ملتقى قطرات العلم النسائي
 
 

الـــمـــصـــحـــــف الـــجـــامـــع
مـــصـــحـــــف آيـــــات
موقع الدرر السنية للبحث عن تحقيق حديث

العودة   ملتقى قطرات العلم النسائي > ::الملتقى العام:: > ملتقى القرآن وعلومه

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #11  
قديم 01-22-2024, 12:15 AM
أم حذيفة أم حذيفة غير متواجد حالياً
مشرفة قسم الحديث
 
تاريخ التسجيل: Jul 2010
المشاركات: 2,679
افتراضي

القاعدة الحادية عشرة:

🔅 {وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَىٰ}
[طه:69]

📌هذه قاعدة من القواعد القرآنية المحكمة، والتي يتعين إبرازها للناس، وخصوصًا في هذا الزمن الذي راجت فيه سوق السحرة والمشعوذين!

❗كم هي الآيات التي تحدثت عن السِّحر والسَّحَرة في كتاب الله تعالى، وأخبرت عن ضلالهم، وخسارتهم في الدنيا والآخرة! ومع هذا فيتعجب المؤمن كثيرًا؛ من رواج سوق السحر والسحرة في بلاد الإسلام!

🔻وليس العجب من وجود ساحر أو ساحرة؛ فهذا لم يخلُ منه أفضل الأزمان، وهو الزمن الذي عاش فيه النبي -ﷺ- فضلًا عن غيره، وليس العجبُ -أيضًا- من ساحر يسعى لكسب الأموال بأي طريق؛

‼لكن العجب من أمّة تقرأ هذا الكتاب العظيم، وتقرأ ما فيه من آيات صريحة واضحة في التحذير من السحر وأهله، وبيان سوء عاقبتهم ومآلهم في الدنيا والآخرة، ومع ذلك يقفون أمام عتبات أولئك السحرة المجرمين!! سواء أمام بيوتهم، أم أمام شاشات قنوات السحر والشعوذة، والتي راجت سوقها منذ فترة من الزمن! يلتمسون منهم التسبُّب في إيقاع الضر بأحد أو إزالته عن آخر، وكأن هؤلاء لم يقرؤوا قول الله -تعالى-:

🔅 {وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ}
[البقرة:102]!

⚠إن مرور الإنسان بحالة مرضية صعبة، أو حالة نفسية شديدة، لا يبيح له بحال أن يرد هذه السوق الكاسدة -سوق السحرة- وكيف يُرجى الربح من أناس حكم عليهم ربهم بالخسران؟! وإن الله -تعالى- أرحم وأحكم من أن يحرّم عليهم إتيان السحرة، ولا ينزل لهم دواء لما ابتلوا به!

🔅عن أبي هريرة أن النبي -ﷺ- قال: "ما أنزل الله داءً إلا أنزل له شفاء" [رواه البخاري].

💡إنَّ مَن أيقنَ بأنَّ الساحر لا يفلح حيثُ أتى، وأيقنَ بأنه لا يفلح الساحرون، دفعه هذا إلى أمورٍ، من أهمها:

▪البُعد عن إتيان هذا الصّنف من الناس الذين نفى الله فلاحهم في الدنيا والآخرة -بغية علاج أو نحوه- وكيف يُرتجى النفع ممن حكم عليه رب العالمين بأنه خاسر في الدنيا والآخرة!!

▪الحذر من التفكير في ممارسة شيء من أنواع السحر، مهما كان المبرّر، سواء بقصد العطف، أو الصرف -كما تفعله بعض النساء- وتظن أن قصدَ استمالةِ الزوجِ، أو منعِه من الزواج عليها، ونحو ذلك من الشبه، أن ذلك يبيح لها ما تصنع، فإن هذا كله من تزيين الشيطان وتلبيسه.

▪ليعلم كل من يمارس السحر أو تسبب في فعله ذلك أنه على خطر عظيم، وأنه قد باع دينه بثمن بخس، وأن الشياطين هم شيوخه وأساتذته في عمله هذا!

▪إن ضعفت النفس لحظة، وزيَّن الشيطان لها شيئًا من هذه الأفعال المنكرة، فليبادر بالتوبة الآن، وليقلع عن هذا العمل الباطل، وليتحلل ممن لحقه الأذى من جراء هذا الفعل، قبل أن لا يكون دينار ولا درهم، وقبل أن يوقف للحساب بين يدي من لا تخفى عليه خافية، الذي يعلم من هو الساحر؟ ومن هو المسحور؟ ومن هو المتسبب في ذلك كله! فيقتص للمظلوم من ظالمه، حين تكون الحسنة أغلى من الدنيا وما عليها!

▪إن يقين المؤمن بهذه القاعدة مما يقوي عبادة التوكل عنده، وعدم الخوف من إرهاب هذا الصنف الحقير من الناس، وهم السحرة، ويتذكر عندها قول الله -عز وجل-: {أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ}؟ والجواب: بلى والله.

📍ومما يحسن تأمله والتفكرُ فيه: أن هؤلاء السحرة رغم ما يملكون من الأموال، وما يعيشونه من سكرة التفات الناس إليهم، إلا أنهم من أتعس الناس حياةً، وأخبثهم نفوسًا، ولا عجب! فمن سلّم قياده للشياطين، وكفر برب العالمين، كيف يسعد أو كيف يفلح؟!

"من كتاب "قواعد قرآنية" - د.عمر المقبل (باختصار)".

