عرض مشاركة واحدة
  #27  
قديم 11-07-2022, 02:12 AM
الصورة الرمزية أم أبي التراب
أم أبي التراب أم أبي التراب غير متواجد حالياً
مدير
 
تاريخ التسجيل: Jul 2010
المشاركات: 4,023
y

من آية 163إلى.164.

"وَ"إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَّا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ" 163.
قوله: وَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ معطوف على قوله: إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلْنا عطف القصة على القصة.
حكم الله في الآية السابقة على الذين يكتمون ما أنزل الله من البينات والهدى باللعنة والطرد من رحمته إلا إن تابوا، فإن هم ماتوا على كتمانهم كانوا خالدين في اللعنة لا يخفف عنهم من العذاب شيء. إنما ذكر الوحدانية- وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ - والرحمة - الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ - دون غيرهما من صفاته، لأن الوحدانية تُذكر أولئك الكافرين الكاتمين للحق أن شارع الدين واحد لا معبود سواه ، وبأنهم لا يجدون ملجأ غير الله يقيهم عقوبته ولعنته، والرحمة بعدها ترغبهم في التوبة وتحول بينهم وبين اليأس من فضله، بعد أن اتخذوا الوسطاء والشفعاء عنده.
وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ :أي: متوحد منفرد في ذاته، وأسمائه، وصفاته، وأفعاله، فليس له شريك في ذاته، ولا سمي له ولا كفو له، ولا مثل، ولا نظير ، فإذا كان كذلك، فهو المستحق لأن يؤله ويُعبد بجميع أنواع العبادة، ولا يشرك به أحد من خلقه.لذا قال سبحانه بعدها:لَّا إِلَهَ إِلَّا هُوَ .
الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ : وأتى- سبحانه- بهذين اللفظين في ختام الآية، لأن ذكر الإلهية والوحدانية يحضر في ذهن السامع معنى القهر والغلبة وسعة المقدرة وعزة السلطان، وذلك مما يجعل القلب في هيبة وخشية، فناسب أن يورد عقب ذلك ما يدل على أنه مع هذه العظمة والسلطان، مصدر الإحسان ومولى النعم، فقال: الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ ، وهذه طريقة القرآن في الترويح على القلوب بالتبشير بعد ما يثير الخشية، حتى لا يعتريها اليأس أو القنوط.
ثم ذكر - عزت قدرته - بعض ظواهر الكون الدالة على وحدانيته ورحمته لتكون برهانا على ما ذكر في الآية قبلها فقال:
"إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِن مَّاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ"164.
وبعد أن أخبر- سبحانه- بأنه هو الإله الذي لا يستحق العبادة أحد سواه، عقب ذلك بإيراد ثمانية آيات أي: أدلة تشهد بوحدانيته وإلهيته، وقدرته وعظيم سلطانه ورحمته وسائر صفاته ، وتشتمل على آيات ساطعات، وبينات واضحات، تهدي أصحاب العقول السليمة إلى عبادة الله وحده، وإلى بطلان ما يفعله كثير من الناس من عبادة مخلوقاته.
إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ: إن إيجاد السَّموات والأرض من عدمٍ، وصُنعِهما المتقن لآيات بينات للفِطَرِ والعقولِ السليمةِ.
إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ : وما فيها والسموات التي تتألف أجرامها من طوائف، لكل طائفة منها نظام محكم وللمجموع نظام واحد، يدل على أنه صادر من إله واحد لا شريك له في الخلق والتقدير، والحكمة والتدبير، وأقرب تلك الطوائف إلينا المجموعة الشمسية التي تفيض شمسها على أرضنا أنوارها، فتكون سببًا في حياة الحيوان والنبات، ويتبعها جملة كواكب تختلف مقاديرها وأبعادها، استقر كل منها في مداره، وحفظت النسبة بين بعضها وبعض بسنة إلهية محكمة يعبرون عنها بالجاذبية، ولولا ذلك لتفلتت هذه الكواكب السابحة في أفلاكها فصدم بعضها بعضا وهلكت العوالم جميعًا.
