عرض مشاركة واحدة
  #37  
قديم 01-16-2023, 08:39 PM
الصورة الرمزية أم أبي التراب
أم أبي التراب أم أبي التراب غير متواجد حالياً
مدير
 
تاريخ التسجيل: Jul 2010
المشاركات: 4,023
Haedphone


"وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ"204.
عطف على جملة ".... فَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ"البقرة : 200، لأنه ذكر هنالك حال المشركين الصرحاء الذين لاحظ لهم في الآخرة ، وقابل ذكرهم بذكر المؤمنين الذين لهم رغبة في الحسنة في الدنيا والآخرة حيث قال سبحانه وتعالى " وَمِنْهُم مَّن يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ "201 "أُولَئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِّمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ "202.، فانتقل هنا إلى حال آخرين ممن لَاحَظَّ لهم في الآخرة وهم متظاهرون بأنهم راغبون فيها " وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا" من الإعجاب بمعنى الاستحسان ،. مع مقابلة حالهم بحال المؤمنين الخالصين الذين يؤثرون الآخرة والحياة الأبدية على الحياة في الدنيا ، وهم المذكورون في قوله "وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ "البقرة : 207 .
وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ: أي يقرن معسول قوله، وظاهر تودده بإشهاد الله على أن ما في قلبه مطابق لما يجري على لسانه.كأن يقول: الله يشهد أني صادق فيما أقول.. إلى غير ذلك من الأقوال التي يقصد بها تأكيد قوله وصدقه فيما يدعيه ويخبر أن الله يعلم, أن ما في قلبه موافق لما نطق به, وهو كاذب في ذلك، لأنه يخالف قوله فعله. فلو كان صادقا، لتوافق القول والفعل، كحال المؤمن غير المنافق.
فكل عمل وقول له ظاهر وله باطن. ومن الجائز أن تتقن الظاهر ويستحسنه الناس وتدلس على الناس في باطنك، فإذا كان الناس لهم مع بعضهم ظاهر وباطن ،فالله يعلم ظاهر وباطن كل مخلوق.
أَلَدُّ الْخِصَامِ: شديد الخصومة أي العداوة. قال صلى الله عليه وسلم"أَبْغَضُ الرِّجالِ إلى اللَّهِ الألَدُّ الخَصِمُ"الراوي : عائشة أم المؤمنين -صحيح البخاري .
والألدُّ الخَصِمُ هو المُولَعُ بِالخُصومِة -وهي النِّزاعُ والعَدَاوَةُ والمُجادَلةُ- الماهرُ فيها، والدَّائمُ فيها كذلِك.
إن هذا النوع من الناس يثير الإعجاب بحسن بيانه، ويضللهم بحلاوة لسانه، ويحلف بالأيمان المغلظة أنه لا يقول إلا الصدق، ويجادل عما يقوله بالباطل بقوة وعنف ومغالبة، فهو بعيد عن طباع المؤمنين الذين إذا قالوا صدقوا، وإذا جادلوا اتبعوا أحسن الطرق وأهداها.الوسيط.
"وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ"205.
أي: كما أنَّ مقالَه مُعْوجٌّ، واعتقاده فاسدٌ، فأفعاله كذلك سيِّئةٌ وقبيحة، فإذا خرَج وانصرف عنك هذا الذي يُعجِبُك قولُه، سار في الأرض مجتهدًا في إفسادِها، ومعنى الفساد : إتلاف ما هو نافع للناس ،فإهلاك الحرث والنسل كناية عن إتلافه لما به قوام أحوال الناس ومعيشتهم، وعن إيذائه الشديد لهم.
وقوله وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسادَ أي لا يرضى عن الذي منه الإفساد في الأرض، ويُظْهِر للناس الكلام الحسن وهو يبطن لهم الفعل السيئ، لأنه- سبحانه- أوجد الناس ليصلحوا في الأرض لا ليفسدوا فيها. فالجملة الكريمة تحذير منه- سبحانه- للمفسدين، ووعيد لهم على خروجهم عن طاعته.
قال صلى الله عليه وسلم "إنَّ اللَّهَ لا يَنْظُرُ إلى صُوَرِكُمْ وأَمْوالِكُمْ، ولَكِنْ يَنْظُرُ إلى قُلُوبِكُمْ وأَعْمالِكُمْ."الراوي : أبو هريرة - صحيح مسلم.
"وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ" 206.
