عرض مشاركة واحدة
  #49  
قديم 07-17-2022, 02:24 AM
الصورة الرمزية أم أبي التراب
أم أبي التراب أم أبي التراب متواجد حالياً
مدير
 
تاريخ التسجيل: Jul 2010
المشاركات: 4,023
y

المجلس الثاني والأربعون

شرح أصول السنة للإمام أحمد بن حنبل

المتن: وَمَنْ مَاتَ مِنْ أَهْلِ القِبْلَةِ مُوَحِدًا،يُصَلَّى عَلَيْهِ وَيُسْتَغْفَرُ لَهُ، وَلا يُحْجَبُ عَنْهُ الاسْتِغْفَارُ،وَلا تُتْرَكُ الصَّلاةَ عَلَيْهِ لِذَنْبٍ أَذْنَبَهُ-صَغِيرًا كَانَ أَوْ كَبِيرًا-وَأَمْرُهُ إِلَى اللهِ- عَزَّ وَجَلَّ - .
الشرح:
وَمَنْ مَاتَ مِنْ أَهْلِ القِبْلَةِ مُوَحِدًا :
أي الموَحِّد الذي يصلي ويستقبل القبلة في الصلاة ، للحديث: مَن صَلَّى صَلَاتَنَا واسْتَقْبَلَ قِبْلَتَنَا، وأَكَلَ ذَبِيحَتَنَا فَذلكَ المُسْلِمُ الذي له ذِمَّةُ اللَّهِ وذِمَّةُ رَسولِهِ، فلا تُخْفِرُوا اللَّهَ في ذِمَّتِهِ."الراوي : أنس بن مالك – صحيح البخاري.
مَن صَلَّى صَلَاتَنَا واسْتَقْبَلَ قِبْلَتَنَا: والمرادُ: صلَّى الصَّلَواتِ الخَمسَ الواجبةَ على الهَيئةِ والكَيفيَّةِ الَّتي وردَتْ عنه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، مُستقبِلًا الكعبةَ المُشرَّفةَ. وإنَّما أفْرَدَ استِقبالَ القِبْلةِ بالذِّكرِ -مع أنَّها مُضمَّنةٌ في الصَّلاةِ-؛ تَعظيمًا لشأنِها . وفي الحديثِ: أنَّ أمورَ الناسِ مَحمولةٌ على الظَّاهرِ دُونَ الباطنِ، فمَن أظهَر شعائرَ الدِّينِ أُجريَتْ عليه أحكامُ أهْلِه، ما لم يَظهَرْ منه خِلافُ ذلك.الدرر السنية.
فلا تُخْفِرُوا اللَّهَ في ذِمَّتِهِ : قال القاري:أي: لا تخونوا الله في عهده، ولا تتعرَّضوا في حقِّه من ماله، ودمه، وعرضه.موسوعة الأخلاق/الدرر السنية.
يعني: احفظوا، لا تُخْفِروا ذِمَّته بأن تعتدوا عليه.الشيخ ابن باز رحمه الله.
مُوَحِدًا : التوحيد إجمالًا : هو إفراد الله عز وجل بما يستحقه ويختص به من الربوبية والألوهية والأسماء والصفات .
فالموحد هو من شهد لله بالوحدانية، وشهد للنبي -صلى الله عليه وسلم- بالرسالة، ولم يفعل ناقضًا من نواقض الإسلام، أو قال: الزنى حلال، أو قال: الربا حلال، أو قال: عقوق الوالدين حلال، أو قال: الصلاة غير واجبة؛ هي مجرد رياضة، من شاء يصلي، ومن شاء لا يصلي، هذا أنكر ما هو معلوم من الدين بالضرورة، أو قال: الزكاة غير واجبة، أو الصوم غير واجب. ما حكمه؟ ينتقض توحيده وإيمانه. الإمام أحمد رحمه الله يقول: وَمَنْ مَاتَ مِنْ أَهْلِ القِبْلَةِ مُوَحِدًا،يُصَلَّى عَلَيْهِ وَيُسْتَغْفَرُ لَهُ ، وَلا تُتْرَكُ الصَّلاةَ عَلَيْهِ لِذَنْبٍ أَذْنَبَهُ-صَغِيرًا كَانَ أَوْ كَبِيرًا-وَأَمْرُهُ إِلَى اللهِ- عَزَّ وَجَلَّ:
من مات من أهل القبلة موحدًا إذا كان موحد، يعني ملتزم بأحكام الإسلام، ولم يُعْلَم عنه أنه فعل ناقضًا من نواقض الإسلام؛ يُصَلَّى عليه، ويُستَغفر له ، ولا تترك الصلاة عليه لذنب أذنبه صغيرًا كان أو كبيرًا، الدليل قول الله تعالى" وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ "التوبة:84. جعل العلة في كونهم لا يصلَّى عليهم الكفر، إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ، فدل على أن الكافر لا يصلَّى عليه ،والموحد يصلى عليه – بمفهوم المخالفة -.
