عرض مشاركة واحدة
  #43  
قديم 05-22-2023, 05:50 AM
الصورة الرمزية أم أبي التراب
أم أبي التراب أم أبي التراب غير متواجد حالياً
مدير
 
تاريخ التسجيل: Jul 2010
المشاركات: 4,023
6

من آية 233إلى آية 235.

"وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوْلُودٌ لَّهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ فَإِنْ أَرَادَا فِصَالًا عَن تَرَاضٍ مِّنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا وَإِنْ أَرَدتُّمْ أَن تَسْتَرْضِعُوا أَوْلَادَكُمْ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُم مَّا آتَيْتُم بِالْمَعْرُوفِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ "233.
بعد أن ذكر سبحانه أحكام الطلاق في الآيات السالفة، وبين حرمة العضل على الأولياء - ذكر هنا أحكام الرضاعة وكيفية التعامل بين الأزواج من المعاشرة بالمعروف، وتربية الأطفال والعناية بشئونهم بطريق التشاور والتراضي بين الوالدين.تفسير المراغي.
والمراد بالوالدات الأمهات سواء أكن في عصمة أزواجهن أم مطلقات لأن اللفظ عام في الكل ولا يوجد ما يقتضي تخصيصه بنوع من الأمهات. ويرى بعض المفسرين أن المراد بالوالدات هنا خصوص المطلقات لأن سياق الآيات قبل ذلك في أحكام الطلاق، ولأن المطلقة عُرضة لإهمال العناية بالولد وترك إرضاعه.الوسيط.
قال علماء اللجنة الدائمة للإفتاء :
" الواجب على المرأة أن تحافظ على إرضاع أولادها وأسباب صحتهم ، وليس لها الاكتفاء بالحليب المستورد أو غيره إلا برضى زوجها بعد التشاور في ذلك ، وعدم وجود ضرر على الأولاد " انتهى من "فتاوى اللجنة الدائمة" 21/ 7 .
"بَينا أنا نائمٌ أتاني رجلانِ ، فأخذا بِضَبْعَيَّ فأتَيا بي جبلًا وعْرًا ، فقالا : اصعدْ . فقلتُ : إنِّي لا أُطيقُهُ . فقال : إنَّا سَنُسَهِّلُهُ لكَ ....... ثمَّ انطلقَ بي فإذا أنا بنساءٍ تنهشُ ثديَهُنَّ الحيَّاتُ . قلتُ : ما بالُ هؤلاءِ ؟ قيلَ : هؤلاءِ يمنعَنَ أولادَهنَّ ألبانَهنَّ ....."الراوي : أبو أمامة الباهلي - المحدث : الألباني - المصدر : صحيح الترغيب - الصفحة أو الرقم : 2393 - خلاصة حكم المحدث : صحيح.المحدث : الوادعي - المصدر : الصحيح المسند-
الصفحة أو الرقم : 1/412 .
شرح الحديث:رُؤيا الأنبياءِ حَقٌّ، وما يَراهُ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في مَنامِهِ يكونُ تعليمًا وإخْبارًا مِنَ اللهِ بأُمورٍ وأحْكامٍ خَفيَّةٍ.
قوله صلى الله عليه وسلم"ثم انْطَلَقَ بي، فإذا أنا بنِساءٍ تَنْهَشُ ثُدِيَّهُنَّ الحياتُ"، أي: تَلْسَعُ تَلْدَغُها بالسُّمِّ، "قلتُ: ما بالُ هؤلاءِ؟ قيل: هؤلاءِ يَمْنَعْنَ أوْلادَهُنَّ ألْبانَهُنَّ"، أي: لا يُرضِعْنَ أوْلادَهُنَّ بغيرِ عُذرٍ يَمْنَعْهُنَّ، وفيه: بيانُ خُطورَةِ امْتِناعِ الأُمَّهاتِ عن إرْضاعِ أوْلادِهِنَّ الرَّضاعةَ الطبيعيَّةَ، والزجرُ عنه إذا تَضرَّرَ الطفلُ بذلك، أو لم يَكُنْ له مُرضِعٌ، أو اكتفَى بالحليبِ الصِّناعيِّ دون أن يَتضرَّرَ به. الدرر السنية.