...وَالْأَرْضِ : الأرض،جعلها سبحانه مهادًا للخلق، يمكنهم القرار عليها والانتفاع بما عليها ففي جرمها ومادتها وشكلها والعوالم المختلفة التي عليها من الجماد والنبات والحيوان وجميع المخلوقات ، وفي منافعها المختلفة باختلاف أنواعها، ما يدل على إبداع.الحكيم العليم." وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِّلْمُوقِنِينَ" الذاريات : 20. والموقنون هم العارفون المحققون وحدانية ربهم ، وصدق نبوة نبيهم ، خصهم بالذكر لأنهم المنتفعون بتلك الآيات وتدبرها "وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاء اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنبَتَتْ مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ ، ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِي الْمَوْتَى وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ، وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لَّا رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَن فِي الْقُبُورِ".الحج:5.
"وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ "الرعد : 4. المقصود أنها مع تجاورها وتقاربها مختلفة في أوصافها مما يشهد بقدرة الله- تعالى- العظيمة. قال ابن كثير ما ملخصه: وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجاوِراتٌ أي: أراض يجاور بعضها بعضًا، مع أن هذه طيبة تنبت ما ينتفع به الناس، وهذه سبخة مالحة لا تنبت شيئًا، وهذه تربتها حمراء، وتلك تربتها سوداء، وهذه محجرة وتلك سهلة، والكل متجاورات، فهذا مما يشهد بقدرة الله ، لا إله إلا هو ولا رب سواه .
خلقَ سبحانه هذه الأرض وأرساها بالجبال؛ يقول - جل وعلا " وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ "النحل : 15. ألقى في الأرض رواسي أي جبالا ثابتة . رسا يرسو إذا ثبت وأقام .والميد : هو الاضطراب ، لتقر الأرض ولا تميد أي : تضطرب بما عليها من الكائنات الحية فلا يهنأ لهم عيش بسبب ذلك.
ويقول - جل وعلا " وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا "النازعات : 32. أي: ثبتها في الأرض.
وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ : وهو تعاقبهما على الدوام، إذا ذهب أحدهما، خلفه الآخر، وفي اختلافهما في الحر، والبرد، والتوسط، وفي الطول، والقصر، والتوسط، أي : تعاقبهما وتقارضهما الطول والقصر ، فتارة يطول هذا ويقصر هذا ، ثم يعتدلان ، ثم يأخذ هذا من هذا فيطول الذي كان قصيرا ، ويقصر الذي كان طويلا وكل ذلك تقدير العزيز الحكيم ، وما ينشأ عن ذلك من الفصول، التي بها انتظام مصالح بني آدم . – مثاله في فصل الصيف يطول النهار ويقصر الليل وفي الشتاء يطول الليل ويقصر النهار وهذا مُشَاهَد -
إن هذا الإخبار عن ذلك فيه حث على التأمل والتفكر، فالله ذكر ذلك في سياق مدح لهؤلاء المتفكرين المُعتبرين.
وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ:وهي السفن والمراكب ونحوها، مما ألهم الله عباده صنعتها، ثم سخر لها هذا البحر العظيم والرياح، التي تحملها بما فيها من الركاب والأموال، والبضائع التي هي من منافع الناس، وبما تقوم به مصالحهم وتنتظم معايشهم. وجه العلاقة بين ذكر الفلك وما قبله : والنكتة في ذكرها عقيب آية الليل والنهار، هي أن المسافرين في البر والبحر هم أشد الناس حاجة إلى تحديد اختلاف الليل والنهار ومراقبته على الوجه الذي ينتفع به، والمسافرون في البحر أحوج إلى معرفة الأوقات وتحديد الجهات، لأن خطر الجهل عليهم أشد، وفائدة المعرفة لهم أعظم، ولذلك كان من ضروريات رباني السفن معرفة علم النجوم، وعلم الليل والنهار من فروع هذا العلم -الجغرافية الفلكية-. قال- تعالى" وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِها فِي ظُلُماتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ " الأنعام: 97 .
وخص- سبحانه- النفع بالذكر وإن كانت السفن تحمل ما ينفع وما يضر لأن المراد هنا عَدّ النِّعَم، ولأن الذي يحمل فيها ما يضر غيره هو في الوقت نفسه يقصد منفعة نفسِهِ.
