ملتقى قطرات العلم النسائي
 
 

الـــمـــصـــحـــــف الـــجـــامـــع
مـــصـــحـــــف آيـــــات
موقع الدرر السنية للبحث عن تحقيق حديث

العودة   ملتقى قطرات العلم النسائي > ملتقى الدورات العلمية الخاصة بأم أبي التراب > ملتقى الدورات العلمية الخاصة بأم أبي التراب

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #21  
قديم 01-14-2013, 03:01 AM
الصورة الرمزية أم أبي التراب
أم أبي التراب أم أبي التراب غير متواجد حالياً
مدير
 
تاريخ التسجيل: Jul 2010
المشاركات: 4,023
المجلس السادس عشر
3 ربيع أول 1434 هـ

· تأميـن الملـك علـى دعـاء المسـلم لأخيـه بظهـر الغيـب :
* عـن صفـوان بـن عبـد الله بـن صفـوان ـ وكـان تحتـه الدرداء (1) ـ قـال :
قدمـت الشـام ، فأتيـت أبـا الـدرداء فـي منزلـه فلـم أجـده ووجـدت أم الـدرداء (2) فقالـت : أتريـد الحـج العـام ؟ . فقلـت : نعـم . قالـت : فـادع الله لنـا بخيـر فـإن النبـي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ كـان يقـول :" دعـوة المـرء المسـلم لأخيـه بظهـر الغيـب (3) مسـتجابة عنـد رأسـه ملـك موكـل ، كلمـا دعـا لأخيـه بخيـر قـال الملـك الموكـل بـه : آميـن ولـك بمثـل "
قـال صفـوان : فخرجـت إلـى السـوق فلقيـت أبـا الـدرداء فقـال لـي مثـل ذلـك ، يرويـه عـن النبـي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ .

رواه مسلم / كتاب : الذكر والدعاء / باب : فضل الدعاء للمسلمين بظهر الغيب / حديث رقم : 2733 .

( 1 )وكـان تحتـه " الـدرداء " : أي كـان متزوجـًـا " بالـدرداء " ، وهـي بنـت " أبـي الـدرداء " هــو
" عويمـر بـن زيـد " الأنصـاري صحابـي جليـل .
( 2 )" أم الدرداء " : هي زوج " أبي الدرداء " واسمها " هجيمة " وقيل " جهيمة " ، وهذه هـي " أم الـدرداء " الصغـرى الفقيهـة .
وهنـاك " أم الـدرداء " الكبـرى ، وهـي صحابيـة ، وهـي زوج " أبـي الـدرداء " أيضـًا ، واسـم أم الـدرداء الكبـرى : " خيـرة " .

( 3 ) بظهـر الغيـب : يعنـي : في غيبـة المدعـو له ، ويكـون الدعـاء سـرًّا لأنـه أبلـغ فـي الإخـلاص .
والإنسان الذي يدعو لأخيه بظهر الغيب هو إنسان مؤمن يحب لأخيه ما يحب لنفسه.
كما في الحديث


9 - "والذي نفسُ مُحَمَّدٍ بيدِهِ لا يُؤْمِنُ أحدُكُم حتى يُحِبَّ لِأَخِيهِ ما يُحِبُّ لنفسِهِ من الخيرِ"
الراوي: أنس بن مالك المحدث: الألباني - المصدر: صحيح النسائي - الصفحة أو الرقم: 5032-خلاصة حكم المحدث: صحيح

15 - " والذي نفسي بيده ! لا يؤمن عبد حتى يحب لجاره ( أو قال لأخيه ) ما يحب لنفسه"
الراوي: أنس بن مالك المحدث: مسلم - المصدر: صحيح مسلم - الصفحة أو الرقم: 45-خلاصة حكم المحدث: صحيح
الدرر السنية

ومن لم يكن هذا حاله تجاه إخوانه !
فليخش على إيمانه أن يكون ضعيفًا
قال اللَّه تعالى :
"وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ "الحشر 10

هنا
وقال تعالى "فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ " محمد: 19

هنا
وقال تعالى‏:‏ إخبارًا عن إبراهيم عليه السلام
"
رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ"
إبراهيم : 41
هنا
* حكم
طلب المسلم الدعاء من أخيه المسلم
طلب المسلم الدعاء من أخيه المسلم : جائز لا حرج فيه ؛ للأدلة المتكاثرة الواردة في الكتاب والسنة النبوية ، وهي تدل على جواز طلب الدعاء من الآخرين ، خاصة إذا كان طلب الدعاء ممن هو مشهور بالخير والصلاح .
ومن الأدلة على ذلك :
1- قول الله عز وجل عن إخوة يوسف : ( قَالُوا يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ ) يوسف/97.
2- حديث أويس القرني الطويل ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعمر : ( .. فَإِنْ اسْتَطَعْتَ أَنْ يَسْتَغْفِرَ لَكَ فَافْعَلْ ) فَأَتَى أُوَيْسًا فَقَالَ : اسْتَغْفِرْ لِي ...
رواه مسلم (رقم/2542) . **
3- عَنْ صَفْوَانَ - وَهُوَ ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ صَفْوَانَ - وَكَانَتْ تَحْتَهُ الدَّرْدَاءُ قَالَ : قَدِمْتُ الشَّامَ ، فَأَتَيْتُ أَبَا الدَّرْدَاءِ فِي مَنْزِلِهِ ، فَلَمْ أَجِدْهُ ، وَوَجَدْتُ أُمَّ الدَّرْدَاءِ ، فَقَالَتْ : أَتُرِيدُ الْحَجَّ الْعَامَ ؟ فَقُلْتُ : نَعَمْ . قَالَتْ : فَادْعُ اللَّهَ لَنَا بِخَيْرٍ ، فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ : ( دَعْوَةُ الْمَرْءِ الْمُسْلِمِ لِأَخِيهِ بِظَهْرِ الْغَيْبِ مُسْتَجَابَةٌ ، عِنْدَ رَأْسِهِ مَلَكٌ مُوَكَّلٌ ، كُلَّمَا دَعَا لِأَخِيهِ بِخَيْرٍ قَالَ الْمَلَكُ الْمُوَكَّلُ بِهِ : آمِينَ ، وَلَكَ بِمِثْلٍ ) قَالَ : فَخَرَجْتُ إِلَى السُّوقِ ، فَلَقِيتُ أَبَا الدَّرْدَاءِ ، فَقَالَ لِي مِثْلَ ذَلِكَ يَرْوِيهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) رواه مسلم (2733)

وأما الأحاديث التي فيها طلب الصحابة الدعاء والاستغفار من النبي صلى الله عليه وسلم فهي كثيرة جدا .
ثانيا :
قد قرر جواز طلب المسلم الدعاء من أخيه المسلم كثير من أهل العلم ، حتى نقل الإمام النووي رحمه الله الإجماع عليه .حيث يقول رحمه الله :
" باب استحباب طلب الدعاء من أهل الفضل ، وإن كان الطالب أفضل من المطلوب منه ، والدعاء في المواضع الشريفة ، اعلم أن الأحاديث في هذا الباب أكثر من أن تحصر ، وهو أمر مجمع عليه " انتهى باختصار من " الأذكار " (ص/643)
كما يقرر حكم الجواز أيضا شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله فيقول :
"طلب الدعاء مشروع من كل مؤمن لكل مؤمن...فلهذا كان طلب الدعاء جائزا كما يطلب منه الإعانة بما يقدر عليه والأفعال التي يقدر عليها " انتهى باختصار من " مجموع الفتاوى " (1/326-329)
ويقول أيضا :
" ويشرع للمسلم أن يطلب الدعاء ممن هو فوقه وممن هو دونه " انتهى من " مجموع الفتاوى " (27/69)

ويقول الشيخ ابن باز رحمه الله :
" طلب الدعاء من الأخ في الله أو الأخت في الله لا حرج فيه " انتهى باختصار من " فتاوى نور على الدرب " (2/143) جمع الشويعر .

ثالثا:
لكن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله زاد على ذلك قيدا خاصا ، فقال : إن طلب الدعاء جائز ولكنه خلاف الأولى والأفضل بالمسلم ، إذ الأولى أن يتوجه إلى الله مباشرة ، ولا يتعرض لسؤال المخلوقين بأدنى شيء ولو بالدعاء ، واستدل على ذلك بأدلة :
1- عموم الأدلة التي تنفر من سؤال الخلق ، وتدعو إلى الاستغناء بالله عز وجل ، فالمسألة مهما صغرت فيها نوع ذل ، والمسلم لا يتذلل إلا لله تعالى .
2- يخشى أن يكون سؤال الدعاء من الناس سببا لاتخاذ الوسائط بين الخالق والمخلوق ، وأساس عقيدة التوحيد يقوم على نفي الوسائط والشفعاء ، والتعلق برب الأسباب سبحانه وتعالى .
ولكنه رحمه الله استثنى ما إذا كان طالب الدعاء قد قصد بطلبه الدعاء من غيره أن ينتفع ذلك المطلوب منه بتأمين الملائكة على دعائه ، فيتحقق لطالب الدعاء حينئذ فضل الدعاء أولا ، وأجر نفع المطلوب منه بتأمين الملائكة ودعائها له ثانيا .
ينظر : " مجموع الفتاوى " (1/181-193) .
وجاء في "فتاوى اللجنة الدائمة للإفتاء" (24/261) :
"طلب الدعاء وطلب الرقية مباحان، وتركهما والاستغناء عن الناس وقيامه بهما لنفسه أحسن".

لكن مع ذلك : ينبغي ألا يكون ذلك عادة ، بحيث كلما لاقى المرء صاحبه سأله الدعاء ، فكثير ممن يفعل ذلك صار الأمر له عادة ، لا يريد بالأمر حقيقته ، وربما رأى المسؤول في نفسه استحقاقا لذلك ، أو لم يكن هو أهلا أن يُسأل مثل ذلك ، ونحو ذلك مما ينبغي الانتباه له .

قال الشيخ بكر أبو زيد رحمه الله حيث يقول :
" وقد توسع الناس في طلب الدُّعاء من الغير، وبخاصة عند الوداع: ( ادعُ لنا ) ، ( دعواتك ) ، حتى ولو كان المخاطب به فاسقاً ماجناً.
وينظر جواب السؤال رقم : (118450).


والله أعلم .

مقتبس من:
الإسلام سؤال وجواب

**
الحديث بتمامه: قال الإمام مسلم في صحيحه
4613 - ص 1969 - 2542 حَدَّثَنَا إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَمُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ إِسْحَقُ أَخْبَرَنَا وَقَالَ الْآخَرَانِ حَدَّثَنَا وَاللَّفْظُ لِابْنِ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ قَتَادَةَ عَنْ زُرَارَةَ بْنِ أَوْفَى عَنْ أُسَيْرِ بْنِ جَابِرٍ قَالَ:كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ إِذَا أَتَى عَلَيْهِ أَمْدَادُ أَهْلِ الْيَمَنِ سَأَلَهُمْ أَفِيكُمْ أُوَيْسُ بْنُ عَامِرٍ حَتَّى أَتَى عَلَى أُوَيْسٍ فَقَالَ أَنْتَ أُوَيْسُ بْنُ عَامِرٍ قَالَ نَعَمْ قَالَ مِنْ مُرَادٍ ثُمَّ مِنْ قَرَنٍ قَالَ نَعَمْ قَالَ فَكَانَ بِكَ بَرَصٌ فَبَرَأْتَ مِنْهُ إِلَّا مَوْضِعَ دِرْهَمٍ قَالَ نَعَمْ قَالَ لَكَ وَالِدَةٌ قَالَ نَعَمْ قَالَ
" سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ يَأْتِي عَلَيْكُمْ أُوَيْسُ بْنُ عَامِرٍ مَعَ أَمْدَادِ أَهْلِ الْيَمَنِ مِنْ مُرَادٍ ثُمَّ مِنْ قَرَنٍ كَانَ بِهِ بَرَصٌ فَبَرَأَ مِنْهُ إِلَّا مَوْضِعَ دِرْهَمٍ لَهُ وَالِدَةٌ هُوَ بِهَا بَرٌّ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لَأَبَرَّهُ فَإِنْ اسْتَطَعْتَ أَنْ يَسْتَغْفِرَ لَكَ فَافْعَلْ" فَاسْتَغْفِرْ لِي فَاسْتَغْفَرَ لَهُ .فَقَالَ لَهُ عُمَرُ أَيْنَ تُرِيدُ قَالَ الْكُوفَةَ قَالَ أَلَا أَكْتُبُ لَكَ إِلَى عَامِلِهَا قَالَ أَكُونُ فِي غَبْرَاءِ النَّاسِ أَحَبُّ إِلَيَّ قَالَ فَلَمَّا كَانَ مِنْ الْعَامِ الْمُقْبِلِ حَجَّ رَجُلٌ مِنْ أَشْرَافِهِمْ فَوَافَقَ عُمَرَ فَسَأَلَهُ عَنْ أُوَيْسٍ قَالَ تَرَكْتُهُ رَثَّ الْبَيْتِ قَلِيلَ الْمَتَاعِ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ يَأْتِي عَلَيْكُمْ أُوَيْسُ بْنُ عَامِرٍ مَعَ أَمْدَادِ أَهْلِ الْيَمَنِ مِنْ مُرَادٍ ثُمَّ مِنْ قَرَنٍ كَانَ بِهِ بَرَصٌ فَبَرَأَ مِنْهُ إِلَّا مَوْضِعَ دِرْهَمٍ لَهُ وَالِدَةٌ هُوَ بِهَا بَرٌّ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لَأَبَرَّهُ فَإِنْ اسْتَطَعْتَ أَنْ يَسْتَغْفِرَ لَكَ فَافْعَلْ فَأَتَى أُوَيْسًا فَقَالَ اسْتَغْفِرْ لِي قَالَ أَنْتَ أَحْدَثُ عَهْدًا بِسَفَرٍ صَالِحٍ فَاسْتَغْفِرْ لِي قَالَ اسْتَغْفِرْ لِي قَالَ أَنْتَ أَحْدَثُ عَهْدًا بِسَفَرٍ صَالِحٍ فَاسْتَغْفِرْ لِي قَالَ لَقِيتَ عُمَرَ قَالَ نَعَمْ فَاسْتَغْفَرَ لَهُ فَفَطِنَ لَهُ النَّاسُ فَانْطَلَقَ عَلَى وَجْهِهِ قَالَ أُسَيْرٌ وَكَسَوْتُهُ بُرْدَةً فَكَانَ كُلَّمَا رَآهُ إِنْسَانٌ قَالَ مِنْ أَيْنَ لِأُوَيْسٍ هَذِهِ الْبُرْدَةُ"


صحيح مسلم - كِتَاب فَضَائِلِ الصَّحَابَةِ - إن رجلا يأتيكم من اليمن يقال له أويس
موقع الإسلام

التعديل الأخير تم بواسطة أم أبي التراب ; 01-22-2013 الساعة 03:57 AM
  #22  
قديم 01-22-2013, 01:00 AM
الصورة الرمزية أم أبي التراب
أم أبي التراب أم أبي التراب غير متواجد حالياً
مدير
 
تاريخ التسجيل: Jul 2010
المشاركات: 4,023
افتراضي


المجلس السابع عشر
10 ربيع أول 1434 هـ

· دعاؤهـم لمعلمـي النـاس الخيـر :

إن ممن يكرمون بصلاة الملائكة عليهم مَنْ عَلَمَ الناس علم الدين وما به نجاتهم
قال الترمذي في سننه
حدثنا محمد بن عبد الأعلى الصنعاني ،قال:حدثنا سلمة بن رجاء،قال: حدثنا الوليد بن جميل ،قال:حدثنا القاسم أبو عبد الرحمن عن أبي أمامة الباهلي قال
ذكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم رجلان أحدهما عابد والآخر عالم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "فضل العالم على العابد كفضلي على أدناكم" ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم" إن الله وملائكته وأهل السماوات والأرضين حتى النملة في جحرها وحتى الحوت ليصلون على معلم الناس الخير"
سنن الترمذي / تحقيق الشيخ محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله / كتاب العلم / باب ما جاء في فضل الفقه في العبادة / حديث رقم : 2685 / التحقيق: صحيح
- معنى صلاة الملائكة على أحد من الخلق:
كما جاء عن أبي العالية في قوله: (إن الله وملائكته يصلون على النبي) قال : صلاة الله عز وجل عليه : ثناؤه عليه ،
وصلاة الملائكة عليه الدعاء، ( أي يدعون للناس ويستغفرون لهم )
قال الشيخ الألباني( صحيح ) أنظر: فضل الصلاة على النبي [1 / 79 ].


