَهديدٌ شَديدٌ لها، فأخرَجَتْه مِن عِقاصِها، وهو الشَّعرُ المَضْفورُ، أو الخَيْطُ الَّذي يُشَدُّ به أطْرافُ ذَوائبِ الشَّعرِ.
وأحْضَروا الكتابَ إلى رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فقُرِئَ، فإذا مكتوبٌ فيه: مِن حاطِبِ بنِ أبي بَلْتَعةَ، إلى ناسٍ بمكَّةَ منَ المُشرِكينَ، قيلَ: همْ صَفْوانُ بنُ أُمَيَّةَ، وسُهَيلُ بنُ عَمْرٍو، وعِكْرِمةُ بنُ أبي جَهلٍ. ويُخبِرُهم حاطبٌ رَضيَ اللهُ عنه في هذا الكتابِ ببَعضِ أمرِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ؛ مِن كَونِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قدْ عزَمَ على غَزوِ مكَّةَ، وتَجهَّزَ لفَتحِها.
فسَألَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ حاطِبًا عن رِسالَتِه تلك وقال " ما هذا؟"، فطَلَبَ حاطبٌ رَضيَ اللهُ عنه مِن رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ألَّا يَعجَلَ عَليه، وبيَّن سَببَ فِعلِه.......، وأنَّه لم يَفعَلْ ذلك ارْتِدادًا عن دِينِ اللهِ عزَّ وجلَّ، ولا رِضًا بالكُفرِ بعْدَ الإسْلامِ، فقالَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: أمَا أنَّه قدْ صَدَقَكم، فقال عُمَرُ رَضيَ اللهُ عنه: يا رَسولَ اللهِ، دَعْني أضرِبْ عُنُقَ هذا المُنافِقِ......، ولم يَأذَنْ رَسولُ اللهِ في قَتلِ حاطِبٍ رَضيَ اللهُ عنه، وبيَّنَ العِلَّةَ في تَرْكِ قَتلِه؛ فقال صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ "إنَّه قد شَهِدَ بَدرًا، وما يُدْريكَ لعَلَّ اللهَ اطَّلَعَ على مَن شَهِدَ بَدرًا فقال:اعْمَلوا ما شِئْتم؛ فقدْ غفَرْتُ لكم"، وهذا خِطابُ تَشريفٍ وإكْرامٍ "اعْمَلوا ما شِئْتم"، أي: في المُستَقبَلِ؛ فقدْ غفَرْتُ لكم، والمُرادُ الغُفْرانُ لهم في الآخِرةِ، وعبَّرَ عمَّا سيَأْتي في الآخِرةِ بالفعلِ الماضي مُبالَغةً في تَحقُّقِه.
و قبِلَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عُذرَ حاطبٍ رَضيَ اللهُ عنه؛ لمَا علِمَ مِن صحَّةِ عَقيدَتِه، وسَلامةِ قَلبِه.......
وفي الحَديثِ: البَيانُ عَن بَعضِ أعْلامِ النُّبوَّةِ؛ وذلك إعْلامُ اللهِ تعالَى نَبيَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بخَبَرِ المَرْأةِ الحامِلةِ كِتابَ حاطِبٍ إلى قُرَيشٍ، ومَكانِها الَّذي هي به، وذلك كُلُّه بالوَحيِ.الدرر.

ثم يلي أهل بدر أهل بيعة الرضوان:
ثم من بعد هؤلاء أهل بيعة الرضوان، وهم الذين بايعوا النبي صلى الله عليه وسلم تحت الشجرة، وكانوا ألفًا وأربعمائة.
حدثت بيعة الرضوان إبان إرسال النبي صلى الله عليه وسلم عثمان إلى قريش سفيرًا ليُخبرهم أنّه لم يأتِ لقتالهم ولكن لأداء العمرة فقط..
وقد تأخر عثمان وقتها في قريش بعدما احتبسته قريش حتى يبرموا أمرهم، فشاع بين المسلمين أن عثمان قد قُتِل.