قال الشَّافعي في وصيَّتِه المشهورة: لا أُكَفِّرُ أحدًا من أهلِ التوحيدِ بذَنبٍ وإن عَمِلَ بالكبائِرِ، وأَكِلُهم إلى اللهِ عزَّ وجَلَّ.اعتقاد الشافعي:للهكاري :ص: 17.
قال محمَّدُ بنُ نَصرٍ المَرْوَزي: إنَّ المُصِرَّ على ما دونَ الشِّركِ حتى يموتَ: مؤمِنٌ، غيرُ كافرٍ ولا مُشرِكٍ، وهو بين خَوفٍ ورجاءٍ، يُخافُ أن يُعاقِبَه اللهُ على مَعصيتِه إيَّاه بما استحَقَّ من العقوبةِ، ونرجو أن يتفَضَّلَ اللهُ عليه فيعفو عنه ويغفِرُ له ذَنْبَه.تعظيم قدر الصلاة: 2/ 623.
والمقصود أنه يصلَّى عليه صلاة الجنازة - ما دام أنه لم يفعل الكفر الأكبر ولو كان له ذنب صغير أو كبير، الكبير أي الكبائر المعروفة ، والكبائر جمع كبيرة، والكبيرة هي: كل ذنب ترتب عليه حد في الدنيا أو وعيد في الآخرة بالنار أو الغضب أو اللعنة، أو نفي عن صاحبه الإيمان، أو قال: فيه النبي ليس منا، أو تبرأ منه النبي -صلى الله عليه وسلم- برئ النبي -صلى الله عليه وسلم- كما برِئ من الصالقة والحالقة والشاقة . فالصالقة: التي ترفع صوتها عند المصيبة، والحالقة: التي تحلق شعرها عند المصيبة – والشَّاقَّةِ: التي تشق ملابسها عند المصيبة.
" إنَّ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: بَرِئَ مِنَ الصَّالِقَةِ والحَالِقَةِ والشَّاقَّةِ."الراوي : أبو موسى الأشعري - صحيح البخاري.
والبراءةُ في الحديثِ بمعنى أنه بريءٌ مِن فِعلِهنَّ، أو ممَّا يَستوجِبْنَ مِن العقوبةِ، أو مِن عُهدةِ ما لَزِمني مِن البيانِ، وأصلُ البَراءةِ: الانفصالُ، وليس المرادُ التَّبَرِّيَ مِن الدِّينِ والخروجَ منه.الدرر السنية.
وكذلك أيضا يجوز الحج عنه – أي الموحد حتى لو كان مات عاصيًا- ويُعتمر عنه، ويُتصدق عنه؛ لأنه مؤمن، ولا تترك الصلاة عليه لذنب أذنبه صغيرًا أو كبيرًا؛ لأنه ذنب يعني دون الكفر.
المقصود الأعظم من الصلاة على الميت الدعاء:
صفة الصلاة على الجنازة قد بينها النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم : وهي أن يكبر أولًا ثم يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم ويسمي ويقرأ الفاتحة ، ثم يكبر ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم الصلاةَ الإبراهيمية، ، ثم يكبر الثالثة ويدعو للميت ، والأفضل أن يقول : ما هو محفوظ عن النبي صلى الله عليه وسلم وإن دعا له بدعوات أخرى فلا بأس، ثم يكبر الرابعة : اختَلَف العلماءُ في مشروعيَّةِ الدُّعاءِ للميِّتِ بعدَ التكبيرةِ الرَّابعة، على قولين:
القولُ الأوَّل:يُشرَعُ الدُّعاءُ للمَيِّت بعدَ التكبيرةِ الرابعةِ وقبلَ التَّسليمِ، وهذا مذهبُ المالِكيَّة، والشافعيَّة، واختارَه بعضُ الحَنفيَّة، وروايةٌ عن أحمد، واختاره الشوكانيُّ، وابنُ عُثَيمين، والألبانيُّ ؛ وذلك لأنَّه قيامٌ في صلاةٍ، فكان فيه ذِكرٌ مشروعٌ، كالذي قبل التكبيرةِ الرابعةِ. المغني لابن قدامة:2/365.
القول الثاني:أنَّه ليس بعدَ التَّكبيرةِ الرَّابعةِ دعاءٌ، وإنَّما يليها السَّلامُ، وهو مذهبُ الحَنفيَّة، والحَنابِلَة، وقولٌ عند المالِكيَّة، واختارَه ابنُ باز. مجموع فتاوى ابن باز:13/141.
ثم يسلم تسليمة واحدة عن يمينه قائلاً : السلام عليكم ورحمة الله أو تسليمتين على قولين بين العلماء. وإذا سلّم الإمام تسليمتين فإنه يشرع للمأموم متابعته، وإن كان مذهب المأموم الاكتفاء بتسليمة واحدة .