¤ قال الترمذي في سننه
حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ خِدَاشٍ الْبَغْدَادِيُّ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ الْوَاسِطِيُّ حَدَّثَنَا عَاصِمُ بْنُ رَجَاءِ بْنِ حَيْوَةَ عَنْ قَيْسِ بْنِ كَثِيرٍ قَالَ
"قَدِمَ رَجُلٌ مِنْ الْمَدِينَةِ عَلَى أَبِي الدَّرْدَاءِ وَهُوَ بِدِمَشْقَ فَقَالَ مَا أَقْدَمَكَ يَا أَخِي فَقَالَ حَدِيثٌ بَلَغَنِي أَنَّكَ تُحَدِّثُهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أَمَا جِئْتَ لِحَاجَةٍ قَالَ لَا قَالَ أَمَا قَدِمْتَ لِتِجَارَةٍ قَالَ لَا قَالَ مَا جِئْتُ إِلَّا فِي طَلَبِ هَذَا الْحَدِيثِ قَالَ فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَبْتَغِي فِيهِ عِلْمًا سَلَكَ اللَّهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ وَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا رِضَاءً لِطَالِبِ الْعِلْمِ وَإِنَّ الْعَالِمَ لَيَسْتَغْفِرُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ حَتَّى الْحِيتَانُ فِي الْمَاءِ وَفَضْلُ الْعَالِمِ عَلَى الْعَابِدِ كَفَضْلِ الْقَمَرِ عَلَى سَائِرِ الْكَوَاكِبِ إِنَّ الْعُلَمَاءَ وَرَثَةُ الْأَنْبِيَاءِ إِنَّ الْأَنْبِيَاءَ لَمْ يُوَرِّثُوا دِينَارًا وَلَا دِرْهَمًا إِنَّمَا وَرَّثُوا الْعِلْمَ فَمَنْ أَخَذَ بِهِ أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ"
سنن الترمذي / تحقيق الشيخ الألباني / كتاب العلم / باب ما جاء في فضل الفقه في العبادة / حديث رقم:2682 / التحقيق :صحيح


ذكرنـا بعـض أدوار الملائكـة علـى سـبيل المثـال ، ولكـن للمزيـد فـي هـذا الأمـر يُرْجَـع إلـى كتـاب : الفتـح الربانـي فـي الخلـق النورانـي .
تأليـف : أبـو عاصـم . سيـد بـن محمـود .


****************
ثمرات الإيمان بالملائكة:
1ـ العلم بعظمة الله وقوته وسلطانه.
2ـ شكر الله على عنايته ببني آدم؛ حيث وكَّل من هؤلاء الملائكة من يقوم بحفظهم.
3ـ محبة الملائكة على ما قاموا به من عبادة الله([1])

([1]) محاضرات في العقيدة والدعوة، للشيخ صالح الفوزان(1/281).
****************
*أثـر الإيمـان بالملائكــة فـي حيـاة الإنسـان


الإيمـان بالملائكـة لـه آثـار عظيمـة فـي حيـاة المؤمـن منهـا :

1 ـ أن الله سـبحانه جنبنـا ـ بمـا أطلعنـا مـن أمـر هـذه الأرواح المؤمنـة وأفعالهـا ـ الوقـوع فـي الخرافـات والأوهـام التـي وقـع فيهـا مـن لا يؤمنـون بالغيـب ، ولا يتلقـون معارفهـم عـن الوحـي الإلهـي .

2 ـ الاستقامة علـى أمـر الله عـز وجـل ، فـإن مـن يسـتشعر بقلبـه وجـود الملائكـة جنـود الرحمـن ، ويؤمـن برقابتهـم لأعمالـه وأقوالـه ، وشـهادتهـم كـل مـا يصـدر عنـه ؛ ليسـتحيي مـن الله ومـن جنـوده ، فيخافـه ولا يعصيـه ، لا فـي العلانيـة ، ولا فـي السـر .
إذ كيـف لـه ذلـك وهـو يعلـم أن كـل شـيء محسـوب ومكتـوب ، ومشـهود عليـه ! .

3 ـ الصبـر ومواصلـة جهـاد النفـس علـى العبـادة وعـدم اليـأس والشـعور بالطمأنينـة .
فهـذه المعانـي مـن لـوازم الإيمـان بالملائكـة ، ومـا أخبـر اللـه مـن أفعالهـا وأحوالهـا .

فعندمـا تسـود الغربـة ، ويصبـح المؤمـن غريبـًا بيـن أهلـه وقومـه ، ويجـد منهـم الصـدود والاسـتهزاء ، والتخذيـل والتثبيـط عـن طاعـة الله والاسـتقامة علـى أمـره .
فـي هـذه الغربـة يجـد المؤمـن أنيسـًا ورفيقـًا يصحبـه ، فهـذه جنـود الله معـه تعبـد الله كمـا يعبـد ، وتتجـه إلـى خالـق السـموات والأرض كمـا يتجـه .

فهـو إذًا ليـس وحـده فـي الطريـق إلـى الله ، ولكنـه يسـير مـع الركـب العظيـم ، ومـع الأكثريـة مـن مخلوقـات الله عـز وجـل ، مـع الملائكـة الكـرام وعددهـم الهائـل (1) ، ومـع الأنبيـاء عليهـم السـلام .
قـال تعالـى : { وَمَـن يُطِـعِ اللهَ وَالرَّسُـولَ فَأُوْلَـئِكَ مَـعَ الَّذِينَ أَنْعَـمَ اللهُ عَلَيْهِـم مِّـنَ النَّبِيِّيـنَ وَالصِّدِّيقِيـنَ وَالشُّـهَدَاء وَالصَّالِحِيـنَ وَحَسُـنَ أُولَئِـكَ رَفِيقـاً } .
سورة النساء / آية : 69 .
( 1 )فعـدد الملائكـة هائـل :
* فعـن أبـي ذر ـ رضي الله عنه ـ قـال : قـال رسـول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ :
" إنـي أرى مـا لا تـرون ، وأسمـع مـا لا تسـمعون . إن السـماء أطـت (1) وَحَـقَّ لهـا أن تَئَـطَّ . مـافيهـا موضـعُ أربـعِ أصابـع إلا وملـكٌ واضـعٌ جبهتَـهُ سـاجدًا لله . واللهِ ! لـو تعلمـون مـا أعلـمُ لضحكتـم قليـلاً ولبكيتـم كثيـرًا . ومـا تلذذتـم بالنسـاء علـى الفُرُشـات . ولخرجتـم إلـى الصُّعُـدَاتِ (2) تجـأرون إلـى الله " .
رواه ابن ماجه . وحسنه الشيخ الألباني ـ رحمه الله ـ في صحيح سنن ابن ماجه / ج : 2 / باب : الحزن والبكاء : 19 / حديث رقم : 3378 .وفي السلسلة تحت رقم : 1722 .

( 1 )" أطـت " : في النهايـة لابـن الأثيـر : الأطيـط صـوت الأقتـاب ، وأطيـط الإبـل أصواتهـا وحنينهـا .
أي : إن كثـرة مـا فيهـا مـن الملائكـة قـد أثقلهـا حتـى أطـت .
( 2 ) الصعـدات : هـي الطـرق .



* * * * *

التعديل الأخير تم بواسطة أم أبي التراب ; 01-22-2013 الساعة 08:26 PM
  #23  
قديم 01-29-2013, 04:08 AM
الصورة الرمزية أم أبي التراب
أم أبي التراب أم أبي التراب غير متواجد حالياً
مدير
 
تاريخ التسجيل: Jul 2010
المشاركات: 4,023
المجلس الثامن عشر
17 ربيع أول 1434 هـ
ثالثاً: الإيمان بالكتب:
مـن أركـان الإيمـان السـتة ، أن نؤمـن بالكتـب التـي أنزلهـا الله علـى أنبيائـه ورسـله .
تعريــف :
الكتـب جمـع كتـاب .
فالكتاب : هو ما حوى كلاماً مفيداً ذا أغراض متعددة.
وكتب الله تعالى التي يجب الإيمان بها هي : الصحف التي حوت كلام الله عز وجل الذي أوحاه إلى رسله عليهم السلام فكونت كتبا أو بقيت صحف لم تجمع فالصحف كصحف إبراهيم و موسى عليهما السلام , والكتب كالتوراة والزبور والإنجيل والقرآن العظيم.

مذكرة مادة: العقيدة الإسلامية210س .إعداد :د. محمد عبدالرزاق إمام
1425هـ

معنى الإيمان بالكتب:
الكتب : جمع كتاب و الكتاب : مصدر يكتب كتبا وكتابة وكتابا إذا جمع الحروف وألف بينها فكانت كلمات ذات معان خاصة
التصديق الجازم بأن لله تعالى كتبا أنزلها على رسله إلى عباده، وأن هذه الكتب كلام الله تعالى ،تكلّم بها حقيقة كما يليق به سبحانه، وأن هذه الكتب فيها الحق والنور والهدى للناس في الدارين.
والإيمان بالكتب يتضمن ثلاثة أمور:
الأول: الإيمان بأن نزولها من عند الله حقَاَ.
الثاني: الإيمان بما سمّى الله من كتبه كالقرآن الكريم الذي نزل على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، والتوراةِ التي أنزلت على موسى عليه السلام، والإنجيل الذي أنزل على عيسى عليه السلام.
الثالث: تصديق ما صح من أخبارها كأخبار القرآن

والإيمان بالكتب أحد أركان الإيمان، كما قال سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ} [النساء: 136] .
كتاب : التوحيد للناشئة والمبتدئين
المؤلف: الشيخ : عبد العزيز بن محمد بن علي آل عبد اللطيف
هنا

* مـا هـي الكتـب ومـا أسـمائها ؟
مـن هـذه الكتـب مـا سـماه الله فـي القـرآن الكريـم ، ومنهـا مـا لـم يسـم ، ولا مصـدر لمعرفـة الكتـب سـوى القـرآن الكريـم ، والـذي أخبرنـا بـه عـز وجـل منهـا :

1 ـ التـوراة :
التـي نزلـت علـى " مـوسى " ـ عليه السلام ـ . حيـث قـال تعالـى :
{ إِنَّـا أَنزَلْنَـا التَّـوْرَاةَ فِيهَـا هُـدًى وَنُـورٌ يَحْكُـمُ بِهَـا النَّبِيُّـونَ الَّذِيـنَ أَسْـلَمُواْ لِلَّذِيـنَ هَـادُواْ وَالرَّبَّانِيُّـونَ وَالأَحْبَـارُ بِمَـا اسْـتُحْفِظُواْ مِـن كِتَـابِ اللّهِ وَكَانُـواْ عَلَيْـهِ شُـهَدَاء ... } .سورةالمائدة / آية : 44 .
2 ـ الإنجيـــل :
الـذي نـزل علـى " عيـسى " ـ عليه السلام ـ . حيـث قـال تعالـى :
{ وَقَفَّيْنَـا عَلَـى آثَارِهِـم بِعَيسَـى ابْـنِ مَرْيَـمَ مُصَدِّقـاً لِّمَـا بَيْـنَ يَدَيْـهِ مِـنَ التَّـوْرَاةِ وَآتَيْنَـاهُ الإِنجِيـلَ فِيـهِ هُـدًى وَنُـورٌ وَمُصَدِّقـاً لِّمَـا بَيْـنَ يَدَيْـهِ مِـنَ التَّـوْرَاةِ وَهُـدًى وَمَوْعِظَـةً لِّلْمُتَّقِيـنَ } . سورة المائدة / آية : 46 .

3 ـ الزبــور :
الـذي أنـزل علـى " داود " ـ عليه السلام ـ . حيـث قـال تعالـى :
{ ... وَآتَيْنَـا دَاوُودَ زَبُـوراً } . سورة الإسراء / آية : 55 .

4 ـ الصحــف :
التـى أنزلهـا الله علـى " إبراهيـم " و " موسـى " . حيـث قـال تعالـى :
{ أَمْ لَـمْ يُنَبَّـأْ بِمَـا فِـي صُحُـفِ مُوسَـى * وَإِبْرَاهِيـمَ الّـَذِي وَفَّـى } .سورة النجم / آية : 36 ، 37 .
وقـال تعالـى : { إِنَّ هَـذَا لَفِـي الصُّحُـفِ الأُولَـى * صُحُـفِ إِبْرَاهِيـمَ وَمُوسَـى } . سورة الأعلى / آية : 18 ، 19 .
*وأمـا الكتـب الأخـرى التـي نزلـت علـى سـائر الرسـل ، فلـم يخبرنـا الله سـبحانه عـن أسـمائها ، وإنمـا أخبرنـا سـبحانه أن لكـل نبـي أرسـله الله ، رسـالة بلغهـا قومـه .
فقـال تعالـى : { كَـانَ النَّـاسُ أُمَّـةً وَاحِـدَةً فَبَعَـثَ اللّهُ النَّبِيِّيـنَ مُبَشِّـرِينَ وَمُنذِرِيـنَ وَأَنـزَلَ مَعَهُـمُ الْكِتَـابَ بِالْحَـقِّ لِيَحْكُـمَ بَيْـنَ النَّـاسِ فِيمَـا اخْتَلَفُـواْ فِيـهِ ... } .
سورة البقرة / آية : 213 .