ღ قوت القلوب
رد مع اقتباس
  #12  
قديم 01-22-2024, 12:15 AM
أم حذيفة أم حذيفة غير متواجد حالياً
مشرفة قسم الحديث
 
تاريخ التسجيل: Jul 2010
المشاركات: 2,679
افتراضي

قاعدة الثانية عشرة:

🔅* {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ}* [الحجرات:13]

📌هذه الآية العظيمة جاءت في سورة الحجرات، -وإن شئت فسمِّها: جامعة الآداب-، فبعد أن ذكر الله جملةً من الآداب العظيمة، والخلال الكريمة، ونهى عن جملة من الأخلاق الرذيلة، والطباع السيئة، قال -مقررًا الأصل الجامع الذي تنطلق منه الأخلاق الحسنة، وتضعف معه أو تتلاشى الأخلاق السيئة، وأنه معيار التفاضل والكرامة عند الله-: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} [الحجرات:13].

💡لن يتبيَّنَ لك موقع هذه الآية الكريمة إلا إذا استعرضتَ في ذهنك شيئًا من الموازين التي كان يتعامل بها عرب الجاهلية في نظرتهم لغيرهم من غير قبائلهم، سواء كانوا من قبائل أخرى أقل منهم درجة في النسب، أو في نظرتهم للأعاجم، أو في تعاملهم مع العبيد والموالي!

🔅وإليك هذا الموقف الذي وقع في حياة النبي ﷺ وحدّث به الصحابي صادق اللهجة أبو ذر -رضي الله عنه- قال: إنه كان بيني وبين رجل من إخواني كلام، وكانت أمّه أعجمية فعيَّرتُه بأمِّه، فشكاني إلى النبي -ﷺ-، فلقيت النبي ﷺ فقال: "يا أبا ذر إنك امرؤ فيك جاهلية"! قلتُ: "يا رسول الله، مَن سبّ الرجالَ سبوا أباه وأمه"، قال: "يا أبا ذر إنك امرؤ فيك جاهلية، هم إخوانكم جعلهم الله تحت أيديكم فأطعموهم مما تأكلون، وألبسوهم مما تلبسون، ولا تكلفوهم ما يغلبهم، فإن كلفتموهم فأعينوهم" [الراوي : أبو ذر الغفاري | المحدث : مسلم | المصدر : صحيح مسلم | الصفحة أو الرقم : 1661 | خلاصة حكم المحدث : [صحيح]].

💡فهذا أبو ذر مع صدق إيمانه، وسابقته في الإسلام، لامَه النبي ﷺ، وعاتبه لما خالف هذه القاعدة القرآنية العظيمة، وعيّر الرجل بمنطق أهل الجاهلية!

🔅أما سيرة أصحابِهِ -رضي الله عنهم- والتابعين لهم بإحسان فالمواقف فيها كثيرة وعظيمة، أكتفي منها بهذا الموقف:

كان علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب -رضي الله عنهم -المعروف بـ"زين العابدين"، وهو من سكان مدينة النبي ﷺ- إذا دخل المسجد، يتخطى حِلَق قومه من قريش، حتى يأتي حلقة زيد بن أسلم -وهو مولى لكنه من علماء المدينة الكبار في زمانه- فيجلس عنده، فكأنَّ بعض الناس لامه: "كيف تجلس -وأنت الرجل القرشي وحفيد النبي ﷺ- عند رجل من الموالي؟!"؛ فقال كلمةً مِلؤها العقل: "إنّما يجلس الرجل إلى من ينفعه في دينه".

💡إنَّ مِن عظمة هذا الدين أنه لم يربط مكانة الإنسان ومنزلته عند الله بشيء لا قدرةَ له به، فالإنسان لا يختار أن يكون شريف النسب -مثلًا-، ولم يربطه بطولٍ ولا قِصَر، ولا وسامة ولا دمامة، ولا غير ذلك من المعايير التي ليست في مقدور البشر، بل ربطه بمعيارٍ هو في مقدور الإنسان.

💬 قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "وليس في كتاب الله آية واحدةٌ يَمدح فيها أحدًا بنسبه، ولا يَذُمُّ أحدًا بنسبه، وإنما يمدحُ الإيمانَ والتقوى، ويذمّ الكفرَ والفسوقَ والعصيان".

⚠ وإنّ مما يؤسَف عليه -في واقعنا المعاصر- وجود أمثلة كثيرة مخالفة لهذه القاعدة الشريفة: (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ) والتي أدَّت إلى ذوبانِ المعايير الشرعية عند البعض!

⇦فليتَّقِ الله مَن يسمع ويقرأ قول ربه: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} من التفاخر المذموم، وليعلم المؤمن أن من بطَّأَ به عمله لم يُسرِع به نسبه.

نسأل الله أن يعيذنا من أخلاق أهل الجاهلية، وأن يرزقنا التأسّي برسوله -ﷺ- في جميع أمورنا.

"من كتاب "قواعد قرآنية" - د.عمر المقبل (باختصار)".

ღ قوت القلوب

التعديل الأخير تم بواسطة أم حذيفة ; 01-22-2024 الساعة 10:16 PM
رد مع اقتباس
  #13  
قديم 01-23-2024, 10:34 PM
أم حذيفة أم حذيفة غير متواجد حالياً
مشرفة قسم الحديث
 
تاريخ التسجيل: Jul 2010
المشاركات: 2,679
افتراضي

القاعدة الثالثة عشرة:

🔅 {آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا} [النساء:11]

📌هذه قاعدة من القواعد القرآنية، تُوقِفُ العبدَ على شيءٍ من عظمة الله -تعالى- في خلقه وحِكمته في شرعه، وتُوقف العبد على قصوره في علمه.

