قاعدة الثانية عشرة:
🔅* {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ}* [الحجرات:13]
📌هذه الآية العظيمة جاءت في سورة الحجرات، -وإن شئت فسمِّها: جامعة الآداب-، فبعد أن ذكر الله جملةً من الآداب العظيمة، والخلال الكريمة، ونهى عن جملة من الأخلاق الرذيلة، والطباع السيئة، قال -مقررًا الأصل الجامع الذي تنطلق منه الأخلاق الحسنة، وتضعف معه أو تتلاشى الأخلاق السيئة، وأنه معيار التفاضل والكرامة عند الله-: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} [الحجرات:13].
💡لن يتبيَّنَ لك موقع هذه الآية الكريمة إلا إذا استعرضتَ في ذهنك شيئًا من الموازين التي كان يتعامل بها عرب الجاهلية في نظرتهم لغيرهم من غير قبائلهم، سواء كانوا من قبائل أخرى أقل منهم درجة في النسب، أو في نظرتهم للأعاجم، أو في تعاملهم مع العبيد والموالي!
🔅وإليك هذا الموقف الذي وقع في حياة النبي ﷺ وحدّث به الصحابي صادق اللهجة أبو ذر -رضي الله عنه- قال: إنه كان بيني وبين رجل من إخواني كلام، وكانت أمّه أعجمية فعيَّرتُه بأمِّه، فشكاني إلى النبي -ﷺ-، فلقيت النبي ﷺ فقال: "يا أبا ذر إنك امرؤ فيك جاهلية"! قلتُ: "يا رسول الله، مَن سبّ الرجالَ سبوا أباه وأمه"، قال: "يا أبا ذر إنك امرؤ فيك جاهلية، هم إخوانكم جعلهم الله تحت أيديكم فأطعموهم مما تأكلون، وألبسوهم مما تلبسون، ولا تكلفوهم ما يغلبهم، فإن كلفتموهم فأعينوهم" [الراوي : أبو ذر الغفاري | المحدث : مسلم | المصدر : صحيح مسلم | الصفحة أو الرقم : 1661 | خلاصة حكم المحدث : [صحيح]].
💡فهذا أبو ذر مع صدق إيمانه، وسابقته في الإسلام، لامَه النبي ﷺ، وعاتبه لما خالف هذه القاعدة القرآنية العظيمة، وعيّر الرجل بمنطق أهل الجاهلية!
🔅أما سيرة أصحابِهِ -رضي الله عنهم- والتابعين لهم بإحسان فالمواقف فيها كثيرة وعظيمة، أكتفي منها بهذا الموقف:
كان علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب -رضي الله عنهم -المعروف بـ"زين العابدين"، وهو من سكان مدينة النبي ﷺ- إذا دخل المسجد، يتخطى حِلَق قومه من قريش، حتى يأتي حلقة زيد بن أسلم -وهو مولى لكنه من علماء المدينة الكبار في زمانه- فيجلس عنده، فكأنَّ بعض الناس لامه: "كيف تجلس -وأنت الرجل القرشي وحفيد النبي ﷺ- عند رجل من الموالي؟!"؛ فقال كلمةً مِلؤها العقل: "إنّما يجلس الرجل إلى من ينفعه في دينه".
💡إنَّ مِن عظمة هذا الدين أنه لم يربط مكانة الإنسان ومنزلته عند الله بشيء لا قدرةَ له به، فالإنسان لا يختار أن يكون شريف النسب -مثلًا-، ولم يربطه بطولٍ ولا قِصَر، ولا وسامة ولا دمامة، ولا غير ذلك من المعايير التي ليست في مقدور البشر، بل ربطه بمعيارٍ هو في مقدور الإنسان.
💬 قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "وليس في كتاب الله آية واحدةٌ يَمدح فيها أحدًا بنسبه، ولا يَذُمُّ أحدًا بنسبه، وإنما يمدحُ الإيمانَ والتقوى، ويذمّ الكفرَ والفسوقَ والعصيان".
⚠ وإنّ مما يؤسَف عليه -في واقعنا المعاصر- وجود أمثلة كثيرة مخالفة لهذه القاعدة الشريفة: (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ) والتي أدَّت إلى ذوبانِ المعايير الشرعية عند البعض!
⇦فليتَّقِ الله مَن يسمع ويقرأ قول ربه: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} من التفاخر المذموم، وليعلم المؤمن أن من بطَّأَ به عمله لم يُسرِع به نسبه.
نسأل الله أن يعيذنا من أخلاق أهل الجاهلية، وأن يرزقنا التأسّي برسوله -ﷺ- في جميع أمورنا.
"من كتاب "قواعد قرآنية" - د.عمر المقبل (باختصار)".
ღ قوت القلوب
التعديل الأخير تم بواسطة أم حذيفة ; 01-22-2024 الساعة 10:16 PM
|