ولهذا يُصلى عليه حتى ولو في المقبرة، الصلاة في المقبرة منهي عنها لأنها من وسائل الشرك، لكن الصلاة المنهي عنها في المقبرة الصلاة التي لها ركوع وسجود، أما صلاة الجنازة فليس لها ركوع ولا سجود، والمقصود منها الدعاء، فلهذا يصلى على الميت في المقبرة، ولو بعد الدفن، من لم يصل عليه.
والدليل على هذا أن النبي -صلى الله عليه وسلم- صلى في المقبرة:
"أنَّ رَجُلًا أسْوَدَ أوِ امْرَأَةً سَوْدَاءَ كانَ يَقُمُّ المَسْجِدَ فَمَاتَ، فَسَأَلَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عنْه، فَقالوا: مَاتَ، قالَ: أفلا كُنْتُمْ آذَنْتُمُونِي به دُلُّونِي علَى قَبْرِهِ - أوْ قالَ قَبْرِهَا - فأتَى قَبْرَهَا فَصَلَّى عَلَيْهَا."الراوي : أبو هريرة - صحيح البخاري.
أما الصلاة التي لها ركوع وسجود فلا تجوز في المقبرة، قال -عليه الصلاة والسلام"لا تُصَلُّوا إلى القُبُورِ، ولا تَجْلِسُوا عليها."الراوي :أبو مرثد الغنوي- صحيح مسلم.
وفي الحَديثِ: النَّهيُ مِنَ القُعودِ والجُلوسِ عَلى القُبورِ.
وفيه: النَّهيُ عنِ الصَّلاةِ في المَقابرِ أو بيْنَها أو إليْها.الدرر السنية.
وَأَمْرُهُ إِلَى اللهِ- عَزَّ وَجَلَّ:
أي أمره إلى الله إن شاء عذبه على ذنبه دون الخلود في النار، وإن شاء غفر له ، فلا نقطع ولا نجزم بعذاب أو بعدم عذاب أصحاب المعاصي من المسلمين الموحدين .
عن أبي ذَرٍّ رَضِيَ اللهُ عنه عن النَّبيّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّه قال" أتاني جِبريلُ عليه السَّلَامُ فبَشَّرني أنَّه من مات من أمَّتِك لا يُشرِكُ باللهِ شيئًا دَخَل الجَنَّةَ، قُلتُ: وإنْ زنى وإن سَرَق، قال: وإن زنى وإن سَرَق " .صحيح البخاري ومسلم.
قال النَّووي: أمَّا قَولُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم" وإنْ زنى وإن سَرَق "فهو حُجَّةٌ لِمَذهَبِ أهلِ السُّنَّة أنَّ أصحابَ الكبائِرِ لا يُقطَعُ لهم بالنَّارِ، وأنَّهم إن دخلوها أُخرِجوا منها، وخُتِم لهم بالخُلودِ في الجنَّةِ. شرح صحيح مسلم : 2/97.
عن عبادة بن الصامت قال : كُنَّا مع رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ في مَجْلِسٍ، فَقالَ: تُبَايِعُونِي علَى أَنْ لا تُشْرِكُوا باللَّهِ شيئًا، وَلَا تَزْنُوا، وَلَا تَسْرِقُوا، وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتي حَرَّمَ اللَّهُ إلَّا بالحَقِّ، فمَن وَفَى مِنكُم فأجْرُهُ علَى اللهِ، وَمَن أَصَابَ شيئًا مِن ذلكَ فَعُوقِبَ به فَهو كَفَّارَةٌ له، وَمَن أَصَابَ شيئًا مِن ذلكَ فَسَتَرَهُ اللَّهُ عليه، فأمْرُهُ إلى اللهِ، إنْ شَاءَ عَفَا عنْه، وإنْ شَاءَ عَذَّبَهُ."صحيح البخاري.
نسأل الله السلامة والعافية من كل ذنب، وبهذا نكون انتهينا من هذه الرسالة، نسأل الله لنا ولكم العلم النافع، والعمل الصالح، وفقنا الله وإياكم لطاعته، والثبات على الحق ، ونفعنا وغفر لنا ولكم ولكل من له فضل علينا. وصلى الله على محمد وآله وصحبه .
"رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ"إبراهيم: 41.
تَمَّ شرح الرسالة بحَمْدِ اللهِ ومَنِّهِ
فهرس مجالس شرح أصول السنة للإمام أحمد بمدونة منبر الدعوة



رد مع اقتباس