ـ فيجـب علينـا أن نؤمـن بهـذه الكتـب التـى لـم تسـم إجمـالاً ، ولا يجـوز لنـا أن ننسـب كتابـًا إلـى الله تعالـى سـوى ما نسـبه إلـى نفسـه مما أخبرنـا عنـه فـي القـرآن الكريـم .

ـ كمـا يجــب أن نؤمـن بـأن هـذه الكتـب نزلـت بالحـق والنـور والهـدى ، وتوحيـد الله سـبحانه فـي ربوبيتـه وألوهيتـه وأسـمائه وصفاتـه ، وأن مـا نسـب إليهـا ممـا يخالـف ذلـك ، إنمـا هـو تحريـف البشـر وصنعهـم .
قـال تعالـى : { إِنَّـا أَنزَلْنَـا التَّـوْرَاةَ فِيهَـا هُـدًى وَنُـورٌ ... } . سورة المائدة / آية : 44 .
وقـال تعالـى عـن الإنجيـل : { وَقَفَّيْنَـا عَلَـى آثَارِهِـم بِعَيسَـى ابْـنِ مَرْيَـمَ مُصَدِّقـاً لِّمَـا بَيْـنَ يَدَيْـهِ مِـنَ التَّـوْرَاةِ وَآتَيْنَـاهُ الإِنجِيـلَ فِيـهِ هُـدًى وَنُـورٌ وَمُصَدِّقـاً لِّمَـا بَيْـنَ يَدَيْـهِ مِـنَ التَّـوْرَاةِ وَهُـدًى وَمَوْعِظَـةً لِّلْمُتَّقِيـنَ } .

سورة المائدة / آية : 46 .
ـ ويجـب علينـا أن نؤمـن بـأن القـرآن العظيـم هـو آخـر كتـاب نـزل مـن عنـد الله تعالـى ، وأن الله عـز وجـل قـد خصـه بمزايـا تميـز بهـا عـن جميـع مـا تقدمـه مـن الكتـب المنزلـة مـن أهمهـا :
مزايا القرآن الكريم: إن القرآن الكريم هو كلام الله تعالى المنزل على نبينا وقدوتنا محمد صلى الله عليه وسلم، ومن ثم فإنالمؤمن يعظّم هذا الكتاب، ويسعى إلى التمسك بأحكامه، وتلاوته وتدبّره.
وحسبنا أن هذا القرآن هو هادينا في الدنيا، وسبب فوزنا في الآخرة.
وللقرآن الكريم مزايا كثيرة وخصائص متعددة ينفرد بها عن الكتب السماوية السابقة، منها:

1 - أن القرآن الكريم قد تضّمن خلاصة الأحكام الإلهية، وجاء مؤيِّدا ومصِّدقا لما جاء في الكتب السابقة من الأمر بعبادة الله وحده.

قال تعالى: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ} [المائدة: 48] .
ومعنى: {مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ} [المائدة: 48] أي يصدّق هذا القرآن ما في هذه الكتب من الصحيح، ومعنى {وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ} [المائدة: 48] أي مُؤْتَمِنا وشاهِدا على ما قبله من الكتب.
2 - أن هذا القرآن العظيم يجب على جميع الناس التمسك به، ويتعيّن على جميع الخلق اتباع القرآن والعمل به، بخلاف الكتب السابقة فهي لأقوام معينين. قال تعالى: {وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ} [الأنعام: 19]
3 - أن الله تعالى قد تكفّل بحفظ القرآن الكريم، فلم تمتد إليه يد التحريف، ولا تمتد إليه، كما قال سبحانه. {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر: 9] .

كتاب : التوحيد للناشئة والمبتدئين
المؤلف: الشيخ : عبد العزيز بن محمد بن علي آل عبد اللطيف
هنا

فكـان حفظـه مـن التحريـف وصيانتـة مـن عبـث النـاس ، ليبقـى مـا فيـه حجـة الله علـى النـاس قائمـة حتـى يـرث الله الأرض ومـن عليهـا .
وأمـا الكتـب الأخـرى فقـد وجـه الكـلام فـي كـل واحـد منهـا إلـى أمـة خاصـة دون سـائر الأمـم .
وهـي وإن اتفقـت فـي أصـل الديـن ، إلا أن مـا نـزل فيهـا مـن الشـرائع والأحكـام كـان خاصـًا بأزمنـة معينـة وأقـوام معينيـن .
قـال تعالـى : { ... لِكُـلٍّ جَعَلْنَـا مِنكُـمْ شِـرْعَةً وَمِنْهَاجـاً ... } . سورة المائدة / آية : 48 .
لذلـك لـم يتعهـد الله سـبحانه بحفـظ أي منهـا علـى مـدى الأزمـان كمـا هـو الحـال بالنسـبة للقـرآن .
بـل أخبـر عـز وجـل فـي آخـر كتبـه ( القـرآن ) عـن التحريـف الـذي وقـع علـى تلـك الكتـب .

* فعـن التحريـف والتغييـر الـذي أدخلـه اليهـود علـى التـوراة ، قـال تعالـى :
{ أَفَتَطْمَعُـونَ أَن يُؤْمِنُـواْ لَكُـمْ وَقَـدْ كَـانَ فَرِيـقٌ مِّنْهُـمْ يَسْـمَعُونَ كَـلاَمَ اللّهِ ثُـمَّ يُحَرِّفُونَـهُ مِـن بَعْـدِ مَـا عَقَلُـوهُ وَهُـمْ يَعْلَمُـونَ } . سورة البقرة / آية : 75 .
وقـال أيضـًا : { مِّـنَ الَّذِيـنَ هَـادُواْ يُحَرِّفُـونَ الْكَلِـمَ عَـن مَّوَاضِعِـهِ ... } .
سورة النساء / آية : 46 .
* وأمـا عـن التحريـف الـذي أدخلـه النصـارى علـى الإنجيـل ، قـال تعالـى :
{ وَمِـنَ الَّذِيـنَ قَالُـواْ إِنَّـا نَصَـارَى أَخَذْنَـا مِيثَاقَهُـمْ فَنَسُـواْ حَظّـاً مِّمَّـا ذُكِّـرُواْ بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُـمُ الْعَـدَاوَةَ وَالْبَغْضَـاء إِلَـى يَـوْمِ الْقِيَامَـةِ وَسَـوْفَ يُنَبِّئُهُـمُ اللّهُ بِمَـا كَانُـواْ يَصْنَعُـونَ * يَـا أَهْـلَ الْكِتَـابِ قَـدْ جَاءكُـمْ رَسُـولُنَا يُبَيِّـنُ لَكُـمْ كَثِيـراً مِّمَّـا كُنتُـمْ تُخْفُـونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُـو عَـن كَثِيـرٍ قَـدْ جَاءكُـم مِّـنَ اللّهِ نُـورٌ وَكِتَـابٌ مُّبِيـنٌ } . سورة المائدة / آية : 14 ، 15 .

* والحـق الـذي لا يمـاري فيـه منصـف أنـه لا يوجـد اليـوم علـى ظهـر الأرض كتـاب تصلـح نسـبته إلـى الخالـق تبـارك وتعالـى سـوى " القـرآن الكريـم " .

ـ فالكتـب التـى نزلـت قبـل القـرآن ، قـد ضاعـت نسـخها الأصليـة ، ولـم يبـق فـي أيـدي النـاس إلا تراجمهـا .
أمـا القـرآن فإنـه لا يـزال محفوظـًا بسـوره وآياتـه وكلماتـه وحركاتـه ، كما تـلاه جبريـل ـ عليه السلام ـ علـى رسـول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ وكمـا تـلاه رسـول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ علـى صحابتـه ـ رضوان الله عليهم ـ .

ـ والكتـب قـد اختلـط فيهـا كـلام الله بكـلام النـاس مـن تفسـير وتاريـخ وسـير الأنبيـاء وتلاميذهـم ، واسـتنباطات الفقهـاء ، فـلا يعـرف فيهـا كـلام الله مـن كـلام البشـر .
أمـا " القـرآن " فهـو جميعـه كـلام الله تعالـى ، ولـم يختلـط بـه غيـره مـن حديـث الرسـول ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ أو أقـوال الصحابـة ـ رضوان الله عليهم ـ ، أو غيرهـم .

ـ والكتـب ليـس منهـا كتـاب تصـح نسـبته إلـى الرسـول الـذي ينسـب إليـه ، فليـس لأي منهـا سـند تاريخـي موثـوق .
فالأسـفار الموجـودة ضمـن مـا يسـمى بالعهـد القديـم ، ويطلـق عليـه التـوراة ، إنمـا دُونـت بعـد موسـى ـ عليه السلام ـ بقـرون عديـدة .
وأمـا القـرآن العظيـم فهـو الكتـاب الوحيـد الـذي ثبتـت نسـبته بصـورة قطعيـة إلـى الرسـول ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ .
* ومـن الأدلـة علـى وقـوع التحريـف فـي تلـك الكتـب تعـدد نسـخها واختلافهـا فيمـا نقلتـه مـن الأقـوال والآراء .

وورد فـي العقائـد الإسـلامية / سـيد سـابق / ص : 16 :
ويكفـي لصحـة التدليـل علـى التحريـف فـي الأناجيـل المتداولـة بأيـدي النصـارى الآن أنهـا أربعـة اختيـرت مـن نحـو سـبعين إنجيـلاً .
ومـن القرائـن القاطعـة علـى وقـوع التحريـف فـي هـذه الكتـب مـا تضمنتـه مـن العقائـد الفاسـدة والتصـورات الباطلـة عـن الخالـق سـبحانه ، وعـن رسـله الكـرام عليهـم السـلام .

* فنجـد فيهـا تشـبيه الخالـق بالإنسـان ، وأنـه ينجـب .
قـال تعالـى : { وَقَالَـتِ الْيَهُـودُ عُزَيْـرٌ ابْـنُ اللّهِ وَقَالَـتْ النَّصَـارَى الْمَسِـيحُ ابْـنُ اللّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُـم بِأَفْوَاهِهِـمْ يُضَاهِـؤُونَ قَـوْلَ الَّذِيـنَ كَفَـرُواْ مِـن قَبْـلُ قَاتَلَهُـمُ اللّهُ أَنَّـى يُؤْفَكُـونَ } .

سورة التوبة / آية : 30 .

* ونجـد فيهـم القـدح بالأنبيـاء .
فقـد ادعـوا فـي كتبهـم أن " إبراهيـم " ـ عليه السلام ـ كـذاب ، وأن " لوطـًا " زنـا بابنتـه ، وأن " هـارون " دعـا الإسـرائيليين إلـى عبـادة العجـل ، وأن " داود " زنـا ، وأن " سـليمان " عبـد الأصنـام إرضـاءً لزوجتـه .

فهـل ثـم دليـل علـى التحريـف أقـوى مـن هـذا ؟ ! .

التعديل الأخير تم بواسطة أم أبي التراب ; 02-04-2013 الساعة 03:44 AM
  #24  
قديم 02-04-2013, 04:03 AM
الصورة الرمزية أم أبي التراب
أم أبي التراب أم أبي التراب غير متواجد حالياً
مدير
 
تاريخ التسجيل: Jul 2010
المشاركات: 4,023
المجلس التاسع عشر
24 ربيع أول 1434 هـ
رابعًا: الإيمان بالرسل

الإيمان بالرسل أحد أركان الإيمان، قال سبحانه: {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ} [البقرة: 285]
فدلًت الآية على وجوب الإيمان بجميع الرسل عليهم الصلاة والسلام دون تفريق، فلا نؤمن ببعض الرسل ونكفر ببعض كحال اليهود والنصارى.

«وقال صلى الله عليه وسلم عن الإيمان: "أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسوله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره»
هنا
*قال البخاري في صحيحه
حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ ، عَنْ جَرِيرٍ ، عَنْ أَبِي حَيَّانَ ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَوْمًا بَارِزًا لِلنَّاسِ إِذْ أَتَاهُ رَجُلٌ يَمْشِي ، فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، مَا الْإِيمَانُ ؟ قَالَ : " الْإِيمَانُ أَنْ تُؤْمِنَ بِاللَّهِ ، وَمَلَائِكَتِهِ ، وَكُتُبِهِ ، وَرُسُلِهِ ، وَلِقَائِهِ ، وَتُؤْمِنَ بِالْبَعْثِ الْآخِرِ " ، قَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، مَا الْإِسْلَامُ ؟ قَالَ : " الْإِسْلَامُ أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ ، وَلَا تُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا ، وَتُقِيمَ الصَّلَاةَ ، وَتُؤْتِيَ الزَّكَاةَ الْمَفْرُوضَةَ ، وَتَصُومَ رَمَضَانَ " ، قَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، مَا الْإِحْسَانُ ؟ قَالَ : " الْإِحْسَانُ أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ " ، قَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، مَتَى السَّاعَةُ ؟ قَالَ : " مَا الْمَسْئُولُ عَنْهَا بِأَعْلَمَ مِنَ السَّائِلِ ، وَلَكِنْ سَأُحَدِّثُكَ عَنْ أَشْرَاطِهَا : إِذَا وَلَدَتِ الْمَرْأَةُ رَبَّتَهَا فَذَاكَ مِنْ أَشْرَاطِهَا ، وَإِذَا كَانَ الْحُفَاةُ الْعُرَاةُ رُءُوسَ النَّاسِ فَذَاكَ مِنْ أَشْرَاطِهَا ، فِي خَمْسٍ لَا يَعْلَمُهُنَّ إِلَّا اللَّهُ : إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الأَرْحَامِ سورة لقمان آية 34 ، ثُمَّ انْصَرَفَ الرَّجُلُ ، فَقَالَ : رُدُّوا عَلَيَّ فَأَخَذُوا لِيَرُدُّوا ، فَلَمْ يَرَوْا شَيْئًا ، فَقَالَ : هَذَا جِبْرِيلُ جَاءَ لِيُعَلِّمَ النَّاسَ دِينَهُمْ "

صحيح البخاري » كِتَاب تَفْسِيرِ الْقُرْآنِ » سُورَةُ لُقْمَانَ » بَاب قَوْلِهِ : إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ ..-رقم الحديث: 4431
هنا
*معنى الإيمان بالرسل:
هو التصديق الجازم بأن الله بعث في كل أمة رسولا منهم يدعوهم إلى عبادة الله وحده لا شريك له، وأن الرسل كلهم صادقون مصدّقون، أتقياء أمناء، هداة مهتدون، وأنهم بلّغوا جميع ما أرسلهم الله به، فلم يكتموا ولم يغيّروا، ولم يزيدوا فيه من عند أنفسهم حرفا ولم ينقصوه، كما قال سبحانه: {فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ} [النحل: 35]

وإن جميع الأنبياء كلهم كانوا على الحق المبين، وأنه قد اتفقت دعوتهم إلى عقيدة التوحيد، كما قال سبحانه {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُواالطَّاغُوتَ} [النحل: 36]

