عرض مشاركة واحدة
  #33  
قديم 12-26-2022, 11:58 PM
الصورة الرمزية أم أبي التراب
أم أبي التراب أم أبي التراب غير متواجد حالياً
مدير
 
تاريخ التسجيل: Jul 2010
المشاركات: 4,023
6

من آية 196إلى 203 .
"وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِّن رَّأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِّن صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ فَإِذَا أَمِنتُمْ فَمَن تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ ۗ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَن لَّمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ" 196.
المعنى الإجمالي : الكلام فيما مضى في بيان أحكام الحج - -يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ ۖ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ - بعد ذكر أحكام الصيام، لأن شهوره بعد شهر الصيام، وجاء ذكر آيات القتال تابعًا لبيان أحكام الأشهر الحرم والمسجد الحرام.
وهنا عاد إلى إتمام أحكام الحج، فذكر حكم المحصر وعدم جواز الحلق قبل بلوغ الهدي محله، إلا لمن كان مريضًا أو به جروح ونحوها فإنه يحلق وعليه أن يصوم ثلاثة أيام أو يذبح شاة أو يتصدق بفرق على ستة مساكين - الفرق بالتحريك مكيال بالمدينة يزن ستة عشر رطلا- فإذا زال الخوف من العدوّ، فمن أتم العمرة وتحلل وبقي متمتعًا إلى زمن الحج ليحج من مكة فعليه دم، لأنه أحرم بالحج من غير الميقات، فإن لم يجد ذلك صام ثلاثة أيام في أيام الإحرام بالحج، وسبعة إذا رجع إلى بلده إلا إذا كان مسكنه وراء الميقات.تفسير المراغي.
الشرح المفصل:
وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ:كانت شعيرة الحج والعمرة معروفتين عند العرب قبل الإسلام، ولكن بأفعال وبكيفية فيها الكثير من الأباطيل والأوهام، فجاءت شريعة الإسلام فوضعت لهما أفضل الأحكام، وأسمى الآداب، وأمر النبي صلّى الله عليه وسلّم المسلمين أن يسيروا في أدائهما على الطريقة التي سار عليها فقال "رَأَيْتُ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ يَرْمِي علَى رَاحِلَتِهِ يَومَ النَّحْرِ، ويقولُ: لِتَأْخُذُوا مَنَاسِكَكُمْ، فإنِّي لا أَدْرِي لَعَلِّي لا أَحُجُّ بَعْدَ حَجَّتي هذِه."الراوي : جابر بن عبدالله - صحيح مسلم.
لِتَأْخُذُوا مَنَاسِكَكُمْ: أي: تَعلَّموا مِنِّي واحفَظوا الأحْكامَ الَّتي أَتيْتُ بها في حَجَّتي مِنَ الأَقوالِ والأَفعالِ، فخُذوها عَنِّي واعَمَلوا بِها، وعَلِّمُوها النَّاسَ.
وقد اختلف العلماء في المقصود من الإتمام في قوله- تعالى: وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ، فبعضهم يرى أن المراد بإتمامهما: إقامتهما وإيجادهما وإنشاؤهما فيكون المعنى: أقيموا الحج والعمرة لله: أي أدوهما وائتوا بهما. فالأمر في «أتموا» مُنْصَب على الإنشاء والأداء.
أصحاب القول الأول: يرون أن العمرة واجبه كالحج، لأن الله- تعالى- أمر بهما معا، ولأن الرسول صلّى الله عليه وسلّم قال"تابعوا بين الحج والعمرة.." .وإلى هذا القول اتجه سعيد بن جُبير، وعطاء، وسُفيان الثوري، والشافعية.
القول الثاني: يرى كثير من الصحابة والتابعين والفقهاء كالأحناف والمالكية- أن المراد بإتمامهما: أن على المسلّم إذا شرع فيهما أو في أحدهما أن يتمه ويأتي به كاملًا بأركانه وواجباته، مُخلِصين لله تعالى في ذلك.
فالأمر على هذا القول منصب على الإتمام لا على أصل الأداء.
وأصحاب هذا القول يرون أن العمرة ليست واجبة كالحج لعدم قيام الدليل على وجوبها، وليس في الآية ما يفيد الوجوب، بل فيها ما يفيد وجوب الإتمام إن شرع فيهما أو في أحدهما. وفرضية الحج إنما ثبتت بقوله- تعالى" وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا"آل عمران 97 .
فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ : بعد أن أمر الله- تعالى- عباده بأن يتموا الحج والعمرة له سبحانه، أردف ذلك ببيان ما يجب عليهم عمله فيما لو حال حائل بينهم وبين إتمامهما. والإحصار والحصر في اللغة: بمعنى الحبس والمنع والتضييق سواء أكان بسبب عدو أو مرض أو جور سلطان أو ما يشبه ذلك - على الراجح.
فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ : والمعنى: أتموا- أيها المؤمنون- الحج والعمرة لله متى قدرتم على ذلك، فإن أُحْصِرْتُمْ أي، مُنعتم بعد الإحرام من الوصول إلى البيت الحرام بسبب عدو أو مرض أو نحوهما، فعليكم إذا أردتم التحلل من الإحرام أن تذبحوا ما تيسر لكم من الهدي، وهو سُبْع بَدَنَة، أو سُبْع بقرة، أو شاة يذبحها المُحْصَر. وذبحها يكون في موضع الإحصار – على قول الجمهور- ولو في الحِلِّ لأنه عليه الصلاة والسلام ذبح عام الحديبية بها وهي من الحِلِ، فهي ليست من الحرم عند المحققين.
فَمَا اسْتَيْسَرَ وفي هذه الجملة الكريمة تقرير للمبادئ التي جاءت بها شريعة الإسلام تلك المبادئ التي تتوخى في كل شؤونها التيسير لا التعسير، والرفق لا التشديد قال- تعالى" يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ" البقرة : 185. وقال- تعالى"وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ "الحج: 78.
" وَلا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ." ولا تتحللوا من إحرامكم بالحلق حتى تذبحوا الهدي في الموضع الذي أحصرتم فيه، فإذا تم الذبح فاحلقوا وتحللوا.
وبعد أن بين- سبحانه- أن الحلق لا يجوز للمحرم ما دام مستمرًا على إحرامه، أردف ذلك ببيان بعض الحالات التي يجوز فيها للمحرم أن يحلق رأسه مع استمراره على إحرامه فقال:
فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِّن رَّأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِّن صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ:أي: فمن كان منكم- أيها المحْرِمُون- مريضًا بمرض يضطر معه إلى الحلق، أو كان به أذى من رأسه كجراحة وحشرات مؤذية، إن حلق وهو على إحرامه – وإزالة الشعر، بحلق أو غيره من محظورات الإحرام - فعليه فدية من صيام أو صدقة أو نسك. صيام ثلاثة أيام, أو صدقة على ستة مساكين أو نسك ما يجزئ في أضحية، فهو مخير، والنسك أفضل، فالصدقة، فالصيام.
يروي التابعيُّ عبدُ اللهِ بنُ مَعقِلٍ " قَعَدْتُ إلى كَعْبِ بنِ عُجْرَةَ في هذا المَسْجِدِ -يَعْنِي مَسْجِدَ الكُوفَةِ- فَسَأَلْتُهُ عن "فِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ"البقرة: 196، فَقالَ: حُمِلْتُ إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم والقَمْلُ يَتَنَاثَرُ علَى وَجْهِي، فَقالَ: ما كُنْتُ أُرَى أنَّ الجَهْدَ قدْ بَلَغَ بكَ هذا، أمَا تَجِدُ شَاةً؟ قُلتُ: لَا، قالَ: صُمْ ثَلَاثَةَ أيَّامٍ، أوْ أطْعِمْ سِتَّةَ مَسَاكِينَ، لِكُلِّ مِسْكِينٍ نِصْفُ صَاعٍ مِن طَعَامٍ، واحْلِقْ رَأْسَكَ. فَنَزَلَتْ فِيَّ خَاصَّةً، وهْيَ لَكُمْ عَامَّةً."الراوي : كعب بن عجرة - صحيح البخاري.
وعبر- سبحانه- هنا بالفدية دون الكفارة، لأن الذي به مرض أو أذى من رأسه لم يرتكب ذنبًا أو إثمًا حتى يكفر عنه.
فَإِذَا أَمِنتُمْ فَمَن تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ: بعد أن بين- سبحانه كيفية التحلل عند الإحصار، وكيفية التحلل الجزئى من بعض المحرمات عند المرض، عقب ذلك ببيان كيفية التحلل في حالة الأمن.
أي فإذا زال خوفكم وثبت أمنكم الذي منعكم من حجكم أو عمرتكم. فمن انتفع بالتقرب إلى الله تعالى بالعمرة وانتفع بتمتعه بعد الفراغ منها ، إلى وقت الانتفاع بأعمال الحج، فعليه ما استيسر من الهدي أي فعليه دم نسك ، ويأكل منه كالأضحية ويذبح يوم النحر.
والمراد بالتمتع في الآية المعنى الشرعي بأن يجمع المسلم بين العمرة والحج في عام واحد في أشهر لحج، بأن يحرم بالعمرة أولا ثم بالحج.
وسمى هذا النوع من الإحرام تمتعا، لأن المحرم به يجمع بين متعة الروح ومتعة الجسد.
لأنه يحرم بالعمرة أولا ويقوم بمناسكها وتلك متعة روحية وبعد الانتهاء من أدائها يتحلل فيجوز له أن يقرب النساء ويمس الطيب حتى يحرم بالحج وتلك متعة بدنية.
فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ : أي فمن لم يجد الهدي لعدم وجوده أو عدم المال الذي يشتري به، فعليه صيام ثلاثة أيام في أيام الإحرام بالحج . ويفضل كثير من الفقهاء أن يصوم سادس ذي الحجة وسابعه وثامنه.
وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ ۗ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ: أي:وتصوموا سبعة أيام إذا فرغتم من أعمال الحج. قال مجاهد وعطاء وإبراهيم: المعنى إذا رجعتم من منى فمن بقي بمكة صامها، ومن نهض إلى بلده صامها في الطريق.
وقال قتادة والربيع: هذه رخصة من الله تعالى، والمعنى إذا رجعتم إلى أوطانكم فلا يجب على أحد صوم السبعة إلا إذا وصل وطنه، إلا أن يتشدد أحد كما يفعل من يصوم في السفر في رمضان.تفسير ابن عطية.
ووصف العشرة بأنها كاملة، للتنويه بأن هذا الصوم طريق الكمال لأعمال الحج، وأن الحاج إذا نسي بعضها لا يكون حجه تاما حتى يصوم ما أمره الله- تعالى- به.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
" يجوز أن يصوم الأيام الثلاثة في أيام التشريق، وهي الحادي عشر، والثاني عشر، والثالث عشر من ذي الحجة، ويجوز أن يصومها قبل ذلك بعد إحرام العمرة، ويجوز أن يصوم هذه الأيام الثلاثة متوالية ومتفرقة، لكن لا يؤخرها عن أيام التشريق. أما السبعة الباقية فيصومها إذا رجع إلى أهله، إن شاء صامها متوالية، وإن شاء متفرقة" انتهى من "مجموع فتاوى ورسائل العثيمين" 24/ 376.
" تَمَتَّعَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في حَجَّةِ الوَدَاعِ، بالعُمْرَةِ إلى الحَجِّ وأَهْدَى ........فمَن لَمْ يَجِدْ هَدْيًا، فَلْيَصُمْ ثَلَاثَةَ أيَّامٍ في الحَجِّ وسَبْعَةً إذَا رَجَعَ إلى أهْلِهِ. ....." الراوي : عبد الله بن عمر -صحيح البخاري.
وقال الشيخ ابن عثيمين :
" من أخَّر صيام الثلاثة أيام التي في الحج حتى انتهى حجه لغير عذر، فهل تلزمه الفدية؟ الصحيح لا تلزمه، ......وهناك من يقول تلزمه الفِدية، وهو أصلاً ما عنده فِدية، وهو أيضًا لما عُدِمَ الهدي صار الصيام واجبًا في حقه، فنقول: إنه يجب أن يكون في الحج، وإذا تأخر ولا سيما إذا كان لعذر فإنه يقضى كرمضان " انتهى من "الشرح الممتع" 7/ 180.
ذَٰلِكَ لِمَن لَّمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ : أي: ذلك التمتع الذي يتمتع فيه المحرم بين النُّسكين، إنما هو للشخص الذي ليس أهله من المقيمين في مكة وما حولها ،من كان دون الميقات ، ومن كان منه على مسافة لا تقصر منها الصلاة ; لأن من كان كذلك يعد حاضرا لا مسافرا.وقد شرع- سبحانه- التمتع ليكون تيسيرا ورفقا للمقيمين بعيدا عن مكة ،هذا قول الأحناف.
وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ : أي واتقوا الله في كل ما يأمركم به وينهاكم عنه، ومن ذلك, امتثالكم, لهذه المأمورات، واجتناب هذه المحظورات المذكورة في هذه الآية، واعلموا أن الله شديد العقاب لمن لم يخشه ولم يلتزم حدوده.
وفي هذا الأمر بالتقوى في ختام هذه الآية التي تحدثت عن الحج إشعار بأن هذه الفريضة ليست العبرة فيها بما تعمله الجوارح وإنما العبرة بما تتركه في القلوب من توبة صادقة، وصيانة للنفس عن اقتراف المحارم.
وفي قوله: وَاعْلَمُوا اهتمام بالخبر، وتحقيق لمضمونه، وترهيب من العقاب مع الترغيب بالثواب، فقد جرت عادة الناس أنهم يصلحون بالثواب والعقاب. وهذا هو الموجب للتقوى، فإن من خاف عقاب الله، انكف عما يوجب العقاب، كما أن من رجا ثواب الله عمل لما يوصله إلى الثواب، وأما من لم يخف العقاب، ولم يرج الثواب، اقتحم المحارم، وتجرأ على ترك الواجبات.


التعديل الأخير تم بواسطة أم أبي التراب ; 12-27-2022 الساعة 11:59 PM
رد مع اقتباس