وعبر عن الأمهات بالوالدات، للإشارة إلى أنهن اللائي ولدن أولادهن، وأنهن الوعاء الذي خرجوا منه إلى الحياة، ومنهن يكون الغذاء الطبيعي المناسب لهذا المولود الذي جاء عن طريقهن.
وعبر عن الطلب بصيغة الخبر، للإشعار بأن إرضاع الأم لطفلها عمل توجبه الفطرة، وتنادي به طبيعة الأمومة.
قال الجمل" وهذا الأمر للندب وللوجوب، فهو يكون للندب عند استجماع شروط ثلاثة، قدرة الأب على استئجار المرضع، ووجود من يرضعه غير الأم، وقبول الولد للبن الغير. ويكون للوجوب عند فقد أحد هذه الشروط"حاشية الجمل على الجلالين
وبعد مضي أربعة عشر قرنًا من نزول الآية الكريمة نادت المنظمات الدولية والهيئات العالمية ، مثل هيئة الصحة العالمية التي تصدر البيان تلو البيان تنادي الأمهات أن يرضعن أولادهن ، بينما أمر الإسلام به منذ أربعة عشر قرنًا من الزمان .الإسلام سؤال وجواب.
وقد فطن علماء التربية والتهذيب في الأمم الراقية، حتى كانت قيصرة روسيا ترضع أولادها وتحرم عليهم المراضع. فأين هذا مما نراه اليوم من التهاون في رضاعة الأولاد وسائر شئونهم، فقد رغب نساء الأغنياء عنها ترفعًا وطمعًا في بقاء الجمال وحفظ الصحة وسرعة الحمل، وكل هذا مقاوم لسنة الفطرة ومفسد لتربية الأولاد.تفسير المراغي.
حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ: الحول والعام يقعان على صيفة وشتوة كاملتين، والسنة تبتدئ من أي يوم عددته من العام إلى مثله من العام التالي .وقوله كاملين تأكيد لذلك إذ قد جرت العادة أن يتسامح في مثل هذا فيقال: أقمت عند فلان حولين بمكان كذا، ويكون قد أقام حولًا وبعض الحول. وليس التحديد بالحولين للوجوب، لأنه يجوز الفطام قبل ذلك، بدليل قوله" لِمَنْ أَرادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضاعَةَ" وإنما المقصود بهذا التحديد قطع التنازع بين الزوجين إذا تنازعا في مدة الرضاع، فإذا اتفق الأب والأم على أن يفطما ولدهما قبل تمام الحولين كان لهما ذلك إذا لم يتضرر الولد بهذا الفطام، وإن أراد الأب أن يفطمه قبل الحولين ولم ترضَ الأم أو العكس لم يكن لأحدهما ذلك. الوسيط.
وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا:الْمَوْلُودِ لَهُ : يعني الأب , قال صاحب الكشاف: فإن قلت لم قيل الْمَوْلُودِ لَهُ دون الوالد؟ قلت: ليعلم أن الوالدات إنما ولدن لهم، لأن الأولاد للآباء، ولذلك ينسبون إليهم لا إلى الأمهات .
وعلى الآباء أن يقدموا إلى الوالدات ما يلزمهن من نفقة وكسوة بالمعروف أي بالطريقة التي تعارف عليها العقلاء بدون إسراف أو تقتير، لتقوم بخدمته حق القيام. فالإنفاق على المرضعة في الحقيقة نفقةٌ له ، جاء في شرح منتهى الإرادات " وعلى من تلزمه نفقة صغيرٍ ذكرًا كان أو أنثى نفقة مُرْضِعَتِهِ ؛ لأن الطفل إنما يتغذى بما يتولد في المُرْضِعَة من اللبن وذلك إنما يحصل بالغذاء ، فوجبت النفقة للمرضعة لأنها في الحقيقة له " المفصل في أحكام المرأة 9/464.
وقوله: لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا :تعليل لإيجاب المؤن بالمعروف.
