عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 09-13-2022, 03:54 PM
الصورة الرمزية أم أبي التراب
أم أبي التراب أم أبي التراب غير متواجد حالياً
مدير
 
تاريخ التسجيل: Jul 2010
المشاركات: 4,023
Haedphone

المطلب الثاني
موقف طالب العلم من اختلاف العلماء
إن طالب العلم ينبغي ألا يَضِيق بالخلاف ذرعا ، بل إن كثيرًا من الخلاف بين أهل العلم في القديم والحديث لا محيد عنه ولا مفر ، وهو أمر من طبيعة اختلاف البشر واجتهاداتهم وتباين آرائهم وأنظارهم ، ولكن على الطالب أن ينتبه لأمور :
قَلَّ أن تجد مسألة فقهية بل وغير فقهية ؛ حاشا " مسائل العقيدة الأساسية " إلا وتجد فيها اختلافًا ، وقَلَّ أن تجد حديثًا ؛ حاشا ما في " الصحيحين " ؛ إلا وتجد خلافا في الحكم عليه .
الخلاف في الترجيح بين الأقوال في المسائل أو في الحكم على الأحاديث ليس على درجة واحدة ، فمنه الخلاف القوي الذي تكاد تتقابل فيه الأدلة ـ قوة ـ .
ومنه الخلاف الضعيف الذي فيه قول ظاهر القوة وما عداه دون ذلك ـ أي رأي راجح وآخر مرجوح ـ ، ومنه ما بين هذا وذاك .
وعليه فترجيح مجتهد لقول ما في مسألة أو حكم على حديث لا يعني اطِّراح القول المقابل له حتى لا يُنظر إليه ألْبَتَّة ، أو يَظُنّ الطالبُ أن الحكمَ في المسألةِ أو على الحديث قد فُرِغَ منه ، لا سيما في ما كان الخلاف فيه قويًّا ، ما لم يكن ذلك القول المطَّرح ظاهر الضعف .
ـ وتَعْجب ممن يقولون لا نقلد أحد المذاهب ، لكنهم في الحقيقة يقعون في تقليد آخرين من سابقين أومعاصرين .
فالعبرة بالاتباع وليس بالتقليد ، والعبرة باتباع الدليل بمعنى أن تأخذ بهذا القول لأن دليله أو تعليله أقوى من دليل أو تعليل الآخر فيما يتبين لك ، لا لأن فلانا قال به فحسب . وهذا بالنسبة لطالب العلم أما العامي (1) له في هذا بيان آخر .
( 1 ) بالنسبة للعامي الذي لا يستطيع الدراسة والترجيح ... ، فله أن يبحث ويسأل عن أحد العلماء العاملين بكتاب الله وسنة رسوله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ ، فيقلده ويرجع إليه فيما يعرض له من مسائل شرعية .
ـ والعجب من البعض أنهم إذا وجدوا فتوى تخالف ما اعتادوه في بلدهم بناءً على فتوى علمائهم ، إذا رأوا ذلك طاروا به كل مَطْير وكأنهم ظفروا بما لم يظفر به السابقون ، ولم يعلموا أن الاجتهاد لا يُعَارض بمثله ، فعلامَ يعارضون فتوى فلان بفتوى فلان ؟ !
ربما لو قلتَ له إن ما تخالفه هو فتوى فلان من الصحابة ، أو جُل الصحابة ، لتعجب لأنه كان يظن أن ما ظفر به من الفتوى قاطعٌ قولَ كل خطيب .
ـ والأمر أيسر من ذلك بكثير ، فهذا أدَّاه اجتهاده إلى كذا ، وهذا أدَّاه اجتهاده إلى كذا ، وكلهم يعلم أن المسألة ليست مقطوعًا بها ، ولا مُجْمَعًا عليها ، ولو اجتمعا في مجلس لم ينكر أحدهما على الآخر ولم يعنِّفه ، ولكن الخَطْب غالبًا ما يأتي من النَّقَلَة والرواة والأتباع