فطلب رسول الله صلى الله عليه وسلم لما بلغته الإشاعة ألا يبرح المسلمون، ثم دعا أصحابه إلى البيعة، فتسابق الصحابة وازدحموا يبايعون النبي صلى الله عليه وسلم على ألا يفروا، وبايعته جماعة على الموت. حتى أنه صلى الله عليه وسلم وضع يده اليمنى مبايعًا عن عثمان وقال"هَذِهِ يَدُ عُثْمَانَ فَضَرَبَ بِهَا عَلَى يَدِهِ فَقَالَ: هَذِهِ لِعُثْمَانَ" رواه البخاري.فعقَد البَيْعةَ لعُثمانَ وهو غائبٌ.
فبايعوه تحت شجرة على قتال المشركين، وأن لا يفروا ولو كانوا في حال يجوز الفرار فيها حتى يموتوا .فأثنى الله عليهم وعلى صدقهم ،وكل هذا لزيادة التأكيد والتقوية، وحملهم على الوفاء بها.
قال الله تعالى"لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ "الفتح:18، وقال الله تعالى"إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ....." الفتح:10.
قال صلى الله عليه وسلم"لا يَدْخُلُ النَّارَ، إنْ شاءَ اللَّهُ، مِن أصْحابِ الشَّجَرَةِ أحَدٌ، الَّذِينَ بايَعُوا تَحْتَها "قالَتْ: بَلَى، يا رَسولَ اللهِ، فانْتَهَرَها، فقالَتْ حَفْصَةُ"وَإنْ مِنكُم إلَّا وارِدُها" فقالَ النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ: قدْ قالَ اللَّهُ عزَّ وجلَّ "ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا ونَذَرُ الظّالِمِينَ فيها جِثِيًّا"الراوي : أم مبشر الأنصارية- المحدث : مسلم -المصدر : صحيح مسلم -الصفحة أو الرقم : 2496- خلاصة حكم المحدث : صحيح.
أَخْبَرَ النَّبِيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وهو في بيتِ حَفْصَةَ أنَّه لا يَدْخلُ النَّارَ- إنْ شاءَ اللهُ- مِن أصحابِ الشَّجرةِ أحدٌ، وأصحابُ الشَّجرةِ هُمْ أهلُ بيعةِ الرِّضوانِ، وهم الَّذِينَ بَايَعوا تَحْتَ هذه الشَّجرةِ، أي: على الجهادِ والإسلامِ، فَردَّتْ حَفْصَةُ: بلى يا رسولَ الله؛ "فَانْتَهَرَهَا"، أي: زَجَرَهَا؛ فقالتْ حَفْصَةُ"وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا"مريم: 71، أي: وما منكم إلَّا مارٌّ بها أو حاضِرُها، وكانَتْ حَفْصَةُ ظَنَّتْ أنَّ مَعْنَى "وَارِدُهَا": دَاخِلُها؛ فقالَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: قَدْ قالَ اللهُ عزَّ وجلَّ"ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرَ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا"مريم: 72، أي: إذا مَرَّ الخلائقُ كلُّهم على النَّارِ، وَسقطَ فيها مَنْ سَقطَ مِنَ الكفَّارِ وَالعُصاةِ ذَوي الْمَعاصي، بِحَسَبِهم، نَجَّى اللهُ تعالى المؤمنينَ الْمتَّقِينَ منها بِحَسَبِ أَعمالِهم؛ فَجَوازُهم على الصِّراطِ وسُرعَتُهم بِقَدْرِ أعمالِهمُ الَّتي كانتْ في الدُّنيا.
في الحديثِ: فَضلُ أصحابِ الشجرةِ أهلِ بَيعةِ الرِّضوانِ رضِي اللهُ عنهم.الدرر.
بعد هذه البيعة العظيمة مباشرة جاء عثمان بن عفان رضي الله عنه سالمًا لم يصبه شيء، وقد أخبرهم أن القرشيين قد وافقوا على الصلح، وأنه سيأتي رجل منهم يفاوض رسول الله صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ على بنود الصلح.
وقد ترتب على هذا أن المسلمين لم يدخلوا في حرب مع المشركين، وقد ظلت بيعتهم كما هي.
كانت تلك البيعة مقدمة وتمهيدًا وسببًا مباشرًا لإبرام صلح الحديبية، ذلك الصلح الذي كان فتحًا مبينًا، وكسبًا عظيمًا للمسلمين.

التعديل الأخير تم بواسطة أم أبي التراب ; 07-09-2023 الساعة 05:17 PM
رد مع اقتباس