ثم بين العلة في تشريع الأحكام السابقة بقوله تعالى :
لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوْلُودٌ لَّهُ بِوَلَدِهِ:والمعنى: لا ينبغي أن يقع ضرر على الأم بسبب ولدها، بأن يستغل الأب حنوها على وليدها فيمنعها شيئًا من نفقتها، أو يأخذ منها طفلها وهي تريد إرضاعه، أو يكلفها بما ليس في مقدورها أو ما يخالف وظيفتها، ولا ينبغي كذلك أن يقع ضرر على الأب بسبب ولده، بأن تكلفه الأم بما لا تتسع له قدرته مستغلة محبته لولده وعنايته بتنشئته تنشئة حسنة.الجملة الكريمة توجيه سديد، وإرشاد حكيم، للآباء والأمهات إلى أن يقوم كل فريق منهم بواجبه نحو صاحبه ونحو الأولاد الذين هم ثمار لهم.
وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ: أي: على وارث الطفل إذا عُدِمَ الأب, وكان الطفل ليس له مال, مثل ما على الأب من النفقة للمرضع والكسوة، فدل على وجوب نفقة الأقارب المعسرين, على القريب الوارث الموسر.
قال الآلوسى ما ملخصه: والمراد بالوارث وارث الولد فإنه يجب عليه مثل ما وجب على الأب من الرزق والكسوة بالمعروف إن لم يكن للولد مال. وهو التفسير المأثور عن عمر وابن عباس وقتادة.. وخلق كثير. وخص الإمام أبو حنيفة هذا الوارث بمن كان ذا رحم محرم من الصبي ... وقال الشافعي المراد وارث الأب- يجب عليه عند موت الأب كل ما كان واجبًا على الأب- وقيل المراد بالوارث الباقي من الأبوين، وقد جاء الوارث بمعنى الباقي كما في قوله صلّى الله عليه وسلّم اللهم متعني بسمعي وبصرى واجعلهما الوارث مني" تفسير الآلوسى .
وعلى أية حال فالجملة الكريمة تغرس معاني الإخاء والتراحم والتكافل بين أبناء الأسرة الواحدة، فالقادر ينفق على العاجز، والغني يمد الفقير بحاجته، وبذلك تسعد الأسرة، وتسودها روح المحبة والمودة.
فَإِنْ أَرَادَا فِصَالًا عَن تَرَاضٍ مِّنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا :معطوف على قوله" يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ " لأنه متفرع عنه. والضمير في قوله " فَإِنْ أَرَادَا" يعود على الوالدين.قال القرطبي: والفصال والفصل. الفطام وأصله التفريق، فهو تفريق بين الصبي والثدي.والمعنى: فإن أراد الأبوان فطامًا لولدهما قبل الحولين، وكانت هذه الإرادة عن تراضٍ منهما وتشاور في شأن الصبي وتفحص لأحواله، ورأيَا أن هذا الفطام قبل بلوغه الحولين لن يضره فلا إثم عليهما في ذلك.فدلت الآية بمفهومها, على أنه إن رضي أحدهما دون الآخر, أو لم يكن مصلحة للطفل, أنه لا يجوز فطامه.
وَإِنْ أَرَدتُّمْ أَن تَسْتَرْضِعُوا أَوْلَادَكُمْ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُم مَّا آتَيْتُم بِالْمَعْرُوفِ :أي: وإن أردتم- أيها الآباء- أن تسترضعوا مراضع لأولادكم، ورضي الأمهات بذلك، فلا إثم عليكم فيما تفعلون ما دمتم تقصدون مصلحة أولادكم، وعليكم أن تسلموا هؤلاء المراضع أجرهن بالطريقة التي يقرها الشرع، وتستحسنها العقول السليمة، والأخلاق القويمة.
وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ :أي: اتقوا الله في كل شؤونكم والتزموا ما بيَّنَهُ لكم من أحكام، واعلموا أن الله- تعالى- لا تخفى عليه أعمالكم، فهو محصيها عليكم، وسيجزي المحسن إحسانًا والمسيء سوءًا.
"وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ" 234.