وهذه القاعدة جاءت في سياق آيات الفرائض في صدر سورة النساء، والمعنى:

🔅{آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ} يعني: الذين يرثونكم من الآباء والأبناء، {لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا} أي: لا تعلمون أيّهم أنفع لكم في الدين والدنيا، فمنكم من يظن أن الأب أنفع له، فيكون الابن أنفع له، ومنكم من يظن أن الابن أنفع له فيكون الأب أنفع له، وأنا العالِم بمن هو أنفع لكم، وقد دبَّرت أمركم على ما فيه المصلحة فاتّبعوه.

💡ولو رُدَّ تقدير الإرث إلى عقولكم واختياركم لحصل من الضرر ما الله به عليم؛ لنقص العقول وعدم معرفتها بما هو اللائق الأحسن، في كل زمان ومكان.

🎯 من تطبيقات هذه القاعدة:

1- أنَّ بعض الآباء قد تكون خلفته من الذرية بنات فقط؛ فيضيق لذلك صدره، ويغتمّ لهذا الابتلاء، فتأتي هذه القاعدة لتسكب في قلبه اليقين والرضا، وكم من بنتٍ كانت أنفع لوالديها من عددٍ من الأبناء! والواقع شاهدٌ بذلك.

💡وأمّا في الآخرة فالأمر أعظم، قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: "أطوعكم لله -ﷻ- من الآباء والأبناء أرفعكم درجة يوم القيامة، والله -تعالى- يُشَفِّع المؤمنين بعضهم في بعض"، فإن كان الوالد أرفع درجة في الجنة رُفع إليه ولده، وإن كان الولد أرفع درجة رُفع إليه والده لتقر بذلك أعينهم.

2-والآية سلوة لأولئك الذين ابتلوا بأولاد معاقين، سواء كانت إعاقتهم سمعيةً أو بصريةً أو عقليةً أو بدنية، فقد يكون هذا المعاق أقرب لهم نفعًا في الدنيا قبل الآخرة!

💡فكم فتحت هذه الابتلاءات لوالديّ هؤلاء المعاقين من لذة التعلق بالله، ومناجاته، ورجائه الفرج! وكم ربّت في نفوسهم من معاني الصبر والاحتمال ما لم تكن تحصل لهم لولا هذه الابتلاءات!

ولعلّ أمثال هذه الابتلاءات بهؤلاء المعاقين تكون سببًا في رفعة درجاتهم عند الله -تعالى- رفعةً قد لا تبلغها أعمالهم!

3-ولئن كانت الآية واضحة المعنى في موضوع الابتلاء بالبنات، أو بأبناء فيهم عاهات أو إعاقات، فإنه يمكن أن يقاس عليها أمور أخرى، مثل: الأعمال الصالحة، والمؤلفات، والمقالات، والكلمات، بل والعبادات، فلا يدري الإنسان أي تلك الأعمال، والمؤلفات، والعبادات أكثر نفعًا له في الآخرة.

⇦وهذا كله يدعو العبد لأن يُكثر من أبواب الخير؛ فالإنسان لا يدري أيّ أعماله التي قد تكون سببًا في نيل رضوان الله والجنة،

⚠ولرُبَّ عملٍ كبير لكن داخَلَه ما داخَلَه من حظوظ النفس؛ فلم ينتفع به صاحبه، ولرُبَّ عملٍ قليلٍ عَظُمت فيه النية، وصدَق صاحبها مع الله؛ فأثابه ثوابًا لا يخطر على باله، وفي قصة المرأة البغيّ التي سقت كلبًا أكبر شاهد على ذلك.

"من كتاب "قواعد قرآنية" - د.عمر المقبل (باختصار وتصرُّف)".

ღ قوت القلوب
رد مع اقتباس
  #14  
قديم 01-24-2024, 09:56 PM
أم حذيفة أم حذيفة غير متواجد حالياً
مشرفة قسم الحديث
 
تاريخ التسجيل: Jul 2010
المشاركات: 2,679
افتراضي

لقاعدة الرابعة عشرة:

🔅 {فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ}
[القصص:50]

📌هذه قاعدة من القواعد القرآنية المحكمة، التي تجلّي معنى عظيمًا ومهمًّا في باب التسليم والانقياد لأوامر الله ورسوله، والانقياد لحكم الشريعة.

💡إنّ الحاجة إلى التذكير بهذه القاعدة القرآنية العظيمة من الأهمية بمكان، خصوصًا في هذا العصر الذي كثرت فيه الأهواء، وتنوعت فيه المشارب في التعامل مع النصوص الشرعية بدعاوى كثيرة: فهذا ينصر بدعته، وهذا يروّج لمنهجه في تناول النصوص، وثالث يتتبع الرخص التي توافق مراد نفسه، لا مراد الله ورسوله!

▫لقد أتى على الناس زمانٌ لا يحتاج الشخص ليمتثل الأمر أو يترك النهي إلا أن يُقال له: "قال الله، قال رسوله، قال الصحابة"؛ ⇦فيمتثل وينصاع، ويندر أن تجد من يناقش مناقشة المتملص من الحكم الشرعي،

▪أما اليوم -وقد انفتحت على الناس أبواب كثيرة يتلقون منها المعلومات- وسمعوا أقوالًا متنوعة في المسائل الفقهية، وليست هذه هي المشكلة -فالخلاف قديمٌ جدًا، ولا يمكن إلغاء أمرٍ قدره الله ﷻ-

⚠إلا أنّ المشكلة، بل المصيبة: أنّ بعض الناس وجد في بعض تلك الأقوال -التي قد تكون شاذةً في المقياس الفقهي- فرصةً للأخذ بها؛ بحجة أنه قد وجد في هذه المسألة قولًا يقول بالإباحة! ضاربًا عُرض الحائط بالقول الآخر الذي يكاد يكون إجماعًا أو شبه إجماع من السلف الصالح على تحريم هذا الفعل أو ذاك القول!

