زيارةُ قبر النبي صلى الله عليه وسلّم
وقبري صاحبيه رضي الله عنهما
بعد أن يُصلي في المسجد النبوي
أول قدومه ما شاء الله أن يُصلي
يذهبُ للسلام عن النبي صلى الله عليه وسلّم
وصاحبيه أبي بكر وعُمر رضي الله عنهما
1 ـ فيقفُ أمامَ قبر النبي صلى الله عليه وسلّم
مُستقبلاً للقبر مُستدبراً للقبلةِ
فيقولُ : السلامُ عليك أيها النبي ورحمةُ الله وبركاته
وإن زاد شيئاً مناسباً فلا بأس
مثل أن يقول : السلامُ عليكَ يا خليل الله
وأمينه على وحيه، وخيرتَه من خلقِهِ
أشهد أنك قد بلغت الرسالة، وأديت الأمانة
ونَصحت الأمة، وجاهدت في الله حق جهاده
وإن أقتصر على الأول فَحَسَنٌ
وكان ابن عمر رضي الله عنهما إذا سلم
يقول : السلامُ عليك يا رسول الله
السلامُ عليك يا أبا بكر، السلامُ عليك يا أَبَتِ
ثم ينصرفُ.
2 ـ ثم يخطو خطوةً عن يمينه
ليكون أمام أبي بكر رضي الله عنه
فيقول : السلام عليك يا أبا بكر
السلامُ عليك يا خليفةَ
رسول الله صلى الله عليه وسلّم في أُمته
رضي الله عنك وجزاك عن أُمة محمدٍ خيراً.
3 ـ ثم يخطو خطوةً عن يمينهِ ليكونَ
أمام عُمَرَ رضي الله عنه فيقول : السلامُ عليك يا عمر
السلام عليك يا أمير المؤمنين
رضي الله عنك وجزاكَ عن أُمّة محمدٍ خيراً
وليكن سلامُهُ على النبي صلى الله عليه وسلّم
وصاحبيه بأدبٍ، وخفض صوت
فإن رفع الصوت في المساجد منهيٌّ عنه
لا سيما في مسجد رسولِ الله صلى الله عليه وسلّم، وعند قبره
وفي (صحيح البخاري)
عن السائب بن يزيد قال : كنت قائما أو نائماً في المسجد فَحصبني رجلٌ فنظرتُ فإذا عُمر بن الخطاب
فقال : اذهب فأتني بهذين
فجئتهُ بهما فقال : مَن أنتما ؟
قالا : من أهلِ الطائفِ،
قال : لو كنتُما من أهل البلد لأوجعتكما جَلداً
ترفعان أصواتكما
في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلّم(1)
ولا ينبغي إطالة الوقوف والدعاء
عند قبر الرسول صلى الله عليه وسلّم وقبري صاحبيه
فقد كرهه مالكٌ وقال : هو بدعةٌ لم يفعلها السلف
ولن يُصلح آخِرَ هذه الأمةِ إلا ما أصلح أولها
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله
وكره مالكٌ لأهل المدينة كلما دخل إنسان المسجد
أن يأتي إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلّم
لأن السلف لم يكونوا يفعلون ذلك
بل كانوا يأتون إلى مسجده فيصلون
فيه خلف أبي بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم
وهم يقولون في الصلاة
السلامُ عليك أيها النبي ورحمةُ الله وبركاته
ثم إذا قَضوا الصلاة قعدوا أو خرجوا ولم يكونوا يأتون
القبر للسلامِ لعلمهم أن الصلاة والسلام عليه في الصلاة
أكمل وأفضل
قال : وكان أصحابه خيرَ القرون
وهم أعلمُ الأمة بسنتِهِ، وأطوعُ الأمة لأمره
قلت : وأقواهم في تعظيمه ومحبته
وكانوا إذا دخلوا إلى مسجده لا يذهبُ أحدٌ منهم إلى قبره
لا من داخل الحجرة ولا من خارجها
وكانت الحُجرة في زمانهم يُدخَلُ إليها من الباب
إلى أن بُني الحائط الاخرُ
وهم مع ذلك التمكن من الوصول إلى قبره لا يدخلون إليه
لا لسلامٍ، ولا لصلاةٍ عليه، ولا لدعاء لأنفُسهم
ولا لسؤالٍ عن حديثٍ أو علم !