وقد تختلف شرائع الأنبياء في الفروع من الحلال والحرام، كما قال الله تعالى: {لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا} [المائدة: 48]
*والإيمان بالرسل يتضمن أربعة أمور:
الأول: الإيمان بأن رسالتهم حقّ من الله تعالى، فمن كفر برسالةِ واحد منهم فقد كفر بالجميع.
الثاني: الإيمان بكل من سمى الله من الأنبياء، مثل: محمد وإبراهيم وموسى وعيسى ونوح عليهم الصلاة والسلام، وأما من لم نعلم اسمه منهم فنؤمن به إجمالا.
الثالث: تصديق ما صح من أخبار الرسل.
الرابع: العمل بشريعة الرسول الذي أرسل إلينا وهو أفضلهم وخاتمهم محمد صلى الله عليه وسلم.
[تعريف النبي والرسول]
*تعريف النبي والرسول:
النبي لغة: المُخبر، مشتق من النبأ وهو الخبر، فالنبي مُخبر عن الله تعالى. أو مشتق من النَّبْوَة وهي ما ارتفع من الأرض، فالنبيّ أشرف الخلق وأرفعهم منزلة.
وأما تعريف النبيّ اصطلاحا: فهو إنسان حرّ، ذكر، اختاره الله وخصّه بتبليغ الوحي إليه.
والرسول لغةً: المتابع لأخبار من أرسله.
وأما تعريف الرسول اصطلاحا: فهو إنسان حر ذكر، نبّأه الله تعالى بشرع، وأمره بتبليغه إلى قوم مخالفين.
- وأما الفرق بينهما فإن الرسول أخص من النبي، فكل رسولٍ نبي، وليس كل نبي رسولاً، فالرسول يؤمر بتبيلغ الشرع إلى من خالف دين الله، أو لا يعلم دين الله، وأما النبي فيبعث بالدعوة لشرع من قبله.
-وقيل
*وقال الشيخ محمد بن صالح العثيمين :

أهل العلم يقولون: إن النبي هو من أوحى الله إليه بشرع ولم يأمره بتبليغه بل يعمل به في نفسه دون إلزام بالتبليغ.
والرسول هو من أوحى الله إليه بشرع وأمره بتبليغه والعمل به.
فكل رسول نبي، وليس كل نبي رسولاً، والأنبياء أكثر من الرسل، وقد قص الله بعض الرسل في القرآن ولم يقصص البعض الآخر.
قال تعالى: {ولقد أرسلنا رسلاً من قبلك منهم من قصصنا عليك ومنهم من لم نقصص عليك وما كان لرسول أن يأتي بآية إلا بإذن الله}.
وبناء على هذه الآية يتبين أن كل من ذكر في القرآن من الأنبياء فهو رسول.ا.هـ

مجموع فتاوى و رسائل الشيخ محمد صالح العثيمين المجلد الأول - باب الرسل.
وقيل:
هناك تعريف شائع لدى بعض العلماء : إن الرسول من أوحي إليه بشرع وأمر بتبليغه, والنبي من أوحي إليه ولم يؤمر بالبلاغ ، وهذا الذي ذكروه هنا فيه نظر لعدة أمور :
أ- أن الله نص على أنه أرسل الأنبياء كما أرسل الرسل في قوله تعالى:﴿وَمَا أَرْ‌سَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّ‌سُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّىٰ أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنسَخُ اللَّـهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّـهُ آيَاتِهِ ۗ وَاللَّـهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾ ﴿٥٢
فإذا كان الفارق بينهما هو الأمر بالبلاغ فالإرسال يقتضي من النبي البلاغ.
ب-إن ترك البلاغ كتمان لوحي الله تعالى , والله لا ينزل وحيه ليكتم ويدفن في صدر واحد من الناس , ثم يموت هذا العلم بموته.
ج- قول الرسول صلى الله عليه وسلم : ( عرضت علي الأمم فرأيت النبي ومعه الرهط , والنبي ومعه الرجل والرجلان , والنبي وليس معه أحد ) فدل هذا على أن الأنبياء مأمورون بالبلاغ وأنهم يتفاوتون في مدى استجابة الناس لتبليغهم ودعوتهم
*قال الإمام مسلم في صحيحه
حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ ، أَخْبَرَنَا حُصَيْنُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ، قَالَ : " كُنْتُ عِنْدَ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ، فَقَالَ : أَيُّكُمْ رَأَى الْكَوْكَبَ الَّذِي انْقَضَّ الْبَارِحَةَ ؟ قُلْتُ : أَنَا ، ثُمَّ قُلْتُ : أَمَا إِنِّي لَمْ أَكُنْ فِي صَلَاةٍ ، وَلَكِنِّي لُدِغْتُ ، قَالَ : فَمَاذَا صَنَعْتَ ؟ قُلْتُ : اسْتَرْقَيْتُ ، قَالَ : فَمَا حَمَلَكَ عَلَى ذَلِكَ ؟ قُلْتُ : حَدِيثٌ حَدَّثَنَاهُ الشَّعْبِيُّ ، فَقَالَ : وَمَا حَدَّثَكُمْ الشَّعْبِيُّ ؟ قُلْتُ : حَدَّثَنَا عَنْ بُرَيْدَةَ بْنِ حُصَيْبٍ الأَسْلَمِيِّ ، أَنَّهُ قَالَ : لَا رُقْيَةَ إِلَّا مِنْ عَيْنٍ أَوْ حُمَةٍ ، فَقَالَ : قَدْ أَحْسَنَ مَنِ انْتَهَى إِلَى مَا سَمِعَ ، وَلَكِنْ حَدَّثَنَا ابْنُ عَبَّاسٍ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ : " عُرِضَتْ عَلَيَّ الأُمَمُ ، فَرَأَيْتُ النَّبِيَّ وَمَعَهُ الرُّهَيْطُ ، وَالنَّبِيَّ وَمَعَهُ الرَّجُلُ وَالرَّجُلَانِ ، وَالنَّبِيَّ لَيْسَ مَعَهُ أَحَدٌ ، إِذْ رُفِعَ لِي سَوَادٌ عَظِيمٌ ، فَظَنَنْتُ أَنَّهُمْ أُمَّتِي ، فَقِيلَ لِي : هَذَا مُوسَى عَلَيْهِ السَّلامُ وَقَوْمُهُ ، وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الأُفُقِ ، فَنَظَرْتُ ، فَإِذَا سَوَادٌ عَظِيمٌ ، فَقِيلَ لِي : انْظُرْ إِلَى الأُفُقِ الآخَرِ ، فَإِذَا سَوَادٌ عَظِيمٌ ، فَقِيلَ لِي : هَذِهِ أُمَّتُكَ ، وَمَعَهُمْ سَبْعُونَ أَلْفًا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ ، وَلَا عَذَابٍ ، ثُمَّ نَهَضَ فَدَخَلَ مَنْزِلَهُ فَخَاضَ النَّاسُ فِي أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ ، وَلَا عَذَابٍ ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ : فَلَعَلَّهُمُ الَّذِينَ صَحِبُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ : فَلَعَلَّهُمُ الَّذِينَ وُلِدُوا فِي الإِسْلَامِ وَلَمْ يُشْرِكُوا بِاللَّهِ ، وَذَكَرُوا أَشْيَاءَ ، فَخَرَجَ عَلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ : مَا الَّذِي تَخُوضُونَ فِيهِ ؟ ، فَأَخْبَرُوهُ ، فَقَالَ : هُمُ الَّذِينَ لَا يَرْقُونَ ، وَلَا يَسْتَرْقُونَ ، وَلَا يَتَطَيَّرُونَ ، وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ، فَقَامَ عُكَّاشَةُ بْنُ مِحْصَنٍ ، فَقَالَ : ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ ، فَقَالَ : أَنْتَ مِنْهُمْ ؟ ، ثُمَّ قَامَ رَجُلٌ آخَرُ ، فَقَالَ : ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ ، فَقَالَ : سَبَقَكَ بِهَا عُكَّاشَةُ
صحيح مسلم » كِتَاب الإِيمَانِ» بَاب الدَّلِيلِ عَلَى دُخُولِ طَوَائِفَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ...- رقم الحديث: 328
موسوعة الحديث - إسلام ويب

[صفات الرسل وآياتهم]
د- صفات الرسل وآياتهم: من صفات الرسل عليهم السلام أنهم بشر، فيحتاجون لما يحتاج إليه البشر من الطعام والشراب.
قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ} [الأنبياء: 7] .
كما أن الرسل يصيبهم ما يصيب البشر من الأمراض، ويأتيهم الموت كسائر الخلق.
فليس لهم من خصائص الربوبية والألوهية شيء، ولكنهم بشر بلغوا الكمال في الخِلقة الظاهرة، كما بلغوا الذروة في كمال الأخلاق، كما أنهم خير الناس نسبا ولهم من العقول الراجحة، واللسان المبين ما يجعلهم أهلًا لتحمل تبعات الرسالة والقيام بأعباء النُبوَّة.
وتظهر لنا الحكمة من إرسال الرسل بشرا، وذلك حتى تتمثلَ القدوةُ للبشر في واحدٍ من جنسهم، ومن ثم فإن اتباع الرسول والاقتداء به هو في مقدورهم وفي حدود طاقتهم.
ومن صفات الرسل أن الله خصهم بالوحي دون بقية الناس، كما قال سبحانه: {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ} [الكهف: 110] .
فقد اختارهم الله واصطفاهم من بين سائر الناس، وكما قال
تعالى: {اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ} [الأنعام: 124]
ومن صفات الرسل أنهم معصومون فيما يبلِّغون عن الله، فهم لا يخطئون في التبليغ عن الله، ولا يخطئون في تنفيذ ما أوحى الله به إليهم.
ومن صفات الرسل: الصدق، فالرسل عليهم السلام صادقون في أقوالهم وأعمالهم، قال تعالى: {هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ} [يس: 52]
ومن صفاتهم: الصبر، فالرسل كانوا مبشرين ومنذرين، يدعون إلى دين الله تعالى، وقد أصابتهم صنوف الأذى وأنواع المشاق، ومع ذلك فقد صبروا وتحمّلوا في سبيل إعلاء كلمة الله، قال تعالى:{فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ} [الأحقاف: 35]

وأما آيات الرسل فإن الله تعالى قد أيّد رسله عليهم السلام بالمعجزات البينة والبراهين القاطعة الدالة على صدقهم، وصحة نبوَّتهم ورسالتهم، فأجرى الله على أيدي رسله
المعجزات الخارقةَ التي ليست في مقدور البشر من أجل تقرير صدقهم وإثبات نبوتهم.

*وتعريف آيات الرسل ومعجزاتهم: هي أمور خارقة للعادة يظهرها الله تعالى على أيدي أنبيائه ورسله على وجه يعجز البشر عن الإتيان بمثله.
ومن أمثلة تلك المعجزات والآيات: إخبار عيسى عليه السلام قومَهُ بما يأكلون وما يدّخرون في بيوتهم
قال تعالى

﴿وَرَ‌سُولًا إِلَىٰ بَنِي إِسْرَ‌ائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُم بِآيَةٍ مِّن رَّ‌بِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُم مِّنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ‌ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرً‌ا بِإِذْنِ اللَّـهِ وَأُبْرِ‌ئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَ‌صَ وَأُحْيِي الْمَوْتَىٰ بِإِذْنِ اللَّـهِ وَأُنَبِّئُكُم بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُ‌ونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَةً لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ﴿آل عمران: ٤٩﴾
، ومثل تحويل عصا موسى عليه السلام حية،

قال تعالى
﴿وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَىٰ ﴿١٧ قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَىٰ غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِ‌بُ أُخْرَ‌ىٰ ﴿١٨﴾ قَالَ أَلْقِهَا يَا مُوسَىٰ ﴿١٩ فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَىٰ ﴿٢٠قَالَ خُذْهَا وَلَا تَخَفْ ۖ سَنُعِيدُهَا سِيرَ‌تَهَا الْأُولَىٰ ﴿٢١
﴿طه﴾

ومثل انشقاق القمر لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم.

قال تعالى
﴿
اقْتَرَ‌بَتِ السَّاعَةُ وَانشَقَّ الْقَمَرُ‌
﴿١﴿القمر: ١﴾

[الحكمة من إرسال الرسل]
*الحكمة من إرسال الرسل: - أرسل الله الرسل لتعريف الناس بمعبودهم الحق، ولدعوتهم إلى عبادة الله وحده لا شريك له.
وأرسل الله الرسل لإقامة الدين، والنهي عن التفرّق فيه، يقول تعالى: {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ} [الشورى: 13]
- وأرسل الله الرسل للتبشير والإنذار، فقال سبحانه:
{وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ} [الكهف: 56] .
وتبشير الرسل وإنذارهم دنيوي وأخروي، فهم في الدنيا يبشرون الطائعين بالحياة الطيبة: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً} [النحل: 97]
ويحذرونهم العذاب والهلاك الدنيوي: {فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ} [فصلت: 13]

وفي الآخرة يبشرون الطائعين بالجنة ونعيمها: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [النساء: 13] (4) .
ويخوّفون المجرمين والعصاة عذاب الله في الآخرة: {وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ} [النساء: 14] .
- وأرسل الله الرسل لإعطاء الأسوة الحسنة للناس في السلوك القويم، والأخلاق الفاضلة والعبادة الصحيحة، كما قال تعالى في شأن نبينا محمد صلى الله عليه وسلم: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} [الأحزاب: 21] .

*[الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم نبيًا ورسولا]
و الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا ورسولا: - نؤمن بأن محمدًا صلى الله عليه وسلم هو عبد الله ورسوله، وأنه سيّد الأولين والآخرين، وهو خاتم الأنبياء فلا نبي بعده، وقد بلّغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده.
- ويجب أن نصدقه فيما أخبر به، ونطيعه فيما أمر، ونبتعد عما نهى عنه وزجر، وأن نعبد الله على وفق سنته صلى الله عليه وسلم، وأن نقتدي به دون غيره، قال تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} [الأحزاب: 21]
- ويجب أن نقدّم محبة النبي صلى الله عليه وسلم على محبة الوالد والولد وجميع الناس كما قال صلى الله عليه وسلم: «لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحبّ
إليه من والده وولده والناس أجمعين» .
*
قال الإمام البخاري في صحيحه
حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ، قَالَ : حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ ، عَنْ أَنَسٍ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . ح وحَدَّثَنَا آدَمُ ، قَالَ : حَدَّثَنَا شُعْبَةُ ، عَنْ قَتَادَةَ ، عَنْ أَنَسٍ ، قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَالِدِهِ وَوَلَدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ " .
صحيح البخاري » كِتَاب الْإِيمَانِ » بَاب حُبُّ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ...رقم الحديث: 14
موسوعة الحديث-إسلام ويب

ومحبته الصادقة تكون باتباع سنته والإقتداء بهديه.
والسعادة الحقيقية والاهتداء التام لا يتحقق إلا بطاعته، كما قال سبحانه: {وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ} [النور: 54] .
- يجب علينا قبول ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم، وأن ننقاد لسنته، وأن نجعل هديه محل إجلال وتعظيم، كما قال تعالى: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [النساء: 65] .
- علينا أن نحذر من مخالفة أمره صلى الله عليه وسلم لأن مخالفة أمره سبب للفتنة والضلال والعذاب الأليم، حيث قال تعالى: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور: 63]

ز- خصائص رسالةرسولنا الكريم: تختص رسالة محمد صلى الله عليه وسلم عن الرسالات السابقة بجملة من الخصائص، نذكر منها:
- رسالته
صلى الله عليه وسلم خاتمة للرسالات السابقة، قال تعالى: {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} [الأحزاب: 40].
- رسالته
صلى الله عليه وسلم ناسخة للرسالات السابقة، فلا يقبل الله من أحد دينا إلا باتباع محمد صلى الله عليه وسلم، ولا يصل أحد إلى نعيم الجنة إلا من طريقه، فهو صلى الله عليه وسلم أكرم الرسل، وأمته خير الأمم، وشريعته أكمل الشرائع.
قال تعالى: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [آل عمران: 85] وقال صلى الله عليه وسلم: «والذي نفس محمد بيده، لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي أو نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت
به إلا كان من أصحاب النار» .