والمعنى: والذين يتوفاهم الله- تعالى- منكم- أيها المسلمون- ويتركون من خلفهم أزواجًا-والزوج يطلق على الذكر والأنثى كما قال تعالى" وَأَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ" - فعلى هؤلاء الأزواج اللائي ارتبطن برجالهم ارتباطا قويا متينا ثم فرق الموت بينهم وبينهن، عليهن أن يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا أي: عليهن أن ينتظرن انقضاء عدتهن فيحبسن أنفسهن عن الخروج من منزل الزوجية إلا للأعذار المبيحة لذلك ، وعن الزواج وعن التزين وعن التعرض للخطاب مدة أربعة أشهر وعشر ليال، وفاء لحق الزوج المتوفى، واستبراء للرحم.وهذا التحديد لعدة الوفاة يشمل الصغيرة والكبيرة والحرة والأمة وذات الحيض واليائسة من الحيض .قال الإمام ابن كثير ما ملخصه: هذا أمر من الله- تعالى- للنساء اللاتي يتوفى عنهن أزواجهن أن يعتددن أربعة أشهر وعشر ليال. وهذا الحكم يشمل الزوجات المدخول بهن وغير المدخول بالإجماع.ا.هـ.
ولقد ألغى الإسلام بهذا التشريع عادات جاهلية ظالمة للمرأة فقد كانت المرأة في الجاهلية إذا توفى عنها زوجها تغلق على نفسها مكانا ضيقا في بيتها وتقضى فيه عاما كاملا حدادا على زوجها فأبطل الإسلام ذلك.الوسيط.
"جاءَتِ امْرَأَةٌ إلى رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، فقالَتْ: يا رَسولَ اللهِ، إنَّ ابْنَتي تُوُفِّيَ عَنْها زَوْجُها، وقَدِ اشْتَكَتْ عَيْنُها، أفَنَكْحُلُها؟ فقالَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ: لا، مَرَّتَيْنِ، أوْ ثَلاثًا، كُلَّ ذلكَ يقولُ: لا، ثُمَّ قالَ: إنَّما هي أرْبَعَةُ أشْهُرٍ وعَشْرٌ، وقدْ كانَتْ إحْداكُنَّ في الجاهِلِيَّةِ تَرْمِي بالبَعْرَةِ علَى رَأْسِ الحَوْلِ".
الراوي : أم سلمة أم المؤمنين - المحدث : مسلم - المصدر : صحيح مسلم-الصفحة أو الرقم : 1488 - خلاصة حكم المحدث : صحيح.
تَرْمِي بالبَعْرَةِ علَى رَأْسِ الحَوْلِ: بِبَعرةٍ -وهي مخلَّفاتُ البهائِمِ بعد أن تَيبَسَ وتَجِفَّ-؛ لِتُعلِنَ أنَّ إحْدادَ سَنةٍ عَلى زَوجِها أهوَنُ عَلَيها مِن رَميِ تِلكَ البَعْرةِ، ثم تَخرُجُ مِن إحْدادِها. وقيل: فيه إشارةٌ إلى أنها رمت العِدَّةَ رَميَ البَعرةِ.الدرر السنية.
وقد حرمت السنة الحداد على غير الزوج أكثر من ثلاثة أيام.قال الشيخ العثيمين : الحداد المشروع الواجب هو حداد المرأة على زوجها، أما حدادها على غير الزوج فهذا لا يجوز إلا لثلاثة أيام فأقل، وما زاد عن الأيام الثلاثة فإنه حرام، ولا يحل لها أن تفعل ذلك.ا.هـ.
"لَمَّا جَاءَ نَعْيُ أَبِي سُفْيَانَ مِنَ الشَّأْمِ، دَعَتْ أُمُّ حَبِيبَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا بصُفْرَةٍ في اليَومِ الثَّالِثِ، فَمَسَحَتْ عَارِضَيْهَا، وذِرَاعَيْهَا، وقالَتْ: إنِّي كُنْتُ عن هذا لَغَنِيَّةً، لَوْلَا أَنِّي سَمِعْتُ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يقولُ: لا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ باللَّهِ واليَومِ الآخِرِ، أَنْ تُحِدَّ علَى مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلَاثٍ، إلَّا علَى زَوْجٍ، فإنَّهَا تُحِدُّ عليه أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وعَشْرًا."الراوي : أم حبيبة أم المؤمنين - المحدث : البخاري - المصدر : صحيح البخاري-الصفحة أو الرقم : 1280 - خلاصة حكم المحدث : صحيح.