ـ وإذا كان هذا في الترجيح في المسائل ، فمثله يقال في الحكم على الأحاديث ، والاختلاف فيها ، فإنك قد تجد مَنْ إذا ظفر بمن يضعف حديثًا قد اشتهر عند الناس العمل به ، لتصحيح بعض علمائهم له من السابقين والمعاصرين ممن شهد له الناس بالمعرفة في هذا الفن ، إذا ظفر بذلك ظن أن تصحيحه غير معتبر ألْبتة ، وراح يحذر الناس منه وكأنه حديث موضوع اتفق العلماء على تركه ، فهو وإن ضعفه فلان ـ من أهل هذا العلم ـ فقد صححه فلان أيضًا ممن هو من أهل هذا الشأن وربما يكون له سلف أيضًا في تصحيحه .
ـ وعى طالب العلم أن يكون صدره متسعًا لهذا وذاك ، وإذا ضَعَّفَ الحديث متبعًا قول فلان ، فلا ينبغي أن يكون على وجه الاستهانة بمن صححه أو عدم الاعتبار له ، ولا ينبغي أيضًا أن يحمل الناس على ذلك .
ـ ورحم الله " الإمام مالكا " لما صَنَّفَ الموطأ فأراد المنصور أن يحمل الأمصار على العمل به ، فأبى ذلك " الإمام مالك " .
فقد روى ابن عساكر أن أبا جعفر المنصور سأل الإمام مالك ـ رحمه الله ـ أن يحمل الناس على كتابه الموطأ ، فقال " الإمام مالك " له :
لا تفعل هذا ، فإن الناس قد سبقت إليهم أقاويل ، وسمعوا أحاديث وروايات ، وأخذ كل قوم منهم بما سبق إليهم وعملوا به ودانوا به من اختلاف الناس وغيرهم ، وإنَّ ردَّهم عما اعتقدوا شديد ، فدع الناس وما هم عليه وما اختار أهل كل بلد لأنفسهم .التوحيد / جمادى الأولى 1425 / ص : 71 / بتصرف .
" الأثر " من كتاب : فقه الخلاف بين المسلمين / ص : 28 .
قال الشيخ الألباني في صفة صلاة النبي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ ص : 64 / تحت موضوع شبهات والرد عليها :
أحسن ما وقعت عليه من الرواية ، ما ذكره الحافظ ابن كثير في " شرح اختصار علوم الحديث " ص : 42 ، وهو أن الإمام مالك قال : أي قال للمنصور عندما أراد أن يحمل الناس على كتاب الموطأ ـ فأبى الإمام مالك وقال ـ : إن الناس قد جمعوا واطلعوا على أشياء لم نطلع عليها . ا . هـ . بتصرف .
ـ ولا ينبغي أن تؤدي هذه المسائل ـ الخلافية ـ إلى التدابر والتباغض والولاء والبراء .
قال الذهبي في " سِير أعلام النُّبَلاء ( 14 / 376 ) " ـ بعد ذِكْر مسألةٍ يرى فيها أن أحد الأئمة الأعلام قد أخطأ في اجتهاده ـ :
" ولو أنَّ كلَّ من أخطأ في اجتهاده ـ مع صحة إيمانه ، وتوخِّيه لاتباع الحق ـ أهدرناه وبدَّعْناه ، لَقَلَّ مَن يَسْلَم من الأئمة معنا ، رحم الله الجميع بمنه وكرمه " .
الموسوعة الفقهية الميسرة / ج : 3 / ص : 242 .
وورد بنفس المرجع :
ومهما يكن من أمر ؛ فإنه لا ينبغي أن نختلف ، أو نتفرق ، أو نُوالي ، أو نعادي في هذه المسائل ـ الخلافية ـ .
وليس لأحدٍ أن يُلزم الآخر برأيه ، والمهم ألاَّ يتبع المرء هواه ، فما دام قد اعتد على أقوال العلماء ، مع بذل الأسباب في معرفة الحق والصواب ، والتجرّد من الهوى والتعصب ، فقد سدَّد وقارب ونجا بإذن الله تعالى .
الموسوعة الفقهية الميسرة / ج : 3 / ص : 318 / بتصرف .

فائدة :
ينبغي عند الخلاف أن يكون معتقدي كما قال العلماء :
رأيي هو الصواب ويحتمل الخطأ . ورأي غيري هو الخطأ ويحتمل الصواب .

* * * * *
رد مع اقتباس