*قال الإمام مسلم في صحيحه
حَدَّثَنِي يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ ، قَالَ : وَأَخْبَرَنِي عَمْرٌو ، أَنَّ أَبَا يُونُسَ حَدَّثَهُ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، أَنَّهُ قَالَ : " وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ ، لَا يَسْمَعُ بِي أَحَدٌ مِنْ هَذِهِ الأُمَّةِ يَهُودِيٌّ ، وَلَا نَصْرَانِيٌّ ، ثُمَّ يَمُوتُ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ ، إِلَّا كَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ "
صحيح مسلم » كِتَاب الإِيمَانِ » بَاب وُجُوبِ الإِيمَانِ بِرِسَالَةِ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ ...رقم الحديث: 222
موسوعة الحديث - إسلام ويب


- رسالته صلى الله عليه وسلم عامةٌ إلى الثقلين: الجن والإنس.
قال تعالى حكاية عن قول الجن. {يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ} [الأحقاف: 31] .
وقال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا} [سبأ: 28] (3) .
وقال صلى الله عليه وسلم: «فضلتُ على الأنبياء بست: أُعطيت جوامع الكلم، ونُصرت بالرعب، وأحلت لي الغنائم، وجعلت لي لأرض طهورا ومسجدا، وأرسلت إلى الخلق كافة، وختم بي النبيون» .
قال الإمام مسلم في صحيحه
وحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ ، وَقُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ ، وَعَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ ، قَالُوا : حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيل وَهُوَ ابْنُ جَعْفَرٍ ، عَنِ الْعَلَاءِ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ : " فُضِّلْتُ عَلَى الأَنْبِيَاءِ بِسِتٍّ ، أُعْطِيتُ جَوَامِعَ الْكَلِمِ ، وَنُصِرْتُ بِالرُّعْبِ ، وَأُحِلَّتْ لِيَ الْغَنَائِمُ ، وَجُعِلَتْ لِيَ الأَرْضُ طَهُورًا وَمَسْجِدًا ، وَأُرْسِلْتُ إِلَى الْخَلْقِ كَافَّةً ، وَخُتِمَ بِيَ النَّبِيُّونَ "
صحيح مسلم » كِتَاب الصَّلَاةِ » بَاب الصَّلَاةِ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ وَصِفَةِ لِبْسِهِ
...- حديث رقم:817
موسوعة الحديث - إسلام ويب

[أثار الإيمان بالرسل]
حـ - أثار الإيمان بالرسل: للإيمان بالرسل آثار عظيمة، نذكر منها:
1 - العلم برحمة الله تعالى وعنايته بعباده حيث أرسل
الرسل إليهم ليهدوهم إلى الطريق الصحيح، ويبينوا لهم كيف يعبدون الله؛ لأن العقل البشري لا يستقل بمعرفة ذلك، قال تعالى عن نبينا محمد صلى الله عليه وسلم:
{وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء: 107]
2 - شكره تعالى على هذه النعمة الكبرى.
3 - محبة الرسل عليهم الصلاة والسلام وتعظيمهم والثناء عليهم بما يليق بهم؛ لأنهم قاموا بعبادة الله وتبليغ رسالته والنصح لعباده.
4 - اتباع الرسالة التي جاءت بها الرسل من عند الله، والعمل بها، فيتحقق للمؤمنين في حياتهم الخير والهداية والسعادة في الدارين.
قال تعالى: {فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى - وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا} [طه: 123 - 124] .
مقتبس من : التوحيد للناشئة والمبتدئين
هنا

التعديل الأخير تم بواسطة أم أبي التراب ; 02-06-2013 الساعة 05:00 AM
  #25  
قديم 02-12-2013, 04:14 AM
الصورة الرمزية أم أبي التراب
أم أبي التراب أم أبي التراب غير متواجد حالياً
مدير
 
تاريخ التسجيل: Jul 2010
المشاركات: 4,023
افتراضي

المجلس العشرون
2 ربيع الآخر 1434هـ



القَدَر: تقدير الله تعالى لكل ما يقع في الكون ، حسبما سبق به علمه ، واقتضته حكمته.
قال الشيخ العثيمين :
هاتان الكلمتان مترادفتان إن تفرقتا ؟ومتباينتان إن اجتمعتا فإذا قيل القضاء بدون أن يقترن به القدر، كان شاملا للقضاء والقدر ،وإذا قيل القدر دون أن يقترن به القضاء، كان شاملا للقضاء والقدر أيضا ،وهذا كثير في اللغة العربية أن تكون الكلمة لها معني عام عند الانفراد، ومعنى خاص عند الاقتران ، فإذا قيل القضاء والقدر جميعًا ،صار القضاء ما يقضي به الله عز وجل من أفعاله أو أفعال الخلق ،والقدر ما قدر الله تعالي في الأزل وكتبه في اللوح المحفوظ ، وذلك لأن المقدور سبقه تقدير في الأزل، أي كتابة بأنه سيقع وقضى الله تعالي بوقوعه فعلا، وإن شئت فقل الكتابة قدر والمشيئة قضاء، والله تعالى يكتب الشيئ ،بل كتب الشيئ في اللوح محفوظ ثم يشاءه سبحانه وتعالي في الوقت الذي يقتضي فيه حكمته وجوده فيه الثاني قضاء، والأول قدر ،فصارت هاتان الكلمتان إن انفردت إحداهما عن الأخرى شملت معنى الأخرى وان اجتمعتا صار لكل واحدة منهما أي للكلمتين معنا.
فتاوى نور على الدرب هنا

___________

الإيمان بالقدر هو أحد أركان الإيمان الستة التي بينها رسول الله صلى الله عليه وسلم، لجبريل حين سأله عن الإيمان.
والإيمان بالقدر أمر هام جداً، وقد تنازع الناس في القدر من زمن بعيد حتى في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، كان الناس يتنازعون فيه ويتمارون فيه، وإلى يومنا هذا والناس يتنازعون فيه، ولكن الحق فيه ولله الحمد واضحٌ بيّن لا يحتاج إلى نزاع ومراء، فالإيمان بالقدر أن تؤمن بأن الله سبحانه وتعالى قد قدر كل شيء، كما قال تعالى: {
الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا }الفرقان : 2 هنا، وهذا التقدير الذي قدره الله عز وجل تابعٌ لحكمته وما تقتضيه تلك الحكمة من غايات حميدة، وعواقب نافعة للعباد في معاشهم ومعادهم.

*ويدور الإيمان بالقدر علي الإيمان بأربع مراتب:

المرتبة الأولى: العلم، وذلك أن تؤمن إيماناً كاملاً بأن الله سبحانه وتعالى قد أحاط بكل شيء علماً، أحاط بكل شيء مما مضى، ومما هو حاضر، ومما هو مستقبل، سواء كان ذلك مما يتعلق بأفعاله عز وجل أو بأفعال عباده، فهو محيط بها جملة وتفصيلاً بعلمه الذي هو موصوف به أزلاً وأبداً، وأدلة هذه المرتبة كثيرة في القرآن والسنة، قال الله تعالى: {
إِنَّ اللَّهَ لا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الأَرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ }آل عمران: 5 هنا، وقال تعالى: { وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلا يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} الأنعام : 59 هنا، وقال عز وجل: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ}ق: 16 هنا، وقال سبحانه وتعالى: {وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ}.البقرة : 283 هنا
إلى غير ذلك من الآيات الدالة على علم الله سبحانه وتعالى بكل شيء جملة وتفصيلاً، وهذه المرتبة من الإيمان بالقدر من أنكرها فهو كافر؛ لأنه مكذب لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم، وإجماع المسلمين، وطاعن في كمال الله عز وجل لأن ضد العلم إما الجهل، وإما النسيان، وكلاهما عيب، وقد قال الله تعالى عن موسى عليه السلام، حينما سأله فرعون: {
قَالَ فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الْأُولَى *قَالَ عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنسَى (52)}طه 51-52 فهو: {
لا يَضِلُّ} أي لا يجهل شيئاً مستقبلاً، {وَلا يَنسَى} شيئاً ماضياً سبحانه وتعالى.

المرتبة الثانية: الإيمان بأن الله سبحانه وتعالى كتب مقادير كل شيء إلى أن تقوم الساعة، فإنه عز وجل حينما خلق القلم قال له:
"إنَّ أولَ ما خلق اللهُ القلمُ، فقال لهُ : اكتبْ، قال : ربِّ وماذا أكتبُ ؟ قال : اكتُبْ مقاديرَ كلِّ شيءٍ حتى تقومَ الساعةُ . يا بنيَّ إني سمعتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ يقول : من مات على غيرِ هذا فليسَ مِني"

الراوي: عبادة بن الصامت المحدث:الألباني - المصدر: صحيح أبي داود - الصفحة أو الرقم: 4700-خلاصة حكم المحدث: صحيح هنا

، فكتب الله عز وجل في اللوح المحفوظ مقادير كل شيء، وقد دل على هذه المرتبة قوله تعالى: {
أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ } الحج : 70 هنا، قال: { إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ} أي مكتوب في كتاب، وهو اللوح المحفوظ: { إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ } ثم هذه الكتابة تكون مفصلة أحياناً، فإن الجنين في بطن أمه إذا مضى عليه أربعة أشهر يبعث إليه ملك فيأمره بأربع كلمات بكتب رزقه، وأجله، وعمله، وشقي أم سعيد، كما ثبت ذلك في الصحيح من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم،
قال البخاري في صحيحه


حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ ، حَدَّثَنَا أَبِي ، حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ ، حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ وَهْبٍ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ ، حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ الصَّادِقُ الْمَصْدُوقُ : " إِنَّ أَحَدَكُمْ يُجْمَعُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا ، ثُمَّ يَكُونُ عَلَقَةً مِثْلَ ذَلِكَ ، ثُمَّ يَكُونُ مُضْغَةً مِثْلَ ذَلِكَ ، ثُمَّ يَبْعَثُ اللَّهُ إِلَيْهِ مَلَكًا بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ فَيُكْتَبُ عَمَلُهُ وَأَجَلُهُ وَرِزْقُهُ وَشَقِيٌّ أَوْ سَعِيدٌ ، ثُمَّ يُنْفَخُ فِيهِ الرُّوحُ فَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إِلَّا ذِرَاعٌ فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَيَدْخُلُ الْجَنَّةَ ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إِلَّا ذِرَاعٌ فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ فَيَدْخُلُ النَّارَ "
» صحيح البخاري » كِتَاب أَحَادِيثِ الْأَنْبِيَاءِ » بَاب خَلْقِ آدَمَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ » رقم الحديث: 3106 هنا

ويكتب أيضاً في ليلة القدر ما يكون في تلك السنة كما قال الله تعالى: {
إِنَّا أَنْـزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ * فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ .أَمْرًا مِنْ عِنْدِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ}.الدخان :

المرتبة الثالثة: الإيمان بأن كل ما في الكون فإنه بمشيئة الله، فكل ما في الكون فهو حادث بمشيئة الله عز وجل، سواء كان ذلك مما يفعله هو عز وجل أو فيما يفعله المخلوق، قال الله تعالى: {
يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ}إبراهيم : 27 هنا، وقال تعالى: {
وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ وَمِنْهَا جَائِرٌ وَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ}النحل :9 هنا، وقال: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ }هود : 118 هنا، وقال عز وجل: { إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ } فاطر :16 هنا إلى غير ذلك من النصوص الكثيرة الدالة على أن فعله واقع بمشيئته، وكذلك أفعال الخلق واقعة بمشيئته، كما قال تعالى: {تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَلَكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ} البقرة: 253 هنا،
وهذا نص صريح في أن أفعال العبيد قد شاءها الله عز وجل، ولو شاء الله أن لا يفعلوا لم يفعلوا.


المرتبة الرابعة: الإيمان بأن الله تعالى خالق كل شيء، فالله عز وجل هو الخالق، وما سواه مخلوق، فكل شيء فالله خالقه، فالمخلوقات مخلوقة لله عز وجل، وما يصدر منها من أفعال وأقوال مخلوقة لله عز وجل أيضاً، لأن أفعال الإنسان وأقواله من صفاته، فإذا كان الإنسان مخلوقاً كانت صفاته أيضاً مخلوقة لله عز وجل، ويدل لذلك قوله تعالى: {
وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ}الصافات : 96 هنا، وقد اختلف الناس في: {ما} هنا هل هي مصدرية أو موصولة؟وعلى كل تقدير فإنها تدل على أن عمل الإنسان مخلوق لله عز وجل ،وهذه أربع مراتب لا يتم الإيمان بالقدر إلا بالإيمان بها.
*ثم اعلم أن الإيمان بالقدر لا ينافي فعل الأسباب، بل إن فعل الأسباب مما أمر به الشرع، وهو حاصل بالقدر؛ لأن الأسباب تنتج عنها مسبباتها، ولهذا لما توجه أمير المؤمنين عمر ابن الخطاب رضي الله عنه إلى الشام علم في أثناء الطريق أنه قد وقع فيها الطاعون، فاستشار الصحابة رضي الله عنهم: هل يستمر ويمضي في سيره أو يرجع إلى المدينة؟ فاختلف الناس عليه، ثم استقر رأيهم على أن يرجع إلى المدينة، ولما عزم على ذلك جاءه أبو عبيدة عامر بن الجراح وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يُجله ويُقدره، فقال: يا أمير المؤمنين: كيف ترجع إلى المدينة؟ أفراراً من قدر الله؟ فقال عمر رضي الله عنه: نفر من قدر الله إلى قدر الله، وبعد ذلك جاء عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه -وكان غائباً في حاجة له- فحدثهم أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال عن الطاعون: "إذا سمعتم به في أرض فلا تقدموا عليها".

