قواعد قرآنية :
القاعدة الثامنة:
🔅 * {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى}* [الزمر:7].
هذه قاعدة قرآنية عظيمة، تؤسس لمبدأ من أشرف المبادئ، وهو مبدأ العدل، وهي قاعدة طالما استشهد بها العلماء والحكماء؛ لعظيم أثرها في باب العدل والإنصاف،
💡ومعنى هذه القاعدة باختصار: أن المكلّفين إنما يجازَون بأعمالهم إن خيرًا فخير، وإن شرًا فشر، وأنه لا يحمل أحدٌ خطيئة أحد، ما لم يكن سببًا فيها، وهذا من كمال عدل الله -تبارك وتعالى- وحكمته.
🔅وهذا المعنى الذي قررتْه القاعدة لا يُعارِض ما دلّ عليه قوله تعالى: {وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالًا مَعَ أَثْقَالِهِمْ} [العنكبوت:13]،
🔅وقولُه: {وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ} [النحل:25]؛
⇦لأنّ هذه النصوص تدلُّ على أن الإنسان يتحمل إثم ما ارتكب من ذنوب، وإثم الذين أضلَّهُم بقوله وفعله، كما أنّ الدُّعاة إلى الهدى يُثيبهم الله على عملهم وعمل من اهتدى بهديهم، واستفاد من علمهم.
🎯 وإليك هذه الصورة التي قد تتكرر كثيرًا في واقع بيوتنا:
يعود الرجل من عمله متعبًا، فيدخل البيت فيجد ما لا يعجبه من بعض أطفاله -إما من إتلاف تحفة، أو تحطيم زجاجة- أو يرى ما لا يعجبه من قِبَلِ زوجته -كتأخرها في إعداد الطعام، أو غير ذلك من الأمور التي قد تستثير بعض الناس-
⚠️ فإذا افترضنا أن هذه المواقف مما تستثير الغضب، أو أن هناك خطأ يستحقّ التنبيه، أو التوبيخ، فما ذنب بقية الأولاد الذين لم يشاركوا في كسر تلك التحفة -مثلًا-؟! وما ذنب الزوجة -مثلًا- حينما يكون المخطئ هم الأولاد؟!
◁◁ومثله يقال في علاقة المعلم والمعلمة مع طلابهم، أو المسؤول في عمله، بحيث لا ينقلوا مشاكلهم إلى أماكن عملهم، فيكون مَن تحت أيديهم من الطلاب والطالبات أو الموظفين ضحية لمشاكل ليس لهم علاقة بها!!
💡هنا يستحضر المؤمن أمورًا، من أهمها: أن يتذكر هذه القاعدة القرآنية العظيمة: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} ؛ فإن هذا خيرٌ وأحسن تأويلًا، وأقرب إلى العدل و القسط
⚠️ وثمّة فهمٌ خاطئ لهذه القاعدة القرآنية:
وهو أنّ البعض يظن أن هذه القاعدة مخالفة لما يراه من بعض العقوبات الإلهية التي تعمّ مجتمعًا من المجتمعات، أو بلدًا من البلدان، حينما تفشو المنكرات والفواحش والمعاصي،
وسبب خطأ هذا الفهم، أن المنكر إذا استعلن به الناس، ولم يوجد من ينكره، فإن هذا ذنب عظيمٌ اشترك فيه كلُّ من كان قادرًا على الإنكار ولم ينكر، سواء كان الإنكار باليد أو باللسان أو بالقلب وذلك أضعف الإيمان، ولا عُذر لأحد بترك إنكار القلب،
⇦فإذا خلا المجتمع من هذه الأصناف الثلاثة -عياذًا بالله- مع قدرة أهلها عليها استحقوا العقوبة، وإن وجد فيهم بعض الصالحين.
🔅تأمل معي قول الله: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [الأنفال:25].
🔅ويوضّح معنى هذه الآية الكريمة ما رواه الإمام أحمد: بسند حسن -كما يقول الحافظ ابن حجر- من حديث عدي بن عميرة سمعت رسول الله -ﷺ- يقول: "إن الله -ﷻ- لا يعذّب العامة بعمل الخاصة، حتى يروا المنكر بين ظهرانيهم -وهم قادرون على أن ينكروه- فإذا فعلوا ذلك عذَّب الله الخاصة والعامة".
🔅وفي صحيح مسلم عن زينب بنت جحش -رضي الله عنها- أنها سألت رسول الله ﷺ فقالت له: يا رسول الله! أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: "نعم إذا كثر الخبث".
والأحاديث في هذا المعنى كثيرة، يضيق المقام بذكرها، والمقصود إزالة هذا الإشكال الذي قد يعرض للبعض في فهم هذه القاعدة القرآنية، والله أعلم.
"من كتاب "قواعد قرآنية" - د.عمر المقبل (باختصار)".
ღ قوت القلوب ღ
|