هذا فضلًا عن تلك المسائل التي تَبيَّنَ فيها خطأ قائلها من أهل العلم؛ بسبب خفاء النص عليه، أو لغير ذلك من الأسباب المعروفة التي لأجلها يختلف العلماء،

📍ولئن كان ذلك الإمام معذورًا مأجورًا -لخفاء النص عليه أو لغير ذلك من الأسباب- فما عُذْرُ من بلغه النص عن الله أو عن رسوله؟!

💬 لقد جرى لي مرةً حوار عارض مع بعض هذه الفئة، التي أخذت تخوض عمليًا في جملةٍ من المسائل المخالفة لما عليه جماهير العلماء، فقلتُ له: يا هذا! دعنا من البحث الفقهي المحض، وأخبرني عن قلبك: كيف تجده وأنت تفعل ما تفعل؟!
فأقسَمَ لي بالله: أنه غير مرتاح! وإنما يخادع نفسه بأن الشيخ الفلاني يفتي بهذا، وهو في قرارة نفسه غير مطمئن لتلك الفتوى! فقلتُ له: يا هذا، إن العالِم الذي قال بهذه المسألة معذور؛ لأنّ هذا هو مبلغ علمه، ولكن انجُ بنفسك، فإن صنيعك هذا هو الذي قال العلماء: إنه تتبّع الرخص، وذمّوا فاعله، بل جعلوا هذا الفعل نوعًا من النفاق واتباع الهوى .

📌ومن تَّأمل كلمة الهوى في القرآن الكريم، لم يجدها ذُكِرت إلا في موطن الذمّ! ولهذا حذَّر الله نبيًا من خيرة أنبيائه من هذا الداء القلبي الخطير فقال: {يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ}
[ص:26]!
فمن يأمن على نفسه من الهوى بعد ذلك؟!

ولو أن رجلًا أخذ برخص الفقهاء من عدة مذاهب في مسائل متنوعة، لاجتمع فيه شرٌّ عظيم، ولأصبح دينه مرقعًا ورقيقًا!

وليتذكر المؤمن جيدًا -وهو يسلك مسلك تتبع الرخص- أنه إنما يفعل ما يفعل، ويترك ما يترك ديانةً لله، وقيامًا بواجب العبودية لهذا الربّ العظيم، فكيف يرضى العبد أن يتعامل مع ربه بدينٍ شعاره الهوى؟!

💡وقبل أن نختم الحديث عن هذه القاعدة العظيمة، يجب أن نتنبه لأمرين:

▫الأول: الحذر من تنزيل هذه القاعدة على المسائل الشرعية التي الخلاف فيها معتبر ومعروف عند أهل العلم.

▫الثاني: أنَّ المقصود بالذمّ هنا، هو من اتبع هواه في الاستفتاء، بحيث يتنقل بين المفتين، فإن وافقت الفتيا ما في نفسه طبقها، وإلا بحث عن آخر حتى يجد من يفتيه، وهذا هو اتباع الهوى بعينه، نعوذ بالله من اتباع الهوى، ونسأله -سبحانه وتعالى- أن يجعل اتباع الحقِّ رائدنا وغايتنا.

"من كتاب "قواعد قرآنية" - د.عمر المقبل (باختصار)".

ღ قوت القلوب
رد مع اقتباس
  #15  
قديم 01-25-2024, 11:19 PM
أم حذيفة أم حذيفة غير متواجد حالياً
مشرفة قسم الحديث
 
تاريخ التسجيل: Jul 2010
المشاركات: 2,679
افتراضي

القاعدة الخامسة عشرة:

🔅 {وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} [الأعراف:128]

📌هذه قاعدة من القواعد القرآنية المحكمة، التي تبعث الأمل في نفوس أهل الإيمان، وتملأ قلوبهم ثقةً ويقينًا.

ما أحوجنا ونحن نشاهد ما نشاهد -إنْ على المستوى الفردي أو الجماعي- أن نتأمل هذه القاعدة!

▪ ولنبدأ بالإشارة إلى المستوى الجماعي:

فإنّ أمّة الإسلام تمر منذ قرون بحالة من الضعف والتفرق وتسلط الأعداء على كثير من أبنائها، وهذه حالٌ تجعل بعض الناس من المنتسبين للإسلام قد يبحث عن موطئ قدم خارج دائرة الإسلام؛ فيذهب غربًا أو شرقًا؛ بحثًا عن مبادئ أخرى، ومذاهب مختلفة، لا تَمُت إلى الإسلام بصلة، بسبب شعوره البائس بهزيمة داخلية! ولِما تعانيه الأمة الإسلامية من تفرق وتشرذم! وفي الوقت ذاته: انبهاره بالتقدم المادي، وما يوجد في تلك البلاد من محاسن تتعلق بحقوق الإنسان، وغيرها من المجالات.

❗والمؤلم في أمثال هؤلاء: أنهم لم يروا من حضارة الشرق أو الغرب إلا الجانب الإيجابي والحسن، وعميت أبصارهم، أو تعاموا عن الجوانب المظلمة -وما أكثرها-! هذه الحضارة التي اعتنت بالجسد، وأهملت الروح، وعمرت الدنيا وخربت الآخرة، وسخّرت ما تملكه من أسباب مادية في التسلط على الشعوب المستضعفة، وفرض ثقافتها، وأجندتها على من تشاء!

💡ألا ما أحوج الدول الإسلامية، والجماعات الإسلامية -في بقاع الأرض- إلى أن يتدبروا هذه القاعدة جيدًا، وأن يتأملوا في العواقب التي جناها مخالفوا التقوى في الأنظمة والحكم والسلوك.