وهذا الحكم خاص بغير الحوامل، فإن الحامل التي يموت زوجها تنقضي عدتها بوضع الحمل ولو بعد الموت بساعة كما قال تعالى" وَأُولاتُ الْأَحْمالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ "الطلاق:4. سواء كنَّ مطلقات أو مُتوفَّى عنهنَّ أزواجهنَّ.
فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ : أي: إذا انقضت مدَّة عدَّة المرأة المتوفَّى عنها زوجها، فلا حرج على أوليائها فيما تفعله في نفسها من تزيُّن وتطيُّب ونِكاح حلال، والخروج من المنزل على الوجه المعروف شرعا وعرفًا. وغير ذلك ممَّا أباحه الله تعالى لها.وفي قوله تعالى " فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ" دليل على أن الولي ينظر على المرأة, ويمنعها مما لا يجوز فعله ويجبرها على ما يجب, وأنه مخاطب بذلك, واجب عليه.تفسير السعدي.
وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ :أي: إنَّ الله سبحانه وتعالى عالِمٌ ببواطنكم، ومطَّلعٌ على حقائق أعمالكم؛ فأقِيمُوا أحكامه ولا تخالفوها، فإنَّه مجازيكم عليها.فإذا وقفتم أنتم ونساؤكم عند حدوده أسعدكم في الدنيا وأجزل مثوبتكم في الآخرة، وإن تجاوزتم حدوده عاقبكم بما تستحقون "يَوْمَ لا يَنْفَعُ مالٌ وَلا بَنُونَ إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ".الشعراء:88.
وبذلك نرى الآية الكريمة قد رسمت للناس أفضل وسائل الحياة الشريفة، فأرشدت المرأة التي مات عنها زوجها إلى ما يحفظ لها كرامتها، ويدفع عنها ما يتنافى مع العفة والشرف والوفاء.ثم بيَّن- سبحانه- حكم الخطبة للنساء المعتدات بيانًا يقوم على أدب النفس، وأدب الاجتماع، ورعاية المشاعر والعواطف مع رعاية المصالح والضرورات فقال- تعالى في الآية التالية:
"وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُم بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ أَوْ أَكْنَنتُمْ فِي أَنفُسِكُمْ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلَكِن لَّا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلَّا أَن تَقُولُوا قَوْلًا مَّعْرُوفًا وَلَا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ" 235.
هذا حكم المعتدة من وفاة, أو المبانة في الحياة، فيحرم على غير مبينها أن يصرح لها في الخطبة.وأما التعريض, فقد أسقط تعالى فيه الجناح. ومن أمثلة التعريض عمومًا أن يقول الفقير المحتاج للمحتاج إليه: جئتك لأسلّم عليك.. وهو يقصد عطاءه.والفرق بين التصريح والتعريض: أن التصريح, لا يحتمل غير النكاح, فلهذا حرم, خوفًا من استعجالها, وكذبها في انقضاء عدتها, رغبة في النكاح، ففيه دلالة على منع وسائل المحرم, وقضاء لحق زوجها الأول, بعدم مواعدتها لغيره مدة عدتها. وأما التعريض, وهو الذي يحتمل النكاح وغيره, فهو جائز للمرأة البائن.كذلك لا حرج عليه فيما يكتمه في نفسه ويعزم عليه من الزواج بها بعد انتهاء أجل العدة، لأن مثل هذا مما يتعسر الاحتراز منه، ومن ثم ذكره الله تعالى على وجه الترخيص بقوله:
عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ : أي سَتَذْكُرُونَهُنَّ في أنفسكم ويشق عليكم أن تكتموا رغبتكم وتصبروا عن أن تبوحوا لهنَّ بما انطوت عليه جوانحكم، ومِنْ ثَمَّ رخص لكم في التعريض دون التصريح، فعليكم أن تقفوا عند حدّ الرخصة ولا تتجاوزوها.