*قال البخاري في صحيحه
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ،قال: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ ، عَنْ ابْنِ شِهَابٍ ، عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدِ بْنِ الْخَطَّابِ ،عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الحَارِثِ بْنِ نَوْفَلٍ ،عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ " أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ خَرَجَ إِلَى الشَّأْمِ حَتَّى إِذَا كَانَ بِسَرْغَ لَقِيَهُ أُمَرَاءُ الْأَجْنَادِ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ وَأَصْحَابُهُ فَأَخْبَرُوهُ أَنَّ الْوَبَاءَ قَدْ وَقَعَ بِأَرْضِ الشَّأْمِ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَقَالَ : عُمَرُ ادْعُ لِي الْمُهَاجِرِينَ الْأَوَّلِينَ، فَدَعَاهُمْ فَاسْتَشَارَهُمْ وَأَخْبَرَهُمْ أَنَّ الْوَبَاءَ قَدْ وَقَعَ بِالشَّأْمِ فَاخْتَلَفُوا فَقَالَ بَعْضُهُمْ قَدْ خَرَجْتَ لِأَمْرٍ وَلَا نَرَى أَنْ تَرْجِعَ عَنْهُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ مَعَكَ بَقِيَّةُ النَّاسِ وَأَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا نَرَى أَنْ تُقْدِمَهُمْ عَلَى هَذَا الْوَبَاءِ فَقَالَ :ارْتَفِعُوا عَنِّي ثُمَّ قَالَ ادْعُوا لِي الْأَنْصَارَ فَدَعَوْتُهُمْ فَاسْتَشَارَهُمْ فَسَلَكُوا سَبِيلَ الْمُهَاجِرِينَ وَاخْتَلَفُوا كَاخْتِلَافِهِمْ فَقَالَ ارْتَفِعُوا عَنِّي ثُمَّ قَالَ ادْعُ لِي مَنْ كَانَ هَا هُنَا مِنْ مَشْيَخَةِ قُرَيْشٍ مِنْ مُهَاجِرَةِ الْفَتْحِ، فَدَعَوْتُهُمْ فَلَمْ يَخْتَلِفْ مِنْهُمْ عَلَيْهِ رَجُلَانِ ،فَقَالُوا :نَرَى أَنْ تَرْجِعَ بِالنَّاسِ وَلَا تُقْدِمَهُمْ عَلَى هَذَا الْوَبَاءِ فَنَادَى عُمَرُ فِي النَّاسِ: إِنِّي مُصَبِّحٌ عَلَى ظَهْرٍ فَأَصْبِحُوا عَلَيْهِ ،قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ: أَفِرَارًا مِنْ قَدَرِ اللَّهِ؟! فَقَالَ عُمَرُ: لَوْ غَيْرُكَ قَالَهَا يَا أَبَا عُبَيْدَةَ نَعَمْ نَفِرُّ مِنْ قَدَرِ اللَّهِ إِلَى قَدَرِ اللَّهِ أَرَأَيْتَ لَوْ كَانَ لَكَ إِبِلٌ هَبَطَتْ وَادِيًا لَهُ عُدْوَتَانِ إِحْدَاهُمَا خَصِبَةٌ وَالْأُخْرَى جَدْبَةٌ أَلَيْسَ إِنْ رَعَيْتَ الْخَصْبَةَ رَعَيْتَهَا بِقَدَرِ اللَّهِ وَإِنْ رَعَيْتَ الْجَدْبَةَ رَعَيْتَهَا بِقَدَرِ اللَّهِ
قَالَ :فَجَاءَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ وَكَانَ مُتَغَيِّبًا فِي بَعْضِ حَاجَتِهِ فَقَالَ إِنَّ عِنْدِي فِي هَذَا عِلْمًا سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " إِذَا سَمِعْتُمْ بِهِ بِأَرْضٍ فَلَا تَقْدَمُوا عَلَيْهِ وَإِذَا وَقَعَ بِأَرْضٍ وَأَنْتُمْ بِهَا فَلَا تَخْرُجُوا فِرَارًا مِنْهُ " قَالَ فَحَمِدَ اللَّهَ عُمَرُ ثُمَّ انْصَرَفَ
فتح الباري شرح صحيح البخاري - كِتَاب الطِّبِّ - إذا سمعتم به بأرض فلا تقدموا عليه وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا فرارا منه - حديث رقم:5397
هنا

والحاصل أن في قول عمر رضي الله عنه: "نفر من قدر الله إلى قدر اللهدليلاً على أن اتخاذ الأسباب من قدر الله عز وجل، ونحن نعلم أن الرجل لو قال: أنا مؤمن بقدر الله وسيرزقني الله ولداً بدون زوجة لو قال هذا لعد من المجانين، كما أنه لو قال: أنا أومن بقدر الله ولن أسعى في طلب الرزق ولم يتخذ أي سبب للرزق لعد ذلك من السفه، فالإيمان بالقدر إذاً لا ينافي الأسباب الشرعية أو الحسية الصحيحة، أما الأسباب الوهمية التي يدعي أصحابها أنها أسباب وليست كذلك فهذه لا عبرة بها ولا يلتفت إليها.
تعقيب على الحديث :

الصحابة رضوان الله عليهم كانوا أكمل الناس
إيمانا و تعلقًا بربهم عز و جل، و أنهم كانوا أحرصَ ما يكونوا على تحقيق التوحيدالكامل، و كانوا يخشون الوقوع فيما من شأنه القدح في توحيدهم و لو صغر!,,
حتى أنّالواحد منهم كان يسأل اللهَ في شسع نعاله! و لا يسأل الناسَ عملاً، بوصية نبيهم صلى اللهعليهم: "لا تسألِ الناس شيئا"،
3 - " من يتقبَّلُ لي بواحدةٍ وأتقبَّلُ لَهُ بالجنَّةِ قلتُ أنا قالَ لا تسألِ النَّاسَ شيئًا قالَ فَكانَ ثَوبانُ يقعُ سوطُهُ وَهوَ راكبٌ فلا يقولُ لأحدٍ ناوِلنيهِ حتَّى ينزلَ فيأخذَهُ"

الراوي: ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم المحدث:الألباني - المصدر: صحيح ابن ماجه - الصفحة أو الرقم: 1499
خلاصة حكم المحدث:
صحيح هنا

و كيف أنّ قلوبهم أُشرِبت المعرفة بالله
فتعلّقت نفوسهم به وحده عز و جل.. إلى جاء في الحوار حادثة "امتناع عمر رضي الله عنه عن دخول
الشام بسبب الطاعون الذي حلّ بها" والتي يرويها البخاري في صحيحه..


التعديل الأخير تم بواسطة أم أبي التراب ; 02-18-2013 الساعة 02:00 AM
  #26  
قديم 02-15-2013, 03:22 AM
الصورة الرمزية أم أبي التراب
أم أبي التراب أم أبي التراب غير متواجد حالياً
مدير
 
تاريخ التسجيل: Jul 2010
المشاركات: 4,023
افتراضي

مجلس رقم: 21
9 ربيع الأخر 1434 هـ


*ثم اعلم أنه يرد على الإيمان بالقدر إشكال -وليس بإشكال في الواقع- وهو أن يقول قائل: إذا كان فعلي من قدر الله عز وجل فكيف أعاقب على المعصية وهي من تقدير الله عزوجل؟

والجواب على ذلك أن يقال: لا حجة لك على المعصية بقدر الله؛ لأن الله عز وجل لم يُجبرك على المعصية، وأنت حين أقدمت عليها لم يكن لديك العلم بأنها مقدرة عليك؛ لأن الإنسان لا يعلم بالمقدر إلا بعد وقوع الشيء، فلماذا لم تـُقَدِر قبل أن تفعل المعصية أن الله قدر لك الطاعة فتقوم بطاعته؟! وكما أنك في أمورك الدنيوية تسعى لما ترى أن فيه خيراً ،وتهرب مما ترى فيه شراً، فلماذا لا تعامل نفسك هذه المعاملة في عمل الآخرة؟! ولا أعتقد أن أحداً يسلك الطريق الصعب، ويقول: إن هذا قد قدر لي، بل سوف يسلك الطريق المأمون الميسر، ولا فرق بين هذا، وبين أن يقال: لك للجنة طريق ،وللنار طريق، فإنك إذا سلكت طريق النار، فأنت كالذي سلك الطريق المخوف الوعر، فلماذا ترضى لنفسك أن تسلك طريق الجحيم وتدع طريق النعيم؟! ولو كان للإِنسان حجة بالقدر على فعل المعصية، ألم تنتف هذه الحجة بإرسال الرسل، وقد قال الله تعالى: {
رُسُلا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا }. النساء 165

واعلم أن للإيمان بالقدرثمرات جليلة على سير الإنسان وعلى قلبه، لأنك إذا آمنت بأن كل شيء بقضاء الله وقدره فإنك عند السراء تشكر الله عز وجل، ولا تعجب بنفسك ولا ترى أن هذا الأمر حصل منك بحولك وقوتك، ولكنك تؤمن بأن هذا سبب إذا كنت قد فعلت السبب الذي نلت به ما يسرك وأن الفضل بيد الله عز وجل، فتزداد بذلك شكراً لنعم الله سبحانه وتعالى ويحملك هذا على أن تقوم بطاعة الله على حسب ما أمرك الله به، وأن لا ترى لنفسك فضلاً على ربك، بل ترى المنة لله سبحانه وتعالى عليك، قال الله تعالى: {
يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ}.الحجرات 17

كما أنك إذا أصابتك الضراء فإنك تؤمن بالله عز وجل وتستسلم ولا تندم على ذلك، ولا تلحقك الحسرة، ألم تر إلى قول النبي صلى الله عليه وسلم: "المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كل خير، احرص على ما ينفعك، واستعن بالله، ولا تعجزن، وإن أصابك شيء فلا تقل: لو أني فعلت كذا لكان كذا، فإن لو تفتح عمل الشيطان"*، فالإيمان بالقدر فيه راحة النفس والقلب، وعدم الحزن على مافات، وعدم الغم والهم لما يستقبل، قال الله تعالى: {
يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} الحجرات:17، والذي لا يؤمن بالقدر لا شك أنه سوف يتضجر عند المصائب ويندم، ويفتح الشيطان له كل باب، وأنه سوف يفرح ويبطر ويغتر إذا أصابته السراء لكن الإيمان بالقدر يمنع هذا كله.
ـــــــــ


مجموع فتاوى ورسائل الشيخ محمد صالح العثيمين - المجلد الثاني - باب القضاء والقدر.

* قال الإمام مسلم في صحيحه
حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَابْنُ نُمَيْرٍ قَالَا حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إِدْرِيسَ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ عُثْمَانَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حَبَّانَ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ وَفِي كُلٍّ خَيْرٌ احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ وَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَلَا تَعْجَزْ وَإِنْ أَصَابَكَ شَيْءٌ فَلَا تَقُلْ لَوْ أَنِّي فَعَلْتُ كَانَ كَذَا وَكَذَا وَلَكِنْ قُلْ قَدَرُ اللَّهِ وَمَا شَاءَ فَعَلَ فَإِنَّ لَوْ تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ "

صحيح مسلم » كتاب القدر »-بَاب فِي الْأَمْرِ بِالْقُوَّةِ وَتَرْكِ الْعَجْزِ وَالِاسْتِعَانَةِ بِاللَّهِ وَتَفْوِيضِ الْمَقَادِيرِ لِلَّهِ - حديث رقم:4816 - هنا

"إنَّ أولَ ما خلق اللهُ القلمُ، فقال لهُ : اكتبْ، قال : ربِّ وماذا أكتبُ ؟ قال : اكتُبْ مقاديرَ كلِّ شيءٍ حتى تقومَ الساعةُ . يا بنيَّ إني سمعتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ يقول : من مات على غيرِ هذا فليسَ مِني"
الراوي: عبادة بن الصامت المحدث:الألباني - المصدر: صحيح أبي داود - الصفحة أو الرقم: 4700-خلاصة حكم المحدث: صحيح هنا
*************

قال الشيخ المحمود:
بعض الناس قد يظن أن بحث مسألة القضاء والقدر لا يكون إلا حينما يراد للأمة الاستكانة والخضوع، بمعنى: أنه إذا ابتليت الأمة بالمصائب، وتسلط عليها الأعداء من كل جانب، وصار المسلمون ضعفاء، فمن الأنسب أن نقول لهم: ما جرى إنما هو بقضاء الله وقدره، وعليكم أن تؤمنوا بالقضاء والقدر، وهذا الأمر لا يمكن أن ينفك عنكم أبداً ..
إلى آخره، كما حكي عن بعض الناس أنه قال مثل هذا الكلام إبان الحروب الصليبية، فلما هجم الصليبيون على العالم الإسلامي تلك الهجمة الشرسة قال بعضهم: إن هذا من القضاء والقدر، وما دام أنه من القضاء والقدر فيجب أن نستسلم له! ونحن نقول: إن بحثنا لمثل هذه القضية، وفي مثل هذه الظروف التي تمر بالأمة الإسلامية، ليس مقصده شيئاً من هذا، بل العكس تماماً؛ لأن الإيمان بالقضاء والقدر والفهم الصحيح له هو الذي يحول الإنسان من إنسان متبلد إلى إنسان مقدام شجاع، وهذه مسألة سنعرض لها؛ لأن بعض مسائل العقيدة أحياناً تفهم على غير وجهها مثل: مسألة
المهدي ، ونزول عيسى، فإذا درست أحاديث المهدي ومجيئه في آخر الزمان، وأنه يملأ الأرض عدلاً، ثم ينزل عيسى ويقتل الدجال ..
إلى آخره، يتبلور في أذهان بعض الناس أنه ينبغي أن ينتظر المهدي ، وينتظر نزول عيسى ابن مريم، وأن علينا أن نسكت، وأن الدنيا لا تزيد إلا ظلماً، والاستسلام هو الأولى، والسكوت هو الأولى، وعليك بخويصة نفسك ..
إلى آخره! نقول: هذا من الفهم الخاطئ لقضية المهدي ولمسألة نزول عيسى ابن مريم عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والتسليم؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم الذي أخبرنا بهذا، والصحابة الذين فهموا هذا، هل جاء في أذهانهم مثل هذه المفاهيم؟! لا، بل عملوا في حياتهم على مقتضى شرع الله؛ لتغيير الواقع، وللنهوض بالأمة الإسلامية بحسب جهدهم وبحسب مقدرتهم، ووفقهم الله سبحانه وتعالى؛ لأنهم كانوا مخلصين في مقاصدهم، وكانوا أيضاً متبعين لشرع الله تعالى في أعمالهم وفي مناهجهم. ومن هنا تجد أن قضية القضاء والقدر عند بعض العلماء لا يمكن أن تمر في ذهنه أنها تدعوه إلى الكسل والتواني، سواءً كان هذا على مستوى الفرد أو على مستوى الأمة، حتى إن عبد القادر الجيلاني يؤثر عنه أنه قال: ليس الرجل الذي يسلم للأقدار -أي: يستسلم- وإنما الرجل الذي يدفع الأقدار بالأقدار.
وهذه قضية واضحة جداً، كل منا لو نظر في حياته لوجد أنه مضطر إلى هذا، فإذا كنت في أمورك العادية تدفع الأقدار بالأقدار حتى قدر الجوع تدفعه بقدر آخر وهو الأكل، وقدر العطش تدفعه بقدر آخر وهو الشرب والري، وهكذا. كذلك قدر المعصية إذا وقعت تصبح قدراً فإنك تدفعها بقدر آخر وهو الطاعة والتوبة إلى الله سبحانه وتعالى كما سيأتي.
أهمية عقيدة الإيمان بالقضاء والقدر- للشيخ عبد الرحمن بن صالح المحمود
هنا