ولم يكن أحدٌ من الصحابة رضوان الله عليهم
يأتيه ويسألهُ عن بعض ما تنازعوا فيه، كما أنهم أيضاً
لم يطمع الشيطان فيهم
فيقولُ : اطلبوا منه أن يأتي لكم بالمطر
ولا أن يستنصر لكم
ولا أن يستغفرَ كما كانوا في حياته يطلبون
منه أن يستسقي لهم، وأن يستنصَر لهم
قال : وكان الصحابةُ إذا أراد أحدٌ أن يدعُوَ لنفسه
استقبل القبلة ودعا في مسجده كما كانوا يفعلون في حياته
لا يقصدون الدعاء عند الحجرة
ولا يدخل أحدهم إلى القبر
قال : وكانوا يَقدُمون من الأسفارِ للاجتماعِ بالخلفاء الراشدين
وغير ذلك، فَيُصلون في مسجده ويُسَلّمون عليه في الصلاة
وعند دخولهم المسجدَ والخروج منه، ولا يأتون القبرَ؛
إذ كان هذا عندهم مما لم يأمرهم به
ولكن ابن عمر كان يأتيه فَيُسلّم عليه وعلى صاحبيه
عند قدومهِ من السفر، وقد يكون فَعله غير ابن عمر أيضاً
ولم يكن جمهورُ الصحابة يفعلون
كما فَعَلَ ابنُ عمر رضي الله عنهما
ولا يتمسح بجدار الحجرة، ولا يقبله
فإن ذلك إن فعله عبادةً لله
وتعظيماً لرسول الله صلى الله عليه وسلّم، فهو بدعةٌ
وكل بدعةٍ ضلالةٌ
وقد أنكر ابن عباس رضي الله عنهما
على مُعاوية رضي الله عنه
مَسحَ الركنينِ الشامي والغربي من الكعبة
مع أن جنسَ ذلك مشروعٌ في الركنين اليمانيين
وليس تعظيمُ رسول الله صلى الله عليه وسلّم ومحبته
بمسح جدران حُجرةٍ لم تُبْنَ إلا بعد عهده بقرونٍ
وإنما محبته وتعظيمه باتباعهِ ظاهراً وباطناً
وعدمِ الابتداع في دينه ما لم يشرعه
قال الله تعالى
{قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِى يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ
وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}
( آل عمران31)
وأمّا إن كان مسحُ جدار الحجرة وتقبيله مُجرد عاطفةٍ أو عبثٍ
فهو سفهٌ وضلالٌ لا فائدةَ فيه، بل فيه ضررٌ وتغريرٌ للجهال
ولا يدعو رسولَ الله صلى الله عليه وسلّم بجلبِ منفعةٍ له
أو دفعِ مضرةٍ، فإن ذلك من الشركِ
قال الله تعالى
{وَقَالَ رَبُّكُـمْ ادْعُونِى أَسْتَجِبْ لَكُمْ
إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِى سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَخِرِينَ }
(غافر60 )
وقال تعالى
{وَأَنَّ الْمَسَـجِدَ لِلَّهِ فَلاَ تَدْعُواْ مَعَ اللَّهِ أَحَداً}
{سورة الجن/18}
وأمرَ الله نبيه صلى الله عليه وسلّم أن يعلنَ لأُمته بأنه
لا يملكُ لنفسهِ نفعاً ولا ضَرّاً
فقال تعالى
{قُل لاَ أَمْلِكُ لِنَفْسِى نَفْعًا وَلاَ ضَرًّا إِلاَّ مَا شَآءَ اللَّهُ
وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ
وَمَا مَسَّنِىَ السُّوءُ إِنْ أَنَاْ إِلاَّ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ
لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} (188 الأعراف)
وإذا كان لا يملكُ ذلك لنفسه
فلا يمكن أن يملكَه لغيره.
---
(1)الراوي: السائب بن يزيد الثقفي المحدث: البخاري
المصدر: صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 470
خلاصة حكم المحدث: [صحيح]