يجوز للمتوفى عنها زوجها من غير تصريح لها بالخطبة ، وهكذا حكم المطلقة المبتوتة ـ المطلقة ثلاثا ـ يجوز التعريض لها كما قال النبي – صلى الله عليه وسلم – لفاطمة بنت قيس حين طلقها زوجها أبو عمرو بن حفص آخر ثلاث تطليقات فأمرها أن تعتد في بيت ابن أم مكتوم وقال لها
"فَإِذَا حَلَلْتِ فَآذِنِينِي، قالَتْ: فَلَمَّا حَلَلْتُ ذَكَرْتُ له أنَّ مُعَاوِيَةَ بنَ أَبِي سُفْيَانَ، وَأَبَا جَهْمٍ خَطَبَانِي، فَقالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ: أَمَّا أَبُو جَهْمٍ، فلا يَضَعُ عَصَاهُ عن عَاتِقِهِ، وَأَمَّا مُعَاوِيَةُ فَصُعْلُوكٌ لا مَالَ له، انْكِحِي أُسَامَةَ بنَ زَيْدٍ فَكَرِهْتُهُ، ثُمَّ قالَ: انْكِحِي أُسَامَةَ، فَنَكَحْتُهُ، فَجَعَلَ اللَّهُ فيه خَيْرًا، وَاغْتَبَطْتُ بهِ."الراوي : فاطمة بنت قيس - المحدث : مسلم - المصدر : صحيح مسلم .
فأما المطلقة غير المبتوتة – أي المطلقة طلقة رجعية- فلا خلاف في أنه لا يجوز لغير زوجها التصريح بخطبتها ولا التعريض لها.
وَلَكِن لَّا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا :أي لا تواعدوهن وعدا سريا بأن تقولوا لهم في السر ما تستحيون من قوله في العلن لقبحه ومنافاته للشرع. و لا تواعدوهن على الزواج في السر، فإن المواعدة على هذه الحال مدرجة للفتنة، ومظنّة للقيل والقال، بخلاف التعريض فإنه يكون على ملأ من الناس، فلا عار فيه ولا عيب، ولا يكون وسيلة إلى ما لا تحمد عُقباه.
والخلاصة - إنه لا يجوز للرجال أن يتحدثوا مع النساء المعتدات عدة الوفاة - والمعتدة من طلاق بائن - في أمر الزواج سرّا، أو يتواعدوا معهنَّ عليه، ولكن رخص لهم في التعريض الذي لا ينكر الناس مثله على مسمع منهن، ولا يعدّونه خارجا من الاحتشام مَعَهُنَّ.
وفائدة ذلك - أن يكون تمهيدًا لهن، حتى إذا أتمت إحداهن العِدة كانت عالمة بمن يرغب فيها، فإذا سبق المفضول ردته إلى أن يأتي الأفضل.
وَلَا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ :
العزم: القطع والتصميم، يقال عزم على الشيء إذا صمم وعقد القلب على فعله.والنهي عن العزم على عقد النكاح نهي بالأولى عن إبرامه وتنفيذه، لأن العزم على الفعل يتقدمه، فإذا نهى عنه كان الفعل أنهى، فهو كالنهي عن الاقتراب من حدود الله في قوله" تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَقْرَبُوها" سورة البقرة:187. لأن النهي عن القربان، يشمل النهي عن فعل المحرم بنفسه، والنهي عن وسائله الموصلة إليه.
وبذلك نرى أن الآية الكريمة قد أباحت شيئين، ونهت عن شيئين: أباحت التعريض بالخطبة للمرأة أثناء عدتها، كما أباحت إخفاء هذه الرغبة في الأنفس وحديثها بها.ونهت عن المواعدة سرًا. ونهت عن العزم على عقدة النكاح قبل انقضاء العدة.
وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ :أي: اعلموا أيها الناس أن الله- تعالى- يعلم ما يجول في نفوسكم من خير أو شر، وما تهجس به خطرات قلوبكم من مقاصد واتجاهات، فاحذروا أن تقصدوا ما هو شر، أو تفعلوا ما هو منكر، واعلموا أنه- تعالى- غفور لمن تاب وعمل صالحًا، حليم لا يعاجل الناس بالعقوبة، ولا يؤاخذهم إلا بما كسبوا.فالجملة الكريمة تحذير وتبشير، وترغيب وترهيب، لكي لا يتجاسر الناس على ارتكاب ما نهى الله عنه، ولا ييأسوا من رحمته متى تابوا وأنابوا.الوسيط.
رد مع اقتباس