🔅ومَن تدبَّر مجيء قوله تعالى -على لسان موسى وهو يخاطب قومه المضطهدين عدة قرون-: {قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} [الأعراف:128]؛ ⇦عرف حاجة الدول والمجتمعات لتدبُّر هذه الآية جيدًا، وأن وعد الله لا يتخلف لمن اتقاه دولًا كانوا أو شعوبًا.

"من كتاب "قواعد قرآنية" - د.عمر المقبل (باختصار)".

ღ قوت القلوب
رد مع اقتباس
  #16  
قديم 01-27-2024, 08:03 PM
أم حذيفة أم حذيفة غير متواجد حالياً
مشرفة قسم الحديث
 
تاريخ التسجيل: Jul 2010
المشاركات: 2,679
افتراضي

القاعدة السادسة عشرة:

🔅 {قُل لَّا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ} [المائدة:100]

📌هذه قاعدة قرآنية عظيمة، يحتاجها الإنسان في مقام التمييز بين الأقوال والأفعال، والسلوكيات والمقالات.

▪والخبيث: ما يُكره بسبب رداءته وخساسته، سواء كان شيئًا محسوسًا، أو شيئًا معنويًا،
⇦فالخبيث إذًا يتناول: كل قول باطلٍ ورديء في الاعتقاد، والكذب في المقال، والقبيح من الفعال، فكل خبيث: لا يحبه الله ولا يرضاه.

▫وإذا تبين معنى الخبيث ههنا؛ فإن الطيب بعكسه فيدخل فيه الواجب والمستحب والمباح -من الأقوال والأفعال والصحيح من المعتقدات- فدخل في هذه القاعدة كل ما يحبه الله تعالى ويرضاه من الواجبات والمستحبات والمباحات.

💡فلا يستوي الإيمان والكفر، ولا الطاعة والمعصية، ولا أهل الجنة وأهل النار، ولا الأعمال الخبيثة والأعمال الطيبة، ولا المال الحرام بالمال الحلال.

🔅وهذه القاعدة القرآنية هي صدر الآية الكريمة: {قُلْ لَا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [المائدة:100]،

❗ولما كان في بعض النفوس ميلٌ إلى بعض الأقوال أو الأفعال أو المكاسب الخبيثة، وكان كثيرٌ من الناس يؤثر العاجل على الآجل، والفاني على الباقي؛

◁◁جاء التحذير من الخبيث بأسلوب عجيب يقطع الطريق على من قد يحتجُّ بكثرة من يتناول هذا الخبيث، فقال ﷻ: {وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ}
وذلك أن في بعض الخبائث شيءٌ من اللذة الحسية أو المعنوية، كالحصول على مالٍ كثير لكن من طريق حرام، أو الوصول إلى اللذة الجسدية عن طريق الزنا، أو الخمر أو غيرهما من الملذات المحرمة، فهذه قد تغري الإنسان، وتعجبه، إلا أنه -مع كثرة مقداره، ولذاذة متناوله- سببٌ للحرمان من السعادات الباقية الأبدية السرمدية .

❗ولعظيم موقع هذه القاعدة وما دلّت عليه، فإن المتأمل للقرآن يجد عجبًا من كثرة التأكيد على العمل بما دلّت عليه هذه القاعدة! ومن ذلك:

1- التأكيد على ضرورة العناية بالمكاسب الطيبة، ولم يستثنِ الله أحدًا من عباده المؤمنين في الحثّ على هذا الأمر.

2- أنّه لا يصحّ -أبدًا- أن نجعل الكثرة مقياسًا لطِيْب شيءٍ ما، وصحّته وسلامته من المحاذير الشرعية، وهذا أمرٌ يصدق على الأقوال والأفعال والمعتقدات، بل يجب أن نحكم على الأشياء بكيفيتها وصفتها وبمدى موافقتها للشرع المطهر.

🔅تأمل -مثلًا- في قلة أتباع الرسل وكثرة أعدائهم: {وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ الله}
[الأنعام:116]،

⇦وهذا مما يؤكّد على الداعية أهمية العناية بالمنهج وسلامته، وأن لا يكون ذلك على حساب كثرة الأتباع! وهذا موضعٌ لا يفقهه إلا من وفقه الله تعالى، ولا يصبر عليه إلا من أعانه الله وسدده؛ لأن في الكثرة فتنة، وفي القلة ابتلاء.

وواللهِ ما في الخبيث من لذّة إلا وفي الطيّب مثلها وأحسن، مع أمْنٍ من سوء العاقبة في الدنيا والآخرة، والعاقل حين يتحرّر من هواه، ويمتلئ قلبه من التقوى ومراقبة الله تعالى؛ فإنه لا يختار إلا الطيب، بل إن نفسه ستعاف الخبيث، ولو كان ذلك على حساب فوات لذات، ولحوق مشقات؛ فينتهي الأمر إلى الفلاح في الدنيا والآخرة، مسليًّا نفسه بقوله تعالى:

🔅 {قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى وَلَا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا}
[النساء:77].

اللهم اجعلنا من الذين طابت أقوالهم وأفعالهم، فطاب منقلبهم ومآلهم.

"من كتاب "قواعد قرآنية" - د.عمر المقبل (باختصار)".