أي وإذا وعظه واعظ بما يقتضي تذكيره بتقوى الله تعالى غضب لذلك، وأخذته العزة الملابسة للإثم والظلم وهو احتراس لأن من العزة ما هو محمود وهي العزة بالحق قال تعالى " يَقُولُونَ لَئِن رَّجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّغڑ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ "المنافقون:8. فعزة اللهِ : قهره مَنْ دونه ، وعزة رسولِه : إظهار دينهِ على الأديان كلها ، وعزة المؤمنين : نصر الله إياهم على أعدائهم .
العِزَّة الحقيقيَّة.. العِزَّة في الحقِّ، وبالحقِّ، والتي يكون صاحبها عزيزًا ولو كان ضعيفًا مَظْلومًا، شامخًا ولو كان طريدًا مُستضَامًا، فتجده لا يركع إلا لله، ولا يتنازل عن شيء ممَّا أَمَره به، فهو يَعْتَزُّ بعِزَّة الله -تبارك وتعالى-، الذي يُعِزُّ من يشاء، ويُذِلُّ من يشاء. فهذه هي العِزَّة بالحقِّ؛ لأنَّها اعْتِزَاز بمن يملكها، وإذعان له، وانتساب لشرعه وهديه. الدرر:موسوعة الأخلاق.
"مَن كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ..... "فاطر:10.
ومن العِزَّة ما هو مذموم وهي العزة بالإثم:
كاعْتِزَاز الكفَّار بكفرهم، وهو -في الحقيقة- ذُلٌّ، يقول – سبحانه""ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ* بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ "ص1: 2.
أي : إن في هذا القرآن لذكرا لمن يتذكر ، وعبرة لمن يعتبر . وإنما لم ينتفع به الكافرون ؛ لأنهم فِي عِزَّةٍ :أي : استكبار عنه وحمية ، وَشِقَاقٍ: أي : مخالفة له ومعاندة ومفارقة .تفسير ابن كثير.
أو الاعْتِزَاز بالنَّسب على جهة الفَخْر، أو الاعْتِزَاز بالوطن والمال ونحوها، كلُّ هذه مذمومة.الدرر:موسوعة الأخلاق.
فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ: أي إن النار مصيره ويكفيه عذابها جزاء له ، وستكون فراشه ومأواه ، وهي بئس المهاد وشره الذي يستقر عليه بسبب غروره وفجوره في جهنم ، والمهاد ما يُمْهد أي يُهَيَّأ لمن ينام ، وإنما سمى جهنَّمَ مهادًا تهكُمًا ، لأن العُصاة يُلْقَون فيها فتصادف جنوبهم وظهورهم .فلا راحة فيها، ولا اطمئنان لأهلها.
فبِئْسَ للذم، ويقابلها في المدح نِعْمَ.
"وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ"207.
لَمّا وصَفَ – سبحانه وتعالى- في الآيَةِ المُتَقَدِّمَةِ حالَ مَن يَبْذُلُ دِينَهُ لِطَلَبِ الدُّنْيا، ذَكَرَ في هَذِهِ الآيَةِ حالَ مَن يَبْذُلُ دُنْياهُ ونَفْسَهُ ومالَهُ لِطَلَبِ الدِّينِ. تفسير الرازي — فخر الدين الرازي .أ. هـ.
يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ :أي: يبيعها ببذلها في طاعة الله وإعلاء كلمته، وتحقيقه أن المكلف قد بذل نفسه بمعنى أنه أطاع الله- تعالى- وحافظ على فرائضه، وجاهد في سبيله، من أجل أن ينال ثواب الله ومرضاته، فكان ما بذله من طاعات بمثابة السلعة، وكان هو بمنزلة البائع، وكان قبول الله- تعالى- منه ذلك وإثابته عليه في معنى الشراء.الوسيط.
هؤلاء هم الموفقون الذين باعوا أنفسهم وأرخصوها وبذلوها طلبًا لمرضاة الله ورجاء لثوابه، فهم بذلوا الثمن للرؤوف بالعباد، الذي من رأفته ورحمته أن وفقهم لذلك.
وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ :الرؤوف من أسماء الله الحسنى.الرأفة: أشدُّ الرحمة.
فَمِن رَأْفَتِهِ أنَّهُ جَعَلَ النَّعِيمَ الدّائِمَ جَزاءً عَلى العَمَلِ القَلِيلِ المُنْقَطِعِ، ومِن رَأْفَتِهِ جَوَّزَ لَهم كَلِمَةَ الكُفْرِ إبْقاءً عَلى النَّفْسِ، ومِن رَأْفَتِهِ أنَّهُ لا يُكَلِّفُ نَفْسًا إلّا وُسْعَها ومِن رَأْفَتِهِ ورَحْمَتِهِ أنَّ المُصِرَّ عَلى الكُفْرِ مِائَةَ سَنَةٍ إذا تابَ ولَوْ في لَحْظَةٍ أسْقَطَ كُلَّ ذَلِكَ العِقابِ. وأعْطاهُ الثَّوابَ الدّائِمَ، ومِن رَأْفَتِهِ أنَّ النَّفْسَ لَهُ والمالَ، ثُمَّ إنَّهُ يَشْتَرِي مُلْكَهُ بِمُلْكِهِ فَضْلًا مِنهُ ورَحْمَةً وإحْسانًا. تفسير الرازي — فخر الدين الرازي .ا: هـ.