التعديل الأخير تم بواسطة أم أبي التراب ; 02-19-2013 الساعة 09:02 PM
  #27  
قديم 02-19-2013, 09:21 PM
الصورة الرمزية أم أبي التراب
أم أبي التراب أم أبي التراب غير متواجد حالياً
مدير
 
تاريخ التسجيل: Jul 2010
المشاركات: 4,023
افتراضي

* قال الإمام مسلم في صحيحه
حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَابْنُ نُمَيْرٍ قَالَا حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إِدْرِيسَ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ عُثْمَانَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حَبَّانَ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ وَفِي كُلٍّ خَيْرٌ احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ وَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَلَا تَعْجَزْ وَإِنْ أَصَابَكَ شَيْءٌ فَلَا تَقُلْ لَوْ أَنِّي فَعَلْتُ كَانَ كَذَا وَكَذَا وَلَكِنْ قُلْ قَدَرُ اللَّهِ وَمَا شَاءَ فَعَلَ فَإِنَّ لَوْ تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ "
صحيح مسلم » كتاب القدر »-بَاب فِي الْأَمْرِ بِالْقُوَّةِ وَتَرْكِ الْعَجْزِ وَالِاسْتِعَانَةِ بِاللَّهِ وَتَفْوِيضِ الْمَقَادِيرِ لِلَّهِ - حديث رقم:
4816 - هنا


ما هي أقوال العلماء في تفسير حديث: المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف. هل قوله القوي يعني بإيمانه أم يشمل أيضا القوي علميا وبدنيا وماديا الخ؟ وجزاكم الله خيرا

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، وبعد:
فإن الحديث صحيح رواه الإمام مسلم في صحيحه، وأول ما يتبادر إلى الذهن من معاني القوة: قوة الإيمان.. قال في شرح مسلم: المراد بالقوة هنا عزيمة النفس والقريحة في أمور الآخرة.. وانظر الفتوى: 31533.
وقال غيره: إن المؤمن القوي في إيمانه، والقوي في بدنه وعمله.. خيرٌ من المؤمن الضعيف في إيمانه أو الضعيف في بدنه وعمله، لأن المؤمن القوي ينتج ويعمل للمسلمين وينتفع المسلمون بقوته البدنية وبقوته الإيمانية، وبقوته العلمية ينتفعون من ذلك نفعًا عظيمًا في الجهاد في سبيل الله، وفي تحقيق مصالح المسلمين، وفي الدفاع عن الإسلام والمسلمين.. وهذا ما لا يملكه المؤمن الضعيف، فمن هذا الوجه كان المؤمن القوي خيرًا من المؤمن الضعيف، وفي كلٍّ خير كما يقول النبي صلى الله عليه وسلم، فالإيمان كله خير، المؤمن الضعيف فيه خير، ولكن المؤمن القوي أكثر خيرًا منه لنفسه ولدينه ولأهله ولإخوانه ولأمته.. ففيه الحث على القوة، ودين الإسلام هو دين القوة ودين العزة ودين الرفعة دائمًا وأبدًا يطلب من المسلمين القوة في كل شيء، قال الله سبحانه وتعالى : وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ.. الآية. القوة في الإيمان والعقيدة، والقوة في العمل، والقوة في الأبدان.. لأن هذا ينتج خيرًا للمسلمين.
والمطلوب من المسلم أن يكون قويا في إيمانه وجميع مجالات حياته. وانظر الفتوى: 5921.

هنا

وقد شرح الإمام النووي هذا الحديث في شرح صحيح
مسلم فقال:

المراد بالقوة هنا عزيمة النفس والقريحة في أمور الآخرة، فيكون صاحبهذا الوصف أكثر إقداماً على العدو في الجهاد، وأسرع خروجاً إليه وذهاباً في طلبه، وأشد عزيمة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والصبر على الأذى في كل ذلك، واحتمال المشاق في ذات الله تعالى، وأرغب في الصلاة والصوم والأذكار وسائر العبادات، وأنشط طلبا لها ومحافظة عليها، ونحو ذلك.
وأما قول النبي صلى الله عليه وسلم وفي كل خير،

فمعناه في كل من القوي والضعيف خير لاشتراكهما
في الإيمان مع ما يأتي به الضعيف من العبادات. انتهى.

هنا

التعديل الأخير تم بواسطة أم أبي التراب ; 02-26-2013 الساعة 03:24 AM
  #28  
قديم 02-26-2013, 05:07 AM
الصورة الرمزية أم أبي التراب
أم أبي التراب أم أبي التراب غير متواجد حالياً
مدير
 
تاريخ التسجيل: Jul 2010
المشاركات: 4,023

مجلس رقم 22
16 ربيع آخر 1434هـ
الإيمان باليوم الآخر

اليوم الآخر: يوم القيامة الذي يُبْعثُ الناس فيـه ؛ للحساب ، والجزاء .
وسمِّي بذلك ؛ لأنه لا يوم بعده ، حيث يستقرُ أهل الجنة في منازلهم ، وأهل النار في منازلهم .
والإيمان باليوم الآخر يتضمن ثلاثة أمور :

الأول : الإيمان بالبعث
الثاني: الإيمان بالحساب والجزاء
الثالث:
الإيمان بالجنة والنار وأنهما المآل الأبدي للخلق
الشرح:
الأول : الإيمان بالبعث : وهو إحياء الموتى حين ينفخُ في الصور النفخة الثانية ؛ فيقوم الناس لرب العالمين ، حفاة غيرَ منتعلين ، عراة غيرَ مستترين ، غُرلاً غيرَ مختتنين ، قال الله تعالى : (كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنـَّا كُنَّا فَاعِلِينَ) [سورة الأنبياء : 104] .
والبعث : حقٌّ ثابت ، دلَّ عليه الكتابُ ، و السُّنَّةُ ، وإجماع المسلمين .
قال الله تعالى : (
ثـُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذلِكَ لَمَيِّتُونَ * ثـُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ) [سورة المؤمنون : 15 ، 16] .
وقال النبي صلى الله عليه وسلم : (
يحشر الناس يوم القيامة حفاة عراة غرلاً ) (1) .
وأجمع المسلمون على ثبوته ، وهو مقتضى الحكمة ، حيث تقتضي أن يجعل الله تعالى لهذه الخليقة معادًا ، يجازيهم فيه على ما شرعه لهم فيما بعث به رسله ، قال الله تعالى : (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ) [سورة المؤمنون : 115] وقال لنبـِـيـِّه صلى الله عليه وسلم : (إِنَّ الَّــذِي فَــرَضَ عَلَيْــكَ الْقُـرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ ) [سورة القصص : 85] .
الثاني مما يتضمنه الإيمان باليوم الآخر : الإيمان بالحساب والجزاء : يحاسَبُ العبد على عمله ، ويجازى عليه ، وقد دلَّ على ذلك الكتاب ، والسنة ، وإجماع المسلمين .
قال الله تعالى : (
إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ * ثـُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا
حِسَابَهُمْ
) [سورة الغاشية : 25 ، 26] وقال تعالى : (مَن جَاء بـِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَن جَاء بـِالسَّيِّئَةِ فَلاَ يُجْزَى إِلاَّ مِثْلَهَا وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ) [سورة الأنعام : 160] وقال تعالى : (وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بـِهَا وَكَفَى بـِنَا حَاسبـِـينَ) [ سورة الأنبياء : 47] .
وعن ابن عمر - رضي الله عنهما - أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "
إن الله يدني المؤمن ؛ فيضع عليه كنفه - أي ستره - ويسترهُ ، فيقـول : أتعـرف ذنب كذا ؟ أتعرف ذنب كذا ؟ فيقول : نعم ، أي رب ، حتى إذا قـَرَّرَهُ بذنوبه ، ورأى أنه قد هلك ؛ قال :
قد سترتها عليك في الدنيا ، وأنا أغفـرها لـك اليوم
؛ فيعطى كتاب حسناته ، وأما الكفار والمنافقون ؛ فينادى بهم على رؤوس الخلائق : هؤلاء الذين كذبوا على ربهم ، ألا لعنةُ الله على الظالمين) (2) .
وصحَّ عن النبي صلى الله عليه وسلم : (
أن من همَّ بحسنة فعملها ؛ كتبها الله عنده عشر حسنات إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة ، وأن من همَّ بسيئة فعملها ؛ كتبها الله سيئة واحدة ) (3) .
وقد أجمع المسلمون على إثبات الحساب والجزاء على الأعمال ، وهو مقتضى الحكمة ؛ فإن الله تعالى أنزل الكتب ، وأرسل الرسل ، وفرض على العباد قبول ما جاءوا به ، و العمل بما يجب العمل به منه ، وأوجب قتال المعارضين له وأحلَّ دماءهم ، وذرِّيَّاتهم ، ونساءهم ، وأموالهم ، فلو لم يكن حساب ولا جزاء ؛ لكان هذا من العبث الذي ينزهُ الرب الحكيم عنه ، وقد أشار الله تعالى إلى ذلك بقوله :
(فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ * فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِم بـِعِلْمٍ وَمَا كُنَّا غَآئبينَ ) [سورة الأعراف : 6 ، 7] .
الثالث مما يتضمنه الإيمان باليوم الآخر : الإيمان بالجنة والنار وأنهما المآل الأبدي للخلق .
فالجنة دار النعيم التي أعدها الله تعالى للمؤمنين
المتقين ، الذين آمنوا بما أوجب الله عليهم الإيمان به ، وقاموا بطاعة الله ورسوله ، مخلصين لله ، مُتَّبـِعِـين لرسوله ، فيها من أنواع النعيم )ما لا عين رأت ،
ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر) (4) قال الله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ * جَزَاؤُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ ) [سورة البينة : 7 ، 8] وقال تعالى: (فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاء بـِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) [سورة السجدة : 17] .
وأما النار : فهي دار العذاب التي أعدَّها الله تعالى للكافرين الظالمين ، الذين كفروا به وعصوا رسله ، فيها من أنواع العذاب ، والنـَّـكال ما لا يخطر على البال قال الله تعالى : (وَاتَّقُواْ النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ) [سورة آل عمران : 131] ، وقال تعالى: (وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بـِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِن يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بـِمَاء كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بـِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءتْ مُرْتَفَقًا) [سورة الكهف: 29] ، وقال تعالى : (إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيرًا * خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لاَّ يَجـِدُونَ وَلِيًّا وَلا نَصِيرًا * يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولا) [سورة الأحزاب : 64، 66] .


______________
(1) متفق عليه ، واللفظ لمسلم ، كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها ، باب فناء الدنيا ، رقم: ( 7127) .
(2) رواه البخاري ، كتاب المظالم ، باب قول الله تعالى ألا لعنة الله على الظالمين ، رقم : (2309) .
(3) رواه البخاري ، كتاب الرقاق ، باب من هم بحسنة أو سيئة ، رقم : (6126) ورواه مسلم ، كتاب الإيمان ، باب إذا هم العبد بحسنة كتبت وإذا هم بسيئة لم تكتب ، رقم: (335) .
(4) رواه البخاري ، كتاب بدء الخلق ، باب ما جاء في وصف الجنة وأنها مخلوقة، رقم : (3072) .

الشيخ محمد بن صالح بن العثيمين


التعديل الأخير تم بواسطة أم أبي التراب ; 02-26-2013 الساعة 11:08 PM
  #29  
قديم 02-26-2013, 05:09 AM
الصورة الرمزية أم أبي التراب
أم أبي التراب أم أبي التراب غير متواجد حالياً
مدير
 