ღ قوت القلوب
رد مع اقتباس
  #17  
قديم 01-28-2024, 08:53 PM
أم حذيفة أم حذيفة غير متواجد حالياً
مشرفة قسم الحديث
 
تاريخ التسجيل: Jul 2010
المشاركات: 2,679
افتراضي

📩 قواعد قرآنية :

القاعدة السابعة عشرة:

🔅 {إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ} [القصص:26]

📌هذه القاعدة القرآنية جاءت في سياق قصة موسى مع صاحب مدين، والذي كان عاجزًا عن طلب الماء فخرجت ابنتاه للسقيا، بيدَ أنهما تأخرتا انتظارًا لصدور الناس عن البئر، إلا أنّ مروءة موسى وشهامته حملته على أن يبادر -من غير أن ينتظر سؤالهما- بقضاء حاجتهما، والسقيِ لهما، فأعجَبَ هذا الفعلُ الفتاتين، فذكرتاه لوالدهما المقعد عن العمل، فأرسل في طلبه، فلما جاء وحدثه بخبره، قالت له إحداهما -وهي العالمة بعجز والدها عن القيام بمهام الرجال-: ﴿يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ﴾
[القصص:26]

💡 وهذا التنصيص على هذين الوصفين هو من وُفُور عقل هذه المرأة التي رأت اكتمال هاتين الصفتين في موسى، فإنهما من المطالب التي يتّفق عليها عقلاء البشر في جميع الأمم والشرائع.


💬 قال شيخ الإسلام ابن تيمية:

«وينبغي أن يُعرف الأصلح في كل منصب؛ فإنّ الولايةَ لها ركنان: القوة والأمانة؛ كما قال تعالى:
﴿إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ﴾ …

📍والقوّة في كل ولايةٍ بحسبها:

◆فالقوّة في إمارة الحرب ترجع إلى شجاعة القلب، وإلى الخبرة بالحروب والمخادعة فيها، وإلى القدرة على أنواع القتال: من رمي وطعنٍ وضربٍ وركوبٍ وكرٍّ وفرّ...

◆ والقوة في الحكم بين الناس ترجع إلى العلم بالعدل الذي دلَّ عليه الكتاب والسنة، وإلى القدرة على تنفيذ الأحكام.

📍والأمانة ترجع إلى خشية الله، وألا يشتري بآياته ثمنًا قليلًا، وتركِ خشية الناس، وهذه الخصال الثلاث التي اتخذها الله على كل من حَكم على الناس في قوله -تعالى-:
{فَلَا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} [المائدة:٤٤]»

💬 وكان ابن تيمية -رحمه الله- قد قال كلمة تكتب بماء الذهب، وهي:

«أنّ المؤدّي للأمانة -مع مخالفة هواه- يثبّته الله، فيحفظه في أهله وماله بعده، والمطيع لهواه يعاقبه الله بنقيض قصده...

▪وفي ذلك الحكاية المشهورة، أن بعض خلفاء بني العباس سأل بعض العلماء أن يحدثه عما أدرك؟

فقال: أدركت عمر بن عبد العزيز، فقيل له: يا أمير المؤمنين أقفرت أفواه بنيك من هذا المال، وتركتهم فقراء لا شيء لهم -وكان في مرض موته- فقال: أدخِلوهم عليَّ، فأدخَلوهم، وهم بضعةَ عشر ذكرًا، ليس فيهم بالغ،

⇚فلما رآهم ذرفت عيناه، ثم قال: يا بَنِيّ! والله ما منعتكم حقًا هو لكم، ولم أكن بالذي آخذ أموال الناس فأدفعها إليكم، وإنما أنتم أحد رجلين: إما صالح، فالله يتولى الصالحين، وإما غير صالح، فلا أترك له ما يستعين به على معصية الله، قوموا عني!

قال هذا العالم -الذي يحكي هذه القصة-: فلقد رأيتُ بعض بنيه حمل على مائة فرس في سبيل الله، يعني أعطاها لمن يغزو عليها!».

💬 قال شيخ الإسلام ابن تيمية: «وفي هذا الباب من الحكايات والوقائع المشاهدة في الزمان والمسموعة عما قبله، ما فيه عبرة لكل ذي لب!».

اللهم ارزقنا فهمَ كتابك والعمل به، واجعلنا ممن يقوم بحق ما ولاه الله عليه.

"من كتاب "قواعد قرآنية" - د.عمر المقبل (باختصار)".

ღ قوت القلوب
رد مع اقتباس
  #18  
قديم 01-30-2024, 04:11 AM
أم حذيفة أم حذيفة غير متواجد حالياً
مشرفة قسم الحديث
 
تاريخ التسجيل: Jul 2010
المشاركات: 2,679
افتراضي

قواعد قرآنية

القاعدة الثامنة عشرة

🔅 *{وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ}* [فاطر:43]

📌تأتي هذه القاعدة القرآنية المحكمة لتبين سنة من سنن الله -تعالى- في تعامل الخلق مع بعضهم؛ وهذا المعنى الذي قررته هذه القاعدة، جاء معناه في آيات أخر من كتاب الله؛

🔅كقوله -تعالى-: *{يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ}* [يونس:23] ، وقولِه -تعالى-: *{فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ}* [الفتح:10]

📍وأما *الأمثلة الفردية* التي تبين معاني هذه القاعدة، فكثيرة *في كتاب الله -تعالى-*، لكن حسبنا أن نشير إلى بعضها، فمن ذلك:

1- ما قَصَّه الله -تعالى- عن مكر إخوة يوسف بأخيهم، فماذا كانت العاقبة؟ يقول تعالى: *{وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ}* [يوسف:102] صحيح أن إخوته تابوا، لكن بعد أن آذوا أباهم وأخاهم بأنواعٍ من الأذى، فعاد مكرهم على غير مرادهم، وفاز بالعاقبة الحسنة، والمآل الحميد مَن صبر وعفا وحلَم.