"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ"208.
قال قتادة : قد علم اللهُ أنه سيزل زالون من الناس فتقدم في ذلك وأوعد فيه ليكون له به الحُجَّة عليهم. فبعد أن بيَّن سبحانه فيما سلف من الآيات أن الناس في الصلاح والفساد فريقان: فريق يسعى في الأرض بالفساد ويهلك الحرث والنسل، وفريق يبغي بعمله رضوان الله وطاعته - أرشدنا إلى أن شأن المؤمنين أن يأخذوا بجميع عُرى الإسلام وشرائعه ، والعمل بجميع أوامره ، وترك جميع زواجره ، محذِّرًا إيَّاهم مِن طاعة الشَّيطانِ، ومعلِّلًا ذلك بأنَّه عدوٌّ ظاهرٌ لهم؛ فلعداوتِه يُريد أنْ يقودَهم بطاعتِهم له إلى الهلاك.فقال سبحانه:
وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ :إشعار بأن الشيطان كثيرًا ما يجر الإنسان إلى الشر خطوة فخطوة ودرجة فدرجة حتى يجعله يألفه ويقتحمه بدون تردد، وبذلك يكون ممن استحوذ عليهم الشيطان فأنساهم ذكر الله. والعاقل من الناس هو الذي يبتعد عن كل ما هو من نزغات الشيطان ووساوسه، فإن صغير الذنوب قد يوصل إلى كبيرها، ومن حام حول الحمى يوشك أن يقع فيه. وقوله: إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ :جملة تعليلية، مؤكدة للنهي ومبينة لحكمته.

" فَإِن زَلَلْتُم مِّن بَعْدِ مَا جَاءَتْكُمُ الْبَيِّنَاتُ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ"209.
تفريع على النهي، وترهيب من العقاب الذي سيصيب المتبعين للشيطان.
فَإِن زَلَلْتُم: أي فإن حدتم عن صراط الله وهو المستقيم، وسرتم في طريق الشيطان ، بعد أن بيّن لكم عداوته، ونهاكم عن اتباع طرقه وخطواته، مِّن بَعْدِ مَاجَاءَتْكُمُ الْبَيِّنَاتُ: البيناتجمع بَيِّنَة، وهي الأدلة والمعجزات، وقامت عليكم الحُجج ،ومجيئها: ظهورها. أي: على علم ويقين.

فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ :أي فاعلموا أن الله عَزِيزٌ لا يقهر ولا يعجزه الانتقام ممن زل يأخذكم أخذ عزيز مقتدر، فهو عزيز لا يغلب على أمره، الحكيم, إذا عصاه العاصي, قهره بقوته, وعذبه بمقتضى حكمته فإن من حكمته, تعذيب العصاة والجناة. فهو حكيم لا يهمل شأن خلقه، ولحكمته قد وضع تلك السنن في الخليقة.
فإن قيل: أفهذه الآية مشتملة على الوعد كما أنها مشتملة على الوعيد؟ قلنا: نعم من حيث أتبعه بقوله: حَكِيمٌ :حكيم فيما شرع لكم من دينه، وفطركم عليه، ويثيب المحسن منكم ، وحكيم فيما يفعل بكم من عقوبة على معاصيكم إياه بعد إقامة الحجة عليكم.
والآية فيها إثبات اسم العزيز واسم الحكيم لله تعالى.
العَزيز : مَأْخُوذٌ من العِزّ، وَهُوَ الشِّدَّة والقَهْر، وسُمِّي بِهِ الملك؛ لِغَلَبَتِه على أهلِ مَمْلَكَتِه "انتهى من "تاج العروس" 15/ 232 .
والعزّة التي هي من صفات الله : لها ثلاثة معان:
عزة الامتناع. بمعنى الامتناع على من يرومه من أعدائه، فلن يصل إليه كيدهم، ولن يبلغ أحد منهم ضره وأذاه.
وعزة القهر والغلبة. وهي من: عز يعُز ، بضم العين في المضارع ، يقال: عزه إذا غلبه .فهو سبحانه القاهر لأعدائه الغالب لهم، ولكنهم لا يقهرونه ولا يغلبونه .وهذا المعنى هو أكثر معاني العزة استعمالا.

وعزة القوة. بمعنى القوة والصلابة، من عز يعَز بفتحها، ومنه قولهم: أرض عَزَاز ، للصلبة الشديدة . وكلها لله تعالى على أتم وجه وأكمله.
حَكِيمٌ : والحكمة: وضع الأشياء مواضعها ، وتنزيلها منازلها " انتهى . " تفسير السعدي" ص 945.
قال الطبري "الحَكِيم
الذِي لَا يَدْخُلُ تَدْبِيرَه خَلَلٌ وَلَا زَلَلٌ".


التعديل الأخير تم بواسطة أم أبي التراب ; 02-02-2023 الساعة 12:55 AM
رد مع اقتباس