عرض مشاركة واحدة
  #48  
قديم 01-31-2021, 03:30 AM
أم حذيفة أم حذيفة غير متواجد حالياً
مشرفة قسم الحديث
 
تاريخ التسجيل: Jul 2010
المشاركات: 2,643
افتراضي

📩 قواعد قرآنية

القاعدة السادسة والأربعون

🔅 {وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ} [البقرة:197]

هذه قاعدة وثيقة الصلة بقضية مهمة في باب الصلة مع الله، ومع عباده.

إن هذه القاعدة الجليلة، لتربي في المؤمن معانٍ إيمانيةٍ وتربوية كثيرة -وهو في سيره إلى الله والدار الآخرة-، ولعلنا نلخص هذه المعاني فيما يلي:

🌟 أولًا: في هذه الآية ترغيب وحض على إخلاص العمل لله جلّ وعلا، وإن لم يطلع عليه أحد، بل إن الموفق من عباد الله من يحرص كل الحرص على إخفاء العمل عن الخلق ما استطاع إلى ذلك سبيلًا، وفي ذلك من الفوائد والعوائد على القلب والنفس الشيء الكثير.

🌟ثانيًا: من المعاني التي تربيها هذه القاعدة في نفوس أهلها:
راحة النفس، واطمئنان القلب؛

ذلك أن المُحسن إلى الخلق، المخلص في ذلك لا ينتظر التقدير والثناء من الخلق، بل يجد سهولةً في الصبر على نكران بعض الناس للجميل الذي أسداه، أو المعروف الذي صنعه! فإنه إذا كان يفعل الخير ويوقن بأن ربّه يعلمه علمًا يثيب عليه؛ هان عليه ما يجده من جحود ونكران، فضلًا عن التقصير في حقه،

🔅ولسان حاله -كما أخبر الله عن أهل الجنة-: ﴿إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا﴾ [الإنسان:9]

ومع ما تقدّم ذكره، فإني أهدي لإخواني -الذين منّ الله عليهم بالإحسان إلى الخلق وابتُلوا بجفائهم- هذا النص النفيس لشيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-، حيث يقول في كلام طويل له حول هذا المعنى، قال:

«ولا يحملنّك هذا على جفوة الناس، وترك الإحسانِ إليهم واحتمالِ الأذى منهم، بل أحسِنْ إليهم لله، لا لرجائهم، وكما لا تخافهم؛ فلا ترجهم، وخَف اللهَ في الناس ولا تخف الناس في الله وارج الله في الناس ولا ترج الناس في الله،

🔅وكن ممن قال الله فيه: ﴿وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى * الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى * وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى * إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى﴾ [الليل:١٧-٢٠]».

💬 وقال في موضع آخر -موصيًا من يتصدى لنفع الخلق-:

«وإذا أحسنَ إلى الناس فإنما يحسن إليهم: ابتغاء وجه ربه الأعلى، ويعلم أن الله قد منَّ عليه بأن جعله محسنًا، ولم يجعله مسيئًا، فيرى أن عمله لله وأنه بالله،

وهذا مذكور في فاتحة الكتاب ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ…﴾ ، فالمؤمن يرى: أن عمله لله لأنه إياه يعبد وأنه بالله؛ لأنه إياه يستعين، فلا يطلب ممن أحسن إليه جزاء ولا شكورًا؛ لأنه إنما عمل له ما عمل لله،

🔅كما قال الأبرار: ﴿إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا﴾ [الإنسان:9]، ولا يمنّ عليه بذلك ولا يؤذيه، فإنه قد علم أن الله هو المانّ عليه إذ استعمله في الإحسان، وأن المنة لله عليه وعلى ذلك الشخص، فعليه هو: أن يشكر الله إذ يسره لليسرى، وعلى ذلك: أن يشكر الله إذ يسَّر له من يقدم له ما ينفعه من رزقٍ أو علمٍ أو نصر أو غير ذلك.

ومن الناس: من يحسن إلى غيره ليَمُنَّ عليه، أو يرد الإحسان له بطاعته إليه، وتعظيمه أو نفع آخر، وقد يمن عليه فيقول: أنا فعلت بك كذا، فهذا لم يعبد الله ولم يستعنه، ولا عمل لله ولا عمل بالله، فهو المرائي، وقد أبطل الله صدقة المنان، وصدقة المُرائي…».

والمقصود: أن من فهم ما ترشد إليه هذه القاعدة القرآنية المحكمة: ﴿وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّه﴾ أقدَمَ على فعل الخير، وسهلَ عليه الصبر على تقصير الخَلق وجفائهم؛ لأنه لا يرجو سوى الله، نسأل الله تعالى بمنّه وكرمه أن يرزقنا فعل الخيرات، والإخلاص لله تعالى في كل ما نأتي ونذر.

"من كتاب "قواعد قرآنية" - د.عمر المقبل (باختصار)".

ღ قوت القلوب ღ
رد مع اقتباس