2- قوله -تعالى- عمَّن أرادوا كيدًا بنبيّ الله عيسى -عليه الصلاة والسلام-: *{وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ}* [آل عمران:54]

3- ولما تحايل المشركون بأنواع الحيل لأذية نبينا-ﷺ- قال الله عنهم: *{وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ* [الأنفال:30]، فكانت العاقبة له -عليه الصلاة والسلام-.

📍وأما في السُنة، وفي التاريخ فكثيرٌ جدًّا، ومن قرأ التاريخ قراءة المتدبر المتأمل؛ وجد من ذلك عِبرًا، وأدرك معنى هذه القاعدة القرآنية المحكمة: *﴿وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ﴾*.

📍 وقد ذكر ابن القيم -رحمه الله- *أمثلةً تطبيقية وعملية من واقع الناس* لهذه القاعدة في سياق حديثه عن المتحايلين على الأحكام الشرعية، كالمتحايلين على أكل الربا ببعض المعاملات، أو يحتالون على بعض الأنكحة، وأمثال هؤلاء، فقال:

«فالمحتال بالباطل مُعَامَلٌ بنقيض قصده شرعًا وقَدَرًا، وقد شاهد الناس عيانًا أنه مَن عاش بالمكر؛ مات بالفقر؛

▫️ولهذا عاقب الله من احتال على إسقاط نصيب المساكين (أصحاب الجنة المذكوين في سورة القلم) وقت الجَداد بحرمانهم الثمرة كلها،

▫️وعاقب من احتال على الصيد المحرَّم بأن مسخهم قردة وخنازير،

▫️وعاقب من احتال على أكل أموال الناس بالربا بأن يمحق ماله، كما قال -تعالى-: ﴿يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ﴾، [البقرة:276]

💡وأصل هذا: أن الله -سبحانه- جعل عقوبات أصحاب الجرائم بضدِّ ما قصدوا له بتلك الجرائم،…

وهذا بابٌ واسعٌ جدًا عظيمُ النفع، فمَن تدبّره يجده متضمنًا لمعاقبة الربّ -سبحانه- من خرج عن طاعته؛ بأن يعكس عليه مقصوده شرعًا وقدرًا، دنيا وأخرى،

🔻وقد اطَّردت سنته الكونية -سبحانه- في عباده بأن: مَن مكر بالباطل مُكر به، ومَن احتال احتيل عليه، ومن خادع غيره خُدِعَ،

🔅قال الله تعالى: *{وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ}*، فلا تجد ماكرًا إلا وهو ممكورٌ به، ولا مخادِعًا إلا وهو مخدوع ولا محتالًا إلا وهو مُحتال عليه».

"من كتاب "قواعد قرآنية" - د.عمر المقبل (باختصار)".

ღ قوت القلوب ღ
رد مع اقتباس
  #19  
قديم 01-30-2024, 11:01 PM
أم حذيفة أم حذيفة غير متواجد حالياً
مشرفة قسم الحديث
 
تاريخ التسجيل: Jul 2010
المشاركات: 2,679
افتراضي

القاعدة التاسعة عشر:

🔅 {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ} [البقرة:179]

📌هذه قاعدة من القواعد المحكمة في أبواب التعامل بين الخلق، الذين لا تخلو حياة كثير منهم من بغي وعدوان، سواء على النفس أو على ما دونها. ولنا مع هذه القاعدة القرآنية المحكمة وقفات:

📍الوقفة الأولى:

إن من تأمَّل في واقع بلاد الدنيا عمومًا -مسلمها وكافرها- فسيجد قلة القتل في البلاد التي يُقتلُ فيها القاتل -كما أشار إلى ذلك العلامة الشنقيطي، وعلل ذلك بقوله-:

«لأن القصاص رادع عن جريمة القتل؛ كما ذكره الله في الآية المذكورة آنفًا، وما يزعمه أعداء الإسلام من أن القصاص غير مطابقٍ للحكمة؛ لأن فيه إقلال عدد المجتمع بقتل إنسان ثانٍ بعد أن مات الأول، وأنه ينبغي أن يعاقب بغير القتل فيُحبَس، وقد يولد له في الحبس فيزيد المجتمع كله كلامٌ ساقط، عارٍ من الحكمة؛ لأن الحبس لا يردع الناس عن القتل، فإذا لم تكن العقوبة رادعةً فإن السُّفهاء يكثر منهم القتل، فيتضاعف نقص المجتمع بكثرة القتل».

📍الوقفة الثانية:

🔅مع قوله ﷻ -في هذه القاعدة القرآنية المحكمة- ﴿وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ﴾: ذلك أنّ الحياة أعزُّ شيء على الإنسان في الجبلة، فلا تعادل عقوبة القتل في الردع والانزجار،

💡ومن حكمة ذلك: تطمين أولياء القتلى بأن القضاء ينتقم لهم ممن اعتدى على قتيلهم، لئلا يتصدّى أولياء القتيل للانتقام من قاتل مولاهم بأنفسهم؛ لأن ذلك يُفضي إلى صورة الحرب بين رهطين فيكثر فيه إتلاف الأنفس.

📍الوقفة الثالثة:

مع تنكير كلمة "حياة" في هذه القاعدة القرآنية: ﴿وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ﴾

💡فهذا التنكير للتعظيم، أي: في القصاص حياة لنفوسكم؛ فإن فيه ارتداعُ الناس عن قتل النفوس،

▪فلو أُهمِل حُكم القصاص لما ارتدع الناس؛ لأن أشدّ ما تتوقّاه نفوس البشر من الحوادث هو الموت، فلو علم القاتل أنه يسلم من الموت لأقدم على القتل مُستخفًّا بالعقوبات،

▪ولو تُرك الأمر للأخذ بالثأر -كما كان عليه في الجاهلية- لأفرطوا في القتل وتَسلسلَ الأمر كما تقدَّم،

◁◁فكان في مشروعية القصاص حياة عظيمة من الجانبين.