ومن وجوه الاستدلال بالفلك التي تجرى في البحر بما ينفع الناس على وجود الله وقدرته، أن هذه الفلك وإن كانت من صنع الناس إلا أن الله- تعالى- هو الذي خلق الآلات والأجزاء التي صارت بها سفنا، وهو الذي سخر لبحر لتجرى فيه مقبلة ومدبرة مع شدة أهواله إذا هاج، وهو الذي جعلها تشق أمواجه شقا حتى تصل إلى بر الأمان، وهو الذي رعاها برعايته وهي كنقطة صغيرة في ذلك الماء الواسع، ووسط تلك الأمواج المتلاطمة حتى وصلت إلى ساحل السلامة وهي حاملة الكثير مما ينفع الناس من الأطعمة والأشربة والأمتعة المختلفة، فسبحانه من إله قادر حكيم.الوسيط.
وَمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِن مَّاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا:
والمراد بالسماء: جهة العلو، أي: وما أنزل من جهة السماء من ماء.
قال تعالى" اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ فَتُثِيرُ سَحابًا فَيَبْسُطُهُ فِي السَّماءِ كَيْفَ يَشاءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ " الروم:48.
وَيَجْعَلُهُ كِسَفًا :أي: ويجعله قطعًا بعضها فوق بعض تارة أخرى. والكسف: جمع كسفه، وهي القطعة من السحاب.
الْوَدْقَ: المطر ، يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ : أي: المطر يخرج ويتساقط من خلال هذا السحاب، ومن بين ذراته. فَإِذا أَصابَ بِهِ، أي: بهذا المطر مَنْ يَشاءُ. إصابته به مِنْ عِبادِهِ بأن ينزله على أراضيهم وعلى بلادهم إِذا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ أي: يفرحون بذلك، لأنه يكون سببا في حياتهم وحياة دوابهم وزروعهم.
وهذا الوصف الموجز هو ما بينه العلماء بقولهم: إن المطر يتوالد عن طريق تجمع هائل لبخار المياه المتصاعدة من المسطحات المائية المختلفة ومن التربة - ثم يتعرض لعوامل مختلفة من درجات الحرارة الباردة و اتجاه تيارات الرياح فيؤدي لتكثيف البخار وتتكون سُحُبًا يسقط الماء – المطر - من خلالها وينزل إلى الأرض لثقله .
وأعرف الناس بنعمة المطر، أولئك الذين يعيشون في الأماكن البعيدة عن الأنهار. ممن تقوم حياتهم على مياه الأمطار.
فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا:أي وبهذا الماء تحدث حياة الأرض بالنبات، وبه أمكن معيشة الكائنات الحية على سطحها،قال تعالى"وتَرَى الْأَرْضَ هامِدَةً فَإِذا أَنْزَلْنا عَلَيْهَا الْماءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ"الحج:5.
وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَابَّةٍ : وَبَثَّ فِيهَا :أي: نشر في أقطار الأرض من الدواب المتنوعة. الدابة اسم من الدبيب والمشي ببطء، كل ما يمشى فوق الأرض فهو بحسب الوضع اللغوي يطلق عليه دابة. والظاهر أن المراد بالدابة هنا هذا المعنى العام، لا ما يجرى به العرف الخاص باستعماله في نوع خاص من الحيوان كذوات الأربع.الوسيط.
وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ:أي: وتصريف أي تقليب الرياح للسحاب. تقليب الرِّيح ركودًا وهبوبًا، وجعْلها تهبُّ من اتجاهات عِدَّة، واختلافها في الشِّدَّة والضَّعف، والنَّفع والضر، وتذليله سبحانه السَّحابَ بين السَّماء والأرض لمصالح خَلْقه، على حسب إرادته- سبحانه- ووفق حكمته.

الْمُسَخَّرِ : والْمُسَخَّرِ: المُذلَّل، وَالمُيسَّر،من التسخير وهو التذليل والتيسير,والتسخير معناه حمل الشيء على حركة مطلوبة منه لا اختيار له فيها، والله يسخر السحاب لأنه يريده أن يمطر هنا، فيأتي مسخر الرياح فيسوقه إلى حيث يريد الله.
لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ: هذه الدلائلَ والعلامات يَعيها مَنْ مَنَّ الله عليه بعقلٍ يتدبَّر به، فيَفهَم حكمة الله عزَّ وجلَّ منها.
رد مع اقتباس