تاريخ التسجيل: Jul 2010
المشاركات: 4,023
افتراضي


مجلس رقم 23
23 ربيع آخر 1434هـ
تابع :الإيمان باليوم الآخر
*وللإيمان باليوم الآخر ثمراتٌ جليلة منها :
الأولى : الرغبة في فعل الطاعة ، والحرص عليها ؛ رجاء لثواب ذلك اليوم .
الثانية : الرهبة من فعل المعصية ، ومـن الرضـى بها ؛ خوفـًا من عقاب ذلك اليوم .
الثالثة : تسلية المؤمن عمَّا يفوته من الدنيا بما يرجوه من نعيم الآخرة ، وثوابها .
وقد أنكر الكافرون البعث بعد الموت ؛ زاعمين أن ذلك غير ممكن .
وهذا الزعم باطل ، دلَّ على بطلانه الشرع ، والحس ، و العقل .
أما الشرع : فقد قال الله تعالى : (
زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَن لَّن يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثـُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بـِمَا عَمِلْتُمْ وَذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ) [سورة التغابن : 7] . وقد اتفقت جميع الكتب السماوية عليه .
وأما الحس : فقد أرى الله عباده إحياء الموتى في هذه الدنيا ، وفي سورة البقرة ، خمسة أمثلة على ذلك ، هي :
المثال الأول : قوم موسى حين قالوا له : (لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً ) [سورة البقرة : 55] فأماتهم الله تعالى ، ثم أحياهم وفي ذلك يقول الله تعالى مخاطبـًا بني إسرائيل : ( وَإِذ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ *ثـُمَّ بَعَثْنَاكُم مِّن بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) [سورة البقرة : 55 ، 56] .
المثال الثاني : في قصة القتيل الذي اختصم فيه بنو إسرائيل ، فأمرهم الله تعالى أن يذبحوا بقرة فيضربوه ببعضها ؛ ليخبرهم بمن قتله ، وفي ذلك يقول الله تعالى : (وَإِذ قَتَلْتُمْ نَفْسـًا فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا وَاللّهُ مُخْرِجٌ مَّا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ * فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ ببَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيي اللّهُ الْمَـوْتَى وَيُرِيكُـمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) [سورة البقرة : 72، 73]
المثال الثالث : في قصة القوم الذين خرجوا من ديارهم فرارًا من الموت وهم ألوف ؛ فأماتهم الله تعالى، ثم أحياهم وفي ذلك يقول الله تعالى : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُواْ مِن دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللّهُ مُوتُواْ ثـُمَّ أَحْيَاهُمْ إِنَّ اللّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَيَشْكُرُونَ ) [سورة البقرة : 243].
المثال الرابع : في قصة الذي مرَّ على قرية مـَيـِّتةٍ ، فاستبعد أن يحييها الله تعالى ؛ فأماته الله تعالى مائة سنة ، ثم أحياه ، وفي ذلك يقول الله تعالى : (أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّىَ يُحْيِي هََذِهِ اللّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللّهُ مِئَةَ عَامٍ ثـُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبثْتَ قَالَ لَبثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَل لَّبثْتَ مِئَةَ عَامٍ فَانظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِّلنَّاسِ وَانظُرْ إِلَى العِظَامِ كَيْفَ ننشِزُهَا ثـُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) [ سورة البقرة : 259].
المثال الخامس : في قصة إبراهيم الخليل ، حين سأل الله تعالى أن يريه كيف يحيي الموتى ؛ فأمره الله تعالى أن يذبح أربعة من الطير ، ويفرقهن أجزاء على الجبال التي حوله ، ثم يناديهن ؛ فتلتئم الأجزاء بعضها إلى بعض ، ويأتين إلى إبراهيم سعيـًا ، وفي ذلك يقول الله تعالى : ( وَإِذ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَى وَلَكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِّنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثـُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِّنْهُنَّ جُزْءًا ثـُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا وَاعْلَمْ أَنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَـكِيمٌ) [سورة البقرة : 260].
فهذه أمثلة حسِّيَّة واقعة ، تدل على إمكان إحياء الموتى ، وقد سبقت الإشارة إلى ما جعله الله تعالى من آيات عيسى بن مريم في إحياء الموتى ، وإخراجهم من قبورهم - بإذن الله تعالى - .
وأما دلالة العقل : فمن وجهين :
أحدهما : أن الله تعالى فاطر السموات ، والأرض ، وما فيهما ، خالقهما ابتداء ، والقادر على ابتداء الخلق، لا يعجز عن إعادته ، قال الله تعالى : ( وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثـُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ) [سورة الروم : 27] . وقال تعالى : ( كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ) [سورة الأنبياء : 104]. وقال آمرًا بالرد على من أنكر إحياء العظام وهي رميم:(قُلْ يُحْييهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ) [سورة يس : 79] .
الثاني : أن الأرض تكون ميتة هامدة ، ليس فيها شجرة خضـراء ؛ فينزل عليها المطر ؛ فتهتز خضراءَ حيـَّةً ، فيها من كل زوج بهيج ، والقادر على إحيائها بعد موتها ، قادر على إحياء الأموات، قال الله تعالى : (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الأرْضَ خَاشِعَةً فَإِذا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاء اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِي الْمَوْتَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) [سورة فصلت : 39] ، وقال تعالى : (وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاء مَاء مُّبَارَكـًا فَأَنبَتْنَا بـِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ * وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَّهَا طَلْعٌ نَّضِيدٌ * رِزْقًا لِّلْعِبَادِ وَأَحْيَيْنَا بـِهِ بَلْدَةً مَّيْتًا كَذَلِكَ الْخُرُوجُ) [سورة ق : 9 ، 11]
ويلتحق بالإيمان باليوم الآخر :
الإيمان بكل ما يكون بعد الموت مثل :
(أ) فتنـة القبر : وهي سؤال الميـت بعد دفنـه عن ربه ، ودينه ، ونبيه ؛ فيثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت ، فيقول : ربي الله ، وديني الإسلام ، ونبيِّي محمد صلى الله عليه وسلم ، ويضلُ الله الظالمين فيقول الكافر : هـاه ، هاه ، لا أدري ، ويقـول المنافق أو المرتاب (5) : لا أدري سمعت النـاس يقولون شيئـًا فقلته .
(ب) عذاب القبر ونعيمه : فيكون للظالمين من المنافقين والكافرين ، قال الله تعالى : ( وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلآئِكَةُ بَاسِطُواْ أَيْدِيهِمْ أخْرِجُواْ أَنفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بـِمَا كُنتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبـِرُونَ) [سورة الأنعام : 93].
وقال تعالى في آل فرعون : (النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ) [سورة غافر : 46] .
وفي صحيح مسلم من حديث زيد بن ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( فلولا أن لا تدافنوا ؛ لدعوتُ الله أن يسمعكم من عذاب القبر الذي أسمع منه ، ثم أقبل بوجهه ؛ فقال: تعوَّذوا بالله من عذاب النار ) قالوا : نعوذ بالله من عذاب النار ، فقال : (تعوَّذوا بالله من عذاب القبر) ، قالوا : نعوذ بالله من عذاب القبر ، قال: ( تعوَّذوا بالله من الفتن ، ما ظهر منها ، وما بطن ) ، قالوا : نعوذ بالله من الفتن ما ظهر منها وما بطن ، قال: ( تعوَّذوا بالله من فتنة الدجال ) قالوا : نعوذ بالله من فتنة الدجال (6) .
وأما نعيم القبر ؛ فللمؤمنين الصادقين قال الله تعـالى : (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثـمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلاَّ تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بـِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ) [سورة فصلت : 30]
وقال تعالى : ( فَلَوْلا إِذا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ * وَأَنتُمْ حِينَئِذٍ تَنظُرُونَ * وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنكُمْ وَلَكِن لا تُبْصِرُونَ* فَلَوْلا إِن كُنتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ * تَرْجِعُونَهَا إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ * فَأَمَّا إِن كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبينَ * فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ) [سورة الواقعة: 83 ، 89] .
وعن البراء بن عازب : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في المؤمن إذا أجاب الملكين في قبره : ( ينادي منادٍ من السماء : أن صدق عبدي ، فأفرشوه من الجنة ، وألبسوه من الجنة ، وافتحوا له بابـًا إلى الجنة ، قال: فيأتيه من رَوحها وطِـيبها ، ويفسحُ له
في قبره مدَّ بصره ) (7) .

- يُنادِي مُنادٍ مِنَ السماءِ : أَنْ صَدَقَ عَبْدِي ، فَأَفْرِشوه مِنَ الجنَّةِ ، وافْتَحوا له بابًا إلى الجنَّةِ ، قال : فَيَأْتِيه مِنْ رَوْحِها وطِيبِها
"يُنادِي مُنادٍ مِنَ السماءِ : أَنْ صَدَقَ عَبْدِي ، فَأَفْرِشوه مِنَ الجنَّةِ ، وافْتَحوا له بابًا إلى الجنَّةِ ، قال : فَيَأْتِيه مِنْ رَوْحِها وطِيبِها"
الراوي: البراء بن عازب المحدث:الألباني - المصدر: شرح الطحاوية - الصفحة أو الرقم: 421-خلاصة حكم المحدث: صحيح
الدرر السنية

----------



(5) (أو) للشك من الراوي كما في الصحيحين .

(6) رواه مسلم ، كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها ، باب عرض مقعد الميت من الجنة أو النار عليه ، و إثبات عذاب القبر ، و التعوذ منه ، رقم ( 7142) .
(7) رواه أحمد ، كتاب حديث البراء بن عازب ، رقم : (18063)، وأبو داود ، كتـاب أول كتـاب السنــة ، باب المسألـة في القبر وعـذاب القبـر ، رقـم : ( 4753) .

1 -" يُنادِي مُنادٍ مِنَ السماءِ : أَنْ صَدَقَ عَبْدِي ، فَأَفْرِشوه مِنَ الجنَّةِ ، وافْتَحوا له بابًا إلى الجنَّةِ ، قال : فَيَأْتِيه مِنْ رَوْحِها وطِيبِها"
الراوي: البراء بن عازب المحدث:الألباني - المصدر: شرح الطحاوية - الصفحة أو الرقم: 421-خلاصة حكم المحدث: صحيح
الدرر السنية


التعديل الأخير تم بواسطة أم أبي التراب ; 03-18-2013 الساعة 04:10 AM
  #30  
قديم 02-26-2013, 05:13 AM
الصورة الرمزية أم أبي التراب
أم أبي التراب أم أبي التراب غير متواجد حالياً
مدير
 
تاريخ التسجيل: Jul 2010
المشاركات: 4,023

مجلس 24

30 ربيع الثاني 1434 هـ


وقد ضلَّ قوم من أهل الزَّيغ فأنكروا عذاب القبر ، ونعيمه ، زاعمين أن ذلك غير ممكن لمخالفته الواقع ، قالوا : فإنه لو كشف عن الميِّت في قبره ؛ لوجد كما كان عليه ، والقبر لم يتغير بـِسِعَةٍ ، ولا ضِـيق .
وهذا الزعم باطل ؛ بالشرع ، والحس ، و العقل :
أما الشرع : فقد سبقت النصوص الدالة على ثبوت عذاب القبر ، ونعيمه .
وفي صحيح البخاري - من حديث - ابن عباس ، قال : ( خرج النبي صلى الله عليه وسلم من بعض حيطان المدينة ؛ فسمع صوت إنسانين يُعَذبَانِ في قبورهما) وذكر الحديث ، وفيه : ) أن أحدهما كان لا يستتر من البول ) وفي رواية : (من بوله) ، وأن الآخر كان يمشي بالنميمة ) وفي رواية لمسلم : ( لا يستنزه من البول )(8) .
وأما الحس : فإن النائم يرى في منامه أنه كان في مكان فسيح بهيج ، يتنعم فيه ، أو أنه كان في مكان ضيق موحش ، يتألم منه ، وربما يستيقظ أحيانـًا مما رأى، ومع ذلك فهو على فراشه في حجرته على ما هو عليه ، والنوم أخو الموت ، ولهذا سماه الله تعالى : (وفاة) قال الله تعالى : (اللَّهُ يَتَوَفَّى الأنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الأخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى) [سورة الزمر : 42] .
وأما العقل : فإن النائم في منامه يرى الرؤيا الحق المطابقة للواقع ، وربما رأى النبي صلى الله عليه وسلم على صفته ، ومن رآه على صفته ؛ فقد رآه حقًّا ، ومع ذلك ، فالنائم في حجرته على فراشه بعيدٌ عما رأى ، فإذا كان هذا ممكنـًا في أحوال الدنيا ؛ أفلا يكون ممكنـًا في أحوال الآخرة ؟!
وأما اعتمادهم فيما زعموه على أنه لو كشف عن الميِّت في قبره ؛ لوجد كما كان عليه ، والقبر لم يتغير بسعة ولا ضيق ؛ فجوابه من وجوه منها :
الأول: أنه لا تجوز معارضة ما جاء به الشرع ، بمثل هذه الشبهات الداحضة التي لو تأمَّل المعارض بها ما جاء به الشرع حقَّ التأمل ؛ لعلم بطلان هذه الشبهات ، وقد قيل :
وكم من عائبٍ قولاً صحيحـًا وآفته من الفَهمِ السقيمِ
الثاني : أن أحوال البرزخ من أمور الغيب التي لا يدركها الحسُّ ، ولو كانت تدرك بالحس ؛ لفاتت فائدة الإيمان بالغيب ، ولتساوى المؤمنون بالغيب ، و الجاحدون في التصديق بها .
الثالث: أن العذاب ، والنعيم ، وسعة القبر ، وضيقه ؛ إنما يدركها الميِّتُ دون غيره ، وهذا كما يرى النائم في منامه أنه في مكان ضيِّق موحش ، أو في مكان واسع بهيج ، والذي حوله لا يرى ذلك ولا يشعر به ، ولقد كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يوحى إليه ، وهو بين أصحابه ؛ فيسمعُ الوحي ، ولا يسمعهُ الصحابة ، وربما يتمثَّل له الملك رجلاً فيكلِّمه ، والصحابة لا يرونَ الملك ، ولا يسمعونه .
الرابع : أن إدراك الخلق محدود بما مكنهم الله تعالى من إدراكه ، ولا يمكن أن يدركوا كل موجـود ، فالسموات السَّبع ، والأرض ، ومن فيهن ، وكل شـيء يسبحُ بحمد الله تسبيحـًا حقيقيـًّا ، يُسمعه الله تعالى من شاء من خلقه أحيانـًا ، ومع ذلك هو محجوب عنا ، وفي ذلك يقول الله تعالى : (
تُسَبِّحُ لَهُ السَّمواتُ السَّبْعُ وَالأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بـِحَمْـدِهِ وَلَكِـن لاَّ تَفْقَهُـونَ تَسْبيحَهُمْ) [سورة الإسـراء : 44] ، وهكذا الشياطين ، والجن يسعون في الأرض ذهابـًا وإيابـًا ، وقد حضرت الجن إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم واستمعوا لقراءته ، وأنصتُوا ، وولَّوا إلى قومهم منذرين، ومع هذا ؛ فهم محجوبون عنا ، وفي ذلك يقول الله تعالى : (يَا بَنِي آدَمَ لاَ يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِّنَ الْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْءَاتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبيلُهُ مِنْ حَيْثُ لاَ تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاء لِلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ)[سورة الأعراف:27] ، وإذا كان الخلق لا يدركون كل موجود ؛ فإنه لا يجوز أن ينكروا ما ثبت من أمور الغيب ، ولم يدركوه .

______________

(8) رواه البخاري ، كتاب الأدب ، باب النميمة من الكبائر ، رقم (5708) ، ورواه مسلم، كتاب الطهارة ، باب الدليل على نجاسة البول ووجوب الاستبراء منه ، رقم (676) .
1 - مرَّ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بحائطٍ مِن حيطانِ المدينةِ ، أو مكةَ ، فسمِع صوتَ إنسانَينِ يُعَذَّبانِ في قُبورِهما، فقال النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم : يُعَذَّبانِ وما يُعَذَّبانِ في كبيرٍ . ثم قال : بلَى ، كان أحدُهما لا يَستَتِرُ من بوْلِه، وكان الآخَرُ يمشي بالنَّميمَةِ . ثم دَعا بجَريدَةٍ، فكسَرَها كِسرَتَينِ، فوضَع على كُلِّ قَبرٍ منهما كِسرَةً، فقيل له : يا رسولَ اللهِ ، لِمَ فعَلتَ هذا ؟ قال : لَعلَّه أنْ يُخَفَّفَ عنهما ما لم تَيبَسا أو: إلى أن يَيبَسا .
الراوي: عبدالله بن عباس المحدث:البخاري - المصدر: صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 216-خلاصة حكم المحدث: [صحيح]هنا

الشيخ محمد بن صالح بن العثيمين



التعديل الأخير تم بواسطة أم أبي التراب ; 03-18-2013 الساعة 04:28 AM
موضوع مغلق


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع



أوقات الصلاة لأكثر من 6 ملايين مدينة في أنحاء العالم
الدولة:

الساعة الآن 07:46 AM بتوقيت مسقط


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. Designed & TranZ By Almuhajir
Powered & Developed By Advanced Technology