📍الوقفة الرابعة:

هي مع ختم هذه القاعدة بقوله تعالى: ﴿يَا أُولِي الْأَلْبَابِ﴾ ففي ذلك تنبيه على التأمُّل في حكمة القصاص؛ ففي توجيه النداء إلى أصحاب العقول إشارة إلى أن حكمة القصاص لا يدركها إلا أهل النظر الصحيح؛ إذ هو في بادئ الرأي كأنه عقوبة بمثل الجناية؛ لكنه عند التأمل هو حياة.

🔅ثم قال: ﴿لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ إكمالًا للعلة، أي: لأجل أن تتقوا، فلا تتجاوزوا في أخذ الثأر حدَّ العدل والإنصاف.

"من كتاب "قواعد قرآنية" - د.عمر المقبل (باختصار)".

ღ قوت القلوب
رد مع اقتباس
  #20  
قديم 01-31-2024, 10:22 PM
أم حذيفة أم حذيفة غير متواجد حالياً
مشرفة قسم الحديث
 
تاريخ التسجيل: Jul 2010
المشاركات: 2,679
افتراضي

قواعد قرآنية

القاعدة العشرون:

🔅 {وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ} [الحج:18].

📌 هذه قاعدة من القواعد المحكمة في أبواب العدل والجزاء، ولتدبرها أثرٌ في فهم المؤمن لما يراه أو يقرأه في كتب التاريخ، أو الواقع من تقلبات الزمن والدهر بأهله، سواء على مستوى الأفراد أو الجماعات.

📍وإذا كان الشرك بالله هو أعظم صورةٍ يذلُّ بها العبد نفسه، ويدسّها في دركات الهوان؛ فإنّ ثمةَ صورًا أخرى -وإن كانت دون الشرك- إلا أن أثرها في هوان العبد وذله ظاهر بيّن: إنه ذل المعصية، وهوان العبد بسببها.

💬 يقول ابن القيم موضحًا شيئًا من معاني هذه القاعدة القرآنية المحكمة، وهو يتحدث عن شيء من شؤم المعاصي، وآثارها السيئة:

«ومنها: أن المعصية سببٌ لهوان العبد على ربه وسقوطه من عينه، قال الحسن البصري: هانوا عليه فعصوه ولو عزوا عليه لعصمهم!

❗وإذا هان العبد على الله لم يكرمه أحد، كما قال الله تعالى: {وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ} ! وإنْ عَظّمهم الناس في الظاهر لحاجتهم إليهم، أو خوفًا من شرهم، فهم في قلوبهم أحقر شيء وأهونه…»

💬 وقال ابن القيم -وهو يتحدث عن بعض عقوبات المعاصي-:

«أن يرفع الله -ﷻ- مهابته من قلوب الخلق، ويهون عليهم، ويستخفون به، كما هان عليه أمر الله، واستخفَّ به، فعلى قدر محبة العبد لله يحبه الناس، وعلى قدر خوفه من الله يخافه الناس، وعلى قدر تعظيمه الله وحرماته يعظم الناس حرماته! وكيف ينتهك عبدٌ حرمات الله ويطمع أن لا ينهك الناس حرماته؟! أم كيف يهون عليه حق الله ولا يهوّنه الله على الناس؟! أم كيف يستخف بمعاصي الله ولا يستخف به الخلق؟!

💡وقد أشار -سبحانه- إلى هذا في كتابه عند ذكر عقوبات الذنوب، وأنه أُركس أربابها بما كسبوا، وغُطي على قلوبهم، وطُبع عليها بذنوبهم، وأنه نَسِيهم كما نسوه، وأهانهم كما أهانوا دينه، وضيّعهم كما ضيعوا أمره.

🔅ولهذا قال تعالى -في آية سجود المخلوقات له-: {وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ} فإنهم لما هان عليهم السجود له، واستخفوا به ولم يفعلوه؛ أهانهم فلم يكن لهم من مكرم بعد أن أهانهم، ومن ذا يكرم من أهانه الله أو يهن من أكرم؟!».

📌وفي كلمة ابن القيم الآنفة: «ومن ذا يُكرم من أهانه الله، أو يُهنْ من أكرم» إشارة إلى معنى يفهم من هذه القاعدة القرآنية المحكمة وهو: أن من أكرمه ربه بطاعته، والانقيادِ لشرعه ظاهرًا وباطنًا؛ فهو الأعز الأكرم، وإن خاله المنافقون أو الكفار على خلاف ذلك، كما قال من طمس الله على بصائرهم من المنافقين وأشباههم: {يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ} [المنافقون:8] إي والله.. لا يعلمون من هم أهل العزة حقًا!
ألم يقل الله: {وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [آل عمران:139]؟!

⁉وكيف يشعر المؤمن بالهوان وسنده أعلى؟! ومنهجه أعلى؟! ودوره أعلى؟ وقدوته ﷺ أعلى وأسمى؟!

❓فهل يعي ويدرك أهل الإيمان أنهم الأعزة حقًا؛ متى ما قاموا بما أوجب الله عليهم؟

أسأل الله تعالى أن يجعلني وإياكم منهم، وأن يكرمنا وإياكم بطاعته، ولا يذلنا ويهيننا بمعصيته.

"من كتاب "قواعد قرآنية" - د.عمر المقبل (باختصار)".

ღ قوت القلوب
رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع



أوقات الصلاة لأكثر من 6 ملايين مدينة في أنحاء العالم
الدولة:

الساعة الآن 11:30 AM بتوقيت مسقط


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. Designed & TranZ By Almuhajir
Powered & Developed By Advanced Technology